اقترب منها مؤنّباً وقال بصوته الرجولي/ حور...
قاطعته بنبرة مهزوزة وهي ترتجف وتبكي/ شششش... بس جاوبني! مين بتحب أكثر؟
أنا ولا فلسطين؟
هزّ رأسه بالنفي، باستحالة ما ترمي إليه/ انتو التنتين معقودات بقلبي، هي بتشد وانتي بتشدي!
بحبك قد ما بحب فلسطين.
لاح...
تلميح: كطائر العنقاء ؛ كلّما احترقنا ألماً يخرج من رمادنا طائرٌ آخر!
كان يدور في الغرفة كالمجنون، يراقبه يزن ببلاهة وهو يجلس على الأريكة المقابلة له، كان يرى وطن لأوّل مرة مُشتت، غير متزن، مضطرب! كل المرادفات لهذه الكلمة لن تصفه حقه، لن توصف ما يمرّ به من مشاعر متضاربة، يظنّ أن عمر يمزح... لحدّ الآن تسيطر عليه فكرة أنّ عمر مخطئ وأنّ أسامة ذلك ليس أخوه! كيف يمكن أن يكون أخاه؟ بعد كل هذه السنوات... بعد كل الآلام التي مرّ بها، والأوجاع التي أبت إلا أن ترافقه! كيف يمكنه التصديق بعدما عاش مع هذه الفكرة أكثر من خمسة عشر سنة؟ كان الأمر جنونيا أن يحيا أسامة من جديد... نعم لم يستطيعوا استخراج جثة واحدة سليمة وصحيحة من تحت الإنقاض ولكنه كان واثقا بأنّ جميعهم ماتوا...
نظر للسقف وهو يمسح على رقبته باختناق... ربي أرجعه لي، أعده إليّ كما أعدت يوسف ليعقوب! اجعل عيني تقرّ برؤيته كما قرّت عين أمّ موسى بموسى! يا إلهي إنّ الألم كبير فلا تخذلني، لا تخذلني قلبي انكسر ألف مرة قبل هذا اليوم... ليس لي قدرة على تحمل خيبة أخرى، ليس لدي طاقة على العودة بخُفيّ حُنين مجدداً!
استنشق أكبر قدر من الهواء، نظر إلى يزن وقال بنبرةٍ غير صبورة أبدا/ تأخرووو.... تأخرو والله تأخرو! لم يُجبه يزن، لإنّ ما حدث وما أخبره به وطن كان فوق استيعابه ليستوعبه! أخ لوطن؟ كيف؟ إنهم لا يعرفون عنه شيئا غير اسمه! كيف يظهر له أخٌ من العدم؟!
نظر وطن لكأس الماء فاقترب منه ليشرب ويهدّئ ضربات قلبه، وبالمزامنة مع انفتاح الباب وقع الكأس من يده التي ارتجفت وهو يستدير ليرى من أتى... خابت ملامحه حين رأى إبراهيم وثابت وسيف يدخلون وهو يتكلمون بأصواتٍ متداخلة...
صمت الجميع حين سمعوا صوت الكسر وقال إبراهيم بقلق/ شو فيه؟ صارلك اشي؟ ابتلع وطن غصته... هذه اشارة من الله أن لا يتأمل وأن لا وجود لأسامة الذي يعرفه صحيح؟ نعم... لا أسامة! كلهم يتهيأ لهم! عمر يتوهم... كيف يمكن أن يكون هناك أسامة... أخ له بعد كل السنوات تلك؟ ويعود لنفس الدوّامة... ولا يسمع ما يقوله ابراهيم ورفاقه حوله، لإن عقله ليس معه الآن... إنّه يسافر رغماً عنه قاطعاً كل القيود نحو أخيه الميت الحيّ!
لم يكن لأيّ ما كان يفكر به قيمة... هوى قلبه حين سمع الباب انفتح مرة أخرى..
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
