لا شيء يُغني عن فقد

3.6K 118 90
                                    

تلميح: الحوت.

في المسجد القبلي بعد صلاة الفجر، كان المسجد مليئاً بالرجال ،حيث أُقيمت صلاة الغائب لجنازة وطن، حتى حين لم يسعهم المُصلّى خرجوا للساحات هناك يرددون خلف الإمام الدعاء له ولكلّ الأحرار أمثاله.

وقف عمر وارتدى حذائه ليمشي خارجا مبتعدا عن والده وأعمامه الذين مازالوا يتحدثون مع الرجال عن الأحداث التي حصلت.
وضع يديه في جيابه وهو يمرّر نظره بشكل سريع على الساحة... الكلّ يتحدث. الكلّ بدون استثناء!

مشى ببطئ وهدوء من أمامهم، متجاوزاً الأماكن التي كان وطن يتواجد بها، هنا، أمام أعينهم وتحت ظلّهم...
حتى وصل باب الرحمة، ظنّ أنه فارغ... وأنه سيجلس هناك يرثيه مجددا مع طيفه... إلا أنه وجد مارسيل ويحيى مع عدد من الشباب.
كان سينسحب ولكن بآخر لحظة ناداه عبدالله/ عمر... تعال

نظر لهم مجددا وشعر بحملٍ ثقيل على ظهره، بمجرد أنه سيُجامل مجدداً ويجلس معهم ويتناسى كلّ ذيول الحزن في صدره.
يريد مكاناً لوحده، يريد مكاناً يجلس فيه مع نفسه فقط، مساحة خالية ...

سحبه قصي قبل أن يستوعب، ليجلس على إحدى الحجارة/ مالك وقفت عندك... تعال

سأل يحيى حين جلس بجانبه/ احمد شكلو ما اجا؟
عمر ببرود/ ما بعرف..

لا يعرف شيئاً، حرفيا... منذ أن شاهدوا الخبر على التلفاز في منزل أحمد، عشر دقائق يحدقون فقط في الخبر، ثم عشر دقائق أخرى لم يتكلموا أبدا، لم ينظروا لبعضهم، انسحب عمر خارج منزله متجها للبلدة القديمة... رأى نفسه على شرفة حور، لم ينتظر شيئا، حتى لم يطرق الباب ككلّ ليلة يأتي بها.. جلس ينثر الورد وهو ينظر للسماء... لا يمكنه أن ينسى الرائحة التي عانقت فؤاده قبل أنفه... في تلك الليلة الهادئة الخالية من كل الأصوات المزعجة والكلاب والحيوانات.
حتى صراصير الليل... هادئة هدوءا محزنا، انبعثت رائحة من الأرض والسماء زكية تنعش النفس احتضنت رئتيه.

هل كان عقله الذي صوّر تلك الخيالات، أم أنّ السماء أيضا رشّت بضع قطرات من المطر... غير دموعه كان يشعر بقطرات تهطل على جسده حين تكوّم في حضن حور يبكي.

لا يسعه التأكّد، لإنه كان في مرحلة بين الوعي واللاوعي، لم يفقد وعيه كليا ولم يسترجعه كليا بقي عالقا يفكر فيه في ابتسامته في ضحكته في حركاته... حتى شجاراتهم وغضبه منه، كلها كانت كالغصة في قلبه. كالشوكة تحبس كلّ معاني الألم.
تذكّر أول عمليّة لهما معاً، أول جنديّ قتله وكيف كانت فرحته الشديدة التي سخر منها وطن بِ "مفكر حالك حررت فلسطين؟"
ليس بالمعنى الحرفيّ، ولكنّ وطن قام بها، حرّر كل الفلسطينيين من كلّ اعتقاداتهم، جمعهم على شيء واحد بيد واحدة لا يختلف فيه اثنان أبدا رغم كلّ الاختلافات... لا يمكن لشخصين فلسطينيين أن يتشاجرا بسبب وطن ومبدئه، أبداً.
الكل كان يعرف أنها الطريقة الوحيدة لاستعادة الأرض، باستثناء الخونة.

قاب وطنين أو أدنىWhere stories live. Discover now