الفصل ٦٨ (فخ محكم)

224 10 8
                                    

لا تنسوا التصويت 🙏❤️

رواية عمر روحي
بقلم: ميام
الفصل 68 (فخ محكم)
.....................................

أخذ أنفاسًا عميقة محاولًا تهدئة نفسه وضبط انفعاله ليتمكن من أخذ زوجته ومغادرة هذا المكان بعيدًا عن ذلك الوجه الكريه. اقترب بخطوات حاول جعلها هادئة قدر المستطاع وابتسم مناديًا: حوري!
التفتت حور نحوه واتسعت ابتسامتها عندما رأت زين يتقدم نحوها ونهضت من مقعدها بهدوء وإذا به بات أمامها، فعانقها بحب وهو يردف متسائلًا: كيف حالكِ حبيبتي؟ هل استمتعتِ بوقتك؟
شعرت حور بالخجل عند رؤيتها لتلك العيون التي تراقبهما، فدفعته برفق لتفرق هذا العناق قائلة: الحمد لله ... من الجيد تغيير الأجواء بين الحين والآخر ... لكنني تمنيت لو كنت معي.
طوق زين خصرها وهو يتحاشى النظر لتلك التي تجلس وتراقبهما بصمت وهتف قائلًا: هيا بنا حبيبتي ... زيد ويزيد ذهبوا لاصطحاب البقية.
كان على وشك دفعها لتمشي، فأمسكت بيده لتوقفه قائلة: مهلًا ... دعني أعرفك أولًا ... السيدة كارما ... تعارفنا وتبين بأنها تعرف حنان وتعرفكم جميعًا أيضًا.
كانت حور تتحدث وهي تنظر لتلك التي وقفت أمامهما واقتربت منهما بنظرات لم تكن مريحة على الإطلاق في حين كان زين قد أغمض عينيه للحظات وأشاح بوجهه محاولًا التحكم بأعصابه، ولكنه سمع صوتها الذي جعل الدماء تغلي في عروقه وهي تقول بخبثها المعهود: كيف حالك يا زين؟ لم نرَ بعضنا البعض منذ سنوات.
مدت يدها لتصافحه في حين التفت لها زين وحدق بها بنظرات غاضبة، فسارعت حور بمصافحتها قائلة: عذرًا، ولكن زين لا يصافح النساء.
ابتسمت بتهكم قائلة: حقًا؟ منذ متى؟
ابتسم زين بتهكم أيضًا وقال: منذ أن وقعت في عشق هذا الملاك ... التي أعطت لحياتي بأسرها طعمًا ولونًا جميلًا.
تغاضت عما سمعته وعقبت بغيظ: يبدو بأنكما لم تحظيا بأطفال بعد ... ألديكما مشكلات في الإنجاب أو ما شابه؟
قالتها وهي تمرر يدها على بطنها لعلها تثير غيظه وتدوس على الجرح الغائر الذي تركته له في حين استغربت حور طريقة حديثها التي تغيرت تمامًا عقب ظهور زين أما زين فقد أجابها: لا أظن بأن لديك صفة تخولك من طرح سؤال كهذا علينا.
التفت نحو حور وأردف قائلًا: هيا بنا حبيبتي ... بات الجو خانقًا هنا.
طوق زين خصر حور وأمسك بيدها ليسندها أثناء سيرها، فهتفت الأخرى: سأراك قريبًا يا حور.
رد زين دون أن ينظر لها: لن يحدث ذلك أبدًا.
استغربت حور هذا العداء الغريب، ولكنها آثرت الصمت حتى تتمكن من سؤاله في الوقت المناسب. ساعد زين حور على الجلوس في المقعد الأمامي في سيارته ومعهما ميار التي همت بالركوب في المقعد الخلفي، فأوقفها زين وقال بحنق بصوت منخفض: اركبي مع الحرس ... سأحاسبكِ لاحقًا.
ارتبكت ميار وهي لا تدري ما الخطأ الذي فعلته، ولكن رغم ذلك نفذت الأمر على الفور. انطلق زين بالسيارة وحور تلاحظ اشتعاله وغضبه العارم، وترددت في سؤاله خشية أن يزداد غضبه أكثر. شعرت بأنها ارتكبت خطأ ما بسبب ذاكرتها المفقودة، وبأن هذه المرأة استغلت ذلك لتضايقه. دمعت عيناها رغمًا عنها وبدأت دموعها تنهمر بصمت لشعورها بالضعف والقهر من هذا الموقف الذي وضعت فيه نفسها وزوجها. لاحظ زين دموعها، فأوقف سيارته على جانب الطريق وتساءل بقلق: ما بكِ يا حبيبتي؟ هل تتألمين أم ماذا؟
تعالت شهقاتها وهي تقول بصوت متقطع: أنا لا أعرف من تكون هذه المرأة ... ربما نسيتها وهي استغلت الأمر لتضايقك ... لم أكن أعلم بذلك ... بدت لي لطيفة للغاية وكنا نتحدث ... لكن بعد قدومك تغيرت فجأة ... وضعتك في موقف محرج.
ضمها زين لصدره محاولًا تهدئتها في حين همست هي بقهر: آسفة.
قال زين بسرعة: لا ... لا تعتذري يا حبيبتي ... أنتِ لم تقابليها من قبل ... وهي كذبت بشأن اسمها ... هذه المرأة هي كارمن يا حور ... أنا من عليه أن يعتذر لأنني لم أدقق في أمر عضوية النادي وكونها واحدة منهم ... آسف لجعلك تمرين بموقف كهذا يا حبيبتي.
بكت لبعض الوقت بين ذراعيه حتى هدأت، ثم اعتراها الغضب وقالت بحنق: يعني بأن تلك الماكرة خدعتني فقط لتقابلك وتزعجك؟! أرادت أن تريك بأنها حامل الآن لتغيظك فقط؟!
أمسك زين بذقن حور وابتسم لها قائلًا: هي لا تهمني بمقدار ذرة يا حوري، ولا يمكنها إغاظتي بشيء ... أنا فقط لا أريدها أن تقترب منكِ أو تؤذيكِ ولو بكلمة.
أمسكت حور بيده قائلة: لا يمكن لأحد أن يؤذيني وأنت معي ... ها قد عرفتها الآن ولن يكون بوسعها فعل شيء بعد ذلك.
نظر زين أمامه وقال بحزم: لا داعي لذلك ... لن تعودي لهذا النادي بعد اليوم ... وسأطرد هذه المرافقة الحمقاء.
اتسعت عينا حور وقالت باستنكار: زين! ما ذنبها لتطردها؟!
لم يجبها، بل انطلق بسيارته قاصدًا المنزل في حين هتفت هي بعناد: لن تطردها يا زين ... هي لم تخطئ بشيء ... إن فعلت ذلك فلن أتحدث معك.
قاطعت ذراعيها أسفل صدرها وأشاحت بوجهها نحو النافذة بغضب في حين استغرب هو ردة فعلها؛ فهذه أول مرة تعانده بهذه الطريقة وتهدده بأنها لن تتحدث معه. لاحظت حور صمته ونظراته الغاضبة، ولكنها تمسكت بموقفها؛ فهي لا تريد أن تظلم تلك الفتاة التي بالتأكيد لم تعرف هوية كارمن مثلها تمامًا، ولا يعقل بأن يطردها منذ أول يوم لها في العمل.
وصلوا جميعًا إلى المنزل مبتهجين وسعداء عدا زين وحور، فتساءلت حنان: ما بكما؟ لمَ أنتما عابسين هكذا؟
رد عليها زين وأخبرهم بما حدث قاصدًا جعل حنان وليان تشعران بالذنب لترك حور جالسة وحدها، ولكن بشكل غير مباشر مما أتاح الفرصة لكارمن باستغلال الوضع. اقتربت أم يزيد محاولة تهدئته قائلة: يا بني! من كان ليعلم بأن تلك البغيضة قد تقدم على فعل كهذا؟! كما أنه لا ذنب لزوجتك بما حدث ... حور لا تعرفها يا بني ولم ترها من قبل.
رد زين وهو يحاول التحلي بالهدوء: ومن قال بأنني ألوم حور يا أمي؟! أنا ألوم تلك المرافقة الحمقاء التي تسمح لأي كان بالاقتراب منها رغم أنني حذرتها بأن تنتبه لكل شيء يخصها حتى طعامها وشرابها ... ومنذ أول مرة تخرج فيها يحدث شيء كهذا.
رمقته حور بحدة ومشت بخطوات بطيئة وهي تتكئ على الأثاث من حولها لتصل إلى المصعد، فتنهد زين وتبعها في حين قالت ليان بأسف: لم يكن ينبغي أن نتركها وحدها.
تأففت حنان وقالت: لمَ يضخم الأمر؟! حور ليست طفلة صغيرة، وحركات كارمن الطفولية لإغاظتنا لا تجدي نفعًا ... كما أنه لا يعقل أن نبقى جالسين معها ... أنا لست جليسة أطفال وبالكاد أحتمل الاعتناء بطفلي.
أكلمت كلماتها وهي تذهب متوجهة لجناحها متذمرة من غضب زين وما قاله لهم. نعم هي تعلم بمكر كارمن ومحاولتها المستمرة لإغاظتهم بشأن زواجها وحملها، ولكنهم يعيشون في نفس المدينة ومن الطبيعي أن يتقابلوا بين الحين والآخر.
بعد عناد حور وإبعادها ليد زين التي كانت تحاول إسنادها شعر بالغيظ وحملها بين ذراعيه متوجهًا بها إلى المصعد قائلًا: كفاكِ عنادًا.
رمقته بتذمر وأشاحت بوجهها عنه حتى دخلا إلى الجناح حيث توجه بها مباشرة لغرفة الملابس وهو يقول بغيظ: تعاندينني ... تهدديني بألا تتحدثي معي ... ترمقينني بنظرات حادة أمام الجميع ... تتركيني وتمشين وأنا أتحدث ... كيف أحاسبكِ على كل هذا؟!
شعرت بأنها بالغت حقًا بما فعلته، وبأنها ربما أحرجته أمام عائلته؛ فربما لو حدث ذلك بينهما وحسب لما شعر بهذا الانزعاج إلا أنها تمسكت بموقفها وظلت صامتة وهي تخلع حجابها. خلع سترته وقميصه ووقف خلفها يحدق في انعكاسها في المرآة، وباغتها بيده التي أطبقت على خصرها بقوة جعلتها تترنح في وقفتها وهو يقول: أخبريني هيا ... كيف أحاسبك على كل ما فعلته؟
أجابت حور بجمود: لم أفعل شيئًا لتحاسبني عليه ... لم أكن أعلم بأنها زوجتك السابقة ... وميار كذلك ... لا يمكنك طردها لسبب هكذا ... الفتاة لم تتركني للحظة واحدة ... حتى أنها كانت محرجة من الذهاب إلى الحمام كي لا تتركني فذهبت معها ...
قاطعها زين قائلًا: حور! هذه وظيفتها ... لقد قصرت في عملها ... أنا واثق من أن جواد حذرها وسلمها ملفًا لتدرسه كي تنتبه لمن لا يمكنهم الاقتراب منا ... وعدم معرفتها لها يعني بأنها قصرت في عملها وبدراستها للملف.
قوست حور شفتيها وقالت بحزن: ربما، ولكن ليس لدرجة طردها يا زين ... يمكنك تحذيرها كي تنتبه ... نحن متزوجان منذ فترة ولا أعرف شكل زوجتك السابقة.
عانقها زين من الخلف مسندًا رأسه على كتفها وأغمض عينيه بتعب قائلًا: لا تقولي هذه الكلمة ... أكره تذكر ارتباطي بها يا حور ... من فضلك.
شعرت حور بالأسف ووضعت يدها فوق يديه اللتين تطوقان خصرها ويدها الأخرى على وجنته، وقالت وهي تنظر لانعكاسه في المرآة: أعلم بأنك مجروح منها، ورؤيتك لها اليوم ربما أعادت لك الكثير من الذكريات السيئة ... لكنك دومًا تقول لي بأننا يجب أن نكون أقوى ولا ندع الماضي يؤثر علينا ... أتفهم قلقك من مقابلتي لها، ولكن ثق بأنها مهما قالت عنك فلن أصدقها ... لا يعقل أن تظن بأن أحدًا بوسعه إثارة المشكلات بيننا ... نحن علاقتنا أقوى من ذلك بكثير يا زين.
تنهد زين وقال وهو لا يزال على حاله: ليس هذا ما أغضبني وأقلقني يا حور ... أنا خفت عليكِ وحسب ... والله لا يهمني سواكِ ... أنتِ أثمن شيء في حياتي، ولا يمكنني التهاون في أي أمر قد يعرضك للأذى حتى لو كان كلمة ... لقد بكيت اليوم بسببها يا حور.
دمعت عينا حور وقالت: ليس بسببها ... أنا فقط ظننت بأنني وضعتك في موقف محرج بسبب فقداني لذاكرتي ... ظننت بأنها تعرف بحالتي واستغلت الأمر لمضايقتك ... شعرت بالعجز والقهر وأنا أراك غاضبًا من ذلك الموقف التي حدث رغمًا عن إرادتي.
فتح عينيه بعد سماعه لصوتها الحزين ورأى الدموع في عينيها قائلًا: لا ... لا تبكي ... لا أريد لهاتين العينين الجميلتين أن تذرفا دمعة واحدة بسبب امرأة مثلها ... انسي الأمر ... لننسى كل ما حدث يا حوري ... رؤيتنا لها لا تستحق أن نحزن أنفسنا ... أليس كذلك؟
أومأت له حور بالموافقة، ثم استدارت بين يديه بهدوء وطوقت عنقه لتقول بدلال ورجاء: ولكن لا تطرد ميار ... من فضلك يا زين ... امنحها فرصة أخرى.
تنهد زين بتعب من عنادها، ولكنه قرر أن ينفذ لها ما تريده حيث هتف بخبث قائلًا: حسنًا، فرصة واحدة وحسب، ولكن ماذا ستمنحينني بالمقابل؟
ابتسمت وعضت على شفتها السفلى، ثم قالت: أي شيء تريده.
ابتسم زين وهمهم مدعيًا التفكير، ثم حملها بين ذراعيه نحو الحمام قائلًا: أحتاج لبعض الوقت كي أفكر مليًا، ولكن بالطبع لا يزال هناك عقاب على ما فعلته في الأسفل أمام الجميع.
ابتسمت بخجل وهمست قائلة: آسفة ... لم أقصد إحراجك أمامهم.
رد زين باعتراض مصطنع: الأسف لا يكفي في هذه الحالة.
دقائق قليلة كانت كفيلة بمحو كل ذلك الضيق والانزعاج وعودة الضحكات بين هذين العاشقين.
.........................................
دخل إلى الجناح وجدها قد بدلت ملابسها وحاول كبت غيظه مما قالته في الأسفل، ليقول بهدوء: حنان! ما قلته في الأسفل أمام الجميع لم يكن لائقًا.
تأففت حنان بضيق قائلة: أنا لست جليسة أطفال ناهيك عن أكون مسؤولة عن امرأة ناضجة ... لديها مرافقتها الشخصية لتحرسها وتقوم بخدمتها عدا عن البقية المنتشرين حولنا ... اصطحبتها لكوني أشفقت عليها من بقائها طوال اليوم هنا، وبقينا معها معظم الوقت، ولكن لدي طفلين يريدان اللهو واللعب في المكان ويجب أن أبقى معهما.
تنهد يزيد وهو يخلع قميصه وقال: لم يوجه أحد لكِ اللوم ... كل ما في الأمر أنه خشي على زوجته من كارمن ... ماذا لو ضايقتها أو أهانتها خاصة وهي في هذه الحالة؟!
ابتسمت حنان باستنكار قائلة: لم يوجه اللوم؟! زين كان يتعمد توجيه اللوم كأنه يقول تركتها في عهدتكم فتركتموها وحدها.
رد يزيد بغيظ: حتى لو قصد ذلك ... أليست هذه هي الحقيقة؟
تأففت حنان والتحفت الغطاء قائلة: دعني وشأني ... لن أصطحبها لمكان بعد اليوم ... أنا لست مسؤولة عن أحد ... ما أن يحدث شيء توجهون اللوم لي على الفور.
بدل يزيد ملابسه لأخرى مريحة وجلس بجانبها واضعًا يده على كتفها قائلًا برفق: لم يوجه أحد لكِ اللوم ... لكنك تعرفين كارمن جيدًا وتعلمين ما يمكنها فعله ... أنا أقدر توترك بسبب كل ما يحدث معنا وفوق كل هذا توتر الحمل ... لكن حاولي ألا تجعلي علاقتك بمن حولك تتوتر بسبب ذلك يا حنان ... جميعنا سعداء بسبب هذا الحمل وندعو الله أن يبعد عنا كل سوء ... لذا من فضلك اصبري وكوني الأخت الكبرى لهن ... حور وليان لا تعرفان أحدًا هنا ... لا أقارب ولا صديقات ... لا شيء ... ربما تكون حياتك ممتلئة بالضغوطات والواجبات في البيت وخارجه ... لكن هذا لا يعني أن تسيئي الحديث مع أحد في لحظة غضب ... هل تفهمين كلامي؟
كانت حنان قد هدأت واقتنعت بحديثه، وشعرت بأنها حقًا قد بالغت بكلامها، فأومأت له بالموافقة بكل هدوء مما جعله يبتسم ويقبل جبينها قائلًا: نامي وارتاحي الآن ... أعلم بأنكِ ستحلين الأمر مع حور عندما تستيقظين كي لا يحدث أي خلاف بينكما، أليس كذلك حبيبتي؟
ضمت شفتيها بحرج من لطفه ومحاولته شرح الأمور بروية كعادته، ولكنه هذه المرة أكثر لطفًا وهدوءً نظرًا لتقديره لموضوع حملها ومشاعرها المزاجية المتقلبة فقد جرب ذلك معها من قبل. خرج يزيد معلنًا بأنه سيذهب لرؤية طفليه والجلوس معهما، فاكتفت بإيماءة من رأسها وبعد خروجه همست لنفسها قائلة: لم يكن لائقًا أن أقول "جليسة أطفال" ... إنها مريضة وعانت كثيرًا ... أرجو ألا تكون مستاءة مني.
..............................................
كان يجلس على فراشه يعبث بهاتفه ريثما تأتي؛ فهو لم يعد بوسعه النوم إن لم تكن بجانبه. انتهت من تبديل ملابسها وترتيب الغرفة، وحضرت مشروبين ساخنين وأتت تحملهما مع بعض المقرمشات. ابتسم وترك الهاتف على الفور وسارع لأخذ ما بيدها ووضعه على السرير بينهما، ثم مد ذراعه نحوها كدعوة منه كي تستقر في حضنه كالعادة مما جعلها تبتسم وتسارع إلى ذلك المكان الصغير بحجمه والكبير بما يقدمه لها من أمان وحنان واهتمام.
قام زيد بتشغيل الفيلم وإذا بها تناديه بصوتها الرقيق:
- زيد!
- نعم يا حبيبتي.
- أشعر بالسوء من نفسي لأنني تركت حور وحدها ... شعرت بالحرج بسبب ما قاله زين ... ربما لو بقيت معها ...
- حتى لو بقيتِ معها لم يكن ليتغير شيء يا ليان ... أنتِ أيضًا لا تعرفين كارمن ولم تقابليها من قبل ... الوحيدة التي تعرفها حنان وهي كانت تهتم بطفليها ولا يمكن لأحد لومها ... الخطأ في النهاية هو خطأ مرافقتها ... يمكن التسامح بأي خطأ في العمل إلا ما يخص الأمن يا ليان.
- هل سيقوم زين بطردها؟
- أعتقد ذلك.
- مسكينة ... إنها يومها الأول ... ربما لهذا السبب غضبت حور.
- ما يهم هو أنه لم يحدث شيء خطير والحمد لله ... كان مجرد درس لتوخي الحذر في المرات المقبلة ... دعينا نشاهد الفيلم الآن.
..........................................
خرجت رنا من منزل خالد في حين كان جواد وبجانبه أوس ينتظران في السيارة، وهناك سيارة مليئة برجال جواد عدا عن رجال الشرطة المتواجدين في المنطقة. هرولت رنا تقطع الشارع حتى ركبت في المقعد الخلفي من سيارة جواد وهي تقول بأنفاس لاهثة: لقد فعلت ما طلبته مني.
ابتسم جواد بمكر قائلًا: أحسنتِ.
انطلقت الشرطة ودخلت من بوابة منزل خالد وشرعوا يطرقون الباب بعنف حتى فتح لهم وهو يعاني من بعض آثار الثمالة، ليتساءل بغضب: ما هذا؟ ما الذي تفعلونه في منزلي؟
رد الضابط بهدوء: لدينا بلاغ ضدك ويجب أن نفتش المنزل.
ابتسم خالد بسخرية قائلًا: تفتش منزلي؟ هل جننت؟ ألا تعلم من أكون؟! اتصال واحد ولن يبقى لك وظيفة يا هذا ...
رمقه الضابط بازدراء وهو يراه يقف بسروال قصير وفوقه مئزر مفتوح يظهر صدره العاري، ثم هتف بمن معه ليفتشوا المنزل بدقة وبالفعل انتشروا في المنزل وبعد دقائق أتى أحدهم يحمل حقيبة وضعها أمام الضابط، ففتحها ليجد كمية كبيرة من المخدرات، فاتسعت عينا خالد وقال باستنكار ودهشة: ما هذا؟ ليست لي ... أقسم لك لا أعرف من أين أتت ... ليست لي صدقني.
انطلق الضابط لغرفة نومه وشرع يبحث بنفسه عن مبتغاه حتى وجد الخزنة السرية، ثم نظر لخالد طالبًا منه فتحها مما جعله يتلعثم ويحاول القول بأنها تحوي بعض الأوراق الخاصة بالعمل وحسب، ولكن مع إصرار الضابط اضطر لفتحها، ليجدوا علبة مليئة بناقلات البيانات وبطاقات الذاكرة الصغيرة وبعض الملفات والأوراق.
تم اقتياد خالد لمركز الشرطة مكبلًا وهو يكاد يفقد عقله مما حدث، ولكنه يفكر بأن محاميه وكذلك ذوي النفوذ الذين يمتلك تسجيلات ضدهم سيخرجونه مهما كان الثمن، لذا كان مطمئنًا بعض الشيء.
انطلق جواد بسيارته خلف الشرطة حتى أوقفها أمام مركز الشرطة ليتساءل أوس: ما الذي حدث؟ ولماذا ننتظر هنا؟
رد جواد دون النظر إليه: هل ستصمت أم أدعك تجمع أسنانك عن الأرض؟
رمقه أوس بتذمر ولاذ بالصمت في حين كانت رنا تضم يديها وترجو الله أن يخلصها من خالد كي تستطيع أن تتوب إلى الله وتبدأ حياة جديدة. خرج الضابط واقترب من سيارة جواد ومد يده له قائلًا: ها هي تسجيلات الأسماء التي طلبتها ... لن يتم تسجيلها ولا استدعاؤها للتحقيق ... لولا ثقتي بأن الهدف هو ستر هذه النساء لما قبلت بذلك.
ابتسم جواد وشكره، ثم التفت لرنا ووضع في يدها بعض ناقلات البيانات قائلًا: ها هي التسجيلات التي تخصكِ ... والتي ظهرتِ بها كما قلتِ ... أتلفيها بنفسك وابدئي حياة جديدة ونظيفة.
لم تستطع رنا تمالك نفسها وهي تشعر بأنها تحصل على حريتها أخيرًا، فانهارت باكية وهي تردد كلمات الشكر والامتنان لجواد.
...........................................
أخذت دواءها وباتت معلقة بين النوم واليقظة عقب انتهاء جولة العشق الأخيرة بينهما بينما كان هو يستمتع بالحديث معها وهي في هذه الحالة من السعادة بقربه وغزله الجريء حتى قاطعتهما رسالة من جواد يطالبه بالنزول ليتحدثا. ابتعد عنها، فهتفت باعتراض بطفولي: لا تبتعد ... ابقَ معي.
ابتسم زين قائلًا: خمس دقائق فقط وسأعود لنكمل حديثنا.
ارتدى ملابسه بسرعة وقبلها رغم تأففها وانزعاجها وعينيها اللتين بالكاد تستطيع فتحهما، ثم خرج مسرعًا ليرى جواد.
روى له جواد ما حدث، فقال زين بعتاب:
- لم نتفق على أمر المخدرات هذا يا جواد.
- يستحق هذا لقاء حرقه للمخزن ... لذا لا تتطرق للأمر.
- حسنًا، والتسجيلات؟
- رنا أخذت خاصتها وسأسلم بقية الفتيات ما يخصهن وتبقى ندى ... أظن بأنه من الأفضل أن تسلمها إياه بنفسك.
- بنفسي؟ لماذا؟
- ربما تخجل وتتركك وشأنك بعد أن تقدم لها خدمة كهذه.
- وربما تراه اهتمامًا قد يعيد لها الأمل من جديد.
- كن واضحًا في طريقة حديثك وحازمًا، وأرها بأنك فعلت ذلك لغيرها لتخلص النساء المخدوعات بهذا الرجل. كن متكبرًا وعاملها بوضاعة وازدراء؛ فهي مغرورة وكبرياؤها سبب أفعالها تلك. اكسر ذلك الغرور والكبرياء وحينها لن ترى وجهها مجددًا.
- أنت محق ... سأرتب للأمر ... ربما يكون الحل الوحيد لأتخلص منها ... شكرًا لك جواد.
ابتسم جواد وهم بالابتعاد، فأوقفه زين مستذكرًا وحدثه عما بدر من ميار في النادي، ثم عقب قائلًا: حور رفضت أن أقوم بطردها، لكن يكفي أن تحذرها كي تنتبه لكل من يقترب من حور بعد الآن.
أومأ جواد برأسه وقال بجدية: لا تقلق، سأهتم بأمرها.
عاد زين إلى جناحه ليجد حور تهذي بذعر ودموع وعلى ما يبدو بأنها ترى كابوسًا. وجد صعوبة في إيقاظها، ولكنه أدرك من كلامها الذي تهذي به بأنها ترى مصطفى في كابوسها. ربما لم تذكر اسمه، ولكن كلامها يدل عليه فلم يؤذها أحد في حياتها بقدره هو. أفاقت من كابوسها وفتحت عينيها قليلًا لترى زين يحتضنها، فتمسكت به بقوة وهي تردد اسمه. كان يربت على رأسها ويقرأ عليها بعض الآيات حتى هدأت، ثم سألها بريبة وقلق: ماذا رأيت يا حوري؟
أجابت حور وقد عادت لحالتها ما بين النوم واليقظة: رأيت شخصًا يحاول الاقتراب مني ... عيونه سوداء مخيفة ... لا أذكر ملامحه ... رؤيته تشعرني بالحزن والألم رغمًا عني ... حتى ندبتي كانت تؤلمني ... كنت أشعر بأنني مقيدة أمامه وليس بوسعي الهرب ... لقد خفت كثيرًا يا زين.
ضمها بحنان أكبر وهو يقول: لا ... لا تخافي أي حبيبتي ... أنا هنا معكِ ... إنه كابوس وانتهى.
لم يكن محض كابوس وانتهى فالكابوس الحقيقي هي لحظة استعادتها لذاكرتها كاملة ورؤيتها لكل ما عاشته مع مصطفى دفعة واحدة. لا يعلم كيف ستواجه ذلك وإن كانت الطبيبة النفسية تلك قادرة على جعلها تتجاوز الأمر دون أن تنكسر روحها وتتبعثر ثقتها بأنوثتها مجددًا.
بعد أن قاما بتأدية صلاة الفجر وتأكده من أنها نسيت أمر ذلك الكابوس اقترح عليها أن يذهبا للمسبح الداخلي الآن، فردت حور بتذمر:
- المسبح عند الفجر يا زين؟ كما أن الطقس بارد الآن.
- هناك خاصية تسخين المياه ... كما أن هناك حوض التدليك بالمياه الساخنة.
- آه ... لا أدري.
- لا تكوني كسولة يا حور ... سأقدم لكِ تدليكًا احترافيًا.
ضحكت حور وطوقت عنقه لتقول بدلال: تقصد تدليكًا منحرفًا وليس احترافيًا.
ضحك زين وغمزها قائلًا: إنه احترافي، ولكن على طريقتي ... إن لم يعجبكِ فانسي الأمر ... سأذهب وحدي.
هم بالابتعاد، فأمسكت به قائلة: انتظر ... سآتي.
حملها بين ذراعيه متوجهًا نحو غرفة الملابس قائلًا: بما أن ملابس السباحة الجديدة وصلت لننتقي شيئًا جميلًا منها.
ابتسمت مستسلمة له وهي تراه يتفقد ملابسها ليخرج لها ما ترتديه؛ فهو من طلب منها شراء ملابس للسباحة وأعطاها اسم المتجر لتبحث وتختار.
أمضيا وقتًا ممتعًا أغدقها فيه بحبه وحنانه محاولًا بث الثقة في نفسها وجمالها الأمر الذي جعلها تتأثر وتعانقه من بين دموعها قائلة: لا أدري ما الذي فعلته في حياتي كي يكافئني الله بك.
حاول ألا يتأثر بدموعها تلك وهتف بمرح قائلًا: ما فعلته هو أنكِ دعوتِ الله أمام الكعبة بأن يرزقكِ أوسم وأفضل رجل في العالم ليكون زوجكِ وأنا كذلك دعوت أن يرزقني الله أجمل وأفضل امرأة في العالم لتكون زوجتي، فاستجاب الله لنا وجعل كل واحد منا هو النصيب الجميل للآخر.
................................................
استيقظت من نومها لتجد الفراش فارغًا منه وقد أدركت بأنه لم يعد ليلة أمس. حاولت الاتصال به من جديد إلا أن هاتفه لا زال مغلقًا. ازداد قلقها عليه؛ فهو لم يفعل ذلك من قبل مطلقًا خاصة أن عطلة الأسبوع عادة يقضيانها معًا عند أهله أو يذهبان للتنزه في مكان ما. لم يحدث وأن اختفى بهذا الشكل من قبل مما جعل الشك يراودها بأنه إما يخونها وأمضى ليلته مع أخرى وإما أنه قد تأذى ولو كان الأمر كذلك لهاتفها أحدهم ليخبرها.
شرعت تقطع الغرفة ذهابًا وإيابًا تفكر بما عليها أن تفعله والقلق واضح على وجهها، فهاتفت والدته وسألتها إن كان قد أتى إليهم ليلة أمس، لكنها نفت الأمر. حاولت الأم تهدئتها قائلة: ربما يكون لديه عمل عاجل أو مشكلة ما وبات ليلته في الشركة يا ابنتي.
هتفت كارمن بحنق: أو ربما يخونني مع إحداهن ... لو كان محض عمل لاتصل بي وأخبرني ... لكنه لم يكترث لأمري ولم يتصل ليطمئن عليَّ كعادته.
حاولت أم جاسر تهدئتها قدر المستطاع، ثم أنهت كارمن المكالمة وجلست على الأريكة وهي تهز قدميها بعصبية وتوتر وتتوعد له. بعد دقائق رأته يدخل الغرفة ويبدو عليه التعب، فاندفعت نحوه بغضب متسائلة: أين كنت؟ من التي كنت معها؟ هل تعلم كم مرة حاولت الاتصال بك؟
لم يسمع أيًا من أسئلتها ولم يكلف نفسه حتى عناء النظر إليها، بل توجه إلى الحمام مباشرة، فدخلت خلفه ولم تأبه لشيء، بل أكملت صراخها عليه وهو لا يزال على بروده وتجاهله لها. انتهى من الاستحمام وبدل ملابسه ليخرج من جديد، فوقفت أمامه وقد ازداد غيظها وغضبها من تجاهله، فأمسك بذراعها بقوة وأبعدها من طريقه ليخرج من الباب، لكنها خرجت خلفه وقد انهارت بالبكاء لظنها بأنه لم يعد يحبها ووجد امرأة أخرى غيرها. نزلت الدرج خلفه بسرعة وهي تهتف من بين دموعها: هل ستعود إليها؟ أهذا هو مقدار حبك المزعوم لي؟! خدعتني حتى أوقعتني بحبك وجعلتني أحمل منك والآن تتركني لتستمتع بوقتك مع أخرى أو ربما أخريات؟! أنا أكلمك رد عليَّ يا جاسر.
تعثرت قدمها ووقعت لتصرخ بأعلى صوتها، لكنها سرعان من تمسكت بالحاجز الخاص بالدرج كي لا تهوي بقية الدرج. التفت جاسر نحوها برعب جلي وصعد الدرجات التي تفصله عنها بلمح البصر متسائلًا بقلق: ما بكِ؟ هل تتألمين؟
أبعدت يده عنها وهي ترمقه بحدة قائلة: كل ما يهمك هو طفلك وحسب ... ابتعد عني.
تمسكت بالحاجز وهمت بالنهوض، فصرخت من الألم ووضعت يدها على ظهرها. حملها بين ذراعيه عائدًا إلى غرفتهما حيث وضعها على الفراش وهاتف طبيبتها على الفور كي تأتي. كانت كارمن تبكي بحرقة وتتمزق من ألم جسدها وقلبها معًا وتردد قائلة " أكرهك أيها الخائن".
أتت الطبيبة وقامت بفحصها أعطتها حقنة مسكنة ونامت على إثرها، ثم نظرت الطبيبة لجاسر قائلة: تعلم مدى صعوبة حملها، وكونها وصلت لهذه المرحلة فلا يعني أن يكون هناك إهمال. الحمد لله بأن وقوعها لم يكن عنيفًا ولم يسبب الضرر، لكن يجب توخي الحذر كي لا يتكرر الأمر.
اكتفى جاسر بإيماءة من رأسه وهو يستمع لتوصياتها بالراحة وعدم المبالغة في الحركة. رافقت الخادمة الطبيبة للخارج في حين جلس هو على السرير بجانب كارمن النائمة ومسح دموعها العالقة برموشها، ثم سرعان ما احتل الغضب ملامحه وقبض يده بعيدًا عنها.
...................................
مضت ساعات عصيبة على خالد وبعد مقابلته للمحامي ومحاولته الاتصال بذوي النفوذ خاصته أدرك بأن الجميع قد تخلى عنه مما جعله يهددهم بفضحهم ونشر تسجيلاتهم والإجابة كانت هي إنهاء المكالمة وحسب. استغرب الأمر وكاد يجن ولا يدري ما السبب، ليطلب من المحامي مهاتفة أحد رجاله الموثوقين ليقوم بنشر بعض التسجيلات الموجودة على حاسوبه الشخصي، ليأتيه الرد لاحقًا بأن حاسوبه فارغ ولا يحوي على شيء مطلقًا. بعد تفكير طويل في زنزانته وعودته للتحقيق بوجود محاميه همس له بغل قائلًا: دعهم يبحثون عن رنا ... لم يدخل أحد غيرها منزلي في الفترة الأخيرة.
.....................................
وصلت رنا إلى بيتها الجديد في محافظة أخرى مع عائلتها لتبدأ حياة جديدة بعيدًا عن الجميع بمساعدة جواد الذي أمن لها المكان، وأوصى عليها ضابط مركز الشرطة القريب من سكنها. كانت بلدة ريفية هادئة وجميلة، وحصلوا على بيت بسيط وجميل في الوقت ذاته هناك اشتراه لها جواد قائلًا بأنه هدية لهم ليعينها على أن تبدأ حياة جديدة بعيدًا عن المال الذي كانت تتقاضاه من خالد لقاء تنفيذها لمهماته.
قام العمال بنقل الأثاث وتعاونت مع أمها وأختيها على تنظيف البيت وترتيبه إلى أن قاطعهم طرقات على الباب، فذهبت لتفتح الباب وهي في حالة يرثى لها إثر عملها في تنظيف البيت مما جعل ذلك الضابط الوسيم بالكاد يخفي ابتسامته من هيئتها المبعثرة الجميلة، ثم قال:
- مرحبًا ... الآنسة رنا؟
- أهلًا ... أجل ... الضابط حازم؟
- صحيح.
- أخبرني السيد جواد بشأنك.
- أتيت لأطمئن من أن كل شيء بخير.
- الحمد لله بخير ... شكرًا لاهتمامك ... لا يسعني دعوتك للداخل فنحن في فوضى عارمة الآن.
- لا ... لا ... لا داعي لذلك ... أتيت لأمنحكِ رقمي وحسب كي تهاتفيني في حال احتجتم لشيء أو لاحظتِ أي شيء مريب.
نظرت رنا للخلف خشية أن تسمعها أمها، ثم قالت بصوت منخفض: شكرًا لك ... عائلتي لا تعرف شيئًا، لذا من فضلك لا ...
ابتسم حازم قائلًا: أتفهم الأمر ... لا تقلقي.
لم يكن حازم يعلم سوى أنها ساعدت الشرطة في إلقاء القبض على مجرم خطير، ووجب عليها الابتعاد من أجل الحماية ريثما تهدأ الأمور في حين كانت رنا قد روت حكاية مشابهة لأمها وأختيها كي تقنعهما بضرورة الانتقال وهي بأن أحدهم حاول استغلالها لتخون ثقة مديرها وتسرق أوراق الشركة، لذا أبلغت مديرها ليقوم بالإيقاع به، ولكن لحمايتها من بطشه يجب أن تبتعد عن العيون لفترة من الوقت.
أغلقت الباب وعاد حازم إلى سيارته وهو يضحك لرؤية تلك الفاتنة بحالتها الرثة التي أضحكته رغمًا عنه ودون بذل أي مجهود وهو المعروف بأنه لا يضحك بسهولة.
........................................
بدأت تتململ في نومها تعلن استيقاظها، وشعرت بثقل في رأسها وألم بسيط في ظهرها عندما همت بالتحرك. بالكاد منع نفسه من الهرع إليها عندما سمعها تتأوه، ثم هتف بجمود ونبرة خالية من المشاعر: لا تتحركي ... يجب أن ترتاحي.
انتبهت أخيرًا له والتفتت نحو صوته، لتجده جالسًا على الأريكة الموجود في الغرفة ولا زالت ملامحه الجامدة القاسية تعلو وجهه. دمعت عيناها وقالت بجفاء هي الأخرى: لا تدعي بأنك تهتم لأمري ... اذهب إليها ... يبدو بأنني أخرتك عن موعدك.
ابتسم بتهكم ونهض متوجهًا نحوها وهو يقول: هل تشعرين بالغيرة؟
ضمت شفتيها بغيظ من بروده، ولكن حظه بأنها متألمة ومتعبة الآن وإلا لما تركت شيئًا في الغرفة دون أن تلقيه عليه. جلس على السرير بجانبها وقال: جيد ... جربي نار الغيرة واشتعلي غيظًا ... ربما حينها تشعرين ولو بجزء بسيط من الألم الذي بداخلي.
كل ما فهمته بأنه يروقه رؤيتها تتعذب بنار الغيرة ... يخونها ليغيظها ويقهرها ... لا زال ذلك الرجل السادي الذي يحب رؤية النساء يتعذبن أمامه.
رفعت يدها لتصفعه، فأمسك بيدها وثبت يديها فوق رأسها وانخفض نحوها ليقول من بين أسنانه: لولا طفلي لقتلتكِ ... أكملي بقية شهور حملك بهدوء حتى أتمكن من أخذ طفلي وبعدها لا أريد رؤية وجهكِ.
اتسعت عيناها باندهاش من الكلام الذي يقوله، وشرعت دموعها تنساب بغزارة وهي تحرك رأسها برفض قاطع حتى قالت: ما الذي تهذي به؟ ما هذا الكلام الذي تقوله؟ ستأخذ ابني مني؟ لماذا؟ ما الذي فعلته بك؟ ما الذي تغير؟ تكلم ... أين الحب الذي كنت تحدثني عنه؟ هل كان الأمر محض كذبة فقط لتصل إلى غايتك؟ ... كل شيء محض كذبة من البداية؟!
صرخ جاسر من بين أسنانه: أجل ... كل شيء محض كذبة ... تمثيلية ... وقد باتت مملة للغاية.
ترك يديها ونهض ليوليها ظهره وهو يحكم قبضة يديه، لتسمعه يقول بنفس النبرة الغاضبة: ليكن في علمك لن تخرجي من المنزل بعد اليوم ... ستتناولين وجباتك وأدويتك في مواعيدها ... وأي خطأ أو عناد سأقيدك في السرير وأحرمك من جميع وسائل التواصل مع العالم الخارجي.
مضى بخطواته سريعًا ليخرج من الغرفة ويصفع الباب خلفه بقوة وهي تنظر إليه بعدم تصديق من بين دموعها، وتتساءل كيف يمكن أن يكون كل ما مضى محض تمثيل وكذب؟! لقد شعرت بحبه وخوفه واهتمامه وضعفه الذي لا يريه لأحد ... لقد تغير كثيرًا عن السابق منذ أن بدأ يتابع مع الطبيب النفسي ... أهذه محض تمثيلية حقًا؟!

.................................
توقعاتكم للأحداث القادمة؟!
لا تنسوا التصويت ❤️🙏

عمرُ روحيWhere stories live. Discover now