الغريب

75 13 2
                                    

هذه القصة حقيقية وتاريخية لكني سمعتها من والدي

في مدينة بابل (الحلة) كان احد شيوخ العشائر المعروفين يجلس في ديوانه وكبار العشائر من حوله وهو كان يتكلم وفي قلبه حسرة  وصوته يلفت الانتباه لسامعيه
قال: في احد الايام كنت في مضيفي ودخل علي شاب تبدو عليه سيماء الصالحين وكان حسن الوجه وله هيبة تجعل اي شخص يحترمه ولو لم يكن يعرفه
قلت له: ما بالك يا ولدي
قال: انا مسافر غريب جئت الى هنا لأني علمت ان فيها مشايخ تعير للأخلاق والدين اهمية وللضيف احترامه
قلت له: تفضل ياولد اهلا وسهلا بك الدار دارك
شكرني وضيفته على احسن وجه ولكنه في اليوم التالي قال لي: اريد ان ابحث عن عمل فلي نية بالاستقرار هنا وليس يليق بي ان ابقى دون عمل
قلت له: ايام الضيافة ثلاثة ايام ايها الشاب ستنتهي ولك ما طلبت

انتهت الايام الثلاثة للضيافة والتي عادات العرب لا يسألون الضيف عن اسمه ولا عن وجهته الى ان تنقضي هذه الايام الثلاثة وان لم يجب الضيف عن سؤالهم لا يعودون لسؤاله

سألته: ما اسمك ياولدي
قال لي: ادعوني بعبدالله فلي اعذاري بأن لا ابيح اسمي ولا حياتي
فسكت ولم اكرر سؤالي معه وانه اجابني عما سألته
قلت له عندي في الحسينية احتاج لعامل يروي الناس فأجابني
حسنا سأروي الناس فمن افضل ممن يروي عطش الناس ثوابا وخاصة في مكان خصص لمجلس عزاء مولاي ابي عبدالله
هنا عرفت ان هذا الشاب موالي
في اليوم التالي بدأ بعمله مقابل اجر بسيط ولكن ما ابهرني به حسن خلقه ومعاملته للناس وتواضعه وبكائه العجيب على مقتل الامام الحسين عليه السلام والتزامه بصلواته وعباداته وقيامه الليل وحسن منطقه كأن الله وضع فيه كل ماهو جميل
الحقيقة اعجبني بشدة هذا الشاب فقررت تزويجه ابنتي بعد عام من مكوثه معنا
فقال لي: هذا كرم منك ولكنك لا تعرفني وانا فقير
قلت له: ان الله يقول ان اكرمكم عند الله اتقاكم ومن افضل من الله تقييما للأنسان واما الفقير فيغنيه الله وانا اريد تزويجك ابنتي لما رأيت من اخلاقك الطيبة .
فقبل عبدالله بعرضي وعمل في بستاني وبنى له بيتاً بسيطا ورتب امور زواجه التي لم اثقل كاهله بها
وبعد ايام تزوج من ابنتي وعاش معها وكنت كلما سألتها عنه قالت هو خير الرجال وحسن المعاملة معي
مرت ايام وحملت ابنتي وما هي الا اشهر فأنجبت فتاة جميلة ففرح كثيرا بها وقبلها وقال سأسميها فاطمة

مرت السنوات وكبرت البنت واصبح عمرها خمس سنوات وفي يوم لازمه المرض واشتد عليه فبعث ألي وعندما جئت طلب مني الجلوس بقربه لانه يريد أن يحدثني بشئ مهم

قال:  يا عمي انت رجل نعم الاخلاق اخلاقك ولم تقصر معي يوما ما عاملتني كأبنك وزوجتني بأبنتك وها انا ارقد على فراش المرض وقد رأيت ان اجلي قد حان
قلت له وانا ابكي: لا تقل ذلك ياولدي فأنت مازلت شابا ولديك ابنة تحتاجك
قال: اريد أن اوصيك بأبنتي اتتذكر عندما جئت اليك غريبا واويتني واردت ان تعرف من أنا
انا اسمي القاسم بن موسى الكاظم حفيد رسول الله وهذه ابنتي ابعثوها للمدينة بعد وفاتي لتلتقي ببني هاشم

لما سمعت ما قال بكيت بشدة وقلت كيف تكون ابن الأمام اخو الامام وانا جعلتك تخدم الناس ولم اقدرك كما يجب
ابتسم بوجهي وقال: بل انت لم تقصر وانا لم ارد ان يعرف احد هويتي حتى تعاملوني كما كنت شخصا عاديا وايضا كنت متخفيا من عيون الخليفة لأنهم عزموا على قتلي فلم أجد بداً من التخفي والمجئ من المدينة المنورة الى العراق ولما التمست فيك الخلق والعقل الراجح استقريت هنا وانت زوجتني دون ان تعرفني
قلت له: لقد شككت فيك عندما رأيت منك من فضائل احدث نفسي دائما هذه صفات اولياء الله
تكلم وقال :ارجوك ياعم لا تبوح بالسر حتى وفاتي وخذوا ابنتي لأعمامها لبني هاشم في مدينة جدي صلى الله عليه واله وسلم
بعدها فارق الحياة ودفن حيث لايزال مرقده الشريف في الحلة وقد تشرفت تلك العشيرة بمصاهرته
وبعد مدة بعثوا فاطمة ابنته الى المدينه وما ان دخلت لمكان بني هاشم حتى اسرعت لأحد المنازل كأنها تعرفه فطرقته وخرجت امرأة كبيرة في السن يعلوها الوقار وما ان رأت الفتاة حتى قالت نعم ان فيك رائحة ابني القاسم فحضنتها وبكت وشكرتنا على اعتنائنا بحفيدتها

حكايات اهلناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن