اشتعال الأزرق

9.6K 173 573
                                    

تلميح: "إنَّ الإيمانَ إذا نزلَ بقلب امرأة جعَلَ منها بطلًا لا يُغلَب
- علي الطَّنطَاوي "

رفع رأسه عن حاسوبه المحمول مع ابتسامة على شفتيه، وخلع سماعات أذنه حتى يسمع أصوات الهمهمات من حوله الصادرة عن حلقات العلم والذكر في ساحة المسجد، ينظر لنقاء الصورة أمامه... نقية لدرجة أنّه لم يشعر بوجوده هنا رغم تخطيه ساعات مستلقٍ تحت شجرة.
لم يكن يعلم من قبل أنّ الانسان يستطيع الطيران في السماء وهو جالسٌ في مكانه!

يردّد للمرة المليون في رأسه : لا يوجد شخص أحبّ مدينته بقدره. أبداً.

أمال رأسه للجانب وهو يمدّ يده ليقبض على كومة التراب الذي يحتوي في جوفه على جذور شجرة الزيتون تلك، ثمّ حرّره من يده ليتناثر مجدداً وينثر معه رائحة المسك.
انتبه للقطة الصغيرة الشقراء التي بجانبه تأكل وتشرب مما وضع لها قبل قليل ومسح على رأسها بلطف.

رفع رأسه ورأى شرطيّين إسرائيليّين دنّسوا الصورة التي كان ينظر لها منذ قليل، راقب خطواتهم... خطوة خطوة... عينه تتحرك معهم من اليسار لليمين طوال المسافة التي مشوها حتى اختفيا عن ناظريه.

تناول هاتفه من جيبه وهو يفتح ليرى الفيديو الوثائقيّ الذي صنعه وكان يتحدّث عن نابلس حيث صوّره حين ذهب مع مارسيل، نشره البارحة وكان تفاعل النّاس معه رهيب، ولم تخلُ التعليقات من مطالبته بالعودة متفاعلاً على تطبيق السناب شات كالماضي وأن يعود لهم يحيى الذي عرفوه.
جلس معه مارسيل منذ زمن وسأله عن غيابه الطويل!

/ ليه بتعمل هيك؟ في آلاف علقتهم فيك وفي حكيك بستنوك ترجع... هاي مسؤولية انت قبلت تتحملها من وقت ما صرت ناشط على السوشل ميديا... لما صار الي صار حكينا حقك وقفنا معك خليناك تبعد وتستوعب بس هلأ الناس جد بدها ياك. بدها حد يرجع يذكرهم بالأقصى ويورجيهم ياه كل يوم. انت بدون ما تحس أمل لكل حد برا محروم منها، أمل للي تغرّب والي ولد بالغربة والي خلّف ومات وعاش بعييييد !
حينها أجابه يحيى/ هما عرفو يحيى غير... يحيى الي كان همّو بس كيف يدخل الكاميرا على المسجد بدون ما يمسكو شرطي. يحيى الي بنشد لقهرهم.
بس همّي هلأ كبر، قاعد بكبر يوم بيوم وانا بتفرج عليه عاجز براقبو... انا ما عمري عرفت انو الانسان عادي يكون الو أكثر من ظهر
وينكسروا بنفس الوقت! بنفس الوجع! بنفس الغياب!
انكسر ظهري بقُصيّ... وانكسر ظهري الثاني بِعُمر... وهلأ؟ ما بعرف الدور على مين... ما بعرف كم باقي.

استغفر وهو يفرك وجهه ويعود للواقع، كانت أياماً صعبة، ومازالت.
نظر لساعته قد تجاوزت الثالثة عصراً والناس بدأ يقلّ عددهم، انتبه على كرم يركض نحوه بطوله الغريب والمُفاجئ وحين اقترب منه خفّف سرعته وهو يصدر من فمه أصواتاً تشبه السيارة التي دعس صاحبها على المكابح والبريك

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Jan 08, 2022 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

قاب وطنين أو أدنىWhere stories live. Discover now