🌸الفصل الخامس والخمسون🌸

3.5K 193 55
                                    

((الجزء الأول من الفصل))

و داخل قسم الشرطة التابع لمنطقة المجمع السكني
جلس حسن بجانب إيمان التي تفرك كفيها بقلق قائله له بصوت خافت معتذرة:
_أسفه جدا ياحسن بسبب المشكلة ديه فاتتك الطيارة مش عارفه ازاى راجل زي ده قدر يدخل من البوابة أصلا.
قال حسن بهدوء وهو يرفع إطار نظارته الطبية بطرف سبابته:
_بتتأسفي ليه انتى او حتى صبا ذنبكم إيه؟ كله من الراجل الهمجي ده.
همهمت بحزن:
_طيب طاهر المسكين ده ذنبه إيه؟ عشان ياخدوه.
تنحنح حسن مبتسم وهو يهز رأسه قائلا:
_طاهر ضرب الراجل شئ طبيعى انهم ياخدوه معاهم ده أقل واجب الحمدلله مكنش معاه سلاح.
شهقت إيمان تضع كفها فوق ثغرها وهمهمت بعيون متسعة:
_سلاح!! هو ممكن كان يقت..له ياحسن.
هز حسن رأسه قائلا بتأكيد:
_اه ممكن يطخه بس مش في مجتل.
رفعت وجهها نحوه وهتفت بنبرة أستغراب من كلمته الأخيرة:
_مجتل، يعني إيه؟
ضحك حسن يخفى وجهه خلف كفه الذي مسح به صفح وجهه:
_اقصد مقتل، يعني مش أصابة مو..ت، نوع من أنواع التأديب لأنه راجل حقير.
همهمت تهمس بصوت ضعيف مصحوب بتنهيدة:
_ربنا يستر، حسن مش أتاخروا جوه.
استقرت عيناه على الباب المغلق منذ أكثر من ساعة
قائلا:
_لا ماتخروش ولا حاجه ده تحقيق، أن شاء الله أستاذ عمرو يخرج طاهر بكفالة.
هبت إيمان واقفة حين انفتح الباب وخرج منه أحدي العسكر مكبًلا فيهم العجل بالأساور الحديدية، تراجعت إيمان خائفة من هذا الثور عندما صاح العجل بالعسكري الذي يسحبه من ذراعه:
_ما بروحة يادفعة.
_أمشي وأنت ساكت يامتهم.
همهمت إيمان خائفه:
_يامامي صوته وحش جدا ياقلبي ياصبا ده متوحش.
_طاهر.
صاح حسن وهو يهرول نحو طاهر الذي خرج للتو ثم من بعده خرجت صبا بجانب المحامي الخاص بالسيد كامل والد إيمان:
_خير يا طاهر عملت إيه.
سأله حسن بقلق وهو يحتضنه بقوة ويربت فوق ظهره همهم طاهر بهدوء:
_خير ياضاكتور أطمن يابوي وكيل النيابه الله يكرمه خرجني بكفالة الحمدلله.
احتضنت إيمان صبا التي ارتمت فوق صدرها وابتسمت هامسة لها:
_الحمدلله أنا كويثة والنبي ماتعيطي.
اقترب حسن من المحامي و سأله برفق بعد أن شكره:
_شكرآ أستاذ عمرو جزاك الله خير على اللي عملته، بس طاهر كده موقفه إيه؟ هيروح معايا.
قال المحامي المخضرم وهو ينظر نحو طاهر الواقف في جمود وكأن شئ لم يحدث:
_الحمدلله يادكتور حسن مفيش اي مشاكل من ناحية طاهر وكيل النيابة كان متفهم جدا، خصوصا بعد شهادة صبا لصالحه، ده غير أن المتهم كان له سجل قديم من السرقة والتعدي واعتداءات على منشآت عامة من أيام الثو..رة لأنه بلطجي.
رمق طاهر صبا التي تحتضن إيمان و رغم ذلك عيناها لا تفارق وجهه المتذمر.. لوي شفته وهو ينفخ و أبتعد عن مرمى عيناها ليتوقف بجانب حسن...
تمتم حسن بخفوت وهو يحضن طاهر من كتفه:
_طب الحمدلله، بصراحه كنت قلقان جدا ليدخل حبس أو تتعمله قضية لقدر الله.
هز المحامي رأسه يبتسم:
_لا كان حظه حلو، وكان حظه احلى ان السيد الوكيل متفاهم لأنه جوه كان عايز يتعدى على المتهم اكتر من مرة اثناء الاستجواب.
رمق حسن، طاهر بطرف عيناه ليقول الآخر بغضب:
_رچال عديم الإحساس يابوي لساته كان عيستحلف
للبنته جدام الضابط جوه مش اكديه يا أستاذ.
ضحك المحامي يوافقه:
_مضبوط يا طاهر بس لازم تتعود في المواقف اللي زي ديه إنك تتحكم في أعصابك.
عندما سمعت صوته الخشن الذي يدافع عنها تنهدت صبا رافعة رأسها من فوق كتف إيمان ناظرة من جديد لطاهر ولكن بوداعة و إعجاب شديدان، و عندما التفت هو بوجهه نحوهما وقعت عيناه على عيناها المحدقتان فيه فأنظر لها بريبة زافًر:
_وه المخبلة ديه عتبصلي اكديه ليه.
أردف حسن متسائلا:
_طيب ممكن أعرف إجراءات الكفالة إيه عشان ادفعها يا أستاذ عمرو.
أبتسم له المحامي و ربت فوق كتفه قائلا:
_لا خلاص يا دكتور أعتبر أن الكفالة ادفعت.
بصيحة عالية هتف طاهر:
_اندفعت كيف يابوي؟ وه مين اللي دفعلي، لا يابوي إني محديش يدفلعي جرش.
أوما المحامي برأسه قائلا لطاهر:
_كامل بيه صمم يدفعها و بيشكرك على رجولتك مع أنسة صبا.
برطم طاهر بغضب:
_وه يدفعلي ليه.
أشار حسن لأيمان و صبا حتى يتقدموا أمامهما ومن خلفهم تحرك هو برفقة طاهر و المحامي الذي قال
برفق:
_كامل بيه أمر أن الكفالة تدفع وقال إن أنسة صبا من أهل البيت واللي عمله طاهر دين في رقبته.
رفض طاهر بتعنت وصل إلى مسامعهم:
_كتر خيره يابوي اللي عملته دهو واچب كنت راح اعمله مع أي بنته، إني راح ادفع الكفالة لحالي الحمدلله خير ربنا كتير.
وافقه حسن قائلا:
_أستاذ عمرو ياريت تشكر كامل بيه لحد ما اقبله بس أحنا هندفع كفالة طاهر.
رفض المحامي بهدوء:
_أنا آسف يا دكتور بس الكفالة اندفعت خالص مساعد المكتب عندي دفعها خلاص، حضرتك تقدر تتفاهم مع كامل بيه لما يرجع من السفر ان شاء الله، ودلوقتي عن أذنكم عشان عندي مرافعة في المحكمة و طاهر يقدر يروح معاك بالف سلامه.
شكره حسن و طاهر برغم اعتراضه بغضب و تحركوا جميعا للخروج من بوابة قسم الشرطة وهنا تقابلت صبا مع والدتها التي حضرت راكضة بعد أن كلمتها ابنتها في
الهاتف وأخبرتها بما حدث لها من زوجها...
ولكن الأم كانت غاضبة منها بشدة وظلت تصرخ عليها وهي تقترب منها على مرأى ومسمع من الجميع:
_كده ياصبا يابت بطني تدخلي الراجل اللي زي أبوكي السجن، كده يابت الكلاب أتفووو عليكي.
توقفت إيمان في حيرة من أمرها وهي ترى والدة صبا تصب غضبها على الفتاة المسكينة التي بكت صائحه
ببكاء:
_يا ماما جوزك اللي بتدفعي عنه ده كان جاي يتهجم عليا في مكان أكل عيشي و عايز يضربني و ياخد مني
فلوثي، حرام عليكي ده بدل ما....
جذبتها أمها من ذراعها بقوة وضربتها فوق ظهرها وهي تصرخ باكية:
_بدل ما إيه يا مصيبتي انتي فاكره العجل هيسكت ده هيطلع يخلص عليا و عليكي، كنتي اديلو اللي عايزه و
وخلصي نقسك و خلصيني مش جايبه بلطجي يضرب الراجل.
بشخرة غاضبة هتف طاهر:
_وه هتجول عني بلطجي فاكرني العچل بتاعها ولا ايه اسمعي ياولية ياخرفانه انتي، العچل اللي عتجولي عنه رچال دهو مد يده في صدر بتك من غير خشي و چايه انتي كماني تلومي البنته.
حاول حسن إيقافه بجذبه من ذراعه ولكنه تقدم من والدة صبا التي تراجعت للخلف من هجوم هذا الوحش الهائج:
_عنديكي الضابط جوه اندلي عنديه و اشتكي ع العچل بتاعك مش تطلعي همك في البنته الغلبانه ديه.
ووسط دموعها المنهمرة تبسمت له صبا في إنبهار وهي التي كانت تحسب بأنه لأن يدافع عنها من جديد...
قالت والدتها غاضبة:
_وأنت مالك أنت يا اخينا تدخل ليه من الأساس، إيه اللي بينك و بينه يابت انطقي يا مقصوفة الرقبة.
كادت إيمان أن تتدخل بينهما.. لتقل صبا مندفعة دون تفكير:
_طاهر بيحبني و عايز يتجوزني.
صدمة مدوية نزلت كصعاقة على الجميع ضاربه بهما
عرض الحائط، نظر حسن لأيمان فاغرة الفم يقل:
_اااااااايه...
ثم نظر لطاهر متسع العينان باهت الوجه بفم مفتوح على مصراعيه بينما والدة صبا تبحلق في ابنتها و طاهر الواقف جانبها مذهول ثم قالت وهي تبحلق في طاهر و أبنتها:
_وحبيب القلب ناوي يتقدملك أمتي ان شاء الله.
*********************
وفي الطائرة ظل حسن يضحك بجنون حتى أحتقنت ملامح وجهه وخلف كفيه اخفي وجهه بعد أن نزع عن عينيه نظارته وهو غير مهتم بطاهر مقطب الحاجبين الذي يضرب كف فوق الآخر مدمدًا بجنون:
_أني جولت في عجل بالي البت ديه نفوخها مفوت كأنها مخبلة، وه و كماني الولية امها الوكلة ناسها تجول عني جفل، ولية مخبلة كيف بتها.
كتم حسن ضحكاته بشق الأنفاس وهو يقول بصوت مختنق من الضحك:
_كأنك الدبست ياواد العم، امها عتكلم عن خطبة.
بغضب مشبوب صاح طاهر وهو غير مهتم بالركابين:
_ادبست خطبة تجع فوج رأسها هي وبتها المخبلة والله اطخها هي وامها والعچل بتاعها دهو جبل ما ادبس في بت المخابيل ديه، وإني راح اشوف خلجتها وين بعد اكديه، جال عشجانها، بجا أني اعشج وحدة مخبلة عتضحك في بوكس الحكومة كأنها رايحه تشمس مش رايحة ع الجسم في مصيبة سودة على دماغها و دماغ اللي جابوها.
ربت حسن فوق فخده المرتجف يهدي من روعه وهو يقول مبتسم:
_صبا بنت جدعة جدا طب والله لايقه عليك.
نفخ طاهر وامسك بكوب العصير يشربه دفعه وحده
ثم وضعه أمامه قائلا:
_كاتها حنش يلف حوالين رجبتها يخلصني منيها ومن الساعة اللي شوفتها فيها، اسمع يا ضاكتور ابوس يدك جفل على سيرة المخبلة ديه جبل ما اعاود تاني اطخها بجلب رأسها واخلص العچل منيها.
أشار له حسن وهو يضحك:
_خلاص جفلنا على الموضوع، بس بردك البنته زينه.
_ياااابوي ياسيدي عبد الرحيم ياجناوي.
صاح طاهر بوجه حسن وهو ينفض ملابسه العصرية
يقل:
_يعني اجوم ازط بحالي من الطيارة عشان تجفل جفل ع الموضوع يا ضاكتور.
أمسك حسن ذراعه المتشنج والضحك الهستيري يسيطر عليه بجنون يقول:
_خلاص خلاص اجعد في مكانك كلتها ربع ساعة و راح نوصل بإذن الله و وجتها اعمل في حالك اللي تريده، وه كانك جنيت.
****************
بأرتباك و خجل أبعدت عيناها عن عينان إيمان المترقبة لها بفضول عميق ينهش اعماقها، فقد التزمت الصمت من بعد وصولهما إلى المنزل، بل التزمته من وقت طويل بعدما فقدت السيطرة على لسانها السليط الغبى الذي نثر الكلمات دون حساب أو عقل يعمل، في رحلة العودة إلى المنزل و بسيارة حسن كانت تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها بلعًا خاصًه بعد أن رفض طاهر الركوب معاهم و قرر بغضب أن ينتظر حسن علي إحدى المقاهي...
تسارعت انفاسها و تعالي وجيب دقات قلبها تتذكره وهو قاطب حاجبيه يناظرها بغضب شديد من قمة رأسها إلى أخمص قدميها بشرار يتطاير من عينيه:
_صبا هتفضلي ساكته كده كتير.
بتشتت همست:
_أقول إيه؟
تحركت إيمان لتجلس بجانبها فوق الارجوحة قائله:
_تقولي إيه السبب اللي خلاكي تقولي الكلام ده قدام مامتك عن طاهر، صبا انتي لسه كنتي شايفاه ازاي...
قاطعتها تناظرها بعينان بريئة النظرات كالاطفال:
_أول مرة حد يدافع عني كده يا أنثة إيمان، حد ياخدلي حقي من جوز أمي ومن شره، حد يقف قدام أمي كده ويقولها عن الحقيقة اللي مغمضة عيونها عنها، أنا مش عارفه قولت كده ازاى، بث حثيت إني عايزه اقول كده وخلاث الكلام طلع مني من غير ما أحث.
رفعت إيمان حاجبيها تدمدم:
_بس مامتك فاكره انه عايز يتجوزك لولا حسن ادخل وقال في معاد طيارة كان الموقف هيصعب اكتر.
عضت صبا كفها تلوح:
_معرفش بقا الكلام طلع من بقى ازاي.
أبتسمت إيمان بشرود ورفعت ساقيها فوق الارجوحة
تضمهما إلى صدرها وتنهدت برقه وهي تسند رأسها فوق ركبتيها تسألها:
_كنتي محتاجه حد يدافع عنك.
أومأت برأسها قائله بلطافة هادئة:
_من ثاعة أبويا الله يرحمه ما مات ومفيش حد دافع عني كده زي طاهر.
رفعت إيمان حاجبها تردد:
_طاهر....
أومأت صبا رأسها من جديد واسترسلت حديثها بهمس مسموع:
_تعرفي أحثاث إنك تعرفي البني ادم ده من زمان أوي أوي، شوفتيه في حته، جالك في الحلم، خبطي فيه مرة
كده على غفلة وانتي مش اخده بالك، اهو ده بقا اللي حثل معايا والله بالضبط.
وظلت صبا تسترسل في حديثها تحكي عن ما شعرت به.. بينما غاب الإدراك السمعي و انقطعت الأصوات من حول إيمان التي رفقها طيف آخر لم يغيب عنها طوال هذه المدة التي ليست بقصيرة، مازالت رائحة عطره النفاذة عالقة بها، بفستانها الناعم الملطخ ببقعة قهوة لم تقدم على أزلتها حتى لا تفقد رائحة عطره...
_أنا عارفه اني عكيت الدنيا خالث بث مش عارفه إيه اللي خلاني اقول كده، المثيبة في أمي اللي ثدقت زي ماتكون عايزه تخلث مني طول العمر، أنثة إيمان انتى ثرحتي في إيه؟
همهمت إيمان منتبهة عليها:
_هممم، ولا حاجه أنا معاكي، بس هتعملي إيه بقا لما مامتك تسألك عنه.
لوت صبا شفتيها قائله بحزن:
_ولا حاجه هقولها راح زي اللي بيروح من حياتي كلها ده لو ثألت أثلا أنتي شوفتي بنفثك لما أخدت منك الفلوث و جريت عشان تلحق المحروث جوزها.
اقتربت منها إيمان تمسك بكفيها الباردين قائله لها بوعد:
_مش عايزكي تقلقي من جوز مامتك ولا تقلقي عليها أصلا، بابي هيتصرف معاه انتي دلوقتي مسؤولة منه مسئولية كاملة، مش هيقدر يقرب منك خالص، أنتي أساسا مش هتمشي من هنا.
عبست صبا هاتفة بحزن و الدموع تفر من عينيها:
_بإذن الله ربنا ياخد بيدك وتقومي بألف ثلامة و وقتها مش هيبقى ليا مكان هنا، بث والله لما ربنا يتمم شفاكي على خير ده عندي بالدنيا كلها، انتي طيبة أوي يا أنثة إيمان، و والدك عاملني زي ما أكون بنته.
جذبتها إيمان و أحتصنتها بقوة وقالت وهي تملس فوق شعرها:
_وأنا مش هستغني عنك أبدا غير حالة وحدة بس لما تروحي بيت جوزك، صبا أنتي تعبتي معايا جدا جدا وكنتي معايا معنويًا و نفسيًا زيك زي دكتور حسن تمام أهتميتي بيا وبكل حاجه تخصني رفضتي ان اي وحده تانيه تيجي وتساعدك رغم ان بابا عرض عليكي كده و
رفضتي وقولتي إنك هتهتمي بيا وتاخذي بالك مني لو
الطلب منك الف طلب في وقت واحد.
ابتعدت عنها وحدقت فيها وابتسمت مسترسله:
_كنتي معايا في أقوى ألم حسيت به، ومعايا في أول ضحكة ضحكتها بعد العملية الأولى، بعد ما تخيلت نفسي اني موت خلاص، صبا أحنا عشنا حاجات كتير مع بعض تخصني و تخصك قربنا على سنه واحنا مع
بعض، اعتبرناكي أنا و بابي وحدة مننا.
دمدمت صبا وهي تمسح دموعها برقة:
_ربنا يخليكم يارب، والله انا بت حلال و أمي دعيلي.
أبتسمت قائله بسخرية:
_لا أمي إيه بقا، قثدي أبويا كان على طول بيقولي أنت بت حلال يا ثبا و ربنا هيكرمك.
صمتت لوهلة تفكير ثم رفعت عيناها تحدق في إيمان وقالت لها وهى تتنهد:
_أنثة إيمان مش واجب بردك نطمن على دكتور حثن ونثأل عليه وثل بثلامة ولا لثة.
ضيقت إيمان عيناها وهي تناظرها بمكر هاتفة:
_إإإه لا عندك حق لازم نسأل عليه واجب طبعا، صبااااا.
شعرت بالاحراج من نظرات إيمان التي تبدو أنها قد كشفتها و ردت بتلكك:
_نع..م، والنبي ما تبثيلي كده أيوه نثأل عليهم، مش واجب ولا إيه.
هزت الأخرى رأسها توافقها:
_لا واجب عندك حق فين تليفوني.
هاتفت إيمان حسن الذي أجابها على الفور مؤكد لها بأنهم في طريق عودتهم إلى المنزل بسلامة الله.
*********************
_امممممم خطيررر طعمه يجنن.
همهمت إيسال مستمتعة وهي تتذوق الحلوى بنهم و شهية أغمضت عيناها تمصغ في سلام و متعة وكأنها تتغزل بتلك القطعة المقرمشة المحشوة بمربي التوت الأحمر...
ثم فتحت عيناها ببطئ وعندها تفاجئت بدهب أمامها
واقفة تتمعن النظر فيها:
_إيسال أنتي جعانه حبيبتي احطك تأكلي، أنا طبخه رز و بامية و فراخ.
رفضت إيسال بهزة من رأسها بخجل قائله وهي تزيح
طبق الملفيه بعيدًا عنها حتى لا تلتهمه كله على دفعة
واحدة:
_لا ميرسي يادهب أنا شبعانه الحمدلله، أقصد شبعانه
أكل، يعني طبيخ و نشويات و كده.
وعادت ومالت رأسها وبطرف عيناها حدقت في طبق الملفيه ذهبي الإطار تهمس:
_بس حلويات لا، بصراحه الملفيه طعمه خطير اشترتيه منين؟
رفعت دهب رأسها بخيلاء وترفع وشدت عودها، عوُد الخيرزان قائله بفخر أنثوي:
_أنا عملته هنا في البيت، عجبك.
ضغطت إيسال على جفنيها وهي تمد اناملها الرقيقة و
التقطت قطعة أخرى تقضم نصفها وحاولت الكلام بفم
ممتلئ:
_خط..خطيررر، طع..ه حلو اوى.
أطلقت دهب تنهيدة من بين شفتيها قائله بسعادة:
_الف هنا وشفا، لما كنت في البلد خليت عمتي سلمي تعلمني طريقته وقفت فوق راسها لحد ما تعلمته كل
خطواته.
وبنبرة هائمة قالت:
_أصل حمزة بيحبه جدا.
عقدت إيسال حاجبيها وهي محتفظة بالابتسامة على شفتيها المكتننزتين وقالت بشجن طال صوتها الناعم
واصابعها تنفض بعضهم البعض من مسحوق السكر
الناعم العالق بيهما:
_أيوب بيحب الزلابية.
ضيقت دهب عينها تهمس:
_لازبية، اااه قصدك لقمة القاضي.
أومأت إيسال رأسها بنعم تكمل:
_والكيكة مع الشاي بلبن.
بحماس هتفت دهب بلهجتها الأم مما أثار أستغراب إيسال:
_كيف بابا هو كمان اكديه عيحب الكيكة ويا الشاي ابو حليب ويحبها من يد عمتي سلمي، أصلها شاطرة جوي، وه اتحدت بالصعيدي.
_ كلامك جميل جدا.
قالت إيسال برقة:
تبسمت لدهب وحماسها المثير للأعجاب عند ذكر شئً ما يخص والدها، قفزتها بفرحه كطفلة مدللة وضحكتها الجميلة التي افترشت شفتيها، تناولت منها ركوة القهوة النحاسية)الكنكة(
وأخذت تصب القهوة بهدوء في ثلاثة فنجانين، بينما كانت دهب تضع بداخل الاطباق قطع الملفيه:
_دهب ممكن أسألك سؤال عن باباكي.
بضحكة رائعة ساحرة تعتقد انها قد سحرت بها حمزة و جعلت منه مجذوب بحبها همست دهب برقة:
_أسالي طبعا من غير ممكن.
بلعت إيسال ريقها هامسة بتوتر:
_با...باكي....
تركت جملتها معلقة بين توتر و قلق مصحوبان ببعض
الغثيان... بينما ضحكت دهب بصفاء لسلفتها الجديدة
و الظريفة التي تحمر خجًلا وهي تساعدها لتسترسل:
_ماله بابا؟
حملت إيسال صينية القهوة وهي تكمل بقدر من القوة
و الشجاعة:
_سمعت أن باباكي الكل بيخاف منه، أقصدد إني، خلينا
ندخلهم بالقهوة قبل ما تبرد أحسن.
مسدت دهب فوق شعرها الأسود السلسبيل وهي تقول لها برفق و هدوء:
_مالك متوتره جدا ليه، متقلقيش مش هزعل، بس فعلا اللي هيزعلني هو تحفظك معايا، إيسال إحنا بيقنا أهل
أنا و أنتي بيقنا سلايف، يعني اخوات.
وحملت دهب هي الأخرى صينيه أطباق الملفية ثم
خرجت من المطبخ تتقدم إيسال بخطوة واحدة و تردد:
_على فكرة إيسو....
وغمزة بطرف عيناها زرقاء السماء هامسة لها:
_هقولك إيسو زي أيوب، المهم ياستي اسمعي كويس بابا ده أطيب شخص في الوجود، جميل الوش و الطبع و القلب، امم قلبه زي اللبن الحليب، ابيض هو صحيح كبير البلد و النجع بس كل الناس بتحترمه و تحبه مش بيخافوا منه ابدا.
دلفوا معًا إلى الشرفة حيث يجلسون الرجال ووضعت دهب فوق طاولة الخيرزان المستديرة صينيه الملفيه وهي ترمق زوجها الحانق منها بطرف عيناها، رمقها هو الأخرى بملامح مبهمة ثم أدار وجهه عنها مبتسم لأيسال التي وضعت على نفس الطاولة صينية القهوة:
_تسلم أيديكم يابناتي.
قال عمار بفخر:
لترد دهب بحزن وهي تنظر لزوجها:
_أحنا هنقعد جوه.
بغزل شقى الملامح تمتم عمار:
_ بسم الله ماشاء الله، يا بختك يا عمار بقا عندك الشقرة و السمرة اللهم زيد وبارك.
ابتسمت إيسال لوالد زوجها وحين رفعت رأسها ببطئ
اصطدمت عيناها بعينان زوجها التي شملتها بنظرات مغوية باتت تحفظها، غفرت شفتيها بلطافة اذابت كل
أوصاله حينما غمز لها وطرف لسانه يداعب شفتيه وهو
مستغل انشغال والده بالحديث مع شقيقه حمزة الذي بدا عليه قليلا من التذمر:
راقب عمار تجهم ملامح ابنه البكري وهو يذغر زوجته بشكل ملحوظ جعله يصيح عليه بخفوت:
_لسه زعلان مع مراتك؟
سأل أيوب متدخًلا بينهما:
_حمزة زعلان مع دهب ليه؟
اردف عمار بسخرية غاضبة نالت ابنُه:
_علشان غبي، دماغه قفل هو اللي سمح ليها بالخروج وبعد كده جاي يزعل منها زي الغبى.
حك أيوب فروة شعره الكثيف دون فهم وهو يناظر كل من هما قائلا:
_أنا مش فاهم حاجه.
قال عمار وهو يذغر لابنه الأصغر بحنق:
_خليك انت كمان في مصيبتك، عيال هم الواحد بيقول كبروا ومش هيشغلوا بالي بهمهم، يقوم كل واحد فيكم يعمل مصيبة انقح من التانية.
فتح حمزة فمه ينوي الرد بعصبية أشد إلا أنه عاد وزم شفتيه محاولا التحكم في انفعالاته أمام والده كي لا يبدو كالأبله الذي يلؤم الجميع على أخطائه...
ارتشف عمار من فنجانه ونظر لطبق الملفيه قائلا لابنه ملتزم الصمت:
_مزعلها وعملالك الملفيه اللي بتحبه عشان تراضيك
خسارة فيك.
نفخ حمزة مغمضًا عيناه يقل بخفوت:
_أنا مش زعلان منها على قد ما زعلان من نفسي علشان خليتها تسافر البلد لوحدها، كان لازم اروح معاها.
رفع عمار حاجبيه وهو يقول بدهشة مفتعلة:
_ده على اساس إنك هتحبسها في قفص زي العصفورة ده عمك معملهاش، يابني مراتك عملت اللي ممكن يعمله
راجل بشنبات رافع بندقه فوق كتفه، خلاص هون على نفسك شوية وبلاش تحمل نفسك فوق طاقتك.
هز حمزة رأسه في صمت... بينما ردد أيوب وهو يعود للخلف:
_اللي فهمته ان الموضوع يخص قاسم البكر.....
غضب حمزة صائحًا في شقيقه وهو ينتفض كالملسوع:
_أيوب ماتنطقش أسم الحيوان ده في بيتي.
ذهل أيوب مصدومًا و أشار لشقيقه يقل بهوادة:
_أهدى ياحمزة الموضوع مش مستحق غضبك بشكل ده
مالك يابني انت مش على بعضك خالص.
ردد بغضب اعماه:
_ليه يابني شايفني بقطع هدومي ولا بشد شعري.
صرخ عمار فيهما يسكتهما:
_بس منك له إيه هتمسكوا في بعض قدامي ولا إيه وأنت في إيه مالك سيطر على نفسك شوية أول مرة أشوفك بشكل ده، بعدين اخوك مغلطش فيك.
ابتلع ريقه وهو يحني رأسه أمام والده ثم مال حمزة و ربت على فخذه شقيقه قائلا له بابتسامة مختصرة:
_متزعلش مني ياايوب معلش أخوك دماغه مشغولة بكام حاجه اليومين دول.
أبتسم أيوب لشقيقه قائلا بأحترام:
_ولا يهمك يابرو المهم إنك تكون بخير، بس أنا لسه عند رأيي، ازاي تروح ياحمزة تعرض نفسك للخطر و تروح لوحدك تقابل المجرم ده، ده قتال قتله على الأقل كنت تقولي اجاي معاك.
أجاب حمزة شقيقه بهدوء وهو يفرك عينيه المتعبتين و
المرهقتين:
_مكنش ينفع اخاد حد معايا بصراحه مكنتش ضمنه.
سأله والده بخفوت وهو يميل نحوه:
_الفلاشة معاك.
أوما برأسه يزفر أنفاس ملتهبة خرجت من صدره:
_الحمدلله بيقت في أيدي.
بنفس الصوت الخافت هدر عمار:
_الفلاشة ديه كانت هتكلفك حياتك و شبابك لولا ستر ربنا الحمدلله، بس كل اللي عايز أفهمه من البداية ازاي
المجرم ده قدر يوصلك.
_لازم حضرتك تعرف.
همهم حمزة وهو يمسد فوق جرح صدره الذي بدا يذبل قليلا ويتعافي منه... هدر عمار من بين أسنانه بعصبية:
_ده لو معندكش مانع، أيوه طبعا لازم اعرف مش كل حاجه تقدر تحتفظ بيها لنفسك، أنت مش لوحدك في الدنيا ديه.
بتردد حاول حمزة التبرير:
_الموضوع مكنش يستاهل عشان اشغلكم.
أخفض عمار صوته اكثر ليقول لابنه بملامح حادة:
_كل حاجه سواء كانت صغيرة او كبيرة في حياتكم تخصني وتشغلني ولازم اعرفها، إنتم الاتنين أهم حاجه
عندي محور حياتي كله، فهمت.
واستدار برأسه نحو أيوب يشدد عليه:
_وفهمت أنت كمان.
وبسبابته أشار على كليهما يؤكد:
_إياكم تفكروا ولو للحظه وحده انكم خلاص كبرتم عليا
وبيقتو رجالة كل واحد له بيت و زوجة، وبقا ليكم حرية الإختيار في الحاجات اللي تخص ابوتي و دوري كأب.
قال أيوب وهو ينظر لوالده بفخر شديد:
_حضرتك مش بس ابونا، بابا أنت صاحب لنا.
بينما اوما حمزة موافقا على كلام والده ثم تنهد وهو يمسك بكف ابيه يقبله مغمغما بطاعة:
_ابوتك و دورك في حياتنا ديه حاجه طبيعية، حضرتك ليك الحق في كل حاجه تخصنا.
رد عمار قائلا له وهو يحدق في ملامحه التي أصبحت نسخه طبق الأصل من عمِه:
_يبقى خلاص قولي حصل إيه؟ احكيلي من غير مطلب
منك، يابني ياحبيبي بطل عادة إنك تكتم كل حاجه في قلبك.
ضم شفتيه يتنحنح ليجلي صوته قبل أن يقل بأختصار
الجمل:
_قدر يوصلي عن طريق بواب البيت اللي كانت قعده فيه والدة عبدالوهاب الله يرحمها، كان عارف ان أمه الله يرحمها بتشتغل هناك، سأل البواب عني ولما الراجل رفض يقوله عنواني هدده وفتح عليه مطوة، والراجل لا حول له ولا قوة اضطر يقوله يديلو رقم تلفوني و كلمني
وطلب مني فلوس مقابل المعلومات اللي على الفلاشة و اللي أنا مكنتش عارف عنها أي حاجه.
سأل أيوب بحيرة وهو يناظر شقيقه:
_الفلاشة ديه عليها إيه عشان الواطي ده يطلب مبلغ زي
ده.
همهم حمزة وهو يفرك كفيه:
_ياريت على الفلوس وبس، ده كمان ق..تل امه اللي كل ذنبها انها خلفت عاق زيه، الفلاش عليها حاجات مهمة
جدا ورق يثبت نسب عبدالوهاب لعماد البكري تسجيل بصوت نانا بتحكي كل حاجه عن علاقة عماد و قاسم البكري مع فايز.
فجأة قطب أيوب حاجبيه وعلى ذكر فايز والد ندى طليقة شقيقه تذكر:
_اااه سمعت ان ندى سفرت لبنان.
ردد حمزة بخشونة:
_الله يسهلها، أكيد مسافرة عند امها.
قلب أيوب شفتيه ورأسه يهتز برفق تمتم:
_مسكينه ندى اتصدمت في ابوها صدمة عمرها اب كان سبب في خراب حياة بنته الوحيدة.
بطرف عينيه حدج عمار ولده الأصغر ليصمت وعاد من
جديد يهز رأسه بتمهل ثم وضع ساق فوق أخرى وطلب من حمزة بهدوء أن يكمل:
_وبعدين حصل إيه؟
قال حمزة:
_كلمت كمال الخشاب المحامي وأخذت رأيه طبعا لأنه كان معايا من بداية الموضوع كله وقالي لازم أبلغ قبل نا اروح اقبله على اساس يتعمله كمين ويتقبض عليه بس
وحصل الباقي اللي انتم عارفينه.
هدر عمار من بين أسنانه:
_اللي اعرفه انه طع..نك في مكان قريب من قلبك واهم
شريان في ايدك كان ممكن يتقطع ويسببلك إعاقة و عجز لقدر الله.
تمتم حمزة مبتسم:
_قدر الله وما شاء فعل، الحمد لله، خلصنا منه.
نظر أيوب لشقيقه متعب الملامح مجهد الجسد وقال وهو يعتصر قبضة يده:
_ابن الكل..ب اخدك على خوانه كان عايز ياخد منك كل حاجه الفلوس والفلاشة واعتقد ان واحد زي ده كان ممكن يقدر يسهولة لقاسم البك....
بتر أيوب باقي الإسم احتراماً لمشاعر شقيقه الاكبر الذي وافقه الرأي بالطبع:
_كلامك صح كان هيقدر يوصل للزفت ده لان الورق كله اللي على الفلاشة يخصه هو و اخوه.
ثم غمز لايوب ضاحكًًا وهو يؤكد:
_أخوك بردك علم عليه متقلقش.
اخذ عمار نفسًا عميقًا بعد أن شعر بالراحه ليسأل ابنِه:
_هتعمل إيه بالقلاشة ديه.
اظلمت مقلتاه ثم غامت بنظرات من الحزن و الخوف وهو يجيب والده:
_هحتفظ اولا باكتر من نسخه في كذا مكان علشان في الوقت المناسب يقدر عبدالوهاب ياخذ حقه وحق ابوه من الحقير المختل عمه وجده، وكل عايلة البكري......
ثم قال وقد اندلعت النيران في عينيه بنظرات الحقد والغضب وهمس من بين اسنانه بوحشية غاضبة:
_وبكل المعلومات اللي فيها بلاوي تثبت شغل وصفقات قاسم و فايز المشبوه وقتلهم لعماد البكري، وبيدي ديه هرمي الكلب قاسم جوه السجن بإذن الله.
*****************
وأمام شاشة التلفاز بغرفة الليفنج كانت إيسال تجلس بجانب دهب تفصص معاها البذور و يتناولان المثلجات
وهن تشاهدن السي دي الخاص زفاف على ودهب كان تقوم بدورها لتعرف إيسال على أفراد عائلتها الجديدة
ضحكت إيسال وهي تشاهد شاب مميز عن الجميع وهو
يرتدي حلة أنيقة سوداء اللون بكل مافيها من قميص و
ربطة عنق، شاب وسيم يشبه ملامحها زوجها، لا يبتسم إلا قليلا، يطارد بنطراته الحادة فتيات العائلة من هنا و هناك حتى لا يصلن لساحة الرقص، ويتقدم بخطوة من فتاة ذات شعر أسود كثيف كاحل السواد وملامح ناعمة بغضب حينما جذبته من يده للرقص:
_مين ده؟
قالت دهب وهى تفصص البذور:
_ده اخوي عمر أكتر واحد في العايلة ديه كلها مالوش في الضحك والهزار زي مانتي شايفه كده، واللي بتشده
بالعافية من ايده تبقى وده، وداد بس احنا بتقولها وده بت عمي مناع.
بدهشة سألتها إيسال:
_انتي لكي عم تاني غير اونكل عمار؟
هزت دهب رأسها بتأكيد:
_ايوه طبعا عمي مناع هو اخو بابا في الرضاعة و اخوه
وبيشتغل معاه ابو وداد و ناجي، شايفه ام عباية سوده
مطرزة ديه تبقى الخالة بهية مرات عمي مناع و أم وداد
اااه وديه اللي قعده تكلمها تبقى الخالة....
اكملت إيسال قبلها وهي تبتسم برقة:
_طنط همس خالة أيوب.
نظرت لها دهب مبتسمة:
_صح ديه الخالة همس العسل وتبقى كمان أم فاطيما ام حجاب وردي، فاطيما بقا تبقى مرات محمود اهو بصي كده على ابو بدلة سوده وقميص ابيض من غير كرفته
اللي واقف جنب عمر و بيكلم معاه، ده محمود جوزها.
فركت إيسال جبهتها ضاحكة تقل:
_ماشاء الله بس صعب احفظ كل العايلة في قعدة وحدة كده، بس العروسة و العريس شكلهم مجانين جدا
وبيحبو بعض اوي.
وعادت تحدق في شاشة التلفاز وفي العروسين اللذين يرقصان ببهجة خاصة العروس الجميلة يافعة الطول.
لتسمع دهب وهى تتنهد قائلة بابتسامة واسعة:
_تعرفي ان الاتنين دول اكتر اتنين مجانين، وكانوا اكتر طفلين بيكرهوا بعض.
بعينان متسعة من الدهشة غمغمت إيسال:
_معقول، دول شكلهم عسل اوي، أنا شوفت على كتير وهو بيلعب ماشاء الله عليه مشهور وشخصيته في الملعب تقريبا هي شخصيته في الحقيقة.
هزت دهب رأسها بقوة تمدح أخيها:
_على ده حتة السكر بتاعت الناجي لو وقفتيه جنب عمر
وحسن تقولي مستحيل التلاته دول توأم ميفصلش بين كل واحد فيهم غير دقايق، على زي مانتي شايفه كده بيحب الهزار و الضحك، عمر لا خالص، ام حسن فهو بقا
المعتدل مابينهم.
_فين حسن.
سألت إيسال باهتمام.. فقالت دهب وهى تبحلق بشاشة:
_هو ده اللي لباس نظارات سودة وخطيبته نفسية اخت
محمود اللي وقفه جنبه.
أومأت إيسال برأسها تقل بحيرة:
_اااه محمود اخو ودة.
_لا محمود كان خطيب وده بس سابو بعض.
نظرت لها إيسال ووجدت ان الإبتسامة قد تلاشت من فوق شفتيها... لتكمل دهب كأنها تفسر لها سبب محو ابتسامتها:
_كانوا بيحبو بعض اوي بس النصيب، على فكرة وداد هنا في مصر عيشة مع جدتي ماما سهيلة عشان هي معيده في جامعة عين شمس.
لم تسأل إيسال عن اسباب انفصالهم لأنها تكره الفضول
و اكتفت بهزة من راسها وهي تهمس بصوت مسموع بعد
أن بحثت عيناها عن أخرى تتمنى ان تراها صورة حية:
_دهب، هي فين مه..رة؟
ارتبكت دهب قليلا لكنها قالت بعدها وهي تبتسم مثل عادتها:
_مهرة مجتش الفرح عشان كانت تعبانه حتى رقيه اختها الكبيرة بردك مجتش لأنها كانت قعدة بيها، ايسو
على فكره مهرة جميلة و طيبة جدا، وارتباطها بأيوب كان نصيب وكل واحد منهم راح لحاله.
حاولت السيطرة على نبرة صوتها الحزينة وهي تهمهم:
_عارفه يادهب كل شئ قسمة ونصيب.
ملست دهب فوق كتفها قائله وهي تنهض:
_ثواني هقوم اشوفهم محتاجين حاجه يشربوها واجي على طول.
أومأت إيسال براسها وعادت لتشاهد فرحة العروسين وهما يضحكان ويرقصون وفجأة تيبست عندما لمحت
رجلاً مهيب له طلة خاصة تلفت الأنظار يرتدي عباءة سوداء وفوق رأسه عمامة بيضاء يمشي بخيلاء وسط الجمع ويتحدث بتمهل وهذا واضح من طريقته برغم
أنها تراه ولا تسمعه ومن هنا ايقنت بأن هذا الرجل ذو
العظمة و الهيبة ماهو الا عم زوجها الذي يخشاه الجميع
وفجأة سمعت صوته الأجش ذو البحة فارفعت رأسها و
رأت أيوب وهو يخرج إلى الشرفة الأخرى والهاتف فوق
أذنه:
_أيوه ياماما حضرتك في البيت.
تسللت بخفة لتقف بجانبه لكن ساقيها تيبست حينما سمعته يقول بنبرة حانقة:
_يا أمي مش كده، هو أنا كل ما اجي اكلمك ولا اقولك اني هاجي اشوفك تقوليلى إياك تجيبها معاك، اطمني انا
مش هجيب مراتي معايا عشان تق....
صمت لوهلة ليقول بعدها بنبرة أكثر علو و أكثر غضبا:
_أيوه مراتي إيه الغريب في اللى بقوله ده، يا ماما هو
انا كام مرة هقولك ان إيسال مالهاش اي ذنب أنا اللي طلبت منها الجواز.
عضت شفتيها وهي تضغط فوق جفنيها بقوة تحاول أن تبتعد حتى لا تصبح زوجة متلصصة على زوجها لكنها عادت لتتوقف بل تقترب لتسمعه يقول بحدة واصابعه
تتشنج على الهاتف:
_هو أنا عيل صغير عشان تضحك عليا، أنا اتجوزت من
إيسال بإرادتي محديش ضربني على أيدي، خلاص يا ماما خلاص بلاش نتكلم في الموضوع ده لو سمحتي
أنا بكلمك عشان اعرف انتي هتكوني في البيت الليلة ولا لاه عشان عايز اجاي اشوفك ده بعد اذنك.
نفخ بغيظ:
_تاني إيسال، لا إيسال مش السبب في طلاقك انتي و
بابا، إنتم الاتنين أصلا كده من زمان خناق ومشاكل كل يوم، بلاش مراتي و أخويا يكونوا هما الشماعة اللي بتعلقوا عليها اخطائكم.
ابتعدت إيسال وعادت لتجلس في مكانها وهي تشعر براحة كبيرة تغمرها وابتسامة جميلة تملأ شفتيها من
سعادتها، وضعت يدها فوق بطنها لتتصل بهذا الصغير
الذي ينمو بداخل احشائها لتسمع صوته الأجش يقول:
_إيسال حضري نفسك عشان نمشي.
****************
في طريق العودة إلى منزلهم وبسيارة ساد صمت خافت الأنفاس بين كلاهما وفقط صدح صوت الأغاني الآتية من مذياع.. وعندما طال صمته الغريب حركت رأسها التي تسندها على المقعد بإتجاه وهي تحدق في جانب وجهه دقيق الملامح، فهو غاضب شعرت به وهي تراقب
الانفعالات المتذمرة التي توالت على ملامحه، و شفتيه
المزمومتين، وحركة اصابعه المتشنجة التي تلتف حول عجله القيادة بغضب...
ظلت تراقبه وتراقبه حتى شعرت بشعور غريب ينتابها تريد أن تقبل شفتيه، استغربت وقحتها و عيناها تتسع
استغرابًا...
حديث والدته عن أخلاق إيسال هذه المرة تعدي كل الحدود، ليته لم يهاتفها كان واجم يفكر في كلماتها السامة عن زوجته، ويمسك بتلايب عقله بصعوبة، ولم ينتبه الا على شقهة مكتومة اصدرتها إيسال من جانبه
وهي تتطلع فيه بملامح ناعمة...
" لم تستطع انكار عاطفتها و احتياجها كامرأة تشتاق إلى زوجها، فالحب عاطفة و أشتياق، برغم الغصة التي ما تزال تستحكم حلقها بعد الذي سمعته فالسيدة حماتها
المصون تسعي بجهد لافساد علاقتهما الزوجية بكل ود و امتنان...الا انها مشتاقة إليه...
شردت بنعاس طفيف غلب عليها ولم تستيقظ منه إلا على صوت أيوب القلق وهزة من يده لكتفها:
_إيسال، إيسال اصحى وصلنا.
فتحت عيناها الناعستين وناظرته هامسة:
_امم وصلنا بسرعة النوم في العربية جميل.
ابتسم قائلا وهو يساعدها على الخروج من السيارة:
_اوعدك المرة الجاية هسيبك نايمة فيها، بس غريبة إنك نمتي بدري كده.
أمسكت رأسها وهي تشعر بالدوار تهمس وهي تدلف إلى داخل المصعد:
_مش عارفه حسيت اني عايزه أنام، أيوب.
_همم نعم...
رد دون أن ينظر إليها وهو منشغل بالنظر إلى هاتفه و مبتسم:
_هتنام عند مامتك الليلة.
رد بأختصار:
_مش عارف.
أغمضت عينيها تأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تقترب منه و تتعلق بذراعه واضعه رأسها فوق كتفه.. نظر اليها وهو لا يصدق نفسِه من شدة استغرابه:
"إيسال انتي دايخه.
همست وانفها يستنشق عبير عطره:
_لا بس عايزه احط راسي على كتفك.
توقف المصعد فقال أيوب مبتسم باستغراب:
_وصلنا يلا.
تأففت بضجر:
_يوووو وصلنا بسرعه كده.
فتح باب شقتهم الأنيقة و دلفت وهو من بعدها و علي استعجال تمتم أيوب:
_هدخل اخاد دش بسرعه عشان انزل اروح أطمن على ماما.
قالت بهمس لم يسمعه:
_مش وقت امك خالص الليلة.
و هرولت خلفه نحو غرفة النوم برشاقة تحسد عليها وما ان دخلت حتى قذفت حذائها العالي بعيدا وفكت رباط شعرها ليتدفق كشلال حتى نصف ظهرها ومشت ببطء
وتثاقل إليه... نظر لها قائلا وهو ينزع كنزته الرمادية من
فوق رأسه ليرميها بعيداً:
_إيسال طلعيلي هدوم بسرعة.
رفعت يدها و بأنامل ناعمة ملست فوق صدره:
_هو لازم تروح عند مامتك الليلة.
ضافت عيناه بشك واصبعه يحك أنفه:
_اه لازم بس في حاجه مهمة تخليني...
قاطع كلامه عندما تفأجي بها ترمي بحالها فوق صدره و
ذراعيها تحاوط خصره، تأرجح جسده مع اندفعها نحوه
بينما كان خذها يتأجج في صدره وهي تقول:
_أيوب مش عارفه مالي بس عايزاك تبقى معايا الليلة و
متسالنيش مالك علشان أنا مش فاهمة إيه اللي بيحصل معايا.
_أيسو...
قالها بمرح رسم ابتسامة حالمة على ثغر إيسال التي شهقت وهو يحملها مشيًا بها حتى الاريكة القطيفة ثم نزل بها يجلس ويميل ليطبع قبلة قوية فوق طارف فمها:
_أنا وعدت ماما اني هروح اشوفها، هي اينعم قالت إنها مش عايزه تشوف وشي بس أنا عارف ان الكلام من ورا قلبها، هما ساعتين تلاته بالكتير و ارجعلك على طول ان شاء الله.
عقدة تكونت بين حاجبي إيسال مكورة فمها باستهجان
فقال وهو يحك ذقنه:
_إيسال مالك بجد انتى غريبة بقالك كام يوم، مش علي
بعضك، على طول عايزه تنامي او مودك حزين و أوڨر أنتي حاسه بحاجه.
دمدمت بضيق:
_أنا كويسة الحمدلله.
زفر يجلس بجانبها على الاريكة المخملية وأخذ يحرك ظهر يده فوق ساقها الناعمة:
_إيه رأيك لما ارجع نشوف فيلم سوا و اجيب معايا بيتزا مارجريت سوبر تشيز.
رفعت كتفها معترضة وهي تطقطق من بين شفتيها:
_لا بلاش بيتزا، امممممم هات حواوشي.
ضيق أيوب عينيه يسألها:
_حواوشي، إيسال و حواوشي.
هزت رأسها بتأكيد:
_اااه حواوشي ويكون حامي جدا وكمان هات فطيرة بالعسل و القشطة.
هز أيوب رأسه بخفه وحاجبه يرتفع بشك مجعدًا جبينه وهو يقول:
_مش ممكن بتهزري، انتي عايزه حواوشي حامي نار مع
فطير بالعسل و القشطه والكلام ده المفروض اجيبه وانا جاي تقريبا على الساعه 1 بليل.
نفخت بتذمر وهي تحاول النهوض:
_فيها ايه يعني نفسي جايه عليهم، إيه الغريب في كده.
_حاضر عنيا هجيب كل اللي انتي نفسك فيه.
هتف برفق وانحني ليستنشق رائحة رقبتها وطبع قبلة رقيقة فوقها:
_هقوم اخاد دش.
وبعد خروجه تسطحت إيسال فوق السرير و أمسكت هاتفها لترسل بعض الرسائل النصية عبر الواتس اب إلى صديقتها لبنى:
كتبت إيسال بأصابع ترتجف وهي تبكي:
_لبنى الحقيني أنا بيحصلي حاجات غريبة.
***************
تبادلن نظرات ذات مغزىً فيما بينهم بصمتٍ تام، حتى تفضلت قائله له بأسلوب السلم لا الحرب:
_لو أنت بجد ابني اللي بيحبني ومش عايزني انفصل عن ابوك يبقى تتطلق الزفته اللي روحت اتجوزتها ديه.
جز أيوب على أسنانه حتى اصدرت صوت خشن يدل على غضبه وقبل ان يفتح فمه ليجيبها فاسبقته تقل بنبرة حازمة:
_ده شرطي واللي هقوله لعمك قدام الكل.
_عمي!! غريبة.
سألها وهو ينظر لوالدته بوجوم... لتجيبه روجي بغرور وهي تضع ساق فوق الأخرى ناظره إلى اظافرها المطلية
بعناية:
_ايوه عمك إيه الغريب في أنه يكلمني، أكيد هو متأكد إنك انت و ابوك و جوز بته عاملين عليا عصابة.
هدر بخفوت احتراماً لها:
_جوز بته ده يبقى اخويا.
نظرت إليه وقالت بصوتها النافوسي الساخر:
_اه اخوك سبب المصايب كلها بسببه طلعت من تحت طوعي و ابوك بعد العمر ده كله عايز يطلقني بسهولة كنت عارفه ان الولد ده مش بيحبني و بيحقد عليا وغير كده بيغير منك ومن علاقتك القوية بأبوك، عشان كده فضل يزن على ودانك لحد ما اتجوزت الصايعة بتاعت
منصور الزي........
_كفاااااية بقا.
انتفض واقفًا يصرخ لأول مرة في وجهها بغضب أسود قد يحرق العالم، غضب غطي ملامح وجهه الوسيمة و
أصبحت عيناه فجأة جاخطتين تبعثان الرجفة بالجسد:
اتسعت عينان روجي التي ابتلعت لعابها برجفة وصلت لجسدها وهي تراه يدور حول نفسه كوحش خرج لتو من محبسه:
_انتي ازاي تقولي كده على أخويا و مراتي.
صرخت عليه بغضب وهي تقدفه بما في يدها وكان كوب زجاجي ضرب في كفه ثم سقط فوق الأرضية الرخام متحولاً لشظايا:
_وأنا أمك ياكلب، أنت واقف قدامي تزعق فيا زي بتوع الشوارع و ناسيت ان اللي قدامك ديه أمك اللي جابتك على الدنيا، طبعا ماهما السبب.
استمر أيوب في غضبه حتى تحول وجهه القاتمة:
_محديش بيزن عليا ولا حد بيدخل في حياتي قدك ولا ناسيتي مهرة اللي كنتي مش عايزها هي كمان، أنا مش صغير عشان تفضلي تقوليلي اعمل ايه و معملش إيه.
جلست روجي مكانها و عيناها محمرتان من الغضب و أيوب يصرخ بكل ما أوتي من غضب:
_إيسال مراتي و هتفضل مراتي أنا بحبها ومش هفرط فيها ابدا وموضوع منصور الزيني ده مجرد كلام فارغ مالوش صحة، هو راجل واطي وهي عرفت توقفه عند حده.
بغل أسود قالت:
_كدب بتضحك عليك يامغفل، هي وقعته في شباكها زي ما وقعتك أنت كمان وبكره تزهق منك وتوقع مغفل
غيرك.
هز رأسه يائسًا منها وهو الذي أعتقد انه يمكنه اقناعها
يمكنه تغير كل شئ:
_مفيش فايده، حقيقي مفيش فايده،أنا دلوقتي شايف ان بابا مع حق في كل حاجه، اسمعيني كويس يا ماما.
انحني عليها وقال وهو يشدد على كل حرف ينطقه من
بين أسنانه:
_أنا مش هطلق مراتي ومش هبعد عنها ومش هتخلي عنها عشان كلام فارغ مالوش اي صحة، حتى لو عمي
طلب مني كده مش هسمع كلام حد ولا صوت حد غير صوت قلبي، مراتي أشرف و أنقى ست و أنا فخور إني اتجوزتها ومش ندمان على حاجه غير اني جيت لحد هنا.
خرج أيوب بخطوات واسعة غاضبة كالجحيم يلهث من شدة عنفوانه يشعر بأن قلبه سيتوقف من الألم الذي يشعر به وكأن طعنات قوية تضرب قلبه بلا توقف:
صرخت روجي من خلفه وهي تستشيط غضبًا و حقًد يملأ العالم بأسره:
_مغفل زي أبوك في ستين داهية أنت وهو أنا هوريكم مين هي إيسال ديه، أنا هفضحها و افضحكم قدام الكل
ماشي يا أيوب.
ظل يقود ببطء وألم شديد يطعن صدره حتى شعر بأنه لم يتحمل القيادة وهو في هذه الحالة المزرية توقف على جانب الطريق و خرج من السيارة ليستنشق بعض
من الهواء ثم تناول زجاجه من المياه كانت بجانبه وظل
يسكبها فوق رأسه ووجهه حتى هدأت أنفاسه قليلاً....
_ليه كده ياماما ليه بتعملي فيا كده؟
أستند بجسده على السيارة وأخذ يسمح بطرف كنزته وجهه المبلل بالماء، ليكتشف بأن الماء قد جف والآن
ما يبلل وجهه ماهي إلا دموع عينيه....
كانت جالسة أمام التلفاز المغلق تنتظره وهي مستعدة للقاء حميمي ترغب فيه، أستعدت متنقة من أجله بأبهي
صورة، ارتدت قميص أسود ستان ذات فتحة تصل حتي
أعلى فخدها تركت شعرها يغطي بشرة ظهرها العارية و
تعطرت بعد أن وضعت حمرة بنفسجية....
ابتسمت وهي شاردة في حديثها مع لبنى التي أكدت لها بأن تلك المشاعر ماهي إلا هرمونات تتغير نتيجة الحمل
ولكنها لاتصدق ابدا في هذا التفسير العلمي البحت التي توصلت إليه لبنى، فهي تصدق فقط احساسها بأن هذا الشعور ماهو إلا الشعور بالحب و العشق لوالد طفلها الذي ينمو و يكبر داخل بطنها:
_أيوب...
نادته وهي تقفز من فوق الاريكة عندما شعرت به يفتح باب الشقة، ركضت نحو مسرعة و روائح الطعام الشهي
الذي يحمله تحشو أنفها الصغير:
_وحشتني أنا قولت أنت هتتاخر عند ما.....
_اشششششش.

ياسيدتي .. يالمغزولة من قطن وغمام .. يا أمطاراً من
ياقوت .. يا أنهاراً من نهوندٍ .. يا غاباتِ رخام .. يا من تسبح كالأسماك بماءِ القلبِ .. وتسكن في العينين كسربِ
حمام .. لن يتغير شيء في عاطفتي .. في إحساسي في
وجداني .. فقد أحببتك في كل الأزماني"

قاطعها وهو يترك مابيديه فوق الطاولة ويجذبها لصدره يحتضنها بقوة كادت أن تهشم عظامها الرقيقة:
_إيسال أنا بحبك أوي، مبقتش قادر ولا عارف أعيش من
غيرك، بحبك.
_أنا كمان بحبك، بحبك اوي اوي فوق ماتتصور.
همست واناملها تتخلل خصلات شعره المبللة، شهقت برقة وهى تنظر في وجهه الشاحب وعيناه الغائرتين
وشفتيه التي ترتجف قليلا فقالت بخوف انتابها من مظهره الغير مبشر بالخير:
_أيوب مالك فيك إيه وشك اصفر ليه كده حاسس بأيه
أيوب رد عليا.
ابتلع غصة تكورت في حلقه من الألم الذي مازال يشعر به يطعن صدره:
_مفيش حاجه شوية تعب في صد..ر..ي.
لهثت إيسال مرعوبة تدلك منطقة صدره الذي يؤلمه وهو يتحمل بجسده على كتفها حاولت الوصول به نحو الاريكة وهي تبكي من الخوف و القلق عليه:
_أيوب لا لا أيوب مالك في ايه، أيوب رد عليا لا لا.
نظر لها يبتسم بتوتر والدموع الحبيسة تتجمع داخل مقلتيه:
_إي..س..ا..ل ات..ص..لي ب..با..با و حم.....
ليسقط من بين يديها مغشيًا عليه و إيسال في مكانها واقفة متسمرة مصدومة وكأنها في كابوس أسود غطي
عينيها.. ركعت فوق ركبتيها تملس على جسده المسجي
على الأرض الصلبة وعندها فقط شعرت أنها تريد أن تصرخ، تصرخ بكل قوتها...
_أيوووووووووب.

*أنتهي الفصل*

في العشق والهوي Where stories live. Discover now