٥٣ | فكر مثل العدو.

17K 2.1K 1.5K
                                    


طنين ورنين الرأس الحاد كانا يأتيان من الاصوات المرتفعة والانفجارات العنيفة.

صوت الصفير الذي يشق نفسه عبر الجمجمة يأتي بسبب تلف النهايات للعصب السمعي في الاذن؛ بسبب تعرضها لاصوات صاخبة لوقت طويل؛ لهذا السبب الجنود يكونون مجانين حينما يعودون من الحروب ويصبحون مسعورين عندما يسمعون صوت مرتفع.

لان الطنين يعود.

ومع عودته، تعود الذكريات.

هذا ما اخبرتني به امي، في مرة من المرات التي جلسنا فيها وشاهدنا معًا فيلمًا وثائقيًا عن الصدمات النفسية للجنود بعد الحرب وكيف يمكن ان تؤثر الحرب على حياتهم.

رأيت عندئذ عبر التلفاز تلك النظرة في عيون الجنود الذين نجوا
وعادوا لكنهم لم يعودوا فعلًا؛ كانت نظرة فارغة، وكأن تلك الانفجارات نسفت ما كانوا عليه يوما ، محت بأنفجارها شخصياتهم وهوياتهم ومن يكونون من داخلهم وملأت الفراغ الذي نتج بالرعب الشديد والهول.

لانني وانا انظر لهم بدلا من ان أرى من يكونون حقا في عيونهم كانت هناك نزعة عنيفة فيهم، جنون مطلق وخوف، شعور بالخطر من أقل الاصوات ونزعة عنيفة للقتل لحماية أنفسهم.

امي قالت ان الجيش ينزع عن المرء هويته. صحيح أنه يدافع عن هويته وموطنه لكن بالمقابل سيخسر جزء عظيم من نفسه ان لم يكن مستعد وحذر. ابي أخبرها ان مهنتهما هي المثل؛ الطبيب الجراح ينقذ الارواح ويرى الكثير من العجائب المرعبة كل يوم، القصص
المأساوية، لهذا الجندي هو المثل.

امي اخبرته ريثما تمرر اصابعها في شعري، لانني كنت ارخي رأسي على ركبتيها وانا اجلس على الارض عند الاريكة التي هي عليها ، ان الاطباء لا يتسببون بنفس هذه المشاكل لاطباء آخرون يفصل بينهم الحدود. يعني ان الاطباء لا يحاربون اطباء آخرون ويتسببون بمقتلهم.

كانت لها وجه نظر قوية لكن كونها الجراحة الوحيدة في منزل يعج بالجنود لم تمتلك فرصة حتى. ابي كان قائد، اغسطس جندي، وانا كنت سأتبع خطاهم. هـي لم تمتلك فرصة امامنا.

رفعت رأسي لها لتخفض وجهها لي مع ابتسامة ممازحة. "لا تجعله يلوث عقلك ادريان."

"انت تساعدين المرضى الذين هم ضحايا الحوادث، نحن نحاول ان نعاقب من يتسبب بهذه الحوادث ونمنع وقوعها ، الجيش ليس فقط للحروب تعرفين؛ هناك الشرطة، الامن، يجب ان يكون هناك جيش قوي حتى تحفظ حدود المملكة وحتى يخاف الاخرون من السيطرة عليها."

"اها! هذا هو فتاي." هتف ابي يشير ألي بأبتسامة واسعة، يفرقع اصبع الابهام والسبابة. "لقد فاز الجنود على الاطباء، استسلمي." اخبرها.

"أنتم الجنود تعتقدون ان كل شيء مسألة فوز او خسارة!" رمت ذراعها في الهواء.

"أنت قلت قبل بضعة سنوات ان مهنة الطبيب هي ربح الحياة او الخسارة للموت." قلت لتخفض بصرها ألي، سمعت أبي يضحك بقوة وانتصار.

غراب | Crow Tahanan ng mga kuwento. Tumuklas ngayon