🌷 الفصل الرابع و الأربعون🌷

4.1K 151 39
                                    

*الجزء الثاني من الفصل*

عاد حمزة من المسجد بعد صلاة العشاء مباشرة إلى مزرعة خيوله، حيث مكانه المفضل الذي يشعر فيه بالراحة التامة، و صفاء النفس ليبقى هناك وحيداً.. جلس بالقرب من خيوله في هدوء الليل ، و الهواء النقي الذي يبعث الطمأنينه.. و يشعر قلبه بالحنين لصغيرته التي تحدث معها اليوم بعد انقطاع دام طويلاً.. جلس على أريكته الخشبية يرفع ساق فوقها بينما الأخرى كانت تلمس الأرض الرطبة...
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
هتف مناع وهو يقترب من صديقه الحائر الذي أتى خلفه عندما لمحه يخرج من المسجد ، و يتجه ناحية حظيرة الخيول.. قطب حمزة حاجبيه باستغراب وهو يجيبه:
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بتعمل إيه اهنيه يابو الناجي؟"
ابتسم مناع وهو يجلس فوق الأريكة الأخرى مقابله:
"لمحتك و أنت جاي على اهنيه جولت آجي أتوانس وياك بدل ما أدلى ع الدوار و أتكوع من العشا، وشي في وش بهية.. جولت في عجل بالي معجول أهملك لحالك وآني داري باللي فيك يا خوي"
لاحت ابتسامة هادئة فوق شفتيه قائلا لصديق الدرب:
"تسلم يابو الناچي.. تسلم ياخوي"
أومأ مناع برأسه وهو يقول:
"وكماني في موضوع اكده شاغل بالي.. جولت اتحدت وياك فيه"
رد حمزة بشعور غريب بالراحة، فدائمًا مناع مايشعر به و يشاركه أسراره التي لا يبوح بها إلا معه.. هو أيضا يحتاج اليه:
"وأني كمان رايد أتحدت كتير جوي وياك"
ردد مناع وهو يهم واقفاً:
"زين.. بس باللاول خلينا نعمل كوبايتين شاي زرده، ونرص حجرين ولاون أم الناجي لو خدت خبر إني عدخن جوزة راح تجوم الدنيا فوج راسي، و تعمل حالها زمجانة.. يا بوووي ع الحريم"
قال حمزة وهو يضحك:
"كيف أم عمر.. كل ما كح كحتين تفضل تبرطم، و تجولي
كاني و ماني وتوجع رأسي"
ركض عبد المقصود حارس المزرعة حينما لمح رئيسه الحاج مناع يقترب من موقد الفحم ليشعل النار هاتفًا:
"عنك انت ياريس.. اني راح أسوي الشاي و الجوزة"
ربت مناع فوق كتفه بحنو وهو يقول بدهشة:
"وه أنت اهنيه اني يا ولدي"
هز عبد المقصود رأسه قائلا:
"كنت اهنكه جار الولد طاهر و حسنين، عنتفرج على ماتش مو صلاح و لمحتك"
هتف حمزة باهتمام:
"هو أبو صلاح عيلعب الليلة! أتاري الناحية كلاتها فاضية"
رد عبد المقصود بابتسامة واسعة:
"أيوه يا كبير عيلعب مع ريال مدريد، عجبال مانشوف الكابتن علي بيلعب وياه عن جريب، أدلى اني أعمل الشاي و الجوزة"
ربت مناع فوق كتفه قائلا:
"تسلم يا عب المجصود"
وعاد ليجلس فوق الأريكة الأخرى مقابل حمزة الذي شرد قليلاً في السماء، ثم عاد لينظر إلى مناع ليطلق تنهيدة طويلة حائرة وهو يقول:
"البشمهندز كان عيتحدت وياي جبل المغرب، وبعدين لاجيت دهب على سهو اكديه هي اللي عتتحدت معايا، أجولك إيه؟"
قال مناع بلهفة:
"جولي انك اتحدت وياها، إياك تكون كسرت بخاطر البنته ياخوي؟! دي جلبها ملهوف عليك لهف، كل مرة تتحدت فيها وياي أو مع أم الناجي تسأل عنيك وعن حالك"
قال حمزة وهو يبتسم ويهز رأسه:
"كأنك انت اللي جولتلها تكلمني؟ طوالي"
اعترف مناع وهو يهز رأسه موافقًا دون إنكار:
"ايوه.. آني عشية اتحدت مع وداد و اتحدت معاها هي كمان، و جولتلها تكلمك طوالي و ماتخافش من أيتها حاچه و إني واجف وياها، واه حوصل إيه يعني عشان البنته يفضل جلبها مجطوع عليك و على خواتها؟! دي.. دي الدهبية ياخوي ..دهبية جلبك"
آمال رأسه على جانب واحد وهتف بقلب ينزف وجعاً:
"أنت و الضاكتور بتجولوا نفس الحديت.. كأنكم مش خابرين اللي حوصل منيها"
وكان حمزة يقصد شقيقه عمار الذي أعلن غضبه عندما تخلي شقيقه الأكبر عن ابنته، ونبذها بهذا الشكل الصادم.. وأصبح يعلن بكل صراحة اعتراضه، مُردداً أن دهب ابنته التي لم يرزق بها.. و أنها لم تخطئ أبدًا حينما حاولت أن تحمي كل أفراد عائلتها، حتى إذا كانت هذه الحماية بشكل خاطئ و متسرع منها:
"الضاكتور عنديه حج.. البنته ماغلتطش لما عملت اكديه"
"ماغلتطش! انت اللي عتجول اكديه يابو الناجي؟ طب عمار طول عمره بعيد عنينا وعن عوايدنا، يكش بس لم يبجي اهنيه يتحدت كيف أهله وخلاص، لكن أنت......"
قاطعه مناع بهدوء:
"إهدأ اكديه وصلي ع النبي"
ردد حمزة برفق:
"اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد"
حدق به مناع لثواني و مالبث أن قال بابتسامة واثقة:
"آني خابر إنك غضبان من دهب، بس بردك خابر زين و
متوكد أن اللي جوه منيك مش غضب وبس، أنت كماني
خايف عليها من الملعون ولد الملاعين، و رايد تحميها"
صمت عندما اقترب عبد المقصود، وهو يحمل صنية الشاي و الجوزة ثم انصرف.. أمسك حمزة بكوب الشاي الساخن، و برغم ملامحه الهادئة إلا أن التوتر ظهر على أصابعه المشتدة حول الكوب الساخن، و انطبقت شفتيه المتصلبتين ليهمس من بينهما  بنبرة متألمة:
"بتي كسرتني لما عملت اكديه، واللي زاد وغطى تخليه يخطي جوات السرايا، كيف تعمل فيا اكديه؟ انت خابر لو كان حد من خواتها شافوا كان راح يحوصل إيه؟"
أحنى رأسه وقد ارتسم على ملامحه الحزن و الخزي
رد مناع مؤكدًا:
"كانت راح تجوم الدنيا كلاتها"
قال حمزة بغضب:
"كانوا راح يجتلوها و يجتلوه وياها، كل ما فكر عجلي يشت مني، جولي يا أبو الناجي آني للدرجة دية كبرت و عجزت علشان بتي تشوفني ماعجدرش أحميها؟"
رد مناع بنفي:
"وليه ماتجولش ان ده كلاته كان من خوفها عليك، وعلى خواتها، و علينا كلاتنا، دهب طول عمرها ضعيفة الجلب بتخاف عليك لو عطست، ولا جولت آي يا خوي.. و واد الكلب دهو عرف ازاي يضحك عليها.. هو والواعرة بت الكلاب، و حفروا ليها حفرة عشان تجع فيها"
هتف حمزة بصوت مرتجف:
"تجوم تعمل اكديه؟ تجابله و تتحدت وياه، آني جه وجت عليا كنت راح أطاوع شيطاني و أجتلها بيدي و ارتاح،  لولا خوفي من رب العالمين و على أمها كماني لتطب ساكته"
هز مناع رأسه وهو يبتسم بحنو:
"ماكنتش راح تجدر تعملها.. آني خابرك زين، طول عمرك متعلم و متنور، بتخاف من ربنا و من ذنب يتعلج في رجبتك ليوم الدين، وإلا كنت خلصت على الواعر خلف الشياطين من زمان بيدك، ده آني الجاهل ماعملتهاش مع بتي لما عملت عملتها، و جررت من نفسيها تسافر بلاد بره وا حديها اكديه، و انت بذات نفسيك كنت على طول تصبرني و تجولي وداد بتك و ماغلطتش، دي حته منيك سامحها"
هتف شاعرًا بالحزن و الاشتياق:
"ماهي دي نصيبتي الكبيرة.. انها بت جلبي لو صابها خدش بحس ان جلبي راح يوجف من الخوف عليها"
ثم تنهد قائلا:
"لما سمعت صوتها وهي عتجولي اتوحشتك جوي يا بابا،
وعتبكي لاجيت حالي ب....."
وبتر كلماته وعينيه تترغرغ بدموع تلمع داخل مقلتيه:
"سامحها ياخوي، هملها تيجي لاهنيه أو انت ادلى على مصر وشوفها، ريح جلبك و جلبها و جلب أمها"
أومأ حمزة برأسه قائلا:
"هي لازمن تيجي عشان تحضر خطوبة أخوها، وإلا اكديه عمر راح يعرف و يتوكد ان في حاچه"
زفر مناع بارتياح:
"ربنا يصلح الحال و يتمم على خير، عمر لساته شاكك في حديت علي"
قال حمزة بهدوء ما قبل العاصفة:
"عمر شاكك، و علي غضبان، و حسن بين ده و دهو، و آني خلاص جبت أخرى من واد وهدان، و بجول أجطع عرج
وسيح دمه، النوبو دي ربنا ستر على ولدي.. ياعالم النوبة
الچايه راح يحوصل ايه؟"
رد مناع وهو يفرك لحيته:
"زجيت الواد عليش على مطاوع.. مانت خابر عليش يبجى أخو مرته، جالي انه زين و عيفرك كيف البغل.. هو خدش صغير هبابه في دراعه من فارغ الرصاصة، جاله إن ماكنش رايد يصوب ناحية علي.. بس واد الصرم ابن وهدان هدده"
زم حمزة شفتيه وعينيه تقدحان بنيران.. بينما أكمل مناع:
"آني مصدج حديت مطاوع، لو كان رايد يضرب كان ضرب من أول العركة، و كماني إنت خابر ان مطاوع مش راح يخيب نشانه أبدًا"
هز حمزة رأسه يهمس بنزق من بين أسنانه:
"عنديك حج، مطاوع ماكنش عنديه الجدرة يعملها، لولا النجس واكل ناسه.. تلاجيه هدده زي ما مهدد و راعب باجي رچالة الوهدانية"
توسعت حدقة عينيه لتبرز عروقها الرقيقة، و تلتهب بإحمرار قاني وهو ينفث أنفاس ملتهبة:
"ظهر ولا لساته متخفي كيف النساوين؟"
ضحك مناع قائلا من بين أسنانه:
"صحيح ياخلج.. خلفة نعمة العبيطة راح تكون إيه غير جذع خايس خسيس مالوش چذور، الله يسامحه بجا وهدان بلانا بشره و بخلفة هباب، واد چبان.. خايب كيف النساوين هيتخبي في الجحور"
هتف حمزة وهو يهز رأسه بنفاذ صبر:
"الله يرحمها كانت بنته غلبانه، ضحك عليها وهدان زي ما ضحك على كتير في شبابه، بس اللي كيف النچس داهو راح يطلع من چحره.. ووجتها هيجع فى مصيادتي و مش راح يطلع منيها عمره"
لقد بحث رجال الناجوية عن قاسم بعد ما حدث بينه وبين علي، ولكن الآخر فر كالفأر نحو الجبل الذي أصبح ملجأ له بالأيام الأخيرة:
ببطء شديد رفع مناع وجهه وقال وهو يكز فوق أسنانه:
"لازمن ننفذ اللي اتفجنا عليه  وبسرعة،  وجتها هو اللى راح يچي لحد عندينا"
قدحت مقلتا حمزة باللهب الأسود قائلا بعزم:
"هملني في اللاول أشوف صرفة مع المدعوجة بت الحرام عايدة.. لأحسن النوبة الجايه النساوين راح يخلصوا عليها، أم محمود ع تفرك فرك في رأس أم عمر"
هز مناع رأسه و نفخ دخان الجوزة في الهواء قائلا:
"و آني من ناحيتي راح أخلي الرچالة يراجبو سكة الچبل، وبعدها نتوكل على الله ننفذ آني و الرجالة اللي جولنا عليه"
قال حمزة وهو يؤمئ برأسه:
"ساعتها راح يجع في يدي.. و الله العظيم ما راح أعتجه"
            
*جوزة: شيشة أو أرجيلة
*زمقانة: غاضبة

في العشق والهوي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن