🌱الفصل الواحد وستون 🌱 ج2

2.4K 167 65
                                    

*الجزء الثاني من الفصل*
"" "" "" "" ""

أصرت نيرة على الذهاب معه الى منزل بلسم، فهي لن تترك ابنتها في هذا الموقف وحيدة, بلسم ابنتها طيبة القلب الغالية التي سكنت قلبها منذ طلتها الأولى.. هادئة وجميلة كالماءالعذب، براءتها صادقة كوجهها الذي يبعث الطمأنينة تُشعرك أن كل شيء سوف يكون جميلاً ، كم هي عفوية رقيقة تنظر ببراءة و كأن العالم من حولها يعم بالسلام ..
انها تثق تمام الثقة أن بلسم لم تفعل شيئًا يمكن أن يُخجلها أو يغضب ابنها وإلا كانت من أول المعارضين..
سألتها عزة والقلق يسبق الحيرة في عينيها:
"عمر راح يسوي إيه ويا بلسم؟ ممكن يفض الجوازة"
رفع علي عينيه يحدق في والدته التي طال صمتها حتى نفت والحدة تعلو بطبقات صوتها:
"لا طبعا.. يعني إيه يفض الجوازة"
خبطت عزة فوق فخدها تسأل:
"آمال إيه بس، ده الغضب مالي عينه و مش شايف جدامه غير حديت الشيطانة صفية هي وبتها، أااخ كان وينه عجلك ياعزة كان وين؟"
همهمت وهي تحرك جسدها الممتلئ بترنح لتكمل:
"انا بيدي اللي فتحت ليها باب داري، جولت لبلسم أنها بنته زينة و عتحبك جوي كيف ماتكون شيججتك، كان عنديها حج كابر"
اقتربت منها نيرة و طبطبت فوق ذراعها تهمس بغير عمد:
"عمر بيحب بلسم ومش هيتخلي عنها أبدًا.. أنا عارفة"
صدقت عزة بالدعاء:
"يارب يارب، چيب العواجب سليمة ديه طول عمرها غلبانة ولا ليها لسان على حد، يارب ما تكسر جلبها ولا فرحتها"
تنهدت نيرة ثم طرفت بعينها لعلي بينما دقات قلبها تتهدج داخل صدرها.. حك أنفه متنحنحًا يجلي صوته:
"ماما عندها حق يا ماما عزة، عمر يمكن يكون الغضب مالي قلبه وعيونه بس بالأخير خلينا متفائلين و نفكر شوية بهدوء، أخويا اللي عمره ما كان بيسمع لحد إلا بابا و ماما بقى بيسمع لبلسم و بيتفاهم معاها زي البني آدمين العاديين"
نهرته نيرة غاضبة منه:
"هو إيه ده اللي زي البني آدمين العاديين؟ هو أخوك كان قبل كده جاي من الفضاء، اتكلم عدل عن أخوك"
صمت تمامًا وهو ينظر اليها مبتسمًا، فقالت وهي تنظر حولها تبحث بعينيها:
"فين كابر؟"
أشار علي نحو الأعلى:
"راحت الحمام من شوية"
شهقت نيرة تنهض بقلق:
"ديه بقالها مدة لتكون داخية ولا تعبت تاني، قوم شوف مراتك"
قالت عزة بقلق وهي تحاول الوقوف:
"اطمن عليها ياولدي ديه وچها كيف اللمونة الصفرا"
نهض علي بتمهل و بتلكك جعل والدته تندهش من هدوئه و برودة أعصابه وهو يتحرك..
صعد الدرجات على مهل وحين وصل توقف خلف زوجته تمامًا التي كانت تنحني تلصق أذنها على الباب:
"كابر كفاية كده ماما بتسأل عل...."
استقامت والتفتت هامسة:
"كفاية إيه؟ هما قالوا حاجه؟ من ساعة ما دخلوا الأوضة وهما ساكتين"
ظل علي ينظر اليها قليلا ثم قال أخيرا بخبث:
"يمكن اتصالحوا وبيعملوا حاجه كده ولا كده"
تخاصرت كابر وارتفع حاجبيها بدهشة وهي تنظر الى شفتيه المضمومة في هيئة قبلة لتبتسم قائله:
"والله !! في نهار رمضان، علي مش وقتك خالص أنا...."
قاطعها بغضب خافت:
"بقولك إيه بلا مش وقتي بلا بتاع مبقاش جاي من بلد تاني، بعد عشرين يوم و ألاقي قدامي مشكلة تضرب في وشي كده على طول من غير مقدمات، وانتِ كمان كنتي هتولدي بدري عن معادك وبعد كل ده تقوليلي مش وقتك"
استدارت كابر اليه تناظره بدهشة ثم قالت متعجبة:
"يعني مش فاهمة أنت عايز إيه دلوقتي؟  وبعدين أنت صايم أصبر بس اطمن على بلسم و...."
و تركت بقية حديثها دون تكملة... فقال وهو يقترب منها ببطء:
"و إيه؟ كملي...."
زمت شفتيها لمنع ضحكة ناعمة كادت أن تتسلل منها و تفقد تركيزها وهمست وهي تقترب:
"أصبر على رزقك و هتاخد كل اللي نفسك فيه"
ملس ذقنه خفيفة اللحية رافعًا حاجب واحد وهو لم يقتنع:
"طب احلفي"
دفعته برقة حتى يبتعد وهي تقول مبتسمة:
"مش محتاجة أحلفلك عشان أنت كمان وحشني أوي والله، انت مش عارف يعني"
ضرب جانب فخديه ينفخ بقلة حيلة:
"أنا مش عارف غير حاجه واحدة، حظي أتعس من أخويا اللي جوه ده بكتير، ده أنا كنت ناوي أعمل فيكِ حاجات كتير أوي"
حدقت في عينيه الرمادتين والتي ينصهر لونهما حين ينظر لها بعشق فيصبحتا كقطعتان من الفضة اللامعة، إلتمعت عيناها بدهاء وهي تقول:
"البيت ده و الأوضة ديه بالذات..."
و التفتت تشير نحو غرفتها تكمل:
"يشهدوا عليا قد إيه كنت بكرهك و بشتمك ومش بطيق خلقتك حتى"
أومأ برأسه يبتسم:
"صريحة أوي ماشاء الله"
خفق قلبها وهي تهمس:
"ويشهدوا عليا دلوقتي قد إيه أنا بقيت بحبك و مقدرش أتحمل غيابك عني أنا و نبيلة"
"نبيلة !! "
ردد علي الإسم دون فهم.. فأحتنضت كابر بطنها التي أصبحت متكورة و منتفخة تقول:
"علي.. نفسي نسميها نبيلة على اسم أمي الله يرحمها"
هز رأسه دون تعليق شاردًا فيها قبل أن يلتفت كلاهما على صوت خطوات نيرة و صوتها الخافت وهي تسأل:
"بتعملوا إيه هنا؟"
راقبهما علي ينحنينا بالقرب من باب الغرفة ويسترقن السمع ليقول:
"مايصحش كده، تعالوا ننزل"
لم يهتمتا لحديثه و قالت نيرة لكابر:
"الصوت واطي أوي"
ردت كابر وهي تزفر:
"يمكن بيتكلموا بره في التراس"
استقامت نيرة وهي غاضبة بشدة، تريد اقتحام الغرفة علها تمنع السوء قبل حدوثه، نظرت لعلي الواقف في مكانه كحارس الليل وسألته بحنق:
"واقف كده ليه؟ انزل تحت اقعد مع عزة و طمنها"
**********
وداخل الغرفة كان يسير الأمر حتى الآن على مايرام، تركها عمر تبكي و تحكي وتقسم أنها لم تفعل ما يخذله أو يحط من كرامته، جلس بهدوء يعلم الله أنه بذل الكثير من الجهد ليكون على هذة الحالة....
كان يتنفس كتنين ساكن لم تندلع نيرانه بعد، حالة من اللا ادراك أصابته ووقع بين أمران لا ثالث لهما وهما الاستمرار في هذه الزيجة أو محوها من حياته...
"عمر كل اللي اتقال عني كذب، أنا كان كل همي إني أنقذك أنت ومحمود ومكنش ينفع أنا اللي أروح أشهد ..وقتها لو كان عرف خالي وهدان كان ممكن...."
بتر كلماتها بقسوة رغم هدوئه:
"بردك ماچاوبتنيش على سؤالي فى اللاول، إيه اللي كان بيناتكم؟ "
تنهدت و أسدلت أجفانها وقد تكالبت الغصات على حنجرتها حتى سدته وجرحتها بمسـنناتها المؤلمة فكتمت بلسم شهقة وهي تهمس بوجع:
"مفيش فايدة، مهما قولتلك وحلفت ليك بردك مش هتصدق إن مكانش في أي علاقة بيني و بينه ،هو كان عايز يتجوزني عشان الميراث وبس"
وكأنها قد ألقت بدلو من صهر بركاني داخل صدره جعل التنيين بداخله يصحو من غفوته الهادئة، تخيله للأمر يقتله حيًا,, حبه لها و جنون الغيرة جعل منه رجل بلا روح يضرب ولا يبالي، يفكر منذ ليلة أمس وهو كالمجذوب  كيف تعامل معها هل لمسها؟ هل وضع يده عليها؟ هل حاول لمس خصلة من شعرها؟ هل حاول تقبيل خدها و ربما شفتيها؟ هل وهل وهل... كاد يجن جنونه، انتهى وقت الهدوء و اندلعت نيران قلبه...
"انتِ معايزاش تجولي الحجيجة خايفة أغضب صوح، بس أنا دلوكت بسأل و آني هادي مش راح أغضب ولا أهد الدنيا فوج راسي و راسك كل اللي رايده منك..."
قاطعته بعناد وهي لا تتوقف عن النحيب الساكن:
"مفيش.. قولتلك مفيش.. هو كان عايز يتجوزني و انت بنفسك أنقذتني و خرجتني من هناك، لو كان في حاجة بيني و بينه كنت هوافق أخرج معاك؟ أنا معترفة إني غلطت أما خبيت عليك اني كنت هن....."
صرخ لاهثًا أنفاسُه المضطربة من شدة غضبه يسأل بتمهل دون توقف وقد فقد صوابه:
"إيه اللي كان بينك وبين عماد البكري؟ انطجي واياكي تكذبي، اياك يا بلسم"
لأغمضت أهدابها الرطبة وهي تقول برجفة تضرب كل جزء في جسدها خوفًا من غضبه الشديد:
"مكانش.. مكانش في حاجه بيني وبينه، الكلام ده كذب أنا معملتش حا......"
قاطعها صارخًا وكفه يضغط فوق شفتيها بقوة كاتمًا ماتبقى من كلمات، وكأن صوتها طعنات تسدد في صدره:
"اخررسي، اكتمي حسك، مطايجش أسمعه، اسمع الحديت الكدب اللي راح تجوليه"
هزت رأسها وهي تغمض عينيها مذعورة ترتجف فوق كرسيها من الألم و الخوف، فقد أصابه الجنون ربما في فورة غضبه يقدم على قت*لها بد*ماء باردة من دون أن يرف له جفن، وشهقت دموعها الصامتة، الأفضل أن يفعلها، بدلاً من أن يتركها فالموت بيديه أفضل بكثير من العيش من دونه...
"عمر أنا معملتش حاجه تمس كرامتك، والله العظيم"
احتقن وجهه المتصلب كالحجر واستعرت عيناه بكل همجية مخيفة يردد ساخرًا:
"معملتيشي، ده انتِ خليتيني كيف المختوم على جفاه، اضحكتي عليا، عملتيني لعبة بيدك و خليتيني لبانة على لسان نساوين البلد كلاتهم والصغير منهم جبل الكبير"
ضرب فوق جبهته عدة مرات متتالية مرددًا بغضب:
"كان وينه عجلي، كيف صدجتك، كيف؟"
وانحنى عليها و بقبضة من حديد ضغط أسفل ذقتها ليرفع وجهها المنتفخ من البكاء يتطلع فيه:
"بزياداكي عويل البكى خلاصي راحت أيامه، دلوكت اتحدتي من غير كذب وملاوعة، هو واد البكري هو اللي جالك تسرجي سلاحي صوح؟"
هزت رأسها رافضة اتهاماته لها صارخة بصوت مبحوح من شدة البكاء:
"لا مش صح، مش صح ياعمر انت بتقول إيه؟ أنا.. أنا أسرق سلاحك، وعشان مين؟ وليه؟ عمر أهدى و....."
نفض كفها الذي لمس كفه بقوة شديدة آلمتها وكأنها وباء يتخلص منه قائلا بنفور:
"بعدي يدك عني، أني مش طايج يدك تلمس يدي ولا اسمك يرتبط ويا اسمي، خلصنا وخلصت كل حاچه انتي من الساعة دي متحرمه عليا"
قالت ببطء وعينيها تتوسع وهي تحدق فيه مصدومة:
"أنت بتقول إيه؟"
حرك رأسه وهو يهس بفحيــح مرعـب من بين أسنانه المطبقة:
"زي ماسمعتي، انتِ كدبتي عليا"
هزت رأسها نافية اتهامه:
"مكدبتش كنت هقولك على كل حاجه"
صاح بغضب أعمي:
"ميتى كنتِ راح تجوليلي هه"
من خارج الغرفة انتفضت نيرة بينما قالت كابر بحزن وهي تحدق فيها بوجه شاحب:
"سمعتي يا ماما عمر هيسيب بلسم، هيسبها قبل فرحها، هيكسر قلبها، بلسم ممكن تعمل حاجه في نفسها"
أطبقت نيرة على أسنانها وقالت بغضب مغلولة
"هو مين اللي يسبها والله ما يحصل أبدًا، استنى هنا"
و فتحت باب الغرفة و اندفعت للداخل.. كادت بلسم ان تتكلم لتتفاجئ بنيرة تدلف مندفعة وهي تُشير اليها لتصمت.. في حين قال عمر بذهول:
"مــامــا..."
وقفت أمامه تحدق في وجهه المحتقن بالدماء غضبًا تسأله:
"إيه اللي سمعته ده، أنت عايز تسيب عروستك قبل الفرح، وتسبها ليه؟ عشان إيه؟"
حاول أن يتكلم بهدوء بعكس غضبه العارم منذ قليل:
"ما..ما اسمعـ.. اسمعيني"
لم تمنحه الفرصة ليبرر كلماته القاسية و غضبه العارم ولم تنتهي من توبيخها الغاضب وهتفت:
"أسمع إيه؟ عايزني أسمع كلامك الفارغ اللي مالوش أي داعي، أسمعك و أنت بتقول لبنتي إني هسيبك"
مسحت بلسم دموعها تشهق بغصة تحرق حلقها من الألم... فقالت نيرة هي تجذب ابنها من ذراعه بقوة:
"فوق لنفسك متخليش الغضب يعمي قلبك وعقلك عن الحقيقة، ده اللي عايزينوا بالضبظ وأنت زي الغبي صدقت كلامهم على المسكينه ديه اللي كانت عايزه تساعدك بس اختارت الشخصية الواطية الغلط "
ظل صامت لا ينطق في حين إزدرد لعابه وهو يشعر بالضيق، صدره ينقبض:
"سبها، سبها ياعمر خلي الغضب يعمي عينك بس ع الله ماترجعش تندم بعد كده و تقول ياريت اللي جرى ما كان"
التفت نحو بلسم التي تحركت بمقعدها تبتعد عنهما ليقول وهو يلهث:
"تجدري تجوليلي ليه خبت عليا، أسأليها"
أجابت بلسم بصوت مبحوح من البكاء:
"كنت ناوية أقولك كل حاجه بصراحه"
ضحك قائلا بسخط:
"كنتي راح تجوليلي والله، كنتي مستنية إيه عشان..."
قاطعته والدته:
"وحتى لو مكنتش قالت هي معملتش اللي يخليها تخاف، بالعكس هي ساعدتك في محنتك اللي كنت فيها، ده بدل ما تشكرها"
ازداد تجهم ملامحه وهو يغمغم بجفاء مخاطبًا نفسه:
"أشكرها عشان خبت عليا، انتِ عتجولي إيه يا أمي"
أغلقت عينيها فوق عينيه و ردت هامسة:
"بلسم بتحبك بلاش تضيعها من ايدك بغبائك ده"
شعر بعضلات حلقه تتشنج وقال بخشونة أقرب للحدة:
"طيب يا أمي خليها تجولي إيه اللي كان بيناتها وبين واد البكري عش.. عشان أرتاح"
ردت بعنف وقد كان لوجود نيرة التأثير الايجابي لتتحلى بالشجاعة و القدرة على المواجهة الصعبة:
"لو في قلبي ذرة، ذرة حب وحدة لعماد أنا كان عمري ما أرتبط بيك ولا آجي لحد عندك و أقولك اني بحبك"
مسحت كحلها الأسود السائل تحت عينيها وقد جف كما جفت الدموع وتبقت ملامحها متبلدة تمامًا كمشاعرها التي كسرها بشكه فيها:
"أنت ناسي إني أنا اللي جيت لحد عندك و قولتلك اني بحبك، وفي الآخر جاي تشكك في حبي لك"
لم يتكلم وقد صدمه قوتها الهائلة المفاجأة التي قد استمدتها من والدته، أبعدت عينيها عنه ولم تحاول النظر إلى عينيه حتى لا تضعف، بل كانت تنظر في كل مكان إلا عينيه اللتان مازالتا تحدقان بغضب:
"أنا كنت بروح المكان اللي حصلت فيه الحادثة، كنت بروح هناك عشان أشوفك، بروح مخصوص عشان بس أراقبك من بعيد، وعندك سامي السواق اسأله هو اللي بياخدني لهناك، و تقريبا عارف أنا كنت بحب أروح هناك ليه.. عشان أشوفك طبعا، كل الناس عرفت اني بحبك إلا أنت، عمرك ماحسيت بيا غير لما جيت لحد عندك و قولتلك، جاي تتهمني دلوقتي إني كنت بحب واحد غيرك و أنا اللي اتخليت عن كرامتي وكبريائي وجيت لحد عندك أقولك بحبك"
في تلك اللحظة دلفت كابر إلى الغرفة و تتطلعت في وجه عمر بغيظ شديد غاضبة ، وقفت بجانب شقيقتها واضعة ذراعها فوق كتفها الذي يرتج برعشة..وحين طال الصمت بينهما اضطرت إلى رفع عينيها إليه بحذر متسائلة بحزن فواجهتها عيناه البنيتين:
"مش عايز تعرف أنا ليه خبيت عليك؟ ده غير انك مش واثق فيا حتى، بتتهمني اني سرقت سلاحك، بتتهمني اني ماعنديش أي أصل ولا جميل للناس اللي فتحت ليا بيتهم عشان أدخل و أسرق سلاحك و أديه لعماد"
أبقى عمر عينيه منخفضتين والقنوط مرتسم على ملامحه الشاردة ..لابد وأنه يبدو كالغبي الآن وهي التي تنال منه:
"ماعايزشي أسمع خلاص، آني ماشي"
"لا مش هتمشي غير لما تسمعني، اشمعنى أنا يعني سمعت كل اتهاماتك ليا"
قالت نيرة وهي تنظر اليه بتشفي:
"مش أنت اللي عايز تعرف كل حاجه، عايز تمشي ليه دلوقتي؟"
هز رأسه بغباء وهمس ذاهلا:
"اني مفهمش انتِ معايا ولا معاها؟ ده بدل ماتلوميها انها خبت عني كل السنين ديه"
رمقته كابر بنظراتها الساخطة مغمغمه:
"أنا مش هقف في صف بلسم و أقول انها مش غلطانه، بس هي مهما عملت متستحقش منك ياعمر كل اللي قولته عنها ده، وعمره ما يبرر أبدًا اتهامك ليها بالشكل المهين ده، وصلت تقولها متحرمه عليا كمان و عايز تكسر فرحتها قبل فرحها وتشمت فينا الناس الواطية"
رفعت بلسم رأسها نحو شقيقتها تناظرها برجاء حتى تصمت.. يكفي ما ناله من والدته ومنها أيضا:
وعادت لتخفض رأسها تتحاشي النظر في عينيه وهي تقول بهدوء و شرخ قاسي يهزم صوتها:
"لو عايز ننفصل براحتك، أنا مش عايزه تعمل حاجه غصب عنك ومش هزعل منك مهما حصل، أنا عارفه إنك عندك حق لأني أنا نفسي بلوم حالي كل يوم عشان خبيت عليك"
تدخلت نيرة بينهما بهدوء وقد مرت العاصفة وبدا على ابنها الخجل الشديد، فقالت:
"مفيش حد منكم هينفصل عن التانى بعيد الشر، بس ممكن تبعدوا عن بعض يومين مش اكتر لحد النفوس ما تهدى و الماية ترجع لمجاريها، ولا انتِ شايفه غير كده يا كابر؟"
وافقتها كابر وهي تهز رأسها موافقة:
"عندك حق ياماما يومين بس تهدوا فيها ،والله خالتي عندها حق عين وصابتكم انتم الاتنين، منهم لله اللي كانوا السبب"
أكدت نيرة:
" إيه رأيكم"
اعتقد أنها ربما لن تلين، وسوف تتخذ موقف تجاهه و اعتقدت هي أنه سيهزمه غضبه وعناده ليقول كلاهما في نفس واحد كأنهما متفقان:
"اللي تشوفوه...."
تنفست نيرة الصعداء هامسة بينها وبين نفسها:
"الحمد لله.. اشكرك و احمد فضلك يارب "
***************
ظل حمزة صامتًا يستمع إلى آخر إنجازات زوجته التي تعلنها و تتباهي بها أمامه لتثبت انها كانت على حق، استمع بإنصات وهو يحرك اصبعه السبابة فوق شفتيه بهدوء و جميلته الشقراء القوية تحكي بصوت شابة لم تتجاوز عقدها التاني...
وكان أول المهللين الضاحكين بشفاه متسعة كأنه يشاركها انجازاتها شقيقه عمار:
"برافو عليها بلسم أخيرًا حد كسر عناد البغل، بس لولا تدخلك في الوقت المناسب كان ممكن الموضوع يكبر بينهم، البنت قوت بيكي"
أومأت برأسها توافقه:
"أيوه.. ده كان ابن أخوك آخدها غسيل و مكوى.. البارد الجبلة أسهل حاجه عنده يسيبها.. والله كنت هنط في كرشه من الغيظ"
ضحك عمار قائلا:
"حرام عليكي ابنك ماشاء الله عنده سكس باك كرش إيه، بس بصراحة يانيرة أنا عاطي لعمر شوية حق في تفكيره و غضبه، كان لازم بلسم تقوله"
رد حسن الذي كان يجلس في الزواية مستمعًا:
"صوح ياعمي، أما يسمع منيها غير أما يسمع من حد غريب و خصوصاً الناس دول، ع العموم اني كنت واثج إن عمر مش راح يسيبها"
التفت عمار يسأله:
"و إيه اللي خلاك واثق يادكتور"
قال ببساطة مبتسمًا:
"أخوي لو كان رايد ينفصل عنيها مكانش راح لحد هناك، كان جال من اهنيه كل شيء انتهى و خلاص"
أشار عمار موافقةً:
"أنت صح، عمر بيحبها وكل غضبه ده عشان بيحبها"
قطع حديثهم دخول حسنين المفاجئ وهو منحني الرأس:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
رد عليه الجميع السلام... فقال حسنين وهو يقف أمام حمزة بخجل:
"عمي الحاج مناع شيعلي خبر إن حضرتك رايدني يا أبويا الحاج"
رفع حمزة رأسه نحو الشاب طويل القامة ضخم الجثة وقال له وهو يُشير اليه ليقترب:
"ديه كانت شدة ودن بس عشان تتعلم ماتخبيش عن أبوك حاجه ياولد، انت والمدعوج حسيب اللي درايت عليه، الرچال يجي و يجول آني عملت يابا الحاج مش يخشى ويخاف، آني ولادي كلاتهم رچال من ظهر رچال"
جلس حسنين القرفصاء فوق ركبتيه وأخذ كفه يقبله مرددًا:
"العفو والسماح يابا الحاج، حجك فوج رأسي"
بخفة صفعه حمزة على جانب عنقه وهو يقول:
"المسامح ربنا ياولدي، جوم اجف على حيلك واندلى على شغلك، وماتجربش من حسيب آني اتحدت وياه"
عاد حسنين يقبل كفه ثم نهض مستقيمًا يقبل رأسه فوق عمامته ناصعة البياض:
"يبارك لنا فيك يارب، ويطول لنا في عمرك"
أمنت نيرة خلفه في خفوت:
"امين يارب العالمين"
ونظرت لزوجها الذي التفت اليها بدوره مبتسم:
"اتفضلي ياست الستات كلاتهم كملي حديتك"
************
سقط قلبها بين قدميها متضرجة بتراب الفزع وهي تبصره واقفًا بجانب باب الحمام لا يتحرك فقالت بتلكلك وهي تجفف وجهها أصفر اللون بالمنشفة:
"هااا أنت جيت أمتي؟"
قال وهو يتفحصها متمعنًا النظر في وجهها باهت اللون :
"وصلت من خمس دقايق وسمعتك بتستفرغي"
وشع من مقلتيه بريق قلق يسألها:
"إيه حكاية الاستفراغ معاكي، الصبح بردك سمعتك و امبارح بليل قومتي كذا مرة"
انسحبت الألوان من وجهها فأصبحت شاحبة كالأموات:
"معدتي، معدتي وجعاني، شكلي كــده أخدت برد من المكيف"
و قبل أن تدرك انها سوف تسقط من الدوار الشديد الذي يصيبها بعد نوبات القيء، كان يلتقطها بذراعه من خصرها ليمشي بها نحو الفراش ويضعها فوقه:
"إيسال انتي تعبانه ارتاحي لحد ما انزل لحسن يجي يقيس ضغطك"
تشبثت بساعده تقول:
"أيوب أستني أنا كويسة دول شوية دوخة بس"
قال بلهجة متشككة:
"انتى بقالك اسبوع على الحالة ديه ترجيع و دوخة لو كان من امبارح كنت قولت بسبب الأمور اللي حصلت بس انتي فعلا تعبانه"
جلس بجانبها يقترب منها ببطء وهو لا يبعد عيناه عن عينيها:
"في حاجه مخبيها عليا؟"
اسبلت جفتيها وفغرت شفتيها بأنفاس تخرج متهدجة من هول خوفها أن يكشف كذبتها... حاولت الهرب من  عينيه حينما دفنت وجهها في صدره تستنشق رائحته:
"ريحتك حلوة"
همست وهي تبتسم.. أبتسم هو أيضا يداعب خصلات شعرها الأسود المبعثرة فوق صدره:
"والله ديه شهادة اعتز بيها"
قفزت ترفع رأسها لتنظر إليه قائله بنبرة تبدو جدية:
"حاسه اني عايزه اعضك من كتر ما انت نظيف جدا و ريحتك حلوة"
نظر اليها فجأة نظرة غريبة و ابتعد قليلا يقل:
"تعضيني!!! بتهزري صح"
وعاد يردد وهو يحك انفه:
"مش بقولك انتي فيكي حاجة غريبة، احوالك من يوم
ما جينا هنا مش طبيعية"
"الهرمونات، يخربيت أبو الهرمونات"
خاطبت نفسها بسرية و القشعريرة تسري في جسدها لقد اخبرتها الطبيبة التي ذهبت اليها برفقة الخالة نيرة
بأنها تمر بفترة عصيبة من الوحم و تغير في الهرمونات
بالإضافة إلى ذلك تغيرات جسدها الفسيولوجية التي تؤثر عليها دومًا:
" إيه رايك نروح دكتور نطمن عليكي"
رفرفرت برموشها الكثيفة وقالت فجأة دون تفكير في عواقب ردها:
"روحت، روحت دكتورة"
رفع أيوب حاجبه وقال مستغرب:
"روحتي؟ روحتي أمتي ومع مين؟"
توسعت حدقتا إيسال وفتحت عيونها على اشدها
وشعرت بمعدتها تتخبط فقالت بصوت متقطع:
"رو.. روح..ت مممن كا..م يوم"
تزحزح إلى طرف السرير حتى يرى ملامحها بوضوح ثم هز رأسه يسأل تلك المرة بقليل من الشدة:
"وبعدين روحتي مع مين؟ ههه وأنا معرفش ليه؟"
دلكت جانب عنقها و توترها يزداد هناك سخونة شديدة مثل اللعب تتصاعد في جوفها و جسدها يحتر*ق كأنها جالسة فوق موقد من الفحم كأصبع كفتة عند الحاتي وعلى ذكر الكفتة لقد تتضور جوعًا...
زاد تجهم وجهه واستغرابه الشديد من أفعالها الغريبة لماذا تمرر لسانها فوق شفتيها تلعقهما كقطة جائعة هل تناست أنهما بشهر رمضان و متبقي على موعد الأفطار أقل من ساعتين...
"اوووف الجو حر نا*ررر مش طايقة نفسي"
لوحت فجأة أمام وجهها مطالبة بالهواء ورفعت ذراعيها تخلع كنزتها القطنية و ترميها بعيداً لتبقي في تصفها العلوي بحمالة صدر زرقاء شفافة النسيج تظهر أكثر ما تخفي أمام عينيه المحدقتين، لم يتأثر بالطبع لكنه  استغربها هل تدفعه إلى الرذيلة:
"إيسال بتعملي إيه ده وقته يعني، وبعدين وشك ليه احمر مرة وحدة كده، ثواني افتح المكيف"
ضغط على زر جهاز التحكم ليفتح المكيف الكهربائي
على أقل مستوى حتى لا تبرد وظل واقفًا أمامها يضع يديه في خصره يراقبها بفضول حتى هدأت قليلا وبدأت تستجمع شتات نفسها:
"إيسال الدكتورة قالتلك إيه؟ انتى مش اخده بالك إنك غريبة؟ إيه بالضبط اللي بيحصل معاكي و مخبياه عني"
اخفضت عيناها وهي تضغط عليهما بقوة فسمعته يكمل مغمغمًا:
"اللي مش فاهمه ازاي أصلا تخرجي كده مع نفسك من غير حتى ما تقوليلي"
قالت بخفوت:
"لا مروحتش مخصوص فاكر اليوم اللي كنا فيه بوسط البلد أنا و ماما نيرة و....."
قاطعها بتعجل:
"أيوه فاكر و انجري إيسال عشان بدأت اتنرفز بجد"
أومات برأسها و اضافت:
"حاضر هنجز اهو، اليوم ده روحت لدكتورة قولت أعمل check up"
ازداد حيرة بل بدأ الشك يملأ قلبه هذه ليست إيسال التي يعرفها هناك امرًا تخفيه عنه و ربما تحيكه من وراء ظهره، لكن لما؟
"والله المفروض مني أصدق بسهولة ديه check up
إيه اللي ظهر فجأة ده، إيسال انتي مخبية عني حاجه ياريت تقوليها دلوقتي بدل بعدين أصلا انتي شوفتي بنفسك بين عمر و بلسم بسبب أنها خبت عنه حاجه"
بلعت إيسال لعابها وتمنت لو تبتلعها الارض الان قبل ان تنطق بالكلمات التي سوف تحدد مصيرها...
"استغفر الله العظيم، هو صعب كده اااتكلمي في إيه"
صاح بغضب جعل الدم ينشف في عروقها...
فجلست على ركبتيها و أخذت تدلك صدرها و رموشها ترفرف و الاصفرار يزداد اضعافًا على محياها بعد أن توهج وجهها:
"أيوب أنا في حاجه مهمة مخبيها عنك بقالي فترة  بس والله مكنتش أقصد اخبي عليك أصلا"
ظهر العبوس على وجه أيوب الغاضب ينظر لها بتنفس سريع وعيون زرقاء مشتعلة من غضبِه منها حاول أن يهدأ فأختنق صوته ولكنه اجبره على الخروج متمتما:
"تمــــام، يلا قولي إيه اللي انتي خبتيه عني غصب عنك ياترى"
نظرت له إيسال بقوة ثم جاوبت دون تمهيد:
"أنا حامل في شهرين"
فتحت عيناها بعد برهة من الثواني واتدهشت من ردة فعلهِ الساكنة و برودة أعصابه اللأ منتهية في وقفته في مكانه صامتًا بوجه خالي من أي انفعالات لا يصد ولا يرد فقط إبتسامة باردة ارتسمت على شفتيه وهو يضيق عينيه، وهي التي قد تخليت الكثير من الأمور سوف يفعل ربما يهشم اثاث الغرفة فوق رأسها قطعة تلو الأخرى يقلبها فوق رأسها ''ويجيب عاليها واطيها''
لكنه لم يفعل و بقا في مكانه كصفح الماء...

في العشق والهوي Donde viven las historias. Descúbrelo ahora