🌱الفصل الواحد وستون🌱 ج1

2.7K 166 47
                                    

*الجزء الأول من الفصل*
"" "" "" "" ""

تجمد عمر في مكانه وهو لايزال يُوليهن ظهره المتشنج العضلات.. في حين كانت أول من نطقت بعد صدمة الخرس التي أصابت كل من بالغرفة هي كابر صارخة:
"انتِ بتقولي إيه هااا، بتقولي إيه"
وكادت أن تهجم على هاتين الافعتين اللئميتين هجومًا شرسًا لتمزقهنا بأسنانها.. تدخلت بهية وكانت الأقرب إليها خوفًا عليها وعلى طفلتها:
"كابر بعدي عنيهم يابنيتي، بعدي عنيهم"
صرخت كابر تُعافر كفرس جامح، تحاول الخلاص من قبضة بهية و سلمى التي لحقت ببهية لتساعدها في السيطرة على كابر الغاضبة مما سمعته عن شقيقتها..
وقفت صفية بجانب ابنتها يراقبنا المشهد الناري الذي افتعلتاه بدناءة اللئام.. جذبتها كوثر بخفة تهمس وهي تُناظر نيرة الواقفة في حيرة:
"بزيادة اكديه ياصفية هِمي نطلع جبل ما الفاس تُجع في الرأس"
بعينين نافذتين متفحصتين صرخت سمية:
"على وين يا كوثر بعد ما جيتي النار، دخول الحمام مش كيف خروجه"
بينما جذبت عنود نرجس و انسحبت من الوسط وهي تطلق الرياح لساقيها راكضة قبل أن تقول لنيرة:
"إحنا هنمشي يانيرة مفيش داعي نفضل هنا"
"شرفتونا"
كلمة واحدة همهمت بها نيرة دون أن تنظر اليهما وفي سرعة البرق خرجت إيسال من الغرفة ناظرة لزوجها الذي يمسك بساعد عمر الصامت صمت ما يسبق عاصفة هوجاء ستقتلع كل ماهو أخضر و يابس..
"نوال بسرعة، بسرعة روحي شوفي بابا عمار فين"
قالت إيسال وهي ترتجف محدقه في غوايش التي بدورها نغزت نوال تأمرها:
"اسمعي الحديت و اركضي شوفي وينه الضاكتور و كماني عمك مناع"
وقبل أن تتحرك نوال هتفت غوايش قائله لها بتحذير:
"إياك الحاج الكبير يعلم شي"
إنقبض قلب عمر بألم بينما يسمع بتخاذل لا يفهمه وقد زاد من غضبه الصامت ما تردده تلك الشمطاء عن خطيبته:
"أنا مش بكذب ياسمية عشان تحاسبيني عندكم بلسم روحوا اسألوها هي ليه طلبت من بنتي تروح تشهد مكانها، لو كانت بريئة مش كانت راحت هي"
تمتم أيوب وهي يشدد قبضته حوله:
"بتكذب ياعمر، الست ديه بتكذب"
همهم بصوت خافت:
"حديتها صُوح ياواد عمي، المصيبة أنه صوح"
صرخت كابر و بطنها تتمزق من الآلام:
"انتي وبتك عايزين اختي تتعذب، عايزين تعملوا فيها زي ما حصل في أمي بس ورحمة أمي ما هيحصل أبدًا.. أنا اللي هيقف لكم هقتلك انتي وبتك لو واحدة فيكم قربت من بلسم، هقتلكمممم"
احتضنتها سلمى وهي تسأل:
"همليهم ياسمية ينجعلوا من اهنيه، وه وينها نيرة؟"
هتفت سلمى وهي تنظر حولها لقد اختفت نيرة عن الأنظار فجأة.. فترد بهية مفجوعة:
" الست نيرة كانت اهنيه؟"
و ركضت بهية نحو سمية التي كانت تقبض على ياقة صفية بقبضة من حديد بينما الأخرى مستسلمة لها وكأنها تحثها على فعل ماهو أكثر من ذلك، في حين كانت ابنتها مروة تحاول فك قبضتها القوية:
"اعملي معروف ياست سمية همليها دلوكت، الست نيرة مابيناش، همليهم ياغوروا من اهنيه بقدم الشؤم"
ضحكت صفية باستهزاء و عيناها تلمع بنيران حقدها:
"كأنها يعني هتسمع كلامك، انتي متعرفيش مين هي سمية يابهية، سمية اللي مكنتش هتوافق أبدًا ان ابنها الغالي يتجوز بت الخادمة، محمود اللي على الحجر بس.. ربنا كبير اهو ابنك اتجوز اللي مش هتخلف له حتة عيل"
رفعت سمية تنظر حولها باحثة عن فاطيما التي لم تكن بالغرفة فرفعت كفها الآخر وصفعت وجه صفية بقوة:
"الجلم دهوت عشان تعرفي حدودك يابت البكري"
انفعلت حواسها أخيرًا وكادت أن ترد القلم قلمين إلى سمية لولا تدخل كوثر و ابنتها معًا في نفًس واحد:
"يلا نمشي من هنا ياماما.. يلا بسرعة"
"بزياداكي ياصفية الدنيا راح تجيد نار أكتر ماهي جايدة"
وقفت بهية بينهما و دفعتهن بقوة بمساعدة غوايش التي انضمت لهما:
"انجعلوا بره السرايا، انجعلوا من اهنيه"
ظلت بهية تدفعهن و بمساعدة غوايش بينما صفية كانت تحاول الوصول إلى سمية التي تمنعها إيسال وفي نفس الوقت سلمى تتمسك بكابر التي ضعفت كل قوتها و ازداد ألمها....
أخيرًا استطاعت بهية و غوايش دفعهن إلى الخارج و صفية تصرخ بكل ما أوتيت من قوة وهي تتوعد لسمية و نيرة معًا:
"هحرق قلوبكم واحد واحد يا ولاد الناجي، انا صفية بت البكري، اللي مايقدرش عليها حد، هحرق قلوبكم واحد واحد زي ما قلبي اتحرق، هتشوفوا"
وسط كل هذه الانفعالات و الصرخات التي جمعت العاملين بالسرايا، و أنين كابر الخافت و رجاء إيسال لمنع سمية من الخروج، وهتافات بهية وغوايش معًا...
كانت فاطيما تركض فوق الدرج خلف نيرة التي كانت تعمر أجزاء سلاحها المرخص وتنزل مهرولة وهي تقول بغضب:
"كفاية لحد كده، كفاية ياولاد البكري"
صرخت فاطيما وهي تهرول خلفها:
"استنى ياخالتو أبوس ايدك بلاش تسمعي لوسواس الشيطان، حد يلحقني"
وفجأة دوى في الخلاء صوت طلق ناري أوقف الجميع في صمت تام...
بالفعل استطاعت نوال الوصول الى عمار الذي كان في القصر المجاور برفقة مناع، بينما في نفس ذات الوقت كان علي يجلس بجانب طاهر في السيارة التي تقترب من بوابة السرايا..
"لافيني السلاح ياست الناس"
قال حسنين برفق وهو يقترب من نيرة المصوبة سلاحها لجبهة صفية وهي تنظر في عينيها..
"ابعد من هنا بقولك"
قالت بصوت بارد خافت دون أن تحيد بعينيها عن عيني صفية المرتعبة والتي لم تحسب حساب أن نيرة ابنة الذوات ورثت قوة الحجة دهب وأصبحت لاتهاب إلا الله..
"ماما..."
تمتمت مروة باكية وهي تتعلق بذراع امها المرتجفة:
"خايفة على أمك ياست الحسن، بعد ما شعللتوها حريقة جوه بيتي"
هدرت نيرة بجمود و فوهة سلاحها تتعمق أكثر و أكثر لتقول صفية وهي تبلع ريقها:
"اعمليها يانيرة.. ما إنتم مش غريب عليكم الق*تل"
شبح إبتسامة ظهر على ثغرها وهي تتبادل معها النظرات الملغمة:
"كلامك مش هيوقفني، انتم تعدو علينا ..هقتلك انتي وبتك وهدفنكم هنا في أرضي ولا من شاف ولا دري"
والتفتت ناظرة لكوثر التي أمسكتها سمية بقوة تسألها ببرود:
"ولا إيه ياكوثر، هي صفية وبتها كانوا هنا؟"
تمتمت كوثر مرتجفة:
"استهدي بالله يانيرة انتي طول عمرك ست عاجلة"
هدرت بايحاء غاضب:
"وإنتم مستهدتوش بالله ليه، أما اتفقتم مع بعض ولا حلو ليكم ووحش لينا"
صرخت مروة وهي تلتفت حولها ليقابلها كل وجوه الناجي:
"في قانون هي مش سايبة، قاسم يعرف اننا هنا"
هزت نيرة رأسها مبتسمة:
"طبعًا ماهو رأس الشر، اوعي تكوني فاكرة انه خايف عليكم انتي و أمك، قاسم عايز يخلص منكم انهاردة قبل بكره، بنتي اللي رفضته وفتحت دماغه من كام شهر لسه جوه عقله المريض، انتي مجرد كلبة زيك زي غيرك عنده، كلامك انتي و أمك عن بناتي مش هيعدي كده ماهو لازم عقاب من ست لست وانا هنا ست السرايا ياصفية، ست البلد كلها و مرات كبيرها"
تمتمت صفية من بين أسنانها التي تضرب ببعضها:
"انتي بتغلطي غلطة عمرك، لو قتلتيني هتروحي في داهية ولا فيها كبير ولا صغير يامرات كبير ال...."
قاطعتها نيرة بثقة:
"لا مش هروح، انتي هنا في بيتي على أرضى كل اللي هنا ولادي.. ألف من هيفتح حفرة عشان أدفنك فيها و ألف من هيقول أنا اللي عملتها.. واللي هيقول غير كده ألف من هيخلص عليه بعيار طايش منعرفش جه من فين"
أنهت كلامها المرعب وهي تنظر الى كوثر التي هزت رأسها و صوت سمية يهس اذنيها كفحيح الافعى:
"عيار طايش ياكوثر، وه العيارات الطايشة كتير جوي "
ارتفع صوت خشن حاد من خلف صفية الثابتة في مكانها ولم تستطع التعرف عليه يقول:
"اعمليها ياست الناس و آني اهنيه"
و بدأت أصوات رجال الناجي في الارتفاع.. الكل يقدم فوق طبق من فضة روحه فداءً لها مطالبين فعلتها وهم جاهزون لتحمل كل العواقب....
قال حسنين وهو يناظرهن بحقد دافين:
"لو ناوية ياست الناس، يبجى عنك انتي"
رفع بندقيته الآلية يشد أجزائها وهنا تجمدت مروة و صفية معًا وشحبت وجوههن.. لو عاد بهما الوقت قبل ساعتين من الآن لما فعلتا فعلتهما....
كتمت إيسال فمها و تمسكت بفاطيما هاشة الساقين يشاهدنا الأمر وكأنه فيلم سينمائي وليس حقيقة مدمغة:
"هيقتلهم يافاطيما"
مسحت فاطيما فوق وجهها تردد داعية:
"يارب سترك ورضاك، يارب نجينا.. ياخفي الألطاف نجنا مما نخاف"
وأمسكت بذراع إيسال تسألها:
"عمر و أيوب فين؟"
هزت إيسال رأسها تقول وهي تبكي:
"مش عارفه عمر خرج يجري و أيوب راح وراه"
انكمشت فاطيما وقلبها ينقبض خوفًا تقول:
"يبقى عمر راح لبلسم، أكيد راح يسألها ياستار يارب"
"أنا خايفة جدا كابر جوه معاها عمتو سلمى تعبانه هي كمان، ليه اللي حصل فجأة كده، أنا السبب، أنا السبب وجودي هنا هو السبب"
انطلق صوت عمار وهو يركض و معه مناع فجأة:
"نيرة هاتي السلاح ده... نيرة هاتي السلاح بقولك"
رفضت بتعنت وهي لا ترى وجوه ولا تسمع أصوات إلا صوت شيطانها الذي يأمرها بقتلهما... اقترب مناع منها بهدوء و عمار من الجهة الأخرى:
"استهدي بالله ياست الستات دولت كلاب ولا ليهم أي عازة، لافيني السلاح الله يرضى عنيكي"
قالت بجمود و اصبعها يضغط ببطء فوق الزناد:
"ابعدوا عني.. محديش يقرب"
أغمض عمار عينيه يمسك بيدها وفي تلك اللحظة التي انطلق فيها دوي الطلقة صرخت فاطيما و إيسال معًا بينما أغمضت صفية عينيها مستسلمة، في حين كانت مروة تسقط راكعة وهي تخفي رأسها بين ساقيها....
عم الصمت المكان لا أصوات تعلو فوق صوته في تلك اللحظات.. يجلس الجميع في هدوء و العيون شاخصة ..يكسو الخوف و التوتر كل الوجوه بينما عيناه مسلطتان نحوها.. نحو زوجته نيرة الناجي التي كادت في هذه الليالي المباركة أن تقتل نفسًا بغير حق...
"بس الضاكتور يطمنا على مرات ابنك ويحلها ربنا"
قال بصوت خافت وصل إليها بكل وضوح... لم تنظر نحوه وكأنها قد تجمدت فأصبحت كتمثال رخامي لا روح فيه.. فقط استطاعت أخذ نفسًا عميقًا عندما خرج الطبيب من غرفة كابر يطمئنهم قائلا:
"مجرد تشنجات عادية مفيش منها أي خطورة، ياريت الفترة الجاية ماتتعرضش لأي ضغوط نفسية عصبية، لو اتكررت التشنجات مرة ثانية هيكون في خطر على الجنين و الأم"
شكر علي الطبيب الذي رافقه حسن يودعه وظل في مكانه حتى نطق والده:
"حمدلله على سلامة مراتك و سلامتك ياولدي"
هز رأسه مبتسمًا بشحوب و اقترب من والده يقبل كفه ثم جبهته ثم ضمه بقوة وهو يهمس بصوتٍ عاد أخيرًا مسموع:
"الله يسلمك ياحاج"
والتفت إلى والدته التي لم تستقبله كعادتها استقبال الفاتحبن و انحنى عليها يضمها في صدره ..شعر بها ترتجف بين ذراعيه فقال وهو يملس فوق وجهها:
"متقلقيش كلنا بخير الحمدلله"
وعاد علي الى مكانه لتقول سمية له وهي تلوي فمها:
"وه..مش راح تسلم ع الباجيين ياواكل ناسك"
دمدم سلمان بغيظ:
"مش وجته يارئيسة العصابة"
همهمت بهمس:
"وه رئيسة عصابة"
خرجت سلمى من غرفة كابر و قالت لبدرية و نوال:
"هموا يابنات اعملوا لكابر شوية شوربة خضار بصدر فرخة"
"عيوني.."
هتفت بدرية وهي تهرول نحو غرفة المطبخ، وقبل أن تلحق بها نوال نادتها سلمى قائله وهي تحدق بوجوه الفتيات الشاحبة:
"نوال الله يرضى عليكي يابتي سخني الحليب مع العسل للبنات و انتي و بدرية كماني كفاية فجعتكم"
صدح صوت الخالة غوايش الجالسة بجانب نفيسة و وداد اللاتي وصلتا حديثًا بعد فض الأمر برمته:
"وآني يانوال حطيلي حتة جشطة كماني"
فلتت ضحكة من بين شفتي نفيسة والتي كتمتها قبل أن يلاحظها أحد من الجالسين، لتضربها وداد بخفة:
"اشششش أبوكي على آخره"
نهضت فاطيما من مكانها بجانب إيسال وهي تتجنب النظر في وجه وداد التي تحدق من وقت لآخر في زوجها بشكل ملحوظ:
"أنا هدخل أطمن على كابر"
قالت لزوجها الذي هز رأسه بهدوء و عاد يلتفت نحو والده و خاله... سأل حمزة بغضب:
"وينه عمر؟"
مسح عمار فوق وجهه وأجابه:
"أخده أيوب قبل ما يجنن و يروح عند بلسم.. نزلوا وسط البلد"
تمتم حمزة بصوت خافت:
"زين ما سوي"
ضيق حمزة محاجر مُقلتيه وهو ينحني فوق عصاه يحدق في رجاله الواقفين جانب بعضهم في صفٍ واحد متسائلا:
"كيف دخلت صفية البكري وبتها من بوابة السرايا؟"
رفع عصاه يلوح بها نحوهم وهو مازل متمهلاً يسأل بصوت خافت:
"مين فيكم سمح ليهم يدخلوا التنين؟"
تقدم حسنين مع بندقيته يجيبه:
"آني، آني ياكبير...."
شهقت نوال التي أخرجت رأسها من شق باب المطبخ وهي تضرب فوق صدرها، لقد كذب حسنين لم يكن هو في تلك المناوبة.. بينما ارتفع حاجبي عمار بدهشة يحدق في وجه حسنين الصخري...
ابتسم حمزة يفرك شعيرات ذقنه الفضية محدثًا سلمان الذي كشف أمره هو الآخر:
"شوف كيف؟"
تدخل سلمان:
"مين اللي كان في المناوبة ياولد؟ اتحدت دغري من غير لف و دوران"
صمم حسنين قائلا بثبات على موقفه:
"آني ياحاج سلمان، كنت....."
قاطعه حمزة بدقة عصاه القوية فوق البلاط المصقول هادرًا:
"انت واللي عتداري عليه تنجلعوا دلوكت من السرايا وماعايزش أشوف واحد فيكم نوبة تانية"
"حمزة اهدي ياخوي"
حاول عمار التدخل.. بينما رفع مناع عينيه يحدق بوجه حسنين وهو يهز رأسه بخيبة أمل:
"ده جراري ياضاكتور، انجلع ياولد"
اقترب حسنين سريعًا من حمزة وانحني يلتقط كفه حتى يلثمه مرددًا بطاعة:
"أمرك نافذ ياكبير"
صاح حمزة في رجاله قبل أن يخرجوا خلف حسنين:
"الكل في مكانه الليلة ماعايزشي چناح دبانة يعدي إللي مش هينفذ حديتي راح يحصل التور اللي انجلع، غوروا من جدامي جبر يلمكم"
رمقت سلمي شقيقها وبحنان مسدت كتفه قالت بابتسامة هادئه:
"خابره انها جرصة ودن لحسنين عشان يتعلم الصدج صوح ياخوي؟ "
رفع كفه يربت فوق كفها دون كلام فالسكوت علامة رضا الكبير...
مالت سمية تهمس لبهية:
"كأننا في مدرسة مجعدينا جدام منيهم كيف العيال"
تنحنح علي يجلي صوته و كان أول من تحدث من شباب العائلة:
"أنا مش فاهم ازاي صفية البكري عرفت أن ماما عاملة ضيافة، أصلا ازاي تتجرأ و تدخل هنا وتقول الكلام ده عن بلسم"
هدرت سمية بغضب:
"المَرَة الشايبة العايبة مرات الدلدول هي اللي دست ليها الخبر، والله وبالله كنت راح أحش مصارينها حش وجت ما أمك كانت راح تفرجع نفوخ العجربة صفية لولا عمك اتدخل ورفع يد أمك عنيها"
قبض حمزة على عصاه في صمت وهو يحبس أنفاسه بشق الأنفس... ليقول سلمان بغضب وكأن في داخله بركان سوف ينفجر:
"اللي حوصل من الاول كان كلاته غلط، كان لازمن انتم ياكبار تمسكوا حالكم مش البنته الصغار هما اللي يفكروا بعجل، كان وينه عجلكم هاا انطجي يامرة؟"
دمدمت سمية باستياء:
"اباي كنت رايدنا نسكت؟ نحط المداس جوات خشمنا و المرة العجربة خلفة الشياطين چايه لحد عندينا تولع الدنيا، ده إحنا مانبجاش نساوينكم بجى لو جفلنا خشمنا..اللي حوصل كان لازمن يحصل من زمان"
"أمي هتتطلج الليلة"
همست نفيسة قرب وداد.. فقالت وداد وهي تحدق بوجه نيرة الرخامي الشاحب كالأموات:
"انا خايفة على خالتي نيرة ولا نطقت حرف من وقت ماقعدت"
دمدمت نفيسة بقلق:
"ربنا يستر ويعدي الليلة على خير، مش لازمن نجول لدهب"
ضرب سلمان كفيه ببعضهما منتفضًا بكليته ينظر لحمزة بعيون جاحظة مصدومة:
"مش جولتلك، جولتلك من اللاول أن مرتي هي أس المصيبة كلاتها، هي اللي شعللتها بنفسيها"
شدد على أسنانه وهو يقبض في الهواء قبضة وهمية:
"أعمل فيكي إيه ياولية أحط صوابعي في الشج منيكي؟ كان راح ترتاحي أما أم عمر تصور جتيل في السرايا"
رفرفت نيرة برموشها هاتفة بإندفاع:
"سمية مالهاش ذنب ياحاج سلمان، ولا حد فينا كان له ذنب، الذنب على اللي دخلت بيتي ورمت كلام السم عشان تسمم به دماغ ابني"
عاد حمزة ليحبس أنفاسه الغاضبة بشق الأنفس ثم أخذ يدب بعصاه فوق الأرضية وهو يغمغم:
"تجومي تصوري جتيل، لا تنيين جتيلين"
ردد سلمان وهو يذغر لزوجته بطرف عينيه:
"وانت الصادج تلاته، كانت راح تجتل كوثر بت الشيخ عبدالمجصود"
ردت نيرة بثبات متحدية زوجها:
"انت كنت هتعمل كده لو في الموقف ده، عملت كده أصلا أما الحيوان ابن الكلاب ده اتعرض لدهب، و برغم انها فتحت دماغه انت بردك مسكتيش ياحمزة و كنت هطلع روحه في ايدك ولا نِسيت"
هدر بصرخة نفضتها:
"آني أعمل انتي لع، متساويش حالك بحالي يامرة"
تحرك حسن بجانب والده و علي أيضًا فقال حسن:
"بالهداوة ياحاج ماما كانت بتدافع عن كابر وعن بلسم"
نهضت من مكانها برأس مرفوعة ملكة زمانها و أوانها.. ترد بلا خوف:
"أنا أساوي.. زي ما انت كبير البلد أنا بردك كبيرتها"
تمتمت بهية بخفوت وهي تدب فوق صدرها في توتر:
"وي وي وي استر يارب، الست نيرة معرفاش عتجول إيه"
قالت سمية بذهول:
"تجوليش أكلت جلب أسد"
ضم عمار شفتيه يتنحنح و عينيه تتطلعان في الجميلة
الواقفة أمامه بثبات كملكة متوجه على العرش.. يرى فيها قوة والدته كلماتها النافذة، غضبها وعنفوانها وما فعلته يرى فيها قوة و عظمة نساء عائلة الناجي ممن سبقوها...
اتسعت عينا حمزة ووقف مقابلها ينطاحها رأسًا برأس وهو يقول:
"بجا اكديه ياكبيرة ماشي الصبر حلو"
وكان دور مناع هو التالي حينما ابتسمت زوجته براحة فهدر بصوت أفزعها:
"وانتي كماني لساتك حسابك چاي.. انتي و الولية اللي رجلها و الجبر عتضربوا النساوين و تشدوا شعورهم"
قالت وداد وهي تنتفض من مكانها خائفة من غضب والدها الذي يصبه على والدتها بالتأكيد:
"يووو جه الدور على أبويا كمان .. تعالي نشوف كابر هي كمان لتكون ولدت"
وسحبت نفيسة خلفها في صمت، وقف حسن منتصبًا بقامة عالية وسط والديه يحاول التهدئة:
"أبوس يدكم مش وجت الحديت دهوت خلينا نفكر في عمر انتم خابرين زين دماغه و تفكيره دلوكت لازمن حد فيكم يتدخل جبل مايعمل حاچه مع بلسم"
ابتعد حمزة وعاد ليجلس في مكانه يطرق بعصاه قائلا لولده:
"شوف أمك خليها تحلها مش هي جميس بوند البلد"
مالت سمية على نيرة مفرودة الجذع و مرفوعة الرأس
وقالت بهمس:
"چوزك جديم جوي، كيف چوزي لساتهم عايشين في السبعينات"
حرك محمود رأسه يحذر والدته التي تمزح:
"مش وجت مزاح ياست الكل.. ابوي عينه عليكي"
قالت نيرة لعلي الواقف بجانب والده يحدثه بصوت خافت:
"أنت يالي بتوشوش أبوك اتصل بأخوك شوفوه فين"
رد محمود سريعًا:
"لساته مع أيوب يا مرت خالي راح يجيبه و يعاود على اهنيه"
ضرب حمزة فوق فخديه وقال للجميع بتهكم:
"خلاص المسرحية انفضت الحمدلله.. عندينا نساوين تدافع عنينا ولا ايه ايه رأيكم يا رجالة"
أومأ سلمان و مناع برؤوسهم ايجابًا وقال سلمان وهو ينهض:
"يلا كل واحد على داره، جدامي وينها بتك ولا ناوية تنعس اهنيه، وانت ياولدي خد مرتك وعلى بيتك"
نظر حمزة لشقيقته وقال لحسن:
"وانت وصل عمتك لحد دارها، وانت اندلي عند مرتك"
ثم حدق في زوجته يقول بتلميح ساخط:
"آني بجا راح اندلي لفوج أنعس ساعتين لحد السحور.. خليكي اهنيه بجى حديتي الولية الخرفانة غوايش.. استنى ولدك وشوفي هتعملي وياه إيه، مش انتي الزعيمة"
أومأت نيرة برأسها بتحدي:
"متقلقش.. انعس أنت براحتك أنا هتصرف مع ابنك الغبي ..أما أشوف أخرتها معاه إيه"
لتدمدم الخالة غوايش الجالسة في زواية بعيدة:
"كل الهم يلف و يدور ويجي لحد عندي"
صاح حمزة فيها بغضب قائلا:
"سدي خشمك ياولية .. أني راح افرجع منيكم..كتكم الهم و الغم جبر يلمكم كلاتكم في ليلة وحدة"
" "" "" "" "" "" "" "
دلف علي الى غرفته بعد يوم شاق مجهد ومتعب تاركًا والدته و عمهِ وشقيقه حسن يجلسون في انتظار عمر الذي لم يعاود بعد.. نظر إلى إيسال الجالسة شاحبة الوجه بجانب زوجته النائمة فقال متنحنحًا:
"إيسال قومي انتي ارتاحي في أوضتك"
نهضت إيسال وهي تعدل ملابسها وسألته بقلق:
"أيوب و عمر رجعوا؟"
قال وهو ينفخ بتعب:
"لسه مرجعوش"
تنهدت إيسال بأسى و التفتت تنظر لكابر الغارقة في نوم عميق بعد أن تناولت حبة مهدئة وصفها الطبيب:
"خليها نايمة ترتاح من اللي شافته انهاردة، حقيقي كان يوم صعب،مين الست ديه يا علي؟"
هتف على بغيظ:
"ولية عقربة هي وبنتها كانت هتجيب لينا مصيبة ..الليلة ربنا ستر وأمي مقتلتهاش بس ربنا يستر من ردة فعل عمر هو كمان"
و انتفض بكليته ونظر بعيون جاحظة مصدومة سائلًا:
"كابر كلمت بلسم؟"
هزت إيسال رأسها نافية:
"لا.. كانت عايزه تكلمها بس ماما نيرة أكدت عليها متكلمش بلسم غير أما يرجع عمر و تتكلم هي معاه"
تنهد براحة ثم ما لبث ان قال بحبور:
"تعبتي معانا انهاردة.. انتي طبعًا مش أخده على الكلام ده بس
اتعودي انتي بقيتي واحده مننا"
ابتسمت بتعب:
"أنا حاسه اني أنا السبب.. لولا وجودي هنا مكنتش ماما نيرة فكرت تعمل الضيافة ديه عشان تعرفهم عليا"
هز علي رأسه نفيًا:
"انتِ مالكيش ذنب في كل اللي حصل.. الموقف ده كان هيحصل بأي شكل من الأشكال.. صفية البكري كانت مستنيه فرصة وجت لحد عندها، متقلقيش كلنا متعودين علي القرف ده من العيلة ديه"
هزت إيسال رأسها و ابتسمت ثم قالت وهي تقترب من الباب:
"ع العموم حمدلله على سلامتك و هاردلك ان شاء الله تتعوض البطولة الجاية"
ضحك علي وهو يحك فروة رأسه بخجل:
"كان نفسنا نرجع بكأس البطولة بس قدر الله وما شاء فعل"
تمدد علي بجسد متعب بجانب زوجته فوق الفراش و هو ينظر إليها بشغف و أنامله تداعب شعرها المفرود فوق الوسادة ثم وضع يده الأخرى فوق بطنها فشعر بحركة صغيرة فهمس وهو يبتسم:
"انتِ لسه صاحية ياقلبي مش تنامي انتِ كمان"
استمر يمسد بطنها حتى عادت الصغيرة ترفس برقة طربت قلب والدها فأحني رأسه يضعها فوق بطن كابر وكلمها بصوت خافت:
"وحشتيني، ابوكي وحشك كمان صح؟ عشان كده بترفسي جوه بطن أمك"
عاد ليسند رأسه على طرف السرير و نظر لكابر التي تتحرك في نومها بحركات متتالية فقال وهو يغمض عينيه:
"ربنا يهديك ياعمر و متعملش حاجه تندم عليها"
"" "" "" "" "" "" "" ""
جلت نيرة في صحن السرايا تنتظر وصول عمر.. نظرت في الوقت و نادت بصوت خافت:
"بدرية، بدرية"
خرجت بدرية من المطبخ تعقد وشاحها خلف رأسها:
"ايوه ياست نيرة"
قالت بهدوء:
"حضري السحور يابنتي والله ما فيا حيل أحضره..أنا علي عيني اني صحيتكم من النوم"
قالت بدرية وهي تقترب منها وتقبل قمة رأسها:
"ارتاحي انتي ياستي و تاج رأسي.. آني أحضر السحور لحالي، بس ست نيرة رايده أجولك كلمتين"
تبسمت نيرة وقالت وهي تعتدل في جلستها بهدوئها المعتاد:
"قولي يا بدرية"
جلست بدرية أمام نيرة وقالت وهي تحني رأسها:
"نوال حزينة جوي و عتعيط.. الكبير جلع حسنين وهي كيف مانتي خابره"
هزت نيرة رأسها متفهمة الموقف:
"متقلقيش.. إنتم عارفين أبوكم ميفرطش أبدا في حد من ولاده، حسنين هيرجع بس هي قرصة ودن "
رفعت بدرية كفيها تردد:
"الله يرضى عليكم يارب و يهدي الحال و يطمنك على سي عمر يارب، راح اندلي احضر السحور"
ربتت نيره فوق كتفها... فقالت بدرية وهي تعاود من جديد:
"ست نيرة اللي عملتيه الليلة كان صوح الصوح.. والله أمي كانت عتجول أن الحچه دهب الكبيرة كانت اكديه كيفك بميت راجل، توجف شنبات الرچالة انتي الليلة كنتي كيف الحجه دهب الله يرحمها"
دمدمت نيرة وعينيها تملأها الدموع:
"الله يرحمها.. تعيشي يا بدرية، يلا روحي حضري الاكل"
...............
جلس فوق الفراش يقرأ في كتاب الله الكريم في هدوء و سكينة رغم القلق الذي يسكن جنبات قلبه علي ابنه وما حدث تلك الليلة في ارجاء السرايا، تعمد الصعود إلى غرفته متصنعًا النوم، ليقرأ القرآن الكريم لعل آياته تطيب قلبه و تهدئ من روعه....
حرك رأسه بعدم تركيز .. صدق ثم وضع المصحف الشريف فوق الطاولة بجانبه متسائلا بتفكير:
"وبعدين ياحمزة؟ هتعمل إيه؟ بيكفي عاد لحد اهنيه، واد البكري و أهل داره لازمن يرحلوا عن البلد كلاتها و إلا راح تفتح على حالك بحور د*م كانت اتجفلت من جبل سابج، الولد عم يكبروا وكل واحد منيهم شايل روحه فوج كتفه خصوصي عمر، يا اكديه يا راح تخسر ولدك واحد واحد"
انتبه على أصوات واضحة قادمة من صحن السرايا.. لقد عاد عمر أخذ نفسًا عميقًا وقرر عدم التدخل الآن...
.........
قالت نيرة غاضبة:
"يعني انت صدقت كلام الولية ديه؟"
رد عمر بصوت قاسي بطئ:
"ماعايزشي أتحدت في الموضوع دهوت دلوكت"
قفزت واقفة أمامه تجذبه من ذراعه ليقف أمامها:
"أقف عدل هنا و اتكلم معايا زي ما بتكلم معاك، أنت صدقت الكلام الفارغ اللي قالته العقربة ديه؟ أنت حمار مش شايف قدامك؟ مش واخد بالك أن الولية ديه جت لحد هنا عشان توقع الدنيا في بعض"
ناظرته باستهانة وعدم اقتناعه جعلها تدفع وجهه نحوها لينظر إليها:
"فوق لنفسك متخليش غضبك يعمي عينك عن الفخ اللي عايزة توقعك فيه صفية و الواطية بنتها اللي كانت حاطه عينها عليك، البت ديه دخلت بيت بلسم وعملت نفسها صاحبتها عشان تقرب منا.. اصحى لنفسك"
رد بلكنة عابثة ذات معنى مبطن:
"بلسم كذبت عليا و عليكم كلاتكم مش اخده بالك من الحديت دهوت؟، ليه مش هي اللي شهدت جوليلي"
بررت نيرة موقفهاقائله:
"كانت خايفة.. مش عايزه تظهر نفسها لو شهدت وقتها معاك كان وهدان و ابنه هيقفوا ليهم.. والله أعلم كانوا ممكن يعملوا معاهم إيه"
صاح عمر بعصبية وهو يدور حول نفسه:
"و علاجتها ويا واد البكري ياترى هتجولي عنها ايه"
شهقت نيرة بغضب مكتوم وهي تلجم أعصابها حتى لا تصفعه فوق وجهه لعله يستفيق:
"أنت اتجننت؟ حصل حاجه في عقلك، يخربيت شكلك ياغبي، ياغبي هو ده اللي عايزاه صفية و بنتها.. ده اللي كانت هنا عشانه انهاردة، عايزه تشكك في بلسم"
صرخ وهو يضرب فوق رأسه:
"الكذب كذب مالوش تبرير تاني، بلسم خدعتني كانت في دار وهدان و كان رايد عماد يتچوزها يبجي أكيد...."
صاحت نيرة وهي تضع كفها فوق فمه تغلقه:
"أخرس، أخرس أنت اتجننت ع الآخر، مرات أخوك جوه ..الله اعلم بيها، كانت ممكن تولد بدري عن معادها وبنت أخوك تموت، البنت انقهرت من الكلام اللي اتقال عن أختها وانت جاي تقول الكلام الفارغ ده دلوقتي"
"آني ماجدرش أفكر، ماجدرش.. أبوس يدك بزياداكي و بعدي عني"
قال وهو يبعد يدها عنه وعينيه تقدحان بالغضب ..وتراجعت بإنهزام من نظرات ابنها اليائسة ..غضبه يلجمه كي لا يؤذي مشاعرها او يصرخ في وجهها:
"أنت عايز إيه قولي"
تمتم بصوت مخنوق يشوبه الألم:
"رايد اتحدت وياها، اعرف هي خبت عني إيه تاني؟"
" "" "" "" "" "" "" "" ""
"بقولك أنا حامل.. كانوا عايزين يقتلوني أنا وماما وابنك"
قالت مروة برعب سيطر علي ملامحها الشاحبة منذ ليلة أمس وهي تنظر الي صاحب الوجه البارد الجالس أمامها يعبث بهاتفه....
"قاسم أنت سامعني، سمعت قولتلك إيه؟"
رد بخفوت دون أن يُعيرها أي اهتمام:
"سمعت.. أعمل إيه دلوكت"
حاولت مروة التنفس بصعوبة وهي تراقب ملامحه الباردة الأشد خطرًا من ملامحه الغاضبة التي رأتها من قبل..
"قاسم أنا حام......"
قاطعها يتأفف ضجر وكأن الوضع برمته لا يعنيه:
"حامل، حامل، حامل جولتيها ألف مرة خبر إيه؟ رايده إيه مني، أحمل العيل مكانك ولا أچيب الطبل و الزمر و أتحزم و انزل ارجص وسط الخلج؟ اوووف الله يلعن دي چوازة"
للحظات لم تستطع مروة الرد.. تجمدت ساقيها وبحثت عيناها عن مقعد تجلس فوقه قبل أن تسقط بأرضها... تمتمت بما يشبه الهمس:
"نيرة الناجي كانت خلاص هتقتلنا حطت السلاح في راس أمي وكانت هتضغط علي الزناد وبعدين تقتلني و أنا حامل في ابنك"
غمغم من بين أسنانه بخفوت:
"ياريتها كانت عملتها وخلصتني منيكم إنتم الچوز"
دلكت عنقها من الغثيان الذي يخنقها تسأله بحيرة:
"أنت، أنت ناوي تعمل إيه مع...."
قاطعها قاسم بكل هدوء و دون أن يتحرك من مكانه:
" ناوي اعمل إيه مع مين؟ "
راقبت ملامحه الباردة كالثلج لتقول بفتور:
"مع نيرة الناجي و سمية أبو السعود مع اللي كانوا..."
قاطعها من جديد وهو يطقطق بطرف لسانه:
"تؤ تؤ تؤ مش ناوي اعمل أيتها حاچه.. آني مش ناجص أيتها مشاكل ويا عيلة الناچي"
ثم وضع ساق فوق أخرى يكمل ببرود:
"انتِ و أمك اللي بدأتوا المشاكل وياهم.. كيف تروحوا لحد السرايا وتعملوا اكديه؟ كانكم اتچننتم في عجولكم انتم الچوز اشربوا بجى"
ابتسمت مروة بسخرية قبل أن تقول بخفوت:
"نشرب.. قاسم أنا كان ممكن أموت وأنا حامل في ابنك"
زفر قاسم نفسًا كاللهب لفح بشرة وجهها فأحرقها وهس بصوتٍ بارد و عنيف:
"ولدي ولدي ولدي مين جالك اني رايد ولد منك"
أظلمت عيناها بألم و امتلأت بالدموع ..ردت بنبرة خافتة :
"يعني نيرة الناجي كان عندها حق أما قالت اللي قالته"
سألها و الفضول يملأ عينيه:
"جالت إيه نيرة الناجي ياترى؟"
صمتت للحظات لتتماسك وقبل أن تسقط دمعتها مسحتها بعنف حتى لا تحرق كرامتها.. أجابته بأسى وحزن:
"قالت إنك لسه بتحب دهب و إنك عمرك ما هتحبني أبدًا .. عمرك يا قاسم حتى لو خلفتلك عشر عيال مش عيل واحد، كلامها صح يا قاسم، صح قول"
و صرخت غاضبة وهي تقف أمامه:
"اتكلم قول كلامها صح ولا غلط"
حذرها بغضب:
"متزعجيش في وشي وإلزمي حدك يابت صفية، فاكره حالك مين؟ فاكراني چوز امك اللي لعبتم به الكورة ده لا عاش ولا كان"
هتفت من بين أسنانها وهي تجذبه من قميصه بقوة:
"يبقى كلامها صح"
أبعد يديها عن عنقه بعنف وصرخ في وجهها المحقن بالألم:
"أيوه لساتني بحبها و هفضل أحبها لحد ما روحي تطلع و جلبي يوجف عن النبض، دهب جلبي، جلبي"
وضغط بقبضته فوق قلبه المتيم بعشقه الابدي لدهب الناجي..
عادت عيناها تظلم بألم إلا أنها تلك المرة نفضت الألم عن قلبها وهي تقول بغضب:
"وأنا موقعي إيه عندك ياترى؟ ليا مكان في قلبك ده بما أن دهب هانم بقت لغيرك و عمرها ماهتبقى لك ولا هي حبيتك أصلا"
ضغط على فكها يطحنه بين أصابعه:
"دهب كانت ليا و هتفضل ليا، مسيرها في يوم تبجى ليا، وانتي حطي في راسك اللي كيف رأس الحية لو خلفتي عيال الدنيا كلاتهم عمري ما هحبك، جوازي منك چواز مصلحة وبس و عندك أمك اسأليها"
كانت وقفت صفية بجانب باب الغرفة تسمع حديثهما وهي تضغط على قبضة يدها حتى ادمتها وقالت بغل:
"كلامك كله هيتحقق يا قاسم يوم ما احطك في القبر مع حب بت الناجي، ساعتها هنتقم منك و منهم كلهم واحد واحد، ابنك اللي في بطن بنتي هيكون هو الكل في الك، هيورثك و يورث أبوك و يورث حق ابني اللي اخدتوه مني هتشوفوا كلكم"
عادت الي غرفتها و دارت حول نفسها تفكر بشر .. وقفت أمام المرآة تلمس خدها الذي صفعته سمية ، تحركت اصابعها فوق الدائرة الحمراء التي تركتها فوهة سلاح نيرة الناجي لتغمغم:
"هتشوفوا كلكم يوم ما آخُد حقي منكم واحد واحد.. فكري يا صفية فكري صح، الأول تخلصي على الناجي الكبير و سلمان في يوم واحد بيد قاسم و سلاحه بعدها تسلميه ليهم زي الكلب وهما يخلصوكي منه"
"" "" "" "" "" "" ""
دلف قاسم منحني الظهر حزين الى غرفة والده الذي كان يجلس أمام النافذة.. إلتف قاسم ليجلس أمامه على حافة النافذة.. سند ذراعيه فوق ساقيه وهو يسأله:
"كيفك يابوي؟"
هز وهدان رأسه وهو مازال يمتنع عن الحديث أمام قاسم و باقي من بالمنزل.. فقال قاسم بحزن شديد:
"آني مخنوج أوي يابوي.. جولي آني ليه تعيس و ليه جلبي مكسور؟ يمكن عشان لساتك مش راضي عني"
تجمدت ملامح وهدان و أبعد وجهه عن قاسم..فقال قاسم بصلابة وهو يقترب منه:
"خابر إنك عمرك ما حبتني يابوي، لساتني في خاطرك واد نعمة العبيطة اللي خلفت منيها عيل واد حرام، خابر يابوي أن عماد لساته ولدك و روحك"
أغمض وهدان عينيه فهدر قاسم بجنون وهو يمسك بذقنه ليعيد وجهه اليه:
"مش آني يابوي مش آني اللي جتلت ولدك، مش آني اللي عملتها مكنتش أجدر أعملها يابوي، شريكه ..شريكه هو اللي عملها مش......"
أوقفه وهدان بإشارة من يده المتعافية ليصمت.. ولكن قاسم لم يتوقف
بل استمر في الحديث المؤلم عن شقيقه عماد الذي مازال يكرهه فقال بغل وقد تبدلت ملامحه من هادئة الى شيطانية مخيفة:
"بس اللي متعرفوش.. أنا اللي دبرت كل حاچه مع شريكه و اتافجت وياه عشان يجتل ولدك الحيلة.. كنت رايد أخلص منه عشان أبجي جوات جلبك الوحيد يابوي، كنت رايدك تحبني يابوي، تحبني"
في تلك اللحظة و خارج باب الغرفة النصف مغلق شهقت صفية و كادت ان تسقط في أرضها وهي تسمع اعتراف قاسم لوالده .. عضت كفها حتى لا تصرخ وهمست تتوعده:
"قاسم.. انت يا قاسم اللي حرمتني من ابني، انت يابن الحرام، يابن نعمة، هقتلك يا قاسم بيدي هقتللللك"
" "" "" "" "" "" "" "
أسبلت نيرة جفنيها وهي تتنهد بنفاذ صبر ثم قالت لعمر:
"هاجي معاك تتكلم مع بلسم بهدوء و أنا هقعد بره أستناك"
شدد عمر قبضته بقوة وهو يقول من بين أسنانه:
"آني مش عيل صغير متجلجيش يا أمي.. راح أتحدت وياها كيف مانتي رايده تمام"
زفرت نيرة بتوتر وهي تدرك أن العواقب ستكون وخيمة فهي أدرى الناس بولدها وهدوء حديثه... نفخت و أدارت وجهها عنه و أثناء ذلك لاحظت اصبعه الخالي من محبسه فشهقت وهي تخطف يده بقوة تسأله:
"فين دبلتك؟"
توتر و دار حوله حتى لمحها حيث وضعها فوق الطاولة في غرفته:
" اهنيه.. خلعتها وآني بتسبح"
"البسها، البسها ياعمر"
قالت بغضب وهي تضع المحبس في كفه بقوة:
هز رأسه بتوتر و أعاد المحبس في مكانه وهو يقول:
"اها حطيته مكانه.. أمي عايز أغير خلجاتي بعد اذنك"
أومأت نيرة برأسها:
"حاضر هخرج بس هروح معاك بردك هستناك تحت"
نفخ ..ضرب جانبي ساقيه مغمغًا بصوت خافت:
"أمري لله، كأني عيل صغير"
"" "" "" "" "" "" "" ""
وخز قلبها شعور سبب لها الألم وهي تنتظر وصوله كمن ينتظر الحكم بالإعدام ربما يحالفها الحظ و يحكم عليها بالبراءة.. الحكم بين يديه.
أخبرتها كابر شقيقتها بكل ما حدث في ليلة أمس.. أن مروة كشفت سرها و استطاعت ان تشعل نيران الفتنة بينها وبين عمر..
لقد أخطأت... نعم أخطأت حتى كابر لم ترحمها وأنبتها بغضب:
"ازاي تعملي كده؟ ازاي يا بلسم يعني كل اللي قالتله صفية و بنتها عنك صح"
نفت وهي تبكي:
"لا مش صح.. أنا كنت هناك بالصدفة و شوفت اللي حصل بس خوفت اتكلم خوفت عليكي و على خالتي ..عشان كده طلبت من مروة انها تشهد باللي شوفته أنا"
صرخة كابر أفزعتها جعلتها تصمت من الخوف إذا كان رد فعل شقيقتها هكذا فما هو رد فعله و الجميع؟!!:
"انتى غلطتي يابلسم غلطتي، ازاي ماتقوليش لعمر كل اللي حصل ده قبل ما يسمع من غيرك، صفية و بنتها حطوا كل التهم عليكي و عمر شاكك فيكي"
همست لنفسها وهي تشرب الماء البارد عله يطفئ نيران قلبها، مروة و أمها أضافوا فوق غلطتها الكثير من التهم التي لم تفعلها...
ألقوا عليها بالأثم، اتهموها بقتل عماد وهي التي لم تعرف اثم غير كذبتها... الآن سيحاكمها عمر ويُنهي كل شيء بينهما...

يتبع
(الجزء الثاني من الفصل يوم الأربعاء ان شاء الله)

في العشق والهوي Hikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin