غراب | Crow

By itsowhatdoit

2.5M 261K 347K

جازمين ستيلارد كانت غراب. لكنها لم تكن أي غراب، كانت مميزة بكونها جازمين اولًا ومن العائلة العسكرية العتيقة... More

تنويه
غراب
اجنحة الدمار.
مدخل | حدث غير مألوف.
٣ | نتيجة التقديم.
٤ | الشجاعة.
٥ | التمرين الاول.
٦ | تقاطع الدماء.
٧ | سوار القاتل.
٨ | انذار الغراب.
٩ | قد اكون السلام.
١٠ | برودة.
الخنجر والاربعة.
١١ | چين.
١٢ | ارسولا لاغارد.
١٣ | خيوط العنكبوت.
١٤ | الاجنحة السوداء.
١٥ | دماء ستيلارد.
١٦ | الوشاح الاسود.
١٧ | الاكابرس.
١٨ | ايقاع.
١٩ | بحيرة فلور.
٢٠ | شيطان.
٢١ | سكوربين.
٢٢ | ادوار القديسين والملوك.
٢٣ | ثلاثة غربان وحجر.
٢٤ | الافضل للنهاية.
٢٥ | تهويدة.
٢٦ | جازمين ستيلارد.
٢٧ | قربان للاسوء.
٢٨ | شيطان.
٢٩ | اعصار.
٣٠ | الوشم والقصيدة.
٣١ | اول الضحايا.
٣٢ | رايفن.
٣٣ | كمين ايغيس.
٣٤ | الغربان الجنوبية.
٣٥ | السهم المحارب.
٣٦ | السقوط والنهوض.
٣٧ | ضمادات ورصاص.
٣٨ | رجفة، رجفتان.
٣٩ | استراتيجية الالهاء.
٤٠ | ما وراء الجبال.
٤١ | ارينا.
٤٢ | قاتل ارثر.
٤٣ | ديكارسيس.
٤٤ | الفن المدمر، الفن العنيف، الفن الشرس.
٤٥ | طعم مر.
٤٦ | رفيقة جيدة.
٤٧ | لعنة الهاء.
٤٨ | اصل الشياطين.
٤٩ | المجد.
٥٠ | ماسك نواه الشفرات.
٥١ | وان كانوا الجنود يخافون، فمن سيحمي العالم؟
٥٢ | السقوط الاخير.
٥٣ | فكر مثل العدو.
٥٤ | الاسلحة، الجيش، الادرينالين.
٥٥ | قائد السنة الرابعة.
٥٦ | القسم الرابع لجيش الغربان.
٥٧ | ما هو لون ازرقي؟
٥٨ | جيمي بلايز.
٥٩ | ظلال وخيوط زرقاء.
٦٠ | نصل الحرب.
٦١ | اجنحة من دون غراب.
٦٢ | عناق الاجنحة.
٦٣ | الطلب الميت.
٦٤ | انها سخرية القدر، مجددًا.
٦٥ | حديث القبور والعظام..وتخيلات الفتيان والفتيات.
٦٦ | بلاكسان.
٦٧ | اميرة الحرب.
٦٨ | خدوش هازل.
٦٩ | منحدر مأساوي.
٧٠ | المخطط.
٧١ | يرتدي اكثر من وجهين في العلن ويضحك على الجميع.
٧٢ | المعاناة المشتركة.
٧٣ | جناح.
٧٤ | رقصة حفل التخرج.
٧٥ | جسر الغربان.
٧٦ | قوة الحب والصداقة.
٧٧ | في وسط الوحوش نُبنى.
٧٨ | «قطع من الثلج، اشلاء من الثلج.»
٧٩ | مثل الجنوب والكوخ.
٨٠ | الجنوب والجيش والادرينالين.
٨١ | سلبيات وايجابيات.
٨٢ | كلمات جايدن.
٨٣ | خدوش ادريان.
٨٤ | بوابات انتقال عبر المكان.
٨٥ | مخلوقات الليل.
٨٦ | مجرد تغيير..
٨٧ | الابن المكسور.
٨٨ | رسالة من الاجنحة.

٢ | حادثة مقبرة كروفورد.

34.1K 2.9K 1.3K
By itsowhatdoit

"هل كان عليك الاتصال في ذلك الوقت فعلًا جوليا؟ اوشكت على خسارة مستقبلي." دلكت فروة رأسي بخفة أعاتبها.

"وماذا كان يفترض بي ان افعل؟ كانت قد مرت ساعة ونصف ولم اسمع منك أي خبر لذا اتصلت ظنًا مني انكِ انهيتِ الامتحان ولم تسر الامور على ما يرام." وضعت البيض المقلي امامي وانتقلت لتضعه في صحن بيتر، عمي، فشكرتها.

"حظيت بأغرب حلم ليلة امس." قلت اطالع فطوري من دون ان ارمش، اسرح الى أحداث الامس الغير مألوفة— احلام الامس الغير مألوفة.

"ما كان؟" سأل سَّد، عمي الاصغر، وهو ينظف قطعة معدنية من دراجته بقماش ويشاهد التلفاز الذي كان يظهر بث مباشر من اهم المباني في العاصمة، مبنى دابين للفنون.

"لا ادري، انه فقط غريب." همست امسح وجهي بتنهيدة ومن ثم طقطقت رقبتي لليمين واليسار لانني مازلت اشعر بالتعب حيث كانت عضلات جسدي متصلبة وغير مسترخية. "عن ماذا؟"

"عن مجموعة حراس عظماء يدخلون الثانوية بحثًا عن صقر؟" قلت أمل ان لا يخرج الحلم غريب ومحرج كما ظننته.

خيم الصمت فورًا وكلهم تبادلوا النظرات لوهلة قبل ان ينقلوا ابصارهم لي وما مرت ثواني حتى أنفجروا جميعًا في ضحكة مرتفعة. ارجعت رأسي للوراء بقلة حيلة، اسنده على عنق الكرسي واطالع السقف، رائع.

"حلمت انني رأيت حراس القسم الثالث، الحراس العظماء يدخلون المدرسة من اجل تنفيذ مهمة." كررت بنبرة منخفضة وصوتي خرج مبحوحًا. "يائسة لتلك الدرجة؟" سخرت تورما، شقيقتي الصغرى، فرمقتها.

"لكنه كان حقيقي جدًا، استطيع تذكره وكأنه ذكرى حقيقية." لمست المكان الذي ضربني فيه المدعو جيكس وشبه لسعني. "اذًا انتِ يائسة لدرجة كبيرة." طبطبت هي على ذراعي بأسى وشفقة مصطنعة فسقطت ملامحي. "تورما متى كبرتِ واصبحتِ وقحة؟" ابتسمت لي. "تعلمت من الافضل." قلبت عيناي لانها كانت تقصدني.

"لكن ما الذي سيفعله الحراس في الثانوية؟" سأل بيتر، من كان بمثابة ابي.

"اخبرتك، اظنهم كانوا في مهمة القبض على صقر دخيل او ما شابه." امسكت بالشوكة وطعنت بها الفطائر المحلاة بكلل.

"بالاضافة كان هناك الكثير من التفاصيل وأتذكرها جميعها. انت في الاحلام لا تتذكر الا مقتطفات صغيرة." قلت احدث نفسي اكثر مما أحدثهم، ابدأ بالاقتناع انهم فعلًا كانوا هناك. "وواحد منهم ضربني على رأسي حتى، استطيع الشعور بالألم الى الان."

"الامس كان غريب انتِ قلتيها، ربما اصطدمتِ بشيء وانتِ تسعفين سيزار فأثر ذلك على يومك او ربما نمتِ على الوضعية ذاتها لوقت طويل." قالت جوليا، الاحتمال الثاني كان مستحيل لانني لا اثبت في نومي ابدًا لكنني بالفعل اصطدمت بعدة اشياء ريثما اهرع بسيزار للاسعافات الاولية في منزلنا.

خفضت نظري للكلب الذهبي الجالس على الارضية وطرف شفتي ارتفع. "كل هذا بسببك يا ملك الدراما." مررت اصابعي على فروة رأسه وفركتها فأخرج لي لسانه باستمتاع وقفز الى حضني يجعلني اضحك. كان ليلة اول امس يأن متألمًا بملامح اسقطت قلبي في معدتي لانني ظننته يعاني من شيء خطير لكن أتضح انه فقط ملك الدراما ولم يتحمل تشنج قدمه.

خمسة حراس في ثانوية عامة من اجل صقر؟ حتى مسلسل السيدة جيميني الاسباني لن يكون بهذه الفوضوية والعشوائية. هززت رأسي انفي تلك الافكار.

"سَّد اخبرتك مئة مرة ان تبعد هذه الاشياء عن الطاولة وقت الفطور." جوليا وبخت تسحب القطعة المعدنية من عنده وترميها جانبًا. "اذهب واغسل يداك ثم تعال وتناول فطورك." هددته فنهض باستسلام.

"كيف حال قدمك ايها الشقي؟" سألت سيزار اطبع قبلات عديدة على وجهه فلعق ذقني بلسانه يجعلني أضحك وافرك ما وراء أذنيه لينبح بصوت مرتفع.

"تعرفون...-في الحلم صوبوا سلاح نحوي واخبروني ان اعترف لو اردت الحفاظ على حياتي وفعلت ذلك من دون مقاومتهم حتى." قلت مصدومة من نفسي. "هل هذه إشارة ان طلبي لن تتم الموافقة عليه؟ وانني يجب ان اجد شيء اخر بدل الجيش؟"

"او ربما إشارة ان عليكِ امساك لسانكِ وقت الشدائد؟" تهكمت تورما مستمتعة باغاظتي، فضربت قدمها من اسفل الطاولة لترسل لنا جوليا نظرة مهددة. "وتورما أوقفي تعليقاتك هذه."

"أنتِ فقط تبالغين، لقد دربتكِ بنفسي." سَّد نطق ريثما يدخل يجفف يديه بمنشفة. "هذا هو سبب انني خائفة، انت دربتني." سقطت ملامحه.

"وما الذي يفترض بذلك ان يعني؟ هل تدرين انني افضل ملاكم؟" جعدت ملامحي غير متأكده من صحة كلامه. "اجل..وكل تقنياتك القتالية هي تقنيات راكبي دراجات وعصابات وعشوائية وفقط—فوضوية."

"هذا ما يجعلكِ الافضل، ان لا يتوقع احد حركتكِ القادمة." برر فأومات أخرج شفتاي. "اكيد." هذا شيء متعارف عليه لكن بالطبع توجد تقنيات رسمية اخرى استطيع اعتمادها غير الفوضى التي علمني اياها.

اسلوب القتال خاصتي تعلمته من العم سَّد الذي كان الافضل لكن أسلوبه بالقتال لم يكن بالضبط اسلوب شريف ورسمي؛ حركاته باكملها اكتسبها لانه شخص متهور وضمن عصابة دراجات كما كان متنقل في فترة من فترات حياته بالتالي عندما خضعت لاختبارات ديكا بدوت مثل فرد من عصابة خطيرة قرر التكفير عن ذنوبه وخدمة مملكته لذا كنت قلقة بعض الشيء فيما اذ كانوا سيقبلونني ام لا.

"لن انجح." قلت اضرب رأسي بالطاولة. "لن يتم قبولي، لا ادري ان كنت سأنجح في الاختبارات المدرسية حتى." دوامة الافكار السلبية سحبتني اليها بسهولة وفتحت ذراعيها ترحب بي بكل حب.

"يا صغيرة، توقفي عن هذا الكلام، لقد فعلتِ كل ما بوسعك وكنتِ رائعة. رأيتكِ عندما خضعتِ للاختبار، جميعنا فعلنا، وكنتِ جندية مثالية، ولا يهم ان كان لديهم نمط معين يسيرون وفقه لان في ارض المعركة ما يهم هو ان تحمي مملكتك لا الطريقة التي تحميها بها."

"شكرًا لك ايها العجوز الحكيم." قلت بسخرية لا اقتنع. "لست عجوز، انظري الي، تورما هل ابدو مثل عجوز؟" فتح ذراعيه يشير لنفسه فضحكت تورما. "صدقني انت لا تريدني أن أجيب على سؤالك." عيناه كانت زرقاء مثل خاصة ابي وبيتر، لحيته المزعجة بيضاء خفيفة ذات ملمس مزعج، وتجاعيد ملأت وجهه الا انه مازال يمتلك طاقة وروح الشباب.

"اظنني سأزورهما اليوم، مرت فترة منذ ان فعلت واعتقد انني بحاجة لرؤيتهما قبل ظهور نتيجة التقديم." قلت بخفوت. جوليا، زوجه عمي بيتر ورفيقته، التي كانت بمثابة والدتي ايضًا، ابتسمت لي. "ذلك سيكون امر جيد مع كل الضغوطات التي في حياتك الان."

"كنت سأزورهما انا ايضًا لكن دراجتي تعطلت ولم استطع، انتظريني حتى أصلحها وسنذهب معًا." اومأت للعم سَّد، التقط الشوكة وابلع فطوري مع غصة.

-

"مستعدة؟" سألني سَّد ريثما أثبت الخوذة على رأسي. "نعم." اطراف أصابعي تحولت للون الاحمر من برودة الطقس والهواء خرج مرئيًا من فمي عندما تحدثت.

صعد هو دراجته الهارلي التي كان قد وسمها كعزيزة قلبه وضغط المكابح فاشتغل المحرك يصدر صوتًا جذابًا وصاخبًا جعله يبتسم ريثما يطالعها بفخر.  "حبيبتي، عرفت انها لن تخذلني، أحتاجت فقط الى تغير—" هززت ذقني.

"لا اريد السماع—لا اريد سماع ما كانت بحاجة له فقط خذنا لهناك." ركبت بعجلة وراءه أمسك بالورود البيضاء في يد واتشبث به باليد الاخرى. "تعرفين، انتِ وقحة، واليكس تشعر بالاهانة." اليكس كان اسم الدراجة. "أخبرها انني اسفة، وانني احبها، لكنني لست مهتمة بمعرفة احتياجاتها." ضحكة متقطعة خرجت من ثغره، هززت رأسي.

"تشبثي جيدًا." أمرني ولففت ذراعاي حول خصره. "بالمناسبة هذه زهور جميلة جازمين." قال قبل ان تخترق الدراجة الهواء وتندفع بقوة جعلتني اغمض عيناي على ظهره لان الرياح صفعت وجهي. "شكرًا لك." همست.

"اللعنة الطقس يجمد الدم." شتمت اشعر بالرياح القارصة تخترق طبقات ملابسي التي يفترض بها ان تكون ثقيلة ومناسبة للشتاء. غُرابي، وهو الجزء الداخلي من كياني ويعد بمثابة وعي ثانوي ثانٍ لي، رفع من حرارة جسدي حتى تأقلمت مع الطقس.

"هل تريدين العودة وارتداء شيء اثقل؟ استطيع الاستدارة الان." هززت رأسي مجددًا. "لا." أجبت بسرعة. اريد الوصول لهناك بأسرع ما أستطيع، مرت فترة طويلة منذ ان زرتهما مقارنة مع زياراتي السابقة التي كانت شبه اسبوعية، وكنت حقًا بحاجة لرؤيتهما.

كما انني اردت التحليق، فرد اجنحتي والابتعاد عن اليابسة، الانفراد مع ذاتي لبعض الوقت، أحتجت للتخلص من كل القلق والتوتر الذي يراودني هذه الاونة الاخيرة.

"لا اريد منكِ التفكير كثيرًا جازمين، ما يحصل يحصل، ولديكِ خيارات كثيرة اخرى." لففت ذراعاي حول خصره اكثر. "اعرف، انا بخير لا تقلق." قلت واعرف انه يعرف انني اكذب.

لا يهمني ان لدي خيارات متعددة اخرى، انا اريد الدخول للجيش، اريد تسلق الرتب والمناصب، اريد اتباع خطى والداي. انه شغفي، واكثر ما يناسبني، الامور الاخرى فقط ليست لي. انا اريد حماية المملكة بطريقة ما، اريد ان احمي احدهم بطريقة ما، ان احدث تغيير وسواء كان بسيط ام كبير اريده.

"فقط لا تأتي مع طفل في احضانك." اردف وتوسعت حدقتاي برعب لتصدر منه ضحكة غريبة مرة اخرى تدل على انه كبير في السن. "ايها العجوز!" صحت.

"ماذا؟ انه احتمال وارد، والدتك جاءت بكِ في ثالث سنة لها بالجيش."

"اجل وجاءت بافضل هبة حصلتم عليها انتم العجائز لذا توقف عن التذمر والتفوه بالهراء."

"عجوز؟ اين! لماذا تستمرن باخباري ذلك؟ انظري، انا شاب." دعك لحيته الخشنة وتجاعيد ظهرت حول عيناه حينما ضحك. "بالطبع." دحرجت عيناي تزامنًا مع توقفه امام المقبرة ليتبدل الهواء من حولي ولتنقبض معدتي، الشعور سيبقى دومًا وكأنها المرة الاولى التي أتي بها الى هنا مهما زرتها.

انقباض معدتي وضعف ركبتاي، لسعة الطعم المعدني في الهواء والبرودة التي تأتي من الضرائح، الاسوار السوداء الشاهقة، الضباب الذي ينتشر بين القبور والذي يخفي الحزن ويكشفه في الوقت ذاته، وكأنها المرة الاولى.

بلعت انزل من الدراجة واخلع الخوذة، أتوجه الى البوابة الضخمة التي كانت اول ما جذبني عندما جئت الى هنا اول مرة لان تصميم البوابة الهندسي كان عبارة عن قبضان سوداء اللون شاهقة الارتفاع، وعلى جانبيها تم نصب مجسمين ضخمين لازواج اجنحة، جناح مفرود من كل جهه يلتقيان في المنتصف فوق البوابة بالضبط.

شعار الشجاعة والتضحية، نصب ثاروس.

"أهلًا جازمين." خفضت بصري للحارسة التي كانت مألوفة بالنسبة لي. "أهلًا ستيلا." اخرجت بطاقتي واعطيتها اياها، هي كانت مسؤولة عن تسجيل أوقات واسماء كل من يدخل ويخرج لان هذه المقبرة لم تكن مقبرة عامة او اعتيادية.

كانت مقبرة كروفورد مقبرة خاصة للجنود المخلصين والقادة الذين فقدوا حيواتهم في سبيل المملكة ونفعها، سَّد جاء من بعدي واعطاها بطاقته. "كيف جرت امتحاناتك؟ ابنة اخي اختبرت ايضًا وتقول انها متوترة كثيرًا وخائفة من النتائج."

"جيدة." أجبت.

رأيت الحارس الثاني يقف في موضعه مثل عادته، بسلاح على كتفه وبجسد مستقيم. "سمعت ان الاصدار الاخير اصبح متوفر في الأسواق سَّد، توقعت رؤيتك معه." تغيرت نبرة ستيلا الى واحدة مرحة تقصد اخر اصدار من الدراجة، وضع العم سَّد ذراعه على الرخام يحرك كتفه.

"ما الذي استطيع قوله؟ لا استطيع التخلي عن عزيزتي رغم انني احببت الاصدار الجديد." أرجعت لنا البطاقات وأعطتنا تصريحات الدخول، وبينما هي وسَّد تبادلا اطراف الحديث تفحصت البوابة من جديد واخبرت عمي انني سأدخل قبله. سنة تشييد المقبرة كانت محفورة في نصب جناح التضحية، المقبرة التي شيدت للعظماء والذين ما كنا سنكون هنا لولاهم ولولا تضحياتهم للمملكة.

ابي دفن هنا، والدتي دفنت هنا.

اريد ان أدفن هنا انا ايضًا.

استطيع تخيل الضريح خاصتي؛ جازمين ستيلارد، القائدة للكتيبة المعينة وابنة القائد السابق فيلكس ستيلارد تحقق معجزة في مهمة انقذت المملكة لكن من سوء حظنا وللاسف الشديد تسبب ذلك في مقتلها. خسرنا اليوم روح شجاعة يجب ان تكون قدوة لنا جميعًا، روحًا لا نجد مثلها الا نادرًا. تقيم المملكة اليوم الحداد على هذه الخسارة المفجعة، وسنتذكر جازمين ستيلارد دومًا سواء في قلوبنا او في طرق المملكة التي سقط عليها الامن بسببها.

أليس غريب؟ ان اسرح في خيالي وكيف ستكون مقالة موتي؟ لا. الامر ليس غريب لانني فعلت هذا مرات كثيرة، اريد ان اصل للقمة حتى في جنازتي. شبح ابتسامة عانق شفتاي وانا ارى نفسي واقفة على منصة مهمة، بوجة الجندي خاصتي وبيداي خلف ظهري، يتم استدعائي حتى يتم تكريمي.

"هيا جازمين." سَّد اخرجني من افكاري يدخل المقبرة فلحقت به؛ لم احصل حتى على تعبير وجه جيد من الحكام حينما تم اختبار قدراتي، ولا ادري ان كان ذلك ضمن قوانينهم ان لا يظهروا تعبيرًا معينًا لكنني شعرت برأسي يوشك على الانفجار من التفكير بهم.

"اختبارات ديكا اللعينة." شتمت اركل الثلج بقدمي فصاح بي سَّد. "لا تشتمي في المقبرة، انتِ تجذبين الأرواح السيئة لكِ هكذا."

"الاموات اموات يا سَّد، سواء كانوا جيدين ام سيئين لا يوجد ما يرجعهم او يجذبهم." هذه المرة، بقى هو صامتًا.

الضرائح كانت متناقضة في الاحجام والاشكال الا انها كلها مصنوعة من الرخام الاسود او الابيض. "تخيل ان تموت وحتى في مماتك يكون بجانبك، اشعر بأن والدتك مسكينة يا جازمين." سَّد مزح وعرفت من صوته انه فعل ذلك لإنه يشعر بالحزن ويحاول اخفاءه بمزحة مثل هذه.

كانوا بجانب بعضهم البعض، والدي ووالدتي.

"اهلًا." همست اقف بين القبرين، أنحني لوضع الزهور على كل قبر. "اعتذر لعدم زيارتي هذه الفترة، اصبحت فتاة مشغولة في الاونة الاخيرة." مزحت انا ايضًا لكن الغصة في حنجرتي ونبرتي دلت على كل شيء الا المزح. تنهدت اشعر بالقناع الذي ارتديه يسقط وجلست على الارض اضع وجهي بين يداي، اتنفس بثقل.

"سأزور ابي." سَّد قال، وفهمت انه سيعطيني ما احتاجه من وقت ومساحة مع والداي ولهذا احببته، انه يفهم دومًا ما اريده ومتى ينبغي عليه فعل شيء معين.

"اخر مره اتيت الى هنا اخبرتكما انني سأقدم لاختبارات ديكا." لففت ذراعاي حول ركبتاي وشبكت اصابعي مع بعضهم البعض. "إختبارات ديكا التي خضعتما أنتما لها أيضًا، اختبارات ديكا ذاتها التي يخضع لها مئات الشباب ولا يتم قبول الا نسبة قليلة جدًا منهم." سخرت في نهاية كلامي.

"كيف ابليت لعلكم تسألون؟ لا اعرف." نفخت الهواء، لا انظر للقبرين. "الامر يزعجني بشكل كبير." شكيت لهما. "لو كنت مازلت هنا ابي فعلى الاغلب ستكون احد الحكام وربما تقبلني ببعض من الوساطة." ارتفع طرف شفتي في ابتسامة حزينة.

"لكنني اعرفك جيدًا، انت لن تفعل وستقوم بطردي عوضًا عن ذلك الى ان امتلك الصفات المؤهلة." الا انه لو كان ابي على قيد الحياة لما إحتجت الوقت حتى امتلك الصفات المؤهلة لان عندئذ هو من سيدربني وسأنجح بسهولة.

"لكنني متأكده من انني سأنجح في اختبار التاريخ." نظرت لقبر ابي اخيرًا.

وسم الاجنحة الزرقاء كان محفور بطرف القبر، متوسط الحجم وبارز، على شكل اجنحة زرقاء مشابهة لنصب ثاروس فوق بوابة المقبرة الا ان الفرق هو اللون فهنا هي باللون الازرق الذي تتوهج به غرباننا حينما ندافع عن أنفسنا او شيء ثمين وقيم بالنسبة لنا، والوسم كان يتوهج لانه مصنوع من زجاج كلسي مغروس في الضريح.

جناحين مفرودين يلتقيان في المنتصف، الشجاعة والتضحية، رمز عائلتي.

منذ البداية عائلة ستيلارد ارتبطت بطريقة وثيقة قوية ومهمة بالجيش؛ سواء طبيب عسكري موهوب جدًا او قائد ذكي لاحدى الكتائب، قائد لاسطول معين مثل ابي او صانع اسلحة ومركبات عسكرية مثل عمل بيتر، ضابط او ملازم والسلالة تستمر. وانا اريد ان احصل على كل الوسوم الموجودة، اريد ان أجمعها كلها. اريد ان اكون الافضل.

"سأفعلها، لانها كلها خلقت حتى أخذها انا." العم سَّد كان فعلًا الافضل، لم ادخل في دروس قتال لانه ببساطة افضل منهم جميعًا ولكن المشكلة الوحيدة تكمن في كون التقنيات قد لا تكون مقبولة.

وانا كنت في العشرين من عمري ومازلت لم اتخرج من الثانوية لذا لم استطع المجازفة وافساد الامر علي هذه السنة أيضًا فأعطيت جزء كبير من وقتي للدراسة الى جانب التدريب المنزلي من دون ان ادخل دروس القتال التي كانت بالتأكيد ستأخذ الكثير من الوقت، اساسًا دروس القتال المنتشرة ساذجة وتافهة لا تعطي الاسم حقه.

"وأنتما ستشاهداني وتشعران بالغيرة من روعتي." قلت بغطرسة ممازحة وقربت طرف اصبعي من شفتي اطبع عليه قبلة خفيفة ثم اضغطه على الضريح حتى تنتقل القبلة الى والدتي الا ان القبر كان قارص البرودة فأرسل قشعريرة الى عمودي الفقري واجنحتي. 

"لستِ غاضبة علي صحيح؟" الهواء اشتد برودة من حولي، عانقت جسدي اكثر بمعطفي اخفض نظري للارض بتنهيدة ثقيلة على صدري.

كنت بخير، كنت بخير فعلًا.

لكن أحيانًا لم استطع التنفس

بسبب شيء ثقيل على صدري.

"ا-ه! ما هذا الهراء." تذمرت انهض منزعجة من هذه الحالة. "اسفة لجعلكما تدخلان في اكتئاب، سأدخل الجيش بطريقة او باخرى." فقط علي الثقة بقدراتي كما قال سَّد.

"اظن-" ابتدأت انوي أخبارهما عن كيف ان تورما مجتهدة في الثانوية وتأخذ ميول نحو الجانب العلمي الا ان وقع صوت قوي وصل الى مسمعي يقاطعني. قطبت حاجباي بفضول أتفحص المقبرة ودوى صوت انكسار شيء على الارض بالخلف، استدرت ظنًا مني انها قطة او حيوان بري دخل من دون علم الحراس لكن صرخة خافتة تسربت من بين شفتاي حينما ارتمت عند قدماي من دون سابق انذار زجاجة نبيذ محشور في داخلها قطعة قماش مشتعلة سرعان ما انفجرت وتهشمت الى اجزاء متطايرة.

"جازمين!" سَّد هتف بإسمي ورأيته يركض اتجاهي مع الحارس الذي يحمل سلاحه، اردت الركض نحوهما لكن بحوالي تسعة زجاجات أخرى سقطت من السماء على المقبرة مخلفة اثرها انفجارات صغيرة خدشتني.

فردت اجنحتي على عرضهما فورًا وانبثقت نحو الاعلى اشق طريقي عبر الهواء،

وهذا خيار سيء جدًا لان جناحي الايسر اصطدم بزجاجة انفجرت به لتحرق بعضٍ منه، الشظايا الساخنة والصغيرة القادمة من الانفجار كانت قوية لدرجة انها انغرست في جناحي بسبب الضغط.

بلعت الصرخة ولففت جناحي المصاب حول جسدي متألمة، رائحة احتراق سيئة تسربت في الهواء وكان مصدرها البقعة التي اصطدمت بها الزجاجة من جناحي، ريش جناحي.

"ما الذي يحصل!" صحت أتوجه لبوابة المقبرة ببعض الصعوبة، افقد توازني قليلًا بسبب استخدام جناح واحد للتحليق.

قلبت جسدي في الهواء باعطاء ظهري للارض كي استعيد توازني من جديد وحتى أصل بشكل اسرع لكنني فورما فعلت ذلك رأيت مجموعة أجنحة انتشرت في سماء المقبرة تعود لغربان بأوشحة سوداء لا يظهر من وجوههم شيء.

"جازمين!" استعجلت اعرف ان الامر خطر، هبطت على الأرض. فورًا امسك بذراعي العم سَّد وأدخلني مقطورة الحارسة ستيلا. "ما الذي يحدث؟" اختلت أنفاسي وانتشرت لسعات حارقة مؤلمة على طول جناحي الايسر فتجاهلها بصَك اسناني واسرعت للنافذة لرؤية ما يحدث.

"ما هذا؟" اتسعت عيناي، مجموعة الغربان بالاوشحة التي رأيتها كانت ترمي الزجاجات المشتعلة على القبور والاشجار، تحرقها وتخربها.

"أنتم!" صحت بسخط اضرب النافذة وهرعت للخروج لمساعدة الحراس لولا امساك سَّد لذراعي. "انتِ مصابة." اشار بتحذير لجناحي فارتعش الجناح بالكامل وكأنه فهم ان سَّد يقصده.

"من هؤلاء؟ لماذا قد يهاجمون المقبرة؟" نظرت له ولم يبدو وكأنه يعرف، اطلق الحراس رصاصة وتفرقت المجموعة في الهواء.

"لا اعرف من هو المسؤول والفاعل لكن ايًا من كانوا سأحرص على ان يعاقبوا." قال بنبرة غاضبة. "لا يبدون مثل مراهقين." قلت امرر بصري عليهم، امتلكوا بنية جسدية بالغة.

"انها المرة الاولى التي يحصل فيها شيء مثل هذا—" كلام ستيلا انقطع بصرخة خرجت من افواه الجميع حينما دوى صوت صاخب جدًا جعل المقطورة بأكملها تهتز اسفل أقدامنا فتعثرنا كلنا وحاولنا التشبث بأقرب شيء الا ان كل شيء كان يتساقط وكأن زلزال ضرب.

التراب في المقبرة هاج يمتزج مع الضباب ويدخل المقطورة، اضحت الرؤية غير واضحة، سعلت بقوة ارفع ذراعي لأنفي وفمي احمي نفسي من الغبار، طنين لا يوصف من الانفجار أخترق أذناي فوضعت يداي على مسمعي احاول حجب الصوت وعندما اتضحت رؤيتي اخيرًا قشعريرة رعب مرت على طول بدني.

الاجنحة عند البوابة—رمز ثاروس، رمز الشجاعة والحماس، الثقة والتضحية، كان قد تحطم وسقط على الارض.

افترقت شفتاي واقتربت اكثر من النافذة، البوابة تعرضت للنسف والقبضان للاعوجاج والدمار، الاجنحة كانت على الارض على شكل قطع حجارة محطمة، ومن بين كل هذه الفوضى ورائحة الغبار والاصوات العديدة العنيفة وصلت الى انفي رائحة لاسعة صدئة مختلفة، رائحة الدماء الحديثة.

لا يُدفن الخائنون بيننا.

كان مكتوب بخط عريض ودموي على الحائط عند بوابة المقبرة. "جازمين!" صرخت ستيلا ولم استوعب ما الذي حصل بعدها من سرعة حدوث كل شيء؛ احدهم دفعني بعنف شديد فارتطم جسدي بالجدار السميك وخرجت مني صرخة مرتفعة قطعت حبالي الصوتية من الالم البارح واللاذع الذي انبثق في جناحي الايسر.

صوت الرصاص وخفقان الاجنحة في الخارج تضاعف، ورأيت سقف المقطورة ينهار على الرقعة التي كنت اقف فيها يسحق كل ما كان اسفله، رؤيتي اصبحت ضبابية جدًا والألم الصاعق من جناحي قسم رأسي الى نصفين، لقد ارتطم بالحدار وانكسر.

الدماء تسربت بغزارة من جناحي الخامل على الارض وحاولت تحريكه فتفجر في جسدي كله ألم الانكسار الذي أحسست وكأنه قبض روحي لثانية فسكنت مكاني لا اجرؤ على الحراك، خلايا جسدي حاولت الالتئام والشفاء لكن لم تستطع بسبب العظم المكسور.

"سَّد ما الذي يحصل بالضبط؟" همست بصوت شبه اختفى، وارتعش جسدي. "جازمين." قال بهلع يحاول مساعدتي.

"اظنهم متمردون." سمعت ستيلا تتصل بالشرطة والاسعاف، وسمعت الحراس يعلنون ان الهجوم توقف والغربان ذات الوشاح فرت.

الزهور التي وضعتها على الضريحين تم دهسها بكل قسوة، والاشجار التي اكتسحها جزء طفيف من الابيض بسبب الثلج أحترقت وأنتجت دخانًا أسودًا غزى سماء المقبرة وارضها مدمرًا رقود موتاها المسالم برائحة نفاثة.

"اوغاد!" زجرت بغضب من بين اسناني، اشعر بالحقد الشديد لذا ركلت الحجارة الكبيرة التي امامي بعنف فتقطعت أنفاسي بسبب الالم الذي تدفق في كامل قدمي وجناحي.

"جازمين توقفي!" صرخ سَّد يمسك بقدمي التي ركلت بها الحجارة مرارًا وتكرارًا، كنت غاضبة من الألم! من الجرأه التي لديهم! من كل شيء! الطرق في رأسي جعل رؤيتي تزداد ضبابية وجعل اجفاني تثقل فسحبني الظلام اليه لكن ليس قبل ان اسمع ستيلا.

"انها رسالة من الريش والدماء...تعمدوا حرق جناحها. المتمردون يعلنون ابتداء ثورتهم."

Continue Reading

You'll Also Like

1M 85.2K 76
هُو دَحرج مُقلتَيه نحوِي، لِيهمسَ ببضعِ أحرفٍ لَم تُدركهَا أُذنَاي. " إِن لَم تُجيبِي عَلى سُؤال اليَوم، تَعلمِين أنَّ جَريمَة أُخرَى سَتُزِين عَنوا...
640 90 6
ماذا لو انعطفت بكَ الطُّرق؟ . . ماذا لو.. لو أدَّت شوارعها لزاوية الجحيم؟ عند رُكنٍ سقط عليه إضاءة من عمود النعيم. . . "ما أنا سوى سجين قلعة شيدت أسو...
557K 49.7K 11
في كل فيلم مكسيكي هناك ضجة تحدث في حفلات الزفاف تجعل المُشاهد يتحرك في مقعده عدة مرات من حماس ما يجري..خصوصا عندما يختطف البطل حبيبته من زفافها في مش...
2.4K 304 3
مجموعة من القصص القصيرة التي لاتنفع لأن تكونا كتابا لحالها لكنها تأبى الانسحاب إلى سلة المهملات