غراب | Crow

By itsowhatdoit

3.5M 325K 468K

تنضم المجنحة جازمين ستيلارد الى أقوى الجيوش في العالم، متبعة بذلك خطى عائلتها المعروفة والمهمة في المجال العس... More

تحذير | اخلاء مسؤولية
غراب
اجنحة الدمار.
مدخل | حدث غير مألوف.
٢ | حادثة مقبرة كروفورد.
٣ | نتيجة التقديم.
٤ | الشجاعة.
٥ | التمرين الاول.
٦ | تقاطع الدماء.
٧ | سوار القاتل.
٨ | انذار الغراب.
٩ | قد اكون السلام.
١٠ | برودة.
الخنجر والاربعة.
١١ | چين.
١٢ | ارسولا لاغارد.
١٣ | خيوط العنكبوت.
١٤ | الاجنحة السوداء.
١٥ | دماء ستيلارد.
١٦ | الوشاح الاسود.
١٧ | الاكابرس.
١٨ | ايقاع.
١٩ | بحيرة فلور.
٢٠ | شيطان.
٢١ | سكوربين.
٢٢ | ادوار القديسين والملوك.
٢٣ | ثلاثة غربان وحجر.
٢٤ | الافضل للنهاية.
٢٥ | تهويدة.
٢٦ | جازمين ستيلارد.
٢٧ | قربان للاسوء.
٢٨ | شيطان.
٢٩ | اعصار.
٣٠ | الوشم والقصيدة.
٣١ | اول الضحايا.
٣٢ | رايفن.
٣٣ | كمين ايغيس.
٣٤ | الغربان الجنوبية.
٣٥ | السهم المحارب.
٣٦ | السقوط والنهوض.
٣٧ | ضمادات ورصاص.
٣٨ | رجفة، رجفتان.
٣٩ | استراتيجية الالهاء.
٤٠ | ما وراء الجبال.
٤١ | ارينا.
٤٢ | قاتل ارثر.
٤٣ | ديكارسيس.
٤٤ | الفن المدمر، الفن العنيف، الفن الشرس.
٤٥ | طعم مر.
٤٦ | رفيقة جيدة.
٤٧ | لعنة الهاء.
٤٨ | اصل الشياطين.
٤٩ | المجد.
٥٠ | ماسك نواه الشفرات.
٥١ | وان كانوا الجنود يخافون، فمن سيحمي العالم؟
٥٢ | السقوط الاخير.
٥٣ | فكر مثل العدو.
٥٤ | الاسلحة، الجيش، الادرينالين.
٥٥ | قائد السنة الرابعة.
٥٦ | القسم الرابع لجيش الغربان.
٥٧ | ما هو لون ازرقي؟
٥٨ | جيمي بلايز.
٥٩ | ظلال وخيوط زرقاء.
٦٠ | نصل الحرب.
٦١ | اجنحة من دون غراب.
٦٢ | عناق الاجنحة.
٦٣ | الطلب الميت.
٦٤ | انها سخرية القدر، مجددًا.
٦٥ | حديث القبور والعظام..وتخيلات الفتيان والفتيات.
٦٦ | بلاكسان.
٦٧ | اميرة الحرب.
٦٨ | خدوش هازل.
٦٩ | منحدر مأساوي.
٧٠ | المخطط.
٧١ | يرتدي اكثر من وجهين في العلن ويضحك على الجميع.
٧٢ | المعاناة المشتركة.
٧٣ | جناح.
٧٤ | رقصة حفل التخرج.
٧٥ | جسر الغربان.
٧٦ | قوة الحب والصداقة.
٧٨ | «قطع من الثلج، اشلاء من الثلج.»
٧٩ | مثل الجنوب والكوخ.
٨٠ | الجنوب والجيش والادرينالين.
٨١ | سلبيات وايجابيات.
٨٢ | كلمات جايدن.
٨٣ | خدوش ادريان.
٨٤ | بوابات انتقال عبر المكان.
٨٥ | مخلوقات الليل.
٨٦ | مجرد تغيير..
٨٧ | الابن المكسور.
٨٨ | رسالة من الاجنحة.
ملاحظة مهمة
«ما يحدث في الجوانب الجنوبية.»
٨٩ | بدأ التاريخ يدون.

٧٧ | في وسط الوحوش نُبنى.

50.1K 4.7K 10K
By itsowhatdoit

مررنا على براندون لكنه كان نائم وقالت الممرضة انه سيبقى هكذا ليوم او يومين، رين كانت بجانبه يقظة مع ثلاثة حراس جنوبيين تفاجأت من رؤيتهم مع اسلحة لكن بعدها تذكرت انه الجنوب، حتى المستشفيات يمكن ان تتعرض للهجوم في أي لحظة.

خرجنا انا وادريان الى سيارة جيب مرتفعة قديمة سوداء، ركضت قبله افتح باب السيارة واصعد. «المطعم لن يختفي ولا الفندق، امشي بهدوء! مازلتِ مصابة.» هتف خلفي.

«هل انت خائف علي سيدي؟»  ابتسمت له اراوغ.

«نعم.» لم أنظر له. بحثت عن حزام الامان وربطته حول جسدي، اجد شيء ألتهي به حتى لا انظر له، سمعته يصعد بمقعد السائق ويغلق الباب خلفه. «هل سيكون ذلك خطأ؟» جاء سؤاله هادىء، مثل الهدوء في الجو البارد.

«همم؟» لا تنظري له لا تنظري له لا— رفعت نظري له. «أن أخاف عليكِ؟» المشكلة أنه لم يشغل السيارة، لم يضع المفتاح، كان ينظر لي فقط، يده على المقود مستنده.

«بالطبع لا، انا جندية وانت—» قبل ان اكمل صك من بين اسنانه يصدمني بردة فعله، يقطع كلامي. «اياكِ جاز، اتحداكي ان تقولي اننا مجرد قائد وجنديته.» علقت انفاسي في رئتاي، شعرت برغبة بالسعال، لكنني أخفيت كل ذلك بتعبير هادىء.

وضع المفتاح في السيارة وشغلها، يسحب الستيرن خاصتها للخلف بقوة زائدة. «أكره الكاذبين.» رفعت حاجبيّ.

«هل هذا يعني انك تكرهني؟»

«هل هذا يعني انكِ كاذبة؟» بقيت انظر له فقط...لا اصدق!

«شغل الراديو فقط.» ضغطت زر الراديو والحمد انه لم يشتغل وبقى يتقطع مما جعلني أعبث به حتى أجد قناة صوتها واضح - لا يوجد شيء مثل هذا لاننا في الجنوب، مما يعني شيء ألتهي به طوال الطريق-

منذ متى وانا بهذا الضعف؟ لدرجة التهرب؟

اوه، منذ ان اعرف ان الامر يتعلق بمشاعري.

-

ادريان أوقف السيارة في موقف الفندق ونظرت باستغراب وانا انزل لان الموسيقى كانت مرتفعة من داخل المطعم، اغلقت الباب ونظرت الى ادريان من النافذة اقترب قليلًا وأدخل رأسي.

«هل يحتفلون؟» نقر أصابعه على المقود ثم دفع بجسده نحو النافذة التي أقف عندها، يخفض رأسه وينظر الى الفندق والمطعم او الحانة عبرها.

«نعم، اعتقد ذلك.»

«لكن كيف ذلك ممكن؟ الا يعرفون بشأن عائلة مانسون؟ انهم أموات؟»

«أظن ان الحراس قرروا عدم أخبار السكان بما حصل لعائلة مانسون، أعتقدوا انه هكذا أفضل، هؤلاء المراهقين يحتاجون فرحة من نوع ما، المأساة تستطيع ان تنتظر لصباح غدًا، سمعت من احد الحراس انهم سيقولون انهم لم يجدوا بقية عائلة مانسون.» وضعت مرفقيّ على أطار النافذة أدير رأسي ناحية المطعم واتكبد عناء ابتسامة خافتة حزينة.

«الامر مأساوي للغاية.» همهم ينظر الى النوافذ التي تصدر منها أضواء متوهجة وضوضاء سعيدة. ادرت وجهي له، الى جانب وجهه لانه كان ينظر الى المطعم. استغللت الفرصة ونظرت في تفاصيل جانب وجهه. الانف الرائع، الرموش الشقراء، الشفاه التي كانت زرقاء قليلًا الان بسبب كل الجهد والغضب الذي استنفذ منه الكثير، والبرد، فجأة ألتفت لي واصبح وجهه قريب من وجهي، يحبسني. «هل تعتقد ان قرار الحراس صحيح؟ عدم أخبار الناس وتركهم يحتفلون؟» جيد انني تداركت الوضع بسرعة.

«الحراس يعرفون هؤلاء الناس اكثر مني، قد أكون قائد ديكارسيس لكن الحراس يقودون هؤلاء الناس ويحمونهم ويعرفونهم اكثر مني، لذا ما أظنه لا يهم.»

نظرت الى المطعم مرة اخرى. «هم محقين، يوم حفلة التخرج هو يوم أسطوري يجب ان يطبع بشكل ايجابي في الذاكرة، انه يوم من العمر.» أحسست بصمته فأعدت نظري له لاجده ينظر الى وجهي مع ابتسامة خفيفة مراوغة، ظل القمر الازرق ينعكس عليه مع أضواء الشارع البرتقالية على داخل السيارة تصنع مزيج أضواء مميز. «تقول الفتاة التي لم تذهب لحفلة تخرجها وفضلت اكتئابها بدلًا.» رفعت ذقني وكأنني أضحك. «هه. مضحك للغاية.»

«النفاق صفة سيئة تعرفين.» قال يرفع يداه باستسلام وكأنه لا يوجد شيء خطأ في ما قاله، ينظر لداخل السيارة ويتفادى عيناي ثم أعادهما ألي مع ضحكة خفيفة.

«لقد قلت حفلة التخرج وليس حفلة تخرج الثانوية، سوف أجعل حفلة تخرجي من القاعدة ديكا أسطورية، سوف أصنع حفلة بكبر نجاحاتي عندما أنتهي من تدريباتي، في المنزل، على طول الحي، في القاعدة. هناك دائمًا حفلة تخرج أخرى لو فشلت واحدة وذهبت. هناك دائمًا أشياء أخرى يمكن ان تُطبع في العقل وتُنقش لتكون أفضل الايام من العمر.» عقد حاجبيه. «اوه حقًا؟ جازمين ستيلارد سوف تجهز حفلة كبيرة؟ البخيلة جازمين التي أعرفها؟ رغم ان جاز الفلسفية الايجابية بزيادة تعجبني لكن التي تجهز حفلة؟ يبدو ضرب من الخيال.» سقطت تعابيري ببرود نحوه.

ومن ثم انقضضت عليه أدخل ذراعيّ عبر النافذة وأحاول ضربه لكنه هرب وأبتعد الى باب السائق يضحك ويحمي نفسه بذراعيه. «الذي يفكر في المادة كثيرًا هو البخيل سيد سليندر!» هتفت اشعر بالاهانة.

«ولست ايجابية بزيادة، انه الواقع فقط.» قلت ارمقه وارجع للوراء، رفع لي حاجبه الفضي يعاود الاقتراب. «لا ليس الواقع، ان خسرت شيء يومًا، لن يعود ابدًا، هل سيعود حفل تخرج الثانوية بمثل المشاعر؟ لا.» اوه هل هو يتحداني فلسفيًا الان؟

«ان الامر لا يتعلق بالايام أنما بالشعور.» هز رأسه ينظر للامام بابتسامة لا يقتنع ويغضبني.

«هناك ذكريات ترتبط بها مشاعر، هل ستفضل مشاعر حفل تخرجك ام حفل زفافك؟ لا احد يعرف لان حفل تخرجك بائس ولم يأتي قط لكن ربما يكون حفل زفافك ضرب من الخيال وينقش في ذهنك للابد، مع كل اصدقاءك، عائلتك او ماتبقى منها، وهكذا، سيعوض هذا عن حفل التخرج وسوف تفضله ويطبع في ذاكرتك ليعوض عن كل شيء.» أستطيع أن ألعب هذه اللعبة انا ايضًا.

عرفت ان ما سأقوله سوف يؤثر عليه لكنني لم أتوقع أن..تتبدل تعابيره بسلاسة الى واحدة هادئة، تتأمل وجهي وأنا أتحدث، يحافظ جاهدًا لابقاء ابتسامة مشرقة خفيفة على شفتاه من حديثنا السابق الساخر حتى لا يثير الريبة لكنه واضح أن كلامي حبس ذهنه في أطار ثاني.

عيناه لمعت وظلال الاضواء الممزوجة انعكست عليه وهو ينظر لي.

«حفل زفافي ها؟» قال بخفوت واومات، اشعر بشعور جيد وأنا ألمح له او أذكر موضوع حساس يتعلق بنا، هل هذا شعوره عندما يلمح او يذكر أمور حساسة؟

«اثبتي ذلك.» قال فجأة بنظرة هادئة ولكن متأملة، حيوية، شفتاه مفترقة بشبح ابتسامة، نبرته خافتة تناسب الليل الجنوبي.

حافظت على تعابير وجهي، أحاول ان لا اتعرق بسبب ما قاله، انه لاعب جيد في هذه اللعبة التي نلعبها، اقترب ونقل جسده حتى جلس على مقعدي، ينظر لي من عند النافذة، وجهًا لوجه.

«اثبتي فلسفتك الايجابية التي لم أفهمها ايتها الفتاة الانتحارية سابقًا.»

رفعت حاجبي. «هل تريد ان تتزوج هنا؟» سألت بصراحة ونظر لي لثانية قبل ان يخرج نفس هازىء ويرجع للوراء، تفاحة ادم خاصته تحركت رغم ان تعبيره ساخر.

«زفاف مفاجىء في الجنوب المدمر؟ تبدو مثل أجواء غامضة تثير الجو الرومانسي، قد لا أمانع ذلك.» افترقت شفتاي ورمشت، هذا الذي قاله..لقد سمعني وانا اتحدث مع راني.

«الا تعتقدين ذلك؟» ألتفت لي بتحدي.

«ألم لا تستطيعين أثبات فلسفتك؟» هو يتحداني لكنه لا يكترث للفوز او الخسارة، هو يتحداني لانه يريد ان يرى ما سوف أفعل، لان الامر ممتع، رؤية ردة الطرف الثاني وهو يخفي شعوره الحقيقي.

لكن ادريان غفل عن شيء.

وهو ان امي هي ارسولا ستيلارد.

اقتربت ووضعت مرفقي بكسل على النافذة، أنظر الى الاشخاص الذين يدخلون ويخرجون من الفندق. «لنختار فتاة جنوبية، سوف نزوجك الليلة.» الكلمات بدى شعورها مثل العلكة شديدة المرارة على لساني لكنني أردت رؤية ردة فعله.

نظراته مسحت وجهي بكثافة، وكأنهما الة الكترونية تمسحني مسح شامل، تبحث في كل أنش وخلية، يتفقد ردة فعلي.

وليساعدني الرب، لانني بكل قوتي، شعرت بالضعف تحت أنظار عيناه الثلجية الزجاجية، ليس لانه كان ينظر الى روحي بل لانني كنت أنظر الى روحه وأريدها، لدرجة انني لا أستطيع التمثيل من قوة رغبتي هذه.

«او بعد تفكير..» لويت شفتي السفلية. «ألم تقل أنني فتاة غربية لكنني جنوبية؟ بسبب غضبي وحقيقة ان جزء كبير مني تكون هنا؟ أنني تمت أعادة برمجة جيناتي بالاكابرس هنا؟ لذا أعتبر فتاة جنوبية.» خفق قلبي وبلعت الخفقات أجبرها ان تنبض بهدوء وتأخذ الامر بروية ولا تظهر انها جائعة.

قزحيتاه اتسعت لكن ليس في صدمة، لم يكن تعبير صدمة، حيث ان وجهه مازال هادىء يراقبني، لكن البؤبؤ اتسع ببطء مثل أتساع البؤبؤين بعد تسليط الضوء عليهما.

أرتفعت الموسيقى القادمة من المطعم بقوة فجأة وسمعنا هتاف المراهقين. بدأت اغنية بوب تلعب.

لم ينطق بكلمة، يحبسني تحت نظراته، يبلع كل ما أقدمه له وينتظر المزيد. «لا أمانع ان اتزوجك في الجنوب بشكل سري فقط لاثبات فلسفتي، نحن آل ستيلارد عنيدين وقد نضحي بجنوب أو بأنفسنا او مملكة لاثبات أنفسنا..وانا لن ادع قائد منافق يلعب دورين في ان يعتقد أن رأيي غير منطقي.» او انا فقط أحب هذه الفكرة، فعل شيء سري مع ادريان في الجنوب المدمر وفي ليلة باردة ووسط الحشود والناس ولكن لن يعرف أحد ابدًا بما نسجناه هذه الليلة وسوف يبقى بيني وبينه فقط. الفكرة أعطتني شعورًا غمر قلبي وجعله دافىء، ثم ضخت الادرينالين في دمي بحماس، دغدغت بطني.

يا للهول.

رفع يده الى الامام حيث خزنة السيارة، يسندها هناك، حيث كان هناك خاتم روان في أحد أصابعه، عضلات ذراعه برزت بسبب الحركة، لم يبعد نظرة المكثف عني. «هل تريدين الزواج بي؟» غصة غريبة ألتفت حول عنقي، ليست مثل الغصات التي أعرفها صاحبة الاشواك، هذه أنطلقت من بطني الى قلبي ثم حنجرتي، حماس؟ شيء عاطفي أكثر؟ «جاز؟» نبض قلبي خارج صدري.
نطق حروف أسمي بطريقة دمرتني.

خفضت بصري الى يده واصابعه، اشعر بارتعاش اصابعي ولهذا قبضت يدي ومن ثم مسحتها ببنطالي. «ان كان سعر هذا الخاتم ملايين وان كنت سوف تقتنع بوجهه نظري، تقنيًا فقط.» مددت ذراعي وسحبت الخاتم من أصبعه، أرفع يدي أمامه بسخرية وألبس خاتمه وأنا أشعر أنني سوف أنفجر. لا اعرف كيف أخفيت رعشة اصابعي وارتجاف خلايا جسدي.

واستوعبت كم ان حركتي غير صحيحة لانه خاتم والدته، خاتم روان، لماذا قد اسحبه وارتديه؟ قد يعتبر الامر اهانة وقد يكون شيء شخصي لا يسمح لاحد بلمسه ان كان مرتبط به بشكل عاطفي.

لكنه لم يبدو غاضبًا او منزعجًا وهذا خفف شعور الذنب.

«هذا هو رمز ووثيقة زواجنا، ضمان الى ان تقتنع، عندما اريك الحقيقة سوف أعيده لك وسوف ينتهي الزواج.»

'خذيني الى تلك الايام، هل تتذكرين عندما بدأنا هذه الفوضى؟
كان قلبي ينبض خارج صدري، هل تتذكرين عندما سرقنا سيارة والدك؟ لم أتوقع أن نأخذ الامور بعيدًا الى هذه الدرجة..مذنبين ومتشاركين الذنب في هذه الجريمة..' لعبت كلمات الاغنية تزيد من نبضات قلبي، الموسيقى الصاخبة لها كانت مكتومة داخل المطعم لكن مسموعة، بينما خارج المطعم كان الليل يحمل نسيم هادىء امتزج مع الضوضاء والموسيقى المضغوطة.

لم ينظر للخاتم ولا لاصابعي ولا الى مصدر الموسيقى أنما نظراته ثقبت وجهي ثقوبًا، تقبلها، تنشر شعور ساخن على بشرة وجهي، وكأن وجهي كتاب مثير للاهتمام يفضل ان يقلب بين صفحاته على ان يرى الغلاف والذي هو هنا اصابعي التي حركتها بخفة حتى أجذب نظره لها لكن عيناه لم تتزحزح عني.

وهنا جمعت قوتي ورفعت عيناي له بثقة. عيناه كانت...ثاقبة، متسعة البؤبؤ، بشرته لمعت تحت ضوء القمر، بحيث ان اللون الاشقر لحاجبيه ولحيته التي تكاد تكون مرئية برز مع أختراق الاضواء لهما ولرموشه.

فجأة أمسك أصابعي بيده يجعل قلبي يصعد الى حنجرتي، اللمسة، قبض أصابعي ضمن أصابعه آلتي ألتفت حول يدي، عيناه لا تبتعد عن خاصتي، لا تكسر التواصل بيننا. عندما فرش اصابعي في راحة يده وحرك بأصبعه الخاتم ومن ثم نزعه أعتقدت انه سوف يضحك بسخرية ويلطف الجو ويأخذ الخاتم واتمنى انني لم اجرحه او اهينه بما فعلته لكنه فعل الغير متوقع تمامًا، «خاتم الزواج يوضع في هذا الاصبع.» بدل مكان الخاتم آلى أصبع الزواج. «وهذا يعني أنه اتفاق مؤقت صحيح، مما يعني انه يجب ان يكون حقيقي قدر الامكان حتى يكون هناك ضمان، وهذا يعني انني يجب ان ارتدي خاتم ايضًا، ما الذي تمتلكينه لارتديه؟»

اصبح الان دوري لانظر له من دون ان اتحدث، بدهشة في داخلي، بمئة سؤال عن ما الذي يدور في عقله، كان ينظر لي وكأنه يخبرني أنه يقرأ كل مابين السطور، ان هذه تمثيلية سخيفة وأننا كلانا نعرف الحقيقة.

ثم هو خفض عيناه الى رقبتي. «اعطيني قلادتك الثانية.» ارتفعت يدي على الفور الى سلسال قلادة ابي، أمسكها واستمد منها القوة. «أو هل لديكِ خاتم هنا او هناك في بذلتك يناسب حجم أصبعي؟»

اهدئي. اهدئي.

«هل تعتقد ان ارتداء قلادة ابي كخاتم زواج سوف يبارك الزواج؟» هذه المرة انشقت ابتسامة على شفتاه وضحك. «لا، على الاطلاق، أراهن انه سيحاول قطع أصبعي من العالم الاخر.» ابتسمت له بخفة. ابي سيحاول هذا بكل تأكيد.

نزعت القلادة ببطء وامسكتها في الهواء ليتدلى السلسال بيننا. «أعتني بها جيدًا.» همست له بخفوت وابتسامة أخف. لا اعرف كيف سيحولها الى خاتم ولكنني أثق به.

نظر لي لثانية قبل آن يأخذها، شعرت وكأنه رأى ثقتي به الان، كيف أنني أثق به... «بحياتي.» أخذها وبدأ يلفها حول أصبعه. اظن انه يعرف انني كجندية اثق به كثيرًا ولو بحياتي لكن كجازمين؟ كشعور شخصي؟ بين ادريان وجازمين؟ أظن انني اظهرت له للتو شعور قوي وبادرة أقوى.

بالعادة انا لا أفعل ذلك.

لكنه لن يفعل شيء للقلادة، انه يعرف شعور الارتباط بغرض أحدهم، هو مرتبط بخواتم والدته ايضًا. نزع الصحيفة المعدنية ودسها في جيبه، يلف السلسال حول أصبعه بطريقة مبهرة حتى بدت السلسلة مثل خاتم فضي كبير قليلًا.

ابي يتقلب في قبره بكل تأكيد.

«والان اقوم باعلانكم زوجًا وزوجه.» قال يضم اصابعه الى جانب خاصتي لتلمع الفضة تحت ضوء القمر.

«تستطيع ان تقبل نفسك شفقةٍ عندما أثبتك خطأ.» قلت ابتسم بقوة وأفتح الباب، اخذ ذراعه واسحبه لينزل واجره ركضًا الى المطعم.

دفعت أبواب المطعم المزدوجة ودخلنا ليستقبلنا الاضواء الخافتة الزرقاء والبرتقالية والحمراء  والوردية الساخنة المتعلقة بالرقص في منتصف المكان، المراهقين كانوا يرقصون بحماس يقفون على شكل ثنائيات ونظرت حولي لاجد البالغين جالسين او واقفين يشاهدونهم بحماس وحب ونظرات طيبة القلب سعيدة من أجلهم.

«انظر وتعلم،» ألتفت له وقلت. «يا سيدي.» قلت بسخرية لانه شعور جيد ان يتعلم المعلم ولو مرة شيء ليس جيد فيه.

تحركت خطوتين للامام ووجدت الجنود البؤساء يجلسون على جنب ويشاهدون الراقصين بنظرات بائسة متحسرين على وضعهم الذي لا يحسدون عليه. رفعت يداي وكورتهمت حول فمي ثم هتفت بصوت صاخب وواثق وكأنني أطلق أمر.

«القائد ادريان قال أننا نستطيع الاحتفال لان المهمة أنتهت.»

هذا هو، هذا هو كان كل ما أحتجت لفعله قبل ان يسود المكان فوضى بهتاف الجنود من لا مكان ورفعهم أسلحتهم في الهواء بانتصار وسعادة، ثم اقتحامهم حلبة الرقص يدخلون الفن المدمر على رقصة المراهقين ليصبح كل شيء صاخب لكن ممتع، وشيء فشيء بدأوا الكبار الجنوبيين ينضمون حتى أصبح الكل يرقص.

«هذا كيف تعطي حفلة بعض حيوية، باعطاءها بعض الجنود البؤساء.» قلت ومن ثم استدرت الى ادريان لاجده ينظر بعدم تصديق لي ولهم ولكل شيء.

وعندما رأى النظرة على وجهي سقطت تعابيره. «لا. انتِ مجنونة.»

«اوه نعم.»

«قلت لا.»

«نعم—» سحبت قيتار من أحد الجنود ودفعته نحو صدر أدريان ليبعد يداه عنه. «سوف تعزف.»

«لا لن أفعل، هل تعتقدين انني في مزاج—» صك من بين اسنانه يهمس حتى لا يسمعه أحد. «ولا تضغطي—»

«أعزف! أعزف!» بدأت أهتف وأرجع للوراء أحرك يداي لينضم لي على الفور البعض، منهم روز، العجوز، وبانضمامهم أنضم بقية الجنوبيين ومن ثم بعد ان تجرأوا الجنود وهتفوا أصبح كل الموجودين يهتفون لادريان حتى يعزف ليرسل لي نظرة قاتلة. «اعزف من اجل الجنوبيين.» همست له من بعيد. «من اجل ليلتهم المميزة، سيتذكرون الليلة ويقولون ان قائد غربي عزف لهم.»

«هيا! أتذكر كيف كان عزف الفتيان في الثانوية رائعًا! أرجع لنا تلك الايام الخوالي!» شفرت روز كلامها تضحك وتهتف له. «اجل، عندما كانوا المراهقين واصدقاءهم يعزفون موسيقى شيطانية.» قالت العجوز تبتسم بود من خلف المنضدة التي تقف وراءها وتستلم من هناك الطلبات.

هز أدريان رأسه لكنه مازال أمسك بالقيتار وصعد الى الخشبة التي يفترض ان يتم الاعلان عليها ملك وملكة التخرج، رغم انني لا اعتقد ان المراهقين هنا اكترثوا لهذا اللقب كثيرًا. ربط أحدهم القيتار لادريان وانطفأت الاضواء ليسلط عليه الضوء ومن ثم على المغني الذي ركض الى الخشبة الى جانب ادريان، تحدث معه في أذنه ورأيت الإثنين يؤمان لبعضهما البعض يتفقان على اغنية، الهتاف أندلع بتشجيع لهما وحماس.

ومن ثم بدأ المغني يغني..ثم بدأ ادريان يعزف.

وما الذي أستطيع قوله؟ سوى ان المكان كله تغير فجأة وأصبح ادريان.

الطريقة التي حرك بها ريشة العزف على أوتار القيتار وأصدر نوتات موسيقية صاخبة فجرت المكان بشكل محترف ومنظم، قيتار كهربائي، أضواء اطفئت، جنود وجنوبيين، دمار وسعادة، وكأن العالمين امتزجا.

لم تكن نوتات روك صاخبة بشكل غبي وعبثي أنما من ذلك النوع الذي يحمل معنى وشعور ولحن مميز جعل الجميع يندمج معه ويرقص، النوتات خاصته تسربت من أوتار قيتاره وتغلغلت في الهواء، لا اعرف كيف، لا اعرف كيف حقًا لكنها نوتاته هو. ان اغمضت عيناي وسمعت هذه الموسيقى سوف أرى ادريان فيها على الفور.

صاخبة، شرسة، لكن ليست عبثية وتافهة، تهز الجدران ويمكن ان يقول أهلك انها موسيقى الشيطان لكن اللحن الذي بها يدخل الى قلبك على الفور ويحاوط جسدك وأحلى شيء، أكثر شيء احببته، هو صخبها، لان صخب الموسيقى ارتفع حتى ثقب اذني وحجب عني اصوات كل العالم، ينتشر في الغرفة ويقتل كل صوت لا ينتمي الى ادريان، وكأن المرء دخل عالم ادريان— وكأن ادريان سحبنا الى عالمه وقفل علينا باب هذا العالم بموسيقاه هذه. اعتقد ان اسم الاغنية هو "هل اريد ان اعرف؟" ونسخة الروك خاصتها بواسطة ادريان مدمرة.

أحببت الشعور جدًا. شعور ريشة العزف وهي تدمر كل هدوء موجود، شعور النوتات وهي تصرخ بطريقة الكترونية، كل صرخة تصطدم بهدوء ساكن داخل المرء وتفجره، تأجج مشاعره. لم اتمايل مع الموسيقى، لم اهتف، لم ارقص مثل البقية أنما وقفت وسط الجميع اشاهد المكان فقط، استشعر كل شيء حولي، أجعل جسدي وحواسي تبتلع ما هو حولي.

أغمضت عيناي، أستمع الى موسيقاه.

«سأعزف لكم مقطوعة هذا العالم المدمرة.» امتزج صوته خلف صوت المغني والموسيقى، يجعلني أرجع رأسي للوراء، وكأنني اسند رأسي ليس على الهواء للوراء لكن على الموسيقى التي حاوطتني، انها فقط..هو. وكأنه نشر روحه ونثرها هنا في الهواء.

ومن ثم الاغنية تبدلت بطريقة جميلة للغاية وشرسة الى اغنية اخرى جعلت الجميع يهتف اضعاف بسعادة لانها اغنية كل الاجيال، لقد رأيت بعض الطلاب في ثانويتي يسمعونها مرة او مرتين، كانت هادئة الا انه الان حول موسيقاها الى روك مما جعل الجنود يجن جنونهم، فتحت عيناي اسمع تصفيرهم وتشجيعهم، اقتربوا من بعضهم البعض يهتفون الكلمات بطريقة تناسب الايقاع الذي هز القاعة مع كل سحبة يسحب بها ادريان الريشة على الاوتار.

«اوه انه لشرف عظيم ان اموت الى جانبك! خذني الى الظلام معك! لا اكترث! لا اكترث! خذني معك! اوه خذيني الى اي مكان لا اهتم، لا اهتم!»

«واذ قتلتنا شاحنة وزنها عشرة اطنان
انه لشرف لي، طريقة سماوية للموت الى جانبك!
السير على الطريق في سيارتك، لا اريد الذهاب ابدًا
واذ اصطدمت بنا شاحنة بطابقين وقتلتنا، انه لشرف لي
ان اموت الى جانبك!»

ومن ثم اغنية بعد اخرى قلبت المكان رأسًا على عقب لدرجة ان الجنود صعدوا على الطاولات يهتفون الكلمات، أحسست بابتسامة تنتشر على شفتاي وانا اشاهد الجميع ريثما ارقص واهتف معهم، الجنوبيين بملابس الحفلة والجنود بالبذلات السوداء، اندماجهم مع بعضهم البعض. ضحكة انطلقت من ثغر احد الجنود عندما انكسرت بهم الطاولة فجأة وسقطوا على الارض.

لم أذهب الى حفلات الثانوية من قبل لكن ان كانت مثل هذه فقد فاتني الكثير حقًا، صوت هتاف الجنود المرتفع طغى على البقية، يجذبون الجميع حولهم. الموسيقى لعبت في كل ركن من اركان المكان، تفعل المثل مع عقولنا، تقتحم كل ركن من اركان أذهاننا وتدخلنا في حالة حماس وادرينالين بهجة، أجسادنا تعرقت، أصواتنا أصبحت مبحوحة والليلة أنقضت بشكل جيد، توقفت وخرجت من الحشد، اذهب لشرب الماء واستند على أحدى العواميد ألف رجل خلف الاخرى من الوراء واشاهد المراهقين الذين بدوا انهم يعيشون افضل ليلة في حياتهم، بالاخص راني، كانت ترقص مع ذلك الفتى السيء بحماس وابتسامة واسعة، اسعدني ذلك.

اغنية بعد اغنية، راقبت بها أدريان من مكاني، تعرق شعره قليلًا، أحمرت رقبته، ابتسامته لم تكن واسعة لكنها كانت خافتة وموجودة، انها القوة التي يعزف بها، القوة التي تدفع الريشة على القيتار ما يجعل اللحن عظيمًا، وهذه القوة يتم استمدادها من كل شرخ في داخله، من الغضب. لمعت قلادتي حول أصبعه حتى ابتسم للجنوبيين بعد انتهاء الاغنية ورجع للوراء ينزع القيتار ويعطيه للمغني ينزل من الخشبة، يأتي الى جانبي، قبل ان يطلب ماء من النادل رفعت قاروة المياة خاصتي له مع ابتسامة، خاتمه الفضي لمع على أصبعي.

أخذ قاروة الماء وشربها دفعة واحدة، يرجع رأسه للوراء ويتجرعه، نظر لهم ايضًا وهو يشرب. «هل اثبتت فلسفتي؟» قلت بصوت الفائز الذي انا عليه، اعقد ذراعيّ ليرتفع طرف شفته ويرمي القطرات التي تبقت في القاروة نحوي بحركة لعوبة، يجعلني أبعد رأسي لثانية من ان تضربني القاروة لكنها قطرات الماء الخافتة التي سقطت علي.

«لا. فلسفة فاشلة. لم تشفي كوارث مراهقتي.» قال من بين انفاسه المحتدجة، قلبت عيناي.

«أعني حقًا جازمين؟ ظننتكِ الحكيمة، حفلة واحدة لا تشفي كوارث ومصائب الماضي، انها فلسفة اكثر من فاشلة.» عقد حاجبيه يتحدث بجدية لكنني رأيت السخرية والمزح، ولم استطع سوى النظر له والابتسامة، احب هذه الراحة التي بيننا ونحن نتحدث، هذا الهدوء المريح والاطمئنان.

اريد فقط ان اخذ ادريان الى فوق سطح الفندق والجلوس معه ومشاهدة فيلم، اريد ان أعرف هذه الجوانب منه، كيف هو ياترى في الجلسات؟ هل هو مزعج؟ هل هو من نوع المشاهد الصامت؟ المتفاعل كثيرًا؟ ولاول مرة اكون ممتنة انني لم اشاهد كل الافلام المشهورة وحتى الغير مشهورة لانني لم يكن لدي اهتمام، شاهدت القليل فقط مع تورما وكل مرة كان ينتهي الامر بنوم تورما في منتصف الفيلم مما يجعلني اغلقه وانام انا ايضًا، اريد ان اشاهد الافلام معه.

«اي نوع من الافلام تحب؟» سألت بلا مقدمات بخفوت، اراقب تقاسيم وجهه. أردت...لا. اشحت بنظري، انظر للجمهور وابعد تلك الفكرة عني. انه شعور غريب للغاية، ان تنظر الى الشخص الذي أمامك وترى فيه كل ماتريد، كل ما يناسبك ولا يناسبك لكن يحسن منك.

«لماذا؟ تصنيف الكوميديا بالاغلب، والاكشن والغموض.»

«اه، مثل كل رجل.» رفع حاجبيه وسحب مقعد، يديره ويجلس عليه. «ما تصنيفك المفضل؟ لنرى يا انسة مختلفة.» ابتسامتي لم استطع كتمها بسبب كلامه، رطبت شفتاي، أحاول أن أتذكر افلام تورما، لكنني لا اتذكر شيء لانني كنت فقط انظر من اجلها، عقلي كان دائمًا في مكان ثاني.

نظرت الى الجنوبيين، يضحكون بقوة وصوت مرتفع انتشر عبر المكان، يتحدثون مع بعضهم البعض، جزء منهم يجلسون حول طاولات يتناولون الطعام ببهجة مميزة جعلتني ادرك ان قرار الحراس الجنوبيين كان صحيح. «اءءء...احزر؟» بطاقة جيدة.

«الاكشن؟» همهمت له الكلمة ولم يرد، شعرت به يبقى ينظر لي وهو عاقد حاجبيه قبل ان تُفتح العقدة بادراك.

«جازمين، هل ليس لديكِ تصنيف مفضل؟» قال بعدم تصديق.

أردت الانكار، اردت ذلك بشدة وفتحت فمي للكذب لكن احسست بلسعة قوية في حنجرتي جعلتني اسعل بخفة، وكأن الهواء ألتف حول رقبتي يمنعني من ان انطق بحرف.

«هل انتِ بخير؟» في ثواني كان يقف امامي، هززت رأسي اخبره اني بخير، لكنني شعرت برعشة باردة تنخفض الى ذراعي المضمدة.

«بخير لكن اشعر بلسعات باردة في حنجرتي وذراعي..» قلت باستغراب، الجرح يلتئم وحتى التئامه ليس بذلك السوء لكن اللسعات غربية.

قطب ادريان حاجباه نحو ذراعي وكأنه يفكر في شيء لكن قبل ان يتكلم أحسست بالشعيرات على رقبتي تقف فجأة بحذر ومن الطريقة التي تصلب بها أدريان وارتفع رأسه الى عيناي بتركيز وكأنه يخبرني آنه شعر بالامر كذلك عرفت انه امتلك نفس ردة فعلي.

انه تبدل طفيف في الهواء، وكأن شيء لا ينتمي الى هنا دخل.

لكنه طفيف للغاية، خافت، يكاد يكون معدوم. ومع ذلك أستطعت الشعور بقوته والتهديد الذي فرقع عبر خلايا جسدي وجعل جلدي ينكمش، مثل نغزة أبرة صغيرة، تكاد تكون مرئية وسط الفوضى لكن تأثيرها قوي جدًا.

استقام عمودي الفقري وأصبح غرابي يقظ. «هل تشعر بذلك؟» عيناه اندقت نحو نوافذ الضخمة بنظرة ثاقبة. «نعم.» ألتف رأسي الى هناك.

ماهي الا ثواني حتى وقف الشعر على رقبتي مرة اخرى، أذني الحادة تفصل صوت الموسيقى والاحاديث وتسمع نغمة حادة من مكان بعيد جدًا..نغمة تبدو مثل صفارة انذار..بدأت ترتفع تدريجيًا حتى صدح صوتها على صوت الموسيقى لتنخفض الضحكات بقلق والاحاديث بصدمة وتشويش.

«الحراس يطلقون الانذار عندما يكون هناك هجوم مفاجئ لم يتوقعوه!» هتف ادريان ينبثق بسرعة من مكانه نحو مكان أسلحتنا. «ليستعد جميع الجنود مع سلاح!» لم يحتاج الى ان يكرر أمره مرتين، كل الجنود أمسكوا اسلحتهم ومن لا يمسكها ركض لها، الحراس الجنوبيين الموجودين هنا فعلوا المثل، رين قفزت من فوق المنضدة مع سلاح أخرجته من تحت المنضدة، أخذت انا ايضًا سلاحي أنضم الى فرقة الجنود الذين تجمعوا خلف ادريان. «ما الذي يمكن ان يكون؟» سأل جيمس.

بعض الحراس أشاروا بأيديهم ببعض الاشارات الى الجنوبيين الذين انمحت من على وجههم كل تعابير السعادة واستبدلت بقلق شديد وخوف، استجابوا الى اشارة الجنوبيين وتجمعوا في نهاية المطعم مع بعضهم البعض، هناك شيء ما خطأ..ادريان سحب اقسام الامان ورفع بندقيته يتقدم نحو النوافذ..استطيع الشعور به في عظامي..تلك القوة الغريبة..هناك شيء في— أنفجر زجاج النوافذ الى أشلاء وانبثق من خلالها ثلاثة مخلوقات ضخمة مفترسة، تشبه تلك التي في مدينة ألعاب كوستلاين، توسعت عيناي، أندلع الصراخ المرعوب من حلفي يمتزج بزمجرات هزت جدران المطعم والفندق.. كيف...

«أطلقوا النيران واحموا المدنيين!» هتف أدريان وبندقيته أنفجرت بنيران الرصاص تكسر صوت الزمجرات بصوت الرصاص العنيف.

على الفور، أسلحتنا نحن أيضًا أنضمت له بلا تردد، نظرت عبر منظار البندقية الى جسد أحد المفترسات الذي كان يقفز من طاولة الى أخرى يحاول الوصول الى المدنيين خلفنا، ضغطت اصبعي على الزر لا أتركه ابدًا، أشعر باهتزاز البندقية والارتداد العنيف لها في يدي وكتفي، أسمع صوت سقوط عبوات الرصاص على الارض، الزمجرات، الصراخ..

«هناك المزيد! علينا الخروج واخذ الناس الى الملاجىء!» هتف حارس جنوبي يركض الى داخل المطعم بمضرب بيسبول وحاجبين معقودين، سترة سوداء ووجهه متجهم— نفسه الرجل من الحانة.

«هيا!» رفع أدريان أصابعه واشار لنا بالتحرك للامام واتباعه، يستمر باطلاق النار..خرجنا من المطعم نسير على شظايا الزجاج المدمرة، سقطت الثلاث مخلوقات لكن فور ان خرجنا شحبت وجوهنا مما استقبلنا، وقفنا أماكننا بصدمة. أنزلت بندقيتي حتى أتأكد مما أرى، قد تكون عدسة البندقية ضبابية لكن لا..ما أراه هو حقيقي.

خفق قلبي بقوة، عيناي تمر على كل أجزاء الشارع ومداخله ومبانيه، من الاسفل حيث دخل مايقارب الخمسة عشر مخلوق ومن أعلى المباني حيث تتبعت بنظري مايقارب العشرين مفترس يقفز من على سطوح المنازل، افترقت شفتاي وأوشكت عظامي على ان تتيبس من الاستيعاب الذي صعقني، لكنني تعلمت من المهمات السابقة ان لا أترك مجال للصدمة او هول ما أرى مجال فبدأت أتحرك ثم أركض أخرج من المطعم. «لا تحلقوا! لا تحلقوا! أنهم سوف يهجمون من أعلى السطوح على كل من يحلق! أعدادهم في الجو أكثر من الارض!» بدأت أهتف أركض للذين كانوا يتدافعون للخروج والتحليق من هنا لكن..لن ينجح ذلك.

الهتاف والزمجرات والصراخ كان مرتفع والاصوات تداخلت مع بعضها البعض، لم يسمعني سوى قلة قليلة نظروا لي ثم بدلوا بصرهم الى سطوح المباني والمنازل ليتوقفوا في مكانهم بأعين انتشر فيها القلق والصدمة. «لا تحلقوا!» ركضت ودفعت جسدي من بين الجنوبيين الى الخارج تمامًا، اشعر بالهواء البارد ضد بشرتي، حذائي السميك يرص الثلج تحتي. «انهم على سطوح المباني والمنازل! أنظروا!» هتفت لادريان والحراس اشير ببندقيتي باتجاه المخلوقات لتندق رؤوسهم الى هناك على الفور وسط الاشتباك العنيف.

توسعت أعين بعض الحراس بينما البعض الارض نظر لها بصدمة والاخرين بدلوا بصرهم بين المدنيين والمخلوقات، أبقيت بصري على أدريان مثل بقية الجنود، ننتظر أمره.

«لا تحلقوا!» هتف بصوت ممزوج بزمجرة هزت المكان أخترق صخب كل الاصوات والفوضى سمعها كل شخص هنا. أجنحته أنفجرت متوهجة خلفه تمتد بحركة قوية أسقطت قلبي الى بطني عندما بدأ يركض للوراء، يبتعد عنا، بأعين متوهجة ويرفع سلاحه الى الاعلى.

«اصنعوا جسرًا دفاعيًا بريًا، أجعلوا المدنيين يركضون على الاقدام الى الملاجىء، اجذبوا المخلوقات لكم!» هتف بصوت مرتفع علينا يصدر الامر الذي عرفته قبل ان ينطق به حتى، لم يحتاج الى ان يكرر الامر مرتين لنا، بشكل تلقائي وبعجلة ركضنا نحن الجنود لنقف بجانب بعضنا البعض ونرفع أسلحتنا، نصنع جسرًا سميكًا وخلفنا الجنوبيين.

أنفجرت اجنحتنا كلنا خلفنا، تتوهج باللون الازرق المشع في وسط هذه الليلة، بكبرها وحجمها، تشتت انتباه المخلوقات عن الناس وتخفيهم وراءنا.

«المخلوقات التي في السطوح للجنود لانهم مدربين بشكل احترافي على القنص والمخلوقات على الارض للحراس!» الحراس كانوا قد تحركوا أساسًا وانتشروا، بعض منهم أمامنا يقتربون من المخلوقات والبعض الاخر يحمون طريق الهروب ويحاولون ابقاءه صامدًا. 

«الان!» هتف ادريان وقائد الحراس في نفس اللحظة، في نفس الثانية التي قفز فيها مخلوق من الاعلى للارض بعد ان أستوعب انه لن يحلق أحد، بينما المخلوقات الاخرى بدأت تركض على سطوح المباني لتأتي الى سطح الفندق.

وهكذا، أنطلق الرصاص من فوهات البندقيات بلا تفكير وتردد.

وامتزجت مع صراخ الناس خلفنا الذين يهربون ويحاولون قطع الطريق لكن المخلوقات البرية أقتربت بشدة منهم الا ان الحراس كانوا يمطرونها برصاص الاسلحة، بزجاجات نبيذ وضعوا فيها أقمشة واشعلوها بالنار، بعض الحراس ركضوا حول الناس بمضارب بيسبول يحمونهم بها. «هيا! هيا! هيا! لا تتوقفوا مهما حدث!» هتفوا على الناس الذين يتوقفون برعب عندما ينقض مخلوق في الهواء نحوهم لكن ترديه رصاصة وتجعله يزمجر بقوة ويهجم بشراسة وحشية أكثر.

الوضع أصبح عبارة عن فوضى، أصبحت المخلوقات تقفز من فوق المباني ومن فوقنا نحو الناس، ذخريتنا تنتهي ونعيد تقليمها مرة بعد أخرى، حتى تمكن مخلوق من القفز والسقوط على سطور الناس، يجعلهم يتبعثرون ويركضون في اتجاهات مختلفة مما أعطى بقية الكائنات فرصة للهجوم.

استدرت بجسدي ابدل هدفي نحو المخلوقات التي هجمت على الناس، الرؤية تصبح ضبابية لكن ليس بسبب عيناي انما لان كل شيء تداخل ببعضه البعض، وكأنها صورة مائية امتزجت ألوانها.

ارتعد قلبي، ارى الدم يتدفق في كل مكان، يمتزج مع رائحة بارود الرصاص في الهواء، روائح المخلوقات المفترسة ونبضات قلوبها امتزجت مع روائح الغربان ودقات قلوبهم، مثل الشعر والعجين، تستطيع ان ترى الشعر وترى العجين لكن الاثنين ممزوجين بشكل يصعب التفريق بينهما، مما شوش حاسة شمي وسمعي، اهم الحواس التي تساعدني في اطلاق الرصاص، تجعلني انظر من مكان لثاني بهلع، أوجه البندقية نحو مفترس ليصبح غراب في ثانية، الصرخات اختلطت مع البكاء المرتفع، الاجساد المصابة مع الاجساد التي سقطت ميتة، الحراس مع المخلوقات والمخلوقات مع الجنوبيين..كل شيء أصبح عبارة عن فوضى مختلطة، الفصل بينهم..كان مستحيل..ومع حاولت التركيز قدر الامكان وأصابه أكبر قدر ممكن من الكائنات، رغم ان حتى حاسة الرؤية الحادة لدي بدأت تصبح ضبابية، لان كل شيء بدى مثل شبح، يخطف أمامك وقبل ان تضغط الزر يخطف مرة أخرى شيء ثاني وعندما تطلق الرصاص في الهواء وقبل ان تصل الى هدفك يخطف شيء ثالث.

أجساد أشباح..جعلت قلبي يخفق وكأنه يريد تمزيق صدري من الخوف..نحن نفقد السيطرة...

«خذوهم الى الملاجىء الان!!» هتف أدريان بصوت جهوري من أعماق صدره، أرى القلق والهلع في وجهه هو ايضًا.

«سوف أتحرك! الجسر لا ينفع! أعطني الموافقة على طلبي سيدي!» هتفت بصوت مرتفع على ادريان انظر من فوق كتفي الى المخلوقات التي تهجم على سطور المدنيين. «طلبك مقبول!» هتف مع انفجار رصاص بندقيته الـ k4 نحو احد المخلوقات برصاصات متتالية حتى انثقب كل انش من المفترس. استدرت بجسدي على الفور أكسر الجسر وأركض الى السطر، اطلق الرصاص على كل مخلوق أمامي، أتحرك وأدخل بين المخلوقات والحراس والجنوبيين والهاربين. أحسست وانا أسير من بينهم بنقاط رطبة دافئة تنفجر وتصفع وجهي ورقبتي بضعة مرات، لا اعرف ان كانت تعود لغراب او مخلوق، أذني بدأت لا تفرق بين صوت الرصاص والصراخ والزمجرة والرياح، أطراف أصابعي تجمدت من البرد، و..ذخيرتي انتهت.

رفعت البندقية اخرج أنيابي وابدأ بضرب كل من يظهر أمامي بنهاية طرفها، بعنف شديد، اسمع صوت انكسار الجماجم. رأيت فتى مراهق ساقط على الارض ومخلوق فوقه، ايدي المراهق ملتفة حول رقبة المخلوق تحاول ان تبعد فكه المفتوح الذي يحاول ان يقضم رأسه عنه، جئت من الخلف ورطمت جمجمة المفترس بالبندقية أطرحه الى الجنب، المراهق زحف للخلف على الفور ونهض يركض بينما انقضضت انا على المخلوق انهش جمجمته حتى طحنت عظام رأسه ولحم وشحمه مع الارض، وبحلول ذلك وجهي كان غارق بالدماء الساخنة.

نهضت اشعر بارتعاش اطرافي كلها، بقلبي يمزق صدري، بكتلة ثقيلة في بطني، خوف شديد..توتر..، بانغلاق حنجرتي، بتشنج في أكتافي وبثقل جسدي بعد ان ضربت المخلوق مرة بعد مرة بعد مرة، نهضت أوازن نفسي واتحرك الى المخلوق الثاني، اخرج سكين من جيبي واستخدم البندقية والسكين، نظرت حولي، الجميع كان مثلي، يهتف ويضرب وينهش..الجميع من المخلوقات والغربان.

«لم يتبقى سوى القليل! هيا!» هتف حارس على المدنيين الذين كانوا يركضون الى الملاجىء، لم يتبقى سوى القليل منهم...والكثير من الجثث على الارض..مررت بصري على الارض وانا أقاتل..عشرة..عشرون..جثث.

«هيا! هيا ! هيا!» هتف الحارس يمسك بيد اخر رجل من الغربان ويركض معه الى الملاجىء التي في الشارع الثاني تحت الارض على ما أعتقد، يحمل بندقيته ويحاول ان يبعد اي انقضاض عن الرجل، الحراس البقية غطوا عليه وأطلقوا النيران يجذبون أنظار كل المفترسات نحوهم، الجنود يضربونهم.. لكن أعدادهم كانت جهنمية، من المستحيل اننا نمتلك الذخيرة الكافية لمواجهة كل هذه المخلوقات التي كانت تقفز من السطوح، تأتي من كل فروع الشوارع، تزمجر جائعة، بوجوه شنيعة ومرعبة، بطول يصل الى صدورنا او بطوننا، من دون أستخدام أجنحتنا.

توسعت عيناي على المخلوقات التي قفزت من السطوح باعداد هائلة، تتوجه نحونا، تميز أننا الان بمفردنا وان عددنا قليل واننا هدف مكشوف، تراجعت للوراء مثل البقية. «اركضوا لردهة الفندق! الان!» هتف أدريان يرمي بندقيته ويلتقط ثانية من جثة حارس ميتة، يقف أمامنا ويطلق الرصاص. لم يتحرك أحد من الجنود. بقوا في أماكنهم يضربون النيران.. لكنني لم أستطع..عيناي مرت على كل انش من الشوارع والجنوذ والحراس والمخلوقات، تمسح المكان لعقلي حتى أجد حل ما، حتى أجد خلاص، خطة، أي شيء ينقذننا! الحراس ركضوا للملاجئ يسحبون معهم المصابين الذين لا يقدرون على النهوض، يجرون الذين فقدوا الوعي.

لكن الجنود بقوا الى جانب ادريان، الوحوش كانت مثل جيش من أربعين مخلوق، تبعد عنا مسافة خمسة عشر بيت..«هذا أمر عسكري واقسم انني سأنهي وجودكم ان لم تتحركوا للداخل الان!!» الجنود تراجعوا على هتاف بلاكسان وتوهج أعين أدريان بطريقة عنيفة مريضة، عضلاته برزت من شدة تركيزه والطريقة التي يضخ بها الادرينالين في عروقه جعلت رقبته، وجهه يحمر، من الدم الساخن في شرايينه.

انخفضت ألتقط بندقية من أحدى الجثث ولكن تزامنًا مع ذلك تمامًا سمعت صوت صراخ صغير، اندقت رؤوسنا نحو المطعم وتوسعت عيناي على رؤية طفل في عمر براندون وراء منضدة الطلبات يصرخ ومحاصر من قبل مخلوق يبدو صغير الحجم قليلًا، ليس بحجم المخلوق المفترس الناضج، لم أفكر مرتين قبل التقاط البندقية والركض اتجاهه. «سوف اذهب له! قموا بتغطيتي!» هتفت أرفع السلاح وأطلق النار، اسمع اندلاع النيران من حولي من قبل الجنود نحو كل مفترس يحاول الهجوم علي. أطلقت رصاصة نحو جمجمة المفترس اليافع اسقطه ارضًا ومع ذلك الخطر لم يذهب لانني ألتفت وكان جيش المخلوقات يبعد سبعة منازل عنا، قفزت من فوق المنضدة أسحب الولد الذي كان طويل لكنني متأكدة من أنه لم تخرج له أجنحة بعد.

«ما الذي تفعله هنا! لماذا لم تذهب معهم الى الملاجىء!» سحبته من ذراعه وبدأت أركض عبر الممرات الى داخل الفندق حيث الجنود.

«لقد هجمت علينا المخلوقات ونحن في السطر فرجعت الى هنا اختبىء!» هتف ينظر معي عبر الممرات. «حل غير موفق! انت لا تنفصل عن المجموعة ابدًا في مثل هذه المواقف!» أخبرته أدفع الباب الداخلي الذي يصل بين المطعم وردهة الفندق، ادخل انا والفتى وأغلقه باحكام خلفنا، أجر منضدة وكراسي واثبتهم ضد الباب.

«انتِ أنفصلتِ عن الجنود..» هل يجادلني حقًا؟

«انا جندية ولست مدنية.» صككت من بين أسناني، اسحبه وأدخل الى ردهة الفندق حيث وجدت الجنود يختبؤون، يتنفسون بأصوات مسموعة وصدور ترتفع وتنخفض، لكن من دون ان يصدروا حرف واحد، حركة واحدة، هدوء مميت كان في الردهة، قاتل وساكن، ينظرون عبر نافذة قام جيمس برمي غطاء أسود عليها الى الخارج. أعطيت الطفل الى ميلاني ومسحتهم بشكل سريع، اشعر بقلبي يسقط على الارض عندما لم ألمح ادريان.

ولا القائد بلاك.

«اين القائد ادريان؟» سألت أركض الى النافذة، احركها لمسافة ضئيلة، لا اعرف كم رأيت اشياء بشعة بحياتي ولا كم شعرت باشياء بشعة في حياتي لكن لا شيء..وأعني لا شيء جعلني أشعر بمثلما جعلني المشهد الذي أمامي أشعر. ألتف حول حنجرتي حبل حرفيًا، يخنقني، اعتصر قلبي ومرت على طول جسدي قشعريرات رعب جعلتني ارتعد، جعلت قلبي هذ يرتجف، لان المنظر امامي..نظرت الى الشارع الذي أصبح مكتظ بالوحوش..مكتظ بها تمامًا، وببعض الجثث التي تحتها برك من الدماء، مخلوقات وغربان..ومن ثم المخلوقات الحية وهي تفترس الجثث..تنهش الاجنحة، تضع الجثة بين عظام فكها ليهجم مخلوق ثاني ويسحب الجثة فتنقسم نصفين..الاجنحة مقطوعة..كل أنش مني أرتعد ولم ادرك كم ان الخوف هو شعور قوي حتى الان.

ادريان. ادريان. ادريان. عيناي مرت على الشارع بهستيريا حتى لمحت شعره الفضي في أحدى الازقة، يستند على الجدار الذي يواجهه النافذة من بعيد، يرفع البندقية الى صدره، جامد تمامًا، مغلقًا لفمه، حتى انفاسه استطعت ان ارى انه يتنفسها بشكل مدروس، التقط عيناي ورفع ببطء أصبعه الى فمه، يخبرني ان لا أصدر حركة واحدة.

أحسست بالشلل في كل أطرافي.

لا اعرف كيف لكنه ليس ضعف ركبتاي، لا، لقد جربت ذلك الشعور من قبل، وهو مختلف عن الشيء الذي اصاب جسدي الان، الشلل التام وكأن اطراف جسمي بدأت تنفصل عني، وشعرت بذلك الانفصال جزئية جزئية..

ادريان هناك في الزقاق، محاصر تمامًا، وبجانبه ما يقارب اربعين مخلوق، يفترسون الجثث الميتة بقسوة ووحشية حيوانية، فمابالك ان استشعروا ولو نفس واحد خطأ منه؟
لا اعرف كيف الا ان الظلام أحاطني لثانية، قلبي انشفط الى حفرة ظلام، وكأن ثقب أسود سحبه للداخل، ينغرز في داخلي اكثر واكثر بضربة مؤلمة، لكنني رمشت، أحاول السيطرة على عقلي.

ادريان محترف.

هو الان يقف بينهم من دون ان يشعروا به لانه اخفى رائحته، وانتبهت للتو الى الدم الذي لطخ به بذلته، لم يكن دم أحمر مثل دمنا أنما مال الى درجة اللون الاسود، دم هذه المخلوقات، هو لطخ نفسه بدمها حتى تصبح رائحته مثلها..ومع دقات قلبه التي ضبطها من خلال انفاسه لن يهجموا عليه لانهم سيعتقدون انه مخلوق حيّ.

ومع ذلك..مع ذلك..

«ما الذي يجب ان نفعله؟» همست أحدى الجنديات، تتمسك بسلاحها. «لا نستطيع فقط الانتظار هنا.»

عيناي بقت على ادريان. جسده متجذر في الارض، متصلب، وأعني انه لا يبلع ريقه حتى، ملتصق بالحائط، تعابيره يحاول ان يجعلها مسترخية وهادئة، الا انني متاكدة ان كل المشاعر تجمعت في حنجرته كما انني متاكدة من ان هذه المخلوقات سوف تشعر بمشاعره وتعرقه بعد دقائق لان الدم لا يمكن ان يخفي رائحته للابد،

علينا فعل شيء ما. علي فعل شيء ما.

ألتفت نحوهم. «لا نستطيع ان نستخدم البندقيات. هناك مايقارب الاربعين مخلوق. سوف ينفذ الرصاص. أي اقتراحات اخرى؟» قلت انظر لهم كلهم، بينما أشغل عجلات عقلي للمجيء بشيء نستطيع ان نستعمله من دون ان ينفذ.

«ما هو الشيء لا ينفذ؟ الذي يسقط اكثر قدر ممكن من المخلوقات بضربة او يعطينا وقت لقتلهم بالبندقيات التي شبه فارغة من الرصاص؟» سألت، أشعر بالضغط الشديد ضد جمجمتي، ياربي، كل جزء من جسدي كان يرتجف بشكل لم أجربه من قبل ابدًا، كل جزء، من اكتافي الى ظهري الى اسفل ظهري الى افخاذي واقدامي ورقبتي وحتى عظامي وحنجرتي، الخوف تغلل في داخلي والضغط حفر بمطرقة ضد جمجمتي.

«ويجب ان يكون موجود هنا، لا نستطيع ان نجازف بالخروج ولعن القائد ادريان الى موته.» قال جيمس ينظر عبر النافذة الى ادريان.

فجأة استقام الطفل الجنوبي، عيناه متوسعة. «استخدموا الاسلحة التي يستخدمها الجنوبيين.» كل العيون انخفضت له. «وما هي؟» تحركت باتجاهه، اشعر بالالم في أضلعي، هل كسرت ضلع؟ هل تم رطمي على ضلعي؟ لا اعرف لكن الالم نبض لدرجة ان النبض اخترق الجلد وجلس عليه يدق.

«النار، رأيت الجنوبيين الحراس يستخدمون النار لحرق الكثير من المخلوقات المفترسة.» افترقت شفتاي وتبادلت النظرات مع الجنود على الفور، الخيوط في عقلي تتصل ببعضها البعض في ثواني. «زجاجات النبيذ والملابس في الغرف، المقادح في المطبخ، اجلبوهم الان كلهم. سأذهب انا الى المطبخ بما انه الاخطر—» تحركت اسرع قبل ان توقف عند الباب. «تذكروا، إياكم واصدار نفس واحد مسموع والا قتلتكم بنفسي.» ضغطت من بين أسناني ارسل نحوهم نظرة من الممكن ان تشعلهم في مكانهم وتحولهم الى رماد.

فتحت الباب وانخفضت، ازحف على الارض نحو المطبخ واسرق زجاجات نبيذ والمقادح، اضعها في قطعة قماش سحبتها من ملابس النوادل المعلقة، أشعر بالهواء البارد يداعب رقبتي من النوافذ المحطمة، أسمع صوت انكسار العظام، صوت تمزق الجلد، صوت الزمجرات التي تعلو وترتفع بين دقيقة واخرى بعدائية بين المخلوقات بتهديد لان بعضها يسرق من الاخر..

صور مريضة قفزت امام عيناي، عظام ادريان، جسد ادريان، اجنحة ادريان، الشلل أصابني مرة اخرى واحسست بصوت غريب يوشك ان يخرج من حنجرتي، جعل حنجرتي تنغلق وترتجف، اغمضت عيناي واطبقت فكي بقوة امنع نفسي من ان اصدر اي صوت، انخفض نحو الارض واضع راسي عليها استجمع شتات نفسي، لا اريد فقدانه، لا اريد فقدان هذا الشخص، هذا الغراب الرائع الذي يمتلك قلب ذهبي وطيب، روحًا لا مثيل لها، عقلًا عبقريًا وذكيًا وصامدًا، وفاء أبدي، معتقدات ومبادىء وأفكار..لا ياربي..لا اريد خسارته ابدًا، لا هو ولا اللحظات التي قضيتها معه ولا اي جزء منه.

اخذت نفس من فمي وبلعت، اشد على عضلاتي، أصلب نفسي، أفكر كجندية، فتحت عيناي ارجع الى الردهة حيث وجدت الجنود مع اقمشة وفاتحة زجاجات نبيذ، فتحت كل الزجاجات بسرعة، بينما جيمس بدأ يحسب عدد الرصاصات في كل بندقية، يقسمها بيننا، جندية اخرى شقت الملابس الى قطع باحجام مناسبة حشرتها انا في الزجاجات.

«سوف تحتاجون إلى أوشحة.» قال الطفل يشاهدننا، شعره الاسود حالك يشبه سواد هذه الليلة البائسة، نظرت له وبلع، زرقاوتيه تمر علينا. «النبيذ هذا..انه مصنوع هنا، يدويًا، ونحن نصنعه مع مادة سامة تشتعل بسرعة وملوثة، أعتقد ان ذلك لاسباب مثل هذه، الدخان سوف يكون ملوث وأسود ومملوء بثنائي اوكسيد الكاربون، يخنق..» حشرت الاقمشة في الزجاجات اومىء بذقني الى جندي من فرقتنا حتى يذهب للغرف ويجلب أوشحة لنا.

«انت ذكي للغاية، شكرًا لك.» أخبرته ميلاني بخفوت، تبعثر شعره وتقربه من جسدها، فور ان دفن رأسه في خصرها سقطت تعابيرها الودودة بقلق شديد نحوي وخوف، حشرت زجاجة ثانية أخفض بصري وأتفادى خاصتها، اعرف ما تخبرني اياه، هذه كارثة وقد لا نخرج منها كلنا.

«كيف الوضع عند القائد ادريان جيمس؟» سألت جيمس الذي يراقب عبر النافذة. «كل المخلوقات مشغولة بافتراس الجثث..لكن أعدادها كثيرة وبدأت الجثث تنتهي.»

«الخطة كالاتي،» وضعت الزجاجات التي أكثر من عددنا بكثير على الارض ونظرت لها أقسمها خمسة على كل جندي. «كل جندي سوف يحصل على خمسة زجاجات وسبعة رصاصات، لديكم سكاكين وخناجر ايضًا وسوف ناخذ من المطبخ اي شيء يبدو جيد كسلاح، سوف أخرج انا اولًا وأنتم سوف تقومون بتغطيتي من خلال النافذة لكن من دون ان يراكم احد، سوف أركض واسحب المخلوقات معي الى الشارع الثاني—»

«لا أوافق.» نطقت ميلاني تقاطعني. «هذه ليست خطة، اعذريني لكنها عبارة عن خراء.» جندي تحدث واحسست برغبة في صفق رأسه. «اتود ان تكون انت من يسحب المخلوقات اذًا؟» رفعت حاجبي نحوه بتحدي. «ام هل لديك خطة اخرى؟ انا هنا أستقبل كل الاحتمالات والاراء والخطط.» عندما قابلني الصمت أكملت.

«سوف احمل معي الزجاجات، اصعد الى السطح، احلق من هناك وارمي الزجاج واحدث الفوضى واسحب المخلوقات الى الشارع الثاني، عندئذ ستركضون انتم الى الملاجىء و—»

«افضل ان ابصق على هذه الخطة، لن أتركك وحدكِ.» اغمضت عيناي عندما تمت مقاطعتي للمرة المليون ولم تكن أعصابي في حالة تسمح لها بأن تتحمل شيء فوق أرادتها. «جيمس أقسم للرب لو—» نفى برأسه، يترك النافذة ويأتي لي، يضع يده على بندقيته. «لا، لن أتركك والقائد وحدكما، نحن فرقة جنود واول شيء تعلمناه هو ان نتعاون للخروج من أي مأزق.»

« وبالاضافة ان نجونا من هذا بكل تأكيد سوف نحصل على نقاط كثيرة، لن ادعكِ تحصلين عليها وحدكِ، اريد ان يراني القائد أدريان ويعطيني تقييم ممتاز حتى وان اضطررت الى الرقص مع هذه المخلوقات.» قال احد الجنود، يتحدث بجدية فهمتها وعلى الاغلب كنت سأتصرف مثله لو لم أكن قلقة للغاية الان.

«انا معهم، لن أهرب وانتِ تحصلين على النقاط، لو اضطررت سأضاجع هذه المخلوق—»

«هناك طفل هنا!» هسهست ميلاني بغضب تغلق فم احد الجنود بنظرة موبخة.

اغمضت عيناي واخذت نفس. «حسنًا، اذًا الخطة هي كالاتي؛ انقاذ القائد ادريان. سوف تذهبون انتم من الباب الخلفي الى الشارع الثاني بينما سوف نصعد انا وجيمس الى السطح، نرمي الزجاجات، نجذب الانتباه، ومن ثم نجلب المخلوقات لكم، سوف يبقى جيكر هنا ويملا الزجاجات لكم، عندما تأتي المخلوقات للشارع الثاني، أمطروا عليها بالرصاص والنار. انها خطة ضعيفة لكنها الشيء الوحيد الذي نمتلكه الان.»

«انها خطة رائعة لكن ان مت اختاروا صورة جيدة لي ان تم نشر موتي بالتلفاز.»

«انه الجنوب، ان مت هنا لن يكترثوا بشأنك.» قال الولد، يعقد حاجبيه عقدة طفيفة.

«سوف اجعلهم يكترثون، عندما أطارد مؤخراتهم وانا شبح.» قال بجدية يتحرك، يلف الوشاح حول وجهه.

«حسنًا اذًا، لنفعلها.» لففت الوشاح حول وجهي انا ايضًا. تبادلنا النظرات وحركنا اذقاننا نحو بعضنا البعض قبل ان ننخفض ونحمل الزجاجات وقبل ان نفترق توقفت ولمست قلادتي. «جنود القاعدة ديكا.» قلت. «جنود القاعدة ديكا.» ردوا ورائي يلمسون قلاداتهم وهكذا افترقنا كل جندي الى دوره، الطفل بقى مع الجندي الذي سيملأ الزجاجات لانه الدور الأمن، واخترت الجندي الاسرع لاننا نحتاج الى ان تمتلىء بقية الزجاجات بالملابس الباقية بسرعة.

نظرت نظرة اخيرة عبر النافذة الى ادريان، والتقت عينانا مرة اخرى، هذه المرة كجندية وقائد، فهم النظرة في عيناي وفهمت التي في عيناه، اومأت له كما فعل هو لي، يعطيني الموافقة على الخطة التي عرف اننا ارتجلتناها واننا سننفذها. ارجعت الغطاء على النافذة وركضت الى السطح، أصلي هذه المرء للافضل، وأتوقع أي ذرة حتى وان كانت حبة..من الافضل.

لان هذا ما نحتاجه الان، أي نسبة من النجاة، ولن أسمح بشيء غير هذا إطلاقًا.

-

Continue Reading

You'll Also Like

2.7K 621 12
"أبوكِ هو من أزهق روح أبي وغدر به، يا أورورا." ترددت هذه العبارة القاطعة في أذن يوري، فتاةٌ ورثت عرش الظلام من أبٍ طُبعت سيرته بالخيانة. تتمزق نفسها...
1.3K 210 5
هو نوع من الشعر الياباني، يحاول فيه الشاعر -من خلال ألفاظ بسيطة- التعبير عن مشاعر جياشة أو أحاسيس عميقة. تتألف أشعار الهايكو من بيت واحد فقط، ويكتب ع...
1.1M 95.8K 46
"سريع عزيزتي، أنا سريع جدا" الرواية هي الثانية من سلسلة Rage & Wheels الجزء الأول: آدم. لكن يمكن قراءة كل رواية على حدة ولا توجد علاقة كبيرة بين ا...
55K 4.8K 48
حيث تايهيونغ و جونغكوك ، الشخصان الوحيدان اللذان تصديا لعنة ساحر الظلام فولدمورت ، و هذا الأخير أصبح يبحث باستمرار من أجل الإنتقام . و من جانب آخر ،...