اصبحنا نبدأ يومنا بتدريبات مختلفة كأحماء لاجسدنا، بعدها لمدة ربع ساعة نمارس تمارين ضغط وجري وملاكمة، ثم الربع ساعة الاخيرة نتدرب فيها على نوع مختلف من الاسلحة كل يوم.
عندئذ تبدأ التدريبات السوداء، لا استطيع القول انها سهلة لانها ليست كذلك على الاطلاق لكننا أعتدنا على هذا النوع من التدريبات القاسية، تذمرات الجنود قلت عن النصف الاول بشكل كبير، لاحظت ان الجنود اصبحوا لا يتذمرون عندما نتدرب تدريبات قاسية مهددة لحياتنا أنما صبوا كل تركيزهم وطاقتهم على احتراف التدريب. احترافه وليس النجاح فيه. هذا جعلني أدرك ان القاعدة تعرف كيف تختار جنودها. فأن كنت أعتقد ان هناك جندي لا يصلح للتواجد هنا بسبب تذمراته فأنا كنت مخطئة لآن حقًا...مع ابتداء هذه التدريبات وهذا النصف الثاني، لم أسمع سوى التركيز من قبل الجميع.
ومع ذلك..
جمعنا القادة في القاعة الاساسية للقاعدة، معلنين ان اليوم هو اليوم الذي سيتم فيه طرد بعض الجنود بسبب مستواهم السيء. هذا كان يفترض به ان يحدث قبل فترة لكن بسبب موت هازل في القاعدة والهجومات المستمرة تأخر الامر.
ولم يتم اعلان اسماء الجنود على الشاشة أنما تقدم نولان مع ورقة وبدأ يعلن عن الاسماء. كان عاقدًا لحاجبيه وهو يقرأ من على الورقة وليس ساخرًا مثل عادته، نطق اسم تلو اخر حتى خرج من كل مجموعة ثلاثة جنود تقريبًا ليقل عددنا أكثر. جيمس كان قد عاد الى القاعدة بطائرة خاصة وتمت معالجته بمستشفى العاصمة، نظرت من مكاني الى جناحه وله وبدى بخير، كان صامت لكنه بدى بخير. هناك ضمادة بيضاء حول نصف جناحه وأخبره ادريان ان لا يقوم ببعض التدريبات حتى يشفى بالكامل لكنه يسير ويتحدث وحتى يستطيع التحليق لكن التحليق مضر له الان.
ميكا تراجع مستواها، ديكو تقدم مستواه.
«انا محبط معكم.» قال نولان بنبرة محبطة يحدث الاثنى عشر جندي وجندية الذين خرجوا. «كل هذا الضغط والجهد ولم ترتقوا للمستوى المطلوب ولو لأدنى مستوى مطلوب. السنة الاولى هنا في القاعدة عبارة عن مستوى يجب ان لا تنخفضوا عنه ابدًا وماذا فعلتم أنتم؟ انخفضتم. هل تعرفون لماذا نضغط عليكم؟ لماذا نحن قاسين معكم؟ لئيمين وربما حقراء؟» هذه المرة نظر لنا بحدة يضغط فكه، يبلع فتحركت تفاحة ادم خاصته، عيناه تلمع لمعة يستطيع اخر جندي في الصف رؤيتها.
«هذا لاننا لا نريدكم ان تشعروا بالراحة وتنزلوا عن المستوى المطلوب. عندما تقبلكم القاعدة فهي تقبلكم لانها ترى أنكم تستطيعون تحمل الضغط والكراهية والجلد والتدريبات القاسية، لانها ترى انكم بالمستوى المطلوب لكي يتم صقلكم. هناك اشخاص لو ادخلناهم الى هنا وحاولنا صقلهم لانكسروا لانهم هشين، لانهم لا يمتلكون عمود اساسي، لكن انتم تفعلون، تمتلكون الصلابة المطلوبة ولهذا انا محبط بأن أشخاص امثالكم، جنود مثلكم قللوا من شأن أنفسهم وضيعوا امكانياتهم.» حدث الجنود الخارجين.
نظروا له باحباط وخجل، بحزن ويأس. «اذهبوا واجمعوا اغراضكم ثم حاولوا السنة القادمة.» اشار لهم بالورقة ان يغادروا.
ومن ثم عيناه ذهبت الى جندي في مجموعتي. «وانت، عد الى مجموعتي ولو اعترضت على تمرين مرة اخرى سأكسر عنقك.» قال للجندي الذي تحداه قبل فترة واخبره انه لو كان في مجموعة اخرى ومع قائد اخر لارتفع مستواه لكن مستواه بقى كما هو حتى بعد ان سمح له نولان بتغيير المجموعة. سار الجندي الى مجموعته القديمة ومن الطريقة التي ضغط بها شفتاه كان واضح انه محرج لكنه لم ينزل رأسه، ذلك ممنوع وهو يقف الوقفة العسكرية امام قادته.
وهكذا، سارت الايام حتى مر أسبوع على مهمة الجنوب، تدريبات وتدريبات لا متناهية.
وهدوء.
هدوء تام عدا مواء زرقاء وديفلنس المستمر في القاعدة، حيث انهما اشهر قطتين حاليًا في المكان، يقفزان من فوق ظهور الجنود الى تحت طاولات الطعام، يسيران في المكان بكسل وينظران للجميع وكأنهما يصدران الاحكام، نولان هدد انه لو رأى جندي يؤذيهما سيفعل ما لم يفعله احد كعقاب من قبل.
هدوء من مارس. من ايغيس. من القاعدة. من الجميع. وكأن المملكة في ترقب لحدوث شيء. لم يرد احد على تهديد أدريان بشأن جايدن وعندما اخذت زرقاء كحجة ودخلت غرفة ادريان ووجدت نولان واغسطس وبيتركس وميكا في اجتماع، تفاجئت لانني لم اتوقع ان يعقدوا اجتماعتهم هنا، حيث امتلكوا مخبئ في مستودع التخرين.
«اعتقد انها تاهت.» قلت اغلق الباب خلفي واسمح للقط بأن يقفز من بين يداي ويركض الى ادريان الجالس امام حاسوبه، على الفور تسلقته حتى جلست بمكانها المتعاد، فوق جناحه، تتمدد وتتثاءب.
بنت المحظوظة.
ميكا وقفت تضع يد ضد الجدار والاخرى على خصرها، تعابيرها قلقة ومنزعجة ويائسة، غاضبة. «ما الذي سنفعله؟ جايدن قال انه غير مهم بالنسبة لهم ولن ينجح الامر، ماذا لو كان محق ولن يعيدوا جثة هازل؟»
انا لم ارى من ميكا هذا الجانب كثيرًا، لكنه بدى وكأنه جانبها الحقيقي، من تكون. هي ناضجة، قاسية، تعرف ما تريده. «اذًا عندئذ سنقوم بخطة اخرى.» أجابها بيتركس لترمي ذراعها في الهواء وتخرج ضحكة متوترة مزيفة. «هل تعتقد اننا نمتلك الوقت؟ في أي ساعة سيكسرون الحاجز! وعندما يكسرون الحاجز سوف يستخدمون ازيكا ولن يجعلونه يموت لانه مهم بالنسبة لهم لكن ايدن ليس بمثل الاهمية، لا مانع لديهم لو مات اثناء تنفيذ المهمة.» بدت متوترة للغاية ومضطربة، عضلات جسدها متشنجة، لابد ان هذا هو سبب تراجع مستواها..
ولابد ان لهذا السبب هم يجتمعون هنا، لانهم لا يهتمون، فهم بكل الاحوال سيتركون القاعدة عن قريب ولا يهتمون ما الذي سيحدث بعدها. اغسطس وقف عاقدًا لذراعيه وعلى وجهه نظرة جادة، يسرح في نقطة غير مرئية ويفكر.
«ما هو الربط بين ايدن وجثة هازل؟» سألت.
هل استعادة جثة هازل سيوقفهم من السماح بموت أيدن مثلًا؟
«ميكا وضعت تعويذة على جثة هازل قبل ان تُسرق، تعويذة تسجيل. ان كانت جثة هازل دخلت أي مبنى لمؤسسة ايغيس ربما سنحصل على بعض المعلومات التي تفيدنا مثل من شرحها، من زارها، وربما خريطة المبنى الذي لو كان هو نفسه المبنى الاساسي الذي يسجن فيه ازيكا وايدن عندئذ ستسهل خطة دخولنا له.» شرح نولان، جالس على السرير وطاوي ركبتاه، يضع مرفقاه عليهما ويعقد اصابعه ببعضهما.
لحظة...خطة الدخول؟
«أنتم تنون الدخول؟» المبنى الاساسي ضخم..ومن المستحيل دخوله. الدخول الى مبنى ايغيس يتم عن طريق التعرف على الوجة وليس من خلال بطاقة حتى. فقط الموظفين هم من يدخلون.
«يجب ان ندخل.» أكد اغسطس ينظر لي. عقدت حاجبي.
«لماذا لا ترشح ميكا لجيش ايغيس؟ ربما لو تم قبولها ستتمكن من دخول المبنى.» اقترحت لتهز رأسها وتجلس على أحدى المقاعد، تضع رأسها بين يديها. «لا استطيع. كل مباني ايغيس تمتلك اجهزة سوف تعرف على الفور انني لست غراب لعين.»
«اشعر بالاهانة ايتها الاميرة.» قال نولان على الفور.
«لا اهتم.» زجرت بحدة من بين أسنانها من دون ان ترفع رأسها.
في نظرة خاطفة سريعة نحو اصابع ادريان، رأيت انه مازال يرتدي القلادة كخاتم.
فجأة أحسست بنظرات بيتركس المركزة علي. «ماذا لو دخلت جازمي—»
«لا.» نطق ادريان واغسطس بنفس الوقت يقطعان كلامه.
نظرنا لهما.
«هذه ليست معركتها. جازمين هنا حتى تصنع لنفسها مسيرة عسكرية وليس للثورة.» قال ادريان على الفور.
«ونحن لا نحتاج لجازمين، هي جندية وليست متمردة.» اضاف اغسطس على كلام ادريان.
«انتم تتحدثون وكأنها موافقة.» سخرت ميكا ترفع بصرها بحقارة.
لم أرد عليها انما رفعت ذقني قليلًا.
الفكرة جنونية بالكامل.
لكنني لم اكن اتوقع رفض اغسطس ايضًا.
«وبالاضافة انا لدي جندي خططت ان ارشحه لجيش ايغيس لو لم ينجح أمر تعويذة التسجيل.» قال اغسطس.
«من؟» سأله ادريان ونولان.
«ديكو.» اوه بحق...
ديكو؟!
ادريان عقد حاجبيه. «لهذا السبب مستواه يتحسن اكثر واكثر، انت تدربه؟» اومأ اغسطس.
رمشت..«ما شأن ديكو بالثورة؟ هل هو جنوبي ايضًا؟»
«لا..ديكو ليس جنوبي.»
«اذًا؟»
«ديكو هو ابن ريكان..لقيط ريكان ان اصح القول لان ريكان انفصل عن امه والتي هي رفيقته وديكو في الرابعة، كسر الرابط بينهما وتركهم، ليس فقط مع رفيقته لكنه كسر الرابط مع ابنه ايضًا. لهذا ديكو يعرف بشأن قذارة أبوه وهو معنا منذ الخطوة الاولى.»
«اعتقد أنني احتاج للجلوس.»
«ديكو اطلس نايتود.» نطق نولان بسخرية.
«أليس لقب عائلته نايتود؟ هل يزيف الامر هو الاخر؟!» سألت.
«لا، انه يستخدم كنية عائلة والدته منذ أن أنفصل عنهم ريكان.»
أحتاج حقًا للجلوس.
«ديكو انطوائي، يحب الرسم، هادىء. كل هذه الصفات لا يمكن أن تأتي الا من صدمة أبوية قوية. المسكين.» قال نولان يفكر في الامر.
«هل سيسمح له بالدخول؟» سألت ميكا.
«لا اعرف لكن ريكان سيرى الامر وكأن ديكو يحاول لفت انتباهه، ريكان اناني ونرجسي، لهذا السبب تركهم، من اجل ان يصنع أسمه وشركاته، لهذا هو على الاغلب يعتقد ان ديكو المسكين المفطور القلب يحاول لفت انتباه والده العزيز بدخوله الجيش وتقديمه على جيش ايغيس.»
«ماذا عن ميلاني؟ لماذا تعرف بشأن كل شيء؟ هل هي ابنة ريكان ايضًا؟»
«ميلاني ابنة شخص كان يعمل كموظف عادي في شركة ايغيس لكنه ترك العمل بعد ان استوعب مايحدث.»
«هل هناك شيء اخر لا اعرفه؟»
«والد جيمس المسجون كان يعمل كموظف ايضًا لكن بعد ان عرف بأساليبهم استقال وعندما استقال تدهورت اموره المادية وأصبح متورط بعدة جرائم.»
«هل جيمس معكم؟»
«لا، جيمس لا يعرف بشأن ماضي والده ولا اي من هذا.»
«اتعلمين جازمين..كل هؤلاء الأشخاص وخلفياتهم الصادمة..لكن لم يصدمنا شيء مثلما صدمتنا خلفيتكِ انتِ وحقيقتك.» قال نولان.
«وما هي حقيقتي؟ الاكابرس تقصد؟»
«لا، أقصد حقيقة كونكِ الضحية الاولى.» لم ترتخي عيناي لكن عقدت حاجبي.
«على الاقل انا الاولى.»
ميكا اصدرت نفس ساخر غاضب.
-
رجعت الى غرفتي، ورغم انني وميكا خرجنا في نفس الوقت الا ان ارماني جاء وقال ان هناك اتصال هاتفي مهم من أجلها، عبست وذهبت لترد. رأيت ميلاني في طريقي تتدرب في احدى غرف التدريبات، ولهذا كانت الغرفة هادئة عندما عدت.
فتحت خزانتي بنية تغيير ملابسي والنوم لكن عندما فتحتها توقفت بتفاجؤ لما وجد بداخلها، قطبت حاجبي..أنظر الى باقة الزهور الحمراء.
أخرجتها بحذر شديد..كانت باقة كبيرة قربتها من صدري لاتفقدها، لكن لم يوجد عليها أي بطاقة. نظرت للخزانة بفضول لارى رزمة أوراق كانت تحت الورود، أخذتها لترتخي عضلاتي وعيناي من حذرها.
ملخصات القائد ادريان
كتب هذا العنوان على اول ورقة وتحته تم لصق ورقة ملاحظات زرقاء.
«ادرسي بجد وركزي على الامتحان، حتى لو احترق العالم حولكِ.» — ا.س ومن ثم كان هناك توقعيه المميز.
الابتسامة ارتسمت على شفتاي وقربت الباقة من انفي، اشتم رائحتها الطبيعية المنعشة للغاية.
فجأة انفتح الباب فرميت الباقة بالخزانة مع الملاحظات واغلقتها بعنف زيادة عن اللزوم، دخلت ميكا الغرفة بغضب، خلعت ملابسها ورمت جسدها على السرير، تتغطى وتنام.
يتبع..