اسكربتات هالة أحمد

{54}

الحُب للجميلات ..
كَم سمعتُ هذه الجُملة في صِغري حتي أصبحتُ أُؤمن بها ، الجميلاتُ وحدهنّ من يستحقنّ الحُب وروعته ، والقبيحاتُ مثلي لا يستحقنّ غير عنائه ومشقته ! ، نحنُ من نظفرُ دائماً بقصصِ الحُب من طرفٍ واحدٍ ..غيرِ مسموحٍ لنا بأكثر من ذلك ..كم وقفتُ أمام مرآتي مِراراً وسألتُها تكراراً كيف لقبيحةٍ مثلي سمينة ،وجبهتُها واسعة ،وأنفها كبير وأسنانها تحتضنُ بعضها البعض أن تلقي الحُب ذات يوم ؟ ، أي رجلٍ كفيفٍ هذا يُحبني ؟ ، ولكن دائماً ماكنتُ أتطرقُ إلي فكرة أن الجمال جمال الروح وليس الوجه ، وأن لا علاقة للحب بالجمال ..
حتي كبرتُ ..بحثتُ عن من يُحبني ولم أجده ، وجَدهُ جميعُ صديقاتي وأنا المنبوذةُ دائماً ، كم حزنتُ وكم بكيتُ حتي رأيتُ جميع قصص الحُب من حولي تنهار ! ..
لا يوجد قصة حُب إكتملت بالشكل المتوقع لها ..بل أنتجت أشخاصاً يعانون الإكتئاب والوحدة والحُزن ، جميع صديقاتي ومن حولي من كانوا في علاقاتِ حُب إنتهت بالفشل الزريع ..حتي أُصِبتُ بفوبيا الحُب والزواج ، خِفتُ الإرتباط ، كان يجول في عقلي دائماً وأنا صغيرة أنّ قصص الحُب جميلة ورائعة ، كل قصةِ حبٍ لها رونقها الخاص والمُبهر ..حلمتُ كثيراً أن أُجرب هذا الحب حتي كبرت ! ، فاعلمتُ أنّ كل ماكان يجول في خاطِري ماهو إلا أوهام طفلة مراهقة وخيالٌ مبالغ فيه ، فقدتُ نظرتي الجميلة للحُب ..لكنّني لم أفقد تعجبي من نهاياته ! ، نهاياتٍ مؤلمة وأشخاص باتت القسوة في تاريخ علاقاتهم ، كيف لشخصٍ عرف الحُب أن يجرح قلباً أحبّه ؟ ، ألف سؤال لا إجابة له ..ورغم أن قصص الحب مختلفة ولكن دائماً نهاياتها مُتشابهة وباتت معروفة  ، كنت أحلمُ لصديقاتي بقصصِ حُبٍ صادقة وجميلة ..ماكنتُ أتمني أبداً أن يتملكهم الألم بهذه الدرجة في كل قصةِ حُب شاهدوها ، كل هذه التجارب والألم كان كفيلاً بالنسبةِ إليّ أن أُُقسم علي قلبي بعدم الوقوع في الحُب دائماً وإلي الأبد ..حتي أنّني كنتُ أتجنبُ جميعَ الرجال كبيرهم وصغيرهم حتي أحمي قلبي علي أكملِ وجه ، قلبي جميل ..لا يستحقُ عناء الحُب ومشقته ، وقُبحي ساعدني علي أن أهجره .
سنواتٍ عديدة مرت ولم تتغيّر نظرتي للحب وكوني قبيحة ، حتي إلتقيتُ بـ '' عبدالرحمن '' ، هذا الشاب الذي إنتقل إلي مقر عملي حديثاً ..كان جميلاً للغاية ..جماله جذاب ، خفتُ مجدداً أن أقعَ في الحُب فاخبّئتُ قلبي بعيداً عنه ، لا أنظرُ إليه ولا ألتفتُ له ..لا أُعيرُه أي إنتباه ، فإكتشفتُ مؤخراً أن كل هذه الحركات كانت تُعبر عن مدي إنتباهي له .
الغريبُ أنّ أعينَ الفتيات في العمل كانت تطارده هو دائماً ، ولكن عيناهُ هو كانت تُطاردٌني أنا ! ، ألهذه الدرجةِ قُبحي مُلفِت ؟ .
ماكنتُ أعلمُ أنه معجبٌ بي إلّا حين صرّح لي بذلك ، لأولِ مرة في حياتي أشعرُ بضرباتِ قلبي السريعة التي باتت أن تتوقف من شدتها ، ماكنت أعلمُ أنّ كلماتِ الإعجابِ والحُب بإستطاعتها بعثرة إنسان من الداخل ، وبإمكانها هدم كل الحصون التي تُحاوط قلبي لتحميه ، الإنسان حقاً ضعيف لمشاعر الحب .
لكنّني مازلتُ أخافُ الحُب وآلامه ، لذلك كنتُ أتهربُ من '' عبدالرحمن '' ومن رؤيته ، من الممكن أن نقعَ في الحُب ولكن النهاية معروفةٌ جداً ، وغبيٌ من لا يتعلمُ من أخطاءِ الآخرين ، ولكن مطاردته لي وإلحاحه الشديد الذي يفقدُني حصوني جعلني أُوافِق أن أخرج معه في موعد ، كنت مضطربةٌ جداً وخائفة ، لم أتزين في هذا اليوم كنتُ أريده أن يري قُبحي جيداً حتي ننهي هذه المهزلة .
كنتُ جالسة في الكُرسي المقابل له نتناول العشاء معاً حين سألته :

- هل وقعتَ في الحُب قبل ذلك ؟

'' إبتسم قائلاً ..''

= مارأيكِ أنتِ ؟
- لابُد أنكَ وقعتَ في الحُب كثيراً ، فأنتَ جميلٌ جداً ومن المؤكدِ أنّ هناك جميلات أيضاً وقعن في حُبك
= وماذا عنكِ أنتِ ..هل وقعتِ في الحُب قبل ذلك ؟
- لا ، وهذا شئٌ جميل ..فالحُب داءٌ خبيث إن أصابَ قلباً أهلكه
= ولكنني وقعتُ في الحُب كثيراً ولم أهلك بعد
- من الواضح أنّ الذي أصابكَ كان حُباً حميداً ، وهذا يعني أنكَ لم تقع في الحُب بشكلٍ كامل
= الحُب جميل ، الأشخاصُ هم الخُبثاء ..أُريدكِ أن تعلمي أن ليست كل قصصِ الحب فاشلة أو سيئة ، الأشخاص هم السيئون ، نحنُ من نُسيئ الإختيار ..ولابُد أن هناك قصص حب كثيرة إكتملت وعاش أشخاصها سعداء ، صدقيني الحُب شعورٌ لذيذ
- لم أُجربه بعد ، ثم أنني قبيحة ..من ياتُري فاقد البصر هذا الذي يقع في حبي
= أنتِ قبيحة ؟
- نعم ! ، ألم تري جِبهتي العريضة الواسعة ؟

'' نظر إلي جِبهتي مُطولاً ثم قال ..''

= نعم ..واسعةٌ جداً
- وأنفي كبير
= حقاً
- سمينةٌ أيضاً
= هذا صحيح
- وأسناني ، ألم تري أسناني وشكلها البشع ؟
= لا لم أراها ..إبتسمي لآراها

'' إبتسمتُ ، فابتسمَ هو أيضاً وقال ..''

= بشعةٌ جدا

'' ضحكنا ..ثم قال لي ..''

= صحيح أنكِ قبيحةٌ بعض الشئ ، ولكن إن قال لكِ أحدهم ذاتَ مرة أنكِ جميلة فاعلمي أنه يُحبكِ
- ولِما ؟
= لان العاشق وحده من يري حبيبه جميلاً

'' نظراته أوقعتني في بئرٍ عميق من شعور اللذة والإطمئنان ..سألته ..''

- وأنت ..كيف تراني ؟

'' رأيتُ مافي عينيه جيداً ، أمنعتُ النظر فيهما حتي أتأكد من صدق ماوصل إليّ ، فأجابني بلسانه قائلاً ..''

= أنتِ جميلةٌ جداً ..❤
- ألم تري جبهتي وأنفي و ...
= رأيتُ عينيكِ الجميلة ، وإبتسامتكِ الرائعة ، وشعركِ الساحر ..لم أري فيكِ إلا الجميل

'' لم أكن أعلمُ أن عينيّ جميلة إلا حينما قال هو ذلك ، ولم أُلاحظ مسبقاً أن إبتسامتي رائعة ..وشعري ، حقاً شعري جميل وساحر ..
الحُب شئ مُبهم وغامض ، صعبٌ تفسيره ..وبعد كل هذه السنواتِ وبعد كل هذه الحصون ، أقعُ أنا في الحُب ! ، وكأن الحب هذا يمشي في الهواء الطلقِ ..ومن السهلِ أن يستنشقه كل البشر ، لذلك الحصون لا تنفع ..تُهدم في لمحِ البصر ..شعور الحُب حقاً شعورٌ غريب ..لكنه لذيذ ، حتي أوجاعه أحياناً ماتكون لذيذة ..حينما نكون مع الشخص المناسب ، وهذا الشخصُ المناسب أوضح لي أن الحب ليس للجميلات ..الحُب من يصنع الجميلات ..وكم أنا جميلةٌ حقاً ..❤

#هالة_أحمد