الفصل الثالث والخمسون (الرهان على خوفها)

Start from the beginning
                                    

هل اتفقوا جميعا على أن يخبروها أنها لا ترافق سوى التخلي؟... التخلي متجسد في هيئة بشر؟، لما يخبرها الجميع بالحديث ذاته... ستتعلق روحِك به وبعدها يأخذ روحك ويرحل... وتظلِ أنتِ معذبة أبدا.
نفضت عن رأسها هذه الأفكار السامة، هو شخص جيد، ليس بكاذب... لم تعهده أبدا هكذا... انتظر "عيسى" ردها على ماقالته "قسمت"، بالتأكيد حديث كهذا نجح في زراعة التذبذب في نفسها والآن سيأتي رد غير واضح ولكنها خيبت أمله حين استدارت تخبرها:
أشك أنك احتاجتيه وملقتيهوش، علشان أنا مفيش مره احتاجته فيها وملقتهوش جنبي... تابعت بعينين
لامعتين اتحدتا بعيونه التي تستمع قبل أذنه لكل ما تتفوه به... تابعت وهي تتذكر حين فرت هاربة وكانت ستقع في فخ " باسم" وكان هو منقذها الأول، تتذكر المشهد جيدا وهو يسحب مرفقها ويخرج بها من تلك الغرفة في الملهى الليلي وتحاوطها أخيرا السكينة بوجوده:
حتى في الأوقات اللي هربت فيها منه، ورفضت وجوده، لحقني.... أقولك اللي مش هتصدقيه؟
ذكرى آخرى تتجسد أمام عينيها حين قررت أن تهرب للمياه، وأن تُنهي حياتها وفاقت لتجد أن ما يحتضنها ليس المياه إنما هو.... شعرت بدقات قلبها تتزايد وهو يطالعها هكذا بعينيه الصافيتين وقد شعرت أنهما يحفظا كل تفصيلة بها وهي تقول:
لما اختارت أبعد عن الدنيا كلها، وأمشي لموتي برجلي، كان هو أول واحد من الدنيا كلها يقف في طريقي ويلحقني.

كانت ستقول "قسمت" ردها ولكن منع ذلك "عيسى" الذي جذب "ملك" من يدها وأدخلها إلى المنزل ثم عاد للواقفة أمامه والتي سألته ضاحكة:
دخلتها ليه بس؟... ولا أنت خوفت أقولها، إن الأصعب من اللي قالته ده كله إنك تفضل تقف معاها، تقف معاها لحد ما تتعود إنك بتقف من غير ما هي تطلب، وأول ما تتعود أنت بتتبخر.

حتى هذه اللحظة يراعي ما وصلت له "قسمت" لذلك يحاول جاهدا ألا ينفعل أبدا وظهر هذا في نبرته وهو يقول:
اه دخلتها علشان متسمعش حاجه تضايقها، امتى اتبخرت وسيبتك؟... أنا طول الوقت كنت جنبك، وقفت معاكِ وسمعتك أكتر ما سمعت أختي اللي محتاجاني، وأول ما اتشغلت شويه واتسحلت في حياة جديده لازم ابنيها وابتدي فيها، عملتي كل حاجه غلط وسببتيها في إهمالي أنا.

صححت له بدموع:
لا أنت مهمل فعلا أنا مش كذابة، الناس اللي انا اتلميت عليهم دول أنا أول مره اتعرفت عليهم كان عن طريقك.. ولما أنت استخسرت فيا وجودك هما أول ناس استغلوا الفرصة.

كرر خلفها باستنكار:
استخسرت وجودي!... ولما قعدت ألف وراكي، وأحاول أعرف مالك وأوضاعك متغيرة ليه ده مكانش وجودي؟... هما مكانوش صحابي على فكره يا "قسمت"، هما كانوا ناس في السباق زيهم زي الكل ومش معنى انهم جم كلموني انك تبقي اتعرفتي عليهم عن طريقي، حتى لما عرفت انهم وحشين مجتش حذرتك علشان مجاش في بالي انك هتروحي تصاحبي ناس جمعك بيهم سلام في سباق من ضمن عشرين سباق بيتعملوا كل يوم... وأنا أسف لو أنتِ شايفة إن ده هو اللي وصلك لكده.

وريث آل نصران Where stories live. Discover now