🌷 الفصل الرابع و الأربعون🌷

Start from the beginning
                                    

هتف حسن بنبرة هادئة عاقلة وهو يسير بجوار شقيقة عمر:
"يعني علي هيكدب ليه بس يا عمر بلاش تفكر بطريجة
سلبية"
أطلق عمر زفرة قوية و عيناه تدوران في محجريهما و هتف مُصرًا:
"جلبي مش مطمن.. حاسس ان في حاچه واعرة آني و أنت معرفنهاش"
توقف حسن لبرهة و تساءل بدهشة:
"تجصد علي يعرف حاچه و مخبيها عنينا؟"
"أيوه عارف.. وماعايزشي يتحدت عشان ماما طلبت منه اكده"
صاح عمر من بين أسنانه وهو يقف أمام شقيقه الذي عاد ليسأل باستغراب:
"و أنت عرفت كِيف ان ماما طلبت منه اكده؟"
ظهر الشرود على وجه عمر وهو يقول:
"هجولك سمعت إيه، أولت امبارح خرجت من السرايا وآني مستعجل كانت ماما جعدة تتحدت ويا خوك و كان باين عليه انه غضبان بس جطعوا الحديت لما شافوني"
قال حسن وهو يتسند بظهره على جذع الشجرة:
"وبعدين...."
شرد عمر يتذكر حديث والدته مع شقيقه علي قبل يومان.. حين عاد للسرايا مرة أخرى بعد ان اكتشف أنه قد نسيَ عقود شراء ثلاثة جرارت زراعية جديدة بحجرة مكتب والده.. ليسمع علي وهو يقول بنبرة خافته غاضبة قبل أن يلاحظ وجوده:
"يعني كنتم عارفين، عشان كده بابا صمم ان الجواز يتم بسرعة"
لتهمس أمهم بصوت حزين:
"أبوك كان خايف على أختك، و عايزها تبعد عن هنا بأي شكل لحد ما يحل الموضوع بمعرفته"
ولكن علي انتفض من مكانه واقفاً قائلا وهو يكز فوق أسنانه بغل:
"الكلام اللي قاله الكلب قاسم و هلفت بيه ماكنش كله كدب يا أمي، مافيش واحد هيتكلم بالبجاحة دي الا لما يكون واثق ان كلامه دا هيعمل مصايب كبيرة عن قصد ، قولي إنك انتي و بابا و كمان حمزة كنتم عارفين اللي بيعمله الكلب دا مع د......"
قاطعته نيرة تضرب فوق فمها برفق دلالة على الصمت:
"أسكت ياعلي أسكت، أنا مش ناقصة وجع قلبي.. مش هتبقى أنت كمان على أختك حرام عليكم"
دار علي حول نفسه وهو يمسح فوق وجهه بكفيه ثم ضرب رأسه بعصبية قائلا:
"أنا أصلا هتجن من ساعتها، مش عارف أفكر في أي حاجه غير الكلام اللي قاله الحيوان ده.. حتى بابا طلب مني اني أس......"
صمت علي عندما تطلع إلى باب السرايا و لمح عمر يقف
أمامه متصلب البدن.. ليقول وعلى وجه ملامح التوتر:
"عمر!! ايه اللي رجعك تاني؟"
آفاق عمر من شروده المتجهم على صوت حسن وهو يقول بنبرة قلقة:
"و ماما جالت إيه لما شافتك"
أخفض عمر رأسه قليلا وقد ظهر الهدوء على ملامحه رغم زيادة ملامح الحزم في نفس الوقت:
"ماجالتش بس بصت لأخوك كأنها عتجوله اجفل خشمك و أسكت ساكت"
ثم أخذ نفسًا عميقًا وهو يغمض عينيه و عاد يردد بغل وهو يقبض راحة يديه:
"في حديت واعر دار بين خوك و بين ولد وهدان و الحديت دهو كان يخص دهب، و بوك و مك طلبوا من خوك يسد خشمه و مايتحدتش مع حد فينا"
أزاح حسن نظارته الطبية ذات الإطار الأسود العريض من فوق عينيه ثم أخذ يدلكهما ببطء قائلا:
"خلاص خلينا نتحدت ويا بابا و ماما و نعرفوا منيهم حوصل ايه؟"
أخفض عمر رأسه للأسفل واضعًا كفيه في جيوب سرواله، يفكر ثم رفع رأسه و ابتسم شبه ابتسامة جافة و قال بعد لحظة من التفكير:
"تفتكر راح يجولوا حوصل إيه و خصوصي ماما؟ انت خابرها زين"
زفر حسن بضيق و همس بصوت مجوف:
"عنديك حج.. بس لو الموضوع يخص واد وهدان يبجى لازمن احنا كماني نعرف حوصل إيه، احنا خواتها كيف علي"
قال عمر بغضب مكتوم:
"ماعرفش ازاي فلت من يد خوك، ماعرفش"
"كنت رايد علي يعني يجتله و يخش فيه السجن وبع..."
بتر حسن كلماته وهو يخرج هاتفه الذي يهتز داخل جيبه ليجدها نفيسة، تعاود الإتصال به من جديد دون أن تمل.. أخذ نفسًا عميقًا وهو يغمض عينيه للحظة قائلا بخفوت:
"وبعدهالك انتي كمان يا نفيسة؟ اعتجيني لوجه الله"
صمت بنفس متسارع ،وأعاد الهاتف داخل جيبه ناظرًا إلى شقيقه نظرة تحذير بأن يصمت، ولا يتحدث ساخراً منه كعادته، ولكن عمر ابتسم بدوره قائلا بنظرات غير مقروءة:
"لساتك ماعايزش ترد عليها، ياخي رد عليها و خلص حالك راح تجلب راسك جلب"
هز حسن رأسه و قال بصوت شديد الهدوء و الرزانة:
"ماعرديش عليها، خليها اكده لحد ما تعجل و تعرف ان الله حج، و تبطل غيرتها العامية و جفل التليفون في وشي"
ظل عمر للحظات لم يظهر عليه أي رد فعل تجاه ما سمعه، ثم ما لبث أن ضحك ضحكة ساخرة وهو يقول ببطء:
"تليفوني عيرن أكيد هي، بجولك إيه رد عليها و ريح راسي من زنها، اني مناجصش رط و عجن.. انت خابرها مش راح تسكت و إني خلجي ضيج"
نفخ حسن قائلا:
"رد و جولها اني مش وياك"
رفع عمر حاجبيه ضاحكًا وهو يرد على نفيسة، التي صاحت مجرد ان سمعت صوته وتسأله بغضب:
"عمر فين خوك؟"
أجابها قائلا دون تردد:
"جدام مني و مراديش يتحدت و ياكي عشان تتأدبي"
"وه أتأدب إيه؟ ليه شايفني ناجصه أدب عاد"
صرخت نفيسة صرخة أفزعت عمر الذي صاح فيها:
"جبر يلم العفش.. في حد يعيط اكده؟ حوصلك ايه يا مهبلة عتصرخي في ودني كيف العرصة"
هتفت نفيسة من بين أسنانها:
"جول لأخوك اني انا مش رميه ولا خلاصي راح أموت عليه.. آني نفيسة بت سلمان ابو السعود ولو هو مريدشي يتحدت معايا مرة آني بجا مريداش أتحدت وياه ألف مرة"
قال عمر ببرود أغاظها:
"خلاص راح أجوله اجفلي بجى و ماتتصليش مرة تانية"
ليهمس بصوت مسموع:
"مرة تانية إيه! أجصد ماتتصليش مرة تلاتين ولا أربعين
هو تلفونك ماعيفصلش أبدًا"
هز حسن رأسه بخفة وهو يبتسم، متخيلا ملامح حبيبته الجميلة الآن وهي غاضبة و حانقة، وجهها يشتعل من الغيظ حتى أصبح لون وجنتيها كالجمر المشتعل وهي تزم شفتيها فوق بعضهما.. و شقيقه مستمر يستفزها ببروده المعتاد...
اشتاق قلبه إليها و اشتاقت عينيه إلى النظر في عينيها العسليتين الواسعتين الضاحكتين لتسعد روحه.. يشتاق إلى التمتع بحلاوة محياها كل نهار و هي تهمس بأنها تحبه، يفتقدها كثيرًا بكل جوارحه كطفل يفتقد حلوى العيد، و قلبه العاشق لها يؤلمه بقوة لأنه أصبح يقسو عليها بشدة.. ولكنها تستحق ذلك فقد تمادت كثيرًا و أصبحت تغار عليه بجنون، غيرة قد أفقدتها ثقتها فيه و في حبه لها...
صياحها العالي و صوتها الرفيع الذي أشبه بمواء قطة شرسة يصل إليه و يسمعه.. بينما كان عمر يسد أذنيه وهو يقترب منه.. وضربه بالهاتف فوق صدره قائلا له بغيظ:
"خد اتحدت وياها و جولها ماتتصلش عليا نوبة تانية، ديه خرمت ودني بصوتها اللي كيف صوت العرصة، أعوذ بالله متحملها كيف؟"
مسح حسن فوق وجهه و اتخذت ملامحه وضعية وجه الحانق كأنها أمامه و تراه.. ضغط على أسنانه هادرًا من بينهم بخفوت شرس:
"وبعدين معاكي.. انتي من ميتى و إحنا بندخل اخواتي في الحوارات اللي بينا؟"
ردت وهي تعنفه بخوف:
"ومن ميتى و انت ماعترديش عليا؟ كل ما اتصل عليك تجفل التلفون في وشي كأني أجرمت في حجك"
هتف حسن بصرامة:
"لما تتحدتي وياي وطي صوتك داهو، وكفياكي صرصعه آني بسمع زين على فكرة"
همست بتبرم رقيق:
"معصرصعشي اهه، بس جولي هتفضل لحد ميتى اكده؟ واخد على خاطرك و ماعايزشي تتحدت معايا"
قال بنفاذ صبر:
"لحد أما تعجلي و تبطلي تدخلي بينا الناس الغرب اللي عيوجعوا بيناتنا"
قالت بصوت خافت حاد:
"يعني آني بس اللي بغلط و أنت لاه صوح؟"
ضغط بكفه حول فمه و فكه بقوة محدقًا أمامه وهو يزفر.. وهي كانت تتنفس بثقل و دموعها تسيل ببطئ ..بقيا صامتان دون صوت، جسده يكاد أن ينتفض من شدة الضغط الواقع عليه من ناحية نفيسة و غيرتها ،ومن ناحية أخرى الأحداث المتتالية في السرايا و ما يحدث مع عائلته..
قطعت نفيسة الصمت حين تكلمت هامسة باشتياق:
"للدرجة ديه هونت عليك؟ أكتر من سبوع و إنت لا بترد عليا ولا بتشوفني، كأنك خلاص مابجتش تحبني"
نفخ حسن وهو يردد:
"لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم"
ثم سألها من بين أسنانه بنبرة متشتدة ترتجف غيظًا:
"انتي بتثجي فيا؟"
لم تجيبه نفيسة على الفور بل تسمرت تمامًا بحواس منتبهة للخطورة في صوته، و ازدادت أصابعها انقباضًا على الهاتف و بقت صامته، لا ترد عليه وصوت أنفاسها السريعة تصل إليه:
ضحك بسخرية و كرر بصوت أشد قسوة مشددًا على كل حرف يخرج من بين شفتيه المزمومتان من الغيظ:
"بتثجي فيا يا نفيسة؟ انطجي ولا لسانك بلعته الجطة؟ مش بتتحدتي غير في اللى على مزاجك وبس، صوح ولا أنا غلطان؟"
مجددًا لم ترد ولكن صوت بكائها الخافت كان خير دليل أنها مازالت معه على الهاتف، تستمع اليه في صمت، لكنه لم يأبه لها بل صرخ عليها بصرامه قاسية:
"أچاوبك أنا، طالما انتي ماعيزاش تردي و حطه لسانك جوه خشمك، انتي مش واثجة فيا يا نفيسة، ولا واثجة في حبي ليكي، غيرتك و سمعانك كلام اللي حوالين منك خلاكي تفكري إني ممكن أبص لواحده تانية غيرك صوح؟ ياخسارة يا نفيسة للأسف انتي اللي مابجتيش تحبيني..عشان اللي يحب عمره ما يفجد الثجة في اللى بيحبه أبدًا"
تنهدت نفيسة وهي تمسح دموعها، و استجمعت ما تبقى لديها من طاقة ليردد ذهنها المنهك على الفور، بأن ذلك غير صحيح و أن ذلك الكلام يعد ظلمًا لها و لقلبها الذي يعشقه.. لتهتف بغصة مريرة:
"آني بحبك أكتر من نفسي ياحسن، مش معنى اني بغير عليك يبجى خلاص مابجتش أحبك.. انت اكده بتظلمني جوي"
أغمض عينيه يتنفس ثم قال أخيرًا بصوت خافت و غاضب:
"الغيرة تكون بالعجل.. مش بجلة الثجة يابت الناس"
بدا التردد على نبرة صوتها المرتجفة وهي تهمس:
"ومين جال اني مش بثج فيك؟! ولا هو چر شكل و السلام يا حسن"
نفخ بقلة صبر وهو يمرر أصابعه بين خصلات شعره قائلا:
"لا اله الا الله، آني اللي غاوي چر شكل و انتي ست العاجلين، أجولك اجفلي دلوكت و نبجى نتحدت وجت تاني"
صاحت ملهوفة:
"مِيته راح نتحدت؟ هو انت بتعبرني"
تعمقت ابتسامته وهو يرفع عينيه للسماء محاولا بكل ما أوتي من صبر الاحتفاظ بهدوئه ،و رزانته قائلا بصوت هادئ:
"راح نتحدت بكره بإذن الله"
قفزت من فوق سريرها ،و هتفت بضحكة واسعة وقد أشرقت البهجة وجهها الشاحب:
"بكره مِيته و فين؟"
قال وهو يهز رأسه بقلة حيلة:
"ان شاءالله هفوت عليكي بعد الشغل.. عشان نتحدت بالعجل و أشوف أخرتها ايه واياكي يابت عمتي"
دمدمت بنعومة وهي تقرب الهاتف من شفتيها كأنها ترسل له قبلاتها المشتاقة عب الأثير:
"تجصد نتحدت بالجلب و العجل.. اتوحشتك جوي يابو علي يارب أمسك حالي و ماعبطش فيك"
اتسعت عينا حسن وهو يحاول التأكد من قاموسها اللغوي.. ليسألها بمكر:
"تعبطي فيا كيف يعني؟"
همست بدلال أنثوي يذيب الحجر:
"أعبط فيك و خلاص بجا"
رفع حاجبه وهو مازال مستمر في إظهار عدم الفهم:
"جصدك تخنجيني يعني؟"
شهقت هامسة بلهفة:
"أخنجك! آني؟ ده آني أخنج حالي و انت لاه يابو علي.. أجصد أحضنك جدام الخلج كلاتهم.. اكده على عينك يا تاچر"
بدأت ابتسامة طفيفة تشق طريقها إلى شفتيه، وهو يقول لها بصوت عاشق:
"لو تعجلي اكده على طول و تعرفي آني جد إيه بحبك، و مافيش في الدنيا كلاتها بنته تملى عيني غيرك، بس أجول إيه على خيالك الواسع اللي عيصورلك أفلام"
دارت نفيسة حول نفسها وهي تضم الهاتف فوق صدرها
بقوة، و الفراشات الملونه تحوم حولها، ثم عادت لترفع الهاتف مرة أخرى فوق أذنها هامسة:
"يالهوي ياما ع الكلام الحلو جلبي عيرفرف مِييته يچي بكره و أشوفك يابو علي؟"
أخذت ابتسامته الطفيفة تتسع و تتسع حتى شملت وجهه كاملا، و أحنى رأسه غير قادرًا على الرد على الفور، إلا أنه ضحك ضحكة صغيرة وهو يتنهد....
ولكنه إنتبه على رنين مكالمة أخرى صادرة على هاتف عمر.. و كانت بلسم ليضرب حسن فوق جبهته بخفة.. انه مازال يتحدث على هاتف شقيقه وليس هاتفه:
"نفيسة آني راح أجفل واياكي دلوكت، بلسم عتتصل بعمر"
تنهدت وهي تلوى شفتيها بنزق رقيق:
"بلسم عتتصل بعمر!! اااخ يا بختها"
ضحك بخفة قائلا:
"بطلي نج.. احنا ما صدجنا عمر يتحرك و ربنا فك عجدة لسانه، بإذن الله ربنا ييسره الحال"
تنهدت نفيسة تنهيدة حارة مردده:
"يارب، و عجبال الباجيبن"
ردد حسن بصدق نابع من قلبه المشتاق إلى رؤيتها و ضمها لصدره:
"يارب ان شاء الله عن جريب، تصبحي على خير"
"و أنت من أهل الخير يا حبيبي"

في العشق والهوي Where stories live. Discover now