تقدمت للكثير من الشركات لطلب العمل ، تم قبولي في إحداهن بمدينتي الحمد لله ، كنت أعمل في شق الترجمة ، بعد خمسة أشهر من العمل طلب مني المدير مرافقته إلى فرنسا ليعقد صفقة عمل وسيحتاجني للترجمة ، طبعا ذهبت وهناك تغير مسار حياتي من جديد .
عند وصولنا كان كل شيء عاديا ، تم استقبالنا من طرف مدير الشركة التي لديها شراكة معنا ، نزلنا في أحد الفنادق في مدينة ليون حيث مقر الشركة ، بعده ذهبت مع المدير ومرافقيه لدراسة الصفقة ،  في إحدى الصالات وجلسنا عند الطاولة المستطيلة في انتظار البقية ، مهمتي كانت كتابة التفاصيل وترجمة بعض النقاط المستعصية على المدير ، أثناء جلوسنا دخل شخص اهتزت مع خطواته كل خلايا جسمي !!
كان " فؤاد" ، الشخص الذي أحببته من صغري ، رغم طول المدة والغياب ، ملامحه لم تتغير ، فقط أصبح رجلا فارع الطول وممتلئا عما كان . ألقى التحية وجاء ليسلم علينا ، لم أكن أتصافح مع الرجال لكوني محجبة ،
عندما مد يده خجلت من الوضع فبقيت مطأطأة الرأس ، ربما وضعته في موقف محرج لكن لا بأس ، لم أكن لأتراجع عن مبادئي !
مضى في سبيله وجلس ، لم أرفع رأسي ولم أنظر اتجاهه كي لا أتوتر ، اكتمل الجمع وبدأ الاجتماع ، بعد أزيد من ساعتين وقعت الصفقة بين مديري و" فؤاد " الذي كان وكيلا لصاحب الشركة الغائب ، وقع باسمه ،، في الٱخير جاء إلى المدير فدعانا للعشاء بمناسبة الصفقة وهذه طبعا من #البروتوكولات !
انصرفت جانبا وخرجت من القاعة وذلك لأتصل بأمي وأطمئن على ابنتي ، أنهيت المكالمة وسمعت صوتا ورائي ، استدرت فوجته واقفا بطوله !
ارتعدت ولم أعرف وقتها ماذا أقول ! ربما لاحظ توتري وقال : ٱسف ، ألست ريهام !؟ اسمك ريهام من مدينة "...."  أليس كذلك ، أظنني أعرفك ؟
قلت له بلى هي أنا ، قال أنا فؤاد ألم تتذكري ؟ جاركم ، لم أكن أنظر فيه لكنني أحسست به فرحا من نبرة صوته ، كان متحمسا ، أجبته أني قد تذكرته أيضا ،
سألته عن عائلته وهو كذلك .. علمت أن عمه هو مدير الشركة وهو مريض لذلك وكّله نيابة عنه ، وأنه تخرج من الجامعة وفتح عيادته في ليون وينوي كذلك العودة ليشتغل في المغرب ،
كان يعلم أنني تزوجت لكنه لم يعلم أني تطلقت وولدت !
بعد ربع ساعة تقريبا من الحديث ، وقد قاطعنا المدير فأخبرته أنه كان صديقا في الطفولة وجارا ..
ودعته وذهبنا للفندق ، لا يمكنني أن أصف شعوري لحظتها ، كان خليطا من الفرح والحزن والحب والندم والشوق والألم .... !

بعد ثلاثة أيام أخرى في ليون حان وقت العودة كنت قد خرجت في أحد الأيام وأخذت هدايا لأسرتي ، ذهبنا صباحا إلى المطار رافقنا المدير العام للشركة ، وعند وصولنا وجدنا فؤاد أيضا في انتظارنا ، لم أتوقع ذلك أبدا ، بل قلت إنه لقاء عابر ولن أراه ثانية ، تبادلنا التحية وحين وصل عندي مد لي كيسا وقال لي هذه هدية بسيطة لابنتك ، شكرته طبعا ، مد لي ثانية علبة صغيرة وبطاقة وقال هذا لك ، راسليني حينما تصلين لأطمئن ، وعدته وودعته ومضيت ،.
بعد ثلاثة أيام اتصلت به ، كنت مترددة كثيرا ، لم أتشجع قبلها نهائيا ، اتصلت به وتحدثت معه باختصار شدييييد وأنهيت المكالمة في أقل من دقيقتين ...
مضت الأيام ثقيلة لأنني بلقائه ذلك كمن أفرغ وقودا على نار هادئة ، عادت كل الأشواق وعاد كل الحب بل زاد ، وزاد العذاب والألم ، وزاد تمسكي بالصبر وبالله ، وكنت أحاول جاهدة أن أملأ كل وقتي وأتفرغ للعمل والصلاة والرياضة وابنتي والمنزل  ، كي لا أترك للشيطان فرصه ، لكن القلب خارج عن طاعتي ، به ما به ...

قصص واقعية (لهدير ابراهيم)Where stories live. Discover now