في العشق والهوي

By SaraElkhshab

351K 11.2K 2.3K

رواية/ غير مكتملة سلسلة عن العشق والهوي.. الجزء الثالت.. "إن القلوب رغم البعد تتصل" الرواية حصلت قبل اكتمله... More

المقدمة 🌱
💙الفصل الأول💙
💙الفصل الثاني💙
💙الفصل الثالث💙
💙الفصل الرابع💙
💓الفصل الخامس💓
💓الفصل السادس💓
💓الفصل السابع💓
💓الفصل الثامن💓
💓الفصل التاسع💓
🌱الفصل العاشر🌱
🌱الفصل الحادي عشر🌱
🌱الفصل الثاني عشر🌱
🌱الفصل الثالث عشر🌱
🌱الفصل الرابع عشر🌱
🌱الفصل الخامس عشر🌱
🌱الفصل السادس عشر🌱
🌷الفصل السابع عشر🌷
🌷الفصل الثامن عشر🌷
🤍الفصل التاسع عشر🤍
💙الفصل العشرون💙
❤️الفصل الواحد وعشرون❤️
💘الفصل الثاني والعشرون💘
💘الفصل الثالث والعشرون💘
🤍الفصل الرابع والعشرون🤍
❣️الفصل الخامس والعشرون❣️
🤍الفصل السادس والعشرون🤍
❣️الفصل السابع والعشرون❣️
💗الفصل الثامن والعشرون💗
🌷الفصل التاسع والعشرون🌷
🧡الفصل الثلاثون🧡
إعلان نوفيلا العيد 😘 🤗
❣️الفصل واحد وثلاثون❣️
الفصل الثاني والثلاثون ❣️
🌼الفصل الثلاث والثلاثون🌼
🌼الفصل الرابع والثلاثون🌼
🌼الفصل الخامس والثلاثون🌼
🌹الفصل السادس والثلاثون🌹
🌹الفصل السابع والثلاثون🌹
💞الفصل الثامن و الثلاثون💞
💞الفصل التاسع والثلاثون💞
💘الفصل الأربعون💘
🌼الفصل واحد والأربعون🌼
🌷الفصل الثاني والاربعون🌷
🌷الفصل الثالث والاربعون🌷
🌷الفصل الرابع والاربعون🌷
هام جدا 😎
🍀اقباس☘️
يا ألف أهلا 🤗
يا ألف أهلا 🤗
تنويه 📢
🥀الفصل الخامس والأربعون🥀
للتوثيق 😚
شوية تهيس😂
أقتباس من الفصل 46😘
هالوووو 🤗
اقتباس مدمر 🤨
🍀الفصل السادس والأربعون🍀
تنويه 📢
تنويه 📢
🍂الفصل السادس والأربعون🍂
أقتباس من الفصل 47 💞
🌿الفصل السابع والأربعون 🌿
سؤال؟؟
🌷 الفصل الثامن و الأربعون 🌷
💗مشهد إضافى💗
سؤال مهم؟؟؟
🍀الفصل الثامن والأربعون🍀
تنبيه هام 🎤
اقتباس (من الفصل 49)
🍀الفصل التاسع و الأربعين🍀
تنويه هام 📢
🌷 الفصل التاسع و الأربعون 🌷
دمااااار 🙉
🌷الفصل الخمسون🌷
هام للمتابعين....
أقتباس ❤️
إعتذار 🙏
🍁الفصل الواحد وخمسون🍁
🌷الفصل الثاني والخمسون🌷
أقتباس 🥀
احمممممم 😊
🥀الفصل الثالث والخمسون🥀
أقتباس لذوذ 🤗
🌼الفصل الرابع والخمسون🌼
🌸الفصل الخامس والخمسون🌸
لمحة من الفصل الجاي 💕
🌸الفصل الخامس والخمسون🌸
فلوج الفصل 56
أقتباس ❤️
🌺الفصل السادس والخمسون🌺
صباح الخير
أقتباس متقدم 🌼
💜الفصل السابع والخمسون💜
💜أقتباس الفصل 58💜
💖الفصل الثامن والخمسون💖
🌷 الفصل التاسع و الخمسون🌷
🍃أقتباس الفصل 60🍃
🍃الفصل الستون🍃
إلاعلان الأول للفصل 61 🤭
🌱الفصل الواحد وستون🌱 ج1
🌱الفصل الواحد وستون 🌱 ج2
عضوة جديدة ❤️
🌿الإعلان الأول الفصل 62🌿
🍀الإعلان الثاني من الفصل 62🍀

🌷 الفصل الرابع و الأربعون🌷

4.3K 151 39
By SaraElkhshab

*الجزء الثاني من الفصل*

عاد حمزة من المسجد بعد صلاة العشاء مباشرة إلى مزرعة خيوله، حيث مكانه المفضل الذي يشعر فيه بالراحة التامة، و صفاء النفس ليبقى هناك وحيداً.. جلس بالقرب من خيوله في هدوء الليل ، و الهواء النقي الذي يبعث الطمأنينه.. و يشعر قلبه بالحنين لصغيرته التي تحدث معها اليوم بعد انقطاع دام طويلاً.. جلس على أريكته الخشبية يرفع ساق فوقها بينما الأخرى كانت تلمس الأرض الرطبة...
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
هتف مناع وهو يقترب من صديقه الحائر الذي أتى خلفه عندما لمحه يخرج من المسجد ، و يتجه ناحية حظيرة الخيول.. قطب حمزة حاجبيه باستغراب وهو يجيبه:
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بتعمل إيه اهنيه يابو الناجي؟"
ابتسم مناع وهو يجلس فوق الأريكة الأخرى مقابله:
"لمحتك و أنت جاي على اهنيه جولت آجي أتوانس وياك بدل ما أدلى ع الدوار و أتكوع من العشا، وشي في وش بهية.. جولت في عجل بالي معجول أهملك لحالك وآني داري باللي فيك يا خوي"
لاحت ابتسامة هادئة فوق شفتيه قائلا لصديق الدرب:
"تسلم يابو الناچي.. تسلم ياخوي"
أومأ مناع برأسه وهو يقول:
"وكماني في موضوع اكده شاغل بالي.. جولت اتحدت وياك فيه"
رد حمزة بشعور غريب بالراحة، فدائمًا مناع مايشعر به و يشاركه أسراره التي لا يبوح بها إلا معه.. هو أيضا يحتاج اليه:
"وأني كمان رايد أتحدت كتير جوي وياك"
ردد مناع وهو يهم واقفاً:
"زين.. بس باللاول خلينا نعمل كوبايتين شاي زرده، ونرص حجرين ولاون أم الناجي لو خدت خبر إني عدخن جوزة راح تجوم الدنيا فوج راسي، و تعمل حالها زمجانة.. يا بوووي ع الحريم"
قال حمزة وهو يضحك:
"كيف أم عمر.. كل ما كح كحتين تفضل تبرطم، و تجولي
كاني و ماني وتوجع رأسي"
ركض عبد المقصود حارس المزرعة حينما لمح رئيسه الحاج مناع يقترب من موقد الفحم ليشعل النار هاتفًا:
"عنك انت ياريس.. اني راح أسوي الشاي و الجوزة"
ربت مناع فوق كتفه بحنو وهو يقول بدهشة:
"وه أنت اهنيه اني يا ولدي"
هز عبد المقصود رأسه قائلا:
"كنت اهنكه جار الولد طاهر و حسنين، عنتفرج على ماتش مو صلاح و لمحتك"
هتف حمزة باهتمام:
"هو أبو صلاح عيلعب الليلة! أتاري الناحية كلاتها فاضية"
رد عبد المقصود بابتسامة واسعة:
"أيوه يا كبير عيلعب مع ريال مدريد، عجبال مانشوف الكابتن علي بيلعب وياه عن جريب، أدلى اني أعمل الشاي و الجوزة"
ربت مناع فوق كتفه قائلا:
"تسلم يا عب المجصود"
وعاد ليجلس فوق الأريكة الأخرى مقابل حمزة الذي شرد قليلاً في السماء، ثم عاد لينظر إلى مناع ليطلق تنهيدة طويلة حائرة وهو يقول:
"البشمهندز كان عيتحدت وياي جبل المغرب، وبعدين لاجيت دهب على سهو اكديه هي اللي عتتحدت معايا، أجولك إيه؟"
قال مناع بلهفة:
"جولي انك اتحدت وياها، إياك تكون كسرت بخاطر البنته ياخوي؟! دي جلبها ملهوف عليك لهف، كل مرة تتحدت فيها وياي أو مع أم الناجي تسأل عنيك وعن حالك"
قال حمزة وهو يبتسم ويهز رأسه:
"كأنك انت اللي جولتلها تكلمني؟ طوالي"
اعترف مناع وهو يهز رأسه موافقًا دون إنكار:
"ايوه.. آني عشية اتحدت مع وداد و اتحدت معاها هي كمان، و جولتلها تكلمك طوالي و ماتخافش من أيتها حاچه و إني واجف وياها، واه حوصل إيه يعني عشان البنته يفضل جلبها مجطوع عليك و على خواتها؟! دي.. دي الدهبية ياخوي ..دهبية جلبك"
آمال رأسه على جانب واحد وهتف بقلب ينزف وجعاً:
"أنت و الضاكتور بتجولوا نفس الحديت.. كأنكم مش خابرين اللي حوصل منيها"
وكان حمزة يقصد شقيقه عمار الذي أعلن غضبه عندما تخلي شقيقه الأكبر عن ابنته، ونبذها بهذا الشكل الصادم.. وأصبح يعلن بكل صراحة اعتراضه، مُردداً أن دهب ابنته التي لم يرزق بها.. و أنها لم تخطئ أبدًا حينما حاولت أن تحمي كل أفراد عائلتها، حتى إذا كانت هذه الحماية بشكل خاطئ و متسرع منها:
"الضاكتور عنديه حج.. البنته ماغلتطش لما عملت اكديه"
"ماغلتطش! انت اللي عتجول اكديه يابو الناجي؟ طب عمار طول عمره بعيد عنينا وعن عوايدنا، يكش بس لم يبجي اهنيه يتحدت كيف أهله وخلاص، لكن أنت......"
قاطعه مناع بهدوء:
"إهدأ اكديه وصلي ع النبي"
ردد حمزة برفق:
"اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد"
حدق به مناع لثواني و مالبث أن قال بابتسامة واثقة:
"آني خابر إنك غضبان من دهب، بس بردك خابر زين و
متوكد أن اللي جوه منيك مش غضب وبس، أنت كماني
خايف عليها من الملعون ولد الملاعين، و رايد تحميها"
صمت عندما اقترب عبد المقصود، وهو يحمل صنية الشاي و الجوزة ثم انصرف.. أمسك حمزة بكوب الشاي الساخن، و برغم ملامحه الهادئة إلا أن التوتر ظهر على أصابعه المشتدة حول الكوب الساخن، و انطبقت شفتيه المتصلبتين ليهمس من بينهما  بنبرة متألمة:
"بتي كسرتني لما عملت اكديه، واللي زاد وغطى تخليه يخطي جوات السرايا، كيف تعمل فيا اكديه؟ انت خابر لو كان حد من خواتها شافوا كان راح يحوصل إيه؟"
أحنى رأسه وقد ارتسم على ملامحه الحزن و الخزي
رد مناع مؤكدًا:
"كانت راح تجوم الدنيا كلاتها"
قال حمزة بغضب:
"كانوا راح يجتلوها و يجتلوه وياها، كل ما فكر عجلي يشت مني، جولي يا أبو الناجي آني للدرجة دية كبرت و عجزت علشان بتي تشوفني ماعجدرش أحميها؟"
رد مناع بنفي:
"وليه ماتجولش ان ده كلاته كان من خوفها عليك، وعلى خواتها، و علينا كلاتنا، دهب طول عمرها ضعيفة الجلب بتخاف عليك لو عطست، ولا جولت آي يا خوي.. و واد الكلب دهو عرف ازاي يضحك عليها.. هو والواعرة بت الكلاب، و حفروا ليها حفرة عشان تجع فيها"
هتف حمزة بصوت مرتجف:
"تجوم تعمل اكديه؟ تجابله و تتحدت وياه، آني جه وجت عليا كنت راح أطاوع شيطاني و أجتلها بيدي و ارتاح،  لولا خوفي من رب العالمين و على أمها كماني لتطب ساكته"
هز مناع رأسه وهو يبتسم بحنو:
"ماكنتش راح تجدر تعملها.. آني خابرك زين، طول عمرك متعلم و متنور، بتخاف من ربنا و من ذنب يتعلج في رجبتك ليوم الدين، وإلا كنت خلصت على الواعر خلف الشياطين من زمان بيدك، ده آني الجاهل ماعملتهاش مع بتي لما عملت عملتها، و جررت من نفسيها تسافر بلاد بره وا حديها اكديه، و انت بذات نفسيك كنت على طول تصبرني و تجولي وداد بتك و ماغلطتش، دي حته منيك سامحها"
هتف شاعرًا بالحزن و الاشتياق:
"ماهي دي نصيبتي الكبيرة.. انها بت جلبي لو صابها خدش بحس ان جلبي راح يوجف من الخوف عليها"
ثم تنهد قائلا:
"لما سمعت صوتها وهي عتجولي اتوحشتك جوي يا بابا،
وعتبكي لاجيت حالي ب....."
وبتر كلماته وعينيه تترغرغ بدموع تلمع داخل مقلتيه:
"سامحها ياخوي، هملها تيجي لاهنيه أو انت ادلى على مصر وشوفها، ريح جلبك و جلبها و جلب أمها"
أومأ حمزة برأسه قائلا:
"هي لازمن تيجي عشان تحضر خطوبة أخوها، وإلا اكديه عمر راح يعرف و يتوكد ان في حاچه"
زفر مناع بارتياح:
"ربنا يصلح الحال و يتمم على خير، عمر لساته شاكك في حديت علي"
قال حمزة بهدوء ما قبل العاصفة:
"عمر شاكك، و علي غضبان، و حسن بين ده و دهو، و آني خلاص جبت أخرى من واد وهدان، و بجول أجطع عرج
وسيح دمه، النوبو دي ربنا ستر على ولدي.. ياعالم النوبة
الچايه راح يحوصل ايه؟"
رد مناع وهو يفرك لحيته:
"زجيت الواد عليش على مطاوع.. مانت خابر عليش يبجى أخو مرته، جالي انه زين و عيفرك كيف البغل.. هو خدش صغير هبابه في دراعه من فارغ الرصاصة، جاله إن ماكنش رايد يصوب ناحية علي.. بس واد الصرم ابن وهدان هدده"
زم حمزة شفتيه وعينيه تقدحان بنيران.. بينما أكمل مناع:
"آني مصدج حديت مطاوع، لو كان رايد يضرب كان ضرب من أول العركة، و كماني إنت خابر ان مطاوع مش راح يخيب نشانه أبدًا"
هز حمزة رأسه يهمس بنزق من بين أسنانه:
"عنديك حج، مطاوع ماكنش عنديه الجدرة يعملها، لولا النجس واكل ناسه.. تلاجيه هدده زي ما مهدد و راعب باجي رچالة الوهدانية"
توسعت حدقة عينيه لتبرز عروقها الرقيقة، و تلتهب بإحمرار قاني وهو ينفث أنفاس ملتهبة:
"ظهر ولا لساته متخفي كيف النساوين؟"
ضحك مناع قائلا من بين أسنانه:
"صحيح ياخلج.. خلفة نعمة العبيطة راح تكون إيه غير جذع خايس خسيس مالوش چذور، الله يسامحه بجا وهدان بلانا بشره و بخلفة هباب، واد چبان.. خايب كيف النساوين هيتخبي في الجحور"
هتف حمزة وهو يهز رأسه بنفاذ صبر:
"الله يرحمها كانت بنته غلبانه، ضحك عليها وهدان زي ما ضحك على كتير في شبابه، بس اللي كيف النچس داهو راح يطلع من چحره.. ووجتها هيجع فى مصيادتي و مش راح يطلع منيها عمره"
لقد بحث رجال الناجوية عن قاسم بعد ما حدث بينه وبين علي، ولكن الآخر فر كالفأر نحو الجبل الذي أصبح ملجأ له بالأيام الأخيرة:
ببطء شديد رفع مناع وجهه وقال وهو يكز فوق أسنانه:
"لازمن ننفذ اللي اتفجنا عليه  وبسرعة،  وجتها هو اللى راح يچي لحد عندينا"
قدحت مقلتا حمزة باللهب الأسود قائلا بعزم:
"هملني في اللاول أشوف صرفة مع المدعوجة بت الحرام عايدة.. لأحسن النوبة الجايه النساوين راح يخلصوا عليها، أم محمود ع تفرك فرك في رأس أم عمر"
هز مناع رأسه و نفخ دخان الجوزة في الهواء قائلا:
"و آني من ناحيتي راح أخلي الرچالة يراجبو سكة الچبل، وبعدها نتوكل على الله ننفذ آني و الرجالة اللي جولنا عليه"
قال حمزة وهو يؤمئ برأسه:
"ساعتها راح يجع في يدي.. و الله العظيم ما راح أعتجه"
            
*جوزة: شيشة أو أرجيلة
*زمقانة: غاضبة

هتف حسن بنبرة هادئة عاقلة وهو يسير بجوار شقيقة عمر:
"يعني علي هيكدب ليه بس يا عمر بلاش تفكر بطريجة
سلبية"
أطلق عمر زفرة قوية و عيناه تدوران في محجريهما و هتف مُصرًا:
"جلبي مش مطمن.. حاسس ان في حاچه واعرة آني و أنت معرفنهاش"
توقف حسن لبرهة و تساءل بدهشة:
"تجصد علي يعرف حاچه و مخبيها عنينا؟"
"أيوه عارف.. وماعايزشي يتحدت عشان ماما طلبت منه اكده"
صاح عمر من بين أسنانه وهو يقف أمام شقيقه الذي عاد ليسأل باستغراب:
"و أنت عرفت كِيف ان ماما طلبت منه اكده؟"
ظهر الشرود على وجه عمر وهو يقول:
"هجولك سمعت إيه، أولت امبارح خرجت من السرايا وآني مستعجل كانت ماما جعدة تتحدت ويا خوك و كان باين عليه انه غضبان بس جطعوا الحديت لما شافوني"
قال حسن وهو يتسند بظهره على جذع الشجرة:
"وبعدين...."
شرد عمر يتذكر حديث والدته مع شقيقه علي قبل يومان.. حين عاد للسرايا مرة أخرى بعد ان اكتشف أنه قد نسيَ عقود شراء ثلاثة جرارت زراعية جديدة بحجرة مكتب والده.. ليسمع علي وهو يقول بنبرة خافته غاضبة قبل أن يلاحظ وجوده:
"يعني كنتم عارفين، عشان كده بابا صمم ان الجواز يتم بسرعة"
لتهمس أمهم بصوت حزين:
"أبوك كان خايف على أختك، و عايزها تبعد عن هنا بأي شكل لحد ما يحل الموضوع بمعرفته"
ولكن علي انتفض من مكانه واقفاً قائلا وهو يكز فوق أسنانه بغل:
"الكلام اللي قاله الكلب قاسم و هلفت بيه ماكنش كله كدب يا أمي، مافيش واحد هيتكلم بالبجاحة دي الا لما يكون واثق ان كلامه دا هيعمل مصايب كبيرة عن قصد ، قولي إنك انتي و بابا و كمان حمزة كنتم عارفين اللي بيعمله الكلب دا مع د......"
قاطعته نيرة تضرب فوق فمها برفق دلالة على الصمت:
"أسكت ياعلي أسكت، أنا مش ناقصة وجع قلبي.. مش هتبقى أنت كمان على أختك حرام عليكم"
دار علي حول نفسه وهو يمسح فوق وجهه بكفيه ثم ضرب رأسه بعصبية قائلا:
"أنا أصلا هتجن من ساعتها، مش عارف أفكر في أي حاجه غير الكلام اللي قاله الحيوان ده.. حتى بابا طلب مني اني أس......"
صمت علي عندما تطلع إلى باب السرايا و لمح عمر يقف
أمامه متصلب البدن.. ليقول وعلى وجه ملامح التوتر:
"عمر!! ايه اللي رجعك تاني؟"
آفاق عمر من شروده المتجهم على صوت حسن وهو يقول بنبرة قلقة:
"و ماما جالت إيه لما شافتك"
أخفض عمر رأسه قليلا وقد ظهر الهدوء على ملامحه رغم زيادة ملامح الحزم في نفس الوقت:
"ماجالتش بس بصت لأخوك كأنها عتجوله اجفل خشمك و أسكت ساكت"
ثم أخذ نفسًا عميقًا وهو يغمض عينيه و عاد يردد بغل وهو يقبض راحة يديه:
"في حديت واعر دار بين خوك و بين ولد وهدان و الحديت دهو كان يخص دهب، و بوك و مك طلبوا من خوك يسد خشمه و مايتحدتش مع حد فينا"
أزاح حسن نظارته الطبية ذات الإطار الأسود العريض من فوق عينيه ثم أخذ يدلكهما ببطء قائلا:
"خلاص خلينا نتحدت ويا بابا و ماما و نعرفوا منيهم حوصل ايه؟"
أخفض عمر رأسه للأسفل واضعًا كفيه في جيوب سرواله، يفكر ثم رفع رأسه و ابتسم شبه ابتسامة جافة و قال بعد لحظة من التفكير:
"تفتكر راح يجولوا حوصل إيه و خصوصي ماما؟ انت خابرها زين"
زفر حسن بضيق و همس بصوت مجوف:
"عنديك حج.. بس لو الموضوع يخص واد وهدان يبجى لازمن احنا كماني نعرف حوصل إيه، احنا خواتها كيف علي"
قال عمر بغضب مكتوم:
"ماعرفش ازاي فلت من يد خوك، ماعرفش"
"كنت رايد علي يعني يجتله و يخش فيه السجن وبع..."
بتر حسن كلماته وهو يخرج هاتفه الذي يهتز داخل جيبه ليجدها نفيسة، تعاود الإتصال به من جديد دون أن تمل.. أخذ نفسًا عميقًا وهو يغمض عينيه للحظة قائلا بخفوت:
"وبعدهالك انتي كمان يا نفيسة؟ اعتجيني لوجه الله"
صمت بنفس متسارع ،وأعاد الهاتف داخل جيبه ناظرًا إلى شقيقه نظرة تحذير بأن يصمت، ولا يتحدث ساخراً منه كعادته، ولكن عمر ابتسم بدوره قائلا بنظرات غير مقروءة:
"لساتك ماعايزش ترد عليها، ياخي رد عليها و خلص حالك راح تجلب راسك جلب"
هز حسن رأسه و قال بصوت شديد الهدوء و الرزانة:
"ماعرديش عليها، خليها اكده لحد ما تعجل و تعرف ان الله حج، و تبطل غيرتها العامية و جفل التليفون في وشي"
ظل عمر للحظات لم يظهر عليه أي رد فعل تجاه ما سمعه، ثم ما لبث أن ضحك ضحكة ساخرة وهو يقول ببطء:
"تليفوني عيرن أكيد هي، بجولك إيه رد عليها و ريح راسي من زنها، اني مناجصش رط و عجن.. انت خابرها مش راح تسكت و إني خلجي ضيج"
نفخ حسن قائلا:
"رد و جولها اني مش وياك"
رفع عمر حاجبيه ضاحكًا وهو يرد على نفيسة، التي صاحت مجرد ان سمعت صوته وتسأله بغضب:
"عمر فين خوك؟"
أجابها قائلا دون تردد:
"جدام مني و مراديش يتحدت و ياكي عشان تتأدبي"
"وه أتأدب إيه؟ ليه شايفني ناجصه أدب عاد"
صرخت نفيسة صرخة أفزعت عمر الذي صاح فيها:
"جبر يلم العفش.. في حد يعيط اكده؟ حوصلك ايه يا مهبلة عتصرخي في ودني كيف العرصة"
هتفت نفيسة من بين أسنانها:
"جول لأخوك اني انا مش رميه ولا خلاصي راح أموت عليه.. آني نفيسة بت سلمان ابو السعود ولو هو مريدشي يتحدت معايا مرة آني بجا مريداش أتحدت وياه ألف مرة"
قال عمر ببرود أغاظها:
"خلاص راح أجوله اجفلي بجى و ماتتصليش مرة تانية"
ليهمس بصوت مسموع:
"مرة تانية إيه! أجصد ماتتصليش مرة تلاتين ولا أربعين
هو تلفونك ماعيفصلش أبدًا"
هز حسن رأسه بخفة وهو يبتسم، متخيلا ملامح حبيبته الجميلة الآن وهي غاضبة و حانقة، وجهها يشتعل من الغيظ حتى أصبح لون وجنتيها كالجمر المشتعل وهي تزم شفتيها فوق بعضهما.. و شقيقه مستمر يستفزها ببروده المعتاد...
اشتاق قلبه إليها و اشتاقت عينيه إلى النظر في عينيها العسليتين الواسعتين الضاحكتين لتسعد روحه.. يشتاق إلى التمتع بحلاوة محياها كل نهار و هي تهمس بأنها تحبه، يفتقدها كثيرًا بكل جوارحه كطفل يفتقد حلوى العيد، و قلبه العاشق لها يؤلمه بقوة لأنه أصبح يقسو عليها بشدة.. ولكنها تستحق ذلك فقد تمادت كثيرًا و أصبحت تغار عليه بجنون، غيرة قد أفقدتها ثقتها فيه و في حبه لها...
صياحها العالي و صوتها الرفيع الذي أشبه بمواء قطة شرسة يصل إليه و يسمعه.. بينما كان عمر يسد أذنيه وهو يقترب منه.. وضربه بالهاتف فوق صدره قائلا له بغيظ:
"خد اتحدت وياها و جولها ماتتصلش عليا نوبة تانية، ديه خرمت ودني بصوتها اللي كيف صوت العرصة، أعوذ بالله متحملها كيف؟"
مسح حسن فوق وجهه و اتخذت ملامحه وضعية وجه الحانق كأنها أمامه و تراه.. ضغط على أسنانه هادرًا من بينهم بخفوت شرس:
"وبعدين معاكي.. انتي من ميتى و إحنا بندخل اخواتي في الحوارات اللي بينا؟"
ردت وهي تعنفه بخوف:
"ومن ميتى و انت ماعترديش عليا؟ كل ما اتصل عليك تجفل التلفون في وشي كأني أجرمت في حجك"
هتف حسن بصرامة:
"لما تتحدتي وياي وطي صوتك داهو، وكفياكي صرصعه آني بسمع زين على فكرة"
همست بتبرم رقيق:
"معصرصعشي اهه، بس جولي هتفضل لحد ميتى اكده؟ واخد على خاطرك و ماعايزشي تتحدت معايا"
قال بنفاذ صبر:
"لحد أما تعجلي و تبطلي تدخلي بينا الناس الغرب اللي عيوجعوا بيناتنا"
قالت بصوت خافت حاد:
"يعني آني بس اللي بغلط و أنت لاه صوح؟"
ضغط بكفه حول فمه و فكه بقوة محدقًا أمامه وهو يزفر.. وهي كانت تتنفس بثقل و دموعها تسيل ببطئ ..بقيا صامتان دون صوت، جسده يكاد أن ينتفض من شدة الضغط الواقع عليه من ناحية نفيسة و غيرتها ،ومن ناحية أخرى الأحداث المتتالية في السرايا و ما يحدث مع عائلته..
قطعت نفيسة الصمت حين تكلمت هامسة باشتياق:
"للدرجة ديه هونت عليك؟ أكتر من سبوع و إنت لا بترد عليا ولا بتشوفني، كأنك خلاص مابجتش تحبني"
نفخ حسن وهو يردد:
"لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم"
ثم سألها من بين أسنانه بنبرة متشتدة ترتجف غيظًا:
"انتي بتثجي فيا؟"
لم تجيبه نفيسة على الفور بل تسمرت تمامًا بحواس منتبهة للخطورة في صوته، و ازدادت أصابعها انقباضًا على الهاتف و بقت صامته، لا ترد عليه وصوت أنفاسها السريعة تصل إليه:
ضحك بسخرية و كرر بصوت أشد قسوة مشددًا على كل حرف يخرج من بين شفتيه المزمومتان من الغيظ:
"بتثجي فيا يا نفيسة؟ انطجي ولا لسانك بلعته الجطة؟ مش بتتحدتي غير في اللى على مزاجك وبس، صوح ولا أنا غلطان؟"
مجددًا لم ترد ولكن صوت بكائها الخافت كان خير دليل أنها مازالت معه على الهاتف، تستمع اليه في صمت، لكنه لم يأبه لها بل صرخ عليها بصرامه قاسية:
"أچاوبك أنا، طالما انتي ماعيزاش تردي و حطه لسانك جوه خشمك، انتي مش واثجة فيا يا نفيسة، ولا واثجة في حبي ليكي، غيرتك و سمعانك كلام اللي حوالين منك خلاكي تفكري إني ممكن أبص لواحده تانية غيرك صوح؟ ياخسارة يا نفيسة للأسف انتي اللي مابجتيش تحبيني..عشان اللي يحب عمره ما يفجد الثجة في اللى بيحبه أبدًا"
تنهدت نفيسة وهي تمسح دموعها، و استجمعت ما تبقى لديها من طاقة ليردد ذهنها المنهك على الفور، بأن ذلك غير صحيح و أن ذلك الكلام يعد ظلمًا لها و لقلبها الذي يعشقه.. لتهتف بغصة مريرة:
"آني بحبك أكتر من نفسي ياحسن، مش معنى اني بغير عليك يبجى خلاص مابجتش أحبك.. انت اكده بتظلمني جوي"
أغمض عينيه يتنفس ثم قال أخيرًا بصوت خافت و غاضب:
"الغيرة تكون بالعجل.. مش بجلة الثجة يابت الناس"
بدا التردد على نبرة صوتها المرتجفة وهي تهمس:
"ومين جال اني مش بثج فيك؟! ولا هو چر شكل و السلام يا حسن"
نفخ بقلة صبر وهو يمرر أصابعه بين خصلات شعره قائلا:
"لا اله الا الله، آني اللي غاوي چر شكل و انتي ست العاجلين، أجولك اجفلي دلوكت و نبجى نتحدت وجت تاني"
صاحت ملهوفة:
"مِيته راح نتحدت؟ هو انت بتعبرني"
تعمقت ابتسامته وهو يرفع عينيه للسماء محاولا بكل ما أوتي من صبر الاحتفاظ بهدوئه ،و رزانته قائلا بصوت هادئ:
"راح نتحدت بكره بإذن الله"
قفزت من فوق سريرها ،و هتفت بضحكة واسعة وقد أشرقت البهجة وجهها الشاحب:
"بكره مِيته و فين؟"
قال وهو يهز رأسه بقلة حيلة:
"ان شاءالله هفوت عليكي بعد الشغل.. عشان نتحدت بالعجل و أشوف أخرتها ايه واياكي يابت عمتي"
دمدمت بنعومة وهي تقرب الهاتف من شفتيها كأنها ترسل له قبلاتها المشتاقة عب الأثير:
"تجصد نتحدت بالجلب و العجل.. اتوحشتك جوي يابو علي يارب أمسك حالي و ماعبطش فيك"
اتسعت عينا حسن وهو يحاول التأكد من قاموسها اللغوي.. ليسألها بمكر:
"تعبطي فيا كيف يعني؟"
همست بدلال أنثوي يذيب الحجر:
"أعبط فيك و خلاص بجا"
رفع حاجبه وهو مازال مستمر في إظهار عدم الفهم:
"جصدك تخنجيني يعني؟"
شهقت هامسة بلهفة:
"أخنجك! آني؟ ده آني أخنج حالي و انت لاه يابو علي.. أجصد أحضنك جدام الخلج كلاتهم.. اكده على عينك يا تاچر"
بدأت ابتسامة طفيفة تشق طريقها إلى شفتيه، وهو يقول لها بصوت عاشق:
"لو تعجلي اكده على طول و تعرفي آني جد إيه بحبك، و مافيش في الدنيا كلاتها بنته تملى عيني غيرك، بس أجول إيه على خيالك الواسع اللي عيصورلك أفلام"
دارت نفيسة حول نفسها وهي تضم الهاتف فوق صدرها
بقوة، و الفراشات الملونه تحوم حولها، ثم عادت لترفع الهاتف مرة أخرى فوق أذنها هامسة:
"يالهوي ياما ع الكلام الحلو جلبي عيرفرف مِييته يچي بكره و أشوفك يابو علي؟"
أخذت ابتسامته الطفيفة تتسع و تتسع حتى شملت وجهه كاملا، و أحنى رأسه غير قادرًا على الرد على الفور، إلا أنه ضحك ضحكة صغيرة وهو يتنهد....
ولكنه إنتبه على رنين مكالمة أخرى صادرة على هاتف عمر.. و كانت بلسم ليضرب حسن فوق جبهته بخفة.. انه مازال يتحدث على هاتف شقيقه وليس هاتفه:
"نفيسة آني راح أجفل واياكي دلوكت، بلسم عتتصل بعمر"
تنهدت وهي تلوى شفتيها بنزق رقيق:
"بلسم عتتصل بعمر!! اااخ يا بختها"
ضحك بخفة قائلا:
"بطلي نج.. احنا ما صدجنا عمر يتحرك و ربنا فك عجدة لسانه، بإذن الله ربنا ييسره الحال"
تنهدت نفيسة تنهيدة حارة مردده:
"يارب، و عجبال الباجيبن"
ردد حسن بصدق نابع من قلبه المشتاق إلى رؤيتها و ضمها لصدره:
"يارب ان شاء الله عن جريب، تصبحي على خير"
"و أنت من أهل الخير يا حبيبي"

اقترب حسن من شقيقه الذي يقف بعيداً شاردًا ينتظره وقال له مبتسمًا وهو يناوله الهاتف:
"بلسم إتصلت و آني بتحدت ويا نفيستي"
راقب عمر ملامح شقيقه المبتهجة بابتسامة واسعة تزين شفتيه من الشق للشق فقال له وهو يأخذ هاتفه بصوت ساخر:
"نفيستك! صالحتها و رضيت عنيها خلاصي"
هتف حسن بصوت مبحوح وهو يضع كفيه في جيوب سرواله الرياضي شاردًا في السماء الصافية:
"اااخ يا واد أبوي، نفيسة دي جوات جلبي عتسري في دمي بس لو تبطل الچنان تبجى زينة، اتحدت ويا بلسم وأنا راح أحصلك ع السرايا"
قال عمر وهو يؤمي برأسه:
"اندلا أنت و أني راح احص......."
بتر عمر كلامه وهو يلتفت برأسه نحو صدى الصوت المرتفع القادم من بعيد، و يبدو كصوت صراخ:
"إيه صوت الزعيج دهو؟"
تساءل حسن باستغراب.. ليقول عمر بحاجبين معقدين وهو يميل برأسه قليلا:
"الصوت جاي من اهنكه.. نواحي مخزن الغلة"
هتف حسن بقلق وهو يقترب معه:
"زي مايكون صوت عويل"
أومأ عمر برأسه، وهو يسحب سلاحه المعمر من جانب سرواله ويشد اجزائه ،و اقترب بخطوات بطيئة بجانب شقيقه:
"صوح عويل واحده ست.. وه استنى اكده مش ده صوت طاهر؟"
بعينان جاحظتين هتف حسن موكدً:
"أيوه صوته.. هو طاهر، مين اللي وياه جوه و عتصرخ اكده ليكون...."
وبتر حسن كلماته بقلق حينما اقترب كلاهما من الباب الخشبي القديم لمخزن الحبوب و توقفا أمامه، يسمعان صوت طاهر الغاضب وهو يصرخ بإسم عايدة قائلا لها:
"يا واعرة، يا فاجرة انتي تستحجي الموت"
و انطلقت طلقة نارية مع صوت صرخة قوية شقت عنان السماء...

*اهنكه: صوت يأتي من قريب
*يعبط: يحضن بقوة

ترجل حمزة من سيارته بعد أن صفها في مكانها المعتاد داخل المرآب ، حمل حقيبته الجلدية فوق كتفه ثم مد يديه ليلتقط باقة الزهور البيضاء التي ابتاعها من أجل حبيبته، ابتسم وهو يتخيل وجهها الناعم الذي أصبح يستقبله كل ليلة حين عودته بابتسامة خلابة تسحره...
رفع ساعده الذي يحمل باقة الزهور لينظر للوقت في ساعته و تأفف متذمرًا، فقد تأخر الليلة عن موعد عودته بسبب ذلك العميل الذي لا يلتزم بموعده في كل مرة يجتمع فيها معه.. فهو شخص دقيق يكره التأخير و المماطلة فيما يخص العمل...
توجه بخطوات واسعة نحو الباب الخلفي للمرآب حتى يستقل المصعد، لكنه توقف أمام الباب فجأة قبل أن يفتحه على صوت يناديه.. صوت مازال يحفظه عن ظهر قلب و يحفظ نبرته:
"حمزة! "
أغمض عينيه يزفر بنفاذ صبر وغضب وهو يلتفت نحو صاحبة الصوت، ثم فتحهما ينظر اليها بحقد دافين قائلا لها بحنق وسخط خافت:
"انتي بتعملي إيه هنا؟"
أسرعت ندى بخطواتها نحوه لتقف أمامه وهي تنظر له باشتياق و عيناها البراقة تلمع بالدموع:
"جيت عشان أشوفك ياحمزة"
تنهدت بأسى، و شعرت بالزمهرير يجتاح كيانها وهي تراه يحمل باقة جميلة من الزهور بين يده.. تمنت في هذه اللحظة أن ترتمي بين ساعديه الأسمرين و تمرمغ وجهها فوق صدره وبين حنايا عنقه، لتشم رائحته التي تشعرها دائما بالأمان...
رمقها حمزة من رأسها إلى قدميها بنظرة فاحصة، أظهرت له تدهور حالتها برغم ملابسها الأنيقة التي ترتديها، ولكنها أصبحت كالخيال فقدت نصف وزنها ووجهها شاحب و بارد كالأموات ،و
حول عينيها حلقات داكنة أقرب إلى الزرقان، و برغم تلك الحالة المخزية التي أصبحت عليها لكنه لم يشعرنحوها إلا بالقرف والاشمئزاز، بمذاق الخيانة البغيض التي عاش داخله لسنوات.. سألها حمزة بسخط :
"عرفتي بيتي منين؟ و جايه لحد هنا تعملي إيه؟ عايزة مني إيه تاني؟"
اقتربت منه بخطوة واسعة وهي تترجاه قائله:
"حمزة أنا محتاجلك"
صاح محذرًا من بين أسنانه المصتكة بغل:
"اقفي مكانك و جاوبي على سؤالي من غير لف ودوران،
عرفتي عنوان بيتي منين؟"
تسمرت في مكانها وهمست وهي تحني رأسها:
"عرفت العنوان لما شوفت مراتك صدفة في المول و مشيت وراها"
استبد به الغضب واقترب منها يجذبها بقوة من ذراعها قائلا بصوت هادئ.. لا يمت للثورة الغاضبة التي تغلي بداخله و الشرر الذي يتطاير في عينيه بصلة:
"إياك تقربي من مراتي مرة تانية.. ابعدي عنها و عني وإلا.. المرة دي هدمرك أكتر مانتي مدمرة"
هتفت ندى نافية وهي تشعر بالاستمتاع لأنها بين يديه:
"أنا مش عايزة منها حاجه، ولا هقرب منها أصلا أنا، أنا
محتاجاك أنت، عايزاك أنت، لسه بح...."
"اخرسي وحطي لسانك القذر جوه بوقك"
قاطعها بغضب وهو ينفض ذراعها بغل.. ليبعدها عنه بقسوة وناظرها باستنكار بارد كأنها حشرة عليه دعسها:
"الحب ده مايعرفوش أمثالك، انتي قذرة.. وحل رجلي وقعت فيه.. ولا فاكراني ماعرفتش بلعبتك القذرة اللي وقعتيني فيها من تمن سنين؟"
جحظت عيناها و ارتشعت شفتيها.. و تذكرت اعترافها لملك! بالتأكيد أخبرت زوجها وهو الذي أخبر حمزة، كانت تعرف بأن الحقيقة سوف تظهر في يومٍ ما، ولكن ليس الآن فهي تحتاجه.. تحتاج أن تتنفس الهواء النقي منه..أن تعيش الحياة التي لفظتها هي بيدها بخطط غبية دمرتها و قضت عليها:
"سامحني ياحمزة، سامحني أبوس إيدك، اديني فرصة أصلح بيها غلطي، اديني فرصة جديده جنبك، أنا عملت كل ده عشان بحبك، علشان كنت عايزاك ليا، عايزاك تحب ندى مش دهب، ماكنش قدامي حل غير كده"
"ماتجبيش اسم مراتي على لسانك بقولك"
هتف حمزة بصراخ عنيف وحشي جعل فرد الأمن بالمرآب يلتفت نحوهم.. أكمل وهو يتنفس بضيق يطبق فوق صدره:
"فرصة جديدة!! انتي تستحقي فرصة جديده على أيه بالضبط مش فاهم؟ انتي كنتي عايشة معايا على غش، كنت بعاملك بما يرضي الله، عمري في يوم ما حسستك اني مش بحبك.. قدام نفسي و قدام الكل عشت شايل ذنب و خوف من ربنا بسببك، كسرت قلب جدتي و عمي و أبويا و بنت عمي اللي طول عمري بحبها بسببك انتى، وبسبب حقارة أخلاقك"
ظلت صامتة تحدق فيه وهي تهز رأسها بحزن، عيناها تتوسلان اليه أن يرحمها، لكن حمزة قد أصبح كقنبلة موقوتة على وشك الانفجار وهو يكمل:
"كنتي فاكره اني مش هعرف اللي عملتيه فيا، عايزاني أسامح و اديكي فرصة تانية! انتي قد إيه واحدة قذرة و حقيرة طول عمرك برغم إني وقفت قدام عيلتي كلها عشانك ،و قولت بأعلى صوتي إني بحبك و إني لازم أتجوزك، و كسرت قلب بنت عمي اللي بحبها بكلامي عنك و عن حبي ليكي، برغم كل اللي عملته بردك كانت الخيانة والخطط الو*سخة في دمك انتي و أبوكي"
هتفت ندى وهي تدافع عن نفسها:
"حبي لك هو اللي خلاني أعمل كل ده، كنت بموت قدام منك و أنت ولا حاسس بيا، كل كلامك عن بنت عمك وعن حبك ليها و اننا أصدقاء، كنت بحبك بس انت عمرك حتى ما أخذت بالك"
صاح بقهر:
"تقومي تعملي كده فيا؟ تخليني عايش بذنب معملتوش؟ تكذبي وتقولي انك حامل وانتي شايله رحمك، تخليني قدام أهلي مغفل و حمار ،و انتي على علاقة مع خطيبك..أنا كان لازم أقتلك، قتلك كان حلال و ماكنتش هدخل السجن ساعة واحدةه في واحده زيك، بس ماقدرتش.. مش عشان أنا ماقدرش أخلص عليكي، بس خوفت من ربنا، خوفت من معصيته و بعدت عنك بالمعروف، لكن أقسم بالله يا ندى من اللحظة دي مافيش أي معروف بيني وبينك.. لو مابعدتيش عني و عن مراتي"
أغمضت عينيها و كادت تنهار لولا انها تراجعت بكل جسدها إلى الخلف و أسندت ظهرها على أحد الأعمدة لكي لاتسقط.. خبطت ندى كفيها على أفخادها وهي تتمتم بندم:
"هو السبب، هو اللي عمل فيا كل ده، ياريت ما كنت سمعت كلامه، عشان كده أنا...."
رفع حمزة كفه في وجهها قائلا بنبرة صارمة مجدداً:
"عشان كده عايزك تمشي من هنا، و مش عايز أشوفك تاني في أي حته و ابعدي عن مراتي لأحسن والله ياندى هتشوفي مني وش تاني عمرك ما شوفتيه"
ظلت واقفة أمامه تحدق في وجهه و ملامحه الوسيمة..حتى وهو غاضب يبدو أكثر رجولة و شباباً و وسامة تخطف الأنفاس.. وقبل أن تتكلم ظهر أحد السكان مع زوجته و نظرا لهما مستغربين،ألقى الرجل تحية عابرة وهو يمر من جانب حمزة الذي ابتسم لهما وهو يؤمئ برأسه:
"مساء الخير"
"مساء النور"
عاد حمزة والتفت برأسه وهو يبتسم بتكشيرة مخيفة:
"امشي من هنا بدل ما أخلي الأمن يرميكي بره"
هزت ندى رأسها وهي تمسح دموعها:
"مافيش داعي.. أنا همشي ومش هتشوف وشي تاني"
ردد بجمود قبل أن يتركها و يرحل:
"أتمنى.. عشان المرة الجاية لو شوفتك هخليكي تندمي ندم عمرك كله"
ظلت ندى واقفة تبكي و تراقبه حتى اختفى و غاب عن عينيها فقالت وهي تمسح دموعها و تخرج مفاتيح سيارتها من داخل حقيبتها:
"أنا ندمت ياحبيبي، ندمت"
............
توقف قليلاً أمام باب الشقة قبل أن يفتحه.. توقف وهو يتنفس شهيقًا و زفيراً منتظم، حتى يستجمع نفسهِ بعد حالة الغضب التى انتابته عند رؤيتها، و كأن الشياطين تجمعت كلها في داخله.. يا لها من وقحة عديمة حياء و شرف لا تستحي.. انها مرضت في عقلها!! كيف صور لها هذا العقل الخبيث أنه سوف يسامحها؟...
ضحك بسخربة وهو يمسح فوق ذقنه.. و أيضًا تطلب منه فرصة جديدة! يا لها من مهزلة كونية و أخلاقية:
"حقيرة ماعندهاش ريحة الأخلاق"
تمتم حمزة بهمس خافت..و بتنظيم  أنفاسه الثائرة و وجهه المكفهر ظل واقفاً بهدوء حتى شعر بأنه أفضل.. أنفاسه المضطربة عادت منتظمة وأصبحت أقل حدة.. فتمتم وهو يمسح فوق وجهه ثم رتب ياقة قميصه:
"كل حاجه تمام اهدا ، اهدا"
وما أن دخل حمزة من الباب و أغلقه خلفه حتى طارت دهب نحوه فعلياً ، بعد أن قفزت من فوق الأريكة التي كانت تجلس عليها أمام التلفاز:
"حمزة اتأخرت ليه كده،؟ قلقت عليك جدا، هااااا"
شهقت عندما جذبها نحوه بنفاذ صبر دون رد و أغلق شهقتها بقبلته الضارية.. لم تلتقط حتى أنفاسها و هو يغير زاوية تقبيله العنيف لشفتيها اللينتين بين شفتيه المتحكمتين..
انه يحتاج اليها .. يعشقها كمخبول لا يفقه في الهوى سواها.. اشتاقها! كلمة لا تفي شعوره و حبه لها...
دهب هي فتاته التي طالما تمناها و حلم بها و زارت كل أحلامه.. أحبها بكل جوارحه وكيانه لقد كانت حلمًا بعيد المنال، و لكنه ها هو يقبلها الآن و يرتشف عسل شفتيها حتى يرتوي..
شبت على أصابع قدميها و ارتفعت يداها لتلمس أكتافه العريضة.. فأفقدته ما تبقى من وعيه وهي تتجاوب مع قبلاته الضارية، فتعمق بها أكثر و نهل من بحر عطائها أكثر فأكثر.. هذه الذهبية الفاتنة ذات العيون الذابحة ووجه القمر.. و الجسد الذي أصبح أكثر أنوثة و مفاتن هي بين يديه الآن.. معه فوق صدره وبين ذراعيه تبادله القبلة بالقبلة.. و اللمسة المشتاقة باللمسة وهي بكامل وعيها دون خجل أو مقاومة بعد أن تعلمت فنون العشق على يديه...

عندما ابتعدا عن بعضهما أخيرًا لحاجتهما للهواء، كان يلهث وهو يحدق في وجهها المحتقن بالدماء.. انحدرت عيناه نحو شفتيها المتوهجتين بسبب قبلاته المفترسة...
يا قلبه.. كم تبدو شهية وهي تلهث أنفاسها برقة و تلعق شفتيها ببراءة.. انها قابلة للأكل في هذه اللحظة بالذات، وهي تحملق فيه و تبتسم بعينين متسعة و شفتين منفرجة:
"وحشتني أوي"
ابتسم فقد بدأت تعتاد الحديث باللهجة العادية:
"انتي وحشتيني أكتر دهبي، وحشتيني أوي"
رباااه !! ابتسامته تربكها و تجعل العصافير تزقزق حولها،نظرت لباقة الورود التي وضعها فوق الطاولة بجانب الباب، و همست بصوت مبهور النبرات وهي تصفق بسعادة :
"الورد الحلو ده عشاني؟"
نظر إليها وهي تحتضن باقة الورد و تشم رائحتها وهي مغمضة عينيها.. انها أجمل أنثى على وجه الارض، ولا أي أنثى تضاهيها رقة و جمال:
"انتي أحلى و أطعم من كل الورد"
همس بصوت مغرم مغوي ..ثم أسند جبهته على جبهتها:
"أنا بحبك أوي، مابقتش أتحمل أغيب عنك.. بحس إني هتجنن والله"
أجابته لاهثة:
"عرفت و حاسيت دلوكت؟"
برقت مقلتاه السوداتان بالمكر وهو يرد عابثا:
"ولسه حتحسي أكتر و تتأكدي"
توردت وجنتيها وهي تتمتم بصوت غلبه الشجن:
"أحضر العشا اللاول وبعد اكده تبجى نشوف موضوع التأكيد دهو"
تنهد قائلا بمكر وهو يسحبها خلفه إلى الأريكة الواسعة أمام التلفاز:
"العشا ده خليه بعدين، أنا عايز أجرب الكنبه دي في، حاجه كده"
ضحكت ضحكة مجلجلة وهي تهرب منه قائله بمرح:
"اتعشى باللاول وبعدين نچرب"
قال وهو يفك أزار قميصه ببطئ و ينظر لها بنظرة ذئب مفترس:
"رجعتي تتكلمي كده ليه؟"
صرخت بفزعة بعد أن كاد يمسكها:
"لسه ماتعودتش.. بحاول"
رمى قميصه بعيدًا ثم بدأ في فك حزام سرواله الجلدي وهو يقول يهز رأسه ضاحكًا:
"حاولي.. و أنا كمان هحاول"
ظلت تهرب يميناً و يساراً، حتى انقض عليها بشراسة فوقعا سويا على الأريكة الواسعة، ضحكا باستمتاع ثم تجمدت الابتسامة و بثت النظرات بالعاطفة، و الانجذاب يشتعل بينهما كالنار في الهشيم أخفض رأسه و قبلها و حرك يديه أعلى ساقيها.. فبادلته عاطفته بكل لهفة وحب، و كأنها تريد منحه كل ما لديها من خبرة ضئيلة في العشق قد اكتسبتها منه.. استقبل حبها السخي بكل حرارة تأججت ولم تنطفئ الا باتحاد جسديهما و قلبيهما و أرواحهما معااا إلى الأبد...

وضعت همس يدها فوق صدرها متمتمة وهي تزفر:
"اسكتي يا رقيه هم و انزاح.. أول ما أبوكي قالي قبضوا على اللي عمل كده، كنت خايفة أوي رجل أختك تيجي في الموضوع ده، بس الحمد لله قدر ولطف"
قالت رقية وهي تناول أمها فنجان الشاي و تجلس أمامها:
"و أنا والله ياماما كنت خايفه موت على مهرة.. يبقى الندل ده آذها في حياته و في مامته.. منه لله بقى مطرح ما راح"
غامت مقلتا همس بالحنان وهي تقول مبتسمة براحة:
"الورد اتفتح فوق وش مهرة.. و رجعت ردت شوية بعد ما كانت قربت تختفي، و الحمد لله يارب أبوكي رجعت علاقته معاها شوية ، بقى ع الأقل بيقعد معاها ع الأكل"
ردت رقيه بابتسامة واسعة:
"الحمد لله، طبعا يا ماما ده بابا حبيبي السكر أبو قلب طيب، ربنا يخليه لينا يارب و مايحرمناش منه ولا منك..اااه بالحق كلمت فاطيما إمبارح بليل فيديو كول.. زي القمر و باين انها مبسوطة جدًا"
شعرت همس بفرحة كبيرة تستعمر قلبها و روحها وهي تقول:
"الحمد لله ربنا هداها.. كانت خايفة و مكسوفة و قلقانة و حاجات كده كتير، بس محمود مايتخيرش عن خالد ابن حلال و ابن أصول و صبر عليها.. حسيت بكده من كلامها"
ثم تنهدت همس وهي تردد بصوت مشدود كالوتر:
"بس قلقانه على أختك شوية من حماتها.. حاسه كده انها مش هترتاح معاها.. عشان كده وصيت أبوكي يكلم عمك حمزة يدورلنا على بيت هناك.. يكون قريب منهم عشان أروح أطمن عليها على طول"
برقت عينا رقيه وهي تقول بضيق:
"أنا كمان عندي نفس الإحساس، خصوصا بعد اللي حصل منها في الفرح، هي و شوية الستات قرايبهم دول ، بس بردك قلبي مطمن عشان خالتو نيرة و عمي حمزة معاها هناك، و كمان حماها راجل طيب جدًا"
أكدت همس بارتياح طفيف:
"و كمان محمود راجل.. ومش هيسمح لحد يزعلها أنا واثقة في كده، ربنا يهدي الحال بينهم"
ارتشفت همس من فنجان الشاي، ثم قضمت قطعة من الكيك متلذذه بطعم الشوكولاته الذائبة في فمها:
"اممم تسلم ايدك يا قلب أمك، الكيك طعمه حلو جدًا"
ابتسمت رقيه بفخر قائله:
"كورسات الحلويات اللي باخذها على النت، علمتني طرق كتير من بلاد مختلفة ، عملتلك واحده عشان بابا و مهرة"
أرسلت همس قبلة هوائية لابنتها الجميلة ذات القلب الطيب هاتفة:
"تسلميلي ياحبيبتي.. و يخليكي لأولادك يارب، ع العموم مهرة هتخلص مع بهيرة السوق و تيجي على هنا ان شاء الله"
و داعبت همس حفيدها الصغير الذي يجلس فوق الأرض يلعب بألعابه الصغيرة.. لترفع رأسها على صوت رقيه التي قالت بلهفة وقد تذكرت:
"ااه ناسيت أقولك على حاجه مهمة جدًا يا ماما عرفتها من كام يوم"
هتفت همس بقلق وهي تضع فنجان الشاي فوق الطاولة:
"خير حاجة إيه؟"
ارتبكت رقية وهي تخبر أمها بشك:
"الموضوع يخص أيوب إبن خالتي، بس بصراحة مش مصدقه الكلام اللي سمعته ده صح ولا غلط"
هتفت همس بقلق وهي تضم شفتيها:
"أيوب! ماله يارقية ماتقلقنيش عليه، سمعتي إيه؟"
جاشت أفكار رقيه بحيرة ثم هزت رأسها قائله:
"ماتقلقيش كده ياماما. هحكيلك"
عكفت همس حاجبيها بعد أن سردت لها ابنتها كل ما تعرفه، أو سمعت به من صديقتها.. زمت شفتيها بحنق قائله:
"يمكن شافت واحد تاني يشبهه، و افتكرت انه أيوب ..إيه الكلام الفارغ ده؟ أيوب متجوز في السر!"
هزت رقيه رأسها تنفي وهي تهتف بتأكيد:
"لأ ياماما.. أروى صاحبتي عارفه أيوب كويس، دي وصفته بالضبط وبعدين هي شافته أكتر من مرة، وكمان قالتلي على نوع عربيته"
جف حلق همس وهي تبتلع ريقها بعيون متسعة حائرة، و امتعضت ملامحها في دلالة على عدم الاقتناع.. ثم قالت وهي تحاول تقبل الأمر:
"اتجوز!! لا يارقية أكيد صاحبتك غلطانه، يمكن كان بيزور حد في العمارة دي، حد صاحبه ولا حاجه"
هزت رقية رأسها وهي تكمل بتأكيد:
"ياماما.. صاحبه ايه اللي هيروح عنده كل يوم؟ معقول ! و بعدين حارس الأمن بتاع العمارة أكد لها انه واحد من السكان، وشقته في الدور ال16، معقول يكون أيوب اتجوز و خالتو ماتقولش ليكي و تعزمنا على فرحه"
شحبت ملامح همس و ابيضت وهي تردد بذهول:
"لا طبعا.. مستحيل خالتك تعمل كده أو تفكر في كده، حتى لو حصل عمك عمار ماكنش هيوافقها أبدًا"
وضربت فوق صدرها برفق، و ملامحها تنكمش بقلق واضح وهي تتمم بتردد:
"معقولة أيوب يكون اتجوز من وراهم يا رقية، اتجوز من غير أمه و أبوه مايعرفوا، دي تبقى مصيبة! خالتك مش هتسكت، هتقوم الدنيا كلها"
مطت رقيه شفتيها بحنق:
"مش عارفه ياماما، بس خالتو ظلمت مهرة و اتكلمت عليها بشكل وحش، أهو جت واحده أخدت ابنها منها ،والله أعلم الواحدة دي بقى تبقى إيه ولا....."
قاطعتها همس بغضب:
"بس يارقية بس.. ماتقوليش كده على خالتك عيب كده، وبعدين مش أيوب اللي يختار واحده بالشكل ده، أيوب إبني و أنا عارفه أخلاقه كويس.ز لو اتجوز أكيد هتكون بنت حلال و حبها"
هزت رقية رأسها بعدم اقتناع وهي تهمس:
"لما هي كده ليه هيتجوزها من ورا أهله؟! الموضوع في حاجه مش مفهومة أصلا"
لتسأل رقية أمها الشاردة بفضول:
"هتقولي حاجه لخالتو؟"
"لا طبعا"
أجابت همس سريعًا دون تفكير.. لتكمل بخفوت:
"بس هتكلم مع أيوب و أعرف منه ايه اللي حصل، و لو الكلام ده صحيح يبقى هو غلطان طبعًا، اللي مالوش كبير بيشتري كبير، ازاي يعمل كده من ورا أمه و أبوه؟ ده يبقى اتجنن"
تنهدت رقيه وهي تنهض حتى تفتح الباب قائله:
"مهرة و دادة بهيرة وصلوا هفتح لهم"
هتفت همس وهي تمسح فوق وجهها برفق:
"رقيه ماتقوليش أي حاجه لمهرة عن موضوع أيوب، ولا لأي حد حتى جوزك.. خليني أتكلم مع ابن خالتك الأول و نشوف الكلام ده صح ولا غلط.. يمكن مايكونش في حاجه من دي أصلا"
أومأت رقية رأسها بطاعة هامسة:
"حاضر يا ماما"

اجفل روجي صوت قهقهة عمار المجلجلة وهو يتحدث
ع الهاتف.. التفتت تنظر إليه بشك قائله بصوت خافت:
"بتضحك مع مين كده؟"
قال وهو يمرر اصابعه بين خصلاتها الشقراء:
"بكلم دهب و حمزة"
"اااه طيب"
دمدمت دون اهتمام ثم عادت لتنظر بشاشة الحاسوب
مستمتعة بتدليك أصابع عمار لفروة رأسها.. ولكن عمار و بغضب مكتوم سحب يده بقوة و جلس فوق المقعد أمامها يناظرها بضيق و أكمل حديثه مع ابنه و زوجته
بهدوء ظاهرياً يخفى مرجل النار الذي يغلي بداخله....
أغلق عمار الهاتف و قال لها بنبرة جامدة:
"أنا عزمت الاولاد يوم الجمعه هنطلع نتغدى ع اليخت"
هتفت روجي دون ان تنظر إليه وهي تحرك اصابعها فوق زرار الحاسوب:
"اوك حبيبي، بس أنا مش هقدر اجاي"
أغلق بقوة صفحات كتبه الطبي الذي بدأ القراءة  فيه و غمغم ضغطاً على فمه:
"ليه مش هتقدرى تيجي؟"
رفعت عينيها في عينيه و هتفت وهي ترفع كتفها ببرود واضح آثار حنقه:
"عندي أجتماع جمعية في النادي مع الأعضاء الجدد عشان الانتخابات الجديدة"
رفع عمار حاجبيه بضيق و بنبرة خشنة حاده قال وهو يسخر بضحكة مبتورة:
"ياترى الانتخابات الجديدة و الجمعية أهم من يومك العائلي ويا جوزك و ولادك، جمعية حل مشاكل الكون هتقف لو حضرتك مروحتيش يوم الجمعة"
تلك المرة رفعت روجي رأسها عن الحاسوب وهي تنظر لزوجها من خلف عدسات نظارتها الطبية.. فقال عمار و
هو يهز رأسه:
"خير بتبصيلي كده ليه؟"
قوست روجي حاجبيها وهي تسأله بصبر:
"اظن انت بتتريق ولا أنا فهمت غلط"
مط عمار شفتيه قائلا بضحكة سمجة:
"لا مفهمتيش غلط، ااه بتريق ع المهزلة اللي بتحصل ديه، شوية ادماغه فاضية بتكلم عن حاجات فارغة في مكان راقي و فخم، بتكلموا عن ايه بقى مشاكل ديه مع
ديه، و طلاق ديه من ده منتهي السطحية"
شهقت روجي بفم متسع وهي غاضبة حانقة و كأن ما قاله زوجها إهانة كونية لا تحتمل بحقها و بحق أعضاء الجمعية الموقرين:
"انت جبت الكلام ده منين، أنت أصلا مش عضو ومش عارف اي حاجه عن أهداف مشاريع الجمعية النبيلة"
اطلق عمار شخرة ساخره وهو يلوي فمه:
"مشاريع نبيلة، نبيلة إيه و عزيزة إيه؟ عمري مثلا ما شوفتكم رحتوا ملجأ أيتام ولا دار رعاية مسنين ولا مستشفيات القرى و النجوع، مدارس بسيطة في كل فصل فيها اكتر من 50 طفل لو مكنش أكتر كل الناس ديه يا هانم انتي و شلت الهوانم اللي معاكي هما اللي محتاجين مشاريعكم النبيلة مش شوية ناس امخخهم
فاضية عندهم مشاكل اقل ما يقال عنها تافهة رايحين تساعدوهم"
ظلت روجي تنظر له بجمود وهي تفرك كفيها بضيق كأنه قد انتصر عليها فالنهاية زوجها و شقيقه و زوج أختها و بعض رجال الأعمال يقومون بتلك الأعمال الإنسانية على أكمل وجهه:
"عمار زي انا مابدخلش في شغلك و مشاريعك الخيرية ياريت انت كمان تبطل تدخل و تتلكم بطريقة ساخره
عنا ديه مش أخلاقك"
هز رأسه بقلة حيلة فالمناقشة مع زوجتك أصبحت مستحيلة.. امسك بكتبه الطبي ليعاود فتحه من جديد
وهو يضع ساق فوق أخرى و قال بخفوت دون ان ينظر لها:
"يوم الجمعة مفيش اجتماعات ولا اعتذارات هتخرجي
معانا و كمان مرات عمي ووداد جاين معانا كلنا هنقضي يوم عائلي مع بعض"
قالت روجي معترضة بحنق:
"عمار انا لازم اروح الاجت...."
رفع كفه بصلابة في وجهها و قد تحجرت ملامحه الوسيمة بقسوة:
"النقاش في الموضوع ده مرفوض خلاص قولت اللي عندي"
عقدت روجي ذراعيها أمام صدرها و صاحت بشفاه مقلوبة:
"هي تحكمات و خلاص يا دكتور ولا أنت في حاجه تانية مزعلاك"
رفع رأسه عن صفحات كتبه و نظر في عينيها اللامعة بالدموع وهو يسند بذقنه فوق اصابعه:
"انتي عملتي حاجه تزعل؟ و انا مش واخد بالي مثلا"
زفرت بضيق:
"عمار بلاش اسلوب اللف و الدوران ده و اتكلم على طول"
هز رأسه بحيرة متصنعة:
"اتكلمت و قولت اللي عندي من شوية، يظهر انتي اللي عندك كلام تقوليه"
رفعت كتفها بجهل:
"معنديش، بس انا حاسه انك متغير يعني عشان مثلا دلوقتي مقولتش سلم على دهب و حمزة و....."
أوما برأسه وهو يزم شفتيه و يستمع إليها بهدوء لتكمل روجي بنبرة متعصبة:
"و عشان اعتذرت عن عزومة الغداء الاسبوع اللي فات
حاسه من وقتها لحد دلوقتي إنك متغير معايا بيقت بتيجي عليا دايما"
نهرها عمار برفق:
"أنا اللي باجي عليكي و اتغيرت كمان، برافو يا روجي بتعرفي تقلبي الأدوار في ثانية وحده من غير ماتحسي
بأي ذنب ولا غلط، كل حاجه بتعمليها و بتقوليها انتي هي دايما اللي بتكون صح، بس أنا او أختك او غيرنا أكيد بنكون غلط"
خيم الصمت لدقائق قصيرة ثم سمعت روجي تنهيدة زوجها الطويلة ثم سؤاله الغامض كغموض صوته المختنق:
"روجي، لو كان حمزة إبنك زي أيوب كنتي هتتعاملي معاه بشكل ده؟"
لم تجد روجي ما تقوله فصمتت.. صمت كان حارق و قاسي أحرق قلب عمار الذي كان يتوقع إجابة كاذبة ربما ولكن صمتها أظهر له مكنونها الداخلي من ناحية إبنه فلذة كبده قطعة روحه التي لا يمكن لروجي او لغيرها ان تسلخها عن جسده.. تنهد بارتياح وهو يحمد الله بأن أيوب لا يحمل ضغائن امه ناحية شقيقه الأكبر فحمزة بالنسبة لايوب شئ واحد جزء لا يتجزأ روح واحدة بعثت من روحه بفضل الله:
"طبعآ الإجابة واضحة، اللي مستغرب منه و محيرني ومش لاقي له إجابة بعد كل العمر ده وحبي لكي، أنتي مين؟ مش انتى البنت الحلوة الرقيقة و المكسورة اللي انا حبتها"
رفعت روجي رأسها نافرة من جملته الأخيرة 'مكسورة'
هل يذكرها بغلطتها السابقة بكلمة مرة كلعلقم تزينها
رشات من السكر.. أكمل عمار بهدوء و قد تأكد بأنه قد
جرحها و ذلك هو المطلوب ففي وقت الإختيار الفعلي
بالتأكيد إبنه سوف يكون صاحب الكافة الرابحة في
قلبه:
"وعدتيني و نفذتي وعدك مش هنكر انك هتهتمي بابني هيكون إبنك و حته منك هه هه هه، بس كل الكلام ده اتبخر لما وصل أيوب لاقيت نفسي مضطر اني اربي ابني بعيد عني و بعيد عن اخوه و الحمد لله كان قرري صح لان مكنش في حد ممكن يكون احن على ابني من جدته، امي الله يرحمها و مرات عمه اللي ربته زي ابنها تمام في حضنها و جوه عيونها"
دمدمت وهي تبلع ريقها الجاف:
"أنا بحب حمزة بس مقدرتش اكون أمه ديه غريزة جوه كل إنسان ميقدرش حد يتحكم فيها"
ناظرها عمار عابساً قائلا وهو يمشط المكان ببصره:
"تعرفي إيه أكتر كلام بينا مش قادر انساه لحد دلوقتي، يوم ما اخدتي حمزة في حضنك و قولتي إنك حبتيه زي ابنك و هيكون جوه عيونك يومها حمدت ربنا اني اختياري و قراري مكنش غلط، و اكتر موقف بينك وبين إبني مش قادر يروح من بالي لحد دلوقتي بردك هو لما رجعت البيت مرة صدفة بدري عن معادي و لاقيت ابني اللي كان بدا أنه يتعلم المشي لوحده بيعيط خايف زي اي طفل صغير و انتي كنتي نايمه يومها و اخده ابنك في حضنك يومها قررت ابعد حمزة عنك و انسي عشان خاطر أيوب و ناسيت و استمريت في حبي لكي يمكن عشان ابني كان مرتاح بس مقدرتش انسي موقفك ده"
تاؤهت روجي التي كانت تستمع إليه بذهول:
"ياااااه كل ده شايله جوه قلبك مني لدرجه ديه انا كنت
ام وحشه"
ضحك عمار ضحكة استغربتها روجي وهو يصحح لها قائلا:
"لا لا لا كنتي مرات اب و مازالتي بدليل بعد كل السنين ديه لسه زي مانتي، بس هقولك على حاجه مهمة جدا لازم تعرفيها و تدخل جوه رأسك، لو كان جه عليا يوم واحد ممكن اتحط فيه في اي اختيار بينك و بين إبني
كنت هختار إبني أكيد و لحد دلوقتي"
همست روجي بقلب مفطور وهي تمسح دموعها التي اغرقت وجهها:
"أنت اللي بتقول الكلام ده، عمار انت...."
"مساء الخير"
جففت روجي دموعها سريعاً قبل ان يلمح أيوب الذي ظهر بشكل مفاجئ من خلفهم.. رفع له والده بكل حنو وجهه مبتسم حنون فذاك الشبل من ذاك الأسد أيوب نسخته المصغرة بعكس حمزة نسخة عمه.. إبنه الوسيم الذي ولله الحمد ورث طباعه و طباع الناجوية و ان كان ورث عن جده والد والدته رحمه الله القليل من الطباع أيضا.. رد أيوب الإبتسامة الناضجة إلى والده الحبيب ثم قال وهو يلتفت إلى أمه بحدة طفيفة:
"أنا عندي رحلة"
تناست روجي في دقائق معدودة حوارها القاسي مع زوجها و دموعها التي كانت تذرفها منذ قليل و قالت بوجه مكفهر:
"رحلة، رحلة ايه اللي جت فجأة كده من أمتي و انت بتدخل من الباب تقول عندي رحلة و بعدين عايزه افهم حاجه نص هدومك اللي كانت في الدولاب راحة فين"
حدق أيوب في أمه وهو يجعد جبينه باستهجان و قال بضيق:
"ماما مش وقت تحقيق انا عندي رحله الصبح يعني لازم اكون في اسكندرية الفجر إن شاء الله لما ارجع افتحي تحقيق و اوعدك اني اجاوب على كل الأسئلة"
دمدمت روجي من بين أسنانها بغل وهي تنظر لزوجها الجالس في هدوء:
"شايف أسلوبه معايا، قول حاجه يا عمار"
"عمار ساكت ليه؟"
صاحت روجي بنظراتها اللائمة لزوجها ولكنه حدق فيها
باستغراب و استرخاء و مضت عينيه ببريق خبيث وهو
يفكر في إثارة حنقها و غيظها و غمغم بارتياح:
"هتقعد قد ايه في الرحلة ديه"
أجاب أيوب بنظرة إرضاء لوالده:
"اسبوعين تقريبا ان شاء الله هننزل فيهم على أربع او خمس مواني"
أوما عمار براسه قائله له بضحكة صافية:
"ابقى طمنا عليك و هكلمك عشان أوصيك على كام حاجه تجبهالي معاك و متنساش مرات أخوك و أخوك"
"انسى معقول يا حبيبي هات بوسة"
قربت روجي بين حاجبيها بغيظ شديد وهي تكاد تفرقع
جوانبها لتقول بغلظة:
"أنت عارف ان أبن عمك خطوبته كمان اسبوع و كمان يوم الجمعة هنقضي اليوم مع حمزة و دهب"
رفع عمار حاجبه بسخرية وهي يكتم ضحكته.. بينما قال أيوب وهو يجلس فوق ذراع المقعد و يحتضن اكتاف والدته بذراعه:
"والله مش مصدق لحد دلوقتي ان عمر هيخطب كان نفسي اوي مفوتش الخطوبة ديه بس انا اعتذرتله وهو قدر عشان شغلي و بعدين الدخله هتكون قريب بإذن الله وهكون موجود معاه، اما بالنسبة لحمزة أخويا احنا تقريبا بنتعشي مع بعض كل يوم"
هتفت روجي من بين أسنانها بغيظ:
"ماشاء الله مرتب كل حاجه ماشي يا أيوب، ماشي"
نهضت روجي من مكانها غاضبة لتدلف إلى غرفتها وهي تشتعل غيظاً.. بينما رفع عمار حاجبًا ماكراً إلى ابنه الذي يبتسم باستظراف:
"ديه رحلة شغل و لا رحلة تانية فيها كل ما لذ و طاب"
رفع أيوب اصبعيه معًا وهو يهمس بضحكة مكتومة:
"الاتنين يا بوب"
هز عمار رأسه ببطئ هامسًا:
"و أخوك طبعآ عارف عشان كده وهو بيكلمني مجبش سيرتك في عزومة الجمعة"
حرك أيوب رأسه يميناً و يساراً مبتسم وعينيه الزرقاتين
تلمعان بتوهج مثير.. ليرمقة والده بمكر شديد قائلا بنبرة هادئة:
"اااه يا ولاد الناجي، طبخنها سوا"

"العز للرز و البرغل شنق حاله"
هتفت لبنى بضحكة واسعة وهي تجلس أمام صديقتها التي ترتب حقيبة سفرها.. التفتت إليها إيسال تناظرها باستغراب:
"إيه المثل ده جبتيه منين يا قرده"
قالت لبنى ببساطة:
"من مسلسل باب الحارة"
غمغمت إيسال وهي تقلب شفتيها:
"اااه،، تقصدي انا بقى الرز"
هزت لبنى رأسها موافقة وهي تسحب غلالة حريرية شفافة لتضعها في الحقيبة وهي تقلب شفتيها بحنق مرح:
"و أنا البرغل طبعا،، خدي البيجامة ديه و القميص الفوشيا المخرم"
أمسكت إيسال يدها قبل أن تضع القميص في حقيبتها
و باليد الأخرى أخرجت الغلالة وهي تقول بحنق:
"علي فكرة انا ابعد ما يكون عن الرز و العز أنا طلبه أطلق على فكره"
تشنج فك لبنى وهي تسحب يدها بقوة منها و تعيد الغلالة مع القميص مرة أخرى إلى الحقيبة:
"عشان انتي هبلة و متخلفة"
شهقت إيسال بتشنج:
"بطلي قلة أدب مش ناقصاكي انتي كمان"
حدقت لبنى في وجه إيسال الجميل الشاحب بحزن شديد تحاول ان تضحكها و تخرجها من جمودها و من
تصميم عقلها الاهوج.. ولكن انكسارا هائلا اصاب جدار عضلة قلب صديقتها انها تفهمها اكثر من نفسها إيسال صديقتها الجميلة طيبة القلب تعرضت للكثير من الاذي الذي كسر بخاطرها و بقلبها الحزين....
همست لبنى و اخيرا ومن دون مرواغة:
"بتحبيه اوي كده"
تشنج فك إيسال بألم فتنهدت وهي تجلس و تخفي وجهها بين كفيها تبكي برقة:
"بحبه اوي يا لبنى، و بندم على كل الحب ده لانه زيه زي غيره مايستهلش، ياريت ما كنت قبلته ولا عرفته
مكنش حصلي كل اللي انا فيه ده"
تنهدت لبنى هي الأخرى براحة لحصولها و اخيرا على ردة فعل منها.. لتقول بصوت باسل متزن:
"انتي إيسال، إيسو القوية معرفش ابدا عنك الضعف او الاستسلام، عيشتي اللي أسوء من كده بكتير و قومتي
تاني و حربتي لحد ما وصلتي للي انتي فيه ده، يبقى يوم ما تحبي و تلاقي الإنسان اللي ممكن يعوضك و يسعدك تضعفي بشكل ده"
قوست إيسال حاجبيها و تجمد ثغرها وهي ترمش هامسة باندهاش ساخر:
"يعوضني و يسعدني مش لما يحبني الأول انتي بقى اللى طول عمرك متفائلة و جميلة"
هتفت لبنى وهي تقفز بجانبها على السرير الكبير:
"مكان ايوبك ده ممكن يقتلني لو شافني"
أمسكت لبنى بكفها البارد و تنهدت هامسة بعقلانية:
"الرحلة ديه اعتبربها الفاصل بينكم ادي نفسك فرصة و
فكري كويس يا إيسو فكري بعقلك و الغي قلبك شوية عشان ماتحسيش ان قلبك نقطة ضعفك، فكري لو كان أيوب مش عايز يستمر معاكي يبقى ليه هياخدك رحلة زي ديه و غير كده يصمم انه مش هيطلقك، ده انتي نزله نق نق نق ع الراجل مش بتبلعي ريقك ياشيخة
ده لو كان جوزي كان رمي عليا يمين الطلاق وقتي من غير ما يفكر، أيوب بدا يتغير"
همست إيسال وهي تربت فوق كفها بحنو:
"حسام بيحبك و بيحب ولاده، أيوب بقى مش عايز و
طلب مني اخاد حبوب عشان ميحصلش حمل يبقى ازاي بدا يتغير"
قفزت لبنى مرة أخرى لتنهض واقفة ثم توجهت نحو خزانة إيسال لتخرج منها بعض الملابس الداخلية المغرية شديدة الأنوثة:
"عادي كل الرجالة بيقولوا كده مش جوزك بس انتي بقى تقدري تكسبي كل حاجه من غير ما تخسري أيوب
حبك له و قلبك المفتوح عشانه هيخليه يبقى عايز منك عشر عيال و يمسك فيكي بيده و سنانه"
رفعت قميص أصغر قصير للغاية و قالت ضاحكة:
"اهو القميص الأصغر ده اللي هيجيبه على وش أمه الولية العقربة ديه"
قهقهت إيسال بضحكة عالية وهي تجذب القميص من صديقتها و تحتضنها بقوة:
"مش عارفة من غيرك كنت هعمل ايه"
هتفت لبنى وهي تضمها بقوة:
"انتي لازم تبقى سعيدة تمسكي النجوم بيدك متخليش حد يخطف فرحتك منك أبدا"
اومات إيسال برأسها وهي تبكي بخفوت.. لتقل لبنى بنبرة مازحة:
"اوعي تنسى صحبتك في الرحلة ديه و أهم حاجه الهدية"
هزت إيسال رأسها قائله بصدق:
"مستحيل انساكي احلى هدية لكي و لدهب"
هتفت لبنى بعينان مبهورة:
"من كتر كلامك عن دهب نفسي اتعرف عليها باين عليها
عسولة و طيبة"
وافقتها إيسال بابتسامة واسعة:
"جدا يا لبنى لازم اعرفك عليها قريب هتحبيها أوي"

"العز للرز و البرغل شنق حاله"
*مثل قديم شاع تداول هذا المثل الشعبي في المنطقة الشامية حينما كثر استخدام الأرز في المنطقة العربية عمومًا والشام على وجه الخصوص ، فمن المعروف أن البرغل كان يدخل في كثير من طعامهم الأساسي ولكن حينما ظهر الأرز أخذ الناس يتندرون على البرغل.... ويقولون : ” العز للرز والبرغل شنق حاله ”
فقد كان الأرز أغلى سعرًا وينسب اقتنائه للأسر الميسورة، أما البرغل فكان طعام الكادحين رغم أن البرغل صحيًا أفضل من الأرز ، فالبرغل هو ما يستخرج من حبوب القمح المجروش بعد تنظيفها وسلقها ، ويعد هو الغذاء البديل للفقراء في منطقة الشام...

حملق عمر بذهول في طاهر الذي يصوب سلاحه نحو فتاة مبهمة الملامح حتى الآن بالنسبة له، ترتعد خوفاً في إحدى الأركان وهي تبكي و تصرخ:
"أبوس يدك يا طاهر ماتجتلنيش، إني غلطت خابره بس في عرضك ماتجتلنيش"
قال طاهر بقوة من بين أسنانه:
"عرضي انتي خليتي ليا عرض ولا شرف يا فاجرة.. يا واكلة ناسك و آني اللي كنت رايد أتچوزك طلعتي و* ماتستحجيش"
هتف حسن من خلفه وهو يثبت عينيه الصارمتين في عيني عايدة التي تعرف عليها فورا:
"بتعمل ايه يا طاهر؟ هات البندجه دي من يدك.. بلاش تودي روحك قي داهية"
تنهد طاهر قائلا بصلابة وهو يشد أجزاء سلاحه و يقترب من عايدة ليضع فوهة البندقية في جبهتها وهو يضغطها:
"آني أصلا روحت في داهية لما عشجت الواعرة ديه يا ضاكتور.. هملني أخلص عليها"
"عايدة! انتي بتعملي ايه اهنيه؟"
هتف عمر مصعوقًا وبعد ان تعرف عليها .. لقد بدت هشة ضعيفة حليقة الرأس و هزيلة الجسد.. صرخت عايدة تستغيث بعمر الذي وقف مقابل طاهر يناظره بعيون متسعة:
"طاهر انت اللي عملت فيها اكده؟ و بعدين هي مش كانت طفشانه، بعد البندجة دي و انطج"
عقد حسن جبينه من دون فهم ولكنه هتف بصرامة وهو يجذب طاهر من جلبابه:
"نزل السلاح دهو و اتحدت لاجيتها وين؟ و مين اللي عمل فيها اكده؟"
صاح طاهر غاضباً لأول مرة بوجه حسن:
"ياريت كنت آني اللي لاجيتها، كنت جطعتها بيدي جطيع و رمتها لكلاب النچع عشان تنهش لحمها النجس ،بس عوجت جوي يا ضاكتور"
استغلت عايدة حديث طاهر و حبت نحو عمر المتستمر في مكانه لا يفقه شيء و ارتمت فوق قدميه:
"انچدني يابيه.. ماتخلوش يجتلني آني في عرضكم آني غلطانه، أبوس يدكم"
وأجهشت ببكاء مرير وهي تصرخ و تتشبث بقدم عمر،ولكن طاهر صرخ وهو يلتفت نحوها ليدفعها بعيداً عن عمر بساقه بعد أن ركلها بقوة في بطنها:
"ماحديش هيحوشك عني يافاجرة.. لازم أجتلك"
صرخ عمر في وجهه وهي يخطف من يديه السلاح و يرميه بعيداً قائلا:
"حد فيكم يفهمنا ايه اللي بيحوصل اهنيه، جرى ايه انتم مالكوش كبير؟ انطجي يابت مين اللي عمل فيكي اكده"
صرخت عايدة قائله:
"الكبير هو اللي لجاني و چابني لاهنيه بعد ما غرر بيا واد البندر و اتضحك عليا"
بهت وجه حسن وهو يردد:
"بابا اللي عمل فيكي اكديه؟ طب ليه؟"
دمدم طاهر بغل وهو يبصق فوقها:
"عشان فاجرة.. باعت شرفها وعضت اليد اللي اتمدت لها"
عقد عمر حاجبيه متسائلا باستغراب:
"إني مش فاهم أيتها حاچه، اني اللي راح أفرجع راسك لو مانطجتيش"
فاض كيله و ضاق خلقه و صوب عمر مسدسه نحو عايدة يكمل:
"طالما أبوي حبسك اهنيه يبجى انتي هببتي مصيبة واعرة و تستحجي الموت"
تعالى صراخ عايدة بخوف شديد، حتى انها تبولت في ملابسها من الخوف فهي تعرف عمر.. أنه لايهدد من فراغ سيقتلها اذا لم تنطق و فورا.. صوت نيرة الناجى وكلمات تحذيرها تنخر في عقلها:
'لو أي حد عرف حاجه والله ما هيرق قلبي ليكي.. و بيدي دي هقطع لسانك قبل ما قتلك..إياك بقك ده يتفتح بكلمة عن بنتي أو عن اللي حصل'
انتبهت على صرخة حسن:
"اتكلمي بتهببي ايه هنا؟ "
رفعت عايده يدها المتشنجة وهي تطلم وجهها:
"هجول، هجول، هج.و.ل الس.ت نير.ة هي، أيوه هي اللي عملت فيا اكده، البيه چابني لاهنيه بعد ما سرجت دهبات الست نيرة و جرشنات كتير جوي، كنت هطفش مع واد من البندر ضحك عليا، اضحك عليا و الله و...."
دمدم طاهر بغل:
"و نام وياكي يا فاجرة؟ جولي"
اتسعت حدقتا حسن بذهول من جرأة الفتاة التي كان يعتقد انها قطة مغمضة لا تعرف شيء.. نظر نحو شقيقه الذي تكورت أصابعه في قبضة قاسية و قال بملامح صلدة و لهجة تجمد الدماء في العروق:
"يعني انتي ياعفشانة كنتي بتسرجي أمي و أبوي، و كماني بعتي شرفك؟ ده انتي حجيجي تستحجي جطع رأسك، انتى يا مخبله تسرجي بيت الكبير، مين الواد دهو؟ اتحدتي يابت الكلاب"
شحب وجه عايدة تماما حتى أصبح يحاكي الأموات.. فقالت وهي تلهث بتعب:
"بعد ما سرج اللي سرجته وعمل فيا عملته طفش ماعرفش عنيه أي حاچه، ماعرفش، آني ندمانه.. الست نيرة جالتلي مش راح تجتلني و كماني الكبير و هملوني اهنيه، ياريت كنت سمعت الحديث و اتچوزت طاه....."
قاطعها طاهر وهو ينحني ليقبض على عنقها بأصابع من حديد وهو يزهق روحها، بعيون تترقرق بها الدموع الغاضبة التي ذرفها حزناً عليها قائلا:
"كنت غبي يوم ما فكرت أتچوزك.. و كنت أغبى يوم ما حزنت عليكي.. انتي لازمن تموتي"
حاولت عايدة تشهق الهواء الذي انقطع عنها وعيناها جاحظتين وهي تلوح بيدها في الهواء.. بينما كان حسن خلفه يصرخ وهو يحاول حمله و ابعاده عنها حتى لا يقتلها بيديه، فهي لا تستحق يكفي أن تبقى هنا في محبسها و هذا ليس بعقاب كافياً.. انها خانتهم ليس عندما سرقتهم فقط، و لكن عندما اهدرت بشرفها الذي يحسب عليهم، كونها فتاة تربت و ترعرعت وسط عائلة الناجي:
"بعد يدك عنها يا طاهر راح تموت"
قال عمر ببرود قاسي:
"همله يجطع نفسها ديه فاچرة"
هلل حسن صائحا في شقيقه:
"بطل حديت ماسخ.. هو اللي راح يروح في داهية.. لو كان بابا رايد يجتلها كان خلص عليها بمعرفته، جوم ياطاهر، جوم ياخوي"
وأخيرا استطاع حسن بمساعدة عمر سحب طاهر من فوق عايدة التي كانت على وشك الموت، فقد ازرق وجهها و شفتيها و جحظت مقلتيها، حتى أنهما كادا أن يخرجا من محجرهما.. كانت تلفظ أنفاسها شاهقة للهواء و رغوة بيضاء تخرج من جانب فمها.. تترنح مثل دجاجة مذبوحة تعافر وهي تسعل بقوة:
"هملني ياضاكتور أبوس يدك أخلص عليها يمكن يشفي غليلي منيها، ماحديش داري بالنار اللي جوات مني"
احتضنه حسن بقوة في صدره و طاهر يبكي بقوة وهو
يتألم قائلا:
"حبتها جوي جوي.. وهي خانت الحب دهو بسهولة من غير ما يرمش لها چفن، كانت هتضحك عليا بحديتها المعسل وهي عتخوني و تخون البيت اللي لحم كتافها من خيره، دي واعرة مالهاش أمان"
ابتلع عمر ريقه بقهر.. فبكاء طاهر كان يؤلمه بشدة ..فالشاب كان يحزن عليها كأنه فقد دنياه و ما فيها.. قال وهو يتوجه نحو الباب:
"اطلعوا من اهنيه.. وآني راح اندلا أتحدت ويا بابا أشوف راح يعمل وياها إيه؟"
وقبل ان يخرج عمر من الباب الخشبي بخطوتان سمع صرخة خشنة يصرخها شقيقه:
"حاسب يا طاهر"
دفع حسن بطاهر بعيداً عنه وهو يصرخ قبل أن تسقط مؤخرة البندقية التي حملتها عايدة في لحظات غادرة
لتهشم بها رأس طاهر.. ليراها حسن و يصرخ دافعاً طاهر بكل قوته و يتلقى هو عنه جزء من الضربة القوية فوق رأسه التي انشقت و تدفقت منها الدماء...
صرخ عمر وهو يركض على شقيقه مصوباً سلاحه نحو عايدة التي كانت تستعد لضربة ثانية فوق راس طاهر.. أطلق عمر طلقة مصوبة بجدارة أصابت يدها التي كانت تحمل بها البندقية لتسقط وهي تصرخ تاركه السلاح من يدها:

يتبع...

Continue Reading

You'll Also Like

1.3M 59.5K 68
سنكتشف الحقيقة معآ...🤝
9.3K 164 9
تعشقة منذ نعومة اظافرها لا تريد أحد سواه فهو مالك أحلامها ولياليها ولكن هو قلبه لا يبالي ينتقل من زهره إلي زهره يمتص رحيقها ثم يتركها تهيم في محراب ه...
889K 19.2K 36
خرجت من عالم الترف والثراء لتدخل في عالم اخر بقوانينه هو فقط، تنتقضه وتنفر قوانينه وتلوم نفسها علي ماتبعثر بداخلها قبالته. اما هو كبير عائله القاضي...
802K 46.7K 65
مراهقه دفعها فضولها للتعرف على الشخص الخطأ وتنقلب حياتها بسبب هذا الفضول.