🌸الفصل الخامس والخمسون🌸

Start from the beginning
                                    

أغلقت صفحات القصيدة التي كانت تقرأها و تعشقها و وضعتها فوق زجاج المكتب وهي تغمض عيناها وتفكر فيه.. نفضت رأسها كأنها تنفض الغبار من فوق وسادة قديمة مهملة، وعادت لتفتح عيناها على مرآى صورته التي تضعها خلفية حاسوبها المحمول، صورته وهو يبتسم، ابتسامة كان يخصها بها وحدها ليس الا..
"كفاية بقى، كفاية لحد امتى هتفضلي تفكري فيه"
تمتمت وهي تلهث غاضبة منه ومن نفسها قبل منه وبعنف...
أغلقت شاشة الحاسوب، و رمت برأسها فوق القصيدة التي بللت دموعها أوراقها، بكت بحرقة تنعى عشقها و قلبها الذي مازال يتعلق به، إلى متى سوف تظل اسيرة هذا العشق، إلى متى سوف تظل حبيسة هذا القلب...
متى ستتحرر منه ومن عشقه الذي يسكنها كروح
شريرة باتت تعذبها "
أخرج من حياتي ومن قلبي كفاية عذاب، أنا تعبت، والله تعبت"
أصبحت تبغض روحها، التي تحمل بين زوايا كيانها قسوة مختبئة في مكان مظلم، سحيق، قسوة هادرة تجرح بها ولا تبالي لقد طالت قسوتها قلبًا كان فسيحًا
لها، قلبًا فتح لها ابوابًا واسعة على عالم جديد لفظته بمنتهى القسوة و الجنون...
فقد كان كل شيء يسير على ما يرام حتى ذلك اليوم المشؤوم الذي تكلم فيه دون قصد ضغاطًا فوق قلبها كالذي وضع ملح فوق جرحًا مازال نازفًا...
حينما تقابلا في المصعد كعادتهما مؤخراً، حينها دلفت للمصعد و السعادة تغمرها و الإبتسامة تزين محياها الجميل:
"مساء الخير، إزيك"
نظر إلى وجهها المشع بالحيوية و الجمال و سألها بكل إهتمام وهو يضغط على زر الصعود:
"يظهر أن قريبك الحمد لله بقى كويس"
هزت رأسها بحماس شديد قائلة:
"الحمدلله بقى كويس هيخرج بكره من المستشفى"
"الحمدلله، الف حمدلله على سلامته، كنتم قلقانين عليه جدا"
غامت عينيها الواسعتين بغشاء رقيق من الدموع وهي تهمس:
"جدا كل العيلة كانوا في حالة قلق وحزن، اااه الحمد لله"
توقف المصعد وفتح الباب لتخرج أولا ثم خرج بعدها توقف قليلا يحدق فيها و نادها "وداد..."
"هممم"
همهمت وهي تلتف إليه والضحكة لا تفارق شفتيها.
حدق في ملامحها المرتاحة بسعادة لا توصف سألها وهو يجلي صوته:
"ياترى في سبب تاني مخليكي فرحانة بالشكل ده؟ غير أن قريبك الحمدلله بقى بخير"
اتسعت عيناها ذهولاً و اعجابًا وهي تقول:
"كأنك تقرأ أفكاري، هو للدرجة باين عليا"
"جدًا زي ما بيقولوا الفرحة هتنط من عيونك"
قال وهو يسند ظهره الى الحائط واضعًا كفيه داخل جيوب سرواله ينتظر سماع الأمر الهام الذي يفرحها إلى هذه الدرجة من الجنون و يجعلها تقفز كطفلة شقية و مدللة تحمل بالونات العيد:
وقفت مقابله و ناظرته بقوة و ابتسامة أخرى هادئة تحل محل تلك الصاخبة لتقول وهي ترفع كتفيها:
"كأنك بقيت حافظني، تعرف أن مش من عادتي افتح قلبي بسهولة لأي حد، بس معاك بلاقي نفسي بتكلم من غير قيود ومن غير حساب، أنت إنسان غريب"
"عارف..."
قال غامزًا وهو يهز رأسه.
رفعت وداد حاجبيها بترفع ثم قالت وهي تضم كفيها أسفل ذقتها:
"أنا فرحانه جدا يا صفوت حاسه اني هطير من الفرحة
تعرف أنا شوفت محمود انهارده، سلم عليا و سألني
عن أخباري و عن شغلي، اهتم بيا، اهتم يعرف عن حياتي، كنت عارفه، كنت عارفه أنه هيفضل يحبني و...."
قاطعها ببرود:
"يحبك!! هو معنى أنه سألك عن أخبارك وعن شغلك يبقى لسه بيحبك"
رمقته بغيظ بقوة وقالت: "أنا عارفه محمود كويس، واثقة إنه لسه بيحبني، واثقة انه مش مرتاح معاها بيفكر فيا محدش يعرفه قدي.. صدقني"
أخرج يده من جيب سرواله و حك بها مؤخرة رأسه وهو يقول بعدم اكتراث لمشاعرها المتحايلة التي ينسجها خيالها العاشق المريض:
"اللي أعرفه أنه راجل متجوز و المفروض أنه اختار اللي اتجوزها بمحض إرادته، يعني لو كان بيحبك زي ما بتقولي كان أكيد اختارك انتِ"
"أنت بتقول إيه؟"
سألته بحنق غاضب.
ليرد عليها بهدوء مستفز جعلها تزداد غضبًا:
"بقول الكلام اللي المفروض سمعته منك قبل كده أنا ماجبتش حاجه من عندي"
حدق في وجهها الناعم و عيناها الثائرتين و ابتسم:
"وداد انسي محمود و عيشي حياتك بطولها وعرضها اتكيفي مع حقيقة أنه مبقاش ليكي، بلاش تبني احلام وردية على حقيقة مش موجودة أصلا، هو أكيد سعيد في حياته مع الانسانه اللي اختارها"
"وانت تعرف منين إنه سعيد؟" صاحت عليه بهجوم ضاري ثم فكرت بحنق متصاعد وهي تكتف ذراعيها أمام صدرها سائله اياه بسخرية لاذعة:
"صفوت انت بتغير عليا؟"
حبس انفاسه جيدا وهو يحتفظ بتلك الربكة الغريبة التي رجفت قلبه قائلا وهو يضحك بتهكم:
"وهو انا عشان بنصحك يبقى بغير عليكي، ثم نفرض اني بغير عليكي كصديق عايز مصلحتك، في عندك مشكلة؟"
ناظرته وداد بصدمة ثم بانفعال هدرت وهي تقترب منه:
"انت مش عايز مصلحتي، أنت غيران عليا لان هنا في حاجه" و أشارت بسبابتها نحو صدره الصلب.. رنت ضحكات صفوت بقوة قائلا بلهجة ممطوطة:
"ههه يا ســــــــــلام، ايه الثقة ديه يا استاذه هو كل واحد يهتم بيكي ولا يسأل عنك ولا يبتسم في وشك لازم يكون بيحبك انتِ فاهمة الحياة غلط"
قالت بنعومة وهي تبتسم له بكل ما أوتيت من رقة:
"يمكن فاهمة الحياة غلط بس فهماك أنت صح، بس اللي واثقة فيه أن أنت اللي فهمت علاقتي بيك كلها على بعضها غلط"
رمقته بنظراتها الغاضبة تتحداه ، أخرجت أسوأ ما فيها من شعور بالبغض و العنفوان، بقسوة لا مثيل لها هدرت:
"منكرش قربي منك و انشدادي لك، بس مش معنى كده ان ممكن تربطني بيك اي علاقة إحنا مختلفين في حاجات كتير ياصفوت"
ظل يناظرها بهدوء لا يصف العواصف الهائجه بداخله يستشعر إيذاء كلماتها التي تخرج من ثغر جميل تملأه الأشواك وشفاه كالورد لا تعرف إلا القسوة، ظل صامتًا يستمع إلى هدير أنفاسها الصاخب، ظل الصمت سيد الموقف حتى أفاقت من فورة مشاعرها الغاضبة على رنين نبرة صوته الأجش وهو يغمغم:
"أنا مش هنكر ان في حاجه هنا، حاجه كانت فعلا بدأت تحرك مشاعري ناحيتك، بس أنا قادر أسحق الحاجه ديه جوه قلبي بيدي ديه.. أدهس تحت جزمتي قلبي و أي شعور ممكن يعلقني بواحدة زيك...
ابتلعت ريقها وقلبها يهدد بالانفجار من قوة ضرباته ما الذي دهائها حتى ترشقه بكلماتها المسمومة؟
هل رؤيتها لمحمود أفقدتها عقلها من جديد؟
كيف ازدادت قسوتها حتى تلفظ كلماتها دون رادع؟
أنها أسوأ إنسانه بهذا العالم..
همهمت وهي تبتلع ريقها ودموعها تتجمع في عينيها:
"صفوت أنا...."
"أنا مش عايز اشوف وشك مرة تانية قدامي .. يا ..."
و بتهكم ساخر همس مبتسمًا أمام دموعها:
"يا أستاذة...."
**************

في العشق والهوي Where stories live. Discover now