عمرُ روحي

By MayamShahid

30.5K 1K 458

لا تسألني كم عمري ... اسألني كم عمر روحي. لماذا دائمًا ترتبط فرص زواج الفتاة عكسيًا بالعمر؟! ... كلما زاد عمر... More

الشخصيات
الفصل 1 (حديثي مع النجوم)
الفصل 2 (مشاعر هشة)
الفصل 3 (انطفاء الروح)
الفصل 4 (دموع القلب)
الفصل 5 (فرصة أخرى)
الفصل 6 (كابوس مظلم)
الفصل 7 (رماد قلب)
الفصل 8 (هل هي بداية حب؟!)
الفصل 9 (عاصفة سوداء)
الفصل 10 (طريق النهاية)
الفصل 11 (تحت الركام)
الفصل 12 (روح حرة)
الفصل 13 (ملتقى القلوب)
الفصل 14 (روح خلقت لي)
تنويه هام
الفصل 15 (توأم روحي)
الفصل 16 (هل هو الفراق؟!)
الفصل 17 (ليلة وداع)
الفصل 18 (نتيجة اختيار)
الفصل 19 (لقاء الحبيب)
الفصل 20 (فرصة جديدة)
الفصل 21 (على موعد مع الحب)
الفصل 22 (النصيب الجميل)
الفصل 23 (حفل زفاف)
الفصل 24 (مع الشخص المناسب ستزهر)
الفصل 25 (للسعادة مذاق آخر)
الفصل 26 (ظلال من الماضي)
الفصل 27 (لآخر نفس)
الفصل 28 (ارتباك خوف ... أم عشق؟!)
الفصل29 (دقات قلب)
الفصل 30 (ما قبل الطوفان)
الفصل 31 (مزيج غريب)
الفصل 32 (أحتاج إليك)
الفصل 33 (خطوات الشيطان)
الفصل 34 (الكلب الأسود)
الفصل 35 (مكيدة شيطانية)
الفصل 36 (الشر بالمرصاد)
الفصل 37 (كشف المستور)
الفصل 38 (تسوقنا الأقدار)
الفصل 39 (على طريق الحب نلتقي)
الفصل 40 (قريب أم غريب؟)
الفصل 41 (قليل من الوقت بعد)
الفصل 42 (كيد الكائدين)
الفصل 43 (طيف نهاية)
الفصل 44 (الهدوء الذي يسبق العاصفة)
الفصل 45 (روح مهشَّمة)
الفصل 46 (ما بين عشق وظن)
الفصل 47 (دموع خذلان)
اقتباس
الفصل 48 (أزمة ثقة)
الفصل 49 (ما بين أمل وألم)
الفصل 50 (فرحة قلب)
الفصل 51 (دعوة قلب)
الفصل 52 (انهيار)
الفصل 53 (محنة)
الفصل 54 (أمل بالله لا يخيب)
الفصل 55 (رغم الألم)
الفصل 56 (فرصة ... اختيار)
الفصل 57 (معًا ... مهما طال الطريق)
الفصل 58 (أمان القلوب)
الفصل 59 (تقارب القلوب)
الفصل 60 (أمل قلب لا ييأس)
الفصل 61 (سندي وقوتي)
الفصل 62 (الوصال)
الفصل 63 (سحر العناق)
الفصل 64 (لنسرق من العمر ليلة)
الفصل 65 (طريق العودة)
الفصل 66 (قلب عاصف)
الفصل 67 (ملاك وشيطان)
الفصل ٦٨ (فخ محكم)
الفصل 69 (ما بين بداية ونهاية)
الفصل 70 (هدوء .. غضب)
الفصل 71 (الحمل والذئب)
الفصل 72 (نسمات باردة)
الفصل 73 (انتقام شيطاني)
الفصل 74 (جريمة زفاف)
الفصل 75 (ليلة عصيبة)
الفصل 76 (دوامة حيرة)
الفصل 77 (نهاية كابوس)
الفصل 78 (تحطم الجليد)
الفصل 79 (تساقط الأوراق)
الفصل 80 (طريق مسدود)
الفصل 81 (دقات على باب القلب)
الفصل 82 (انتظار وقرار)
الفصل 83 (الأمل في الحب لا ينتهي)
الفصل 84 (صاعقة الموت)
الفصل 85 (أرواح حائرة)
الفصل 87 (ظلال الماضي السوداء)
الفصل 88 (السقوط في وادي الظلام)
الفصل 89 (تلاحم القلوب)
حسابي على تيليجرام
الفصل 90 والأخير (وتستمر الحياة ... بحلوها ومُرّها)
الخاتمة ❤

الفصل 86 (فرصة أخرى)

216 14 4
By MayamShahid

لا تنسوا التصويت⭐🙏  ... بانتظار رأيكم في الأحداث 🔥🔥


عادا للمنزل وهي لا زالت منغلقة على نفسها ... صامتة ... حزينة ... يبدو عليها الوهن والضعف. فعلته تلك كانت بمثابة المحفز الذي فجر بركانًا خامدًا، وجعلها تستعيد معه كل ماضيه وماضيها وتعود لكرهها للرجال، ولكن كيف عساه يصمت ويستسلم دون أن يعيدها له كما كانت؟! هو رجل لا يستستلم ولا يتوقف قبل حصوله على ما يريد.

بدلت ثيابها وأدت صلاتها وتوجهت إلى الفراش لتنام، ليتساءل باستغراب وحزن على حالها: ستنامين الآن يا مرام؟

ردت وهي تلتحف الغطاء: أجل، سأستيقظ لاحقًا لأصلي العشاء.

اقترب من السرير وتساءل بأسف وحزن: ألن تأكلي؟ طلبت لكِ الطعام الذي تحبينه.

دمعت عيناها بحزن وقهر على نفسها وحالها الذي وصلت إليه، وكل الظروف التي تحاصرها من كل ناحية، لتقول: لمَ آكل إن كنت سأتألم وأستفرغه على أية حال؟!

ارتعشت شفتيه وهو على وشك أن بيكي من نبرة صوتها ودموعها الحبيسة تلك، فنزل على ركبتيه بجوارها ووضع يده على رأسها قائلًا: لكن هذا لا يعني أن تبقي دون طعام يا حبيبتي ... سأعد لكِ حساء الخضار ... لا يتعب معدتك كثيرًا ... ما رأيك؟

ردت بجفاء وهي تمسح دموعها بسرعة: شكرًا لك ... لا تتعب نفسك ... لا رغبة لي بتناول الطعام.

رد عليها بنبرة مليئة بالحب والحنان قائلًا: تعبك راحة يا حبيبة قلبي ... لو أعددت لكِ الطعام كل يوم حتى نهاية حياتي فلن أتعب ولن أمل.

رفعت نظرها لوجهه والتقت عيناهما بنظرات صامتة تحمل الكثير من المشاعر، ثم تساءلت: لماذا تحبني؟ كيف وقعت بحبي بهذا الشكل؟ أنا فتاة عادية بتعليم عادي، ومملة نوعًا ما وحتى جمالي أراه عاديًا فهناك من هن أجمل مني بكثير ... لست صغيرة وبالطبع كان يسعك الزواج بفتاة أصغر مني ... أنا ملتزمة لدرجة أن هناك من يلقبني بالمعقدة والمتزمتة بسبب تديني ونقابي ... أنا مختلفة عنك تمامًا ... لا شيء مشترك بيننا ... بل أنت مضطر لتغير نفسك بشكل جذري كي تجعلني أفكر بك وأحاول تقبلك ... لمَ كل هذا العناء يا أوس؟!

ابتسم أوس بحزن وقلب شفتيه بحيرة، ثم قال: ربما في البداية لم يكن لدي جواب لكل هذه الأسئلة، لكن مع الوقت فهمت وأدركت بأنك هدية من الله، ورزق كبير وثمين للغاية رزقني به وجعلك سببًا في هدايتي. من دونك لم أكن يومًا لأفكر بالحلال والحرام ولا بتغيير حياتي، لذا أنتِ كل شيء في حياتي يا مرام. أعلم بأنه ليس من السهل أن تنسي الماضي، ولكنني أطمع بذلك وأتمناه من كل قلبي. أحبك حتى الجنون، وأشتاق إليك حتى وأنتِ معي في نفس المكان. لو كان بوسعي إخفاءك داخل قلبي لفعلت. لو كنتِ تحتاجين قلبي لتعيشي سأنتزعه بكل رضا وأقدمه لكِ بيدي.

تساقطت دموعه رغمًا عنه وهو يقترب منها أكثر حتى همس أمام شفتيها وهو يقول بحرقة ورجاء: أنا من دونك لن أعيش ... فلا تتركيني أرجوكِ.

رق قلبها له رغمًا عنها خاصة عندما دفن رأسه بطرف السرير وأجهش بالبكاء ولأول مرة تراه بهذا الانهيار أمامها فهذه ليست أول مرة يتشاجرا فيها، فلمِ يفعل ذلك الآن؟!

رفع رأسه يحدق بها بصمت عندما شعر بيدها تمسح على شعره، ثم مدت يدها لتمسح دموعه وهي تبتسم بتعب قائلة: لا يليق بالرجال البكاء ... كما أنك تبدو بشعًا للغاية عندما تبكي.

ابتسم بسعادة غامرة وأمسك بيدها يطبع عليها قبلات رقيقة متتالية وهو يكرر بين كل قبلة وأخرى كلمات الحب والأسف.

................................

دخل زين جناحه بعد أن عاد من المسجد هو وأخويه فرغم أن طريق المسجد بات أطول وانشغاله ازداد إلا أنه يحاول أن يذهب يوميًا وحور تشجعه على ذلك. ابتسم عندما رآها تجلس على الأريكة بملابس الصلاة وتحمل المصحف بين يديها تتلو الآيات بخشوع. توجه لغرفة الملابس ليبدل ثيابه بعد أن رمقته بابتسامة عذبة وأكملت قراءتها حتى انتهت من الصفحة وأغلقت المصحف. نزعت ثياب الصلاة واتجهت نحوه متسائلة: هل أعد لك شيئًا لتشربه يا حبيبي؟

همهم بتفكير وابتسم قائلًا: كوبًا من الشاي من يد حبيبتي.

عادت بعد دقائق من مطبخهم الصغير الموجود في الجناح ووضعت الشاي أمامه على الطاولة التي تتوسط غرفة المعيشة خاصتهم. ترك هاتفه وأخذ منها الكوب قائلًا بابتسامة عذبة: سلمت يداكِ يا حبيبتي.

ابتسمت وبقيت ترمقه بصمت وبدأت ترتشف الشاي من كوبها، ولكنه يعلم هذه النظرات جيدًا إلا أنه لن يستعجلها بالحديث وإذا بها تهتف قائلة بدلال: زينو!

ضم شفتيه محاولًا إخفاء ابتسامته، لكن دون جدوى، فالتفت لها وغمزها قائلًا: طالما قلتِ اسم الدلال هذا فهناك طلب تعلمين بأنني سأعترض عليه.

ضمت شفتيها ورمقته بنظرات قطة بريئة واقتربت منه أكثر ووضعت يدها على كتفه وهي تقول بدلال: أريد الذهاب للتسوق مع وتين ومرام وسلمى غدًا لنشتري فساتين مناسبة لعقد قران جواد ووتين.

أومأ برأسه موافقًا ويشعر بالحيرة فليس هناك ما يرفضه في هذا الأمر حتى الآن، ليعقب قائلًا: حسنًا يا حبيبتي ... لا بأس في ذلك ... البطاقة معكِ فاشتري ما شئتِ ولا تدعي الفتيات يدفعن شيئًا ... فلتكن فساتينهن على حسابنا.

ابتسمت حور قائلة: أنا أعتبر أخت العريس، لذا كان من واجبي شراء الفستان لوتين وبالطبع لم أخبرها بذلك لأنها سترفض ... أعلم بأنك لم تكن لتعترض ورغم ذلك كنت سأشتري لها من مالي الخاص الذي تضعه في حسابي.

رمقها زين بعتاب وقال: مالكِ ذاك لقاء عملكِ في الشركة يا حور ولا تلمسيه لشيء كهذا ... أنا مسؤول عنكِ.

عقدت حور حاجبيها وقالت بتذمر طفيف: أعلم هذا ولم أقصد مضايقتك، ولكن ليس هذا ما سأطلبه منك.

أخذ نفسًا عميقًا وأدرك بأنها الآن ستنطق بما تخشى أن يعترض عليه، فقال: قولي يا حور ... ماذا تريدين؟

أنزلت يدها عن كتفه وبدأت تشابك أصابعها بحركة بات يحفظها جيدًا عندما ترتبك، لتقول بتردد واضح: لا نريد حراسة معنا.

رد باستنكار: ماذا؟ ماذا تعنين بقولكِ هذا؟

قالت بانزعاج وتذمر طفولي: يا زين ذلك الرجل الذين كان يحاول إيذاءنا مات وهذه نزهة فتيات ... سنتسوق ونشتري الملابس وربما نشتري ملابس خاصة ... تعلم ماذا أقصد فهناك عروسين معنا ... إحداهما تزوجت من مدة بسيطة وأخرى ستتزوج قريبًا ... كيف سنرتاح بوجود رجال يراقبوننا عن كثب؟! ... لكن سآخذ ميار لتطمئن.

هتف زين بحنق وتهكم: ميار! لولاكِ لطردتها منذ زمن وتقولين لي اطمئن؟! بالطبع لن أطمئن يا حور.

أمسكت بيده برجاء قائلة: يا زين من فضلك ... أنا لا أخرج سوى معك والمرات التي خرجت فيها لم تسمح لي بحفظ شيء في المدينة لدرجة أنني إن خرجت وحدي سأتوه ... لا أعرف أي عنوان ولا أسماء شوارع ولا أماكن، وكل هذا لأنني أعتمد عليك اعتمادًا كاملًا ... أنا لا ألومك بالطبع وأقدر انشغالك، ولكنني بحاجة لأرى المدينة والشوارع وأعرف أسماء الأماكن ... أنا هنا منذ شهور ولا أعرف شيئًا يا زين.

يعلم كل هذا ويدرك بأن حتى أثناء خروجهما معًا للتنزه لم تكن تبالي بالعناوين وأسماء الشوارع وما إلى ذلك لأنها معه ولا تحتاج لاستخدام وسائل المواصلات مطلقًا فإن لم يوصلها لأي مكان بنفسه يكون هناك سائق وميار تلازمها.

رد زين بهدوء: أتفهم ما تقولينه يا حور وأعترف بأنني قصرت من هذه الناحية وسأصلح خطئي هذا، لكن ما علاقة ذلك بمنع الحراس من مرافقتك؟! لطالما كنا نتسوق برفقتهم وهم يقفون بعيدًا لمنحكِ الخصوصية.

عقبت حور بغيظ: نريد أن نشعر بالراحة يا زين ... كن يخططن للذهاب وحدهن وأنا من عرضت عليهن الذهاب معًا فرحبن بذلك بالطبع، لكن أول تساؤل كان إن كان الحراس سيرافقوننا ... لذا ... قلت بأنني سأتحدث معك.

زفر زين الهواء وقال بجدية ونبرة لا تحمل النقاش: لا يا حور ... لا خروج دون حراس وهذا كلام نهائي ... سأخبرهم بأن يبتعدوا قدر المستطاع وحسب دون لفت الأنظار.

همهمت حور بغيظ وهتفت قائلة: لكنه مات ... ذلك المعتوه مات.

نظر لها زين بحدة وقال بهدوء جاد: هو مات وهو واحد من كثيرين يحاولون باستماتة لإيذائنا يا حور ... كل صفقة أكسبها أحصل مع أرباحها على أعداء جدد ... وحوش المال لا يشبعون ولا ينتهون.

قبضت حور يديها تحاول التحكم بانفعالها؛ فهي الآن تشعر بالاختناق حقًا ليس بسببه فهو محق في كلامه، ولكن من الظروف التي تكبلهم. نهضت من مكانها وهي تقول باقتضاب: تصبح على خير.

هرعت نحو غرفة النوم قبل أن تنهمر دموعها أمامه أما هو فقد تنهد بتعب ويدرك بأن كلامه أحزنها للغاية، ولكنه الواقع وليس بوسعه المغامرة. يعلم بأنها محرومة من كثير من الأمور الطبيعية التي اعتادت أن تمارسها بشكل يومي وصبرت على هذا وكانت له نعم السند والملاذ، لكن كيف عساه يغامر بحياتها هي خاصة بعد أن أوشك على فقدانها؟!

أفكار كثيرة تعصف برأسه، ولكن لا ... لا يسعه الاستسلام أمامها فهذا خطر وهو يعرف أعداءه وما يمكنهم فعله جيدًا خاصة وهو يحقق نجاحًا تلو الآخر ويحصد غضب الكثيرين. نهض من مكانه وقدميه تأخذانه إليها. لا يدري كيف يصالحها دون أن ينفذ لها ما طلبته، ولكنه سيحاول.

توليه ظهرها وتبكي بصمت متظاهرة بالنوم، فاقترب منها وضمها بذراعيه من الخلف قائلًا: لكِ كل الحق لتغضبي مني وأعلم بأنني أظلمكِ في هذا الأمر ومحقة في كل ما قلته، ولكن يا حبيبتي والله أنا خائف عليكِ. بالنسبة للحرس لن تشعروا بهم صدقيني. سأجعلهم يبتعدون عنكم لأقصى مدى. لا تخبري الفتيات وستعلمين حينها بأنهن لن يلاحظن وجودهم حتى، اتفقنا؟

لا زالت صامتة جامدة على حالها ولم تنظر له حتى، ليقول بنرة دافئة داعبت مشاعرها: ألم نتفق ألا ننام دون أن يصالح أحدنا الآخر عندما تحدث مشكلة؟!

رق قلبها وتذكرت ذلك الوعد وكانت تود لو تستدير لتقابله وقد شعرت بأنها تبالغ في ردة فعلها ورغم ذلك هناك ما يكبلها لشدة ضيقها؛ فهي تخشى أن تبتعد عنها الفتيات بسبب ضيقهن من الحراس وهي ليس لها صديقات هنا سواهن.

طال صمتها وهي غارقة في أفكارها، ليردف بنبرة حزينة: حور! كدت أفقدكِ ذات مرة ولا زلتِ تتعافين من محاولة قتل مدبرة ... إن لم تكوني خائفة على نفسك فخافي على من ستتركينه بالعذاب والحزن من بعدك.

شعرت به يضمها بقوة كبيرة كأنه يخشى ضياعها، فالتفتت برأسها نحوه وقالت بصوت يحمل أثر البكاء: لست غاضبة منك يا زين ... أنا أتفهم موقفك وأقدر خوفك عليَّ ... لكنهن صديقاتي الوحيدات هنا ... لن أستطيع الخروج معهن إن شعرت بأن وجود الحراس يزعجهن ... وهذا يعني بأنني لن أخرج ... إلا نادرًا ... حنان لها حياتها وصديقاتها ... ليان وضعها الصحي بسبب الحمل سيحتاج لوقت طويل إلى أن تعود للحياة بشكل طبيعي، وبالطبع زيد لن يفارقها أو يدعها تخرج بمفردها هي الأخرى.

جعلها تستدير بين يديه لتقابله ومسح لها دموعها بيده وهو يقول: أعدك بأنني سأغير كل هذا قدر المستطاع ... سأجعلكِ تحفظين المدينة عن ظهر قلب ... سأعمم على الحراس ألا يكونوا ظاهرين مطلقًا كما يفعلون مع حنان ... سآخذك لكل مكان في القاهرة وسأعرفك على كل شيء صدقيني.

ابتسمت لوهلة، ثم مدت شفتيها قائلة بغيظ طفولي لذيذ: لم تأخذني للأهرامات بعد.

ضحك زين وقال: سآخذكِ عندما يتحسن الطقس قليلًا ... أعدكِ بذلك ... ونركب الجمل ... هل أنتِ راضية الآن.

صمتت تتأمل ملامحه بحب وابتسامة راضية، ثم همست أمام شفتيه قائلة: لا تتحدث عن الفراق مجددًا ... مطلقًا ... أنا أحبك أكثر من نفسي يا زيني ... وما يسعدني أننا سنكون معًا في الجنة.

اتسعت ابتسامة زين وهو يقول بسرعة قبل أن ينقض على شفتيها: أعشقك يا روح زين.

بعد لحظات أبعدته وهتفت بحنق: أنا وأنت فقط، هل فهمت؟

نظر لها بعدم استيعاب، لتردف موضحة: لا أريد حور العين ... إياك أن تنظر لهن حتى.

ضحك زين بقوة، فوكزته بكتفه قائلة: لن أحتمل ... صحيح بأنه في الجنة لا يوجد غيرة وأي مشاعر سلبية، ولكن ... أنا لا أريد ... عدني بذلك.

لم يكن بوسعه التوقف عن الضحك وهو يسمع كلامها مما زاد غيظها، لتطلب منه مجددًا بحنق أن يعدها بذلك، فقال بصوت يحمل آثار الضحك مستهجنًا: أعدكِ بماذا يا حور ... بشيء لا أعلمه وليس لي قدرة على تحقيقه.

هتفت باسمه باستنكار، ليقول مجاريًا لها: ما رأيك بأن نترك النقاش هذا إلى حين دخولنا الجنة؟! سنرى كيف سيكون الوضع هناك ونتحدث في الأمر ... دعينا بما نحن فيه الآن يا حوري.

رمقته باستفهام وقبل أن تتساءل عما يعنيه وجدته يعتليها ويطبق على شفتيها بقوة، ليبتعد بعد لحظات وهو يقول: لن أكون لطيفًا الليلة.

همست له بابتسامة عذبة: لا تكن كذلك.

..................................................

عادت أمها وأختيها للبيت وبقيت هي بانتظاره برفقة آيسل في المطعم، وأمها تعلم بأنه سيوصلها كالعادة إلى البيت. أغلقت باب المطعم عقب مغادرة أمها وأطفأت الضوء كالعادة عندما تتأخر لتتجنب حضور أي أحد أو أي إزعاج قد يحدث. نامت الطفلة، فوضعتها على أريكة صغيرة ووضعت عليها غطاءً، ثم هاتفت حازم الذي شعر بالتردد ما أن رأى اسمها على هاتفه، وفور رده على اتصالها قالت بضيق وحنق واضح: آيسل نامت ... أنهِ عملك بسرعة وتعال لأخذها.

لم تنتظر رده، بل أنهت الاتصال، فتنهد بتعب ولا يدري كيف سيواجهها عقب فعلته الشنيعة وكيف سيعتذر.

وضعت الهاتف جانبًا وتذكرت ما فعله وما قاله، فانسابت دموعها ووضعت يدها على فمها تكتم صوت بكائها، ثم رفعت رأسها للأعلى وقالت بحرقة: يا رب ... لقد تبت إليك ... كنت مجبرة على كل ما فعلته وأنت شاهد على ذلك ... لا أبرر لنفسي أخطائي، ولكنني تعبت ... ظننته سيتفهمني ويعوضني ... ظننته مختلفًا ... هل جميعهم هكذا؟! ألا يوجد رجل صالح لي يعينني على توبتي ويعوضني؟! هل سأبقى أدفع ثمن أخطائي وذنوبي لنهاية عمري؟! لم أعد أجد كذبات أقولها لأمي وليس لدي إجابات لأسئلتها ... لقد تعبت ... تعبت كثيرًا.

قطع مناجاتها تلك صوت رجلين على باب المطعم وضجة تظهر بأنهما يحاولان فتح الباب. شعرت بالذعر وقررت أن تختبئ بما أنهما على وشك فتحه فهي لن تجازف نظرًا لوجود طفلة صغيرة معها. حملتها بين ذراعيها واتجهت بها نحو غرفة المؤونة الصغيرة بما أن بابها من الحديد وربما يصمد ريثما يصل حازم.

دخل اللصان وشرعا بالبحث هنا وهناك حتى وجدا الدرج الذي يوضع فيه المال وقد وضعت رنا فيه بعض المال قبل دخولها الغرفة خصيصًا لعلهما يغادران عقب حصولهما عليه، ولكن حينها قال أحدهما: ظننت المبلغ سيكون أكبر ... دعنا نأخذ الأجهزة الكهربائية.

رد الآخر متذمرًا: لن يكون ثمنها كبيرًا.

زمجر الأول وقال: لن أخرج من هنا بمبلغ زهيد كهذا ... أيًا كان ثمنها سيكون أفضل من لا شيء.

تأفف الآخر بضيق قائلًا: حسنًا، هيا بسرعة قبل أن يلاحظ أحد دخولنا.

حمدت الله أن الطفلة لا زالت نائمة حيث جلست أرضًا وهي بين ذراعيها محاولة ألا تصدر أي صوت لدرجة أنها حبست أنفاسها وصدرها يعلو ويهبط بذعر واضح.

بينما يقومان بجمع الأجهزة قال أحدهما: هذه غرفة المؤونة خاصتهم ... رأيتهم يضعون فيها الأرز والسمنة والزيت وما إلى ذلك.

رمقه الآخر باستفهام وتذمر، ليرد عليه بغيظ: لنأخذها ... هذه لا تفقد ثمنها.

تأفف زميله قائلًا: ليس لدينا وقت لهراء كهذا ... ليس فيها الكثير ولا نريد لفت النظر لنا ... أسرع أيها الغبي.

رمقه بغيظ وتجاهل كلامه محاولًا فتح الباب الذي أغلقته رنا من الداخل، فازداد ذعرها وبدأت دموعها تنهمر وهي تجذب آيسل لأحضانها أكثر، ولا تريد أن تتخيل ما قد يفعلوه بها إن وجدوها. وضعت الغطاء الذي تلف بها الصغيرة في زاوية الغرفة ووضعت عليه آيسل، ثم خلعت سترتها ووضعتها عليها ووضعت صندوقين كبيرين أمامها لتخفي بهما جسدها الصغير عن أعين من سيدخل الغرفة.

هتف أحدهم وهو ينظر من النافذة: تبًا ... لنهرب هيا.

توقف الآخر عن محاولة فتح الباب وقال: ماذا هناك؟

رد عليه صاحبه بذعر: الضابط حازم ... لنغادر بسرعة.

نظر الآخر للأجهزة التي جمعوها على الطاولة لحملها وتساءل باستنكار: سنترك هذه؟

هرع نحوه صاحبه وأمسك بياقته: سيزج بنا في السجن يا غبي، ألا تفهم؟!

لاحظ حازم باب المطعم المفتوح على غير العادة وعندما اقترب رأى أنه مكسور، فمد يده نحو خصره يسحب سلاحه وتقدم للداخل بهدوء ورأى الأجهزة المكومة والمكان مبعثر، فدب في قلبه الذعر وبدأ ينادي على رنا التي ما أن سمعت صوته سارعت لتفتح الباب، ولكنها رأت أحدهم خلفه يهم بتوجيه ضربة لرأسه، فصرخت قائلة: انتبه ... خلفك.

استدار بسرعة، فهوت العصا على يده ووقع السلاح من قبضته، ليأتي الآخر ويباغته بلكمة، ثم شرع اللصين بمحاولة ضربه للهرب من بين يديه دون أن يلحق بهما، ولكن الأمر لم يكن بتلك السهولة فقد كان مواجهته أصعب مما تخيلا خاصة عندما سد الطريق أمامهما طالبًا منهما تسليم نفسيهما، فركض أحدهما نحو رنا واضعًا السكين على عنقها طالبًا منه تركهما وشأنهما. رفع حازم يديه باستسلام وقال: حسنًا، غادرا ولكن لا تقوموا بإيذائها.

مشت رنا برفقة اللص الملثم ذاك وهي تشعر برعب شديد ودموعها لا تتوقف حتى وصلا باب المطعم، ليقول لصاحبه بصوت منخفض: دعنا نأخذها معنا ... إنها جميلة.

رمقه الآخر بغيظ: دعنا نخرج ... كفاك طمعًا.

عندما رأى إصراره تركه وفر هاربًا، فشتمه الآخر سرًا أما حازم فقد بقيت عيناه معلقتان برنا والسكين الذي على عنقها ينتظر اللحظة المناسبة حيث كان اللص يسحبها للخارج نحو السيارة التي تركها الآخر وفر مطلقًا ساقيه للريح لأنه يعلم بأن الشرطة ستمسك به إن فر بالسيارة بسهولة فقد رآها حازم ولن يصعب عليه تعقبها.

في اللحظة المناسبة هجم حازم مبعدًا رنا عنه وشرع بضربه بوحشية تامة يفرغ به غضبه من الدنيا بأسرها ولحظات الخوف على رنا التي عاشها للتو. عندما رأت رنا اللص يوشك على فقدان الوعي اقتربت من حازم قائلة: كفى سيموت بين يديك ... توقف يا حازم.

توقف عندما أمسكت بذراعه، فالتفت لها ينظر لها للحظات، ثم جذبها لحضنه بقوة وهو يتساءل: هل أنتِ بخير؟ هل تأذيتِ؟

ردت ببكاء: أنا بخير وآيسل بخير ... لا زالت نائمة في الداخل.

أغمض عينيه براحة وابتعد عنها قليلًا ينظر في عينيها بخجل وندم وهم بالاعتذار، ولكنه شعر بألم مباغت في خاصرته. سحب اللص سكينه التي غرسها في خاصرة حازم وانطلق بسيارته تاركًا إياه يسقط بين ذراعي رنا ينزف بغزارة.

ازدادت حدة بكائها وأخرجت هاتفها طالبة الإسعاف، ولكن مع غزارة نزيفه قالت من بين شهقاتها: سآخذك للمستشفى ... لن أنتظر الإسعاف ... ساعدني لتقف ونصل إلى سيارتك.

رد عليها بألم تعب: آيسل.

هتفت رنا: سأحضرها ... لا تقلق.

استجمع طاقته المتبقية ليقف ويصل إلى سيارته مستندًا عليها، ثم قال: سامحيني يا رنا ... هذا جزاء الذنب الذي ارتكبته بحقك ... سامحيني لم أكن في وعيي لشدة غضبي ... إن مت اعتني بابنتي ... ليس لها سواي.

وضعته على الكرسي بصعوبة وقالت: اصمت ... ستربي ابنتك بنفسك ... لن تموت وسأقتص منك على ما فعلته ... لا تقلق.

ركضت نحو الداخل وعادت بعد لحظات تحمل آيسل بين ذراعيها ووضعتها على الكرسي الخلفي، ثم عادت إليه ووضعت منشفة صغيرة على جرحه قائلة: اضغط على الجرح بقدر استطاعتك.

بعد فترة قصيرة أوقفت رنا السيارة أمام المستشفى وصرخت بمن هناك ليأتوا ويأخذوه وبالفعل حملوا حازم على سرير متحرك، وهناك طلب الطبيب أخذه لغرفة العمليات على الفور. استيقظت آيسل وهي بين ذراعي رنا وعندما رأتها تبكي وفي هذا المكان الغريب بدأت تسألها أين هما وماذا يحدث مما جعل رنا تحاول تمالك نفسها لتهدأ تلك الصغيرة ولا تخاف.

على الجانب الآخر كانت والدة رنا تشعر بالقلق من تأخرها، وخشيت أن تكون قد تشاجرت مع حازم من جديد، فهاتفتها وازداد قلقها عندما سمعت صوت رنا، لتسارع بسؤالها ما بها ولمَ تأخرت، فنهضت رنا عن المقعد تاركة الصغيرة وابتعدت عنها بضعة خطوات كي لا تسمع حديثها، وروت لأمها ما حدث بشأن السرقة وإصابة حازم. أرادت الأم القدوم لتكون معها، فرفضت رنا كي لا تترك أختيها وحدهما، بل شددت عليها أن تغلق المنزل بإحكام وتتوخى الحذر، لترد الأخرى: لا تقلقي علينا ... الحراس موجودون ... لن يقترب أحد من المنزل، لذا سآتي إليكِ.

خرجت أم رنا وتحدثت مع أحدهم توصيه على ابنتيها النائمتين في الداخل لأنها ستذهب إلى المستشفى، ليرد الرجل بجدية: سيوصلكِ أحد رجالنا ويبقى معكِ حتى تعودين.

لم تعترض فقد كانت بحاجة لذلك. لطالما كانت هي وبناتها يتدبرن أمرهن بمفردهن، ولكن الآن الوضع اختلف فهن في مكان غريب والأحداث المتلاحقة جعلتها تشعر بأنهن يحتجن لرجل في حياتهن. تمنت أن يكون حازم فهو أهل للمسؤولية ومحترم، ولكن لا تدري ما الذي غير حاله مع رنا. كذبات رنا كانت مقنعة ورغم ذلك تشعر بأنها تخفي عنها شيئًا ما.

علم جواد من رجله في المستشفى بما أصاب حازم، فطلب منه الاعتناء بهم وملاحقة الأمر ونقل حازم إلى مستشفى أفضل إن لزم الأمر.

بعد وقت طويل خرج الطبيب من غرفة العمليات، فهرعت رنا وأمها نحوه، ليقول بجدية: إنه بخير الآن ... لكن اضطررنا لاستئصال كليته اليسرى لأن طعنة السكين أتلفتها للأسف ... سينقل إلى العناية المكثفة ليبقى تحت المراقبة هذه الليلة.

استأذن تاركًا رنا غارقة بدموعها وأمها تتحسر عليه وتتمنى له الشفاء. خرجت كلتاهما من أفكارها على صوت آيسل التي تسألهما عن والدها، لتسارع رنا نحوها وهي تمسح دموعها وتبتسم قائلة: إنه بخير يا حبيبتي ... إنه مريض قليلًا، لذا سينام في المستشفى حتى الصباح.

قوست آيسل شفتيها وتساءلت بحزن وبراءة: هل سيذهب إلى أمي؟ سيذهب إلى السماء ويتركني؟

ضمتها رنا بقوة قائلة بلهفة: لا ... لا يا حبيبتي ... لن يتركك أبدًا ... الطبيب قال أنه بخير .. إنه نائم فقط ... لا تحزني.

نظرت أم رنا لابنتها ولتلك الصغيرة التي تتمسك بها بحزن عميق، ثم قالت: اذهبي أنت وآيسل للبيت وأنا سأبقى هنا معه.

هزت رنا رأسها نافية وقالت: لا ... يجب أن تعودي للبيت ... إن استيقظت الفتاتان ستشعران بالخوف وحدهما ... خذي آيسل وعودي يا أمي ... لا تقلقي بشأني ... كما أنه عليَّ البقاء من أجل التحقيق.

ردت الأم باستنكار: ستبقين هنا وحدكِ يا رنا؟!

ابتسمت رنا بألم قائلة: اعتدت فعل كل شيء وحدي يا أمي ... لا تقلقي ... هيا اذهبي.

أمسكت الأم بيد الطفلة استعدادًا للذهاب، فقال مرافقها: سأوصلهم وأعود إليكِ.

رفضت رنا إلا أنه رد بجدية: هذه المرة لن نقبل كلامك فقد رأينا النتيجة وحصلنا على توبيخ سيليه عقاب. أنا الآن أخبركِ ولا أستئذنكِ.

رفعت رنا حاجبيها تنظر في إثرهم بدهشة حتى غابوا عن ناظريها، ثم همست بعدم تصديق قائلة: يبدو بأن جواد لن يمرر الأمر لهم ... لكن أنا المخطئة ... كان يجب أن أترك أحدهم معي ... أستغفر الله العظيم ... إنه نصيب.

رن هاتفها باسم جواد، فتنهدت بتعب قائلة: ولن يمرر الأمر لي كذلك.

..................................

أشرقت الشمس معلنة قدوم يوم جديد، وبدأت أميرته التي سرقت قلبه تتململ في نومها معلنة استيقاظها، فأغمض عينيه بسرعة متظاهرًا بالنوم. فتحت مرام عينيها لتجد نفسها لا تزال بين ذراعيه. استرجعت أحداث ليلة أمس والتي من ضمنها اعتذاره ودموعه وعشقه الذي لا تصفه كلمات لها وابتسمت. كانت تتساءل إن كان حظها في الحياة قد أتى دفعة واحدة على هيئة هذا العاشق الذي على ما يبدو لن يتركها وشأنها حتى تقع في هواه. بقيت تتأمل وسامته الشديدة وجاذبيته حتى أثناء نومه حتى وجدت نفسها تقترب لتسرق منه قبلة صغيرة طبعتها بجانب شفتيه.

هذه القبلة البسيطة الرقيقة هزت كيانه وداعبت أوتار قلبه الذي كان يتراقص بين ضلوعه، ويخشى أن يظهر ذلك كي لا تعلم بأنه مستيقظ أما مرام فقد كان قلبها يدق بجنون وتشعر بأنها قد سرقت شيئًا بالفعل، وتخشى أن تُمسَك بالجرم المشهود ورغم ذلك كانت تشعر بسعادة غريبة.

شعر بها تحاول الانسحاب من بين ذراعيه، فتظاهر بأنه استيقظ وابتسم ملقيًا تحية الصباح، لترد عليه بصوتها الرقيق الذي أجبره على مغازلتها، فاحمر وجهها وابتسمت بخجل، ثم قرب وجهه منها يقرأ تعابير وجهها إن كانت تحمل الرفض رغم أنها بادرت منذ قليل بتقبيله ورغم ذلك يخشى مضايقتها. بدت له منتظرة بل متلهفة لتلك القبلة التي تبعثرها كالعادة وكان لها ما أرادت.

.................................

استيقظت بفزع على صوت الرجل الذي بقي لحراستها طوال الليل بينما كانت هي نائمة على المقعد. رمقته بغيظ قائلة: كيف لأحد أن يوقظ شخصًا بهذا الشكل؟! لقد أفزعتني.

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه وهو يرى تذمرها الطفولي وقال: لم أقصد ... أردت أن أخبرك بأننا سنقوم بنقل حازم إلى مستشفى خاص في القاهرة.

اتسعت عيناها وتساءلت بقلق: لماذا؟ هل ساءت حالته؟

رد بسرعة مطمئنًا: لا ... وضعه مستقر واستيقظ أيضًا ... لكن السيد جواد يريده أن يتلقى أفضل رعاية.

أومأت له بتفهم، ثم تساءلت قائلة:

- متى سيتم نقله؟

- يتم التجهيز لنقله الآن؟

- الآن؟ لكن عليَّ الذهاب للمنزل ... لأبدل ثيابي وأحزم القليل من الأمتعة ... لا أدري كم يومًا سنبقى و...

- توقفي ... أنتِ لن تأتي.

- ماذا؟ ماذا تعني بذلك؟

- أوامر السيد جواد.

- لن أسمح لأحد بأن يملي عليَّ المزيد من الأوامر ... يكفي بأنني سمعت توبيخه ليلة أمس.

- احمدي الله بأنه محض توبيخ ... بسببك الجميع سيتعرض للعقاب.

رمقته بغيظ، ولكنه في النهاية محق فكل ما حدث كان بسبب عنادها رغم أنها تعلم بأنها معرضة للخطر، ولكن هذه المرة كان على يد لصين لم تحسب لهما حساب.

هاتفت جواد الذي تأفف متوقعًا سبب مكالمتها هذه.

- ماذا هناك؟

- أريد مرافقة حازم، لماذا طلبت من رجالك ألا أرافقه؟

- عليكِ البقاء مع أمك وأختيكِ.

- إنهن بخير ورجالك معهن، ولكن حازم لا أحد معه.

- ترغبين بمرافقته فقط لأن لا أحد معه؟ إن كان الأمر كذلك فرجالي لن يتركوه، وأنا سأزوره بنفسي بشكل مستمر.

قال ذلك بخبث لترد عليه بالصمت مما جعله يردف متسائلًا:

- هل وصل إلى قرار بشأنك؟

- لا أظنه سيصل ... ربما لا أستحق فرصة أخرى في هذه الحياة، فما بالك بالحب والزواج؟!

- أنتِ مخطئة ... عينيه كانتا ترويان بوضوح مدى عشقه لك.

- ليس بعد أن علم بحقيقتي.

- كنتِ مجبرة وهو سيتفهم ذلك مع الوقت.

- صعب، بل مستحيل.

- لماذا تريدين مرافقته ولا زلتِ تصرين على البقاء بجانبه إذًا؟

- لا يمكنني تركه في ظرف كهذا ... لا أستطيع.

- ما رأيك بالعودة للقاهرة؟

- أفضل البقاء هنا حيث لا يعرفني أحد ... هناك لا بد أن أقابل من يعرفني وأخشى أن يفتضح أمري ... المكان هنا مريح أكثر ... كما أنني أسست عملي وسعيدة به.

- فهمت ... سأخبرهم أن ينتظروكِ ... لكن لن تخرجي من المستشفى مطلقًا، ولن تبتعدي عن الرجال مهما حدث.

- أعدك بذلك ... شكرًا لك ... شكرًا على كل شيء.

نهضت عن المقعد وانتبهت أخيرًا للمعطف الذي كان موضوعًا عليها، فتساءلت قائلة: لمن هذا؟

تنهد ذلك الرجل بضيق وأخذه من بين يديها وقد فهم من كلامها بأن جواد وافق على ذهابها، ليقول بلهجة آمرة تشوبها الحدة: هيا بنا لأوصلكِ بسرعة ... ليس هناك وقت.

استغربت لهجته وحديثه، ولكنها لم تكترث ونهضت لتسير معه.

...............................

أتى يوم الجمعة والحماس والسعادة تدب في قصر عائلة المصري بأكمله ... الرجال ذهبوا إلى المسجد وتركوا النساء برفقة الموظفين والعاملين على تزيين الحديقة من أجل عقد القران.

عاد زين والبقية من المسجد بعد أداء صلاة الجمعة ومن ثم وصلت وتين وعائلتها. توتر جواد وسعادته التي تكاد تقفز من عينيه كانت مصدر حديث الجميع رغم ثباته وبروده الخارجي. لن يشعر بذلك إلا من يعرفه منذ سنوات والذين كانوا بالفعل يشعرون بسعادة لا توصف من أجله.

وصل أوس مع مرام وما أن رآه جواد طلب من أحد رجاله إحضار شيء ما. بعد أن باركا له أطال جواد الحديث معه، وطلب من إحدى العاملات مرافقة مرام إلى غرفة العروس حيث تجتمع الفتيات. أتى رجله بعد لحظات يحمل ظرفًا بنيًا كبيرًا بعض الشيء، فأخذه جواد منه وسلمه لأوس قائلًا: هذه جوازات السفر مع تذاكر الطيران والأوراق اللازمة لكما. سينتظركما رجل في المطار ليأخذكما إلى المنزل الذي تم استئجاره لكما وهو قريب من المستشفى التي ستتلقى فيها العلاج. هناك سيارة وسائق سيكون معكما على مدار الساعة. رحلتكما مساء الغد.

ابتسم أوس بألم وقال: لا أعلم كيف أشكرك ... أعلم بأنك لا تطيقني، ولكن ...

قاطعه جواد بسرعة: جيد أنك تعلم واعلم أيضًا أنني لا أفعل ذلك من أجلك ورغم هذا أحاول تقبلك ... الأمر يعتمد على مدى تغيرك ... أعرف ألم الفقدان جيدًا ولا أتمنى أن يذوقه أحد ... مهما كان هذا الشخص وغدًا.

ضحك أوس رغمًا عنه، ثم شكره بامتنان واضح، ليعقب جواد قائلًا: جميعنا نتمنى لها الشفاء وسندعو لها كثيرًا ... ستعودان قريبًا عندما تتخلص من مرضها بشكل نهائي.

حاول أوس التحكم بانفعاله فهو حتى الآن لم يصارحها بشأن مرضها وحقيقة سفرهما، ولا يدري كيف ستكون ردة فعلها حيث هز رأسه قائلًا: بإذن الله.

نزلت العروس وخلفها أمها وصديقاتها حيث كانت ترتدي فستانًا أبيض اللون ورغم بساطته إلا أنه كان أنيقًا للغاية كأنه صنع خصيصًا لها. كل واحدة منهن كانت في قمة أناقتها وخطفت نظر زوجها بفستانها المحتشم وحجابها الذي يزيدها جمالًا.

جلست وتين بجانب والدها حيث يجلس المأذون بينه وبين جواد وعقب وقت قصير انتهى المأذون من إجراءات عقد القران وعلا صوت الزغاريد، ثم شرع الجميع يبارك للعروسين اللذين لم يقتربا من بعضهما حتى اللحظة، فاقترب زين من جواد ودفعه بكتفه بغيظ قائلًا: تحدث معها ... بارك لزوجتك يا رجل.

زوجته! لقد أصبحت زوجته الآن ... إنها نصيبه وحقه وشريكته في هذه الحياة.

التفت لها جواد واقترب قليلًا وإذا بحور تدفعها نحوه حتى باتت بين أحضانه، فضحك الجميع. كان فرق الحجم بينهما ملفت للغاية فهي رغم ارتدائها لحذاء ذو كعب مرتفع إلا أن رأسها بالكاد يصل إلى صدره. ابتسم ما أن رفعت رأسها لتنظر إليه وكذلك هي وإذا به ينحني نحوها يضمها إليه بحذر كأنه يخشى كسرها وهمس لها قائلًا: مبارك علينا يا وتيني وهنيئًا لي على دخولك حياتي.

لاحظ أوس نظرات مرام السعيدة وهي ترى هذا المشهد أمامها والذي حرمت منه هي. تفاجأت به يمسك بيدها ويهمس لها قائلًا: تعالي معي.

مشت برفقته إلى الحديقة الخلفية لتجد طاولة صغيرة مزينة بالورود والشموع وكذلك عبارة "أحبك"، والمسبح أيضًا مزين بالورود والبالونات. استغربت الأمر ونظرت لما حولها باندهاش متسائلة: ما هذا؟ هل هي مفاجأة للعروسين أم ماذا؟

ابتسم أوس وأخذ باقة الورود الموضوع على الطاولة وقدمها لها، لتهتف قائلة: أوس أعدها مكانها ... لا ..

قاطعها بسرعة قائلًا: هذه لكِ ... المفاجأة هذه بأكملها لكِ أنتِ يا حبيبتي.

اتسعت عيناها وأمسكت بباقة الورود، ثم أبعد نقابها عن وجهها، لتقول بقلق:

- ماذا لو أتى أحدهم؟

- لن يأتي أحد ... استأذنتهم أولًا قبل أن أطلب من العاملين تنظيم هذه المفاجأ لكِ ... اطمئني.

ابتسمت مرام وشعرت بالراحة، ثم قربت الورود من أنفها تشتم عبقها. أمسك أوس بيدها يطلب منها الرقص عقب سماعهم لصوت أغنية للعروسين يصدح بالمكان طالبًا منها الرقص معه. أعادت الباقة لمكانها، ثم ضمها إليه يراقصها بهدوء ظاهري، ولكن بداخله بركان يغلي من الخوف والرعب من فكرة فقدانها وحتى مصارحتها بمرضها.

بعد انتهاء الأغنية سحب خاتم الزواج من يدها، فاستغربت الأمر وازدادت دهشتها وهي تراه يركع على ركبته أمامها ويخرج علبة جديدة فيها خاتم زواج ألماسي ويقول بتأثر وعيون دامعة: مرامي وحبيبتي وعشقي الوحيد والأبدي ... هل تقبلين الزواج بي؟ ... هذه المرة دون ضغط أو إكراه ... هلا منحتني الفرصة لأكون لك الزوج الصالح والسند والرفيق والصديق والأب والأخ وكل ما تحتاجينه في هذه الدنيا؟!

تأثرت مرام كثيرًا بكلامه وانسابت دموعها على وجنتيها رغم الابتسامة العذبة المرسومة على شفتيها، ثم هزت رأسها إيجابًا وقالت: موافقة.

ابتسم بسعادة غامرة ووضع الخاتم في يدها وقبلها، ثم نهض وهو يمسح دموعه قبل أن تنساب من عينيه، وضمها لصدره بقوة قائلًا: أحبكِ ... أعشقك يا مرام ... يا أجمل شيء في حياتي.



Continue Reading

You'll Also Like

34.4K 1.3K 33
تبدو لك الحياة أحيانا حزينة بائسة، تظن أنك تحب أحدهم ثم يأتى الزمان يخبرك بمنتهى الخفة أنك لم تكن ذلك الشخص وأن العشق خلق ليكون من أجل شخص أخر.
302K 9.5K 96
رومانسيه هل ينشأ الحب بقلبها مره أخري... ولكن بمن تقع في الحب.. ب زعيم عصابات..
163K 3.7K 19
لماذا كل من احب يبتعد عني لماذا انا دائما سيئة الحظ لقد كرهت كرهت الحب انه من فعل بي هذا وانت لماذا اتيت ايضا هل تريد الموت انا لا اريد الاذيه لإحد...
153K 3.7K 77
دلفا للشقة ليلقى حازم المفاتيح بعصبية يلتف خلفه لكنه لم يجدها دلف الغرفة ليجدها هناك تنزع حجابها لينسدل شعرها اتجه لها يمسك ذراعها المكتنز بقوة آلمته...