"صباح هذا اليوم لم يكن صباح بشير للاسف الشديد، وردت لنا اخبار حصرية وفظيعة عن هجوم مباغت لمقبرة كروفورد التي دفن فيها العديد من القادة والابطال المخلدة اسماءهم في التاريخ. المقبرة تقع في غرب العاصمة ادولايا ويذكر ان الهجوم عليها حصل في تمام الساعة العاشرة من صباح اليوم حيث قامت مجموعة مجهولة الهوية من الغربان برمي عشرات الزجاجات المشتعلة والساخنة على المقبرة فتسبب ذلك في اندلاع حريق كبير اضافة الى انفجار ضخم حطم اغلبية القبور ودنسها. نترككم مع مراسلنا ويليام مباشرةً من العاصمة، كيف الحال عندك يا ويليام؟"
"ليس جيد يا كاثرين، اشعر بالاحباط الشديد على هذه الافعال الفاجعة التي بالفعل دنست ضرائح أبطالنا."
"بكل تأكيد فاجعة يا ويليام، من قد يمتلك وطنية دَنيئة لهذه الدرجة ويقدم على افتعال هذه الهجمات التي تقشعر البدن! نحن يفترض بنا الاعتناء بضرائح هؤلاء العظماء الذين ضحوا في سبيلنا وسبيل المملكة لا ان ندنس مكان رقودهم ونشوب سلامهم الذي يستحقونه."
"الاشاعات تتفاقم مثل النيران الملتهبة بين الناس، وأعلم الحراس المتواجدون في المقبرة الشرطة المحلية عن رؤيتهم لمجموعة غربان ترتدي اللثام الذي يخفي هويتهم، ولم يتمكن أحد من تقفي اثرهم سواء بالرائحة وذلك لانهم أخفوها او اللاحق بهم وذلك لانهم استخدموا غاز مصنوع يدويًا وحارق للهروب، كان ملون وحجب الرؤية تمامًا."
"وليس هذا فقط يا كاثرين، تم اكتشاف متفجرات مصنوعة يدويًا من مواد نادرة محلية لا تتوفر الا في الجنوب حطمت نصب ثاروس وأسقطت شعار الشجاعة، ما الذي يحاولون فعله بالضبط؟ من هم؟ وما هو هدفهم؟"
"تساؤلات كثيرة لا أجوبة لدينا عليها، ونضيف على تلك التساؤلات سؤال اخر مهم وهو ما المقصود بالجملة التي كتبوها بالدماء؟ لا يدفن الخائنون بيننا؟ يظهر هذا المقطع الذي وصلنا الجملة آلتي أتضح انها كتبت بدماء حديثة."
"من هم بالخائنون بالضبط؟ يقول البعض ان هذه هي رسالة من نوع ما، رسالة تدل على بدء ثورة، اي ثورة بالضبط؟ ولماذا الان فقط أعلنوا عن ثورتهم بهذه الطريقة؟"
"وللاسف تمت مشاهدة جازمين ستيلارد ابنة القائد الراحل فيلكس ستيلارد في المقبرة حيث تعرضت لعدة اصابات خطيرة اثر الهجوم—" انقطع الصوت واصدرت همهمة غير مفهومة بأنزعاج، راغبة في سماع المزيد.
"من الجيد اطفاءه، انهم يثرثرون فقط." تمتم بيتر.
"جازمين؟" وجدت صعوبة في فتح عيناي اول مرة حيث حاولت رفعهما لكنهما كانتا ثقيلتين وعندما فعلت اخيرًا اغمضتهما عدة مرات ارمش حتى تأقلم بصري مع محيطي.
"جاز، كيف تشعرين؟" مسحت جوليا على شعري وهمهمة اخرى صدرت من فمي، كل شيء ثقيل جدًا وعضلاتي تؤلمني.
"هل امسكوهم؟" سألت بنبرة خرجت مبحوحة للغاية وخشنة، حنجرتي ألمتني وحينما تحدثت خدشتني. اعطاني العم بيتر كأس ماء اشربوني اياه فتبدد الشعور القاسي في حنجرتي.
"ليس بعد." رد مع ابتسامة دافئة. "اخفتينا جميعًا عليكِ جازمين." ذكريات ما حصل تدفقت على رأسي فقطبت حاجباي بألم لانها سببت صداعًا حادًا.
"سأنادي الطبيب." قالت فتاة لا اعرفها، وبعد خمس دقائق من محاولة التأقلم والتركيز مع واقعي استوعبت أنها الممرضة.
"ما الذي حصل؟" سألت بنفس النبرة المتعبة، اجفاني تغلق من جديد وعقلي يعاود الانفلات من الواقع، وكأنني مخدرة. "كسرتِ جناحك الايسر وتعرضتِ لعدة اصابات شفت اثناء رقودك." اه صحيح، جناحي.
"جازمين استيقظتِ!" وصلني صوت تورما فاجبرت نفسي على فتح عيناي، فورًا رمت بنفسها علي تجعلني اكتم أنين مؤلم من الخروج. "اسفة اسفة." أرخت ذراعيها من حولي فورما استوعبت وهززت رأسي. "لابأس." همست، احب حينما تعانقني.
"لقد كنت قلقة كثيرًا جازمين." قالت بخفوت، ولاحظت فعلًا القلق في عيناها فأخذت نفس. "انه مجرد كسر." قلت بنية طمأنتها. "كنتِ تصرخين." ردت.
"تورما توقفي، استيقظت للتو." جوليا نبهتها ولم اكن ادري ان الامر بهذا السوء، كنت اصرخ؟ انا لا اتذكر. "اسفة لاخافتك تور." امسكت بيدها وشبكت اصابعي مع خاصتها، غير راغبة في اخافتها اكثر.
"لا تفعليها مجددًا حسنًا؟" اومأت. "وبالاضافة كل ذلك لا يهم لان احدهم حصل على ظرف مختوم من المركز الرئيسي لاختبارات ديكا." حدقتاي توسعت عندما اخرجت من وراء ظهرها ظرف ولوحت به امامي. وفجأة كل الطاقة دبت في داخلي فنهضت وهذا كان سيء جدًا لان دوار حاد اصابني جعلني اغمض عيناي بقوة.
"لا لا، أستلقي، لم تستعيدي صحتك بعد." ارجعتني جوليا ووضعت خلفي وسادة مريحة. "هل فعلًا وصل الظرف؟"
"اجل، وصل فجر هذا اليوم، لم نرد فتحه قبلك." نبض قلبي، والتعب الذي يرهق جسدي تناسيته.
"هيا، افتحيه." قال العم سَّد وراحتي بدأت تتعرق بقلق. تورما اعطتني الظرف. "افتحيه من دون تردد، قدراتك كانت مثالية." أخبرتني تضع يدها على ظهري وادخلت نفس عميق الى رئتاي.
"حسنًا.." خفضت نظري للظرف، كان مغلق ومختوم من قبل المركز الرئيسي لاختبارات ديكا، قاعدة ديكا. تحسست ملمسه بابهامي ثم ازلت الختم الموجود أفتحه واخرج الرسالة. قلقت من كوني افسدت الامر، من انني تعرضت للرفض، وحينما قرأت الحروف للرسالة سمعت الدقات العنيفة في داخلي التي تعود لقلبي.
جازمين فيلكس ستيلارد،
في الثالث من شهر فبراير انتِ خضعتِ لاختبارات ديكا السبعة التي على وفقها تم النظر في قدراتك الذهنية والجسدية وتم تحديد نسبتها التي تضمن الحصول على قبول في قاعدتنا العسكرية الاساسية للمملكة، قاعدة ديكا، او الرفض.
ونتيجة اختباراتك كانت :
القدرات الذهنية: 96%
القدرات الجسدية/ القتالية: 77%
تعرقت راحتي واحسست بمعدتي تتشنج حينما رأيت النسبة الثانية، حاولت تجاهل كون نسبة قدراتي الجسدية قليلة جدًا مقارنةً بالنسب التي يتم قبولها كل سنة وادرت الورقة لرؤية الجهة الثانية حيث توجد نتيجة التقديم.
لقد تم قبولك.
على المقبولين التوجه الى الجناح الطبي في القاعدة ديكا يوم الواحد والعشرين من شهر مارس لاكمال اجراءات مهمة، مصطحبين معكم اثباتكم الشخصي وبالزي العكسري، وسيتم الغاء قبول ايًا من يتخلف عن هذه الاجراءات الضرورية.
المركز الرئيسي لاختبارات ديكا السنوية،
اللجنة العامة لاختبارات ديكا، العاصمة ادولايا.
لم اعرف كيف يجب آن أتصرف، بقيت اناظر الرسالة بصدمة لا اصدر حركة، لقد تم قبولي—"ما الذي تقوله الرسالة؟" تورما ضغطت بخفة على كتفي، تحمل تعبير قلق جدًا. "حتى وان لم يقبلوك. تستطيعين التقديم مرة اخرى السنة المقبلة." جوليا اسرعت الى جانبي وافقت من صدمتي استوعب انهم فهموا خطأ بسبب تسمري.
"لقد تم قبولي." همست، مازلت في دهشة من امري. ارجو بشدة ان لا يكون هذا حلم اثر رقودي في غيبوبة. "لقد تم قبولي!" قلت مرة اخرى بنبرة مرتفعة اكثر والمفاجئة انتقلت مني لهم. هم أيضًا تجمدوا لبرهة وطالعوا بعضهم البعض قبل ان تسقط صدمتهم بصرخة من تورما اخترقت طبلة اذني واخرجت الجميع من دهشته.
"لقد تم قبولك!" ضحكة غير مصدقة خرجت مني، لانني بالفعل لا اصدق. القاعدة ديكا كانت اساس جيش المملكة. كانت افضل قاعدة قد تتواجد. وكل القاعدات الاخرى تتفرع منها. لا تقبل الا القلة القليلة جدًا واولئك المميزين الذين يرون فيهم جوهرة تجعل منهم جنودًا مثاليين.
هي تدرب المتقدمين لمدة ثلاثة سنوات حتى يتخرجوا وينطلقوا بعدها اما ليصبحوا جنودًا في القسم الاول من الجيش او يكملوا سنتين اخرتين فيها ليعملوا في القسم الثاني؛ والذي يحتوي الاسطول البري، الجوي والبحري. ما اريد العمل فيه.
وبالعادة اولئك الذين يريدون العمل في القسم الاول لا يأتون الى هنا لان بإمكانهم الحصول على تدريبات اسهل في اكاديميات الشرطة وجامعاتها. ومع ذلك، تبقى قاعدة ديكا شيئاً له اسمه وقوته. فهي تدرب الافضل، وتنتج الافضل.
"لا اصدق هذا! جازمين مبارك!" عانقتني جوليا تضع يدها على فمها. "هنيئاً جاز." اقترب بيتر يأخذني في عناق ساخن أيضًا.
"اخبرتك، كيف يرفضونك وانا الذي دربك؟" فتح لي سَّد ذراعيه فدحرجت عيناي اكتم الابتسامة التي اتسعت اكثر مما ارغب.
"اخيرًا، سأحصل على غرفتك." مزحت تورما فسحبتها في عناق خنقها قبل ان تلسعني عضلات جسدي تأمرني بالاستلقاء. "انتِ قادمة لهؤلاء الملاعين. هم ليسوا مستعدين لما هو قادم لهم." قالت هي بنفس الحماس الذي اعتراني.
"انا قادمة يا ملاعين." صحت اضرب كفي بكفها وأغمضت عيناي فورًا بألم أتاوه وامسك يدي.
الخبر جعلني أنسى كل شيء؛ الهجوم ورسالة المتمردين الدموية، كل شيء. لانني حالما ادخل الجيش سأبذل كل ما بوسعي حتى اكون الافضل وأتسلق المراتب وعندئذ سأحرص على معاقبة الجميع.
"ولكن قدراتي الجسدية تم تقييمها بنسبة سبعة وسبعين." قلت بنبرة مستاءة لان هذه النسبة سيئة جدًا، وازعجتني.
"لانكِ لا تتبعين الأساليب التقليدية خاصتهم، لا تكترثي كثيرًا لها او لهم. كلنا نعرف ان تقييمك الحقيقي اعلى. وهم كذلك يعرفون، ولهذا قبلوك رغم النسبة القليلة." سَّد قال. "بالضبط، هم يختارون اولئك الذين يرون فيهم شيء مميز ونادر، شيء قيم بما فيه الكفاية لدخولهم." بيتر أكمل. "وانتِ كلك مميزة." جوليا اضافت تترك شعور طيب في خلدي. وتورما التقطت الرسالة من يدي.
"اووه انظروا، معدل ذكاءها ستة وتسعين. ولهذا تنجح دومًا في التسلل من المنزل—" ضربت قدمها اخرسها على الفوز قبل ان تسمع جوليا.