غراب | Crow

By itsowhatdoit

2.5M 263K 350K

تنضم المجنحة جازمين ستيلارد الى أقوى الجيوش في العالم، متبعة بذلك خطى عائلتها المعروفة والمهمة في المجال العس... More

تنويه
غراب
اجنحة الدمار.
مدخل | حدث غير مألوف.
٢ | حادثة مقبرة كروفورد.
٣ | نتيجة التقديم.
٤ | الشجاعة.
٥ | التمرين الاول.
٦ | تقاطع الدماء.
٧ | سوار القاتل.
٨ | انذار الغراب.
٩ | قد اكون السلام.
١٠ | برودة.
الخنجر والاربعة.
١١ | چين.
١٢ | ارسولا لاغارد.
١٣ | خيوط العنكبوت.
١٤ | الاجنحة السوداء.
١٥ | دماء ستيلارد.
١٦ | الوشاح الاسود.
١٧ | الاكابرس.
١٨ | ايقاع.
١٩ | بحيرة فلور.
٢٠ | شيطان.
٢١ | سكوربين.
٢٢ | ادوار القديسين والملوك.
٢٣ | ثلاثة غربان وحجر.
٢٤ | الافضل للنهاية.
٢٥ | تهويدة.
٢٦ | جازمين ستيلارد.
٢٧ | قربان للاسوء.
٢٨ | شيطان.
٢٩ | اعصار.
٣٠ | الوشم والقصيدة.
٣١ | اول الضحايا.
٣٢ | رايفن.
٣٣ | كمين ايغيس.
٣٤ | الغربان الجنوبية.
٣٥ | السهم المحارب.
٣٦ | السقوط والنهوض.
٣٧ | ضمادات ورصاص.
٣٨ | رجفة، رجفتان.
٣٩ | استراتيجية الالهاء.
٤٠ | ما وراء الجبال.
٤١ | ارينا.
٤٢ | قاتل ارثر.
٤٣ | ديكارسيس.
٤٤ | الفن المدمر، الفن العنيف، الفن الشرس.
٤٥ | طعم مر.
٤٦ | رفيقة جيدة.
٤٧ | لعنة الهاء.
٤٩ | المجد.
٥٠ | ماسك نواه الشفرات.
٥١ | وان كانوا الجنود يخافون، فمن سيحمي العالم؟
٥٢ | السقوط الاخير.
٥٣ | فكر مثل العدو.
٥٤ | الاسلحة، الجيش، الادرينالين.
٥٥ | قائد السنة الرابعة.
٥٦ | القسم الرابع لجيش الغربان.
٥٧ | ما هو لون ازرقي؟
٥٨ | جيمي بلايز.
٥٩ | ظلال وخيوط زرقاء.
٦٠ | نصل الحرب.
٦١ | اجنحة من دون غراب.
٦٢ | عناق الاجنحة.
٦٣ | الطلب الميت.
٦٤ | انها سخرية القدر، مجددًا.
٦٥ | حديث القبور والعظام..وتخيلات الفتيان والفتيات.
٦٦ | بلاكسان.
٦٧ | اميرة الحرب.
٦٨ | خدوش هازل.
٦٩ | منحدر مأساوي.
٧٠ | المخطط.
٧١ | يرتدي اكثر من وجهين في العلن ويضحك على الجميع.
٧٢ | المعاناة المشتركة.
٧٣ | جناح.
٧٤ | رقصة حفل التخرج.
٧٥ | جسر الغربان.
٧٦ | قوة الحب والصداقة.
٧٧ | في وسط الوحوش نُبنى.
٧٨ | «قطع من الثلج، اشلاء من الثلج.»
٧٩ | مثل الجنوب والكوخ.
٨٠ | الجنوب والجيش والادرينالين.
٨١ | سلبيات وايجابيات.
٨٢ | كلمات جايدن.
٨٣ | خدوش ادريان.
٨٤ | بوابات انتقال عبر المكان.
٨٥ | مخلوقات الليل.
٨٦ | مجرد تغيير..
٨٧ | الابن المكسور.
٨٨ | رسالة من الاجنحة.

٤٨ | اصل الشياطين.

21.1K 2.2K 1.9K
By itsowhatdoit


فصل أصل الشياطين ٤٨

-

هناك لحظات في الحياة تشعر انها تحدث وانك فيها لكنك في الوقت ذاته لا تكون موجود فيها ابداً ، ولا تعرف كيف مرت حتى بعد مرورها؛ جسدك، عقلك، كلك تكون مسروق الذهن في مكان ثاني تمامًا.

هذا هو حالي الان.

رأسي كان ثقيل وكأن احدهم حشاه بالحجارة، الاصوات تداخلت فيما بينها بشكل ضبابي لان تركيزي كان في مكان اخر. وقفت في مكتب الاستعلامات اشاهد سيباستيان وكات يجرون جسد جيمي الى غرفة العمليات، دماءه جافة على بشرتي.

وكل هذا لم يكن يعبث بعقلي بقدر ما فعل الرجل الذي رأيته قبل قليل.

لاغارد.

مجرد النطق بالاسم يجعلني اشعر بالغرابة، مرت فترة طويلة منذ ان لفظته على لساني بهذه الطريقة، كاشارة الى شخص حي وليس ميت.

رمشت أدلك صدغي، اغلق اجفاني وانا واقفة وسط المستشفى بارهاق يرن في جسدي، صدري ينخفض ويعلو، انفاسي تصطدم کالامواج، احاول ان استقبل كل ما حدث وأدخله عقلي حتى افهم وادرس الموضوع ولكوني جندية فأنا أساسا سريعة الفهم والبديهة، انه امر اساسي في عملنا لكن هذا – هذا جعلني أضع رأسي بين يداي واستند بمرفقيّ على مكتب الاستعلامات.

وكأنني احاول احتواء افكار عقلي الكثيرة بين يداي، وكأنني احاول احتواء عقلي قبل ان افقده تمامًا.

كان هناك فرد من افراد عائلة لاغارد مازال على قيد الحياة.

استمعت الى صوت وتيرة انفاسي الهائجة، عقلي مازال في تلك الغابة، في تلك الدقيقة التي لمسني بها، الرابطة التي تفعلت بيننا.

اغمضت اجفاني بقوة اكثر ، كيف؟ كيف لم أعرف بشأنه قط؟ من المستحيل ان تكون هذه الرابطة التي تفعلت تعويذة، لا احد يعبث بروابط الغربان لان حتى سحرة الظلام لا يقتربون منها ، ان العبث بها له عواقب وخيمة. اذًا كيف؟

وهو لم يكن فرد لاغارد من الدرجات البعيدة، لا، الرابطة كانت تأكيد على انه قريب لي من الدرجة الاولى، ضمن نطاق عائلة امي. بالتاكيد مازال هناك افراد لاغارد بالخارج لكنهم ليسوا اقربائي ولا نعرف بعضنا البعض حتى، صلة الرحم بينهم وبين أمي بعيدة للغاية لدرجة ان الاسم هو فقط ما يجمعهم.

لكن هذا الرجل كان شيء اخر.

كان خالي.

ضغطت اجفاني ضد بعضهما البعض ابلع بحلق جاف، كيف لم اعرف بشأنه قط؟

هل هو حقا كما يظهر انه عليه؟ هل هو كاذب؟ والاهم، كيف هو قائد ثاني لمجموعة مارس؟ كيف هو مع الثوار الجنوبيين؟ أيمكن ان تكون هذه خدعة قذرة؟ لا شك ان الجميع قذر لكنني سمعت القصص، المرء يفعل العديد من الامور القذرة ولكنه لا يعبث بالروابط ابداً ، لا ينقلب على الطبيعة والا قلبت احواله.

تنفست من خلال فمي، أسمح لعقلي ان يهدأ لثانية وحسب، نبضات قلبي مازالت ترن في اذني، اصوات الممرضات والاطباء من حولي مرتفع، ضوضاء المستشفى متضاعف، الاجهزة، الخطوات على البلاط اللامع، الاستفسارات عند المكتب، الاحاديث الطبية، كنت وسط مركز المستشفى.

لماذا يحميني؟ وكيف استخدم جيكس لحمايتي؟

"هل انتِ بخير يا انسة؟" لمستني ممرضة فخرجت تنهيدة مسموعة وخافتة مني، رفعت رأسي ببطء من بين يداي.

يدها التي امسكت ذراعي المملوءة بالماء والدم جعلت القماش يلتصق ببشرتي اكثر ، وكنت واعية تمامًا على احساس الدماء علي، حديثة وجافة. ولم اكترث حقا الان.

كانت قلقة وهي تتفحصني لرصد اي جروح خطيرة.

"انها لیست دمائي." قلت بهدوء لتنصدم لثانية قبل ان تستوعب الامر بسبب زييّ العسكري.

"وانا بخير، لم اتعرض لاصابة." تحركت اتركها، اشعر بالالم في بطني وجانب وجنتي وركبتي، الا استطيع أن ألتقي بفرد مطرود من عائلتي بقبلات وأحضان؟ ضغطت شفتاي بهسهسة على الجرح الذي فيهما وعرجت بانزعاج.

"يا انسة." رطبت شفتاي بصبر على صوت الممرضة.

"لا اعتقد ان قدمك بخير." جاءت وانخفضت بقلق الى مستوى ركبتي، لم اكن أميز الالم في الحقيقة لكنها عندما لمست المنطقة اعلى ركبتي صوت متألم صدر مني وفورًا ضعفت قدمي فاستندت بيدي على الحائط اشتم اسفل انفاسي.

"ما هذا؟" حركت قدمي أتفقدها وانكمشت ملامحي على رؤيه شق في البنطال وجرح بليغ سيحتاج الى عناية على الاغلب حتى لا يشفى بشكل قذر ويترك أثرًا اقذر.

"لابد أنه جرح بسبب السيارة التي خلعت بابها ، كانت محطمة وعبارة عن قطع حادة، لم اشعر به موجود." ليس فقط الجرح الذي لم اشعر به موجود انما كنت لا استطيع تمييز شيء على جسدي ابدًا ، سواء كان الالم او رعشات البرودة التي تسري على عمودي الفقري من ماء البحيرة الذي ينقعني او الدماء الجافة علي من جيمي أو الحرارة التي تنبض فيّ، كل شيء كان متداخل لدرجة انه كان واحد وعقلي لا يستطيع التركيز حاليًا والفصل بين الاشياء التي تلتصق بجسدي او تحدث له.

"اظن انه من الافضل لو جلستِ هنا.." هززت رأسي ارفض. "جيمي، الجندي الذي أدخلوه للتو، احتاج الى رؤيته." انخفضت يدي من الحائط الى خصري، لابد من ان كدمة قبيحة تكونت هناك وذلك واضح من النبض المؤلم في المنطقة.

"سأرسل احد حتى يحدثنا عن اخباره، انتِ بحاجة الى المعاينة أولًا ارجوكِ." امسكت هي بذراعي اليسرى ووضعتها حول رقبتها ، تسندني حتى اسير.

جيمي.

ما الذي فعله هذا الوغد واغضب ايغيس لهذه الدرجة؟

الرجل صاحب الوشم قال ان ايغيس تحاول استغلال ثورته من اجل مصلحتها الخاصة، ايذاء جيمي، حتى لا يشك احد كثيرًا ، اذًا ايغيس خلف جيمي ايضًا، ما الذي فعله--"اه!" صحت حينما اندفع جسدي فجأة للجانب مع الممرضة بسبب مرور ما يقارب اربعة اسرة مسرعة من جوارنا ، تقطع الممر بعجلة مع مجموعة اطباء يهتفون الاوامر ومملوئين بالدماء.

بلعت اشاهدهم، انظر للمرة الاولى لمحيطي؛ المستشفى كانت عبارة عن فوضى تامة مزدحمة بالضحايا الذين يصاحبهم مرافقون منهارون مع الاطباء الذين كانوا على اعصابهم ويحاولون تماسك انفسهم، رائحة الدماء والاحتراق، صراخ اولئك الذين يتألمون.

اخذت الممرضة منعطف. "ألن نذهب الى احدى الغرف الغير--" قطعت سؤالي اعرف الاجابة قبل أن أكمل.

لن نذهب بالتأكيد لغرف الطوارئ لانها الان تعج بالضحايا الذين مازالوا يتوافدون على المستشفى ولكننا لن نذهب الى اي غرفة طبية اخرى مثل الغرف التي يقطبون بها بالعادة جروح اولئك الذين حالاتهم ليست طارئة ويخرجون المريض، لان حتى تلك الغرف مملوءة.

في الحقيقة، حتى الممرات ونحن نسير كانت مملوءة بالاسرة التي عليها الكثير من المصابين الذين تتم معالجتهم، حالاتهم ليست خطيرة جدًا ولكنني مازلت رأيت الدماء على أجساد أغلبهم. عرجت اضع وزن اكثر على الفتاة، استمر بالنظر الى كل هؤلاء، أشعر بتعرقي واضطراب نبضات قلبي وانا اتذكر الدماء على جيمي، بخطورة الامر.

اللعنة عليك جيمي.

"اين تأخذينني؟ " سألت لانني كنت اعرف هذه المستشفى بكل تفصيل لعين صغير، انها مستشفى كابيون المركزية، المستشفى التي جلبوني أليها حينما انتحرت.

"اوه ضاجعك الجحيم." شتمت بقذارة فورما ظهر امامي قسم مألوف، كشرت بانزعاج واخذت شفتي بين اسناني، اقفز قفزة صغيرة قليلا حتى أواكب سير الممرضة. "هل ستعالجيني هنا حقًّا؟" هذا اليوم لا يمكن ان يسوء اكثر.

"انه القسم الوحيد الفارغ ونحن نحول له كل من يمتلك اصابات سطحية او يستطيع الخروج خلال ربع ساعة."

بالطبع، بالطبع.

بالطبع ستضاجعني الحياة، انا عاهرتها المفضلة، لوركان يظن انه الوغد المفضل لها ؟ ليراني فقط.

رئتاي آلمتني، تقلصت في داخلي بسبب وجع الكدمة وسحبت نفس عميق الى داخل صدري ثم عضضت شفتي حتى اتحمل الالم الذي بدأت اشعر به اكثر واكثر في قدمي وخصري ، ومع اخذي نفس عميق شبيه الشهقة الخافتة سرنا اسرع للقسم الذي امامنا.

قسم الحالات الانتحارية.

"تبًا." صككت اعرج حينما خفضت الممرضة ذراعي عن كتفها واجلستني على احدى الاسرة؛ انها الغرفة ذاتها، أنه نفس لون الحائط الابيض، باللوحات الطبيعية والنباتات والملصقات المشجعة للاستمرار في العيش. احسست بالغثيان وانا اتفحص الغرفة، وليس غثيان انني خائفة او مضطربة ، غثيان أخرجوني من هذه اللعنة الخانقة قبل ان استفرغ غدائي في وجوهكم.

رفعت اصابعي الى خوذتي افتحها من اسفل ذقني وانزعها، ارجع رأسي للوراء واترك صدري يرتفع وينخفض بانفاس مسموعة، يال سخرية القدر.

أيمكن ان تكون ساخرة أكثر من هذا ؟

"هل يؤثر عليكِ؟.. او تمانعين؟ " سألت بحذر تجر عربة المعدات الطبية وترمي نظرة حول المكان.

"ولماذا قد أمانع؟" جلست امامي وسحبت قدمي، تحمل مقص وتشق البنطال.

"تعرفين انتِ نوع ما مشهورة في المستشفى. " ابتسمت لي بخفة والهواء البارد الذي لامس فخذي وقدمي المكشوفة جعل أنفاسي تأخذ نفس راحة.

"لانني ابنة فيلكس السفاح ؟ " السفاح كانت احدى الصفات التي سمعت الناس تنعته بها.

ابتسامتها اضطربت قليلًا على ذكره. "نعم، بالطبع. الكل يعرف ان ابنة فيلكس تخدم المملكة وحرقت ذلك الكهف في البث." هذا كان شيء اخر رائج في المملكة، انا.

انا اصبحت رائجة على ما يبدو، الجميع يتحدث عن امكانياتي وقدراتي، عن كوني الاولى، مواقع التواصل الاجتماعي كلها ضجت بي، تورما أخبرتني انهم منقسمين الى نصفين؛ اولئك الذين يشككون في قدراتي، وأولئك الخائفين من ان اصبح سفاحة مثل ابي او اطعن بالذين احاول انقاذهم مستقبلًا.

تورما قالت انهم كانوا قاسين في كلامهم اتجاهي، لم أقراه بالطبع وجعلت تورما توعدني انها لن تقرأ كلام الناس او اي مقالة سخيفة اخرى.

"لكنكِ مشهورة لشيء ثاني هنا ، مستعدة؟" أشارت الى القطن المغمس في الكحول، تمسكه بالمقص وتجلس على مقعد متحرك تمسك بقدمي، أومأت.

"لماذا؟" نفس حاد خرج من بين شفتاي فور وضعها القطن على الجرح، انتشرت لسعات حارقة وبرودة جعلتني اقطب حاجبيّ وارص اسناني، لففت اصابعي في قبضة حول اطراف السرير.

"هذا القسم مألوف بالنسبة اليك صحيح؟"

جدًا

"سأرسل احد حتى يحدثنا عن اخباره، انتِ بحاجة الى المعاينة أولًا ارجوكِ." امسكت هي بذراعي اليسرى ووضعتها حول رقبتها ، تسندني حتى اسير.

جيمي.

ما الذي فعله هذا الوغد واغضب ايغيس لهذه الدرجة؟

الرجل صاحب الوشم قال ان ايغيس تحاول استغلال ثورته من اجل مصلحتها الخاصة، ايذاء جيمي، حتى لا يشك احد كثيرًا ، اذًا ايغيس خلف جيمي ايضًا، ما الذي فعله--"اه!" صحت حينما اندفع جسدي فجأة للجانب مع الممرضة بسبب مرور ما يقارب اربعة اسرة مسرعة من جوارنا ، تقطع الممر بعجلة مع مجموعة اطباء يهتفون الاوامر ومملوئين بالدماء.

بلعت اشاهدهم، انظر للمرة الاولى لمحيطي؛ المستشفى كانت عبارة عن فوضى تامة مزدحمة بالضحايا الذين يصاحبهم مرافقون منهارون مع الاطباء الذين كانوا على اعصابهم ويحاولون تماسك انفسهم، رائحة الدماء والاحتراق، صراخ اولئك الذين يتألمون.

اخذت الممرضة منعطف. "ألن نذهب الى احدى الغرف الغير--" قطعت سؤالي اعرف الاجابة قبل أن أكمل.

لن نذهب بالتأكيد لغرف الطوارئ لانها الان تعج بالضحايا الذين مازالوا يتوافدون على المستشفى ولكننا لن نذهب الى اي غرفة طبية اخرى مثل الغرف التي يقطبون بها بالعادة جروح اولئك الذين حالاتهم ليست طارئة ويخرجون المريض، لان حتى تلك الغرف مملوءة.

في الحقيقة، حتى الممرات ونحن نسير كانت مملوءة بالاسرة التي عليها الكثير من المصابين الذين تتم معالجتهم، حالاتهم ليست خطيرة جدًا ولكنني مازلت رأيت الدماء على أجساد أغلبهم. عرجت اضع وزن اكثر على الفتاة، استمر بالنظر الى كل هؤلاء، أشعر بتعرقي واضطراب نبضات قلبي وانا اتذكر الدماء على جيمي، بخطورة الامر.

اللعنة عليك جيمي.

"اين تأخذينني؟ " سألت لانني كنت اعرف هذه المستشفى بكل تفصيل لعين صغير، انها مستشفى كابيون المركزية، المستشفى التي جلبوني أليها حينما انتحرت.

"اوه ضاجعك الجحيم." شتمت بقذارة فورما ظهر امامي قسم مألوف، كشرت بانزعاج واخذت شفتي بين اسناني، اقفز قفزة صغيرة قليلا حتى أواكب سير الممرضة. "هل ستعالجيني هنا حقًّا؟" هذا اليوم لا يمكن ان يسوء اكثر.

"انه القسم الوحيد الفارغ ونحن نحول له كل من يمتلك اصابات سطحية او يستطيع الخروج خلال ربع ساعة."

بالطبع، بالطبع.

بالطبع ستضاجعني الحياة، انا عاهرتها المفضلة، لوركان يظن انه الوغد المفضل لها ؟ ليراني فقط.

رئتاي آلمتني، تقلصت في داخلي بسبب وجع الكدمة وسحبت نفس عميق الى داخل صدري ثم عضضت شفتي حتى اتحمل الالم الذي بدأت اشعر به اكثر واكثر في قدمي وخصري ، ومع اخذي نفس عميق شبيه الشهقة الخافتة سرنا اسرع للقسم الذي امامنا.

قسم الحالات الانتحارية.

"تبًا." صككت اعرج حينما خفضت الممرضة ذراعي عن كتفها واجلستني على احدى الاسرة؛ انها الغرفة ذاتها، أنه نفس لون الحائط الابيض، باللوحات الطبيعية والنباتات والملصقات المشجعة للاستمرار في العيش. احسست بالغثيان وانا اتفحص الغرفة، وليس غثيان انني خائفة او مضطربة ، غثيان أخرجوني من هذه اللعنة الخانقة قبل ان استفرغ غدائي في وجوهكم.

رفعت اصابعي الى خوذتي افتحها من اسفل ذقني وانزعها، ارجع رأسي للوراء واترك صدري يرتفع وينخفض بانفاس مسموعة، يال سخرية القدر.

أيمكن ان تكون ساخرة أكثر من هذا ؟

"هل يؤثر عليكِ؟.. او تمانعين؟ " سألت بحذر تجر عربة المعدات الطبية وترمي نظرة حول المكان.

"ولماذا قد أمانع؟" جلست امامي وسحبت قدمي، تحمل مقص وتشق البنطال.

"تعرفين انتِ نوع ما مشهورة في المستشفى. " ابتسمت لي بخفة والهواء البارد الذي لامس فخذي وقدمي المكشوفة جعل أنفاسي تأخذ نفس راحة.

"لانني ابنة فيلكس السفاح ؟ " السفاح كانت احدى الصفات التي سمعت الناس تنعته بها.

ابتسامتها اضطربت قليلًا على ذكره. "نعم، بالطبع. الكل يعرف ان ابنة فيلكس تخدم المملكة وحرقت ذلك الكهف في البث." هذا كان شيء اخر رائج في المملكة، انا.

انا اصبحت رائجة على ما يبدو، الجميع يتحدث عن امكانياتي وقدراتي، عن كوني الاولى، مواقع التواصل الاجتماعي كلها ضجت بي، تورما أخبرتني انهم منقسمين الى نصفين؛ اولئك الذين يشككون في قدراتي، وأولئك الخائفين من ان اصبح سفاحة مثل ابي او اطعن بالذين احاول انقاذهم مستقبلًا.

تورما قالت انهم كانوا قاسين في كلامهم اتجاهي، لم أقراه بالطبع وجعلت تورما توعدني انها لن تقرأ كلام الناس او اي مقالة سخيفة اخرى.

"لكنكِ مشهورة لشيء ثاني هنا ، مستعدة؟" أشارت الى القطن المغمس في الكحول، تمسكه بالمقص وتجلس على مقعد متحرك تمسك بقدمي، أومأت.

"لماذا؟" نفس حاد خرج من بين شفتاي فور وضعها القطن على الجرح، انتشرت لسعات حارقة وبرودة جعلتني اقطب حاجبيّ وارص اسناني، لففت اصابعي في قبضة حول اطراف السرير.

"هذا القسم مألوف بالنسبة اليك صحيح؟"

جدًا.

نقلت عيناي الى احدى الزوايا في الغرفة، حيث كان سريري قبل سنوات، حيث كان جسدي عبارة عن جسد شاحب وعقل لا يفكر سوى في الثقل الذي على صدره، في المشاعر التي تبلدت حتى توقفت عن الشعور. بلعت، اعيد بصري الى الممرضة.

انا لم يكن تبلدي فراغ.

كان اسوء. كان اسوء بكثير ما لدي.

ضغطت حلقي بمرارة، لان مجرد النظر يعيد لي أمور -- امور كانت جزء مني.

لم يكن تبلد فراغ قط، كان وكأن كل شعور سبق وان جربته تجمع في كومة واحدة واندمج مع بعضه البعض، صانعًا طبقة سميكة حزينة ثقيلة استقرت على قلبي، وكالمغناطيس جذبت كل شعور اخر قد أشعره ودمرته وأدخلته لتلك الكومة القذرة فثقلت أكثر ، كل شعور ايجابي قد يراودني سرعان ما ينطفىء فور دخوله نظامي وينضم لتلك الكومة التي جردتني من كل شعور سوى فقدان الامل، الاحباط والثقل الذي لم يكن على قلبي حتى انما جسدي ايضًا، حينما استيقظت لم استطع النهوض من السرير حتى، جسدي لم يكن يريد النهوض والمقاومة، لذا نعم. نعم. هذه الغرفة مألوفة بالنسبة لي.

"انتِ قوية. " أخبرتني مع ابتسامة تضغط القطن بقوة على الجرح ليشتعل. "وهادئة، التعقيم يجعل المراجعين يصرخون قليلًا."

"رفيقي لقد تم طعنه للتو في رقبته ولقد رأيت عظام خارج مكانها وقطع من الاجساد الحية متناثرة في اماكن عشوائية لذا ربما هذا هو السبب. " زمجرت بخفة من الالم.

قربت حاجبيها . "طعن؟ لم يأتينا خبر ان نستعد لهجومات طعن." تحركت بالمقعد تجلب ضمادة. "لا ادري انا لا اكترث حتى لهذا الوغد. "

"كان هناك بعض شظايا الحديد والزجاج في جرحك، اخرجتها ونظفته لك، سيشفى الجرح الان بطريقة نظيفة من تلقاء نفسه خلال ساعة او ساعتين. " لصقت هي الضمادة وفورًا شعرت بالراحة والحكة المميزة الخاصة ببدء عملية الالتئام السليمة.

نهضت هي وانتقلت الى جزء اخر من جسدي فهسهست عندما تتحسس خصري باصابعها. "هل تستطيعين رفع قميصكِ؟" فعلت ذلك وقذارة أخرى خرجت من فمي لان كدمة بنفسجية انتشرت على الجانب الايمن من خصري.

"لا تبدو مثل كسر في الاضلاع او شيء خطير، ضعي عليها الثلج وستشفى في ساعة او ساعتين ايضًا."

هل تعتقد أنني امتلك الوقت لوضع الثلج-- "احتاج لرؤيه جيمي. "

"اعرف انكِ قلقة لكن ثقي بي--"

"فقط اخرسي ارجوك. " قلت اتنفس بصعوبة مع كدمة خصري التي تؤلم اضلاعي للغاية وتقطع انفاسي، لست بالمزاج المناسب للكلام المعسول.

جيمي-- اقحمت اصابعي في شعري، هذا الفتى بنفسه قصة اخرى، ما اللعنة التي فعلها واستفز بها ايغيس؟ لماذا ارسلوا احد لاغتياله؟ لا استطيع التوقع أو المعرفة ابدًا.

"هل سيموت؟" تنهدت هي ورجعت للوراء ترمي القطن وبقية الاشياء التي استعملتها على جرحي. " هل سيموت؟ " كررت سؤالي اضع يداي على السرير وادفع جسدي اكثر انظر لها بقلق.

"لا أعرف، لانني لا اعرف خطورة اصابته ، لكننا لدينا افضل الاطباء، اؤكد لكِ ذلك، سيحاولون فعل كل ما يمكنهم فعله من أجل الجميع." اجل، هراء.

"هل تستطيعين اعطائي بنطال ؟ " نزلت من السرير، أضع كل وزني على قدمي الاخرى. "بالطبع، انتظري لحظة. " ثم هي خرجت وتركتني هنا ، بمفردي.

ليست الفكرة الافضل.

اخرجت نفس ورفعت رأسي للسقف، اعود للجلوس على طرف السرير، ليست فكرة جيدة ايضًا، لان هذا السقف محفور في ذاكرتي ايضًا. "اللعنة عليك. " همست، لانني سئمت، سئمت بشدة. لا اريد ان تحفر هذه الذكريات هكذا في ذاكرتي، انه مجرد سقف، ما اسوء ما يستطيع هذا السقف فعله ؟ ان يسقط فوق رأسي مع مئة ذكرى؟ ليفعل.

ذقني انخفض عندما سمعت صوت دخول احدهم الغرفة مع سريران؛ ظننت انهم من ضحايا الاصطدام لكن سرعان ما انخفضت اكتافي ببطء مع رؤيتي الضمادات البيضاء حول رسغهما.

وكلها كانت مشاهد مألوفة.

ادرت وجهي للنوافذ الزجاجية للغرفة، كانت تعكس صورتي؛ مظهري كان بشع لكن ليس بالنسبة لجندي، كان طبيعيًا لاي احد يعمل في المجال العسكري. وجهي كان يحمل لطخات جافة من الدماء، وجنتي وشفتي مجروحتان، الخوذة مازالت بجانبي، ملابسي ملوثة بتراب الغابة والدم والماء وشعري ليس مفتوح الا انه مبعثر، لم اكن ارتدي سترتي العسكرية، فقط القميص الاسود الذي كان مبلل ورطب من البحيرة، الدماء الواضحة عليه تزيد من درجة لونه السوداء.

بينما ملامحي..

كانت نفس ملامح ذلك الرجل.

لا يوجد شك في ذلك.

وهو من كان يحميني.

من المستحيل انني نجوت بمفردي، جيمي فورما كشف نفسه قبل شهر ونصف تم طعنه للموت، لذا لماذا انا لست ميتة؟ لان هناك من يحميني.

"لكِ هذا. " جاءت الممرضة مع بنطال قطني اسود، أومأت لها انهض وأخذه لكنني توقفت للحظة. "كيف عرفتِ انني كنت في هذا القسم من قبل؟" نظرت لها بشك.

ادخلت يديها في جيوب رداءها مع ابتسامة صغيرة. "اخبرتكِ، انت مشهورة في هذه المستشفى وبالاخص هذا القسم، الجميع يعرفك من الممرضين الى الاطباء والعاملين، الفتاة التي حاولت الانتحار ولكنها صمدت حتى النهاية واصبحت جندية قوية وذكية." رفعت حاجباي بعدم تصديق واستغراب.

هل هي جادة؟

"انهم يذكرونكِ كل ربع ساعة.." تحدث صوت مبحوح للغاية، ميت، الفتى الذي أدخلوه للتو.

"جازمين التي نجت من محاولة انتحار وعاشت واصبحت شيئاً في الحياة، يجب ان نقتدي بها ولا نحاول الانتحار مرة اخرى، جازمين هي دليل على أننا يمكننا ان نحارب اسوء ما فينا والافكار التي تراودنا، جازمين هذا جازمين ذلك جازمين بلاه بلاه بلاه" أكمل الفتى بتعابير فارغة.

يدي التي تمسك البنطال انخفضت بتفاجؤ قليلًا. "انت تتحدث. عندما استيقظت انا على هذا السرير كنت اكره التحدث. " رطب شفتاه ثم ادار وجهه للجانب الاخر، يضغط فكه بانزعاج وكأنني ذكرته بوضعه.

"انتِ تكرهين التحدث، انا اكره الثانوية. " همس بخفوت ولمحة من الغضب.

"تنمر. " همست الممرضة بيني وبينها فقط. "واضطراب شهية." اشارت الى المريضة الاخرى لاتتبعها بعيناي وأجد فتاة صهباء، بأعين زرقاء، مزيج نادر للغاية. جسدها كان نحيل اكثر من اللزوم، وكانت تنظر لي بعبوس وسخط.

الغضب، انه شيء غريب للغاية، انه يصاحب كل المشاعر السلبية، الحزن، الاحباط، فقدان الأمل، كلها ينتج عنها شيء واحد؛ الغضب. اظن ان السبب هو كون المرء لا يرضى بوضعه، ان هناك جزء في داخله يعرف انه لا يستحق هذا ، لهذا هو يغضب.

"اتظنين أن بامكانك نصحهما ؟ اخبارهما ان الامور ستكون افضل؟" اقتربت مني، تشاهدهم. "هل قتلتِ احدهم؟" سألت الفتاة تتبع الدماء على وجهي، رقبتي، اصابعي، وقميصي.

"لا. " أجبت بهدوء.

"انقذت الكثير في الحقيقة." صوتي خرج خافت ايضًا، لان ذهني هرب الى حفرة اخرى.

وكأنني ارى نفسي مكانهما، جازمين الصغيرة.

هي قابلتني على السرير، شاحبة، شعرها الاسود حول رأسها يزيد من شحوب بشرتها ، هالات داكنة تحت عيناها ، تعابير يائسة، عينان لا بريق فيهما ، هيئتها ضئيلة للغاية، رغم انه كان وقت نضوجها كفتاة الا ان جسدها اصبح اصغر من ذي قبل، وكأن الحياة اعدمتها .

كانت مجرد مراهقة، طفلة.

رمشت وتلاشت صورتي الصغيرة من امامي، ظهر الفتى والفتاة ينظران لي. "هل هذه دماء شخص مات؟" سأل الفتي، بريق غريب يمر في عيناه، حماس منطفىء ربما ، نفيت برأسي، اعرف ما يدور في عقله.

انه غير عدل، ان يموت الاشخاص الذين يريدون الحياة ويعيش الاشخاص الذين يريدون الموت ولكن الاهم، هو الان كان يحسد الاموات الذين يأتون الى هذه المستشفى.

كيف اعرف؟

لقد حسدت البعض سابقًا.

"لماذا تتعرض للتنمر ؟ " سألت اسير له واخرج من شرودي، اركز عليهما كلاهما .

حدقتاه توسعت وكأنه لم يتوقع هذا ، ان اكون مباشرة هكذا ، لمحت حركة الممرضة خلفي ومحاولتها سحبي لكنني تجاهلتها.

هؤلاء الاطفال لا يحتاجون الى كلام معسول يخبرهم ان كل شيء سيكون بخير، هم يعرفون ان الامور الان ليست بخير، هم يعرفون ان هناك جحيمًا بانتظارهم فور خروجهم من هنا ، هم يحتاجون لمعرفة انه لا يمكن ان تصبح الامور بخير في ليلة وضحاياها كما يظهر لهم الكلام المعسول، هم بحاجة لسماع الحقيقة. ستكون هناك قرارات اولًا، صراعات، انهيارات، تردد، اتخاذ قرارات من جديد، ومن ثم.. ستصبح الامور اسوء. وعندئذ فقط، ستتحول الامور الى ما يرام.

وسر النجاة يكمن في الصمود.

هذا ما يحتاجون الى سماعه، هذا ما احتجت انا الى سماعه حينما اعتقدت ان لا مستقبل لي من دون والداي، انني لن أشعر بالحياة من جديد، ان حياتي كلها انتهت معهما، ومع اوغاسبيان.

لكن حتى اسوء العواصف تستقر بعدها السماء والارض.

"لانني انا على ما يبدو." رد ببرود يراقب تقاسيم وجهي، ردة فعلي.

نقلت بصري الى الفتاة لتضغط شفتيها أكثر عندما استوعبت انني اريد منها اجابة. "لماذا" تفقدين شهيتك؟ " سألت وادارت وجهها ترفض اجابتي. "لابأس، كلنا نأتي من نفس المستنقع." سحبت مقعد اجلس عليه، أرى نفسي من جديد فيهم، أرى الشيء--الجرح الذي ينبض بداخلهم ويتوهج بألم يستنجد مساعدة احدهم، انا اسمع نجدتهم، النجدة التي رنت بداخلي لفترة طويلة.

لهذا ، رأيت نفسي فيهم.

ولكن هذه المرة لم ارد الموت، اردت فقط مساعدة هذه الفتاة المذعورة المدعوة بجازمين وطمئنتها. "حسنا ايها الضحية.." ألتفت الى الفتى اضع خوذتي بين قدماي، ان الامر بخصوص الاشخاص الذين يحاولون انهاء حياتهم هو ان هناك حاجز بينهم وبين العالم. مهما قلت، انت لن تقنعه ان الامور ستكون افضل او ترفع من معنوياته لانك حسب افكاره هو، لن تفهم ابدًا ، لانك لست من الجانب خاصتنا.

انت لن تفهم شعور البكاء لانك قبيح، فأنت تمتلك اعين جميلة للغاية ولم يراودك هذا الشعور من قبل، وانت لن تفهم شعور الاختفاء من الكون لان الكون لا يبدو وكأنه يفسح لك مجال حتى تتنفس بينما يفسح المجال لكل شخص ثاني، فأنت شخص محبوب بين الطلاب ولك مساحة خاصة بك بينما هو، هم يأخذون مساحته، يبصقون فيها ومن ثم يخبرونه انها قذرة مثله.

لهذا السبب العلاج صعب للغاية، لان اختراق هذه الافكار في عقولنا ، كسر هذا الحاجز الذي نعتقد انه بيننا وبينهم يأخذ وقت وفورما يفعل، ينكسر، فأن العلاج يبدأ بالتدريج.

او في مثل حالتي، انهار الحاجز علي فاستيقظت اخيرًا .

اخبرتهم بذلك.

انهم الان يعتقدون أنفسهم عالقين في نهاية واحدة، طريق مغلق، لا يوجد ما هو خلفه، في اسوء نقطة من حياتهم يرقدون ويستلقون كالجثث الميتة التي تنهشها النسور، انهم يعتقدون ان لا فائدة هناك من النهوض والمواصلة لان الطريق مغلق، النسور والموت افضل من السير في طريق جحيم نهايته مغلقة.

لكن هناك ما هو خلف هذه النهاية، هذا العائق، هناك ما هو اكبر منه وأجمل وافضل. نحن فقط علينا التسلق حتى نموت. نحن فقط علينا الصمود ومواصلة خطواتنا حتى اخر انفاسنا ، حتى ان كانت خطوات مؤلمة ووعرة، على الاغلب ستكون خطوات جحيمية لاننا فقط لا نمتلك سوى هذا الخيار.

وان لم نرى طريق بالقرب، مثلما حدث معي، نصنع الطريق.

من خلال خداع الحياة او انفسنا، لا اعرف حقًا.

لكنني خدعت نفسي ان الحياة عدو لي، انها سترمي علي العوائق والعرقلات بنية قتلي، واعدائي انا لا يفوزون ابدًا، ولهذا نهضت.

لانني لا اهرب، انا ارطم انوف اعدائي بمغسلات الحمامات.

"لقد فعلتها صدقني، أزعجتني وانا اساسًا كنت انزعج من نفسي فأمسكت برأسها وضربته بالمغسلة. " حدقتاهما اتسعت اكثر، على الاغلب لا احد هنا كلمهم بهذه الطريقة.

دعني احزر ؟ فتيان مشهورون؟ اغبياء ؟ اذكياء خبثاء؟" اومأ لي.

"هل تريدون البقاء في مساحتكم حقًّا؟ أتحبون من تكونون لكن هؤلاء يزعجونكم؟" اومأ كلاهما من جديد ونهضت مع هذا. "اذاً في المرة القادمة التي يتنمر فيها عليكم احد ، امسكوا اقرب قيتار او سلة قمامة او كتاب سميك وصوبوا للانف او الجمجمة او المنطقة الحيوية." ابتسامة خافتة ارتسمت على ثغر الفتى بينما الفتاة راقبتني وحسب. "او اشتركوا في نادي ملاكمة، نادي للدفاع عن النفس، صوروهم وهم يتنمرون عليكم واذهبوا للشرطة، اخبروا والديكم، فقط لا تصمتوا ابدًا عن من اساء لكم."

"لا اظن--هذا عنف. العنف ليس الحل . " الممرضة قالت تبدو شاحبة مما غرسته في رؤوس هؤلاء للتو.

"بالطبع، العنف ليس الحل مع الاشخاص اللطيفين، لكن ان كانوا عبارة عن حيوانات بلا عقول فنستخدم العنف عندئذ." الممرضة هرعت الى جانبي تسحبني، تترك ضحكة صغيرة تصدر من الفتى جعلتني بطريقة غريبة ابتسم انا ايضًا، أنه وكأنني أحدث جازمين الصغيرة.

انهم خائفون، بشدة، والبعض غاضبون فيتصرفون بهذه الطريقة، انهم يعزلون انفسهم عن الناس حتى لا يتأذون، انهم يعتقدون ان الرحيل هو سيكون اقل ألمًا من البقاء؛ هذا النوع من الوجع، هذا النوع من التفكير والجروح، هو بحاجة الى طمأنينة.

هو بحاجة الى طمأنينة انهم ليسوا بمفردهم، انهم ليسوا الوحيدين الذين يفكرون بهذه الطريقة لاننا في اصغر تفاصيل يومنا نفكر انه سيكون اسهل لو اختفينا وتركنا ما يزعجنا، الى طمأنينة ان الطريق لن يكون سهل مثلما الجميع يجعله سهل، حينما تقول انه سهل، انه سيكون بخير من دون التوضيح، تجعل المرء يشعر وكأنه تجربة فاشلة؛ لانه على ايمان تام ان الامور ليست بخير، الان وحالًا ، فكيف يمكن ان تكون بخير لاحقًا والان يوجد مئة سبب منطقي ومقنع يشرح لي لماذا لن تكون بخير؟

هم بحاجة الى طمأنينة، ان حتى مع هذه الاسباب الحقيرة، هم سينجون لو صمدوا .

جازمين كانت ستحب الصراخ، كسر الاشياء، كانت ستحب سماع ان الحياة عدو يريد موتها نفسيًا ولكن حينما تريد هي الموت جسديًا لم تسمح لها ابدًا .

هم اخبروني، اخبروني ان الامور ستكون بخير، ان الالم هذا مؤقت، لكنني لم اصدقهم فقط ولم اسمح لنفسي ان اصدق، عزلت نفسي عن العائلة التي تبقت لي واستمعت الى الطريقة التي مات بها والداي كل ليلة، الى ان بدأت افقد عقلي وارى الهلاوس، الى ان سببت لنفسي صدمات عميقة محفورة، مازالت موجودة، مازالت تلسع بحرقة وبقوة، ولكنني مازلت صامدة. وكلما صمدت، كلما اصبحت اكبر منها.

وهذا كافي.

"جازمين.." . تلفظت الفتاة بخفوت، توقفني قبل خروجي من الباب، نهضت بجزءها العلوي قليلًا واستندت على مرفقيها تنظر لي بتردد.

"هل ستكون الامور صعبة؟ " نظرت لها بتفاجؤ قليلًا من انها تحدثت ثم ارتخت عيناي "ستحطم كل عظمة فيكِ."

"ولكن مع كل عظمة تنكسر ، ستقتربين من النهاية، وهناك مقولة تقول؛ ان مع البلاء ينزل اللطف. سيكون هناك مع حزنكِ ضمادة من نوع ما ، مخصصة لتمسيد جروحك كالبلسم، لذا لا تخافي كثيرًا ، لانهم محقين، الامور ستغدو في النهاية بخير ." اوغاسبيان كان لطفي.

اوغاسبيان كان السبب في كوني توقفت عن الهلوسة، في كوني اصبحت قادرة على النوم بدلًا من التفكير في صوت موت والداي، موسيقاه وعزفه وجلوسه بجانبي هو كان لطفي. جعل ثقل تلك الايام أخف على قلبي، ألهى عقلي عن اسوء الامور. هذا ما كان لطفي.

لا اعرف صدق مشاعره اتجاهي، لا اعرف ان كان يعتبرني صديقته المقربة او ان كان يكن لي مشاعر اكبر ، لكنني كنت ممتنة له كثيرًا، لوجوده في تلك الفترة من حياتي، لانني كنت سأموت في تلك المصحة لولا هو.

الفتاة نقلت بصرها الى الفتى وتبادلا النظرات فيما بينهما وكأنهما يتناقشان في ما قلته للتو، تركتهما وعرجت الى مكتب الاستعلامات. "جيمي--" قلت لممرضة الاستعلامات لكنها ردت قبل ان اكمل حتى. "الجندي جيمي الذي وصل قبل قليل، هو في غرفه العمليات، سيطروا على نزيفه ولكن الطعنات كانت مدروسة ومحترفة مزقت رئتاه وكانت ستمزق شريان رئيسي في رقبته، يبدو ان الطاعن تردد او ارتبك من الطريقة التي عاينوا فيها الجرح وهذا انقذ جزء كبير من جيمي، هم الان يحاولون" تنهدت اترك نفس مضطرب، لا اعرف ان كان نفس راحة ام شيء اخر. هو تردد لانه لم يتوقع ان اطلق النيران عليه، او لانه لم يتوقع ان يجد خصم ثاني، او لانه استشعر وجود قائد مارس. ايًا ما كان، فهو ساعد جيمي.

"فلسفتك غريبة في رؤيه الامور. " جفلت من الممرضة بجانبي.

"اوه انتِ مازلتِ هنا . " استندت هي أيضًا على مكتب الاستعلامات، تنظر باتجاه القسم الذي خرجنا منه.

"انها فلسفتي الخاصة التي ابقتني صامدة. " قلت وابتسمت لي. "فلسفة جازمين ستيلارد الخاصة. " اومات لها.

"أحيانًا نرى في الطب البشري حالات نادرة، معجزات، اشياء مستحيلة يتكيف من خلالها الجسد ويتخذ طرق غريبة حتى نحن لا نميزها ليحمي نفسه، اظن ان فلسفتك هي المثل." الروح والجسد، نفس الشيء، نفسيًا وجسديًا.

انتِ مثابرة، حقًّا، القصص عنكِ تظلمكِ بالحقيقة، صلابتك هذه وصمودك هما شيئان مميزان، لكن لا عجب في ذلك، اليس كذلك؟ الامر واضح انك قوية ولا تنصاعين لعوائق الحياة، سجلك الطبي يوضح كل شيء وبرأيي هو دليل عدم استسلامك." ابتسمت لها بخفة، غير مكترثة كثيرًا لكلامها ، افكر في جيمي، لولا وقوع انتباهي على كلمتي سجلك الطبي.

"تقصدين سجلي الطبي كتاريخ محاولة الانتحار؟" قطبت حاجبيّ، ابتسامة خفيفة خرجت منها .

"ليس فعلًا، اقصد الامر الثاني، انه دليل انكِ قوية منذ الصغر." رمشت بوجهها ، احاول البحث بعقلي عن قصدها.

"نحن كأطباء نحب الحالات النادرة مثل خاصتك، ومع قصتك والانتحار وكونكِ موضوع تذكره المملكة والمستشفى ايضًا بالاونة الاخيرة امام كل منتحر فأنا اقرأ سجلك بين حين واخر، ولانني جديدة هنا ايضًا ولهذا انا معك ولست في غرفة الطوارىء، عموماً ، سجلك--انه حقًا يثبت لي ان المعجزات أكبر من الطب والعلم ونحن، وان المرء ان قرر شيء ما وحزم امره عليه لن يوقفه شيء. اتمنى ان تعرفِ مدى قوتك."

"لحظة، أي امر ثاني؟ " سألت بعدم فهم واستغراب لتختفي تعابيرها الودودة بقلق.

اقصد ال--تقريرك وانتِ جنين ؟ رحلة نموك وكل هذا انسة جازمين، اسفة ان كنت اتواقح معك لكنني فعلًا معجبة بتقرير-- "

"اي تقرير بالضبط؟ لا افهم" ملامحها سقطت ببطء الى القلق وهي تناظرني.

"سجلك الطبي.. اعني..- انه من الماضي وربما على الاغلب لا تتذكرين، انتِ محقة لكنه شيء هام للطب، هذا محرج للغاية، اسفة." حركت يداها باحراج ووجهها بدأ يتحول للون الاحمر.

"فقط تحدثي!"

انسة جازمين، اقصد فحوصات والدتك الطبيعية اثناء الحمل بك، الفحوصات التي اظهرت انكِ جنين مشوه وغير سليم، أنه من الافضل اجهاضكِ."

تراجعت للوراء قليلًا. "ماذا؟" الكلمة خرجت من حنجرتي متحجرة.

نظرت لي باستغراب، تعقد جبينها. "ألم يكن لديكِ علم؟ هذا غريب، بالعادة قصص مثل هذه يتم ذكرها كل يوم على طاولة العشاء." عندما رأت انني صامتة وانظر لها فقط أكملت. "انتِ حقًّا لا تعرفين؟" امتدت عيناها قليلًا بصدمة.

راحتيّ تعرقت واحسست بدقات قلبي العنيفة ضد بشرتي. "جنين مشوه؟"

"نعم.. والدتكِ أجرت فحوصات الحمل الطبيعية ولكن كل النتائج كانت تظهر وتشير الى كونكِ جنين غير سليم، حالتكِ كانت حرجة وبالعادة الاهل يجهضون الاجنة الذين مثلكِ لانهم سيعيشون في عذاب لشهر او اثنين بعد الولادة ثم يموتون " السخونة ارتفعت الى وجهي.

"حالتي؟" انفاسي اصطدمت ببعضها البعض، تضيق بهاجس يمرر مخالبه على رقبتي، الامر رن في عقلي مثل فكرة عابرة وخاطفة جعلت شعر رقبتي يقف ولا اعرف لماذا مرت هذه الفكرة الان.

الا ان مخالبها ارتفعت حتى التفت حول عقلي.

"الاجنة المشوهة؛ لا نمو عقلي سليم، لا رئتان قادرتان على دعم جسدك عند الولادة، لا جهاز مناعي قوي يحميك، ولا نمو اطراف سليم." ضغطت شفتاي، اشعر بسخونة دمائي وبشرتي من الصدمة والهلع الذي رن في جسدي لدرجة ان انفاسي تقلصت حيث احسست بالاختناق فابعدت بصري عنها الى شيء اخر. "انه على الاغلب سجل شخص اخر، جنين ثاني. انتِ جديدة هنا." دقات قلبي اصبحت عدوتي، تضرب بعنف شديد سمعته في عروقي، في اذناي، دقة بعد اخرى، كل واحدة اقوى من التي قبلها تحجب عني العالم وتجعل رؤيتي شبه ضبابية.

"لا، هو سجلك. ان الجميع قرأه وليس انا فقط لذا لا يمكن ان اكون مخطئة؛ اقصد الاطباء حينما جئتِ انتِ الى هنا عندما حاولتِ الانتحار وحتى هذا الوقت الجدد من الطاقم الطبي يتفقدونه بين حين واخر، أنه حقًا معجزة طبية جازمين."

"هل استطيع رؤيته؟" ضغطت اصابعي المتعرقة في قبضة. "السجل اقصد." بلعت، نظرت لها اشعر بالمرارة تتكون في حنجرتي وحينما رأيت نظرتها ، عرفت ان السقف سيسقط علي كما طلبت.

"انتِ بالغة لذا نعم انه مسموح ان تتطلعي على سجلك، انتظريني قليلًا. " أومأت لها ، أراها ترحل وفورما أختفت هي من وراء الممر تركت نفس مرتعش يسقط مني ورفعت يدي الى فمي. هي لم تتأخر دقيقة، عادت مع ابتسامة وملف ازرق. "تفضلي." أخذته منها واعطيتها ظهري، افتحه وانظر لاعلى الورقة الاولى.

'جازمين ستيلارد.'

وكان بالطرف الثاني من الورقة ختم المملكة والمستشفى الرسمي على صورتي اليافعة. قرأت عيناي 'تم التجديد في الشهر الثاني.'، هذا كان وقت خضوعي للحقنة العسكرية والفحص الطبي العسكري. انه امر طبيعي، السجل الطبي يتحدث كلما زار المريض المستشفى وخضع لفحوصات.

قلبت الاوراق اقرأ ما اعرفه من محاولات انتحار ومن دخولي مركز اعادة تأهيل الى بضعة كسور اصبت بها في طفولتي حتى توقفت عيناي فجأة فوق سطور لا اعرفها، افترقت شفتاي وحينما خفضت بصري للاسفل سقط قلبي، تراجعت للوراء اشعر باقدامي تأخذ خطوات على ارض غير متزنة، على ارض وهمية، في عالم سمعته يسقط من حولي.

لان في الورقة كان مكتوب بخط عريض 'دورة نمو الجنين.' وتحته صور بيضاء وسوداء ثلاثية الابعاد لجنين، اسفل كل صورة كان هناك فقرة مكتوبة.

'مشاكل وخلل بنائي في الجدار الصدري.'
'مشاكل في تطور نمو الجمجمة.'
'مشاكل في التنفس والجهاز المناعي.'
'عيوب خلقية في البشرة، الدم لا يتدفق بشكل صحيح وسلس وحساسية من اغلب الاطعمة التي تتناولها الام بسبب المشاكل في الجهاز المناعي.'
'عدم نضوج الرئتان وفق الوقت الطبيعي.'

تنفست بصعوبة، ارمش وكأنني احاول تنظيف رؤيتي، لكنني شعرت بالغصة المألوفة تتكون في حنجرتي، قلبي انكمش في داخلي وغاص.

ابي ذكرني اولًا.

الشعور ابتدأ من ظهري صعودًا الى رقبتي ثم شعرت بانكماش بطني وانقلابها. "جازمين؟" رأسي ارتفع فورًا الى الصوت المألوف، ادريان.

عندما نظرت له استوعبت كم ان رؤيتي اصبحت ضبابية، اللسعات الحارقة في جانب عيناي كانت مؤلمة لان مصدرها الغصة التي تجمعت بوسط حلقي، بلعت ورمشت احاول ابعاد الحرقة واخرج من ذهني لكنني لم استطيع، شعرت بالارض تتلاشى من اسفلي ومع كل استيعاب يطرأ علي، شعرت به يدفعني للاسفل، يدفنني.

يا للهول..

عيناه سقطت علي فورًا وملامحه تبدلت بقلق متفاجيء بينما رأيت وجهه يشحب عندما خفض بصره الى رقبتي وجسدي الدامي، مازلت لم اغسل الدم من وجهي، فمي، ذقني--هرع نحوي يقطع الخطوات بيننا بسرعة.

"ما الذي حدث؟" اصابعه انغلقت حول ذراعي، صوته لين ولكنني سمعت نبرته المرعوبة الحقيقية، ونظراته حينما تتبعت عيناه الدماء على بشرتي كانت وكأنه فكر باسوء الاحتمالات واصبح يبحث عنها في تقاسيم وجهي، عن الخطر والجروح ، ثم نزلت عيناه الى جسدي مرة اخرى.

"انها ليست دمائي. " قلت لا اسمع صوتي، احاول ان اعود للواقع قدر الامكان، وان كان ذلك ممكنًا هو اقترب مني أكثر، يحركني من ذراعي حتى انظر له. كنت اتحاشى عيناه.

"انها دماء جيمي. " رفعت رأسي، اؤكد له من خلال عيناي انني بخير، تصلب اكتافه ارتخى قليلًا لكنه لم يختفي كليًا ، بريق القلق اللامع في عيناه ازداد "هل انتِ بخير؟" رطبت شفتاي، اسمع رنين في اذني، هو لاحظ تعابيري. "لقد تم طعنه بعنف." قلت اقطب حاجبيّ وابلع، احاول ان اجعل موضوع جيمي هو سبب شعوري بأن صدري انخسف.

نظرت للممرضة التي ابتسمت الى ادريان ثم لي وقالت انها ستعود لاحقًا من اجل الملف. "جيمي..- هو ليس من يكون." قلت فنظر لي بتفاجيء قليلًا. "كيف عرفتِ ذلك؟"

"كنت تعرف؟"

ارتفعت اصابعه الى شعره بتنهيدة، يقحمها فيه ويرجع للوراء خطوة. "نعم، اكتشفت هذا منذ فترة، انتبهت الى تصرفاته حينما لا يكون احد يشاهده وبدى وجهه مألوفًا للغاية، وما فضحه هو اسلوب قتاله وطريقة تدربه المختلفان عن شخصيته."

"كيف؟ هل ترتبط الشخصية بطريقة التدرب؟"

"بالطبع الشخصية هي التي تحدد أسلوب القتال؛ ان كانت اللكمات عنيفة وشرسة فهذا يعني ان الشخص يمتلك الكثير من الجموح في داخله بينما ان كانت اللكمات بسيطة، هذا يعني ان الشخصية لا تمتلك الاهتمام الكافي بالامر او فقط ليست قوية داخليًا ومناسبة، ان كانت اللكمات خفيفة لكن جيدة فهذا يعني ان الشخص لا يمتلك جموح كثير ولكن فقط ما فيه الكفاية وطبيعي، ربما تدل على انه لا يعاني من مشاكل غضب مثل معظم الجنود وهناك دلائل كثيرة اخرى."

"وجيمي؟"

"جيمي يجب ان تكون ضرباته قوية وسريعة خفيفة، ليس ثقيلة وياخذ وقته فيها، ليس مملوءة بالجموح والغضب، لا يفترض بها ان تكون ثقيلة مثلما هي. اعتقدت في البداية انه فقط من الاشخاص النادرين الذين لا يجب ان احكم عليهم من غلافهم لكنني مجددًا، لا اخطىء ابدًا." نظرت له لدقيقة أقلب كلامه في عقلي، يبدو اننا لا نعرف جيمي حقًا.

اعدت بصري الى الملف وحنجرتي انغلقت فاغلقت عيناي ولكن هذا جذب ذكريات اخرى سيئة للظهور امامي. "ادريان.. هل يمكن ان تختلط السجلات الطبية؟" انخفضت عيناه الى الملف الذي بيدي بفضول. "لماذا؟" نظرت له ولم استطع التحدث، وكأن شيء قيدني، هذا الموضوع قيدني.

ضيق حاجبيه بقلق عندما لم ارد واقترب يمسك مرفقي. كان يرتدي قميص اسود وسترته العسكرية في لا مكان، البنطال العسكري والحذاء ذو العنق ابرزوا من طوله اكثر ، أو ربما انا شعرت انني صغرت وكل شيء حولي اصبح ضخم، يلتهمني.

"ليس حقًا ، لا، المملكة تفعل كل شيء بدقة، لماذا؟" صوته الذي كان حذر ومراعي ودافىء وكأنه يعرف ان هناك شيء يزعجني جعلني اتنهد ، ابقيت عيناي على الورق، الصور، ومعدتي انكمشت اكثر.

اخذت نفس غاضب ورجعت للاوراق الاولى ابحث عن تاريخ هذا الملف والفحوصات، عن خطأ ما وعندئذ توقفت لثانية ارى التاريخ المسجل، ضعف جسدي. "انها .. هذه الفحوصات اثناء حمل امي بي." في نفس تاريخ كوني جنين. ادريان اقترب من خلفي ، يقرأ الملف من فوق كتفي.

وقربه--انه ليس قريب حتى، لكن مجرد وقوفه خلفي، مجرد الاحساس به وبهالته بجانبي، اعطاني شعورًا بالراحة وسط اختناقي.

"هذا غير منطقي، كيف تظهر التقارير الطبية أن الجنين غير سليم وانا بأتم صحة؟ " ادرت وجهي له، هل يمكن ان يكون ملف شخص ثاني؟ "أليس هذا خطأ؟" هل يمكن ان تكون امي حملت بطفل قبلي؟

لكن مهما قلت، ذلك الهاجس المرتبط بوصية ابي كان موجود على رقبتي، يقشعر بدني ويكمش قلبي بألم، يخبرني بأمور مستحيلة.

انخفضت اعين ادريان ألي.

لم يبدو مصدوم مثلي، او متفاجىء، انما اقترب الخطين الفضيين الكثيفين لحاجبيه من بعضهما البعض بعقدة خفيفة ورطب شفتاه--توسعت عيناي ببطء وباستيعاب . "انت تعرف. " لم يتفاجيء من هذا أيضًا.

"انت تعرف" كررت بعدم تصديق ولكن سرعان ما بلعت صدمتي. "ما الذي تعرفه؟ تحدث، ولا تحاول الكذب حتى."

"هل كذبت عليكِ من قبل؟" قال بانزعاج طفيف ينظر للجانب وكأنه شعر بالاهانة، عيناه كانت مع تلك الحركة زرقاء شبه زجاجية اسفل اضواء سقف المستشفى، تلمع وكأنها زجاج تستطيع الرؤية من خلاله.

"هل هو السجل الطبي نفسه الذي في القاعدة او انت بحثت بنفسك؟"

"نعم، هذا السجل موجود في القاعدة"

"هل هو سجلي الخاص؟ ام سجل طفل ثاني؟"

"انه سجلكِ الخاص جازمين." اقترب مني لدرجة انه اخفى كل شيء خلفه، او اخفاني انا عن كل شيء خلفه.

"حسناً..لماذا ؟ من الواضح انه ليس انا، هذا الجنين من المستحيل انه على قيد الحياة الان. هل تلاعب احدهم بسجلاتي؟ لقد..--استخدموني كاستراتيجية الهاء لك ولاغسطس ونولان، هل تعرف هذا ؟ "

"اجل اعرف استوعبت قبل العطلة ببضعة ايام."

"حسنًا اذًا؟" اشرت الى الملف. لا اعرف ما معناه، لانني هنا، على قيد الحياة، كاملة وبأتم صحة، اقوى من غيري حتى. "اخبرني ما الذي يعنيه هذا، هل هذه هي طريقتهم في اظهار ضعفي للقاعدة؟ التقليل من شأني بواسطة العبث بسجلات صحتي؟"

"هذا السجل موجود في المستشفى منذ ان حاولتِ الانتحار، ونفسه تم ارساله الى القاعدة حينما خضعتِ للاختبارات العسكرية الطبية، يعني هذا السجل موجود قبل سنوات من دخولكِ القاعدة، ومنذ وقت كان فيه والديكِ على قيد الحياة، انه حقيقي، لم يعبث به احد."

حركت كتفي مع ضحكة خفيفة مزيفة. "هذا ليس منطقي."

نظرت للملف من جديد، للكلام المكتوب، للتوقيعات الرسمية، زمرات الدم، ختم المستشفى والطبيب، الصور، التشخصيات الطبية. "هذا ليس منطقي." همست بغصة، ادير وجهي واغمض عيناي، اسمع صوت ابي في عقلي.

اصابعي التفت حول الملف بقوة. كيف؟ فقط كيف؟

احسست بنظرات ادريان الحارقة علي، وعرفت انه يفكر في شيء ما. "ماذا ؟ ابصقها وحسب. " الا ان رأسه التف الى من حولنا، يتفقد المحيط. "لا اظن انه المكان والوقت المناسب."

"ادريان، فقط تحدث. " قلت بنفاذ صبر. "ما الذي حدث لي؟" لمعت عيناه قليلًا وهو ينظر لي، لكن لم تكن لمعة بهجة، كانت داكنة.

"لم يتلاعب احد بسجلاتك الطبية جازمين انتِ كنتِ جنين غير سليم يعاني من عدة تشوهات خلقية وكان يجب اجهاضه والا سيعيش في ألم من وقت ولادته الى شهر او شهرين بعدها ثم يموت بطريقة مؤلمة أكثر بعد ان يفشل نظامه الحيوي في دعمه بالكامل." للبرهة الاولى نظرت له وحسب، ثم بدأ كلامه يأخذني، يسرق مني انفاسي ويحشر كلام الملف في رأسي كالصاعقة.

"كيف؟" تحدثت بصعوبة.

رمش على زرقاوتيه، وتلك الرمشة أظلمت فيها عيناه وكأنه استذكر شيء ما. "هل تتذكرين المصانع الجنوبية التي خضعت لسلسلة انفجارات؟ تلك التي شوهت بأشعتها المنبثقة معظم الاجنة الجنوبية ودمرت الجنوب؟"

"ما شأن هذا بي؟ " سألت باستنكار.

اجل اعرف، الجنوب قبل عام ٢٠٠١ كان عبارة عن احتجاجات وانقلابات على المملكة من قبل سكانه ، كانوا يثيرون أعمال شغب وفساد ، فانتشر الجهل سريعًا والفوضى لكن ما دمر الجنوب حقًا وحوله الى كومة خراب هو سلسلة الانفجارات في المصانع الجنوبية التي نتجت بسبب تفاعلات كيميائية بين المواد وايضًا ، كما سمعت، بسبب هجوم الجنوبيين على تلك المصانع.

"انتِ تشوهتِ بسبب الاشعة التي انتشرت، مثل الغربان الجنوبيين." توسعت حدقتاي بصدمة، ثم قبضت يدي الى جانبي اندفع نحوه بسخط. "هل تحاول السخرية مني يا هذا؟" صككت من بين اسناني، صدري يوشك على الاحتكاك بخاصته لانه لم يفصلني عن لكمة سوی ارادتي.

"هل ابدو وكأنني امزح؟" خفض وجهه ناحيتي.

تمعنت في تقاسيم وجهه التي اصبحت قريبة مني، مباشرة؛ واستوعبت انه لم يكن عليها أي تعبير سخرية، او مزاح من نوع ما، كانت جادة، وكان هناك شيء اخر في تقاسيم وجهه، غضب حالك مختبيء بين طياته. بشرته كانت تلمع، متعرقة وعيناي تتبعت بعض اللطخات الحمراء في شعره المشدود للوراء، هذا اعلمني انه كان ينقذ الضحايا ايضًا.

ومض الضوء فوقنا وارتفع رأسينا له فورًا قبل أن يستقر الوميض على ضوء انعكس توهجه الخافت على وجه ادريان "انفجرت محطة الكهرباء التي تمد المستشفى بالطاقة، شغلوا المحول الاحتياطي الان!" سمعت هتاف احدهم حولنا.

"لقد ولدت في مدينة ادولايا." رصصت، أوكد له، احاول ان لا اضع غضبي في نبرتي لانني لا اريد المزيد من المشاكل بيننا، ولا اعرف ان كان يجد كل هذا مزحة سخيفة ام هو فقط يهذي.

"لكنكِ خلقتِ في الجنوب." تراجعت برأسي انش عنه، الضوء الخافت يزيد من لون عيناه ذات الزرقة الداكنة ولكنهما كانا يبرقان مثل كريستال مشتعل من الداخل، اللمعة تلك--كالجمر النارية.

هززت رأسي. "ما الذي تتفوه به انت؟"

اقحم اصابعه في شعره، يترك نفس من بين شفتاه ويغمض عيناه وكأنه يحاول ان يهدأ الا انه ادار رأسه للجانب وشتم اسفل انفاسه، يمسح وجهه ويسحب شعره للوراء حتى النهاية. عقدت حاجبي، انها المرة الاولى التي اراه فيها مضطرب هكذا، غاضب هكذا ، يفقد السيطرة على نفسه بهذه الطريقة.

"ارسولا كانت في الجنوب وقت الانفجار الاول من سلسلة الانفجارات؛ في نفس الوقت الذي كانت حامل بكِ، ومثل اي جنين موجود في نطاق الانفجار الاشعة اثرت عليكِ." هذا غير منطقي. البتة.

"هذا هراء، ما الذي قد تفعله امي هناك؟"

"هل تعرفين لمن تعود المصانع التي انفجرت في الجنوب؟" لا اعتقد انه طلب اجابة حقًا. "ايغيس." مع كل كلمة قالها احسست به يكتم سخطه اكثر ، لانني سمعت كيف رص على الحروف وكيف قبض فكه.

وعرفت تمامًا الى ماذا يلمح.

ابقيت قبضتي الى جانبي وثبت عيناي على خاصتيه، اشعر بسخونة جسدي ترتفع. "كيف تفسر كوني سليمة اذًا؟"

تحرك من مكانه وانهى المسافة التي بيننا يضيق حاجباه، يقف امامي وعندما تحرك باتجاهي تحركت معه موجة حرارة ضدي، وكأن جسده وهالته تحمل حرارة ضخمة وتتحرك معه اينما خطى، تندفع قبله وتاخذ الخطوات سابقًا.

ورغم انني كنت انظر له لكنني احسست بذراعه تنخفض وباصابعه تلمس خاصتي، اصابعي التي تحمل الوشم بلمسة خفيفة ورقيقة مرر اصابعه عليها حتى امسكها داخل يده.

وعيناه حاولت السيطرة علي، امساكي وتثبيتي اسفلهما، أو ربما حاولت احتوائي، لكنه امسك بصري وكأن نيته ان لا يفصله، ان يحتويه بالكامل. "احدى مشاريع ايغيس الكبيرة تطلبت استخدام قوة هائلة لاكمالها، ايغيس تقدمت بطلب لاستخدام طاقة محرمة دوليًا وعالميًا حتى تكمل مشروعها لكن اللجنة العليا رفضته، ابي رفضه، ومع ذلك بعد بضعة أشهر ورد خبر ان ايغيس شرعت بالعمل بهذه الطاقة، ابي حاول المعارضة ولكن تفاجيء حينما وقف الكل ضده ومع ايغيس ولهذا تم التخلص منه بتعيينه الى منصب اعلى، هو حاول حتى عندما غيروا منصبه ومع ذلك ايغيس استمرت." قلبي قفز الى حلقي واعتصر في داخلي لانني اعرف أي مشروع كبير هذا ، اعرف من قدم الطلب هذا.

نفيت برأسي، اخذ خطوة للخلف لتنفصل لمسته عن اصابعي، ادريان نظر لي لثانية قبل أن يقبض فكه. يعرف انني اعرف ما يحاول قوله. يعرف انني استنكره تماماً .

"فيلكس هو من تقدم بهذا الطلب وفيلكس هو من استمر بالمشروع، وهو من استخدم هذه الطاقة والمادة الممنوعة التي خلفت اشعة دمرت الجنوب والاجنة لان محركات مشروعه النادر كانت تتطلب طاقة مختلفة مباشرة، هو كان مع ارسولا في الجنوب في احدى المصانع حينما حدث الانفجار الاول." نفيت من جديد، استذكر كلام بيتر عن المشروع، اشعر بسقوط قلبي على الارض.

بيتر قال ان المنظمة استخدمت في المشروع اساليب لم توافق عليها اللجنة العليا. أهذه هي الاساليب؟ رفعت يدي الى فمي، بخوف وعدم تصديق. انا--لم اتوقع.

لم اتوقع ان تكون--السبب في دمار كل شيء. سلسلة الانفجارات هذه دمرت الجنوب، مسحته بالكامل، لوثته تمامًا.

"كيف تفسر كوني سليمة اذًا؟" صككت اسناني.

"انتِ سليمة.. لانكِ كنتِ وسط بؤرة الانفجار، جسدكِ امتص طاقة كافية انقعته بالاشعة والطاقة لشهرين وافسدت تشكيلكِ الجسدي بالكامل، دمرت جهازك المناعي والتنفسي وكل شيء، ثم عندما لم تجهضكِ ارسولا بعد مرور الشهرين من الحادثة الطاقة والاشعة بدأت تمتزج مع جيناتك، فأعطت تحفيزًا لجيناتك حتى تنمو من جديد بشكل سليم." القى الصاعقة.

كدت اضحك. هززت رأسي في استنكار

"ايراكس--الغربان الجنوبية-" قاطعني بسرعة. "الغربان التي تشوهت مثل ايراكس والبقية لم يكونوا بالقرب من المصانع مثلكِ، لم تمتص اجسادهم طاقة كافية لتعطي جيناتهم تحفيزاً بأن تنمو خلاياهم من جديد بشكل سليم، لذا اثرت عليهم مثل اي اشعة اخرى وشوهت جزءًا منهم فقط."

"والمملكة تعرف بهذا؟"

حرك كتفه. "المملكة لا تعرف بهذا وحسب، المملكة تدعم وتمول هذا." شعرت بالفراشات في بطني ولم تكن النوع الايجابي انما النوع الغريب، النوع المتوتر ، وكأن امعائي اعتصرت في داخلي وانقلبت.

شعرت بالغثيان.

"وابي المسؤول عن كل هذا؟" وجهت كل غضبي الى قبضتي بجانبي، الفكرة فقط سخيفة للغاية. "وانت لم تقرر اخباري الا الان؟ الا يبدو الامر غريب بعض الشيء؟"

"لانكِ لن تصدقي بكل الاحوال. انتِ لن تصدقي ابدًا. ولو فعلتِ فعندئذ لن تكونين بخير ، كنت بانتظار الفرصة المناسبة، لم اكن سأخبرك وانتِ لستِ جاهزة." كلامه صفعني بألم على وضعي المثير للشفقة، لانني ضعيفة داخليًا ، لانني سأنهار، لانني سأنكسر.

لانه راى من خلالي ومدى هشة دواخلي.

"انا اصدق ما هو حقيقي، ما اراه حقيقي. " صككت من بين اسناني. "وما تتفوه به انت الان غير منطقي. ليس لديك اي دليل سوى ملف قد يكون مزيف وكلام عن الانفصال قد يكون ملفق. " لمحت لمحة الغضب المتطايرة والسريعة التي مرت في زرقاوتيه. "مازلتِ تصدقين ان خطة الانفصال ملفقة لوالدك؟"

"سأبقى اصدق ان لا علاقة لابي بشيء! انت من اخبرني ان الجميع مزيفين وكاذبين! القديس زيف موته، ناثان زيف موته، انت قائد ليس كما تدعي، بحق حتى جيمي هو ليس من يكون! ما الذي يمنعهم من تلفيق كذبة وجريمة وابادة لابي؟ هو ميت، ما الفارق الذي سيحدثه؟ ليس وكأنه يستطيع الدفاع عن نفسه لانه مدفون ستة اقدام تحت الأرض!"

" الا يمتلك اخوة؟ الا يمتلك اخوين من عائلة ستيلارد؟ لماذا لا يتحدث بيتر ؟ لماذا لا يدافع عن فيلكس؟ لماذا لا يحاول تنظيف العار الذي وصم اسم ستيلارد؟ انتم عائلة عريقة وعتيقة جدًا جازمين، وقد يكون الان فيلكس مبجلًا من قبل المملكة لكن كتب التاريخ ستكتب انه كان مجرمًا ، لماذا بيتر يسمح بكل هذا الكلام الذي تقولين انه ملفق ان يختم اسم عائلته!"

تحركت ودفعت صدره بقوة فرجع للوراء. "الان عائلتي سيئة وليس فقط ابي؟ الان بيتر ايضًا سيء وسَّد؟ هل ستتهم جوليا تاليًا؟ تورما ربما؟" زمجر يدفعني بجسده ويمسك مرفقي ويدي الاخرى التي ارجعته يوقفني. "هذه ليست اتهامات جازمين انما حقائق." قال ينظر الى عيناي، يحاول ان يؤكد لي ما يقوله، قربت وجهي من خاصته حتى اصبح يفصل بيننا سوى انشات صغيرة وعيناه لمعت بشدة اسفل الاضواء. او قد تكون عكست لمعتي الخاصة.

ومرة اخرى، احسست باصطدام هالتي بخاصته؛ استوعبت اصطدامنا المشتعل هذا وتناقضه؛ كنت انا عنيفة، ملتهبة، مباشرة وهو كان هادىء، غضب مكتوم، يتربص من اسفل رموشه وجسده، يمر على عقله قبل ان يخرج. كان ذكي، عنيف، وغير مباشر. كان متحكم وواعي. يعرف كيف يوجه غضبه نحو الشيء الذي يزعجه حتى يصقله.

وكنت انا اعرف كيف ادمر الشيء بدلًا من ان اصقله.

قلت من بين اسناني. "الحقائق تمتلك دلائل ادريان، اعطيني دليلك الملموس، غير هذا الملف وكلامك. " فكه انبسط في خط مستقيم وعيناه احتدت لثانية قبل أن ترتخي فجأة اصابعه حول ذراعي وتنفتح. تعابيره سقطت ببطء وهز رأسه بخفوت يعود للوراء.

" انتِ حمقاء مغفلة." الاحباط انتشر في تقاسيم وجهه. "مغفلة." کشر طرف شفته باشمئزاز ، نظرت له بتفاجؤ وافترقت شفتاي.

"حاولت ان اشرح لكِ-- ان أريكِ-- أريتكِ ديكارسيس، هل تعرفين معنى هذا حتى؟ ان أخذك الى مستودع ديكارسيس؟" اندفع نحوي وتجمدت في مكاني. من اين يأتي هذا ؟

شعره تبعثر مع تحركه، انفاسه الساخنة اصطدمت ببعضها البعض ثم بوجهي حينما امسكني فجأة من كتفاي وسحبني يقربني بعنف من وجهه الذي اصبح بارد ومظلم بغضب. "حاولت كثيرًا ان اجعلكِ تفهمين الحقيقة، ان تعرفين ما يجري حولكِ لكنكِ طفلة غير ناضجة مازالت متعلقة بشبح والديها اللذان لم يتوفيا فقط انما دمرا وجودها ايضًا ، ومازلتِ متمسكة بهما بأكثر طريقة مثيرة للاشمئزاز والشفقة، لا استطيع النظر لكِ من الاحراج حتى، مثل الطفل المتروك وحيدًا والذي يتمسك بأشباح الاوهام والماضي لان مهما حصل ومهما اصبح الواقع امامه حقيقي سينكره لانه ناقص، لان هناك فراغ في داخلكِ، ولانه غير ناضج كفاية لاستيعاب أن الجميع يمتلكون هذا النوع من الفراغات!"موجة عارمة من الصدمة الشديدة هزت جسدي ثم السخط ، شعور مئة شوكة انغرست حنجرتي، صفعة لاسعة وحارة مرت على قلبي، انقبض في داخلي وتقلصت بطني بغثيان شديد.

"انتِ لستِ الوحيدة جازمين، كلنا نعاني ولكننا لسنا مغفلين بصدمات طفولتنا، برغباتنا ونحن صغار ، استيقظي، فقط انضجي بحق من كل رغباتكِ الطفولية، انتِ تعانين من الفقدان وهذا يؤثر على رجاحة عقلكِ وقرارتك، لست متفاجىء من ان تقييمك كان قليل--" اردت القول انني لم ارى يدي وهي تلتحم مع وجنته وتقطع كلامه لكنني رأيتها وشعرت بها في كل عظمة من عظمات جسدي؛ التحمت قبضتي مع وجنته بصوت مسموع وبضربة قاسية نشرت ألم قوي في مفاصلي جعلته يفلتني ولفت وجهه للجانب الثاني، جرحت شفته لدرجة انه بصق الدماء على الارض وامسك بفكه المرصوص.

الا ان الضربة لم تهزه بقدر ارتداد كلامه في داخلي.

جمعت اسناني، اقبض رجفة اصابعي التي تعرقت بقوة، انظر له وصدري يعلو ويهبط، اشعر بسخونة جسدي التي ارتفعت هذه المرة لدرجة انني احسست بقطرات العرق تتكون على جبيني وبوجهي يتحول احمر. لا اصدق--ضغطت شفتاي بخط وبلعت الغصة المملوءة بالماء الذي اغرقني. رمشت لسعة عيناي ودفنت رغبتي بالبكاء، بالوحدة الشديدة، الارض تحركت من اسفلي، وكنت مثبتة الاقدام بها فسحبتني في دمارها وزلزالها.

أيظن انني لا اعرف هذا؟

أهذه نظرته عني؟ أيظن انني لا اود الاستيقاظ؟ أنني مغفلة يعجبني وضعي؟ انا احاول. اقسم انني احاول. الالم في داخلي اصبح مؤلم ومرّ للغاية ولكنني احاول. انا اريد الاستيقاظ ايضًا.

حقير. لعين حقير. اندفعت نحوه اسحبه من ياقه قميصه. "لا علاقة لحياتي بالامر ايها الوغد اللعين." قلت بسخط هائج ألكمه من جديد وهذه اللكمة بدى وكأنه لم يتوقعها لانه اوشك على السقوط من قوة الضربة وسمعت صوت انكسار انفه، سحبته مرة اخرى اقرب وجهه الذي اصبح مملوء بالدماء حول انفه وشفتاه نزولًا الى قميصه من خاصتي.

" تتحدث وكأنك لست منافق قذر، تقول انني متأثرة بصدمات طفولتي وانت المريض الذي يوشك على الموت لانه يحجب كل مشاعره مثل الطفل الخائف؛ أتظن انني لا اراك تخفي مشاعرك الحقيقية؟ ما الذي سبب لك هذا؟ ما الذي فعل هذا بك؟ لماذا تخفي مشاعرك هكذا ؟ ها ادريان؟ هل انت خائف من ان تتعلق بأحدهم؟ من ان يعرف احدهم نقطة ضعفك؟ انفطار قلب؟ او هل هو فقدان ربما ؟" بصقت الكلمة الاخيرة. "نصف علاقاتك عبارة عن مصلحة، مصلحة سببها الطريقة التي تحاول فيها الدفاع عن جنوبك، نفس الشيء معي وانا ادافع عن والدي، لكنني على الاقل لست منافقة بوجهين" كنت اشتعل، بشرتي اتقدت بنيران جعلت دمي يغلي، لانه لا يمتلك الحق للحكم علي بهذه الطريقة، لا احد يمتلك الحق للحكم. وهو بالتأكيد لا يمتلك الحق للتقليل من شأن ألمي ومحاولاتي للتجاوز.

"لا تقارنيني بكِ انتِ من ينغلق على نفسه ويتكور لدرجة الموت اختناقًا من ضيق المكان." زجر ودفع ذراعي عن ياقته ولكنه لم يتركها انما دفع بجسدي بحركة سريعة للوراء حتى انضرب ظهري بشيء صلب، ضخامته دفعتني مع تحركه واحدى يداه ارتفعت الى رقبتي ثم ذقني. "انا لا ادمر نفسي مثلكِ، لا انكر الحقائق المؤلمة." نظراته ثقبت من خلالي وتحدث من بين اسنانه، بنبرة حاقدة وكأنه يشعر بالاهانة انني قارنته بي.

"انا لا انجرف في الجزء الطفولي مني، لا تتجرئي للمقارنة حتى. لست مثير للشفقة الى هذه الدرجة، ان اكون اعيش في عالم وهمي نسجه عقلي--"

"ايها اللعين" هتفت اركله بين قدماه وادفعه من خلال صدره للوراء.

" من تعتقد نفسك!" احسست بقلبي يؤلمني بشدة وهو بهذا القرب الشديد مني لكنه على عكس المرة السابقة هو يؤذيني، تفاصيل وجهه التي وجدت فيها الالفة مرة بلعت غصتها التي جرحتني الان تفاصيلها ، زمجرت ألكمه واشعر باشتعال اعصابي.

" يغضبك؟ أليس كذلك؟" رفع بصره لي بأنفاس مضطربة يمسح الدماء من فمه بعد ان بصقه، يبدو مستمتع، وكأنه اراد ان يغضبني، زمجرتي ارتفعت واصبحت مسموعة مصحوبة بخروج انيابي.

"عليكِ ان توجهي هذا الغضب نحو والدك--" لم ادعه يكمل لانني انقضضت عليه مرة اخرى بنية لكمة لكنه هذه المرة صد ضربتي برفع ذراعه ودفع مرفقي، وجهت لكمتي الاخرى بيدي الثانية نحو خصره وصد تلك ايضًا فاستخدمت قدمي لضرب ركبته ولكنه لم يتأثر بالضربة كثيرًا وهكذا دخلنا في عراك مقاومة وصد. انا أرمي اللكمات وهو يصدها باحترافية سريعة في لمحات بصر. "النفاق جعلك محترف أليس كذلك ايها الوغد؟" بصقت من بين اسناني، العرق بدأ يتصبب من وجهي ولمحت من خلال النافذة احمرار بشرتي الملتهب.

"لا ليس النفاق أنما النضوج، شيء لا اعتقد انكِ تعرفينه." سخر يمرر اصابعه على شفته، يستمر بمسح الدماء التي تتجدد وينظر لي، شعره تبعثر والتصق بجبينه. انفجر غضبي من جديد وزمجرت من بين اسناني المضغوطة اضع كل قوتي في جسدي وقبضتيّ أنوي الانهاء على وجهه هذا لكن قبل ان تتصل مفاصلي بوجهه تمكن من امساكها ولويها مما جعل جسدي يستدير فورًا حتى لا تنكسر فحبس ذراعي وراء ظهري وثبت جسدي بيده الاخرى.

يده ارتفعت بمخالب من خصري الى رقبتي، يهددني حتى لا اتحرك، ضغطت فكي ارفع ذقني لانني شعرت بمخالبه الجارحة تنغز بشرتي. "حتى ردات فعلك هذه هي أثر عدم نضوجكِ، أتخافين الحقيقة؟ أتخافين من ان اقولها بصوت عالي فتنضجين؟" شعرت بالاشمئزاز منه.

" انت تثير اشمئزازي." التفت له انحت الجملة في عقله والقرف كان واضح على تعابيري. "والدك يجب ان يثير اشمئزازك." اغمضت عيناي. ما الخطب معه؟ فقط ما الخطب معه؟

"لماذا تحولت الى وغد فجأة؟" انخفضت نبرتي.

"لست وغد." ارتفعت عيناي له. "انا فقط احاول اخبارك بالحقيقة."

زمجرت "انت تحكم علي، وتتهم والدي. هذا لا يسمى بالحقيقة."

"وانتِ تعيشين في وهم خيالي، هذا لا يسمى بالحقيقة ايضًا."

من انت حتى تقرر الحقيقة والوهم؟" اطبقت اسناني اتلوى واحاول الافلات من قبضته. "تقول ان ابي مجرم وانت الذي اعترف بقتل أكثر من مئة شخص، انت الذي--"

"قتلتهم لاعيش! ليس لاجل مشاريعي!" الان هو يغضب!

"وانا لا اتهم احد! فيلكس هو المسؤول عن دمار الجنوب والانفصال! هو السبب في كل شيء يحدث وانتِ غبية ومثيرة للشفقة لايمانك الشديد هذا به! لن استغرب ان احتجتِ لدخول مركز اعادة التأهيل مرة اخرى لانكِ غارقة في اوهام طفولتك!" زمجرت بصوت مرتفع اضرب يده عن رقبتي واخرج من قبضته "انت قذر حقير." اندفعت نحوه بكل قوتي، اشعر بمخالبه تلك تجرح خدوشًا في روحي، لان لا يوجد ما هو اكثر اهانة وألمًا من ان يخبرك احد أن معاناتك هي سخافة، تفاهة، وانك انت الذي تبالغ.

"اه! " صرخت بغضب اريد قتله هنا ولكنه كان يصد كل لكمة بشكل مقفول؛ يصدها ويقفل طريقي للوصول الى اجزاء أخرى من جسده.

الا ان ما يؤلم أكثر هو ليس تقليله من شأن ما كنت امر به، وليس حتى الحكم علي من خلال ما خضعت له، لكن ما يؤلم هو انني اشعر بالاختناق لانه يرى الامر سهلًا للغاية وانا لا استطيع رؤية تلك السهولة، انني اعرف انه لو كان مكاني شخص ثاني وخاض كل ما خضته فأنه سينجو، انه لن يكون مدمر ومحطم مثلي. هذا ما كان يؤلم اكثر شيء.

وادريان مسح تلك الحقيقة في وجهي بكل قسوة. ادريان. الوغد المنافق الذي ظننت انه اكثر من يتفهم-- زمجرتي اصبحت مرتفعة لدرجة انها طغت على ضوضاء المستشفى. "انت فعلًا منافق ادریان، لا شك انك وصلت الى هذه المكانة في المجال العسكري رغم انك جنوبي ولكن هذه احدى خصالك ها؟ جنوبي منافق يستخدم طرق قذرة للوصول. وكأن الامر مكتوب في جيناتكم." زمجرة غاضبة مشابهه لخاصتي انبثقت من صدره، لم يكن يهاجم انما يصد فقط ولكن صده ازداد سرعة وعنفًا ، الضغط على قدمي المجروحة بدأ يؤلمني بشدة وصككت اسناني حتى احتدت حينما احسست بالتقطيب ينفتح.

"تعمل مع صقر، تستولي مستودعات بشكل غير قانوني، تهدم مباني؛ ولا تقل لي انه من اجل الجنوب العزيز؛ أنه من اجل غايتك انت وعائلتك. والغاية لا تبرر الوسيلة ايها الحقير." شعرت بالسخونة، بنيران وجمرات ساخنة تلتهم بشرتي، تسري في عروقي كما ولو أن الدماء غلت فجأة، انفاسي الحارة لسعت انفي ووجهي اصبح ملتهب بينما قلبي كان يغوص بطعنات وينخسف كلما فكرت في تلك الحقيقة.

کرهت كلمة مغفلة، طفلة وحمقاء. انها اكثر ما اخاف منه، ما يؤلمني، انا اخاف من ان تكون حقيقة؛ ان اكون فعلًا مغفلة، ضعيفة وغارقة في مستنقع يخرج منه غيري بسهولة، انه لا يحرجني حتى بقدر ما يؤلمني، بقدر ما يجعلني افكر لماذا لا استطيع انا الخروج؟

الغضب الذي استحوذ لكمتي العنيفة وجهها هذه المرة نحو فكه وتمكن من مراوغة تقنيات الصد خاصته، الغضب لم يكن مجرد شعور انما شيء غير مرئي انتشر عبر بدني وسيطر عليه، غلفه بالكامل، الادرينالين تدفق في عروقي ورقبتي اصبحت ساخنة وكأن احدهم وضعني في حمام استجمام ساخن. ما الذي يعرفه ادريان عني؟ شعرت بحرقة في قلبي، الا يكفي انني اساسًا اتخبط في كل الجهات لافهم حالي؟ الا يكفي انني اكاد اجن؟ ما الذي يعرفه هو عني حتى يعتقد أن بامكانه نعتني بالحمقاء.

"تظن انك ذكي للغاية، عبقري وتعرف كل شيء لكنك مخطىء سليندر." لهثت من بين اسناني، لا اتوقف عن رمي اللكمات بسرعة وهو لا يتوقف عن صدها ومحاولة ايقافي. حاول تسديد ركلة الى قدمي حتى اسقط لكنني صددتها بقدمي واستدرت بجسدي اتحرك الى نقطة اخرى من الغرفة، انخفضت برأسي اتفادى لكمة وجهها لذقني وصككت اسناني استغل الفرصة واضرب خصره ليتراجع للوراء. "لكنك لا تعرف لعنة بشأني. " ومع جملتي الاخيرة احسست بالحرقة تتضخم الى شيء اكبر وانا اتذكر لمسته، ملامحه هذه نفسها التي جعلتني اشعر مرة انه يفهم، شيء في داخلي انفجر وركلت قدمه اسقطه على الارض واخرج مخالبي.

"كان يجب ان اعرف." لففت مخالبي حول رقبته وتوهجت عيناي بينما كشرت شفتاي للكشف عن انيابي.

"انك منافق ستأخذ كل صغيرة وتستخدمها لمصلحتك الخاصة." مخالبي الاربعة التفت حول رقبته من الخلف وابهامي اسفل ذقنه، انغرست لدرجة ان خط من الدماء نزل منها الى قميصه واردت ضغط اصابعي اكثر حتى احطم حنجرته، لكنني لست حقيرة مثله.

خفضت وجهي الى مستواه. "ابي دمر الجنوب." انفاسي اصطدمت بخاصته وضغطت اصابعي اكثر ليقبض فكه بألم ويضغط شفتاه بوجع.

اقترب حاجباه من بعضهما البعض بألم ولكنه لم يبعد عيناه عني ولو لثانية، ثبتهما علي ينظر الى كل تفصيل من تفاصيل تقاسيم وجهي يرص فكه يتحمل الالم ولم يصدني او يقاوم وهذا اغضبني بشدة، لماذا لا يصد ضرباتي ويهجم؟ اردت لكمه ولا استطيع فعل ذلك ان كان لا يقاوم هكذا. ضغطة واحدة وكنت قادرة على انهاء حياته، حركة واحدة وستدخل مخالبي في حنجرته وتسحقها في قبضتي.

"وفصل الجنوب. ما الذي فعله بعد؟ قتل والدتك العزيزة؟ أم هل هذه كذبة أخرى مزيفة مثلما زيف ناثان وفاته؟ هل ستخبرني انه قضى عليها ومن ثم تأتي وتخبرني ان ابي السبب؟ ربما قد تكون على قيد الحياة وتكذب معك، انتم جنوبيين بعد كل شيء." ملامحه المتألمة والتي يحاول السيطرة عليها سقطت وافترقت شفتاه بصدمة وكأنه لم يتوقع هذا .

يؤلم صحيح؟ حينما يذكر احدهم شخصك المفضل بطريقة سيئة؟

الا انني انصدمت مثله حينما خرجت هذه الكلمات من لساني متبوعة بصور له وهو مراهق يقاوم ضد زوي والقديس واولئك الاشخاص-- ضغطت فكي استوعب فعلتي، ارتخت مخالبي وتراجعت للوراء عنه اهز رأسي وابلع بمرارة شديدة وغثيان.

الامر يؤلم.

الامر يفتح الندوب وهذا ليس الجزء الذي يؤلم حتى، انما الندوب عندما تنفتح فأنها تغوص اكثر في داخل المرء، تنحفر اكثر، تصبح عميقة اكثر. هو بقى ينظر ألي لثواني وادرت وجهي للجانب انظر الى النافذة. "انت حقير" قبضت يدي الى جانبي. الكلمة كانت صادرة من الحرقة التي في داخلي، مغموسة باشمئزاز شديد سمعه في صوتي ولكن الاشمئزاز لم يكن الشيء الوحيد انما كان هناك ايضًا الالم النابض الذي حاولت الاغلاق عليه وارجاعه لمكانه، حيّ وينبض بشدة.

"لقد تحدث معنا." تكلم بخفوت يجذب بصري له.

نظر لي نظرة باهتة تحولت الى مظلمة ببطء حينما نهض وكشر شفتاه. "لقد جدول فيلكس موعد مع ابي واغسطس." رفعت حاجبي بعدم فهم.

"عرفت هذا لانه كان قدوتي، كنت اتتبع قدر الامكان من خلال ابي اماكن تواجده وزياراته في القاعدات والاسطولات؛ جاء الى منزلنا وجلس معنا ، تحدث فيلكس مع ابي وحاول اقناعه بالتراجع عن رفضه للمشروع، حاول التفاوض معه بشتى الطرق وايجاد هدنة من نوع ما بينهما لكن ابي رفض كل ما هو موجود . " نهض من على الارض ومسح الدماء من رقبته. هالة باردة تسربت منه ونبرته كانت خانقة، رفع عيناه ألي وقلبي تسلق لحنجرتي لان كان فيهما لمعة متوهجة وسط ظلامهما رأيتها للمرة الاولى على ادريان، كانت مزيج من لمعته المفترسة حينما قتل زوي ومن اللمعة المكسورة التي اكتسحت زرقاوتيه حينما خرج من المستشفى بعد هجوم الطائرة.

"لم ادخل معهم في اللقاء ولم اكن افهم الكثير عندئذ لكنني استرقت السمع لانني كنت اكاد افقد عقلي من حقيقة انه في نفس المنزل الذي اعيش فيه؛ صادف هذا بعد الانفجار الثالث للمصانع الذي صنع سلسلة الانفجارات التي دمرت الجنوب، حينما تعرضت فيه انا للاشعة لانني كنت بالقرب من احدى المصانع انا وازيكا." افترقت شفتاي ببطء وصدمة، برعب.

"حاول اقناع ابي ليس بالتراجع عن قرار رفضه المشروع فقط انما بأخذ مساعدة ازيكا في فصل الجزء الجنوبي من الحاجز." عيناي انخفضت الى حركة يده التي التقت في قبضة مخالب بجانبه، قبض اصابعه التي كانت مخالبه مكشوفة منها بشدة لدرجة انني رأيت الدماء تقطر منها. عيناه انتقلت من الارض ألي. "وبعد ستة شهور من الرفض، تم اختطاف امي من المستشفى التي تعمل فيها." تحرك من مكانه واقترب مني. موجة حرارة ساخنة امتصت الهواء من حوله جاءت معه، انه وكأنني اقتربت من فرن حار.

"وبعد شهر من ذلك تمت مهاجمة منزل عائلة اغسطس من قبل فرقة خاصة واختطاف ازيكا وقتل امه." تراجعت خطوة للوراء من دون قصد، من الصور الكثيرة التي قفزت امامي، ادريان يركض على ذلك الجسر وتمت ملاحقته؛ اغسطس يظهر من الغابة ويمسك به، صوت الرصاص والنيران، قتل رفيقة اغسطس، اختطاف ازيكا والدماء الساخنة التي انفجرت على ادريان لان رفيقة اغسطس كانت بجانبه عندما تم اطلاق النيران عليها . وانكمشت معدتي بغثيان ارتفع الى حنجرتي.

ارجعت بصري الى ادريان ورأيت السخط والالم البحت على وجهه، امسكت نفسي وثبتّ قدماي بالارض حتى لا ارجع للوراء بصعوبة لان ما رأيته امامي--لم يكن غضب، كان شيء مخيف، كان سخط. السخط الذي يعني انه شيء خالص ونابع من اعماق المرء، من جوهرة روحه، شيء يجري في عروقه ودمه وكيانه ويصنع من يكون. الغضب هو بسبب مؤثر خارجي وقد يخمد بعد فترة، شهور ولكن السخط..كان شيء متقد من الداخل ويتغذى على روحه، ممزوج بعتمة سوداء ناتجة من احتراق النيران التي تلتهم روحه، عتمة مميتة وقاتلة، خانقة.

عتمة جعلت صاحبها ليس خائف من ان يختنق في دخانها، واحدة جعلت صاحبها لا يتكسب المناعة ضدها ولكن يمتزج معها ، يموت كل يوم بسببها الى ان اصبح لا يمانع هذا الموت الصغير الذي يسيطر عليه في كل صباح يستيقظ فيه ويستوعب كمية الشياطين في داخله، في كل مرة يفتح عينيه للعالم ويستوعب كمية الألم الذي ينهشه من الداخل، الغضب الذي يأكله.

"ان الجنوب موقع استراتيجي وجغرافي مهم؛ يوجد الكثير من البحيرات فيه ويطل على جزء كبير من البحر، مساحته واسعة ويعتبر اضخم جزء من المملكة ولهذا معظم المصانع فيه كانت بالقرب من البحر والبحيرات." خفضت بصري عن خاصته، لا اقدر على مواجهة هذا الكم الهائل من المشاعر، ولكنني انصدمت حينما لمحت طيف توهج خفيف من اسفل كَم قميصي.

رفعت طرف الاكمام وقطبت حاجبيّ بصدمة على مظهر عروقي وشراييني متوهجة توهج ازرق ساخن، قربت طرف اصبعي من التوهج لاتفاجيء من السخونة التي تنبعث منه. انه ليس حارق لدرجة عدم التحمل ولكنه ساخن للغاية وكأنني مصابة بالطاعون او الانفلونزا القوية.

اعدت عيناي الى ادريان "انا عرفت ان هناك مصانع لكنني لم اتوقع انها مصانع خطرة عندئذ لهذا كنت حينما أخذ ازيكا من المدرسة امر من طرق اخرى للاستكشاف، ازيكا كان يحب الامر اكثر مني، وفي مرة مررنا من احدى البحيرات القريبة من المصانع وقررنا السباحة فيها--انا قررت؛ لم نقضي ربع ساعة هناك حتى انفجر المصنع الذي وراءنا انفجار دمر المنطقة المحيطة به وبثق اشعة لخارجها. وهل تعرفينه اضرارها الجانبية ان لم تقتلك؟ " جفل جسدي حينما امسك بمعصمي فجأة وسحب الكم صعودًا الى مرفقي يكشف عن ذراعي بالكامل، عن شرايين متقدة مثل الجمرات الزرقاء.

اقترب مني حتى اصبح قريب للغاية، لدرجة ان انفه لمس خاصتي ولكنه لم يكن شيء ودود او لطيف لان أعين ادریان توهجت باللون الازرق تزامنًا مع انتشار اللون في عروق رقبته نزولًا الى ما اسفل قميصه وذراعيه، بطريقة وكأنه اسقط الحواجز من حوله اخيرًا واطلق العنان لنفسه، اصابعه التي تمسك بيدي احسست بحرارتها ترتفع فوق بشرتي التي كانت ساخنة اساسًا ، حلقي اصبح جاف." هذه هي الاعراض الصادرة من الاشعاع الممنوع دوليًا ، اشعاع وطاقة اكابرس." توقفت عن التنفس، ركبتاي ارتجفت وبقيت انظر له وحسب، لان اجنحته انبثقت من خلف ظهره بتوهج الغربان الطبيعي لكن-- جسدي تصلب.

لكنها كانت ساخنة للغاية، اجنحته خفقت خلفه بخفقان خافت كافي لصنع موجات رياح صغيرة لامست وجهي وحركت خصلات من شعري بموجات هواء حارة، نفس الحرارة التي تصدر من جسدي ونفس الحرارة التي تتسرب من جسده وهالته الان.

"هل تعرفين اضرارها الجانبية الاخرى؟" ادريان تحدث من بين اسنانه، ضغط على اسنانه، وكأنه لا يمانع من ان تنكسر." انها تمتزج مع الجينات ولكنها لا تخمد ابدًا." كل كلمة تفوه بها جعلت قلبي يغوص في داخلي اكثر، سحقتني، ضربت عقلي بألم حاد ولاسع.

"انها من اسخن الاشعة الموجودة واكثرها ندرة وغرابة، أتعرفين ما الذي اكتشفه فيلكس من خلالنا؟ انها لا تخضع ابدًا ولا تصقل، حينما حاول صقلها وحبسها بكميات مناسبة لمشروعه تفاعلت وانفجرت لان مكانها في العلن، في الهواء، ليس لمشاريعه اللعينة. ولكنه لم يتوقف واستمر بمحاولة ايجاد ثغرة لاستخدامها، حتى انفجرت وتفاعلت وامتزجت مع جيناتك وجيناتي." ابي ذكرني اولًا.

"ولكن هل ستخمد ؟ لن تخمد ابدًا، لن يتم كبحها ابدًا، وامتزاجها مع جيناتنا زاد من جموحها ، هي تبحث باستمرار عن طريقة للانفجار والخروج ولهذا السبب هي تتفاعل وتهرب من اي شيء تنحبس فيه." ادریان سرق الهواء من رئتاي وهززت ذقني غير قادرة على التحدث او التنفس. حلقي جف.

"لهذا السبب تشعرين ان هناك مخالب اسفل بشرتك تخرمشك في كل مرة تغضبين، لهذا السبب تشعرين بأن جلدك يوشك على الاشتعال، لهذا السبب تحبين البرودة، لهذا السبب كراهيتك هي حقد وحقدك هو شيء قاتل، لهذا السبب كل مشاعرك مضاعفة، لهذا السبب حزنك تحول الى اكتئاب وحبك الى تعلق شديد، خوفك من الفقدان تحول الى هلاوس واقعية ادخلتكِ مركز اعادة التأهيل، انها تضاعف كل شعور لديكِ لان هذه هي طريقتها الوحيدة للخروج من الجسد، من خلال افقاد صاحبها السيطرة على مشاعره، لان المصانع قد تنفجر ولكن الجسد البشري لا يفعل، انها تتولد من جيناتك في كل مرة يراودك شعور قوي فتضاعفه حتى تفقدين السيطرة بالكامل وتنبثق منك في موجات." جسدي ارتجف وتقلصت رئتاي بداخلي، تم سحب الهواء من حولي وقشعريرة مميتة مرت على طول بدني، نظرت الى عروق يدي المتوهجة.

"سألتني لماذا كذبت عليكِ، لماذا اخبرتك انها مجرد توهج اكابرس الطبيعي؛ تعرفين الان لماذا لم اخبرك، لانني لم اعرف ما كان يمكن ان تفعله بك او كيف ستكون ردة فعلك، بالاخص في تلك الشهور الاولى." تعثرت للوراء لا اراه امامي، ارى الضباب يتكون من حولي واسمع صوت واحد فقط.

صوت ابي وامي.

كل تلك الليالي التي استمعت فيها الى صوتهما وهما يموتان، عندما استمعت الى ابي يوصي بيتر بأن يعتني بي انا ، تسألت لسنوات لماذا ذكرني انا اولًا بينما تورما كانت طفلة صغيرة وهي التي كان يفترض به ذكرها اولًا لانها من ستكون بحاجة الى الابوين، ظننت انه مجرد صدفة، انهما كانا خائفان وذكراني اولًا لانهما لم يستطيعا التركيز ولكن ذلك هراء لان ابي أكد على اسمي وعلي اكثر مرة.

هو كان يحب تورما، كان يحبها بقدري واكثر. كان يفترض به ذكرها اولًا.

ولكن ابي ذكرني اولًا.

اخبر بيتر ان يعتني بي انا.

"انت.." تبعثرت الحروف من لساني لان فورما تكلمت ارتعش وضعف صوتي، عيناي لسعتني عندما ارتفعت الى خاصة ادريان "انت قلت تلك الكلمات عن قصد ؟ حتى تستفز.. " لم يقاومني لهذا السبب.. ضغط فكه. "انتِ اردتِ دليل ملموس. هذا هو دليلك."

"حالتي.. " لساني اصبح ثقيل والهواء تم سحبه من حولي، قفصي الصدري اصبح يخنقني. "كل تلك السنوات--" سقطت علي كل مخاوفي، كل شعور سبق وان شعرته، كل الصراخ والدموع، كل الخوف الشنيع الذي هز بدني وانا صغيرة، الذي تحول الى قبور، الذي تحول الى هيئات مظلمة اراها في الليل وجاثوم، الذي افقدني شعور الانتماء وابقى في عقلي الموت فقط.

كل الالم والدمار..-- الغصة انفجرت في حنجرتي ورفعت يداي المرتعشة الى فمي برعب صعقني واستيعاب جعل الدموع تسقط على وجهي فورًا. كل الالم والدمار الهلاوس والاكتئاب والتعلق، كل هذه المشاعر السلبية والخوف من الفقدان، كلها كانت مشاعر منبثقة من شعوري وانا واقفة فوق ضريح والداي عندما تم دفنهما.

شعوري بأنني وحيدة عندما تم دفنهما تحول الى فكرة ان الكل سيموت، ان النهاية هي واحدة، توديعي جثمان والدتي ولمس يدها الباردة تحول الى كراهية لدفىء الاجساد لانها ستبرد في يوم من الايام، الاشتياق بعد تلك الليلة تحول الى تعلق مخيف بمن احب، الحزن الى اكتئاب، اللون الرمادي الذي طغى على حياتي بعد وفاة والداي مثل كل طفل يفقد والديه تحول الى اللون الاسود.

كل مشاعري--كل حالتي ..- كلها كانت صورة مضخمة لما شعرت به ذلك اليوم في المقبرة.

واوغاسبيان، عدم العدل الذي رأيته في الحياة تحول الى سخط شديد وكراهية للحياة، لكل من يستطيع العيش غيري، الغيرة والحقد والحزن..

"سحر ازيكا ليس قوي لانه مزيج بين الموت والظلام ولكن لانه ايضًا ممزوج مع اشعة الاكابرس التي ضخمته وضاعفته لدرجة انه من الممكن ان يكون من ضمن اقوى السحرة في العالم الان لو تم تدريبه، لهذا السبب فيل--" ادريان توقف حينما انخفضت عيناه الى الدموع التي ملأت عيناي وانهمرت الى وجنتاي، كل شيء هجم علي في دفعة واحدة، جسدي اهتز بقوة وكأن صاعقة ضربته.

لان الامر منطقي. منطقي للغاية.

"جازمين.." ضربت يده ارجع للوراء عندما ارتفعت الى ذراعي، تعابيره الغاضبة تتلاشت ببطء وبقت فقط المرارة.

"انا لا اصدقك. انت تكذب. " هززت رأسي، اضغط اصابعي ضد فمي حتى بدأ تركت اثر ابيض يؤلمني، حتى حجبت عني الانفاس لانني كنت اعرف انني ان تركت يدي تنخفض فأن شهقة ستخرج.

"انت ذكي، انت لفقت كل هذا ..- كل هذا--بطريقة ما." قلت بصعوبة اتنفس واسحب كميات من الهواء حتى لا انفجر، حتى لا استسلم لارتعاش صوتي والدموع الكثيرة التي اخنقها.

لكن ابي ذكرني اولًا.

وادريان يعاني مثل ما اعاني. الغربان الجنوبية تشوهت. ايراكس.. الطريقة التي تشوه بها وكلام ادريان عن كون الاشعة تشوهه الذين لم يتكسبوا الكثير منها بينما الذين اكتسبوا الكمية الكافية فأنها تمتزج مع جيناتهم بدل ان تقتلهم او تشوه جزء منهم.

ولهذا السبب تم اختطاف ازيكا وليس ايڤريست، لان ازيكا يمتلك الاشعة التي ضخمت سحره الذي كان اساسًا قوي ونادر، لهذا السبب نولان ولوركان تفادوا نظراتي عندما سألت ايڤريست لماذا لم يأخذوها هي ايضًا. كلهم--كلهم كانوا يعرفون.

"انت كنت تعرف--كلهم كانوا يعرفون." كلامي تقطع لان التوقف هذا في كلامي هو محاولة ابتلاعي الدموع الساخنة التي هددت بالانفجار بهستريا وليس فقط الانهمار.

"كلهم كانوا يعرفون عندما سألتهم." لم استطع التحمل أكثر من هذا، جدران الغرفة تقلصت حولي وقفصي الصدري انكمش يعدم الهواء. تراجعت للوراء والتقطت خوذتي ادفع الباب واركض للخارج، اترك الدموع تسقط بحرارة على وجهي وتنفجر، اسمع صوت ادريان يهتف خلفي بأسمي.

ولكن كل ما رأيته وسمعته حقًّا هو صوت ابي ونبضات قلبي العنيفة في اذني، كل ما شعرت به هو حرارة جسدي التي رفعت من حرارة الهواء حولي فأصبح التنفس صعب.

كل هذه الفترة-- كل هذا الدمار الذي بداخلي.

ارتديت خوذتي وركبت اول سيارة اسعاف عائدة للميدان، مازال لدي واجب ولا استطيع التخلف عنه، حاولت السيطرة على دموعي ولكنني لم استطع، رفعت يدي الى فمي اضغط بقوة وانفجرت في سيارة الاسعاف اكثر، وضعت وجهي بين يداي واكتافي اهتزت بعنف شديد.

كل الافكار الشنيعة، كل التساؤلات السيئة بحق نفسي، كل الايام التي قضيتها مدمرة لانني لا اعرف لماذا انا على الحالة التي انا عليها ، كل المرات التي لمت بها نفسي لانني لست مثل البقية.

اعتقدت انني مريضة عقليًا بداخلي، ظننت انني مجنونة ومضطربة نفسيًا لدرجة ان لا علاج لي، ان هناك شيء في عقلي فسد لهذا كانت تراودني الافكار السيئة والمشاعر الجياشة، المتضاعفة.

لماذا انا لست مثل البقية؟

هذا السؤال الذي طرحته مئة مرة على نفسي والاجابة التي في كل مرة كانت تخطر على بالي هي لانني ربما مريضة عقليًا ، ربما لا اعاني من الاكتئاب والحزن فقط انما لانه يوجد مرض لم اكشف عن اعراضه للمعالجين النفسيين.

كل ذلك الخوف.. كل ذلك الشعور ضد نفسي لانني اعتقدت انني السبب في حالتي، انني التي لا تستطيع التجاوز مثل البقية والمضي بحياتها .

"هل انتِ بخير --" اخذت بندقيتي ونزلت عندما وصلنا للمكان، اتجاهل الممرضين في الاسعاف، دموعي الساخنة لم تتوقف ابدًا ، رغم انني انهكت جسدي في العمل، في مراقبة المحيط، في نقل الضحايا من مكان الاصطدام والى المستشفى لتسع ساعات حتى بزغ الفجر وتم اعلان الجرد الاخير للمكان، لم اتوقف عن البكاء.

بصمت، بصوت مرتفع، بهدوء، بكل شيء.

تفاديت ادريان الذي رأيته يبحث عني وتفاديت مجموعتي وكل من اعرفه، اردت البقاء وحدي، اردت الانجراف في عملي لانه الشيء الوحيد الذي استطيع الغرق فيه الان، ابقاني صامدة على قدماي رغم دموعي، لو تركت العمل والتقيت بأدريان--بأي شخص ثاني، سأتحطم، لن يحملني جسدي.

لهذا وضعت كل قوتي في جسدي، انظر من خلال السلاح للعالم حولي، اشعر بالدماء تنفجر في وجهي، اسمع الصراخ والركض واصوات المروحيات وخطوات الجنود الثقيلة، الانفجارات والنيران المتصاعدة وألم جسدي، ودموعي تنهمر بصمت. ومرة اخرى، وجدت ان هذا هو الشيء الوحيد الذي احبه ويحبني، الجيش والجنود.

لانني سقطت في فوضى هذا المكان وانا ألف اصابعي حول زناد البندقية، اندمجت مع فوضته ولم يلاحظ احد الفوضى التي بي، مراقبة المحيط والركض والتأهب والتركيز وسط شعوري بأن قلبي يتم اعتصاره في داخلي اعطوني جرعة من القوة للصمود وانا ساقطة، وهذا السلاح الذي تشبثت به اصابعي وكأنه عمود نجاتي ووقوفي، لم يمانع امساكي به ولا انهياري وسط انهدام العالم من حولي.

العمل جعل كل عضلة من عضلات جسدي متخدرة بألم وتعب، اختلط مع الالم النابض في داخلي، اصابعي ارتعشت مع الفجر وخلعت خوذتي بصعوبة ادخل الطائرة بهيئة ثقيلة اجر قدماي الى جانب بقية الجنود، جلست ووضعت جبيني على فوهة بندقيتي استند عليها ، الدموع تنهمر بغزارة وسخونة ولكن لم يلاحظ احد ذلك لان وجهي كان ملطخ بالدماء والدخان الاسود.

صوت محرك الطائرة اندلع وذبذباته انتشرت في جسدي تهزه، المروحة أقلعت واصابعي التفت بقوة حتى تحولت اطرافها الى بيضاء حول البندقية احاول ان اكبح بركان الدموع في داخلي، اختنقت وانا افعل ذلك لان كلما كبحتها كلما احسست بها تتجمع في حنجرتي وتغرقني وتخنقني.

وكأن ذلك الشيء في داخل صدري تم طعنه ألف طعنة.

وكأنني استفرغت جروحي المتقرحة ولكنها لم تخرج ابدًا، هي بقت عالقة في حنجرتي.

فتحت عيناي الرطبة اتنفس من خلال فمي، ثم تذكرت كل ما قاله ادریان وضغطت شفتاي التي ارتعشت.

هذا هو اصل الشياطين التي تمرر مخالبها اسفل جلدي كل ليلة.

-

Continue Reading

You'll Also Like

747K 76.2K 39
الثانوية، سخافة المراهقين، الحياة الاجتماعيّة المنخفضة والجلوس في الحجز لساعات. هذا ما تدور حوله الحياة، أو على الأقل حياتها هي. آليس هود فتاة الثان...
561K 50K 11
في كل فيلم مكسيكي هناك ضجة تحدث في حفلات الزفاف تجعل المُشاهد يتحرك في مقعده عدة مرات من حماس ما يجري..خصوصا عندما يختطف البطل حبيبته من زفافها في مش...
1M 1.2K 1
[الرِواية الثانِية من سِلسلة القّيد] مِن أَجل عائلتهَا، أُجبَرت إِيفي على الزَّوَاج مِن أمير لَم تُقابِله مِن قَبل، إِنَّه وسيم، خطيِر، قَوِي، إِغرَا...
2.4K 304 3
مجموعة من القصص القصيرة التي لاتنفع لأن تكونا كتابا لحالها لكنها تأبى الانسحاب إلى سلة المهملات