🌷 الفصل التاسع و الأربعون 🌷

ابدأ من البداية
                                    

شهقت سمية وهي تضرب فوق صدرها وعيناها تتسع بذهول:
"يالهو بالي، عمار طلج مرته، وأيوب اتچوز من غير علم بوه وأمه ده حوصل ميتى"
أجابتها نيرة بحزن على تلك الأحداث المؤسفة التي أصابت عمار الذي لايستحق كل هذه المتاعب:
"عرفنا قبل مانيجي، حمزة كلم عمه وقاله ده بالنسبة لموضوع الطلاق، أما موضوع أيوب عرفنا بيه قريب"
ضيقت سمية عيناها تلومها:
" َاخص عليكي وتخبي عني كأني غريبة مش آني بردك عمة المنيل أيوب، ازاي يتچوز من غير علمنا، المهبب واكل ناسه"
أجابتها نيرة حانقة:
"انتي هتقولي زي ابن خالك، احنا مش عارفين ظروف الجواز إيه، خلينا نفهم الأول"
"ومين المحروسة اللي اتچوزها المعدول"
"واحدة إسمها إيسال"
تكرمشت ملامح سمية بعدم فهم:
"وي اسمها إيه، ديه ملتها إيه؟ إيه الإسم دهو"
حركت نيرة كفيها أمام وجهها تهمس بنبرة فتكت بسمية غيظًا:
"ويكون في علمك عيالي و ابنك كانوا عارفين من الأول
كل حاجة"
شهقت سمية تصيح:
"محمود ولدي وعيالك خابرين دول شيوخ منصر بجا"
ضغطت نيرة فوق ذراعها حتى تخفض صوتها:
"مش بقولك نفس فصيلة ابن خالك وطي صوتك أيوه ياختي كانوا كلهم عارفين، المهم دلوقتي مش وقته انك خالص فين نفيسة يلا خليها تنزل ابني قاعد على نار ياختي"
ضربت سمية قبضة يدها اليمنى فوق راحة يدها اليسرى تتوعد لها:
"آني لازمن ولابد أعرف كل حاجة بالتفصيل من طجطج لسلام عليكم اه مانا مابجاش اكده جعده زي البهيمة كيف الأطرش بالزفة أمال إيه؟"
أومأت نيرة برأسها موافقة وهي تتركها وتدخل حيث يجلس الجميع هاتفة على كابر التي تقف بجانب كل من فاطيما وخلود يتحدثن:
"تعالي ياكابر اقعدي بدل مانتي واقفة كده على رجلك ابني موصيني عليكي، وانتم يابنات بطلوا كلام وتعالوا يلا"
برغم تفاجؤ نفيسة و ذهولها التام عند سماع خبر زواج أيوب إلا انها تناست مؤقتًا هذا الحدث العائلي الخطير وأجلته لحين غره حتى تنتهي مراسم خطبتها ويطمئن قلبها  الملهوف بأنها أصبحت لحسن وهو لها...
نزلت بخيلاء فوق الدرج تتحرك بخفة و الدماء الحارة تغزو وجهها الجميل، تشعر انها ملكة هذا الزمان أميرة سيتم تتوجها الليلة لتصبح ملكة متربعة فوق عرش ملكها...
وحينما دلفت إلى المطبخ حيث تقف أمها مع زوجة أخيها التي حزنت بشدة لسماعها خبر طلاق خالتها و كأن الخبر انتشر كالنار في الهشيم تساءلت في حنق:
"إيه العيلة اللي مايتبلش في خشمهم فولة دول ده خبر الطلاج لساته من ساعتين ده ناجص نلجاه في شريط الأخبار بتاع جناة العربية"
"عشان اكديه أمك جالتلك راح تيجي بعدين"
أومأت فاطيما برأسها وأكدت:
"أيوه خالتو طلبتها في التليفون و قالتلها عايزاكي"
لوت سمية شفتيها تغمغم:
"افتكرت أمك دلوكت!! على رأي المثل تسلمي ياشدة وريتني العدو من الحبيب، بصراحة اكديه خالتك هي اللي چابته لحالها كانت جوية و مفترية على چوزها"
صمتت فاطيما متنهدة وهي تلمس بعض الحق في حديث حماتها، ولكن تظل روجي هي خالتها الغالية التي حزنت كثيرًا لما أصابها، ولا تنكر بسريرتها شعورها بصدمة شديدة عندما علمت بزواج أيوب من فتاة أخرى وبهذه الطريقة الغير مناسبة، فتاة غير شقيقتها لقد اعتقدت أن الأيام قادرة على اذابة الجليد بينهما و ربما تعود قلوبهما لسابق عهدها فقد كان لديها بعض الأمل الذي يرفرف بين جوانب قلبها، ولكن بالأخير كل شيء بيد الله و النصيب غلاب...
وانتبهت من شرودها على صوت حماتها وهي تتحدث مع العروس الجميلة، و ظلت سمية تهمس بتأكيد إلى ابنتها وهي مرتدية قناع الحزم والصرامة قائلة:
"تحطي الصينية وتخرچي طوالي، إياك تعملي حركة اكده ولا اكده أحسن أبوكي يفز فيكي جدام الناس"
أومأت نفيسة برأسها وهي تهتز في مكانها برجفة كأنها ترقص فوق نيران الشوق إلى فارسها الذي يجلس الآن أمام والدها باستحياء يتقدم ويطلب يدها:
"طيب حفظت كل الجواعد السامية همليني أدخل بجا"
وعادت ابتسامة فاطيما الناعمة تنير وجهها المشرق تبتسم على تلك النفيسة الغالية، العروس الجميلة التي تقفز فرحاً من سعادتها وفرحتها لتمتم داعية لها بكل صدق من عمق قلبها بصوتها الناعم الرقيق:
"الله يسعد قلبك يانفيسة ويتمم فرحتكم على خير ان شاء الله"
"يارب يارب يارب"
صاحت نفيسة رافعة كفيها للسماء وهي مازالت تقفز في مكانها بسعادة.. شهقت سمية حانقة ولطمت خدها برفق وهي متغاظة من ابنتها طائرة العقل 'المطيورة' على حد قولها ثم ضربتها فوق مؤخرتها بقوة:
"يامري منك يابت اجفي على بعضك و ارسي هبابة بدل مانتي كيف اليويو عتتنططي اكده، لفي خليني أشوف الفستان عليكي من ورا ليكون ضيج"
لفت نفيسة حول نفسها وهي تزفر ضائقة من أوامر أمها وكشف الهيئة التي تطبقه عليها في هذه الليلة..ضربت سمية فوق صدرها شاهقة بغيظ:
"الشج اللي في الفستان دهو جه منين يا واكلة ناسك أبوكي راح يطين عيشتي و عشتك"
مطت نفيسة شفتيها قائله بنزق:
"ماله الشج مهو زين أها"
دمدمت فاطيما معترضة بهدوء وهي توافق حماتها:
"ماما سمية عندها حق.. مش كاشف رجلك حبتين خليه يتقفل شوية، أساسا الفستان عليكي قمر، الله أكبر"
تلك المرة لطمت سمية خديها معاً قائلة لزوجة إبنها:
"جوليلها البجرة ديه، يامرارك ياسمية ماينفعش عاد أخيطه عليكي فال عفش كيف مخك العفش"
ناظرتها نفيسة بحنق طفولي وهي تقلب شفتيها قائله بحنق:
"راح يمشوا هيجولوا في عجل بالهم إني مش موافجة
طالما مندلتش بالشربات لحد دلوكت"
ضحكت فاطيما بعلو هذه المرة وهي تغطي فمها على الجميلة المهوسة بفارس أحلامها.. ثم مدت يدها لتنزع من وشاحها الأبيض المنقوش مشبك التثبيت دبابيس ذات رؤؤس صغيرة ثم انحنت أمام نفيسة قائلة لها و لحماتها المتوترة:
"مافيش داعي نخيطه هقفله بدبابيس الطرحة كويس"
هتفت سمية وهي تطبطب بحنو فوق ظهرها وكأنها قد تناست صراعها مع زوجة ابنها بالوقت الحالي:
"اجفليه يابتي، تنجفل عيون عدوينك"
ثم التفتت قائلة لامتثال الخادمة:
"همي شوية يا امتثال و الست فاطيما معاكي، بسرعة جهزوا الوكل"
أتمت فاطيما مهمتها بنجاح و استطاعت إغلاق الشق الطويل الذي كان يتأرجح كاشفًا عن سيقان نفيسة المرمرية كلما تحركت فأصبح الثوب السماوي أكثر جمالاً في رأيها وبدت نفيسة بداخله كالملاك:
قالت نفيسة بنفاذ صبر وهي تمد ذراعيها:
"هاتي الشربات بجا يا امتثال خليني اندلي على جوه أبوس يدكم اعتجوني اندلي"
تدلى فك سمية بشكل مضحك وهي تحدق بنفيسة التي حمرت خديها بقرصهما ليصبحا أكثر تورد من ذي قبل ثم شفتاها التي اطبقتهما بقوة فوق بعضهما البعض مع تحريكهما:
"يووو مافيش مرايا اهنيه"
لتخطف بقوة من امتثال التي انفزعت بدورها إحدى الطناجر الفضية اللامعة لتنظر إلى ووجها الصبوح في قعرها وتهتف متحمسة:
"زي الجمر يانفيسة، جمر، كيف حسن، شوفتيه ياماما جمر كيف في البدلة يالهوي يالهوي ياختي بدر منور"
"ااااه يانفوخي ضغطي راح يطلع في السما منيكي"
وأمسكت سمية برأسها وهي تناظر فاطيما و امتثال اللتين كانتا يكتمان ضحكتهما بالقوة.. لتدمدم هامسة:
" أستر يارب منيها، همي جدام مني يامهبلة"
" "" "" "" "" "" "" "" ""
وإذا العيونُ تحدثت بلغاتها، قالت مقالاً لم يقلهُ خطيب
فأبين أهدابها سطورنا نبضُ لا يعرفه إلا من يقرؤنا جيدًا
                            ***********
فتلك هي لغة العيون بينهما، حوارً مشفرًا لا يفهمه إلا
هما العاشقان، الهائمان، السابحان في ملكوت عشقهم
الأبدي...
نظر إليها ونظرت إليه وتقابلت أعينهم في حديث خفى لم تنطق به شفتاهم، بينما قد ترجمته عيناهم حينما تطلع فيها بحدقتيه الرمادتين الجرئتين حدق بوجهها الأحمر الذي اصبح شهيًا كثمرة تفاح طازجة قطفت للتو وكأنه يقول لها بتلك النظرات التي شملتها من قمة رأسها حتى اخمض قدميها:
"بحبك"
علا وجيب قلبها في هذه اللحظة كطبول أفريقية تضرب
بلا رحمة ورفعت عيناها ليذوب ساقطً في بحر العسل المصفي كالذهب، بحر عينيها و ابتسامتها التي تعانق برقتها كل دقة من دقات قلبه العليل بداء عشقها منذ نعومة اظافره فيخفق لها القلب و يهلل طائرا بجناحين لتجيبه بضغطة رقيقة من عينيها و تؤكد له أنها:
"بحبك اوي اوي"
آفاق كلاهما من شرودهما في بعضهما البعض على صوت الزغاريد العالية التي رجت  أركان المنزل الكبير وسط أحاديث مختلفة وبين أجواء الفرح والود المغمور في لحظات من الفرحة لاتنسى...
صافح حمزة الناجي نسيبه سلمان أبو السعود بقوة من جديد حيث يعيد الزمان نفسِه و يتكرر من جديد وكأن السنوات لم تمر بهذه السرعة ولم يشتعل الرأس شيبًا حيث أنه صافحه بنفس اليد قبل ثلاثة عقود إلا سنوات قليلة عندما تقدم سلمان لطلب سمية و كان حين ذاك حمزة هو كبيرها بمقام الشقيق الأكبر و ابن الخال وليس بصفته كبير البلد...
صافح الرجلين بعضهما، بينما قلوب أخرى مفعمة بالحب كانت تتعانق:
"سمعونا الصلاة على النبي و الفاتحة"
هتف حمزة بصوت قوي قبل أن يعم الصمت بالمكان وتعلو الكفوف وتهمهم الافواه بقراءة فاتحة الكتاب و الصلاة على النبي الحبيب 'صلى الله عليه وسلم' تيمنًا به لحلول البركة و السعادة على تلك الزجية و
النسب الجديد وبعدها تعالت الزغاريد من جديد ترج المكان، هتف حمزة وهو يلتفت نحو سلمان و سمية الضاحكه الباكية فى آن واحد قائلا دون ان يسرد اي مقدمات عن طلبه على حد قول فأخير البر عاجله:
"أني كنت بجول ياحاج سلمان ان خير البر عاجله احنا نجدم المشيئة بإذن الله تعالى ونعجد كتب الكتاب و الدخلة بليلة واحدة بعد شهر رمضان ان شاء الله يعني
ع العيد وتبجى الفرحة تلت فرحات، فرحة عيد الفطر و فرح عمر وبلسم، و حسن ونفيسة في ليلة وحده بإذن الله"
اومأ سلمان برأسه دون اي إعتراض يذكر موافقًا بكل سرور وترحيب وهو يبتسم براحة تغمره من ناحية بناته بلسم ونفيسة، بلسم التي يعدها هي و كابر بنات قلبه مثلهم مثل باقية بناته، وكأن حمزة الناجي بطلبه هذا أزاح عبًء كبيراً من فوق قلبه ليرتاح و يصبح مطمئن القلب والخاطر  عليهما وكل واحدة منهما أصبحت في كنف رجلاً يعتمد عليه:
"علي بركة الله ورسوله نفيسة لأحسن والف مبروك علينا و عليكم النسب الغالي فين الشربات والوكل همي يامو العروسة آمال"
انطلقت الزغاريد مرة أخرى و صافح الجميع بعضهما و
تبادلوا المباركات و التهاني و تناثرت الورود من حولهما
ونفيسة تكاد ان تطير من فوق الأرض من فرحتها وهي
لا تصدق بأنها اصبحت لأحسن وهو أصبح لها برغم أنها شعرت ببعض الإحباط عندما أعلن خالها حمزة متفق مع والدها بأن ليلة الدخلة وعقد القرآن بعد شهر وعدة أيام قليلة من الآن وهي التي اعتقدت بأنها ستتزوج  حبيبها خلال أيام...

في العشق والهوي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن