اسكربتات هالة أحمد

By Delirium182

282K 17.1K 937

بصوا حبيت اعمل حاجة جديدة ف انا هنا هجمع الاسكربتات اللي الكاتبة هالة أحمد كتبتهم و هنزلهم هنا و اشمعنا هال... More

{1}
{2}
{3}
{4}
{5}
{6}
{7}
{8}
{9}
{10}
{11}
{12}
{13}
{14}
{15}
{16}
{17}
{18}
{19}
{20}
{21}
{22}
{23}
{24}
{25}
{26}
{27}
{28}
{29}
{30}
{31}
{32}
{33}
{34}
{35}
{36}
{37}
{38}
{39}
{40}
{41}
{42}
{43}
{44}
{45}
{46}
{47}
{48}
{49}
{50}
{51}
{52}
{53}
{54}
{55}
{56}
{57}
{58}
{59}
{60}
{61}
{62}
{63}
{64}
{65}
{66}
{67}
{68}
{69}
{70}
{71}
{72}
{73}
{74}
{75}
{76}
{77}
{78} Part : 1
{78} Part : 2
{78} Part : 3
{78} Part : 4
{78} Part : 5
{78} Part : 6
{78} Part : 7
{78} Part : 8
{78} Part : 9
{78} Part : 10
{78} Part : 11
{78} Part : 12
{78} Part : 13
{78} Part : 14
{78} Part : 15
{79}
{80}
{81}
{82}
{83}
{84}
{85}
{86}

{78} Part : {الأخير {16

1.1K 86 21
By Delirium182

'' الـسفينة ..💛 ''

الفصل السادس عشر ( الأخير )

نحن في هذه الدنيا غرباء ،عابرو سبيل ،فدارنا مؤقتة لا نعيش فيها إلا سنين معدودة ،فلا يمكن لعاقل أن يبيع آخرته ويشتري دنيا زائلة ،مهما بلغ نعيمها ،فالدنيا لا تصفو لأحد أبدًا ،ولا تستقر على حال .
لكن الله يُمهل العاصي ..يُعطيه فرص كثيرة ..ثم يُعاقبه ،وأشد عقوبة يُعاقَب بها العاصي هى قسوة قلب وغفلتِه حتى عن العقوبة .
قال ابن الجوزي : أعظم المعاقبة ألّا يشعر المُعاقَب بالعقوبة ،وأشد من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة ،كالفَرَحِ بالمال الحرام ،والتمكن من الذنوب .

نعم إن الله يستر عبادِه ،لكن قد يكون هذا الستر استدراجًا من الله ،وقد منحك فرصًا كثيرة للتوبة ولم تفعل ،وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ .

ولكن ...

عُرف الرحمن بالرحمة
ليس عبثًا أن يفتتح الله كتابه باسميْ : الرحمن الرحيم .
لذا قد لا يعجل الله للعاصي بالعقوبة لأمور كثيرة ..
منها أنّ الله عز وجل عفو يحب العفو ،وحليم يُمهل ولكنه لا يُهمل ،وأن الله يحب توبة عباده ،فلا يعاجلهم بالعقوبة ليتوبوا ..

إن الله يُحب توبة العِباد ''

'' عمّ القصر بالصراخ على ما فقد ،ثلاثة شباب في ليلة ! ،بل في لحظة ،دوت صرخات سليمان كل القصر ،خسِر ثلاثة من أبنائه بلحظة واحدة ،لا يصدق هذه الخسارة ،لا يستوعب مطلقًا ،أي عقاب هذا ؟ ،تحمّل سليمان حتى ذهب ليرى يونس ،جلس سليمان أمام يونس بجانب نوح ،هذا الذي لا يحتمله سليمان ،أن يرى أحد أبنائه ميت ،أمسك سليمان رأس يونس ورفعه ليحتضنه وهو يبكي بقوة ،خسِر صغيره ،صغيره الذي لم يحمل بقلبه ذرة كره أو شر أو ضغينة لأحد ! ،صغيره الذي عانى كثيرًا بسبب والده ،هذا ماخشيَ منه سليمان طوال حياته ،فعل مافعل ليحمي أولاده ..والآن يونس مات ،وخالد وحمزة ،ومِن من ؟ من شاهين ! .تذكر سليمان حينَ كان جالسًا هو ويونس أمام قبر فاروق ،حينَ كان يقنعه بأن يذهب للقاهرة معه ،تذكر حديث يونس له ''

- بطّل تضحك على نفسك يافاروق بيه ..دنيتكوا ايه اللي اتولدتوا لقيتوها اكدة ؟ ،وفين عقولكوا ؟ ..والمسيحي اللي بيتولِد مسيحي كِيف بيآمِن بعد اكدة ؟ ،والمسلم اللي بيتولد مسلم كيف بيلحِد ؟ ،العاصي كيف بيتوب ؟ ،والتايب كيف من تاني بيرجع ويكون عاصي ؟ ،كيف بيزيد الايمان في قلب المؤمن وكيف بيقل ؟ ..دِي شماعة يافاروق بيه ،بتعلّق عليها أفعالَك ..وسليمان ماكنش هيتوب حتى لو هدى كانت عايشة لحد دلوك ،الصادِق في توبته هيتوب حتى لو السما وِقعت عالارض ،هيتوب حتى لو مات كل اهله ..وحتى لو عاش كل حبايبه ،دا الموت بيصحي فينا التقوى

'' تأوّه سليمان كثيرًا ،واحتضن يونس بشدة ،نعم ! ..الموت يُيقِظ فينا التقوى ،صدق يونس ،لم يعلم سليمان أنّ الموت سيختار يونس حتى يستيقظ داخله تقوى الله ،وظل يستعيد سليمان حديث هذه الليلة مع يونس ''

- اخوك لما ماتت مرَته ماصّحاش فيه حاجة ،لا تقوى ولا غيره ..وعشان اكدة هى ركبت السفينة ،عشان اكدة مارجعِتش
= الكلام سهل
- والفِعل اختيار ..واني اخترت
= باستغراب : اخترت ايه ؟
- انّي ابعد عنيكم ،البُعد عنيكم فيه السلامة ..ومش هرجع معاك

'' تدريجيًا ظهر الغضب على ملامح سليمان ،وقال له ''

= مش بمزاجك ،ماتخلّنيش اعنِد معاك يايونس انتَ لسة ماتعرفنيش ،بلاش انا

'' لم ينطق يونس وظهر على ملامحه الحزن قبل أن يقول ''

- ليه عايز تمشّيني في الطريق اللي اخوك نِدم انه مشي فيه ؟
= قدَرك زي ماكان قدَره
- دِه مش قدَر ،دِه لوي دراع
= سمّيه زي مانتَ عايز
- واني مايتلويش دراعي

'' ورحل من أمامه ،ثم وقفَ حينَ قال سليمان ''

= ماتسيبش أهلَك يايونس وتمشي ،سيدنا يونس لما ساب أهله نِدم

'' استدار إليه يونس وقال بغضب ''

- أني مش نبي ،وانتَ مش إله عشان اطيعَك ..

'' نظر إليه سليمان والشر يتطاير من عينيه ،ثم قال ''

= إنتَ مش قد الحوت اللي هيبلعَك
- زي ماربنا نجّى يونس ،هينجيني اني كمان
= مهما دعيت مش هينجّيك غير الطاعة
- واني مش عاصي ! ،وعشان اني مش عاصي مش هاطيعك
= ماتخلِفش يايونس ،أنا بحذّرك ..هاندّمك على اللحظة اللي فكرت فيها تخلف كلامي

'' من ندم الآن ؟ ،أطاعك يونس ولم يخلِف ،أين أنت وأين يونس الآن ؟ ..نظر سليمان إلى خالد وهو ملقى على الارض ،بجانبه رباب تبكي وتصرخ ،تذكر سليمان حينَ واجه خالد بحقيقة عمله وعمل والده ،وكان يريده أن يذهب معه للقاهرة ''

- وفي الآخر ايه ؟ ،مات خالي سليمان هو كمان ..وكان بردك بيتاجر ،يعني انتَ لما تشغلنا في التجارة انتَ اكدة بتضرنا مش بتحمينا
= سليمان مات عشان عارفين ان انا هكمّل من بعده وهعمل اللي هما عايزينه
- خلاص خليك معاهم ونفّذ اللي هما عايزينه وابعد عنّينا
= بغضب : ماينفعش ! ،حتى لو انا عايز اتاجر واكمّل في التجارة مش هتاجِر بدَم اخويا
- بسخرية : عملتوها كَتير ياخالي ،ماهو بعد ماجدي ابو ابوي قتل جدي ابو امي ،وانتوا قتلتوا جدي رجعتوا واتصالحتوا وجوّزتوا ابوي لامي وجوّزتوا خالي سليمان لعمتي ،اعمل بقا زي ماعملتوا زمان واتصالِح مع اللي قتلوا خالي ،وكله هيعدي
= مش هيعدي ..ومش هينفع لان اللي اتقتل دا سليمان ! ،ودلوقتي غير زمان ..زمان ماكنش ورانا ضهر والصلح كان الحل الأسلم لينا قبل مايكون لابوك ،واحنا عمرنا مارجعنا اتصالحنا مع عدوّنا غير لما بناخد حقّنا منه تالت ومتلّت ،بس دلوقتي كل حاجة اتغيّرت ،وللأسف شاهين اللي قتل خالك كان بيراقبه بقاله سنين ،وعِرف لما كان سليمان في المستشفى وحكى ليوسف ان له اخوات ،طِلع كان مركّب أجهزة تصنت في الاوضة وعِرف كل حاجة ،شاهين مش سهل أبدًا ..وعشان نوقّع شاهين لازم كلنا نبقى إيد واحدة ،لما كلنا نكون في التجارة وكِلمتنا واحدة مش هيقدر يأذينا ولا يعمل حاجة لحد ،ولا هيقدر يلوي دراع حد بالتاني ..لكن طول ماحنا متفرقين هيقدر يجيبنا كلنا تحت ضرسه
- والحل اننا نغضب ربنا عشان خايفين من شاهين دِه ،لكن ربنا عادي ..ان كنا بنتحامى من شاهين بالشغل في الحرام ،هنتحامى كيف من ربنا يوم القيامة ؟

'' كيف ؟ ،كيف ياخالد ؟ ،كيف يحمي العبد نفسه من غضبِ الله ؟ ،كيف ستحمي نفسك ياخالد بعدما أجبرك سليمان على ما انتَ به الآن ؟ ،أغمض سليمان عينيه بشدة ،انهمرت الدموع من عينيه بكثرة ..فتح سليمان عينيه ،ووقعت عينيه على حمزة ،هذا الفتى الذي عانى بسببه كثيرًا أيضًا ،عاش مشرّدًا ،بلا عائلة يا حمزة ..تذكر سليمان حينَ واجهه بالمستشفى عند سعيد ''

- أنا ابوك ! ..حتى لو أنكرت فانا ابوك ،وهتسمع كلامي
= بأمارة ايه ابوي ؟

'' ضحك حمزة بسخرية وأردف قائلًا ''

= دا انتَ أول مرة تشوفني فيها ماخدتنيش في حضنك ،ويمكن ماعرفتِنيش كمان ..ماشوفتِش الحب في عنيك ،حتى اني اللي جِتلَك مش انتَ ،دا الراجل اللي اني مش من صُلبه حبّني اكتر منيك ،ضيّع عمره عشاني في الوقت اللي انتَ فيه راميني وبتعيش حياتَك ،تبقى بأي أمارة ابوي ..ما هى مش باللي خلّف يا فاروق بيه

'' أومأ سليمان برأسه قائلًا ''

- عندك حق ..مش باللي خلّف ،باللي ضحّى !
= صُح ..وانتَ ماضحّتش عشاني لحظة ،إنتَ يوم ماضحّيت ضحّيت بيا

'' هزّ سليمان رأسه نافيًا وقال ''

- إنتَ مش فاهم حاجة
= ولا عايز افهم ،ولا عايز اشوفَك من تاني ..حِل عنّا وسِبنا ،أني مش عايز اشوفَك تاني ،واني آسف انّي غلطت غلطة عمري وجيتلَك

'' بهدوء قال سليمان ''

- بعد عملية سعيد هتيجوا معايا ..أتمنى وقتها انّي الاقيك جاهز
= واني مش هاجي

'' هُنا سليمان لم يستطِع التحمل وأمسك حمزة من تلابيبه وقال ''

- إسمع يابني ! ،إوعى تفتكر عشان انتَ ابني هتلوِي دراعي ،لا عاش ولا كان اللي يلوي دراع فاروق الديب حتى لو كان انتَ ،حتى لو كان ابنه ..هتسمع كلامي ورجلَك فوق رقبتَك ،سامعني ولّا لأ ؟

'' إبتسم حمزة بسخرية ''

= أني قولتها لابوي وهقولهالَك انتَ كمان ..أني مش جاي معاك وأعلى ما في خيلَك اركبه
- كدة ؟ ،ماشي يا حمزة

'' ثم تركه بعنف وولّاه ظهره مغادرًا وهو يقول ''

= إستحمِل اللي هتشوفه مني ،وهتيجي ..إنتَ اللي هتجيلي وتقولّي انك راجع معايا

'' ليته لم يجبره ،ليته تركه يختار ،ليته أشعره بحناب الأب وحبه من اللحظةِ الأولى ،ليته لم يفعل ما فعله مع أولاده ،وهاا هو ما وَصل إليه الثلاثة المعترضين ،لم يعيشوا ،ولم ينجوا ..
كان مؤمن جالسًا أمام خالد يبكي على هذا الحال ،لا يعترض مؤمن على الموت ،بل المعصية التي توفّى عليها هؤلاء الثلاثة ،ليتهم لم يسيروا من البداية بهذا الطريق ،ليتَ يونس استمع إليه ،وضع مؤمن يديه على وجهه وبكى بشدة ،لكن أبعد يديه عن وجهه حينَ قال يحيى الجالس أمام حمزة بصوتٍ عالٍ ''

- يوسف ..تعالى يايوسف بسرعة

'' كان يوسف جالس على الأرض يبكي ،لكن توقف حينَ ناداه يحيى ،نهض يوسف بتعجب وذهب إليه ..بهذه اللحظة ،دلف راجح داخل القصر ،نظر إلى الثلاثة الذين قُتلوا ،وقال ''

- ربك رحمن ياخالد
ربك رحيم ياحمزة
ربك بيحبك يايونس !

'' توقف الصراخ للحظاتٍ بعد ماقاله راجح ،تعجب الجميع ..في حين دوت صرخات يوسف المكان من جديد وهو يقول ''

- حمزة بيتنفس ،حمزة عايش !

'' وقف الجميع مهرولين إلى حمزة ليتأكدوا ،وحينَ تأكدوا من أنّه يتنفس ..أوضح لهم يوسف أنّ تنفسه ضعيف ،هرول يوسف إلى سيارته وأمرهم أن يحملوا حمزة وسيذهب به إلى المستشفى ،بهذه اللحظة ..فتح خالد عينيه وسعل للحظاتٍ ،ثم أغمض عينيه مرةً أخرى ،للحظاتٍ لم يستوعب الجميع ماذا يحدث ،صرخت رباب قائلةً ''

- خالد ..خالد فتّح عينيه

'' هرول الجميع إليها ..وقف نوح ،كان ذاهبًا ليرى خالد ،لكن أوقفه سليمان وأمسك يده ،نظر إليه نوح ،فوجد علامات الصدمة على وجهه ..جلس نوح مرةً أخرى بجانبه ،فنظر سليمان ليونس ،ثم أعاد بصره لنوح قائلًا ''

- عايش !

'' تعجب نوح كثيرًا ،وضع نوح رأسه على صدر يونس ..مرت لحظات حتى سمع نوح صوت دقات قلبه ،كانت ضعيفة ..نظر نوح إليه بصدمة وقال ''

- يونس عايش

'' ثم نهض نوح وحمل يونس ،أتاه مؤمن وساعده على حمله ،ووضعوه بسيارة ،وكذلك الحال مع خالد ،وانطلق الجميع إلى المستشفى ..وتبدّل الحال فجأة ،من بكاء حزن وألم ،لبكاء فرَح ،من صرخات وجع ،لصرخات سعادة ،تبدل الحال بلحظة ..كما يتبدل كل شئ من حولنا بلحظةٍ أيضًا ..
وصلوا جميعًا إلى المستشفى ،ودخلوا الثلاثة فورًا إلى غرف العمليات ،وانقلبت المستشفى رأسًا على عقب ..
مرّ وقت طويل ..
كان الجميع بالمستشفى ،يدعون الله جميعًا أن ينجو الثلاثة ،كان سليمان شاردًا طوال الوقت ،حينَ انتبه مؤمن لحالته تلك ،ذهب إليه وجلس على ركبتيه أمامه بالأرض ،أمسك مؤمن بيده ،نظر إليه سليمان ،فقال مؤمن ''

- هيبقوا كويسين ان شاء الله ،ماتقلقش

'' ابتسم سليمان ،وربت على يد مؤمن الممسكة بيده الأخرى ،ثم قال ''

= عارف ،مش خايف ومش قلقان ،انا متطمن جدًا

'' تعجب مؤمن من اطمئنانه هذا ،فأردف سليمان ''

= بعد ماكنا فاكرين انهم ماتوا ربنا رجّعهم تاني ،يبقى أكيد هيبقوا كويسين ،أكيد

'' تنهد مؤمن ،ثم ربت على يد سليمان وتركه ،وقف مؤمن بجانب يحيى ونوح ،عم الصمت لدقائق ،حتى قال نوح ''

- انا مش مصدق انهم عايشين ..انتوا ماشوفتوش منظر يونس بعد ماتضرب بالنار ،كان شكل واحد بيصارع الموت ،مش عارف حتى ينطق الشهادة ،ازاي عايش ؟ ،انا حتى مالحظتِش انه بيتنفس !

'' قال مؤمن ''

= انا برده ماحستش ان خالد هيعيش ،كنت حاسس انه بيطلّع في الروح ،اللي حصل لِنا دا غريب اوي

'' قال يحيى ''

= ماحنا كل حاجة بتحصلنا غريبة ،ايه الطبيعي في اللي بيحصلنا ؟

'' أومأ نوح ومؤمن على حديثه ،فأردف يحيى ''

= عارفين احنا ليه صدّقنا ان هما ماتوا ؟

'' نظر إليه مؤمن ونوح دون كلام ،أردف يحيى ''

= عشان عارفين ان دي النهاية اللي هما يستحقوها ،لدرجة اننا ماشكّناش لحظة انهم ممكن يكونوا عايشين ،ماحدش فينا حاول يتأكد ،كإننا عارفين انهم مايستحقوش فرصة تانية

'' تنهد يحيى بألم ،ثم قال ''

= صعب أوي الاحساس دا ،إحساس وِحش انك تشوف اخواتك مايستاهلوش انهم يعيشوا ،مايستهلوش فرصة كمان عشان يكفّروا عن ذنوبهم ..مايستاهلوش غير الموتة دي ،بس ..سبحان الله ،ربنا أرحم علينا من اخواتنا ،ومن أهالينا ..من امّنا وأبونا ،سبحانه الرحمن الرحيم

'' سبحانه الرحيم ،أرحم على العبد من نفسه ومن والديه ،رحمته وسعت كل شئ ! .
دقائق وخرج يوسف وطبيب آخر كان معه ،وخرج من ورائه خالد وحمزة على سَريريْن متحركيْن ،هرول الجميع إليه ،لكن سليمان ظل جالسًا بمكانه ينظر إليه من مكانه ''

- مريم : طمني يايوسف ،واخدنهم على فين ؟
= بتنهيدة : ماتقلقوش ..هما كويسين ،هيتحطوا في العناية المركزة تحت الملاحظة لمدة ٢٤ ساعة وبعدين هننقلهم غُرَف عادية
- الحمد لله
- مؤمن : ويونس ؟

'' نظر إليه يوسف وقال بألم واضح ''

- الدكتور اللي معاه طلّع رصاصتين وبيحاول يطلّع التالتة ،ادعوله
= يارب
- انا بس طلعت اطمنكوا على حمزة وخالد ،وهدخل اساعد الدكتور اللي معاه ،عن اذنكوا

'' ودلف يوسف إلى غرفة العمليات من جديد ..قال سليمان بصوت غير مسموع ''

- هيقوم ،اكيد هيقوم

'' مرّت ساعة أخرى ..
وخرج يوسف من غرفة العمليات ،ومن ورائه يونس على سرير متحرّك ،ومن جديد يهرول الجميع إليه ''

- نوح : طمّنا يايوسف ،يونس كويس ؟

'' نظر يوسف إليهم جميعًا وقال ''

= طلّعنا الرصاصة ،بس دخل في غيبوبة ،وحالته مش مستقرة ..ياعالِم هيقوم ولّا لأ

'' نظر الجميع لبعضهم بصدمة ،ابتلع سليمان غصةً في حلقه ،واغرورقت عيناه بالدموع ،ثم قال ''

- هيقوم ،هيبقى كويس ان شاء الله

'' قال يوسف ''

= لازم تمشوا دلوقتي عشان ترتاحوا شوية
- مؤمن : انا مش همشي
- يحيى : ولا انا

'' وبدأ الجميع بالصياح بعدم المغادرة ''

= يوسف : ياجماعة بلاش شغل العيال دا الله يباركلكوا ،اولًا وجودكوا مالوش أي لازمة ،ماحدش فيهم هيفوق دلوقتي أصلًا ،وماينفعش العدد دا كله يكون موجود في المستشفى ،لازم كلنا نمشي ..انا كمان هامشي ،يلا

'' وغادر الجميع على مضض ! ،قبل مغادرة يوسف المستشفى رأى خلود ،تحاشى النظر إليها ،لكن هى لم تفعل ''

- يوسف !

'' وقف يوسف ،وأغمض عينيه بشدة ..رأته رباب وشعرت بالضيق ،لكن ماذا تفعل ؟ ،غادرت مع البقية ،وقفت خلود أمام يوسف وقالت ''

- في ايه يايوسف ؟ متغيّر من ناحيتي ليه ؟

'' نظر يوسف إليها ،وابتسم بسخرية ''

= خالص انا مش متغيّر ،كل الحكاية انّي رجّعتِك لمكانك الطبيعي
- باستغراب : نعم ؟ ،ايه اللي انتَ بتقوله دا ؟ ،انا مقدرة حالتك وعارفة ان اللي انتَ فيه صعب ،بس ياريت تحاسب على كلامك

'' ثم نظرت إلى يده ،انتبهت أنه لا يرتدي خاتم الخطبة ،فقالت ''

- فين دبلِتك قالِعها ليه ؟
= حطيتها في الزبالة ،دا مكانها الطبيعي ..انا طِلعت مخدوع فيكِ أوي
- انتَ بتقول ...
= مقاطعًا : على فكرة ،شاهين اللي مشغّلِك جاسوسة عليا مات ..ماتنسيش تحضري عزاه

'' ثم غادر وتركها وسط ذهولِها .
وصل الجميع للقصر ،كانت الشرطة هناك ..وتم نقل الجثث من القصر ،وقف نوح مع أحد رجال الشرطة وقصّ له ماحدث وسبب هذه المذبحة ،كانَ دفاعًا عن النفس ،لم تُخطئ عائلة الديب بشئ ،وعساكر الشرطة الذين حضروا هذا الحادِث شهود على ذلك .
صعد سليمان إلى غرفته في هدوء مستندًا على هدى ..دلف غرفته ،وجلس على فراشه بهدوء تام ،لم يلتفِت لهدى ،بدا عليه الحزن الشديد والهَم ،شعر بألم في صدره وامتعض وجهه ..حينَ رأت هدى يده وُضعت على صدره ،تذكرت دوائه ''

- انتَ ماخدتِش دواك انهاردة ياسليمان

'' ذهبت وجلبت دوائه وجلبت من المطبخ كوبًا به ماء ،وقالت له ''

- خُد الدوا اهو

'' أبعد يدها عنه ،تنهدت هدى بألم وقالت له ''

- وبعدين معاك ياسليمان مش هينفع كدة ،يعني هيبقى لا دوا ولا كيماوي ،حرام عليك انتَ كدة بتموّت نفسك

'' رفع رأسه ونظر إليها قائلًا ''

= مانا ميت من زمان ايه الفرق ؟ ،خلينا نخلص
- ايه اليأس اللي انتَ فيه دا ؟ ،لازم يكون عندَك أمل اكتر من كدة
= يهمك في ايه ياهدى ؟ ،هدى انا مُت من زمان ..من اليوم اللي اختك قالتلي فيه انك مُتّي انتِ وابني ..40 سنة ومانستكيش ،40 سنة ندمان وحاسس ان موتك انا السبب فيه ،40 سنة عايش في تأنيب ضمير والنتيجة انك عايشة ..كنت خايف على ولادي من الموت ،خايف اعيش في ندم وتأنيب ضمير انّي من الاول ماحمِتهومش ،واندم عليهم زي ندمي عليكِ ،من خوفي عليهم نسيت ان ولادي بيكبروا ..وهيجي وقت هيقدروا هما عليا ،نسيت اعمل حساب لدا كمان ،بس انا استاهل ..استاهل كل اللي بيجرالي واكتر ،والله استاهل ..مش يونس اللي كان مفروض يتضرب بالنار ،انا اللي المفروض كان يحصلّي كدة ،انا مش هو

'' واغرورقت عيناه بالدموع ..جلست هدى بجانبه ،لكن قبل أن تقول أي شئ ،سمعا صوت ربابة راجح ،لكن دون غناء ،كانت هدى قد علِمت أنّ راجح الأخ الاكبر لسليمان ،تنهد سليمان بألم قائلًا ''

= ااه ياراجح ااه ..

'' تذكّر سليمان يوم ولادة نوح ،شرد سليمان قليلًا ،وتذكّر غناء راجج بهذا اليوم ،ثم قال ''

= نجا نوح ..وهلك مِن ساب السفينة تروح

'' نظرت إليه هدى وقالت ''

- نجا عشان ماكنش عايش معاك ،زي بقيت ولادك اللي سِبتهم وكنت عارف ان بُعدهم عنك رحمة ليهم ..انا ماغلطتِش ،انا كمان حاميت ابني منك ومن شرك

'' كرّر سليمان كلمات راجح مرةً أخرى ''

= نجا نوح ..وهلك مِن ساب السفينة تروح

'' نعم ! ،هذه السفينة التي توقّع سليمان أنها حتمًا ستغرق كانت هى النجاة لزوجته وولدِه ،وهلاك لهما اذا تركوها ،يبدو أنّ وعوده لهدى بعد ولادتِها لم تكن لتتحقّق ،لا يعلم ما كان سيحدث لو بقِيَت هدى معه طيلة هذه السنوات ولم تركب السفينة ..لكن هدى أجابت وكأنها سمعت مايدور بعقله ''

- ماكنتِش هتتوب ياسليمان ،لو كنت عايز تتوب كنت توبت من زمان ،من 40 سنة لما عِرفت انّي مُت ،دا كان سبب عشان تتوب ..لكن اكيد فاروق ماسابكش في حالك ،حتى لو كنت توبت ياسليمان ..حتى لو كل حاجة بقِت بينّا كويسة ،كنت هترجع الاقصر وتسيبني ،وكنت هتتجوز برده أُم يونس ومؤمن ..ااه نسيت اقولك ،جوز اختي عِرف كل حاجة عنك لما سأل عنك في الاقصر ،وقالي انك انتَ واخوك كنتوا هربانين لانكوا قتلتوا ابو فاطمة ..قولّي لو ماكنتِش انا مشيت كنت هتتصرف ازاي ؟ ،وماتقوليش انك ماكنتِش هتتجوزها ،رباب قالتلي ان صاحبك ابراهيم كان بيحبها ،ودا مامنعكش انك تتجوزها ،يبقى حتى لو كنت عايشة معاك ماكنش دا هيمنعك ،وساعتها كنت همشي برده واهرب ..أو كنت اتقتلت زي ماتقتلِت ام يوسف عشان التجار يِلوا دراعك وترجع تشتغل معاهم ..انا مش ندمانة انّي خدت ابني وهرِبت ،ولو رجع بيا الزمن هعمل اللي عملته تاني

'' لم ينطق سليمان ،شرد كثيرًا في ذكريات قديمة ..إلى أن قال من جديد ''

= لما كنت صغير كنت بحب اقعد مع راجح اوي ،وهو كمان ..حبّني اكتر واحد في اخواتي ،في مرة قالّي هيكون ليك شأن ومُلك كبير ياسُليمان ! ،زي سيدنا سُليمان ..بس اوعى تختار غلط ،مُلك عن مُلك يفرِق ،المُلك على حلال غير المُلك على حرام ،قالي ان شكلي هتجوّز اكتر من واحدة

'' ثم ابتسم بسخرية ،فسألت هدى ''

- وهو عِرف منين الحاجات دي كلها ؟
= دا سؤال مالوش إجابة

'' تنهد سليمان ثم قال ''

= حتى هو اللي مختارلي اسامي ولادي كلهم إلا يحيى ،انا وولادي كان لينا نصيب من اسامينا ،غير فاروق وكريمة ..حتى كل حاجة مرّينا بيها انا وولادي ماحصلش زيها في عيلة الديب ! ،ماسمعتِش في عيلة الديب ابدًا عن ربنا ،عن الحلال والحرام ،الصح والغلط ..لكن انا وولادي كنا بنفكر في الحلال والحرام ..دي كانت شوكة في زورنا طول حياتنا ،لا عارفين نكمّل في الحرام ولا عارفين نرجع للحلال ،لاننا عمرنا ماعِشنا بالحلال ،بس كنا بنفكر ،بندوّر على طريق الحلال ،كل واحد فكّر بطريقته ..فيه اللي وِصل ،وفيه اللي لسة بيفكر ،وفيه اللي عمره ماراح للحرام أبدًا ..

'' شرد سليمان قليلًا بخياله ،ثم قال ''

= السيدة مريم كانت عفيفة ماغلطِتش ،سيدنا يوسف حَب اخواته ما أذاش حد فيهم ،السيدة آسيا ابتُليَت بفرعون ،سيدنا يونس ساب أهله من غير مايأذنله ربنا ،سيدنا يحيى جِه الدنيا وأبواه شيوخ ،وسيدنا نوح ..صنع سفينة !

'' ثم نظر سليمان إلى هدى وقال لها ''

= مريم بنتي اختارَت تسيب حمزة عشان ماتغلطش ،يوسف حب اخواته ،اختار مايفارقهومش ،واختار مايمشيش في التجارة ،آسيا اتجوزت واحد أسوأ من فرعون ،يحيى اختار طريق ربنا بعد ماجِه ابنه للدنيا بعد سنين من الحرمان ..ومؤمن دوّر ازاي يبقى مؤمن ،يونس ماسابش أهله ويمكن عشان كدة هلك ،ونوح ! ..ماصنعش سفينة

'' نظرت إليه هدى بتعجب وقالت له ''

- انتَ بتقارِن ايه بإيه ياسليمان ؟ ،يعني ولادك هيعشوا حياة الانبيا ؟ ،انا مش فاهماك
= لا مش قصدي ،كل الحكاية انّي حاسس ان كل واحد فيهم له من اسمه نصيب
= وأخرِتها ؟

'' فكّر سليمان قليلًا ثم ابتسم وقال ''

= أخرِتها حلوة ان شاء الله ..سيدنا سُليمان مات على طاعة ،مات من غير ماحد يحس بموته ،سيدنا يونس ربنا عاقبه لما رماه في بطن الحوت ،ودّاه فرصة يتوب ويستغفر ،وتاب سيدنا يونس واستغفر ،وكان جزائه انه آمِن بيه قومه كلهم من غير مايكفر حد فيهم ،سيدنا يحيى كان تقي ،بار بوالديه

'' ثم نظر سليمان لهدى وابتسم قائلًا ''

= يحيى الوحيد في اخواته اللي سامحني ..سيدنا يوسف كان له شأن عظيم عن كل اخواته ،والسيدة مريم ،السيدة آسيا خِلصت من فرعون بموته ..كل نهاية برغم المشاكل والابتلاءات بتنتهي نهاية تطمن القلب ،تحسّس الواحد قد ايه ربنا رحيم ولطيف بعباده ،كل واحد بيختار نهايته ياهدى ،يوسف ..يوسف حبيبي كنت فاكر انه أغلَب واحد في ولادي ،أغلَب من الغُلب ،لكن بالعكس ..طِلع أقوى واحد فيهم ،القوي اللي يشوف الحرام حواليه ويقدر يمنع نفسه عنه ،كان يقدر يحقق احلامه بالفلوس دي ،كان يقدر يجيبله عربية ويشتريله قصر ،يبنيله مستشفى بإسمه ،بس ماخترش يعمل دا من الحرام ،عشان كدة ربنا هيكافئه ان شاء الله ،يوسف هيعيش ملِك ،ياريت كل ولادي كانوا زي يوسف ،ياريت عِرفوا يغلِبوا شهوات الدنيا في قلوبهم ،بس ..مش هلومهم ،أبوهم من قبلهم غِلط نفس الغلطة وتمادى فيها أكتر من 50 سنة ! ،بس الحمد لله ،ولادي كلهم اختاروا الحلال دلوقتي ،حتى يونس ..أنا هعتبر يونس دلوقتي في بطن الحوت ،هياخد وقت وهيرجع ،لسة فيه فرصة ،لسة في وقت للاختيار ،أكيد في فرصة كمان

'' أومأت هدى برأسها وقالت ''

- ربنا يهديهم كلهم يارب
= يارب

'' أصرّت هدى عليه أن يأخذ دوائه إلى أن وافَق ،تناول دوائه ،ثم دلف إلى الحمام ..وتركته هدى وغادرت الغرفة .
بعد قليل بدأت تحقيقات الشرطة وتم استجواب الجميع ،استمر الوضع حتى شروق الشمس ..
كان يومًا متعِبًا وحزين للجميع .وضعت شادية صغيرها على الفراش ،ثم اتجهت إلى يحيى الجالس على طرف الفراش الآخر ،وضعت يدها على كتفه ،انتبه لها دون أن يلتفِت ،فقالت ''

- أنا خايفة يايحيى ،عايزة امشي من هنا ..امبارح كانت ليلة صعبة أوي ،كان ممكن يحصلّك حاجة أو يحصل لعلِي حاجة ،أنا عايزة امشي ،خلينا نرجع اسكندرية دلوقتي

'' من حديثها هذا شرد يحيى بشئ آخر ،شعر بأبيه وبالثِقل الذي حمله طيلة هذه السنوات ،لذلك أبعده هو وإخوتِه عنه وعن حياته ،أومأ يحيى دون أن ينظر إليها وقال ''

= حاضر ،جهزّي نفسِك وانا هوصّلك اسكندرية وبعدين هارجع
- يعني هترجع تاني على هنا ؟
= اكيد ،ماينفعش اسيب اخواتي واروح اسكندرية
- خلاص يبقى انا هفضل معاك ،انا كمان ماينفعش اسيبَك في الظروف دي

'' لم ينطق يحيى ،شرد بعيدًا وبدا على وجهه الحزن الشديد ،نهضت شادية من الفراش واستدارت لتكون قبالته بالطرف الآخر ،جلست أمامه بالأرض وأمسكت بيده ،نظر إليها فقالت ''

- هيقوموا التلاتة بالسلامة ماتقلقش ،أكيد ربنا هينجّيهم

'' أومأ يحيى برأسه ثم قال ''

= انا عارف ومش قلقان ،انا بس خايف عليهم ..خايف ماحدش فيهم يستغل الفرصة ويرجعوا زي ماكانوا
- يبقى هما اللي اختاروا
= والاختيار صعب ،صعب أوي
- الحلال بيّن والحرام بيّن ،وكل الناس قدامها فُرص كتير
= عارف ..ااه ياريت ماكناش نملك الاختيار ياريت ،الصح والغلط ،والحق والباطل اتبدّلوا ،مابقاش حد شايف ولا عارف فين الحق وفين الباطل ،عشان كدة الاختيار صعب ،صعب أوي ياشادية ،اسأليني انا ،انا اللي جربت ..

'' كان مؤمن جالسًا على فراشه يحتضن سليم الذي غفل بين ذراعيه من شدة التعب ،ووَرد بجانبه يتحدثان ،فقال مؤمن ''

- سيأتي زمان على أُمتي يرون الحق باطل ،والباطل حق

'' ثم تنهد بألم قائلًا ''

- ويونس شايف كل حاجة بيعملها حق ! ،معقولة كل دا عشان ينتقم لمراته ؟

'' ردت ورد ''

= كل دا عشان فقد البصيرة

'' أومأ مؤمن برأسه مؤكدًا على كلامها ،ثم قال ''

- فاقد البصيرة ،قلبه عِمي ..مش عارف يميز بين الحلال والحرام ،دا اسوأ عقاب ربنا ممكن يعاقب بيه العاصي ،انه يعمي بصيرته ،يونس حالة تُدرس لأي حد عاصي ،ولسة ..لسة ماحدش عارِف هيحصل فيه ايه تاني

'' كانت آسيا تحتضن مريم تحاول تهدئتها وطمأنتِها ،كانت مريم تقول ''

- حاسة ان انا غلطت لما سِبته ياآسيا من غير ماحاوِل معاه ،وانصحه ..انا مش عارفة انا زعلانة انه كان فاضل بينه وبين الموت الخطوة ولا زعلانة انه كان هيموت وربنا غضبان عليه ،بس انا زعلانة من نفسي أوي انّي سِبته
= انتِ ماسبتِهوش بمزاجك يامريم ،كل حاجة كانت واضحة من زمان ،من سنين ،بس احنا اللي تمادِينا ودخلنا علاقات غلط ،كنتِ هتزعلي من نفسك أكتر يامريم لو كمّلتي معاه ،حمزة اتلغبط عنده الحلال والحرام ،مابقاش شايف ،قلبه قِسي وبقا اعمى القلب
- بس واجب كنا ننصح ،ماكنش ينفع عشان هو غِلط اسيبه وامشي واخاف على نفسي ،المفروض كنت احاول معاه اكتر من مرة ،لكن انا اخترت نفسي وبس

'' كانت رباب جالسة بحديقة القصر تبكي بصمت حين خرج يوسف من القصر متجهًا إلى المستشفى ،غيّر مساره حين رآها ،ذهب وجلس بجانبها ..مسحت دموعها فورًا ،قال يوسف ''

- ايه اللي مقعدِك كدة يارباب ،ادخلي نامي شوية انتِ اكيد تعبانة من امبارح
= مش جايلي نوم

'' تنهد يوسف ثم قال ''

- ماتقلقيش يارباب ،ان شاء الله خالد هيقوم بالسلامة
= يارب ان شاء الله
- وبعدين انتِ مش لوحدِك ،كلنا معاكِ وحواليكِ ،مش عايزِك تقلقي من حاجة

'' نظرت إليه ثم قالت ''

= ماحدش جمبي يايوسف ،انا ماعرفش حد في القصر دا غير خالد ،ولو جراله حاجة انا فعلًا هبقى لوحدي ..خالد هو كل اهلي ،ماليش غيره ،صعبان عليا اوي اللي حصلّه

'' ثم بكت مرةً أخرى ،حاول يوسف تهدئتها ''

- اهدي يارباب والله ماتقلقي ،ان شاء الله هيبقى كويس
= ياما نصحته ،قولتله كتير ان طريقه دا أخرِته وِحشة ،ماكنش بيسمع ،نصَحته كتير وهو ماسمِعش ،طبيعي كان دي تبقى أخرِته ،ليه ياخالد كدة ،ليه ؟

'' يفقد العُصاة فرصًا كثيرة للتوبة ،تتشتت أمامهم الطُرق ،لا يُميزون بين الحق والباطل ،بعد ذلك يفقدون البصيرة ..حتى أنهم لا يستمعون للنصيحة ،لا تشعر قلوبهم ،قسَت قلوبهم ..حتى يظن من حولهم جميعًا أنّ النهاية حتمًا ستكون قاسية ،أقسى من قلوبهم ..لكن الله أرحم من عبادِه ،أرحم من شكوكهم وظنونهم .

انتشر ماحدث في قصر عائلة الديب بجميع مواقع وسائل التواصل ،وعرف الناس ماذا حدث .
مرّ يومين ..
فتح خالد عينيه بثقل ،ظل يجوب بعينيه المكان ..حاول أن ينهض بكن لم يستطِع ،دلفت إليه ممرضة وحينَ رأته قد استعاد وعيه ويحاول النهوض ،منعته ..ثم ذهبت وأخبرت يوسف ،هرول يوسف إليه وكان معه مؤمن ،دلفا الاثنان إلى غرفة خالد ''

- مؤمن : خالد ..انتَ كويس ؟ ،بقيت كويس ؟

'' ابتلع خالد غصةً في حلقه حينَ رأى مؤمن ،تذكر آخر شئ سمعه قبل أن يغمض عينيه ،تذكر محاولات مؤمن معه أن ينطق الشهادة ،لكن لم يستطِع نطقها ! ''

= يوسف : حاسس بحاجة ياخالد ؟

'' وكأن خالد لم يسمع ،كان شاردًا بشي آخر ،يشعر بالصدمة أنه مازال على قيد الحياة ،كان يشعر انها النهاية ،نظر مؤمن ويوسف لبعضيهما ،ثم عاودا النظر لخالد من جديد ..فحص يوسف خالد حتى يتأكد انّه بخير ،واطمئن يوسف بعد انتهاء الفحص ،هُنا نطق خالد قائلًا ''

- هو يونس ! ،يونس اتضرب بالنار ..حصلّه حاجة ؟
= مؤمن : يونس في غيبوبة وياعالِم ايه اللي هيحصلّه
- وحمزة ؟ ،حصلّه ايه ؟
= يوسف : ماتقلقش حمزة بخير وفاق امبارح

'' أومأ خالد برأسه ،ثم سألهما ''

- فين رباب ؟ ،عايز اشوفها
= يوسف : موجودة في المستشفى ،حالًا هجِبهالَك

'' وخرج يوسف ومؤمن من الغرفة ،قال يوسف ''

- حالة الصمت اللي فاق عليها خالد وحمزة من قبله دي غريبة
= اخدت بالي ،بس يمكن من الخضة والصدمة ،المهم دلوقتي ان هما فاقوا ،عقبال يونس يارب
- بتنهيدة : يارب

'' كانت رباب بكافيتريا المستشفى ،ذهب إليها يوسف وأخبرها انً خالد استعاد وعيه ،تفاجئت كثيرًا وهرولت إليه سريعًا ومن ورائها يوسف ،ذهب مؤمن وجلس بالكافيتريا ،دقائق ووجد يحيى قادمًا ،جلس أمامه يحيى ،كان يشعر بالتعب الشديد ''

- مؤمن : شكلك تعبان اوي ،لازم تروّح تناملَك شوية
= ومين مش تعبان يعني يامؤمن ،كلنا تعبانين ..اشمعنى انا اللي هاستريّح
- شوفت خالد
= ااه ..بس يوسف طلّعنا من الاوضة عشان يستريّح شوية
- وحمزة عامل ايه دلوقتي ؟
= ساكت ! ،مش بيتكلم

'' أومأ مؤمن برأسه ،طلبا الاثنان قهوة وجلسا يشربانها في صمت ..كان هناك تلفاز بالكافيتريا ،كان التلفاز أمام يحيى ،لذا كان منتبهًا له ،رأى يحيى خبرًا بالشريط السفلي بالتلفاز ،بدا الخبر غريبًا ،فقرأه بصوتٍ عالٍ ''

- قال رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية أنّ مصر قد دخلت حزام الزلازل ،ومن المتوقع حدوث زلزال قريبًا ،وسيضرِب أماكن كثيرة بمصر

'' استدار مؤمن للتلفاز من خلفه ،ثم عاود النظر ليحيى وقال له ''

= زلزال كمان ؟ ،دا اللي ناقص يحصل لعيلة الديب

'' ضحك يحيى بسخرية ..

مرّ اسبوعين ،تعافى خالد وحمزة بشكلٍ كبير ،وخرجا من المستشفى ..لكن كانت حالتهما النفسية يُرثى لها ،لا يتكلمانِ كثيرًا ،لا يُريدانِ التحدث ،في غرفتهما أغلب الوقت ..

كانت مريم جالسة على الارجوحة بالحديقة بيدِها مصحفًا تقرأ به ..رأت حمزة حارجًا من القصر متجهًا للخروج من البوابة ،أغلقت مريم مصحفها وهرولت إليه ''

- حمزة !

'' وقف حمزة واستدار إليها ،وقف أمامه وسألته ''

- انتَ رايح فين ؟
= مسافر الاقصر
- باستغراب : الاقصر ؟ ،ليه ؟
= عايز ازور قبر عم سعيد
- ايوة بس ..انتَ لسة تعبان
= ااه ،مانا رايحلُه عشان ارجع كويس ،عن اذنك

'' واستدار ليغادر ''

- استنى ياحمزة

'' وقف مرةً أخرى واستدار لها ،قالت بشئ من الارتباك والخجل ''

- انتَ زعلان مني ياحمزة مش كدة ؟ ،انا آسفة والله ،انا ..

'' قاطعها قائلًا ''

= مش زعلان منك يامريم ،انا مش زعلان من حد خالص ،انتِ ماعملتيش حاجة تزعلني ،لو حد المفروض يعتذر يبقى انا ..انا اللي آسف

'' ثم تنهد وقال ''

= انا لازم امشي دلوقتي ،ابقي كلميني لو حصل جديد ..عن اذنك

'' وتركها وغادر ،لكن رجع مرةً أخرى إليها ،وسألها ''

= مريم ماتعرفيش عنوان رحمة ؟
- باستغراب : رحمة مين ؟

'' ابتسم بسخرية وقال ''

= أختي

'' كانت عزيزة حبيسة بغرفتها ،سجنها الذي فرضته عليها ..علِمت بما حدث بالقصر منذ اسابيع ،علمت بما حدث ليونس وخالد وحمزة ،قلبها يتآكل من الداخل ،تبكي باستمرار على ماحدث ليونس خوفًا وحزنًا عليه ،تسأل نفسها لمَ تبكي ؟ ،لمَ تحزن عليه بعد مافعله معها ؟ ،حدث ماحدث ولم يلتفِت يونس ،لم يستدِر إليها وهى ترحل من حياته ،لم ينظر خلفه ..إذًا لماذا هى التي تنظر للخلف ؟ ،لمَ الحزن والألم لها وحدها ؟ ،أفاقت عزيزة على صوت طرقات على الباب ،مسحت دموعها وقالت ''

- انا قولت مش عايزة اشوف حد ،سيبوني من فضلكوا

'' أتاها صوت والدتها تقول ''

= في ضيف برا عايز يشوفِك ياعزيزة ،بيقول انه اخوكِ

'' اخوها ؟ ،من ؟ ،حمزة ؟ ،تعجب كثيرًا من وجوده ..خرجت من غرفتها لتراه .
لم يعلم حمزة لمَ أتى ؟ ،وماذا سيقول لها ؟ ،لكنه شعر انه لابد ان يأتي ليراها ''

- أهلًا

'' رفع حمزة رأسه ورآها ،نهض من مكانه وقال ''

= ازيك يارحمة

'' جلس عزيزة في الكرسي المقابل له وهى تقول ''

- عزيزة ..اسمي عزيزة

'' جلس حمزة هو الآخر ،كانت تنظر إليه ،يبدو انه لم يتعافى بشكل كامل ،قال ''

= ازيك ياعزيزة
- كويسة

'' حمحم حمزة وابتلع غصةً في حلقه ،ثم قال ''

= انا بصراحة مش عارف انا جاي ليه ،وجاي اقول ايه بالظبط ..انا حسيت انّي عايز آجي واشوفك ،يمكن حسيت انك لوحدِك زي مانا لوحدي
- ...
= انا عارف انّي غِلط لما ماسألتِش عليكِ الفترة اللي فاتت ،بس الظروف كانت صعبة واظن انك عارفاها ،دماغي كانت مشتتة في حاجات كتير ،بعترف انّي نسيتِك وبعتذر عن دا ،أنا آسف ياعزيزة
- ...
= طب ..هو احنا ممكن نبقى اخوات ؟

'' ابتسمت عزيزة بسخرية وقالت ''

- تفتكر هينفع ؟
= هينفع لانها حقيقة ،رضينا او رفضنا ..انا وانتِ اخوات ،احنا توأم ،خلينا نعمل حاجة صح ،يمكن لمرة عيلة الديب تعمل لينا حاجة واحدة حلوة
- ...
= ممكن نحاول نعرف بعض ؟
- انا مش عايزة ،مش عايزة اعرف ولا اشوف حد من عيلة الديب ،انا مش منهم ،وعمري ماهكون منهم

'' تنهد حمزة ،ثم نهض وأخرج من جيبه كارت خاص به ،وضعه على الطاولة ثم قال ''

= بس انا عايز اعرفِك واشوفِك ياعزيزة ،عمومًا زي ماتحبّي ..دا رقمي لو حبّيتي في يوم تكلمّيني ..عن اذنك

'' وتركها وغادر ،اخذت الكارت الخاص به ودخلت إلى عزلتها من جديد ،تبكي مجدًدا ..

كانت رباب تبحث عن خالد بالقصر لكن لم تجده ،نزلت للحديقة ..وجدت مريم جالسة على الارجوحة ،فذهبت إليها ''

- مريم ..ماشوفتيش خالد ؟

'' نظرت إليها مريم وقالت ''

= لا ماشوفتوش

'' أتت آسيا من ورائها وسمعت سؤالها عن خالد ،فقالت لها ''

- آسيا : خالد سافر الاقصر

'' استدارت إليها رباب وقالت بتعجب ''

= سافر الاقصر ؟ ،امتى ؟
- انهاردة بعد الفجر ..شوفته وحاولت امنعه لكن ماسمعنيش
= رباب : ايوة بس دا لسة تعبان !
= مريم : حمزة كمان سافر الاقصر
- آسيا : واضح انهم عايزين يرجعوا لنقطة البداية من جديد ،عمومًا ماتقلقوش عليهم ..هيبقوا كويسين

'' كانت رباب قلِقة جدًا على أخيها ،دلف يوسف ومعه يحيى ومؤمن إلى القصر ،كان يبدو عليهم جميعًا الحزن ''

- يوسف : ازيكوا
= آسيا : الحمد لله ،ايه مالكوا ؟ ،في حاجة حصلت ؟ ،يونس كويس؟

'' تنهد يوسف وهزّ رأسه نافيًا وقال ''

- للأسف لأ ،حالته بتسوء جدًا ،يونس عايش عالاجهزة ،من غير الاجهزة ميت !
= مريم : يعني ايه ؟ ،يعني خلاص كدة ؟
- مش عارف يامريم ،ربنا يستر

'' بهذه اللحظة دلف نوح إلى القصر ،ذهب إلى إخوته وعلم ماحدث ،فقال لهم ''

- ماتقلقوش ان شاء الله هيقوم ،ربنا مش هياخد مننا الامل بعد ماكنا فاقدينوا اصلًا ،دا بس ابتلاء ..مش ليونس بس لينا كلنا ،تعالوا نصلّي وندعيله ..دي فرصة لينا احنا كمان عشان نقرب من ربنا ،يلا

'' أومأ الجميع برأسه ودلفوا القصر ،توضأ الجميع ليصلّوا ،كل العائلة ..إلّا سليمان ،كان نائمًا من شده تعبه ،كان نوح هو الإمام ،ووقف الجميع خلفه ..
استيقظ سليمان من النوم ،ظلّ جالسًا في فراشه قليلًا ،إلى أن سمِع صوت أحدهم يقرأ القرآن ،فنهض من الفراش بتعجب ،وخرج من غرفته ،هبط الدرَج ..ورأى أعظم مشهد قد يراه في حياته ،اهتز قلبه لهذا المشهد ،ولدِه الأكبر يُصلّي بجميع أولاده وزوجاتهم ..اغرورقت عيناه وابتسم بسعادة ،هذه هى سفينتِه ..قد نجَت بعد كل هذا الشقاء ،ينقصها فرد واحد فقط ..وسيأتي ،حتمًا سيركب معهم سفينة النجاة ،سيأتي ..

لا تعلم عزيزة ماتفعله اهو صواب ام لا ،لا تُريد أن تُفكر ،فقط تريد أن تسير وراء شعورِها هذا ،وراء قلبها ..
كانت عزيزة تقف أمام غرفة يونس بالمستشفى ،تنظر إليه من نافذة الغرفة ،تبكي وهى ترى كم الاجهزة من حولِه ،التفتت عزيزة لترى إذا ما كان احد موجود من الاطباء او الممرضين ،وحين تأكدت انه لا يوجد اي شخص ولم يراها احد دلفت إلى غرفة يونس ..
كانت تمسك حقيبتها بتوتر ،عينيها تعلّقت بهذا النائم الذي لا يشعر بأي شئ ..كانت تسير ببطئ ،وقفت أمامه قليلًا وهى تبكي ،ثم جلست أمامه على الارض ،ظلت تنظر إليه قليلًا قبل أن تقول ''

- ليه يايونس ؟ ،ليه عملت كدة ؟ ،استحلّيت وجعي عليك ولّا ايه ؟ ،مرة اتوجع منك ومرة اتوجع عليك ،ليه يايونس ؟ ،انا ماستهِلش منك كل دا ،والله ماستاهل ..

'' ووضعت يدها على فمها حتى لا يخرج صوت بكائها ويعلم احدهم اذا مرّ من امام الغرفة انها بالداخل ،هدأت قليلًا ثم ازاحت يدها وقالت ''

- انا كنت بدعي عليك ،بدعي عليك تتوجع زي ماوجعتِني ،دعيت ربنا ينتقملي منك يايونس ،حقك عليا ..حقك عليا لو اللي انتَ فيه دا بسببي ،انا ماكنتِش عايزة دا يحصلّك يايونس ،انا خلاص ..مسمحاك وبدعيلَك تقوم بالسلامة ،مسمحاك من قلبي والله ومش زعلانة منك ،قوم يايونس عشان خاطري ،قوم عشان ماينفعش انتَ وبابا تروحوا قدامي كدة ،مش هستحمِل ،ماتوجعنيش تاني يايونس بالله

'' ثم نهضت ونظرت إليه قليلًا وهى تبكي ،ثم غادرت الغرفة قبل أن يراها أحد ،ولم تلاحظ عزيزة هذه الدمعة التي هبطت من أعين يونس ! ،دمعة تُعلن انه استمع إليها ،وانه يشعر بما يحدث من حوله ! ..

مرّ أسبوعين ..
اشتد تعب سليمان ،ويرفض العلاج .
لازال حمزة وخالد بالاقصر ..
لازالت الاوضاع كما هى ،لا شئ جديد يحدث .
كان نوح أمام بوابة القصر يتحدّث مع رجال الأمن حينَ استمع إلى صوت راجح من بعيد يقول ''

- حاسِب من الطوفان يانوح ..خاف من الطوفان

'' تعجب نوح كثيرًا ،ماذا يقصد ؟ ..كرّر راجح هذه الجملة ،خرج مؤمن ويحيى من القصر على صوت راجح ،فقال مؤمن ''

= طوفان ايه ؟ ،ايه اللي بيحصل ؟
- نوح : مش عارف ..بس فكك يعني عادي
= يحيى : لا مش عادي ،انتَ ماتعرفش راجح عشان كدة مستهوِن بيه
- ربك كريم ،ماتقلقوش كدة في ايه

'' استمع الجميع إلى صوت أذان العِشاء ،قال نوح ''

- تعالوا نروح نصلّي وماتفكروش في كلام راجح يلا
= يحيى : ربنا يستر

'' خرج الثلاثة من القصر متجهين إلى المسجد القريب من القصر ،سمع الثلاثة راجح مرةً أخرى يقول ''

- أهل سفينتَك يانوح ..أهل سفينتك يانوح

'' توقف نوح ،أخذ يبحث بعينيه عن راجح ..لا يراه ،أختطف نوح نظرة للقصر ،ثم التفتَ لأخويه وقال ''

- بقولكوا ايه ،خلّوا الستات تيجي تصلّي معانا
= مؤمن : اشمعنى ؟
- كدة ..من غير سبب
= مؤمن : ماشي بسيطة

'' رجع الثلاثة ،وأخبروا النساء أن يذهبوا معهم إلى المسجد ..سمعهم سليمان فقرّر أن يذهب معهم ،رغم محاولات البقية لأن يبقى لانه مُتعب ،لكن رفض ..فأسنده نوح ويحيى ،وجاء بعض رجال الأمن من القصر ليصلّوا ،وصل الجميع إلى المسجد ،صعدت النساء إلى مصلّى النساء ..جلب نوح لسليمان مقعد لكي يُصلّي وهو جالس ،لا يعلم سليمان ..لمَ كان يشعر بالسعادة إلى هذا الحد .

أما يوسف كان بالمستشفى بهذا الوقت ،قرر أن يطمئن على يونس قبل أن يذهب ليُصلّي ،لكن تفاجئ يوسف حينَ لم يجِد يونس ،صُدم كثيرًا ،نده الممرضات والممرضين المشرفين على حالته ،لكن الجميع تسمروا في مكانهم ،لا يعلم أحد أين هو ''

- يعني ايه ؟ ،اتخطف ؟ ..ازاي اللي بيحصل دا ؟ ،شوفولي الكاميرات بسرعة

'' كان الامام يُصلّي بسوِر قصيرة ،تعجب نوح من أخطائه كثيرًا في القراءة ،يبدو أنه أول مرة يُصلّي بالناس ..إلى أن انتهت الصلاة .
راجع يوسف الكاميرات ،لاحظ أن يونس هو من خرج بنفسه من المستشفى ،كان يستند على الحائط إلى أن خرج ،كيف ؟ ،كيف لم يلحظه أحد ،تناول يوسف هاتفه ،وهاتف مؤمن ..كان الجميع يتأهب للخروج من المسجد حين استمع مؤمن لصوت هاتفه ،أخرج الهاتف ورد ،جائه صوت يوسف يقول ''

- مؤمن ،يونس فاق وخرج من المستشفى ومش عارف راح فين
= بصدمة شديدة : نعم ؟ ..فاق وخرج ؟ ،ازاي ؟

'' وقف اخوتِه أمامه بصدمة ،لكن قبل أن يرد يوسف ..قال راجح الذي كان يُصلي معهم بالمسجد ،بصوتٍ عالٍ ''

- الله أكبر !

'' وفجأةً ..اهتزت الأرض هزة شديدة ،وقع على إثرها الجميع ..ووقع الهاتف من مؤمن ،ظن الجميع أنّ المسجد سيقع ،لذا هرول الناس إلى الخارج ،وبقى القليل في المسجد ،رأى الناس أن كل البيوت تهتز ..كل الارض تهتز ''

- مؤمن : دا زلزال ،زلزال ياجماعة

'' امسك نوح سليمان الذي بدا أنّه لا يعبئ لهذا الزلزال ،فجاء راجح بجانب سليمان وأمسك به ،وفجاةً استمع الجميع إلى صوت ضجة كبيرة جدًا ،بدأ الجميع بالتكبير والتهليل على إثرها ..
ثم ..وقف كل شئ ،ورجع كل شئ لمكانه ..استمرت هذه الهزة لمدة 25 تانية فقط ..خرج الناس من المسجد ،هناك مبانٍ وقعت بهذه الثوانٍ ،غبار كثير جدًا ،نزلت النساء من المصلّى ،اتجه كل واحدٍ من عائلة الديب إلى زوجته وإخوته ''

- نوح : انتوا كويسين ؟ حد جراله حاجة ؟

'' كان الجميع في حالة فزع وهلع ..أخذهم نوح إلى مصلّى الرجال ،كان الجميع قد خرج من المسجد ،لم يبقى إلّا رجلين على الاقل ،قال نوح ''

- هنقعد هنا شوية لحد الناس تهدى ونعرف نروّح

'' جلس الجميع والتفوا حول سليمان وراجح الذي كان يجلس بجانبه ،التفتَ يحيى إلى رجل وجده واقعًا ويبدو أنه مغشيًا عليه ''

- يحيى : ايه دا ؟

'' اتجه يحيى إليه وسط أنظار الجميع ،جلس يحيى بجانبه وحينَ رأى وجهه تسمّر مكانه ''

- يحيى بصدمة : ايه دا ؟ ،يونس ..يونس جيت هنا ازاي ؟ ،انتَ كويس ؟

'' هرول الجميع حينَ سماعهم اسم يونس ،حتى سليمان الذي انتفض وحاول ان يذهب إليه زحفًا ليراه ،لم يفقد يونس الوعي ..فقط كان واقعًا على الارض إثر الهزة القوية ولم يستطِع أن ينهض بمفرده ،كانت حالته يُرثى لها ،وجهه شاحب ،عينيه مليئة بالدمع ..ساعداه إخوتِه على النهوض ،اتاه سليمان زحفًا وجلس أمامه ،وضع يده على وجهه وكأنه يتأكد من وجوده ''

= يونس ..ابني حبيبي ،انتَ كويس يايونس ؟ ،انتَ كويس يابني ؟

'' أومأ يونس برأسه له ،قال مؤمن ''

- مؤمن : انتَ جيت هنا ازاي ؟ ،وليه خرجت من المستشفى ؟
= نوح : ايه اللي جابَك المسجد ؟ ..هو انتَ ،انتَ اللي كنت بتصلّي بينا ؟

'' ابتسم يونس وأومأ برأسه له ،تفاجئ الجميع ونظروا لبعضهم بتعجب ،ماهذا التغيير المفاجئ ،تذكر نوح أمر يوسف ..فاخرج هاتفه وهاتفه ،بعد قليل أجابه يوسف ،استمع نوح لصوت صراخ شديد ''

- انتَ كويس يايوسف ؟
= انا كويس ماتقلقش ،انتوا كويسين ؟ ،حد جراله حاجة ؟
- كلنا كويسين الحمد لله ،ماحدش جراله حاجة ،سيب المستشفى بقا وتعالى
= مش هعرف ،فيه مبنى من المستشفى وِقع
- ياساتر يارب ،حد جراله حاجة ؟
= في اصابات كتير يانوح ،وفي ناس تقريبًا ماتت ،منهم خلود ..اللي كانت خطيبتي
- لا حول ولا قوة إلا بالله ،طب يونس معانا ماتقلقش ،لقيناه في المسجد اللي جمب القصر
= طب الحمد لله ،وهو كويس ؟
- يعني ..ربنا يستر ،خلّي تليفونك مفتوح يايوسف عشان اعرف اتطمن عليك
= حاضر ..سلام دلوقتي

'' أغلق الهاتف معه ،ثم هاتف نوح خالد ''

- ايوة ياخالد ،حصل عندكوا زازال ولا ايه ؟
= ايوة ..الدنيا مقلوبة هنا
- طب انتَ فين بالظبط ؟
= انا في الجامع دلوقتي ،طمني عليكوا انتوا كويسين ؟
- كلنا كويسين الحمد لله
= الحمد لله ..حمزة معايا في المسجد ،ماتقلقش علينا احنا كويسين
- الحمد لله ،خلي تليفونك مفتوح
= حاضر ..سلام

'' كان الجميع يستمِع إلى هذه المكالمات ،واطمأن الجميع ..ابتسم راجح وقال وهو ينظر لسليمان ''

- الطوفان عدّى والسفينة نجِت ..والديابة بقوا فقرا وغلابة ،الحمد لله
= سليمان ..

'' قال يونس ،فانتبه الجميع إليه ..نظر سليمان إليه ،قال يونس ''

= أنا مسامحك !

'' صُدم سليمان كثيرًا ،فأردف يونس ''

= مش زعلان منك يابويا ..مش زعلان

'' اغرورقت أعين سليمان بالدموع واحتضن يونس بشدة وهو يبكي ..هذه الكلمة الذي تمنى سليمان كثيرًا أن يسمعها منه .

مرّ الوقت سريعًا ..

حزن يوسف حينَ تأكد من موت خلود ،يبدو أنها استنزفت فرصًا كثيرة ..
خرج نوح ويحيى ومؤمن من المسجد ليروا ماذا حدث في المباني والشوارع ،إلى أن لاحظ مؤمن شيئًا ،فقال ''

- هو مش القصر كان بيان من بعيد كدة ؟ ،مش باين ليه ؟

'' نظر نوح ويحيى إلى ماينظر إليه مؤمن ،ثم اعتلت ملامحهم الصدمة ،أيعقل هذا ؟ ،هرول الثلاثة إلى القصر ..لكن وجدوه ترابًا ..وقعت أدوار القصر إثر الزلزال ،إذًا القصر هو من أحدث الضجة التي استمعوا إليها ''

- مؤمن : لا حول ولا قوة إلا بالله
= نوح : الناس اللي هنا فين ؟ ماتوا ولا هربوا ولا ايه ؟
- يحيى : ربنا العالِم ..هنعمل ايه دلوقتي ؟ الاوضاع ماتسُرّش
= نوح : مافيش مكان غير بيتي بقا ،بس الاول هاروح اشوفه حصلّه ايه
- يحيى : طب هنيجي معاك

'' ذهبوا جميعًا إلى بيت نوح ،لم يحدث له شئ ،كانت الشوارع مزدحمة ..مبانٍ كثيرة وقعت ،رجعوا إلى المسجد مرةً أخرى وأخبروا الجميع بما حدث للقصر ،وأنهم سيمكثوا بيت نوح إلى أن يجدوا حلولًا أخرى ..مرّ وقت طويل حتى استطاع نوح أن يجلب كل عائلته بسيارته التي نجَت لبيته ،وذلك بسبب سوء المواصلات وازدحام الشوارع ..كان البيت مزدحم ،كل غرفة بها خمس أشخاص تقريبًا ..كان يحيى ومؤمن وسليمان ويونس ونوح بغرفة واحدة ،كانوا يفرشون الأرض حين ندَه يونس مؤمن ،ذهب مؤمن إليه وجلس بجواره قائلًا ''

- إيه ياحبيبي ،انتَ كويس ؟ ،محتاج حاجة ؟
= عزيزة ..اتطمن على عزيزة يامؤمن ،شوف حصّلها ايه

'' ربت مؤمن على يده وقال له ''

- حاضر

'' فقال نوح ''

- لازم يوسف يجي يشوفَك عشان يطمّنا عليك
= لا ..انا بقيت كويس الحمد لله

'' كان يونس بوادٍ غير وديانهم ،حدث شئ كبير بداخله بسبب هذه الحادثة ،كان يظن انه ميت لا محال ،يُصارع الموت ،يحاول أن يلتقِط أنفاسه ،يُحاول حتى أن ينطق الشهادة ولم يستطِع ..اغرورقت أعين يونس بالدموع حينَ تذكر هذه اللحظة ،كيف نسيَ يونس نفسه لهذه الدرجة ،كيف أعمى الانتقام قلبه وعينيه ،كيف ترك نفسه يصِل لهذه الدرجة ،كيف يترك نفسه يصِل لحافة الموت دون عمل صالح يشفع له ''

- يونس : هو شاهين مات ؟
= يحيى : ااه غار في داهية ..ربنا يعامله بعدله بقا

'' بعد قليل رنّ هاتف يحيى ،أخرجه من جيبه ورد على المتصل ،لحظات واعتلّت الصدمة وجهه وقال ''

= لا حول ولا قوة إلا بالله ،تمام ..شكرًا

'' ثم أغلق الهاتف ،سأله مؤمن ''

- خير ايه اللي حصل ؟
= شركاتنا وقعت بسبب الزلزال ،كل شركات الديب ،في ناس كانت موجودة في الشركات وماتت ،وبيقولوا الاخبار نزلت في التليفزيون كمان

'' تنهد سليمان براحة ،فكّر نوح قليلًا بعد سماعه هذا الخبر ،القصر ،ثم الشركات ..هذا هو الطوفان إذًا ،طوفان أهلك كل ماتملكه عائلة الديب ،كل مُلك سليمان ازاله الزلزال ..قطع تفكير نوح رنين هاتفه ،كان المتصل حمزة ،فأجاب نوح ،ثم صُدم هو الآخر وقال ''

- وِقع ؟ ..طب خالد هيعمل ايه ؟ ..طب تمام ،ابقوا طمنونا عليكوا ياحمزة ،سلام
= يحيى : ايه اللي حصل ؟
- بيت خالد وِقع ،وهيروح يقعد مع حمزة

'' هنا نطق سليمان قائلًا ''

- كل الحرام راح ..كل اللي جه واتبنى من الحرام راح ،الحمد لله ان احنا كويسين ،الحمد لله ان ماحدش فينا راح ،كله اللي راح ظالم ..وكل اللي نجى قلبه سليم ،الحمد لله

'' حمد الجميع الله على ماتبقى لهم ،حمدوا الله على أنهم نجوا ..
بعد قليل غادر مؤمن البيت وذهب لعنوان عزيزة ،واطمئن انها وعائلتها بخير ،وعاد وأخبر يونس حتى يرتاح قلبه ..
بعد ساعات جاء يوسف ليطمئن على يونس وعلِم كل الاخبار ،ثم رجع إلى المستشفى مرةً أخرى ..
كان الجميع يشعر بالتعب ،فنام الجميع ..استيقظ نوح على صوت أذان الفجر ،كان الجميع لازال نائمًا ..تفاجئ نوح من عدم وجود يونس بالغرفة ،ظل يبحث عنه بعينيه ،ثم قرر الخروج ..فتّش بالحمام ،ثم خرج لحديقة بيته ،فوجد يونس يونس يُصلي وهو يبكي ..وقف نوح يُتابعه قليلًا ،ثم ابتسم لانه تيقّن أن يونس قد عاد أخيرًا لصوابه ،دلف نوح للداخل وأيقظ الجميع ليُصلّوا ..توضأ الجميع وقرروا الصلاة بالحديقة ،ووقف نوح بأول الصف والجميع ورائه وصلّى به ..
ها هى السفينة التي يقودها نوح ،وأخيرًا نجَت .

مرّت الايام ،لازال الجميع ببيت نوح ،وتعافى يونس كثيرًا ..كان جالسًا وحده بالحديقة ،حين جاء مؤمن ويحيى ونوح وجلسوا لجواره فجأة ،تعجب يونس من وجودهم ،ظلّ ينظر إليهم ،ثم قال ''

- في ايه ؟
= يحيى : لا ولا حاجة ،انتَ خايف ليه كدة ؟
- وهخاف من ايه ؟
= مؤمن : بُص بقا يايونس ،انتَ كبرت ،وكبرت اوي كمان ..احنا شايفين انك لازم تتجوز ؟
- بسخرية : اتجوز ؟ ،وفي الظروف دي ؟ ،دول بيقولوا في توابع هتحصل للزلزال
= نوح : مادي فرصة حلوة للجواز ،اهو تلحق يومين حلوين
= يحيى : وعزيزة مش هتستناك كتير

'' تنهد يونس بألم ''

= نوح : أنا واخواتك بقالنا يومين بنخطط والبنات بيلبسوا جوا ..قوم البس بقا انتَ كمان
- باستغراب : ليه ؟
= مؤمن : عشان احنا رايحين نطلب ايد عزيزة ،يلا

'' ولم يُعطوه فرصة للحديث ،وأدخلوه الغرفة واختاروا له ملابس يرتديها من ملابس نوح ،ثم ذهب يونس بجميع إخوتِه لبيت عزيزة ..
كانت عزيزة بالبيت حينَ سمعت صوت دق على الباب ،فقررت أن تذهب هى لتفتحه ..لكنها صُدمت حينَ رأته يونس ! ،ومن خلفه جميع اخوتِه ،تسمرت مكانها ،تنظر إليهم بصدمة شديدة ،بدأ يونس بالحديث قائلًا ''

- بيقولوا في توابع للزلزال ،ويمكن تحصل كوارث ..فاقولت ألحق اعيش معاكِ كام يوم قبل مانموت

'' نظرت إليه عزيزة بتعجب وقالت ''

= والله ؟!

'' أخرج مؤمن من وراء ظهره باقة ورد كبيرة وناولها ليونس ،أمسكها يونس قائلًا ''

- الحقيقة بسبب ظروف الزلزال ماكنش فيه محلات ورد فاتحة ،فاقطفنا ورد من جنينة نوح والبنات هما اللي لفّوه وزوّقوه كدة ..اتفضلي

'' نظرت عزيزة إليه وإلى الورد بصرامة ،ثم قالت ''

= والمفروض بقا انّي اضحك وافرح وآخد الورد وانسى كل حاجة في لحظة ،وآخدك بالحضن بالمرة ..مش كدة ؟ ،مش دا اللي انتَ مستنيه ؟

'' اختفت الابتسامة من على وجوه الجميع ،تنهد يونس وقال لها ''

- لا مش دا اللي انا مستنيه ،انا جاي اشوف ايه يرضيكِ واعمله ياعزيزة ،بعترف انّي غلطي مش سهل تغفريه ،وانّي سبّبتِلك جَرح كبير ،بس والله كل حاجة وحشة انتِ حسيتي بيها ،انا حسيت بيها أضعاف ،أنا آسف حقك عليا ،والله عمري ماكان قصدي اوجعِك

'' نظرت إليه قليلًا ،وقبل أن ترد جاءت والدتها من خلفها وقالت ''

- مين عالباب ياعزيزة ؟

'' رأت والدتها يونس وإخوتِه ،فقالت ''

- انتَ ؟ ،انتَ ايه اللي جابَك هنا بعد اللي عملته ؟

'' بهذه اللحظة تدخّل اخوة يونس جميعًا ،وحاولوا تهدئة والدتها وطلبوا منها أن يتحدثوا معها ،وبعد محاولات سمحت لهم أن يدلفوا للداخل ،دلف الجميع ..لكنهم تركوا يونس يجلس بمفرده ودلفوا جميعًا غرفة أخرى ليحاولوا اقناع عزيزة ووالدتها بزواج يونس من ابنتها ''

- مؤمن : يونس غِلط وجالِك لحد عندك واعترف بدا ،هو عارف انّه أذاكِ
= جاي بعد ايه ؟
- يحيى : يمكن الوقت اتأخر ،بس صدقيني يونس بيحبك ،والله بيحبك ،ولو اتأخر فاعشان ماكنش قادر يواجهِك
- نوح : يونس طيب والله ،شوفي انا ماعِشتش معاه كتير بس اكتشفت انه طيب ،كل اللي وِصله يونس بسبب ابوه ،وبسبب الانتقام اللي كان عامي عنيه
- يوسف : انا يمكن اكون اكتر واحد اتأذى من يونس ،بس عارف انه ماكنش في وعيه لما أذاني ،والدليل ان هو بنفسه اللي طلعني من المحنة اللي كنت فيها ،يونس اتغيّر دلوقتي ياعزيزة كتير
- آسيا : ااه والله كتير ،الحادثة الأخيرة غيّرت فيه حاجات كتير ،رجّعته لوعيه ولعقله ،يونس تاب وبقا شخص تاني غير اللي انتِ كنتِ تعرفيه
- مريم : صدقينا هو يستاهل فرصة ،إذا كان ربنا ودّاه فرصة مستخسراها ليه فيه وانتِ أصلًا لسة بتحبيه
- يوسف : وعلى فكرة بقا ،يونس سِمع كلامك لما روحتيله المستشفى ،يبقى بتحبيه لسة ،ماتكابريش بقا وتخسريه

'' صُدمت عزيزة مما قاله يونس ،نظرت إليها والدتها وقالت ''

- انتِ روحتيله ياعزيزة المستشفى ؟
- يوسف : هو انا عكيت ولا ايه ؟

'' كان يونس بالخارج متوترًا ،يدعو الله أن يفلح اخوته في اقناعها واقناع والدتها ،ظلوا قرابة الساعة بالداخل ..إلى أن أخيرًا فُتح الباب ،فوقف يونس ! ..خرجت عزيزة أولًا وبيدها باقة الورد ،والجميع من حولها يبتسِمون ،فاطمئن قلب يونس ،ذهبت عزيزة ووقفت بجوار يونس وقالت له ''

- حلو الورد
= بابتسامة : انتِ أحلى من الورد
- بسخرية : لا والله

'' ضحك الجميع ،قالت والدة عزيزة ''

- اسمع يابني ،احنا هنديك فرصة كمان وهنسامِح ،بس لو ضيعت الفرصة دي كمان ماتلومش غير نفسك
= ماتقلقيش والله ،عمري ماهضيع الفرصة دي ،وعمري ماهوجع عزيزة تاني
- هنشوف ،كتب الكتاب امتى ؟
= في الوقت اللي تحبوه حتى لو دلوقتي ،انا بس ..كنت عايز اقولك على ظروفي
- ظروف ايه ؟
= انا دلوقتي بقيت مفلّس ،على الحديدة ..هبدأ كل حاجة من جديد ،كل اللي املكه بيت في الاقصر ،فاكنت عايز اسافر وابدأ حياتي مع عزيزة من جديد هناك

'' نظرت والدة عزيزة إليها بحزن لانها ستُفارقها ،فقالت ''

- لو دا فيه راحة عزيزة فانا ماقدرش اقول لأ

'' ابتسمت عزيزة بخجل ،وعمت الزغاريد المكان ،واتفق الجميع أنّ عقد القرآن سيكون بعد يومين ببيتِ نوح حتى يحضره سليمان ،وبعدها سيُسافر يونس للاقصر ليُجهز البيت ثم يأتي ليأخذها ..
وأصبحت هذه العائلة سعيدة من جديد ،أصبحوا سعداء حينَ زال ملكهم ..
تم عقد قرآن يونس وعزيزة ببيت نوح ،وحضر سليمان ..أول مرة يحضر عقد قرآن أحد أولاده ،احتفل الجميع مع سليمان ،ثم تركوه ليرتاح قليلًا بالغرفة ..حين خرج الجميع بدت ملامح الألم على وجهه ،كان يشعر بألم شديد بصدره لكن تحمّل حتى لا يُلاحظ أحد ..شعر أنّها النهاية ،يبدو أن الموت أتى ،كان شريط عمره بهذه يمر أمام عينيه ،يتذكر كل شئ منذ كان صغيرًا ..منذ ان كان راجح بالبيت ،يحب أن يجلس معه ..إلى ضرب أبيه إليه ،إلى هروب راجح من البيت ،تمر السنوات ويدخل سليمان وفاروق بالتجارة ،قتلِه لوالِد فاطمة وأحمد الذي قتل أبيه ،ثم هروبه الاسكندرية ،ثم رؤيته لهدى ..تذكر سليمان حديثه مع هدى محاولًا أن يجعلها تُسامحه بعد أن عرفت حقيقته ''

= أمال مستني مني ايه بعد اللي عرفته عنك ؟ نطبطبوا عليك ونقولولَك ولا يهمك ؟
- انا ماقولتِش كدة ،بس انا قولتلِك مش راجع تاني ،مش هشتغل الشغلانة دي تاني خلاص
= يعني نسكتوا بقا وننسوا ؟
- لا ماتسكتيش يا هدى ،اجلديني
= انتَ تستاهل أكتر من الجلد كمان ،معيشني معاك وبتصرف عليا من الحرام بقالك سنة ،ويوم مانعرفوا دا يبقى بالصدفة ،وتيجي بعدها تقول اَني هتوب ،وماتوبتِش من قبلها ليه ياسليمان ؟ ،مستني لما نعرفوا عشان تتوب ؟
- والله كان دايمًا في نيتي التوبة ،والله ماكدبت عليكِ ..بس انتِ مش عارفة اللي فيها ،وفاروق مش سايبني في حالي بيزن عليا
= ولا هيسيبَك في حالك أبدًا ،طول ماخوك معاك مش هيسيبك ،واني مش هعيش في الحرام
- والله ما هيعيشك في الحرام ،والله ماراجِع تاني يا هدى
= واني مش مصدقاك ،ومش قادرة ندوك الأمان ..لو كنت انتَ اللي جيت واعترفت لوحدك كان يمكن نصدقوك ،لكن لأ ..اني مش عايزة اعيش معاك
- يعني ايه ؟
= يعني فارِق يا سليمان

'' أغمض سليمان عينيه بشدة ،هى الوحيدة التي استطاعت تعذيبه طيلة هذه السنوات ،تذكر سليمان أيضًا حين رأى حُسنة على الشط ،تذكر شعوره حين ظن أنّ تلك التي رآها أمام حُسنة هى هدى ! ..
ثم شرد سليمان بفاطمة ! ،تذكر حديثها ليلة زفافهما ''

- أني عارف ان كل حاجة جت بسرعة ،وعارف انك يمكن ماتكونيش طايقاني ،واني يابنت الناس عمري ماهظلِمك ولا هدوسلِك على طرف أبدًا ،وهعاملِك بالحسنى ..بس انتِ عارفة اننا مضطرين نعيش مع بعض ،عشان الدِنيا تمشي ،هسيبِك اني دلوقك ..عن إذنِك

'' نهض من جوارها وكان خارجًا من الغرفة ،لكن أوقفته حين قالت ''

= بس اني ماكنتِش مضطرة ..دِه بمزاجي

'' استدار إليها ونظر إليها باستغراب وقال ''

- كيف يعني ؟

'' نهضت من مكانها ،وذهبت ووقفت أمامه ..كانت عينيها تشعانِ بالحب ،وقالت ''

= كان مُنى عيني ..مُنى عيني ابقى مرتك واعيش الباقي من عمري جارك

'' صُدم سليمان مما قالته كثيرًا ''

= كنت بدعيها ليل نهار والله ،حتى لما الظروف قالت مستحيل ..واتقتل ابويا وابوك ،كان لساتني عِندي أمل تبقى جوزي يا سليمان
- إنتِ ..إنتِ بتقولي إيه ؟
= عارفة انك مش مصدق اللي بتسمعه ،بس دِه اللي في قلبي ليك
- بس قلبي اني لاه ،قلبي اني فيه واحدة غيرِك

'' ابتسم سليمان ،فاطمة أكثر امرأة أحبّته ،أكثر امرأة تمنى أن يُحبها مثلما تُحبه ،اختفت ابتسامته تدريجيًا حينَ تذكر موتها ،وكيف ماتت بهذه الطريقة البشعة ''

- فاطمة ..فاطمة ردي عليا ياحبيبتي

'' نظرت إليه وحاولت التحدث لكن لم تستطِع ،جلس بجانبها ''

- ماتقلقيش يافاطمة الاسعاف هيجي على طول وهتبقي زي الفل

'' نطقت فاطمة بصعوبة وقالت ''

= مؤمن ..مؤمن ،خطفوه ..هيقتلوه

'' نظر إليها سليمان بحزنٍ شديد وقال ''

- ماتقلقيش هعمل أي حاجة عشان ارجعه ،خليكِ في نفسك دلوك
= يونس ..يونس
- ماتقلقيش هو برا ،هو كويس
= ابعده ..ابعده ياسليمان
- أبعده فين يافاطمة ؟
= ابعده عنّيك ...طريقك كله نار ياسليمان ،ابعده قبل ماتشوفه ..قبل ماتشوف النار ماسكة فيه زيّي اكدة

'' زاد بكاء سليمان وهو يسمعها تقول هذا الكلام ،أردفت فاطمة وقالت ''

= جنّتك نار ياسليمان ،ماهيستحمِلش نارَك غير اللي يحبك ..وولدَك حبيبك ،لكن انتَ مش حبيبه ..لو شاف حياتك مش هيغفرلك حتى انك جِيته للدِنيا
- ببكاء : إنتِ يافاطمة اغفريلي ..اغفريلي اني كنت السبب في اللي حصلِك دِه

'' حاولت فاطمة الابتسام بصعوبة ،ثم قالت ..''

= ماقولتلّك ..ماهيستحمِلش نارَك غير اللي يحبك ،وماحدش حبّك قدي
- واني يافاطمة حبيتك ،وربي حبيتك
= عارفة ..بس حبّيت هدى اكتر ،واني مش عاتبة عليك ياحبيبي ..ماتنسانيش ياسليمان ،إدعيلي كل ماجي على بالَك ،إدعيلي في كل مرة تشوف فيها يونس ومؤمن ..بس ابعدهم عنّيك ياسليمان ،خليهم يتربوا بعيد عنّيك ..ولو في يوم حياتك اتغيرت جِبهم ،وقولهم انّي كنت بحبهم قوي ،قول لمؤمن كان على عيني يخطفوه مني ،لكن استقوا عليا ،خليهم يدعولي ياسليمان ..خليهم يدعولي

'' اغرورقت أعين سليمان بالدموع حينَ تذكر حديثها ،وترحمّ عليها ..
ثم شرد سليمان بنوارة حينَ رآها أول مرة ''

'' كان الطريق من بيت حسن مظلم ،لا يوجد أي مصدر للضوء ،لكن تفاجأ سليمان بأحدٍ يمسك مصباح مضيئ من بعيد ،تعجب سليمان ! ،لم يدري من يكون هذا الشخص ،اقترب منه بحرص ،وحين اقترب تبيّن له انها فتاة ! ،وكلما اقترب تبيّن له حسنها الطاغي ،وقف أمامها يتعجب ثم باغتها بسؤال ''

- انتِ مين ؟

'' نظرت ورائها بخوف ،ثم قالت له ''

= تعرف تهربني من هنا ؟
- أهرّبِك ؟ ،انتِ مين طيب عشان اهربِك ؟
= هتعرف يعني ولا لأ ؟
- انتِ شكلك واحدة مجنونة وانا مش فايقلِك

'' وذهب من أمامها لكن أوقفته حين قالت ''

= نوارة

'' استدار إليها ،فأردفت ''

= أرجوك ساعدني اخرج من هنا

'' ضحك سليمان ،كان نوارة جريئة ،أجرأ منه هو ..تذكر كل شئ فعله من أجل نوارة ،وكل شئ أصابه بسببها ،تذكر حديثها له قبل ولادتها ليحيى ،وكيف تنبأت به ''

- يحيى !

'' نظر إليها باستغراب ،وسألها ''

= يحيى مين ؟
- اللي ربنا بشّرني بيه بعد كل سنين التمنّي دي

'' ابتسم وقال لها ''

= مين قالّك انه ولد ،مايمكن بنت
- أنا حاسة انه ولد ،حاسة انه يحيى
= اشمعنى يحيى ؟
- عشان جالي بعد سنين كتيرة من الدُعا ،جالي وانا مش بخلّف وبعد ماكِبرت في السِن ،زي سيدنا زكريا كدة

'' أومأ سليمان برأسه دون أن ينطق ،أردفت نوارة ''

- حاسة بيه وشايفاه ،شايفاه زي مايكون واقف قدامي ..هيبقى فيه منك ياسليمان ،هيبقى طيب زيك وبيعرف يحب زيك ..بس هيطلع عصبي زيّي وزي أهلي

'' ضحك سليمان وقال ''

= شايفة كل دا ؟
- واكتر ..خلّي بالَك منه ياسليمان ،قولّه ان انا كان نفسي اشوفه أوي ،وانه أحلى حاجة حصلت في عمري كله

'' تمنى سليمان لو كانت نوارة على قيد الحياة ،تمنى لو رأت يحيى ولو مرة بحياتها ،تمنته طيلة حياتها ولم تراه ،جلبت له ولد لم يُرده مطلقًا ،لم يُرد ولدًا آخر يعيش مايعيشه يونس ومؤمن ..لو كان سليمان حياته مختلفة لأنجب كما أراد ،هو يحب الاطفال ،تذكر سليمان ولادة نوح ،وكيف أحبّه منذ النظرة الأولى وهو يحمله بين ذراعيه ،حينها سأله فاروق ''

- هتسمّيه ايه ياسليمان ؟

'' جائه صوت راجح يغنّي ''

- نجا نوح ياصاحب الروح
نجا ..وقلبه على ولده مجروح

'' ابتسم سُليمان ،فهزه فاروق أخرجه من تفكيره ''

= ايه يا سليمان روحت فين ؟
- ماروحتش انا معاك اهو
= بقولك هتسميه ايه ؟

'' نظر إلى الرضيع بفرحة وقال ''

- نوح ..هسمّيه نوح

'' كان يأمل أن تتغير حياته بولادة نوح ،جاء ليقود سفينته ويُنجيه من الغرق ،لكن هو مَن غرق ..وأتت الرياح بما لا تشتهي السُفن ..ثم شرد سليمان بيوم ولادة يونس ،كان خائفًا حينما ،يُفكر بهذه اللحظة بنوح الذي مات مع والدته غرقًا ،يشعر بالارتباك ،وكان فاروق يشعر بما يشعر به جيدًا ،حتى وُلد يونس وحمله بين ذراعيه ،وهمس له بأذنه ''

- حمدالله على السلامة
= أحمد : يتربى في عزك يا سليمان
= فاروق : هتسميه إيه ؟ ..نوح ؟

'' قبل أن يُجيب سليمان ،سمعوا جميعًا صوت الربابة ..وغناء راجح عليها ''

- كل اللي مكتوبلك هتشوفه ..معلوم ياسيد ناسَك
الدِنيا صغيرة مهما تُصرخ مالكش فيها صوت
انتَ اللي اخترت دربك ،واخترت تشرب المُر من كاسك
واخترت تمشى في الدرب اللي آخره الموت
إخلِف ! ،وماتمشيش في درب أهلَك
مش كل مِن خالِف أُهلَك
إوعاك يا ولدي تعود
إنتَ مش يونس !
فاتخاف ليه من الحوت ؟

'' ابتلع سليمان غصة في حلقه عند سماعه كلمات راجح ،ونظره لصغيره واحتضنه وقال ''

- هسمّيه يونس !

'' شعر سليمان حينها من كلمات راجح أنّ يونس هتكون حياته مليئة بالصعاب ،رسالة بكلماته جهل سليمان تفسيرها ،لكن هو الآن علِم التفسير ..ثم شرد بيوم ولادة مؤمن ،حينَ انتظر راجح أن يأتي ويُبلغه باسم مولوده ،لكن لم يأتي ..ففتح الشرفة ووجد راجح جالسًا بالارض ينظر إليه كأنه ينتظره ،فخرج سليمان من البيت وبيده المولود ولم يجب على أسئلة من يسألوه أين يذهب بالمولود ..ومعه يونس الذي يمسك بعبائته ،ذهب سليمان وجلس بجانب راجح على الأرض ،نظر راجح إليه وإلى المولود ،فقرّبه سليمان إليه ليراه وقال لراجح ''

- دِه ولدي
= ...
- أسميه ايه يا راجح ؟
= ...
- طب قول أي حاجة

'' نقل راجح بصره بين سليمان وبين ولده ،ثم وضع راجح يده على جبين المولود ،ولأول مرة يسمعه سليمان يتحدث بطبيعية دون غناء ،وقال راجح وهو ينظر للصغير ''

- ءامِن ياوَلدي ..ءامِن ،ماتفجُرش ،ماتُكفرش

'' نظر إليه سليمان بتعجب واستغراب ،قال يونس الصغير ''

= هو اسمه إيه يا بوي عشان اناديه لما احب العب معاه

'' نظر إليه سليمان ثوانٍ يفكر ،ثم نقل بصره إلى صغيره الذي يحمله وقال ''

- إسمه ؟ ..إسمه مؤمن يا يونس !

'' لا يكفر ولا يفجر ،إذًا مؤمن أيضًا مستقبله مليئ بالصعاب ،هكذا مثل يحيى ،الذي اختار هو بنفسه كيف سيكون مستقبله ..تذكر حين أخذه ليتركه أمام مسجد ..نظر سليمان ليحيى بين يديه وأدمعت عيناه وقبّله من جبينه وقال له ''

- إنتَ أكتر واحد هتتظلم فيهم ،أكتر واحد هتكون بعيد عني ..بس ماتقلقش عيني هتفضل عليك وهخلّي بالي منك حتى وانتَ بعيد ،مش هخلّي حاجة وحشة تحصلّك ،هحاول انفّذ وصية امك ..بس لو ماقدرتِش ابقى سامحني ،أمك بتقول ان قلبك طيب ،سامح ابوك يا يحيى ،والله ياحبيبي غضب عني ..أبوك وِحش وحياته وحشة وانا بختارلَك حياة أحسن من حياتي مية مرة ،ربنا يجعل حياتك احسن من حياة ابوك يايحيى

'' ذكريات كثيرة ،حياته مليئة بالذكريات الأليمة أكثر من ذكرياته السعيدة ،كان يشعر دائمًا انّ معظم ما مرّ بحياته انساق إليه غصبًا ،لكن الآن ..يستطيع سليمان أن يقول انّه انساق إليه اختيارًا ،يمكن لاختيارٍ واحد خاطئ بالحياة أن يُدمر حياة بأكملها ،يجعل المرء تعيسًا طوال حياته ،لكن الله رحيم ..يُعطي العبد فرصًا ،يمهله وقتًا ليراجع اختياراته ،ليختار من جديد ..
شاخ سليمان ،وابيضّ شعره ولازال يملك الاختيار ،أمهله الله وقتًا كافيًا ،ليقرر كيف يريد أن تكون نهايته ،واختار سليمان ..
اختار أن ينجو بسفينته من أمواج الحياة وأعاصيرها ،وليس النجاة هى الوصول للبر ،يمكن أن تكون النجاة هى الغرق ..ليس النجاة هى العيش ،بل يُمكن أن تكون النجاة في الموت ! ..تنهد سليمان ،كان آخر شئ يراه أمام عينيه هو مشهد نوح وهو يأم اخوته في الصلاة ..فابتسم وظلّ يحمد الله على كل شئ ،على الحياة والوقت ،على السعادة والألم ،على الحب والوجع ،على حرية الاختيار ..وعلى النجاة .

قضى الجميع الليلة بفرح وسرور ،تذكرّت هدى دواء سليمان ،فدلفت إليه الغرفة لتُعطيه الدواء ،وجدته نائمًا على الفراش ووجهه مبتسم ،يشع منه السرور ..اقتربت منه ،حاولت إيفاقه لكن فشلت ،وتيقنت أنه قد فارق الحياة ،صرخت هدى ..وانتبه الجميع لصرخاتها ،هرولوا جميعًا إليها وصُدموا مما رأوه ،وعمّ الحزن والصراخ أرجاء البيت من جديد .
حزِن أولاده جميعًا على فراقه ،لكن كانوا مطمئنين انه مات على طاعة وترك العصيان ..

حزِن أولاده جميعًا على فراقه ،لكن كانوا مطمئنين انه مات على طاعة وترك العصيان ..
سافر الجميع إلى الاقصر ليتم دفن سليمان ،الذي ظنه الجميع فاروق ،سافر راجح معهم ..كان يبكي بشدة عليه ،وقف الإخوة جميعًا حول قبر سليمان ينظرون إليه بحزن وأسى ،مسح مؤمن دموعه وجلس بجانب قبره وقال ''

- انا جربت موتَك مرتين ،بس المرادي موجوع عليك اكتر ياسليمان ..أنا مسامحك ،ربنا يرحمك ويغفرلَك

'' قال يحيى ''

- كان نفسي اعيش معاك وقت اطول واعرَفك اكتر ،انا مسامحك يابويا

'' قال يوسف ''

- انا طول عمري فخور بيك وفخور انك ابويا ،انا مش زعلان منك ومسامحك ،وياريت تكون انتَ كمان مسامحني

'' قال نوح ''

- طول عمري بتمنى اقرّب منك واحضنك والاقيك في حياتي زي كل الاولاد اللي عايشة مع ابوها ،انا حبيتَك من قبل مااقابلَك ومسامحك ومش زعلان

'' مسح يونس أدمعه وجلس بجوار القبر ،وقال ''

- انا بقا بطلب منك تسامحني ،انا عذبتَك كتير يابويا ،سامحني ياسليمان على اللي عملته فيك ،كان نفسي تعرف انّي بحبك ،بحبك أوي ياسليمان

'' كان هذا الفراق محزن لهم جميعًا ،فراق الأب ،والحبيب ..

وبعد كل مامرّت به عائلة الديب ،بعد ضياعهم كل هذه السنوات الطويلة ،ظهر منهم أناس أعدلوا الميزان ،وعلموا انّ لا نجاة بالمال ،ولا أي شئ يُساوي بهذه الحياة ،النجاة مع الله ،مع الطاعة ..

بعد أيام العزاء ،رجع يوسف ونوح إلى القاهرة ،لأعمالهم ..وظل يونس ببيته مع عزيزة ،كانت شقّته بالطابق العلوي ،أما بالطابق السفلي كان شقة ابراهيم ،وظلت بها مريم وآسيا مع يحيى وزوجته ،رجع مؤمن وزوجته إلى سوهاج ..وبقى خالد مع حمزة ببيت سعيد

وبعد مرور شهور ،ذهب يحيى إلى الاسكندرية وباع منزله هناك ،وكذلك مؤمن ،وقررا العيش مع اخوتِهم بالاقصر ،وتفاجئوا جميعًا بأن الداخلية نقلت نوح إلى الاقصر بطلبٍ منه ،لكن يوسف ظل بالقاهرة .وبدأ الجميع من جديد ،من الصفر بكل شئ .

مرّ عام ..

خُطبت آسيا لخالد ،ورجع خالد لعمله القديم ..كذلك يونس ،أما يحيى ومؤمن فعملا سويًا بالنجارة وافتتحا دكان .
تزوج حمزة بمريم ببيتِ سعيد ،وأصبحت عزيزة حُبلى بشهرها السابع .

'' كان يوسف موجود بالاقصر يزور إخوته ،كان جميع الشباب جالسين أمام بيت يونس ومعهم راجح ،إلى أن تفاجئ الجميع بيوسف يوجّه حديثه لخالد وقال له ''

- خالد ..انا طالب ايد رباب اختك

'' ذهل الجميع ''

= خالد : ايه الخضة دي ؟!
- مانا قولت اجيلك دوغري بقا ،قولت ايه ؟ ،وخُد بالَك انتَ خاطب اختي

'' ضحك الجميع ..
استمع أحد الرجال المارّين لصوت ضحكاتهم ،فقال لهم ''

- الديابة بيضحكوا ؟ ،خير يارب

'' ضحك الجميع مجددًا ،وتذكر يونس كلمات كتبها عبدالرحمن الأبنودي ،فقالها ..

= قالوا علينا ديابة واحنا ياناس غلابة

'' ثم نظر لراجح ،وأردف ''

= يامغنّواتي غّني حكايتنا عالربابة

'' ضحك راجح ،وأمسك بربابته وبدأ العزف ..

وابتدت الحكاية بعزف راجح ،وانتهت أيضًا بغزفه ،لكن البداية تختلف عن النهاية ،وما بينهما عظيم ''

الـنـهـايـة

'' لا أُحلّل الإقتباس من دون الإسم ..🌻 ''

#هالة_أحمد

رأيكم ♥👇

Continue Reading

You'll Also Like

6.1K 491 25
جحيم الاهل
23.5K 1.3K 25
نقاء الصدف ، زهراء علي - حــقــيـقــيـة - لا تَخْتَبِرْ صَبْرَ مَنْ طابَتْ سَجَايَاهُ ألا تَرَىٰ الـبَـحْـرَ لا تُـبْـدَىٰ نَـوَايَـاهُ لا تَقْصُدِ...
55.3K 1.4K 52
فهد & الهام تدور حول رجل مافيا ورجل اعمال بنفس الوقت شخص متحكم ولا يمتلك مشاعر متناقض وعديم رحمه ويرتبط بفتاة صغيرة وجميله حساسه ولطيفه معا الجميع و...
10.7K 93 3
قصص gayجنسية قصيرة قصص حقيقية من الواقع