أَحكَمت وِثاقَها فِيه

3.6K 112 65
                                    


تلميح:اعتقال؟

همس/ ليه يا ... يا صاحبي؟
ليه تخون العهد يا أحمد؟

كان سؤاله هذا، تحت ضوء القمر في ملعب كرة القدم أقلّ ما يُقال عنه أنّه خُلِق توّاً كي يبدأ مرحلة جديدة من الوجع لم يكن يعرفها.

اقترب منه وهو يدفن يديه في جيابه باستسلامٍ موجع
/ كيف قدرت؟
كنت أشكيلك منهم... ليه عملت مثلهم؟

أخذ نفساً وهو يخرج يديه ويمسح على وجهه، لم يعرف ماذا يفعل...
تعطّلت قواه عن العمل! توقّف عقله عن التفكير.
هذه الخيبة من النوع الذي توقظك بخبطةٍ على جمجمتك!

حاول أحمد الكلام وهو يضغط على يده حتى ابيضت/ كانت... كانت لحظة ما فكرت فيها إلّا بعواطفي! مشاعري قادتني...
انا... انا اسف عمر!

عمر رفع يده وانكمش وجهه بانزعاج/ لاا... لا تعتذر!!
لا تعتذر...
اذا طلبت مني أسااامحك رح.. رح أحس حالي إني غبييييي!!
غبي!
واذا سامحتك رح تكسرني كمااان مرة...
ولك...كنت أحكيلك عن حياااتي السووودة هناك، خمسس سنين! طلعت انت السبب؟! اننننت!!!

أحمد نطق بغصة/ ما تسامحني، انا مش مسامح حالي كيف بدك تسامحني انت؟
آه أنا حكيت ل ريم... كان بالأول بدي ياها تعرف لا تفقد أعصابها بعد ما يوصلها خبر استشهادك.
ما كنت عارف إنها رح تعمل هيييك، والله!! لو كان عندي علم وحكتلي كان...

عمر ابتسم له بسخرية وقاطعه كأنّه لم يسمع ما قاله ولم يفهمه/ ههههههههههههههههه يعني انت أكثررر شخص انا بفكر أحسن اشي عملتو بحياتي اني تعرفت عليييه...

بعدين... بوووووووم! سربراااااااايز!!
طلعت أووووسخ منهم كلهمممم!!!

فتح يديه وهو يعود للوراء بترنّح/روح أحمد روح... كلهم كانووو مجرّد ندوب، انت بس الطعنة! انت!
أحمد/ عمر...
قاطعه/ روووح مش طايقك! مش طاااايق أشوف وجهك!
ابعد وجهك عنيييي
لا تطلع قدامي ثاني مرة!! لا تخليني أشووووفك.

استدار عمر واتجه نحو الباب وهو يفرك وجهه بقوة وغصة، ثمّ قال بصوتٍ وصل لأحمد/ يا ريتني ما عرفتك!

صعد سيارته وأغلق الباب بقوة، وضع يده اليمنى على المقود وحدّق أمامه بذهنٍ غائب... هذيان، بقايا.. هذا الذي يشعر به!
يريد البكاء، الصراخ، الضرب.
لكنّه لم يفعل!

ابتعد عن الملعب تاركاً أحمد هناك يقف في مكانه وهو يشعر بقلبه يؤلمه ألم لا يُطاق ولا يُحتمل!
هذا ما كان خائفاً منه! هذا الذي انتظره كلّ ثانية منذ أن عاد إلى فلسطين.
جلس على الأرض بانهيار وكأنّ هذا الذي حصل لم يكن إلّا مجرّد حلم...
الآن سيستيقظ... نعم، ويجد نفسه قبل خمس سنوات، في الزمن الحقيقي!
وهو في طريق عودته من مكانه المعتاد مع عمر، لم يساعده القدر لتكون ريم في نفس طريقه، لم يضعها الله هناك، ولم يقل لها عن عملية عمر!
وجرى الأمر كالتالي، استيقظ عمر في الغد جهّز نفسه ودّع أحبابه واتجه نحو تل أبيب.
نجحت عمليته، فجّر نفسه واستشهد!
حزنوا عليه، راقبوا انسلاخ أرواحهم ببطئ منهم بسبب غياب عمر عنهم واستشهاده!
خمس سنوات استغرقوها كي تعود حياتهم إلى ما كانت عليه، لم ينسوه بالطبع... ولكنها الحياة أيضاً لها حكمها الذي يقتضي بأن تمشي وأن لا تتوقف لغياب أحد...
فراغه موجود؟ طبعاً. ولن يملأه أحد!
استشهد ولم تتعطّل صداقتهما بل بقيت محتفظة بصورتها النقية والمُخلصة، مُغلّفة بالوفاء والعهد الذي تعاهداه سويّاً.
يزورون قبره.
يضعون الورد عليه، يتكلمون معه، عمّا حدث معهم في غيابه ويمضون.

قاب وطنين أو أدنىWhere stories live. Discover now