الفصل 71 (الحمل والذئب)

249 9 6
                                    

لا تنسوا التصويت بالضغط على النجمة ⭐️

.....................................
أتى اليوم الموعود وتأنقت بملابسها الرسمية وهي تشعر بالحماس والسعادة لمرافقته. ستعود لعملها أخيرًا بعد غياب طويل، ورغم أنها تشعر بأنها نسيت كل شيء عن العمل إلا أنها واثقة من أنها ستتذكر مع الوقت.
أوقف سيارته في المرآب، ثم نظر لها وشعر بتوترها، فأمسك بيدها وقبلها قائلًا: حوري! لا داعي للتوتر يا حبيبتي .. أنا أثق بأنكِ ستتذكرين كل شيء بالتدريج ... حتى استعادة ذكرياتك ليست ذات أهمية ... فكل ما كنتِ تتابعينه معهم قد انتهى وهم الآن شرعوا بمشاريع جديدة ... إما أن تتحدثي مع أوس ليطلعكِ على آخر المشاريع التي يعملون عليها وإما أن تفعلي كما قلتِ سابقًا.
ابتسمت وأومأت موافقة، ثم قالت: سأعقد اجتماعًا معهم، ولكن عندما أكون جاهزة وأحضر ما سأقوله .. لا أريد أن أخطئ بشيء أمامهم.
ابتسم ووضع يده على وجنتها وباغتها بقبلة خطفت أنفاسها، لتتسع عينيها بدهشة وخجل، فضحك على ردة فعلها قائلًا: لا يوجد أحد .. اطمئني.
خرج من السيارة وسارع ليسندها متوجهين نحو المصعد. تعمد زين تغيير الكثير من أثاث ذلك الطابق؛ فهو لا يريدها أن تتذكر حادثة تسممها كما أنه كره أن تجلس في المكتب الذي مكث فيه أوس عقب كل ما عرفه عنه وما فعله، لذا قام بتغيير أثاث غرفة مكتبها بأكمله.
استغرب عدم وجود ليان، ولكنه لم يعقب وأوصل حور إلى مكتبها قائلًا: ها هو مكتبكِ حبيبتي.
شعرت حور بأنها تراه لأول مرة، ولكنه في الوقت ذاته مألوف نوعًا ما وقد راقها الأثاث والألوان، لتبتسم قائلة: إنه حقًا مكتب مديرة!
ابتسم زين وهو يحدق بقسمات وجهها قائلًا: أجمل مديرة في العالم بأسره .. سأتركك لأرى أين يتسكع السيد زيد وزوجته حتى الآن .. لدينا اجتماع بعد نصف ساعة ولا أدري أين هما.
أمسكت حور بيده وابتسمت بلطف قائلة: لا بأس ... هذه أول مرة يذهبان ليروحا عن أنفسهما في مكان ما بعيدًا عن المنزل ... لا بد من أنهما تعبا من ضغط العمل ومن حقهما أن يبتعدا قليلًا ليمضيا وقتًا خاصًا ... لا تنسَ بأنهما تحملا ضغط العمل في غيابنا وانشغالك بمرضي.
طوق خصرها بذراعه ووضع يده على وجنتها قائلًا: لم أعد أجد كلمات تصف لكِ حبي يا حور .. كيف يسعكِ فعل هذا بقلبي؟!
ابتسمت حور قائلة بحب: أنت تفعل أكثر من ذلك بقلبي ودقاته الصاخبة الآن تشهد.
......................................
كان يقود سيارته بهدوء في حين كانت هي متوترة وقلقة بسبب تأخرهما وتنظر لساعتها باستمرار، ليقول مطمئنًا: اهدئي حبيبتي ... سنصل على موعد الاجتماع.
قوست ليان شفتيها باستياء: هذه أول مرة أتأخر بهذا الشكل عن العمل ... كان يجب أن نخرج مبكرًا.
تنهد زيد بضيق: خرجنا مبكرًا، ولكن هناك أزمة مرورية ... ماذا أفعل؟!
التفتت ليان نحوه وقالت بندم: آسفة ... لم أقصد وضع اللوم عليك ... أنا فقط متوترة وأكره التأخر عن عملي ... هل سيغضب زين؟
أمسك زيد بيدها قائلًا: لا عليكِ ... لن يغضب اطمئني ... حتى لو تأخرنا يسعه تأجيل الاجتماع لنصف ساعة ريثما نصل ... ليس بالأمر الجل؛ل فهو اجتماع للمهندسين في الشركة.
نظرت أمامها محاولة الشعور ببعض الراحة وهي ترجو أن يصلا قبل موعد الاجتماع وإذا به يبتسم ويغمزها قائلًا: دعكِ من كل هذا وأخبريني إن كنتِ سعيدة في هذين اليومين.
التفتت له ليان وقالت بحنق مصطنع: أعلم إلى أين سيقودنا هذا الحديث، لذا احترم نفسك.
ضحك زيد، ثم عقب قائلًا: حسنًا، سأحترم نفسي لأننا ما زلنا في السيارة، لكن عندما تدخلين مكتبي لن أكون بهذا الاحترام.
رمقته بغيظ من بروده ومما يفكر فيه في حين أنها مرتبكة وقلقة بسبب تأخرهما.
...............................
جلست على مكتبها تقلب الملفات في حاسوبها بعد أن تذكرت كلمة السر خاصته بعد محاولات معدودة. شرعت تدون الملاحظات وتستذكر تلك الخطة التي كانت وضعتها لتطوير عمل شركة البرمجة بعد أن وجدت الملف الذي أعدته بنفسها.
سمعت صوت طرقات على باب مكتبها، فأذنت بالدخول، لتجد وتين تطل عليها بابتسامتها العذبة وهي تحمل باقة من الورود قائلة بمرح: لا أصدق بأنكِ عدتِ أخيرًا ... رغم أنني أعلم بأنكِ ستأتين اليوم إلا أنني خشيت أن تغيري رأيكِ.
همت حور بالنهوض، فأسرعت لها وتين قائلة: ابقي مكانكِ .. لا تنهضي.
سارعت وتين بعناقها معبرة عن سعادتها بعودتها، ثم منحتها باقة الزهور، فشكرتها حور بامتنان وسعادة قائلة: شكرًا لكِ يا وتين .. إنها جميلة للغاية.
جلست كلتاهما قليلًا تتبادلان الحديث بشأن تطورات العمل، ثم عقبت وتين بإحباط:
- السيد أوس ذكي وماهر في عمله كما أنه عادل في التعامل ويفصل الأمور الشخصية عن المهنية، لكن ...
- لكن ماذا؟
- لا أجده مريحًا في التعامل بعد ما عرفناه عنه ... أدرك بأن تلك حياته الشخصية ولا شأن لنا بها، ولكن يبقى لدينا ذلك الخوف من أنه قد يتجاوز الحدود معنا أو شيء من هذا القبيل.
- لو كان من هذا النوع يا وتين لما تركه زين هنا ... لو كان يشكل خطرًا على أي موظفة هنا لما سمح له بالبقاء حتى لو كان شقيقه ... اطمئني.
- حسنًا، ولكن لا زال التعامل معه ليس مريحًا ... أنا ومرام وسلمى .. حاولي ألا تدعيه مسؤولًا عن قسم التصميم ... من فضلك يا حور.
- لا تقلقي .. عما قريب سأبدأ بخطة التطوير وسأشغله بها بما أنه مجاله وهو بارع فيه .. في الوقت الحالي سأعقد اجتماعًا لأعلم ما حدث في غيابي .. سيكون هناك خطوات جدية وتغييرات جذرية.
- أنا حقًا سعيدة بعودتك ومتحمسة للعمل معكِ من جديد.
.............................
عادت وتين لمكتبها لتنشر الخبر السعيد بين زميلتيها مرام وسلمى، لتقول مرام في نفسها: أخيرًا سأتخلص من ذلك المعتوه.
قطع حديثهم دخول أوس حيث وقف في المنتصف بين مكاتبهن الثلاثة ورفع هاتفه يديره نحو ثلاثتهن ويده الأخرى في جيبه متسائلًا ببرود وجدية: من التي صممت هذا؟
استغربت ثلاثتهن الأمر، لتجيب مرام: أنا صممته .. ما المشكلة؟
بالكاد استطاع إخفاء سعادته لكونه وجد شيئًا يمكنه من الحديث معها والجلوس معها. هتف بجمود وهو يعيد وضع هاتفه بجيبه قائلًا: اتبعيني.
خرج متوجهًا لمكتبه تاركًا الحيرة مرسومة على وجوه الفتيات الثلاثة، ثم هتفت سلمى قائلة: التصميم جميل ومميز ... لا أفهم ما المشكلة.
ردت وتين مطمئنة: مرام! لا تقلقي ... إن كان يحاول افتعال مشكلة وحسب سنخبر حور على الفور .. تصميمك هذا .. بل جميع ما تصممينه لا تشوبه شائبة .. ثقي بذلك.
هزت مرام رأسها ونهضت من مكانها متوجهة إلى مكتب أوس. جلست أمامه بثقة وهي تحث نفسها لترد عليه في حال حاول انتقاد عملها؛ فهي واثقة من مهاراتها وقدراتها بهذا الشأن، ولا يسعه انتقاد عملها مطلقًا. وضعت ساقًا فوق أخرى وبدا علها الارتياح بجلستها، لكنها لم تكن تنظر إليه، فابتسم خلسة وهو يرى قوتها وثقتها بنفسها عندما بات الأمر يتعلق بعملها.
- ما خطب تصميمي؟
- لمَ أنتِ متعجلة؟ حديثنا سيطول بعض الشيء، لذا طلبت القهوة.
- لا أريد شرب شيء ... أخبرني ما الأمر كي أعود لعملي.
ابتسم أوس بتسلية وقال متصنعًا التعب والألم: لا يسعني الحديث الآن فرأسي يؤلمني بشدة ... أحتاج بشدة لفنجان القهوة.
تأففت مرام بصوت مسموع وقاطعت ذراعيها أسفل صدرها غافلة عن عينيه الخبيرتين اللتين ترصدانها وقد تركزت نظراته على صدرها الذي برز بحركتها تلك، ليبتسم بخبث ويعض على شفته السفلى. كم يود لو يتفحص منحنيات جسدها بشكل أفضل، ولكن ثيابها الفضفاضة تحرمه من هذه المتعة.
أسند رأسه على يده وتساءل بمكر محاولًا استفزازها لتنظر إليه: لمَ ترتدين هذا الذي يسمى نقاب؟
نظرت له للحظات ورمقته بنظرات حادة، ثم أبعدتها قائلة: لا أظن بأن علاقتنا تسمح بأن أناقشك بشأن قناعاتي وارتدائي للنقاب.
أكمل بأسلوب مستفز: هل تحسبين بأنك جميلة لدرجة أن تكوني فتنة للرجال؟!
ضيقت عينيها وابتسمت بغضب من أسفل نقابها وردت بنفس النبرة المستفزة: سواء كنت جميلة أو قبيحة فهذا ليس من شأنك ... لا تشغل نفسك بأمري فأنت لن ترى وجهي أبدًا.
ابتسم أوس بتهكم قائلًا: أبدًا؟! ما هذه الثقة؟!
أخذت مرام نفسًا عميقًا قائلة: لست أحد محارمي وبالطبع لست ولن تكون أبدًا زوجي، لذا لا يمكنك رؤية وجهي ... بالتالي احتفظ بفضولك لنفسك.
ضحك أوس، ثم قال: ليس شرطًا أن أكون شيئًا من هذا لأرى وجهكِ ... ربما أراه صدفة مثلًا أو ...
قاطعته مرام بنفاذ صبر قائلة: لمَ لا تخبرني ما خطب التصميم قبل أن أفقد صبري؟!
رفع حاجبيه وقال باستنكار: تفقدين صبرك؟! أنتِ تتحدثين مع مديرك في حال نسيتِ؟
عقبت مرام بحدة: ومديري يتدخل بشؤوني الشخصية، وأنا لا أريده أن يتخطى حدوده كي لا أغضب.
وضع أوس يديه على مكتبه وابتسم مستمتعًا باستفزازها وهو يتساءل: وماذا سيحدث إن غضبتِ؟
ابتسمت مرام بغضب: سترى وجهًا لم تره في حياتك ... صدقني لا أحد يحتمل نوبة غضبي.
ضحك أوس بصخب، ثم قال ساخرًا: أنا لم أرَ وجهكِ الأول حتى أرى الوجه الآخر.
أحكمت مرام قبضتيها بغضب، ليقول بتهكم: هل ستتحولين أم ماذا؟
حاولت مرام كبت غضبها، ثم قالت: أنت تحب استفزازي لتسخر مني، أليس كذلك؟
بقي يرمقها بنظرات عابثة حتى قاطعهما الموظف الذي دخل ليقدم لهما القهوة في حين أنه كان يتساءل في نفسه كيف عساه يخبرها بأنه لا يود السخرية منها، بل يعجبه استفزازها ليطيل الحديث معها وحسب.
ارتشف القهوة، ثم قال بجدية: لقد تلقيت بريدًا إلكترونيًا من شركة رأت هذه التصاميم حيث سألوا الشركة التي نفذنا لهم التصاميم ليعلموا من نفذها ومن ثم تواصلوا معنا. عبروا عن إعجابهم بها وقالوا بأنهم يريدون تنفيذ حملة إعلانية ضخمة بشرط أن ينفذها المصمم نفسه. أنا ليس لدي خلفية بشأن الحملات الإعلانية هذه وما تحتاجه من تصاميم ولا حتى الأسعار هنا، لذا أردت سؤالكِ لأعلم إن كان لديكِ القدرة على تنفيذ طلباتهم. اقتربي لتري ما أرسلوه.
شعرت مرام بالتردد؛ فهي لا تريد النهوض والاقتراب منه، وبالكاد تحتمل مكوثها معه في المكتب ذاته، ليقول بضيق: لن ألتهمكِ إن وقفتِ بجانبي.
شعرت مرام بالغيظ واستاءت من فكرة أن يظنها خائفة منه، فنهضت من مكانها ودارت حول مكتبه حتى باتت تقف بجانبه، ولكنها أبقت مسافة كافية بينهما. تحدث كلاهما عن المتطلبات المكتوبة وهما ينظران للشاشة وقد تصنع الجهل كي تشرح له بالتفصيل الممل ويطول الحديث بينهما وكلاهما غافل عن تلك التي ترمقهم بنظرات خبيثة حاقدة.
.....................................
حان موعد الغداء وتفاجأت حور بدخول ليان وهي تحمل بعض الأكياس بيديها وتقول مبتهجة: وصل الطعام.
دخل خلفها "معتز" يحمل المزيد من الأكياس حيث وضعها على طاولة هناك واستأذن بالخروج. بدأت حور بمساعدة ليان في وضع الطعام على الطاولة، لتتساءل باستغراب: هذا طعام منزلي، أليس كذلك؟
ارتبكت ليان للحظات، ثم ابتسمت وأكملت ما تقوم به قائلة: أجل، لقد سئمنا من الوجبات الجاهزة وأكل المطاعم، لذا خالتي ترسل لنا طعام الغداء كل يوم مع أحدهم.
لحظات ودخل الأخوة الثلاثة وكان يزيد يمسك بجواد الذي بدا على وجهه الضيق، ليقول يزيد بمرح: هل ستتركني وحدي؟! كل منهما سيأكل مع زوجته.
رمقه جواد بغيظ قائلًا: وهل أنا بديل لزوجتك أم ماذا؟!
ضحكت حور وليان بصمت في حين تساءل زين بحيرة: هل أدعو أوس؟
رد زيد بضيق: لا ... لمَ عساكَ تدعوه؟!
تنهد زين وأجاب قائلًا: ليتعرف إلى حور .. ولنتحدث بشأن العمل بعد الغداء.
عقبت حور قائلة: كنت سأطلب منك القدوم قبل لقائي به .. سيكون من الجيد إن قابلته في حضوركم.
تأفف زيد، فأمسكت ليان بيده وهمست له قائلة: لا بأس، لا يعقل أن نتجنبه للأبد. لا بد من أنه أدرك خطأه عقب ما حدث خاصة بعد تغير طريقة تعاملنا معه.
صمت زيد ولم يعقب، فخرج زين ودعا أوس لتناول الغداء معهم وللتعرف إلى حور، فوافق ورافقه. دخل ملقيًا التحية بابتسامته الجذابة المعهودة وهم بمد يده ليصافح حور، فسارع زين بالقول: حور لا تصافح الرجال.
رد أوس دون اكتراث وهو يجلس على مقعده: حسنًا.
شرعوا بتناول الطعام، ليعقب أوس بهدوء وهو ينظر لزين وزيد: هل أنتما من فرضتما على زوجتيكما موضوع عدم المصافحة هذا؟ بسبب الغيرة أم ماذا؟
صك زيد أسنانه بغيظ وقبل أن يجيب كانت حور قد أجابت قائلة: لم يفرض أحد عليَّ شيئَا يا سيد أوس ... الأمر يعود لمدى التزام الشخص بدينه وحسب ولا علاقة للغيرة بالأمر ... زين كان يصافح النساء، ولكنني نبهته للأمر من البداية ولم يعد يفعل ذلك.
عقبت ليان قائلة: وأنا كذلك الأمر ... منذ التزامي بالحجاب وتعمقي أكثر بالأمور الدينية بدأت أعرف حدودي وواجباتي وما إلى ذلك ... الأمر لا علاقة له بزواجي.
قلب أوس شفتيه ببرود غير مكترث لما تفوهن به، ثم تساءل قائلًا: بما أن السيدة حور عادت، فهل هذا يعني نهاية عملي؟ إن كان الأمر كذلك فأخبروني كي أرتب أموري.
ابتسمت حور بهدوء قائلة: بالطبع لا ... سيكون لك الدور الأكبر في خطة تطوير العمل القادمة .. سنتحدث بالتفاصيل بعد الغداء في حال كنت متفرغًا.
هز رأسه بالموافقة وهو يتناول طعامه وبعد انتهاء الغداء أعطى زين الدواء لحور مع كوب من الماء قائلًا: لدينا موعد الأسبوع القادم لتقومي ببعض التحاليل والفحوصات.
أومأت له بالموافقة، ثم أمسك بيدها حتى عادت للجلوس خلف مكتبها وأوصلت حاسوبها بالشاشة المعلقة على الحائط، وطلبت من زين وأوس الجلوس عقب خروج البقية، وشرعت تشرح خطتها حتى ختمت كلامها قائلة: أعلم بأن موضوع المدن الذكية ربما ليس رائجًا ويكلف الكثير، ولكن مشروع كهذا سيستهدف الطبقة المخملية التي تميل لكل ما يوفر الراحة والرفاهية والذين يرغبون بكل ما هو جديد وعصري. سنحتاج إلى خبراء وتقنيون في هذا المجال وهنا يأتي دور السيد أوس. نريد تحضير دراسة كاملة مع تصاميم مميزة وتقنيات جديدة حتى في أبسط الأمور كما نود تطوير نظام خاص بنا من أجل الحماية، والصيانة، ومتابعة كل ما يتعلق بالمدينة الذكية، ويكون هناك تطبيق لسكان المدينة الذكية يخولهم من الاطمئنان على عائلتهم وحتى حيواناتهم الأليفة، والوصول إلى كاميرات المراقبة العامة في المدينة وكذلك تحديد موقع أفراد عائلتهم. يمكننا مناقشة تفاصيل التطبيق وهذه الميزات باستفاضة لاحقًا من أجل مراعاة الخصوصية وما إلى ذلك.
همهم أوس وقال بإعجاب: الفكرة رائعة بالطبع، ولكنها ستكون مكلفة ... أحتاج لبعض الوقت من أجل تأمين التقنيات والخبراء وما إلى ذلك ... لكن هل بوسع زين تأمين مستثمر لمدينة كهذه؟ ... هل ستجد من يهتم بمشروع كهذا؟
ابتسم زين بثقة قائلًا: سأجد بالطبع ... لكن المهم أن تعمل بجد لتأمين كل ما طلبته حور كي نتمكن من إجراء دراسة جدوى للمشروع.
بعد انتهاء حديثهم أعلن أوس للموظفين بأن هناك اجتماعًا بناءً على طلب حور حيث اصطحبها زين إلى غرفة الاجتماعات وأجلسها إلى رأس الطاولة، ثم قبل يدها، لتقول:
- ألا يمكنك البقاء وحضور الاجتماع؟
- يمكنني البقاء إن شئتِ، لكن لا أود أن يفسر أحدهم بقائي بشكل خاطئ.
- ماذا تعني؟
- ربما يقولوا بأنني أتخذ وضع المراقب أو شيئًا من هذا القبيل ... أريدهم أن يفهموا بأنكِ مديرتهم والتي تمسك زمام الأمور.
- تريد أن تحفظ هيبتي كمديرة أمامهم.
- تمامًا.
ضحكت حور، ثم رمقته بنظرات مليئة بالحب والامتنان، ليقاطعها هو بابتسامة عذبة قائلًا: لو تعلمين كم أنا سعيد بعودتك يا حوري ... الحمد لله الذي منَّ علينا بشفائك يا حبيبتي.
رددت حور كلمات الحمد، ثم عانقها بحب، ليقاطعهما طرقات على الباب، فابتعد عنها، ثم دخل أوس قائلًا: سيأتون بعد لحظات.
انحنى زين باتجاه حور وقبل جبينها قائلًا بصوت منخفض: عندما تنتهين من الاجتماع سآتي لأعيدك إلى مكتبك.
أومأت له حور موافقة بابتسامة عذبة، ليقول أوس ممازحًا: كمية الحب والعاطفة هذه كثيرة على قلبي.
نظر له زين قائلًا: سيأتي يوم وتقع في الحب، وسنسخر منك حتى نكتفي حينها.
ابتسم أوس ببرود قائلًا: لست مجنونًا لأقع في الحب ... لمَ أحب امرأة وأقضي بقية حياتي معها؟! هذا ممل جدًا ... لا أتخيل نفسي مع امرأة واحدة لأسابيع، فما بالك بسنوات؟!
تنهد زين بيأس من تفكير هذا الوقح العنيد في حين رفعت حور حاجبيها باستغراب واستنكار من كلامه، ولكنها لم تعقب. خرج زين وأبقى باب غرفة الاجتماعات مفتوحًا، فارتسمت ابتسامة جانبية متهكمة على ثغر أوس، ولكنه لم يعلق.
تتابع الموظفون بالدخول واتخاذ أماكنهم حول الطاولة حيث جلست وتين ومرام وسلمى على يمين حور وأوس على يسارها. بدأت حور الاجتماع وقالت بأن غيابها كان لأسباب شخصية، لكنها لم توضح الأمر، ثم طلبت من كل منهم تعريف نفسه بما أنهم لم يحظوا باجتماع للتعارف عقب توظيف مرام وسلمى. هذه كانت حجتها، لكنها كانت بحاجة لتذكر أسمائهم، ثم عقبت قائلة: مبدئيًا سنعود لنظامنا السابق في العمل، لذا أريد تقريرًا مفصلًا عن كل ما أنجزتموه في فترة غيابي ... أرسلوا لي التقرير على بريدي الإلكتروني في غضون ساعة ... أريد أن أحيطكم علمًا بأنني سأقوم بتقييم عمل كل شخص هنا لأننا سنبدأ مرحلة جديدة في عملنا وأريد المميزين والمبدعين ... السيد أوس سيكون المسؤول عن خطة التطوير الجديدة وسينشغل بها في الأيام القادمة.
حرصت حور أن تخبرهم بأن أوس سيستلم مهام أخرى أكثر أهمية من متابعة عمل الموظفين كي لا تقلل من شأنه أمامهم وفي الوقت ذاته تخبرهم بأنها هي المسؤولة عن كل شيء، ومن لا يرقى لمعاييرها لن يبقى جزءًا من هذا الفريق الأمر الذي أدخل القلق على قلب أماني وغيرها. من ناحية أخرى هناك من كان مبتهجًا بأن أوس لم يعد مسؤولًا عن عمله كوتين وسلمى أما مرام فقد كان قلبها يتراقص من شدة السعادة، ولولا نقابها لرأى الجميع ابتسامتها، ولكنه كان يدرك ذلك من نظراتها ولمعة السعادة في عينيها التي تخبره بأنها تبتسم الآن مما جعله يتساءل في نفسه: "ألهذه الدرجة تتوق للابتعاد عني وعدم التواصل معي؟!".
عقب انتهاء الاجتماع وخروج الجميع بقي أوس، ليقول موجهًا كلامه لحور: تلقينا عرضًا من أجل حملة إعلانية ضخمة لإحدى الشركات، ويريدون على وجه التحديد أن تقوم بتنفيذها مرام، لذا أود أن أتابع معها هذا المشروع حتى ننتهي منه. لا تقلقي بشأن الأمور الأخرى لأنني سأبدأ بالتواصل مع أصدقائي ومعارفي منذ اليوم.
كان ينتظر إجابتها على أحر من الجمر خاصة وهو يرى الحيرة في عينيها ويبدو بأنها تفكر في الأمر، لتقول أخيرًا: حسنًا، أنا أحتاج لبعض الوقت كي أراجع كل ما أنجزوه في الفترة الماضية ولا أظن بأنني مستعدة بعد لأتابع أمرًا كهذا بهذه السرعة، لكن ...
ازدرد أوس ريقه عندما لاحظ نبرة التحذير في كلمتها الأخيرة، لتردف قائلة: إن أتت مرام واعترضت على ذلك فلن أجبرها.
ابتسم أوس وأومأ لها بالموافقة، ثم خرج مسرعًا مما جعل حور تتساءل إن كان يفعل ذلك ليضايق مرام فقد أخبرتها ليان وكذلك وتين بشأن أوس.
......................................
مضت أيام ولم تعد زينة للشركة، فطلب زين من ليان أن تهاتفها وتعرف قرارها والذي كان بأنها ترغب بترك العمل ولن تعود مجددًا، فتفهمت ليان الأمر وطلبت منها أن تأتي لتقدم استقالتها وتأخذ مستحقاتها المالية.
دخلت ليان إلى مكتب زين وأبلغته بما حدث، فرد قائلًا: حسنًا، أبلغي يزيد وهو سيتصرف بهذا الأمر.
......................................
حالتها تسوء أكثر يومًا بعد يوم ورغم أنها تشعر بأنه يأتي لرؤيتها أثناء نومها، وتستنشق رائحة عطره في الغرفة إلا أنها لم تره، بل يترك لها الرسائل مع الخادمات.
دخلت إحدى الخادمات لغرفتها تحمل لها الطعام كالعادة، لكنها وجدتها في حالة سيئة للغاية مما جعلها تشعر بالقلق وتهاتف جاسر على الفور لتخبره. بعد نحو عشرين دقيقة كان جاسر قد دخل المنزل كالعاصفة ومعه الطبيبة التي هرولت خلفه تحاول التقاط أنفاسها ووجهها شاحب بسبب ذعرها من سرعته الجنونية أثناء القيادة.
كانت كارمن تبكي وتتألم بصمت على غير عادتها حتى عندما رأته يدخل رمقته بنظرات مليئة بالمشاعر المختلطة ما بين شوق، وغضب، ولوم. لم يتحدث ولم يقترب منها، بل ترك الطبيبة تقوم بعملها، ولكن قلقه كان واضحًا عليها.
انتهت الطبيبة من فحصها قائلة: ضغط دمها مرتفع جدًا ... أفضل أن نقوم بنقلها للمستشفى لتبقى يومين تحت المراقبة ولنطمئن على الجنين.
أومأ جاسر لها موافقًا واقترب من كارمن ليحملها، فأولت ظهرها لهما قائلة بحدة: لن أذهب لأي مكان ... اخرجا واتركاني وشأني.
همت الطبيبة بالخروج، فهتف جاسر بحنق وهو يحدق بكارمن: انتظريني في السيارة ... سأحضرها وآتي.
خرجت الطبيبة وتركت كارمن تصرخ بغضب: قلت لن أذهب لأي مكان ... ألا تفهم؟!
صرخ جاسر باسم إحدى الخادمات، فدخلت مهرولة، ليقول من بين أسنانه: حضري حقيبة صغيرة للسيدة كارمن وضعي فيها ملابس مريحة لأنها ستبقى يومين في المستشفى.
هرولت الخادمة إلى غرفة الملابس لتنفذ أمره بينما كانت كارمن ترمقه بحدة وعندما اقترب ليحملها بدأت تضربه بقبضتها على صدره بضربات واهنة ودموعها تنهمر على وجنتيها قائلة: أنا أكرهك .. طلقني .. دعني وشأني.
حاولت الابتعاد عنه ومقاومته كي لا يحملها، فصرخ بوجهها بنبرة جعلت جسدها يرتعد: اخرسي ولا تتحركي.
سكنت وهي تبكي بقهر، فماذا عساها تفعل مع مجنون كهذا لن يثنيه شيء ولا يمكن أن يقف بوجهه أحد؟!
حملها بين ذراعيه وهبط الدرج وهي تبكي بصمت وتتعذب من قربه المهلك؛ فقد اشتاقت له إلى حد الجنون ورغم ذلك تود ضربه ورؤيته يتألم مثلها وأكثر.
أدخلها السيارة وحاولت كبت دموعها كي لا تهين نفسها أمام الغرباء أكثر من ذلك؛ فهي لن تدعه يحطم كبرياءها أمام الناس. تحجرت الدموع في عينيها وهي تنظر للطريق من نافذة السيارة غافلة عن ذلك الذي عذابه لا يقل عنها، بل بداخله نار مستعرة لو أطلق سراحها لأحرقت الجميع.
................................
أنهى المكالمة وهو يبتسم بخبث، ثم خرج من مكتبه متوجهًا لمكتب المصممات الثلاث يرمقهن بغرور وبرود قائلًا: آنسة مرام! العميل صاحب الحملة الإعلانية يود مقابلتنا ... استعدي لنغادر في غضون عشرة دقائق.
اتسعت عيناها، لتقول باندهاش: نغادر؟! إلى أين؟
كتم ابتسامته وأجابها بعدم اكتراث: اللقاء سيكون في مطعم قريب.
عقدت حاجبيها، ثم هتفت متسائلة: لم لا يأتي إلى هنا؟
أجاب أوس بضيق مصطنع: هذا ما طلبه لأن لا شيء رسمي حتى الآن ... يريد فقط أن يشرح لك عن الحملة ويرى ماذا لديك من أفكار وإن راقه الأمر سنتفق على التنفيذ.
امتعضت ملامحها وشعرت بالتردد، وتساءلت للحظات هل ترفض الأمر برمته أم ماذا؛ فهي لا تود الذهاب معه لأي مكان، لكنه خرج ولم يمنحها فرصة الاعتراض، لتقول وتين: مرام! ألا ترغبين بالذهاب أم ماذا؟
ردت مرام بضيق: لا أدري ماذا أفعل ... لا أشعر بالراحة بالتواجد مع هذا الشخص ... كيف لي أن أرافقه لمكان في الخارج؟!
نهضت وتين من مكانها وربتت على كتفها قائلة: لا عليكِ ... هذا جزء من العمل ولن تكونا وحدكما ... إن حدث وضايقكِ هاتفيني على الفور وسأبلغ حور ... ولا أظن بأنه سيجرؤ على ذلك ... اطمئني.
تأففت مرام بضيق، ثم بدأت بجمع حاجياتها لتستعد للمغادرة معه. خرجت برفقته وهي ترمقه بانزعاج وتحاول ألا تقترب منه، ولكن هذا لم يمنع أماني من أن تهتف قائلة لتسمع زملاءها: من الواضح بأن قسم التصميم هنا هو الأهم ... لا أدري هل هي شركة برمجة أم تصميم وحسب؟! ... يا لحظهن!
هم بالفعل يلاحظون اهتمام أوس وذهابه كثيرًا إلى مكتبهن، ومع سمعته التي تتناقلها الألسن وسماعهم لهذا الحديث تزايدت شكوكهم بوجود شيء مريب بينه وبين إحدى أولئك الثلاثة.
هم أوس بفتح باب سيارته، فوجدها تقف بحيرة، ليتساءل بضيق: هل تحتاجين لدعوة أم ماذا؟ هيا كي لا نتأخر.
هتفت مرام قائلة: سأذهب بسيارة أجرة ... أعطني العنوان وحسب.
رمقها بغيظ واقترب منها قائلًا من بين أسنانه: كفاكِ سخافة ... هل سأخطفكِ أم ماذا؟ ... ماذا تحسبين نفسكِ؟! هل تعتقدين بأنني سأحاول التقرب منكِ يا هذه؟! ... ملكات جمال وعارضات أزياء يتهافتن ليقضين ليلة معي، فمن تكونين أنتِ لأنظر إليكِ حتى؟! آه عذرًا ... لا يوجد شيء لأنظر إليه من الأساس.
احتدت نظراتها من إهانته لها ولأنوثتها، لتقول من بين أسنانها: لست تافهة ولا بلا أخلاق كي أنظر لتافه وقح مغرور مثلك ... أمثالك لا يستحقون نظرة مني حتى لأنني ثمينة للغاية وأمثالك لا يمكنهم الحصول علي، ولا يسعهم حتى النظر لي.
رمقها بنظرات لم تستطع تفسيرها وبقي صامتًا للحظات، ثم قال: كفاكِ كلامًا فارغًا ... هيا بنا لنذهب كي لا نتأخر ... هذا ليس لائقًا.
دخلت سيارته ومن شدة غيظها منه أغلقت الباب بقوة، فالتفت لها قائلًا بنبرة حادة بعض الشيء: لمَ تفرغين غضبكِ ببابِ سيارتي؟ ما ذنبه؟
رمقته ببرود وأشاحت بوجهها نحو النافذة وقد قاطعت ذراعيها أسفل صدرها، ولكن هذا جعلها تدرك بأن للسيد أوس نقطة ضعف وهي سيارته الثمينة التي يبدو بأنها جديدة ومهووس بنظافتها.
انتهى اللقاء وسط إعجاب وإشادة العميل بمرام وأفكارها في حين رمقها أوس بنظرة خاطفة وعلى شفتيه ابتسامة إعجاب بهذه الفتاة التي يكتشف بها جوانب مختلفة مع الوقت. نظرت مرام للساعة وأدركت بأنه لم يبق هناك وقت كي تعود إلى الشركة لأن الدوام سينتهي قريبًا. همت بالنهوض، ليقول أوس بجمود ونبرة جادة: اجلسي ... لم نتناول الطعام بعد.
هتفت مرام وهي تحمل حقيبتها: لا أريد ... سأغادر بما أنه لم يعد هناك متسع من الوقت كي أعود للشركة.
رمقها بحدة وقال من بين أسنانه: قلت لكِ اجلسي ... هل تريدين أن أصرخ وأمسك بكِ أمام الناس؟! ... اجلسي لنتناول الطعام بهدوء ... لقد سبق وطلبنا الطعام ... ألا تعلمين بأن إهدار الطعام حرام أيتها الملتزمة؟!
قال جملته الأخيرة بسخرية مما جعلها تضع يديها على الطاولة وتميل نحوه قليلًا قائلة بنبرة مستفزة لتغيظه: ألا تعلم بأن أسلوبك الساخر هذا يقلل منك أكثر ويجعلك تبدو أصغر في نظري؟!
تنهدت وجلست قائلة ببرود وهي تضع ساقًا فوق أخرى وتقاطع يديها أسفل صدرها: على أي حال ... سأتناول الطعام فقط لأنني جائعة وكي لا يلقوا به في القمامة؛ فهذا حرام كما قلت ... في الحقيقة تفاجأت بأنك تعرف شيئًا عن الحرام والحلال.
رمقها بغيظ، ولكن في داخله كان سعيدًا لكونها وافقت على تناول الطعام معه. وصل الطعام وكانت تأكل بحذر من أسفل نقابها كي لا يتسخ وهو يرمقها بغيظ وضيق حتى تساءل قائلًا: ألا يمكنكِ رفعه لتأكلي كبقية البشر؟! ما هذا؟!
نظرت له بحدة قائلة: ليس من شأنك ... إن كانت هذه خطتك من البداية فقد باءت بالفشل.
ابتسم أوس بتهكم وأجاب ليغيظها: خطتي؟! ليس وكأنني أتوق لرؤية وجهك المخيف الذي تخفينه خلف هذا القماش.
أمسكت بالسكين تضغط عليها بقوة، فابتسم واقترب منها قائلًا: هل تودين قتلي؟! من الممتع إغاظتك حقًا.
ضحك وتركها تغلي من الغضب .. نعم فهو يتعمد إغاظتها ويود لو أن محاولاته هذه تنجح ويجعلها ترفع نقابها ليرى ملامحها الجميلة التي أسرته منذ الوهلة الأولى، ولكن إن لم تنجح هذه الطريقة سيكون عليه أن يجد طريقة أخرى.
.........................................
يجلس على كرسي بجانب سريرها وينظر لها بشرود وهي تغط بنوم عميق. لقد كانا على خير ما يرام قبل أن يراها تقف أمامه مبتسمة. لا يفهم رغبتها بالظهور أمامه والتحدث معه ولا حتى إغاظتها له. كل ذلك يعني بأنها لا زالت تحمل مشاعرًا تجاهه وهذا يثير جنونه. لو لم يكن كذلك فلمَ تفعل كل هذا؟!
أمسك بهاتفه ونظر للصور التي وصلته من أحد رجاله وهي تقف أمام زين وتتحدث معه مبتسمة وتمد يدها لتصافحه التي يقسم لو أنه صافحها لقطع أيديهما. لولا ثقته بأن زين يكرهها ولا يطيق حتى رؤيتها والذي كان واضحًا من وجهه في الصور لقتله.
نهض من مكانه وانحنى نحوها حتى بات وجهه يقابل وجهها، ليقول من بين أسنانه بصوت منخفض: لماذا؟ أهي رغبتك بالانتقام منه؟! أم بقايا مشاعر تجاهه؟! لماذا لا تتركين أي فرصة لإغاظتهم رغم أنهم لا يهتمون لأمركِ حتى؟! ما الذي تريدينه؟
بدأت كارمن تهمهم وتردد اسم "جاسر"، ليدرك بأنها ترى كابوسًا وتناديه .. إنها تستنجد به هو لا أحد آخر.
وضع يده على وجنتها وأطبق على شفتيها بقبلة قوية تحمل بعض القسوة مما جعلها تستيقظ وتفتح عينيها، لكنها سرعان ما أغمضتها متظاهرة بالنوم. دفن رأسه في عنقها، ليتساءل بحرقة بصوت هامس بالكاد تمكنت من سماعه: لمَ فعلتِ ذلك بي؟ لمَ فعلت هذا بنا؟!
أنهى جملته وخرج من غرفتها مسرعًا تاركًا إياها تتخبط بتساؤل واستغراب عما فعلته ليحدث كل هذا؟ ما الذي أخطأت به وجعله يغضب منها لهذه الدرجة؟!
مرت لحظات حتى اتسعت عيناها وامتلأت بالدموع، لتجيب نفسها قائلة: لقائي بزين .. يا لغبائي!
......................................
انتهيا من تناول الطعام، فنهضت قائلة: سأذهب إلى الحمام ... يمكنك أن تغادر إن شئت فأنا سأذهب للمنزل الآن.
أنهت كلامها وتوجهت إلى الحمام في حين ابتسم هو بخبث وهو يرى هاتفها الموضوع على الطاولة.

عمرُ روحيWhere stories live. Discover now