💗مشهد إضافى💗

2.5K 145 36
                                    

{نفيسة و حسن}

جلس في غرفته لدقائق طويلة مرجعًا رأسه للخلف ناظراً بشرود للسقف، يفكر في شقيقته و ما حدث لها إلا أنه انتفض فجأة مجفلاً على صوت الباب يُفتح بقوة ثم دخلت نفيسة بمنظر مريع أفزع قلبه.. كانت في حالة انهيارٍ تام، تبكي بصوت عالٍ مثل طفلة صغيرة تائهة من والديها، و ما أن وجدته أمامها حتى صرخت بقوة و هي تهتف بإسمه:
"حسن !!"
"نفيسة !!"
هتف حسن هو الأخر بإسمها و قفز من مكانه مندفعًا إليها.. أمسك بذراعيها متسائلا برعبٍ من منظرها البائس و ملابسها الفوضوية، و شعرها المشعت، كأنها لم تلاحظ وضعها الغريب قبل أن تخرج من المنزل:
"نفيسة، حوصل إيه ؟! مالك ؟"
ردت عليه وهي تنتحب متشبثه بصدره تسأله بقلق:
"انت كويس؟ فيك حاچه؟ "
تسمر حسن مكانه و قد تجمدت ملامحه بشحوب و القلق يفترسه، خوفاً عليها.. و انقبضت أصابعه شاعراً بقبضة من حديد اعتصرت صدره للتو وهو يسألها:
"نفيسة ردي عليا حوصل إيه ؟"
لم تجيبه بل ظلت متعلقة فيه تبكي بشقهات عالية بدأت تخف رويداً رويداً حتى اختفت، بينما هو ظل متجمد ينظر اليها، حتى رفعها و ضمها إلى صدره بكل قوته وهو يهدر في أذنها بصوت أجش:
"عمي سلمان و عمتي سمية كويسين؟ ردي عليا"
همهمت بصوت خافت:
"الحمدلله كويسين، جوي"
أضاف بنفس الصوت الأجش القلق:
"و زين؟"
رفعت رأسها تحدق فيه و عيناها تجول فوق ملامحه هامسة:
"كلاتهم بخير الحمدلله، و أنا كماني جبل ما تسألني"
فقال وهو يحرك يده فوق ظهرها برفق:
"طيب حوصل إيه؟ ليه عتبكي اكديه؟ "
تحولت نظرات عينيه إلى مرتعبة وهو يبعدها عنه و يديه تحاوط كتفيها هادراً من بين أسنانه:
"فى أيتها حد اتعرضلك نوبة تانية، حد يكون من نواحي الحيو*ان اللي إسمه هاني، اتحدتي يا نفيسة، جوليلي"
هزت رأسها نافية:
"لا مافيش، مافيش أي مخلوج جرب مني"
رفع حسن وجهه شاحبًا تغطيه الظلال و قطب حاجبه يسألها بلوعة وغلً:
"استغفر الله العظيم، لما مافيش حد تعبان، ولا أيتها حد اتعرضلك يبجى عتبكى ليه بجا؟"
اغرورقت مقلتا نفيسة الجميلتين بدموع محبوسة بدت كاللألئ لعيني حسن الغاضب ثم هتفت بشفاه ترتجف:
"أصل آني حلمت بيك حلم واعر جوي، خلاني جومت من نومي مخلوعة عليك، هموت من جلجي"
و وضعت كفها فوق قلبها الذي ينبض تتنهد براحة...
ليردد حسن مذهولا:
"حلم ! كل البكى دهو و الصريخ كيف العِرسة عشان حلمتي بيا حلم واعر"
شهقت عبراتها وهي تهز برأسها هاذرة برعب:
"ايوه و الله، حلمت إنك مارايدش چوازنا يكمل،و بعدين روحت هملتني و مشيت بعيد عني، و جولتلي و أنت مكشر.. بعدي عني يا هاتيرة"
إستشرست نظراته الحمراء فبانت عينيه كالجمرتين و سط سيل من الحمم الملتهبة وزم شفتيه شاعراً أنه يريد أن يلقى بها من نافذة غرفته:
لتسأله ببراءة ناعمة و نبرة رقيقة خافته:
"كأنك مش مصدجني، يا حبي"
ضرب كفيه فوق بعضهما البعض بغضب شديد بينما تنفسه مازال غير منتظم من تأثير القلق الذي سيطر على كل خلية بجسده.. وصرخ عليها بعنف مشددًا على أسنانه البيضاء بكل قوته:
"حبك برص يا بعيدة، حبك برص، أشوف فيكي يوم يا نفيسة يابت سمية، منك لله"
فتحت ثغرها المكتنز و شهقت هامسة:
"بتدعي عليا يا حسن اخص عليك، و أنا اللي جايه من دارنا لحد اهنيه أرمح رمح من جلجي عليك، تجوم انت تدعي عليا"
رمقها بحنق وهو يغرس حافة أسنانه بشفته السلفى يزوم، و من ثم كور قبضة يده بشدة و غيظ ليرفعها في الهواء أمام وجهها قائلا بغل:
"بعدي اكديه من جدامي، بعدي جبل ما أناولك بوكس على أم وشك أطبجه، بعدي"
سرعان ما انتفضت في وقفتها مذعورة تبتعد عنه وهي تهمس:
"وه يعني الحج عليا إياك"
ضرب قبضته المضمومة براحة يده الأخرى و شخر قائلا باستهزاء:
"لا طبعا الحج عليا أنا، انتي ست العاجلين"
حركت كتفها بعدم اهتمام مجيبة ببساطة:
"أيوه طبعا ست العاجلين"
اتسعت عينا حسن مبهوتاً بمنطقها الغبي ثم أطلق ضحكة قوية ساخرة متشدقا يقول:
"بجا يا ست العاجلين، يا بت الناس، يا آخرة صبري، في حد عاجل يخض حد اكديه؟ خلعتني و انتي داخلة عليا كيف بابور الزلط من غير احم ولا دستور تولولي و تندبي من على وش الصبح"
ثم نهرها بصوت متعضغض وهو يفرك وجهه بكفيه:
"فكرت ان لجدر الله حد حوصله حاچه، ولا في جنبلة وجعت ع البلد، نفيسة انتي أصلا ماعتبطليش أحلام و شك فيا اني راح أهملك، عجلك اللي بجا كيف عجل الدحش عيفكر في حاچات غريبة"
همهمت بشفاه مضمومة:
"عجلي كيف عجل الدحش، الله يسامحك"
ضرب جانبي ساقيه قائلا بحاجب مشدود كالوتر:
"يارب الدحش ما يزعل أصلاً و بعدين نفرض أن وجت ما دخلتي عليا، كنت في وضع اكديه ولا اكديه، خلاص مافيش حشمه عنديكي"
تشدد فمها بخط مستقيم يجعل لب العاقل يرحل و يفر هارباً، فكيف يمكنه أن يقاوم فتنة كهذه الفتنة و الجمال الذي يتمثل في براءة ملامحها، و رقة جسدها رغم حالتها الفوضوية التي لا تسر عد*و ولا حبيب:
"كيف يعني اكديه ولا اكديه ؟"
سألته بميوعة و صوت ناعم كأنغام الموسيقى وهي تتأمل شعره الناعم الأسود الأشعث الساقط على جبهته باغواء، بينما شفتيه حمراء منفرجة بابتسامة واثقة في دعوة فاضحة للانغماس بمتعة التقبيل وهي تفكر في نفسها:
'أنه كالبدر المنير الساطع في السماء، آآآه انها تحبه'
ابتسم حسن بخفة قائلا:
"نفيسة بلاها استعباط، انتي خابره آني بتحدتت على ايه زين !!"
مرة أخرى رفعت كتفها برقة وهي تقترب نحوه تسأله بجهل متعمد:
"لا ماخبراش ؟"
ضيق حسن عينيه ثم هز رأسه ليجلي سخونة الموقف قائلا:
"المهم مافيش حاچه الحمد لله، اتفضلي بجا من غير مطرود اندلي على تحت و اعملي لي فنجان جهوة بيدك"
عقدت نفيسة حاجبيها وزمجرت بغضب:
"وه بتجلعني عاد، كأنك ماطايجنيش أجعد وياك في أوضتك اللي راح تبجى كمان شهر أوضتي أنا"
هز حسن رأسه بيأس من عقم الجدل معها ثم أطلق تنهيدات متتالية متعبة وأرخى رأسه للخلف وهو يدلك أنفه بإرهاق مغمغمًا:
"يا صبر أيوب، يا هاتيرة في ناس موچودين في السرايا، و عمال ع تشتغل و أمي زمانها چايه من بره ويا خالتي بهية، راح يجولوا علينا إيه؟ ديه الخالة غوايش لوحديها محطة بث مباشر، و الأهم من اكديه اني صدعت بسببك يا وكلة ناسك"
تقلصت ملامحه وهو يسمع صوتها الرنان يطن في آذنه
كالنحلة التي لا تتوقف عن الأزيز:
"ألف سلامه عليك يابو علي، أچبلك دوا للصداع، معايا في شنطتي"
تمتم بهدوء مفتعل من دون نفس وهو يشعر بسخونة جسده:
"شكرًا ماعايزشي غير إنك تخرجي دلوكت حالاً، فاهمة حالاً على تحت، اتحركي و اتحشمي بجا، حرام عليكي"
بإبتسامة ماكرة تأملته وهي تكشفه بخبرتها الطويلة في حبه، حيث يخفى بكل قوته ضعفه نحوها و يقاومه بشق الأنفس.. بشفتيها المقلوبة التي تنجح دائما باستجلابه بها حتى يرق قلبه عليها همست بمسكنة مزيفة وهي تطرق برأسها:
"حاضر يابو علي، راح اندلا على تحت و أعملك أحلى فنچان جهوة من يدي، عيوني عشانك ياحبيبي"
و قبل أن تتحرك نحو الباب لتخرج ناداها بصوت أجش
بعثرها:
"نفيستي..."
توقفت فجأة مبتسمة بسعادة و انتصار وهي تهرول نحوه تطير:
"نعم يابو علي"
قال بصمود وهو يخفي ضحكته:
"اعملي لي الجهوة تجيلة عشان تعدل مزاجي"
"اعملك الجهوة تجيلة، أووف، حاضر يا دكتور أنت بس تجشر"
و خرجت مسرعة وهي تبرطم بكلمات غير مفهومة وحانقة.. بينما تنفس حسن الصعداء و أدار عينيه وهو يرفعهما للسماء زافراً بإمتنان لنفسِه على قوة تحمله لإغراءها:
"أيوه اكديه اچمد يابو علي، هااانت، هااانت"
****
خرجت من غرفته وهي سعيدة ، بل أنها تشعر كأنها تطير من فرط سعادتها، خاصةً عندما رأت العمال وهم يعملون في الغرفة المجاورة لغرفة حسن و التي ستنضم إليها ليصبح لهما جناحًا كاملاً مثل جناح كابر و علي..
غنت بصوت مرتفع وهي تلف حول نفسها لتصطدم فجأة بعمر وهو يخرج من غرفته متعجلا كعادته دائمًا ليسقط هاتفه من يده فوق الدرج بقوة و يتبعثر
صاح فيها قائلا بغيظ:
"أهلا يا روشه يا امو الرواشي، طبعًا كان لازمن أعرف انه انتي"
"وه هو أنت ؟"
دمدم عمر مقلدها:
"وه أيوه آني أمال عفريتي عاد، أخيرًا جلعك خُوي من أوضته، جال إيه حلمت بيك حلم واعر جوي"
قلدها تلك المرة بصوت رفيع خشن وهو ينحني حتى يجمع أشلاء هاتفه.. بينما تخاصرت نفيسة وهي تقول بغل:
"إإإه جاعد تلمع أوكر اياك؟ مش عيب أما تصنت على خوك و مرته"
شخر عمر ضاحكاً:
"خُوي و مرته ده من ميتى؟!! و بعدين انتي اللى حسك جايب لآخر الشارع فاكره حالك عم تتوشوشي ده صوتك كيف مكرفون الجامع"

في العشق والهوي Where stories live. Discover now