الفصل الثاني والعشرون (قالت أوافق)

Start from the beginning
                                    

خرج من المنزل وقد أدى غرضه من هذه الزيارة، هذا المكان قاتل بالنسبة له، كل زاوية في هذه القرية تذكره بمقتل شقيقه، تردد على ذهنه ما حكته "ملك" يوم وفاة "فريد"، كان سيذهب، ولكنه وجد سيارة قد توقفت جواره، إحداهن تخرج منها مناديه بصوت مميز:
" عيسى" .

لم يستدر، بل توقف... وكانت حالتها هي لا تقل سوء أبدا، هل هو هنا حقا بعد هذه الأعوام، وكأن أحدهم سلب روحها منها وأعادها لها في اللحظة التي رأته فيها، إنه لم يتغير، شيء واحد فقط حدث... ازدادت جاذبيته، هذا الشخص الذي سلبها منها رغم عنها.... انتظرت دقيقة حتى استدار، بريق عينيه حاوطها، "ندى"  يصفها العمر لا الكلمات، مازالت كما هي بخصلاتها البنية المموجة، وعيناها وقد امتزجا بلون خصلاتها، احتشدت مشاهد كثيرة في رأسه وهي تقول بعدم تصديق:
انا مش مصدقة إني شوفتك.

تعلم أنه من الاسكندرية، ولكنها عهدته بعيدا عن هذه المدينة، حتى بعيدا عن مسكن عائلته الواقع هنا، أما هو فمنذ أن افترقا ولم يعد يسأل تماما، اخر ما عرفه عنها هو زواجها وقد أخبره "بشير" أنها تزوجت أحدهم من الاسكندرية.
فقد اسمك معناه يا ندى، ألم يكفي احتراقي من قبل لتأتي الآن مجددا!
تنحنح قبل أن يقول:
اللقا والبعد دول أصلهم بإيد ربنا.
يتذكر جيدا من قال هذه الجملة له، إنها "ملك" حين قالتها له أمام قبر "فريد"... لم يجد أنسب من جملتها للرد على " ندى" .

لم تتركه عيناها، بل أحاطت به ولم تفلته حين عرضت برجاء:
أنت رايح فين؟... ممكن أخدك معايا طالما مش معاك العربية.

خرجت للتجوال بعد شجار نشب بينها وبين زوجها، كانت مقررة الذهاب إلى أحد المقاهي الشبابية خارج هذه القرية ولكنها وجدته.... انتظرت إجابته على أحر من الجمر حتى نطق:
أنا راجع بيتنا، مش رايح حتة.

سألت بعينين كانت الدموع ستبدأ بالتجمع فيهما ولكنها حاربت جاهدة كي لا يظهروا :
لسه متجوزتش ليه؟

تتابع أخباره إذا، علمها بأمر مثل هذا يعني أنها تعرف عنه الكثير، انتظرت مبرر يرضي شيء داخلها ولكنه حطمها بقوله:
قرار زي ده المفروض الواحد يتأنى فيه، وأنا زي ما أنتِ عارفة بحب أخد وقتي في كل حاجة بعملها.

حديثه صحيح، هي لم تحسن الاختيار أبدا، ولكن شيء ما دفعها للقول:
والسنين اللي عدت دي مش وقت كفاية علشان تختار؟

ابتسم قبل أن يردف بثقة:
لا ما انا اختارت خلاص،
و هتسمعي عني أخبار حلوه أوي عني قريب.

قال اخر كلماته، وتحرك ليغادر ولكنه سمعها تقول من الخلف، واستطاع تمييز النبرة الحزينة وهي تنادي:
عيسى
انتظر بقية قولها حتى سمعها تقول وهي تجاهد كي لا تبكي:
مبسوطة إني شوفتك.

استدار لها يخبرها بهدوء مزقها:
كنت زمان بسمع جملة تانية خالص... استطاع الآن سماع جملتها تتكرر في أذنه:
أنا بقيت أخاف لما بشوفك.

وريث آل نصران Where stories live. Discover now