عمرُ روحي

By MayamShahid

30.6K 1K 458

لا تسألني كم عمري ... اسألني كم عمر روحي. لماذا دائمًا ترتبط فرص زواج الفتاة عكسيًا بالعمر؟! ... كلما زاد عمر... More

الشخصيات
الفصل 1 (حديثي مع النجوم)
الفصل 2 (مشاعر هشة)
الفصل 3 (انطفاء الروح)
الفصل 4 (دموع القلب)
الفصل 5 (فرصة أخرى)
الفصل 6 (كابوس مظلم)
الفصل 7 (رماد قلب)
الفصل 8 (هل هي بداية حب؟!)
الفصل 9 (عاصفة سوداء)
الفصل 10 (طريق النهاية)
الفصل 11 (تحت الركام)
الفصل 12 (روح حرة)
الفصل 13 (ملتقى القلوب)
الفصل 14 (روح خلقت لي)
تنويه هام
الفصل 15 (توأم روحي)
الفصل 16 (هل هو الفراق؟!)
الفصل 17 (ليلة وداع)
الفصل 18 (نتيجة اختيار)
الفصل 19 (لقاء الحبيب)
الفصل 20 (فرصة جديدة)
الفصل 21 (على موعد مع الحب)
الفصل 22 (النصيب الجميل)
الفصل 23 (حفل زفاف)
الفصل 24 (مع الشخص المناسب ستزهر)
الفصل 25 (للسعادة مذاق آخر)
الفصل 26 (ظلال من الماضي)
الفصل 27 (لآخر نفس)
الفصل29 (دقات قلب)
الفصل 30 (ما قبل الطوفان)
الفصل 31 (مزيج غريب)
الفصل 32 (أحتاج إليك)
الفصل 33 (خطوات الشيطان)
الفصل 34 (الكلب الأسود)
الفصل 35 (مكيدة شيطانية)
الفصل 36 (الشر بالمرصاد)
الفصل 37 (كشف المستور)
الفصل 38 (تسوقنا الأقدار)
الفصل 39 (على طريق الحب نلتقي)
الفصل 40 (قريب أم غريب؟)
الفصل 41 (قليل من الوقت بعد)
الفصل 42 (كيد الكائدين)
الفصل 43 (طيف نهاية)
الفصل 44 (الهدوء الذي يسبق العاصفة)
الفصل 45 (روح مهشَّمة)
الفصل 46 (ما بين عشق وظن)
الفصل 47 (دموع خذلان)
اقتباس
الفصل 48 (أزمة ثقة)
الفصل 49 (ما بين أمل وألم)
الفصل 50 (فرحة قلب)
الفصل 51 (دعوة قلب)
الفصل 52 (انهيار)
الفصل 53 (محنة)
الفصل 54 (أمل بالله لا يخيب)
الفصل 55 (رغم الألم)
الفصل 56 (فرصة ... اختيار)
الفصل 57 (معًا ... مهما طال الطريق)
الفصل 58 (أمان القلوب)
الفصل 59 (تقارب القلوب)
الفصل 60 (أمل قلب لا ييأس)
الفصل 61 (سندي وقوتي)
الفصل 62 (الوصال)
الفصل 63 (سحر العناق)
الفصل 64 (لنسرق من العمر ليلة)
الفصل 65 (طريق العودة)
الفصل 66 (قلب عاصف)
الفصل 67 (ملاك وشيطان)
الفصل ٦٨ (فخ محكم)
الفصل 69 (ما بين بداية ونهاية)
الفصل 70 (هدوء .. غضب)
الفصل 71 (الحمل والذئب)
الفصل 72 (نسمات باردة)
الفصل 73 (انتقام شيطاني)
الفصل 74 (جريمة زفاف)
الفصل 75 (ليلة عصيبة)
الفصل 76 (دوامة حيرة)
الفصل 77 (نهاية كابوس)
الفصل 78 (تحطم الجليد)
الفصل 79 (تساقط الأوراق)
الفصل 80 (طريق مسدود)
الفصل 81 (دقات على باب القلب)
الفصل 82 (انتظار وقرار)
الفصل 83 (الأمل في الحب لا ينتهي)
الفصل 84 (صاعقة الموت)
الفصل 85 (أرواح حائرة)
الفصل 86 (فرصة أخرى)
الفصل 87 (ظلال الماضي السوداء)
الفصل 88 (السقوط في وادي الظلام)
الفصل 89 (تلاحم القلوب)
حسابي على تيليجرام
الفصل 90 والأخير (وتستمر الحياة ... بحلوها ومُرّها)
الخاتمة ❤

الفصل 28 (ارتباك خوف ... أم عشق؟!)

307 9 4
By MayamShahid

لا تنسوا التصويت فضلًا وليس أمرًا

بدأت الشمس تغرب وتأخرا أكثر من المعتاد في المغادرة بسبب ضغط العمل. شعر بإرهاقها وتعبها، وعلم بأنها لم تأخذ استراحة الغداء لتنهي عملها خاصة أن زينة تتجاهلها ولا تساعدها مطلقًا. أوقف سيارته أمام أحد متاجر البقالة قائلًا: سأشتري لأمي بعض المستلزمات ... هل تريدين مرافقتي ... لتشتري شيئًا ما؟

نزلت من السيارة ورافقته إلى الداخل، ثم بدأت بجمع بعض المستلزمات للطهي والوجبات الخفيفة والشوكولاتة. كان يراقب اختياراتها بصمت ويبتسم خلسة فهو لا ينفك يشبهها بالطفلة. عندما اقتربا من قسم البوظة ابتسمت وسارعت الخطى حتى سبقته وبدأت تبحث بعينيها عن النكهة المفضلة لديها وإذا به يخرج العلبة ويمدها نحوها قائلًا: ها هي.

أمسكت بالعلبة ورمقته باستغراب متسائلة: كيف علمت بأنني أبحث عنها؟

ابتسم وأكمل طريقه، فتبعته ولم يعد بوسعها إخفاء فضولها أكثر خاصة بعد أن سألها الليلة الماضية إن كان ذلك الطفل هو من أخافها مجددًا ... كيف علم بالمرة الأولى إذًا؟! ... هل الجميع يعلم بما حدث معها أم ماذا؟!

- سيد زيد! كيف علمت بأنها نكهتي المفضلة؟

لزم الصمت وهو يبتسم وينظر في الأرجاء متجاهلًا سؤالها، فأسرعت بخطواتها ووقفت أمام العربة التي يجرها وقد عقدت حاجبيها قائلة: أخبرني من فضلك ... وكيف علمت بأن ذلك الطفل ضايقني من قبل؟

ابتسم زيد واقترب منها قائلًا: السؤال هو من كان الرجل الذي ساعدكِ في جمع أشياءكِ تلك الليلة؟

اتسعت عيناها وهمست بصوت متقطع قائلة: هل كان ... أنت؟!

ضمت شفتيها وبدا عليها الحرج فها قد رآها بموقف محرج آخر وهي لم تكن تدرك ذلك. طأطأت رأسها، ثم رطبت شفتيها وتساءلت قائلة: لماذا لم تخبرني من قبل؟

ابتسم زيد قائلًا: لأنني لم أكن أعلم ... لقد اكتشفت ليلة أمس بأنكِ الطفلة الباكية نفسها.

رفعت نظرها نحوه وقد عقدت حاجبيها وكررت جملته قائلة: الطفلة الباكية؟!

ابتسم زيد ومر من جانبها ليكمل طريقه، فشعرت بالحنق لظنها بأنه يسخر منها. استدارت وتبعته قائلة بنبرة حانقة: لست طفلة باكية ... كنت خائفة وحسب بسبب ذلك الشقي الصغير ... لقد كنت متوترة بالفعل وهناك العديد من التراكمات السابقة ... وما حدث تلك الليلة زاد الطين بلة.

لاحظ تعابير الأسى المرسومة على وجهها ولم يعقب. انتهيا من الشراء ووضع زيد المشتريات في السيارة بعد أن دفع الحساب عن مشترياتها أيضًا. كانت قد حاولت أن تدفع هي ثمن مشترياتها، فرمقها بحدة طالبًا منها التراجع. كانت محض نظرة وجملة جعلتها تطيعه على الفور دون نقاش. جلس كلاهما في السيارة ووجدت بأنه يحمل الكيس الذي يحوي علبتي البوظة، فأعطاها خاصتها بنكهة الفراولة بينما أخذ هو الأخرى قائلًا: يجب أن نأكلها قبل أن تذوب.

أخذتها وابتسمت بحماس فقد كانت تشعر بالخجل من تناولها أمامه في سيارته إلا أن مبادرته هذه جعلتها تشعر بسعادة غامرة. بدأ زيد بتناول البوظة بهدوء أما هي فقد كانت تلتهمها بتلذذ كالطفلة حتى لوثت شفتيها وهو يسترق النظر لها ويبتسم. أخرج منديله وأعطاه لها، فرمقته باستفهام وإذا به يشير لشفته بمعنى أن تمسح شفتيها. ابتسمت بحرج ومسحت فمها بسرعة، وعادت لتكمل علبتها حتى أنهتها بأكملها. ألقى العلبتين في سلة مهملات قريبة وعاد إلى السيارة لتظن بأنه سينطلق الآن إلى البيت، لكنه لم يفعل.

- افتحي الخزانة التي أمامك.

أمرها ببساطة وهي نفذت على الفور، فوجدت علبة صغيرة بعض الشيء. أخرجتها بناء على طلبه وفتحتها، ثم نظرت له قائلة:

- ما هذا؟

- رذاذ الفلفل وصاعق كهربائي كي تدافعي عن نفسك عند الحاجة.

- قلت بأن ما حدث لن يتكرر ... لمَ قد أحتاج لأشياء كهذه؟

- للاحتياط يا ليان ... من باب الحذر وحسب ... موضوع السيارة الذي اقترحه زين لا أراه مناسبًا ... أنا سأوصلكِ صباحًا ومساء بنفسي ... الحراسة على المبنى باتت مشددة، ولا يمكن لأحد الاقتراب منه ... ورغم هذا أريدك أن تحتفظي بهذه الأشياء ... اتفقنا؟

- حسنًا.

- هل تجيدين استعمالها؟

أومأت له نافية، فأمسك بما في العلبة وبدأ يرشدها لطريقة استعمالها وهي تهز رأسها بتركيز وقلق في الوقت ذاته.

..........................................................

انشغلت حور بعد خروج زين بترتيب الأمتعة من ملابس وغيرها وكذلك التعرف على شقتها وما فيها وخاصة أدوات المطبخ، ومحاولة معرفة ما ينقصها. مضت الساعات بسرعة دون أن تشعر وقد انتابها التعب خاصة في ظل الألم الذي يحتل ظهرها وأسفل بطنها. لم ترغب بتناول الطعام وحدها، فقررت أن تعد طعامًا خفيفًا وتنتظر عودته حيث أعدت بعض الحساء والسلطة، وقامت بشواء شيء من الخضراوات. تعلم بأنه يهتم بأمر الطعام الصحي، ويذهب إلى النادي الرياضي بشكل يومي، ووجبة صحية كهذه بعد وجبة الغداء تلك ستنال إعجابه لا شك. ابتسمت عندما تذكرت قوله لها أثناء مكوثهما في الغردقة بأن هذه أول مرة يتخلف فيها عن الذهاب إلى النادي لكل هذه الأيام فقط بسببها كونه لا يقوى على تركها. حتى في الأيام التي بقي فيها في بيتهم في فترة الخطبة طلب من أخيها أن يرشده لأقرب نادٍ رياضي، وكان يذهب إليه بشكل يومي لساعة أو ساعتين ويشجع أخيها على الذهاب معه.

هي كسولة في هذا الأمر فطوال الأسبوع الماضي كان يؤدي تمارينه في المنزل، ويحاول تشجيعها، لكنها كانت تستمر بالتهرب والتأجيل، ولم يضغط عليها كونه يعلم أن الفترة الأخيرة كانت مرهقة بالنسبة لها.

رن هاتفها، فهرعت نحوه لتجيب وقد ابتسمت ما أن رأت كلمة "حبيبي" تنير شاشة هاتفها.

- اشتقت إليكِ.

- وأنا كذلك.

- خلال أقل من نصف ساعة سأكون في المنزل بإذن الله ... هل تريدين أن أحضر لكِ شيئًا؟

- لا ... لا تتعب نفسك ... انتبه للطريق وحسب.

- هل تناولتِ طعامكِ؟

- كلا، أنتظرك لنأكل معًا.

- آه ... حسنًا ... هل أحضر لك شيئًا معينًا؟

- لا شيء ... لقد أعددت العشاء بالفعل ... لا تقلق ... خفيف وصحي، فاطمئن.

ضحك زين وقال: سلمت يداكِ حبيبتي.

اطمأنت حور بأن الطعام بات جاهزًا، ثم أسرعت نحو الحمام لتغتسل وتبدل ملابسها وتتزين. وصل زين ومر ليسلم على أمه ويطمئن على بعض الأعمال من زيد، ثم توجه إلى شقته وحاول فتح الباب بالمفتاح وابتسم عندما أدرك بأنها تغلقه بالقفل الداخلي كما أوصاها. قرع الجرس وهتف قائلًا: هذا أنا يا حور ... افتحي الباب.

كانت حور في غرفة النوم ولم تسمع محاولته فتح الباب بالمفتاح إلا أنها ركضت نحو الباب عندما سمعت صوت الجرس. فتحت له الباب وهي تقف خلفه وما أن دخل حتى عانقته وهي تنطق اسمه بحب. قبل وجنتها وقال: دعيني أستحم بسرعة أولًا فحالتي مزرية.

ابتسمت حور وأخبرته بأنها وضعت له ملابسه في الحمام، فابتسم وقبل جبينها، ثم اتجه إلى الحمام لتتولى هي مهمة سكب الطعام في الأطباق.

مضت دقائق وخرج زين لا يرتدي سوى السروال المنزلي، فنظرت له حور قائلة: لقد وضعت لك قميصًا منزليًا مريحًا.

ابتسم زين وهو يجلس إلى المائدة قائلًا:

- قلت لكِ لا أرتدي سوى السروال.

- قلت عند النوم ... هل كنت تبقى في البيت دون قميص هكذا؟

- لا ... كنت أرتديه قبل خروجي من الغرفة لاحتمال وجود الدادة فاطمة أو حنان ... أما الآن فنحن وحدنا.

- تحب استعراض عضلاتك، أليس كذلك؟

- ألا تعجبك عضلاتي؟

ابتسمت حور بصمت وهي تسكب الماء في أمامه، فأردف قائلًا:

- لا تنكري ... أعلم بأنها تعجبك.

- لمَ عساي أنكر؟! أجل تعجبني للغاية، وأكره رؤيتك ترتدي قميصًا ضيقًا يبرزها، هل ارتحت؟

حدق بها زين مبتسمًا وجذبها من يدها حتى جعلها تنهض عن كرسيها الموضوع بجواره، وأجلسها في حضنه بعد أن رأى عقدة حاجبيها تلك. مسح على رأسها كطفلة صغيرة وقد تغلغلت رائحتها العطرة إلى صدره وقال: من حقكِ بالطبع أن تشعري بالغيرة عليّ فأنا أيضًا أغار عليكِ يا حور، لكن اعلمي جيدًا بأنني لكِ وحدكِ ... بجسدي وقلبي وروحي ... لكِ أنتِ فقط يا حور.

أخذت حور نفسًا مطولًا وقالت بهدوء: آسفة على انفعالي ... مزاجي يكون سيئًا في هذه الفترة.

ضمها زين إلى صدره وابتسم قائلًا: لم يحدث شيء لتعتذري يا حبيبتي ... أنا فقط أطمئنك وأخبركِ بأنني لكِ وحدكِ.

طوقت حور عنقه بذراعيها وخللت أناملها في شعره قائلة: أعلم هذا ... أنا أحبك وأثق بك يا زين!

كل منهما فهم ما يجول في ذهن الآخر ورد عليه دون التطرق إلى أي تلميحات ... هي تغار عليه من الماضي والحاضر، وتجربتها السابقة مع الزواج والخيانة لم تكن بسيطة أبدًا ... هو يدرك هذا ويعلم مدى تخوفها وسبب غيرتها فمن ناحية هناك ندى التي أخبرها بنفسه بشأنها وهناك زينة التي لا زالت لا تعلم عنها شيئًا ومن ناحية أخرى تجربة مريرة يعلم بأنها لم تتخطَّ أثرها بشكل تام بعد وهي سبب غيرتها عليه ... فهمت ما قاله وأتته بالإجابة الشافية بأنها تحبه وتثق به ... مؤكدة له أن الماضي لن يدعها تشك به مطلقًا، ولكنها تغار وحسب.

بعد تناول العشاء الذي تخلله حديث كل منهما عما فعله اليوم ساعدها زين بتنظيف الأطباق ووضعها في الغسالة. لاحظت نظراته الماكرة وابتسامته اللعوب التي بقيت مرسومة على وجهها وهما ينظفان المطبخ معًا حتى انتهيا، وأمسك بيدها يجذبها إليه قائلًا بمكر: يعجبني هذا اللون الوردي ... لم أره من قبل.

ابتسمت هي الأخرى قائلة: لا زال هناك الكثير ... لم أعاني بسبب تلك الحقائب من أجل لا شيء.

اتسعت ابتسامة زين وقال: أرى بأنها كانت تستحق التأخير والمعاناة.

مد يده إلى حزام مئزرها ليفكه، فأمسكت بيده وهتفت قائلة: انتظر ... تعال لأريك أين وضعت ملابسك ... لقد تعبت في ترتيب الملابس اليوم.

جذبته من يده إلى الغرفة وبدأت تفتح الخزانة وتريه ما فيها، ثم نظرت له بأسف قائلة: حاولت قدر الإمكان، لكن بقي حقيبة لملابسك لم أجد مكانًا لوضعها.

ضحك زين وهز رأسه بعدم تصديق قائلًا: أنا ممتن كونه بقي لملابسي مكان في الخزانة، ما كل هذا يا حور؟ هل كنتِ تخشين ألا تجدي ملابس هنا؟

شعرت حور بالحرج وقالت وهي تشيح بنظرها: لقد أحضرت الجديدة فقط ... لم أحضر شيئًا من ملابسي القديمة ... كما أن معظمها قمصان نوم وملابس داخلية ... ماذا أفعل؟!

رمقته بحيرة بعد كلمتها الأخيرة كأنها تنتظر منه أن يوجه لها أمرًا ما. كان يحدق بها ويسمع كلامها وهو يتساءل في نفسه هل حقًا لا زالت تشعر بالحرج منه؟! إنه منزلها ولها الحق في فعل وطلب ما تشاء منه ... حتى لو طلبت منه تغيير الخزانة أو حتى غرفة النوم بأكملها فلن يعترض ... هي لم تذهب لاختيارها بنفسها، ولم ترها سوى في الصور التي أرسلها لها كي تختار ... لمَ لا تدافع عن نفسها وعن حقها بكل شيء في هذا البيت ... أي حياة عاشتها مع ذلك البغيض كي تجعلها تشعر بأن لا حق لها في أي شيء، وليس من حقها الاعتراض على أي شيء ... ما الذي فعله بها لتجد أبسط ما يفعله لها يستحق الشكر والامتنان؟! ... كم يكرهه ويتمنى لو أنه أوسعه ضربًا وكسر جميع عظام جسده بعد أن كسر قلبها وروحها!

قطع الخطوات التي تفصله عنها بسرعة وضمها إلى صدره قائلًا: افعلي ما تشائين يا حبيبتي ... اطلبي أي تصميم تريدينه وسأنفذه لكِ ... لنحضر حجمًا أكبر يتسع لجميع الملابس ... ابحثي غدًا عن أي تصميم يعجبك وأرسليه لي وخلال أيام ستجدين غرفة نوم جديدة هنا ... اتفقنا؟

رمقته بسعادة وامتنان وهتفت قائلة: حقًا؟ ولكن ماذا عن هذه؟ إنها جديدة ولا بد من أنها كلفت مبلغًا ليس بسيطًا.

ابتسم زين قائلًا: لا تشغلي نفسكِ بالأمر ... كما أنه يمكننا وضعها في شقة زيد.

ابتسمت حور، ثم نظرت في الأرجاء وقالت بإحباط: لكن ... الغرفة ليست كبيرة بما يكفي ... أخشى أن تصبح ضيقة إن اخترت خزانة كبيرة.

نظر زين للغرفة فهي بالفعل صغيرة والشقة بأكملها ليست ذات مساحة كبيرة فبيتها كان أكبر وحتى غرفتها كانت مماثلة في الحجم لهذه تقريبًا. وضع زين يدها على وجنتها وقال: أعلم بأن الشقة ليست كبيرة ...

قاطعته حور قائلة: لم أقصد هذا ... لا يهمني الأمر بتاتًا يا زين ... كنت أشعر بالحيرة بشأن تصميم غرفة النوم وحسب ... يمكنك إحضار خزانة ونضعها في الغرفة الأخرى لنضع بها بقية الملابس وانتهى الأمر.

ابتسم زين وزفر بقلة حيلة، فماذا عساه يفعل بها؟! جذبها وأجلسها في حضنه على طرف السرير قائلًا:

- لماذا تراجعتِ بسرعة وقاطعتِ كلامي؟

- كي لا تظن بأنني أتذمر بشأن الشقة ... لم أقصد هذا صدقني.

- وماذا لو قصدتِ؟ هذا حقكِ يا حور ... أنا لا أنكِر ... الشقة صغيرة ... لذلك كل منا اشترى الشقة المجاورة لشقته كي تصبحا شقة واحدة ... كنت أنوي فتح الشقة المجاورة على هذه، ولكن هذا سيتطلب الكثير من العمل ولم يكن هناك وقت كما تعلمين ... زيد اشترى الشقة المحاذية لهذه منذ سنوات ... ويزيد جهز الشقتين من البداية بناءً على طلب حنان ... و ...

- أنت ماذا؟ لقد أخبرتني من قبل بأن الشقة المقابلة لكم والتي تمكث فيها ليان حاليًا هي شقتك السابقة ... وبما أن أهلي مكثوا في الشقة المجاورة فهذا يعني بأنك اشتريتها أيضًا، ولكن على ما يبدو لم تفتحهما على بعضهما البعض.

- الأمر ليس كذلك ... طلبت من زيد شراءها قبل سفرنا من أجل عائلتك بما أن ليان تمكث في الشقة الأخرى.

- لماذا ... لم تقم بشرائها من قبل ... طالما أن أخويك فعلا ذلك؟

- لأنني لا أريد ... رغم مضي سنوات إلا أنني لم أشعر بالاستقرار ولا برغبة توسيع البيت ... كنت أتوق لأصبح أبًا وأجهز غرفًا لأطفالي ... لكن ... حياتي كانت مظلمة يا حور ... تلك الشقة التي اشتراها والدي لأنعم بالسعادة فيها لم تكن سوى بئر التعاسة المظلم بالنسبة لي ... لو لم تكن ذكرى من أبي لأحرقتها وهدمتها ... لولا ذكرياتنا في هذا المبنى لأبدته عن بكرة أبيه ... ليتني أستطيع حمل بيتنا الصغير ذاك ونقله بكل ما فيه لأي مكان آخر وترك هذا المبنى بأكمله.

ألجمتها الصدمة وهي تراه يتحدث بكل تلك الحرقة والأسى والألم حتى أنها رأت الدموع لأول مرة تلمع في عينيه الجميلتين. لم تتمالك نفسها وضمته إلى صدرها، ولم يعد بوسعها منع سؤالها أكثر لتجد نفسها تقول: لمَ كل هذا؟ ماذا فعلت بك لتوصلك إلى هذا الحال يا روحي؟!

تمسك بها بقوة وكأنه كان ينتظر سؤالها هذا له، ليقول بحرقة: غدرت بي يا حور ... طعنتني برجولتي ... حرقت قلبي.

دمعت عينا حور رغمًا عنها لتشدد من عناقها له قائلة: سلامة قلبك يا حبيبي.

يريد أن يروي لها ويحدثها بكل ما أصابه ليتخلص من هذا العبء ... يريد أن يشاركها ألمه وقهره وحرقته لعله يرتاح ... لم يكن يومًا ممن يشكون ويبوحون بضعفهم وألمهم أمام أحد حتى أمه ... رغم شعورها بكل ما يشعر به إلا أنه كان يقاوم كي لا ينهار بين يديها ... لكنها ليست كأي أحد ... هي شريكته وتوأم روحه ... التي إن خجل أن يشارك أمه بما يؤلمه كي لا تتألم أو تشفق عليه فلن يخجل منها هي.

نظر في عينيها برجاء، ثم قال: هل يمكنكِ سماع قصتي؟

وضعت يدها على وجنته متسائلة: هل سيريحك الحديث؟

هز رأسه بالإيجاب، فأجبرت شفتيها على رسم ابتسامة لتشجعه قائلة: حسنًا، أخبرني إذًا.

أخذ نفسًا عميقًا وبدأ يعود بذكرياته إلى سنوات مضت عندما لم يحتمل والده حالة الأسى التي غرق بها زين رغم أنه صب تركيزه بأكمله على العمل. كان يدرك بأن ابنه ليس سعيدًا عقب الخيانة التي تعرض لها، ولم يكن أمامه سوى أن يجد له فتاة جيدة يعرفونها ليتزوج بها وينسى المدعوة ندى وما فعلته به. بعد محاولات عديدة من قبل والديه رضخ لهما زين؛ ففي النهاية قرر أن يجرب خيارهما بما أن اختياره هو كان فاشلًا. كانت كارمن قد تخرجت حديثًا وعادت إلى مصر بعد إنهاء دراستها في لندن. لم يكن هناك من يعرفها ويعرف سلوكها وطباعها، ولكن أهلها أشخاص مرموقين وهناك معرفة وطيدة بين العائلتين.

وجدها فتاة جميلة، وذكية، ومتعلمة ومن عائلة محترمة تليق بهم. مضت شهور الخطبة القليلة ولم يرها سوى مرات معدودة بسبب انشغاله في الشركة؛ فهو في الحقيقة لم يشعر بالانجذاب لها وفي المرات القليلة التي التقاها بها كان يوضح لها أمر الحدود في اللباس، لكن دون جدوى.

تم الزواج وسافرا بناء على طلب والده إلى أوروبا لشهر كامل وقد كانا سعيدين معًا، لكنها كانت قد بدأت تكتشف عناده وإصراره في بعض الأمور كأمر اللباس وعدم شربها للكحول. لم يطلب منها حجابًا ولا غيره، ولكنه لا يريدها أن ترتدي ملابس تكشف مفاتنها وتلفت نظر الرجال لها.

بدأت المشاكل تزداد تدريجيًا بينهما في الشهور الأولى مع رغبتها بالخروج والسهر والتأخر ليلًا في الملاهي خاصة بعد أن عادت وتواصلت مع بعض الأصدقاء القدامى وتعرفها إلى آخرين. بقي يحاول استيعاب كونها عاشت في بيئة مختلفة وتحتاج إلى وقت لتتأقلم مع نمط حياته وأفكاره. كلما تشاجرا تهدأ لأيام وتعود لسابق عهدها كأن شيئًا لم يحدث ورغم كل هذا لم يجعل أحدًا يشعر بذلك، بل كان يمثل دور السعيد أمام عائلته رغم ملاحظتهم لتصرفاتها مؤخرًا.

مع ازدياد حدة المشاكل وحدوث مواقف غير لائقة كعودتها ثملة مع أحد أصدقائها بعد منتصف الليل اتصل زين بوالدها ليأتي ويراها على تلك الحالة فهو لم يعد لديه ما يقوله لها. صفعها والدها وهددها وكان قاسيًا معها بعد أن شعر بأن دلاله هو ووالدتها لها قد أفسدها. لا يدري ما الحديث الذي دار بينهما، لكنه كان كافيًا لتعود إلى صوابها لفترة لا بأس بها.

بعد وقت طويل بدأ يلاحظ غيابها وعدم ردها على الهاتف ليعلم بعد بحث ومراقبة بأنها تخرج من المنزل سرًا وتعود قبل موعد عودته إلى البيت. واجهها وقالت بأنها لن تبقى حبيسة في المنزل كما أنها تخرج للتنزه والتسوق لا شيء آخر.

مض نحو عامين على زواجهما وقد باتت تساؤلات أمه بشأن الأطفال تأخذ حيزًا من تفكيره. طلب منها أن تدع حنان تفحصها لتعلم ما سبب تأخرها في الحمل حتى الآن، لتستغرب طلبه المفاجئ هذا معلنة بأنه لم يسبق ويتحدث بشأن رغبته في الإنجاب. حاولت التهرب من الأمر بحجة أنهما في وضع لا يسمح لهما بالاعتناء بالأطفال بسبب علاقتهما المتوترة كما أنها ليست مستعدة لتحمل مسؤولية طفل. هي كانت ترى الأمر محض عبء ومسؤولية، لكنه رآها فرصة لجعلها تنضج وتتحمل مسؤولية هذا الزواج بشكل جدي.

أخبرته بأن حنان قامت بفحصها، وأبلغتها أنها بخير ولا تعاني من أية مشاكل في حين سأل هو حنان بنفسه ليتأكد من كلامها خشية أن تكون تكذب عليه كعادتها وبالفعل أكدت له حنان الأمر. مضت شهور أخرى لم تكن خالية من الشجار بين الحين والآخر متهمة إياه بأنه رجل معقد ومتخلف ويحب السيطرة. طلبت الطلاق بعد أن تمردت عليه وقد ضاقت ذرعًا بأوامره التي تقيد حريتها، وخرجت رغمًا عنه لتسهر مع أصدقائها طالبة منه أن يطلقها في حال أصر على رأيه ورفض التأقلم مع نمط حياتها لأنها قد سئمت من تحكمه وفرضه لسيطرته عليها.

لم تسمع نداءه ولم تأبه لصراخه المحذر لها، بل ارتدت ثوبًا بالكاد يستر مفاتنها وخرجت بكامل زينتها إلى أحد النوادي الليلية. لم يحتمل الأمر بعد أن سمع والديه صراخهما وهرعا إليهما، وصدما بمظهرها وإصرارها على الخروج. نظر لأبيه بحسرة وخيبة وألم قائلًا: لم يعد بوسعي الاحتمال ... لقد اكتفيت ... تحدث مع والدها واطلب منه القدوم ليأخذ ابنته فأنا لم أعد أطيق بقاءها هنا ... سأطلقها.

رمقه والديه بإشفاق حتى أن أمه عانقته وبكت، ولكن المفاجأة كانت بأن والدها تعرض لأزمة قلبية بعد أن انتظر عودة ابنته في البيت، ووجدها ثملة وشبه عارية مستندة على كتف رجل غريب أوصلها حتى باب الشقة. صفعها وشتمها، ثم سقط متألمًا وآخر ما قاله لها بأنه لن يسامحها إن فرطت برجل مثل زين وبقيت على هذا الحال.

حاول زين إسعافه ونقله إلى المستشفى، لكن روحه خرجت إلى بارئها وتم إغلاق موضوع الطلاق، ولم يذكره هو ولا هي بعد ذلك. لم يكن يعلم بأن صمتها وهدوءها ليس حزنًا على أبيها وحسب، بل استعدادًا لخطة ماكرة بدأت برسمها لتتخلص من زين الذي جعلها غضبها وحزنها على أبيها ترى بأنه السبب في تعاستها، وموت أبيها، وفقدانها لحريتها.

مضت فترة هادئة وقد تبدل حال كارمن. أعلنت له عن رغبتها بالإنجاب، وطلبت منه أن يذهب لرؤية طبيب مختص بما أنها لا تعاني من أية مشكلة. لم يرفض، بل أعلن عن رغبته بذلك، لتفاجئه بعد يومين بأنها قد حجزت له موعدًا عند الطبيب. استوطنت الصدمة زين عندما أخبره الطبيب بأن فرص الإنجاب لديه ضئيلة للغاية، ولكنه أعطاه بعض الأدوية على أمل أن تتحسن حالته لتستمر المماطلة لشهور أخرى ولا يوجد تغيير حتى سئم زين وقرر أن يغير الطبيب، لتفاجئه كارمن من جديد باقتراحها لطبيب آخر. ذهب إليه وأعطاه دواءً جديدًا قائلًا بأنهم سيحاولون بطريقة أخرى للحصول على نتيجة جيدة.

كان الوقت يمضي وحالته النفسية بدأت تزداد سوءًا خاصة مع إلحاح والدته وإلقائها باللوم على كارمن التي لا تنفك تقول بأنها لا زالت صغيرة، ولا تريد تحمل مسؤولية أطفال في الوقت الحالي، وتجعله يظن بأنها تلقي باللوم على نفسها كي لا تحرجه أمام عائلته.

قرر زين الذهاب إلى طبيب آخر وإجراء تحاليل جديدة دون علم أحد عندما سافر لحضور اجتماع ما في أوروبا بدلًا من والده الذي باتت مشاكله الصحية تزداد. تفاجأ بأن الطبيب يخبره بأنه بخير تمامًا ولا حقيقة لما أخبره به الطبيبين السابقين. لم يصدق زين نفسه ومدد فترة إقامته هناك متعللًا بالعمل ليذهب إلى طبيب آخر ويقوم بالمزيد من الفحوصات وكل النتائج تقول بأنه بكامل عافيته. بقي يفكر فيما حدث، ليقرر في النهاية التحدث مع جواد الذي بدأ العمل معهم منذ فترة قصيرة طالبًا منه البحث بأمر الطبيبين وإن كان لكارمن علاقة بهما، والتأكد من حسابها البنكي.

عاد إلى مصر وقرر أن يراقبها عن كثب، فقام بتفتيش المنزل بأكمله مستغلًا غيابها، ووجد علبة حبوب منع الحمل، ثم قام بتحميل تطبيق تجسس على هاتفها، واستمع لمكالماتها بعد أن كذب وأخبرها بأنه لن يكمل العلاج لأنه يئس من المحاولة بعد هذه الفترة الطويلة والتي لم تعد عليه بأي تقدم يذكر.

انسابت دمعة خائنة حرقت قلبه قبل وجنته من حرارتها ونظر لحور قائلًا: سمعتها تتحدث مع الطبيب وتخبره بأنها سترسل له مبلغًا إضافيًا جزاء كذبه كما فعلت مع الذي قبله ... جعلتني أعيش في جحيم لا يطاق وعذاب يومي ... سمعت العديد من التسجيلات لمكالماتها مع صديقة لها لم أكد أصدقها لكثرة الكره والحقد الذي كانت تحمله تجاهي ... لا أعلم كيف عشت معها لسنوات ولم أشعر بكل هذا الكره ... كيف أمكنها التلاعب بي وبمشاعري بهذه الطريقة؟! ... كنت غبيًا جدًا يا حور ... جعلتني أصدق بأنها تصبر على عجزي وتتحمل اللوم أمام أمي من أجلي في حين أنها لم تكتفِ فقط بأخذ حبوب منع الحمل، بل جعلتني أظن بأنني عقيم.

عقبت حور بحرقة من بين دموعها وهي تضمها إلى صدرها: إنها مجرمة .. ظالمة ... كيف أمكنها فعل هذا بك؟! يا لقسوة قلبها!

مسح زين دمعته بسرعة محاولًا تمالك نفسه، ورفع رأسه لينظر لها حيث مسح دموعها بيده وحاول أن يبتسم قائلًا: تألمت وتعذبت لسنوات، لكن عوضني الله بك. أنتِ أجمل ما حدث لي في حياتي يا حور.

ألصقت جبينها بخاصته وطال صمتهما، لتقول بعد لحظات متسائلة:

- ماذا حدث عندما واجهتها؟

- لا يمكنكِ أن تتخيلي حتى ... بكل وقاحة وجرأة اعترفت بكل شيء، وقالت بأنها انتقمت مني لأنني رجل معقد ومتسلط ولإخباري والدها بكل ما تفعله، واتهمتني بأنني سبب موته ولهذا انتقمت مني ... ليس وكأن والدها مات بسببها وبسبب أفعالها الرعناء.

- يا لوقاحتها! إنها مجنونة ... بل مريضة حقًا ... موت والدها كان يجب أن يكون عبرة لها لتغير حياتها.

- هذا لو كانت إنسانة طبيعية ... إنما هي ... دعكِ من ذلك ... أشعر بالراحة الآن لأنني أخبرتكِ بكل شيء ... هل أزعجكِ الأمر؟

- أجل، ازداد كرهي لها لأنها آذتك بهذا الشكل.

- ولماذا كنتِ تكرهينها من قبل؟

- لأنني أعلم بأنها آذتك ولهذا طلقتها ... رجل مثلك لا يمكن أن يظلم أو يؤذي أحدًا ... وأيضًا ... لأنها لمستك ... وحظيت بك رغم أنها لا تستحقك.

- ولكن هذا أيضًا ...

قاطعته بسرعة ووضعت أناملها على شفتيه قائلة برجاء: أعلم ... ينطبق عليَّ أيضًا ... لكن الظروف مختلفة ... دعنا لا نخوض في هذا الحديث من فضلك ... لنتحدث في أمر آخر ونغلق هذا الموضوع للأبد.

قبل زين يدها قائلًا: أنتِ محقة ... لقد أفرغت ما بجعبتي الآن ... انتهى الأمر.

طوق خصرها بذراعيه واضعًا رأسه على كتفها أما هي فقد كانت تحيط عنقه بذراعيها، وتخلل أناملها في شعره بصمت. بقيا على هذا الحال لدقائق حتى هدأ كلاهما، ثم كسر زين هذا الصمت قائلًا: هل شعرتِ بالملل اليوم؟

ابتسمت حور وأجابت قائلة: لم يكن لدي وقت لأشعر بالملل ... كان هناك الكثير من العمل ... ماذا عنك؟

رفع رأسه ورمقها بحب قائلًا: الأمر سيان ... لكنني اشتقت إليكِ بشدة، وكنت أرغب بترك كل شيء والقدوم إليكِ.

ابتسمت حور قائلة: يعجبني أن تشعر بالشوق لي ... وتبقى على هذا المنوال كي لا تصبح الحياة بيننا عادية ومملة.

ابتسم زين وعقب قائلًا: لا يوجد أي شيء في قصتنا عادي ... منذ لقائنا وحتى هذه اللحظة ... هل تعلمين بأن أمي كانت تمثل بأنها متعبة في أول لقاء لنا كي تتحدث معكِ فقط؟

شهقت حور باندهاش وقالت: ماذا؟ حقًا؟

رمقها بمكر وقال: سأخبرك بالقصة بالتفصيل، ولكن أخبريني أولًا ... هل زارتك الضيفة الغير مرغوب بها أم ليس بعد؟!

عقدت حور حاجبيها باستفهام، لكنها سرعان ما فهمت قصده وضحكت، ثم هتفت قائلة وهي تنهض عن ساقه: سأذهب لأتأكد.

تابعها بنظراته مبتسمًا حتى دخلت إلى الحمام، ثم غابت الابتسامة عن وجهه وتنهد بارتياح، ليقول في نفسه: لا أعلم إن كان من الصواب إخبارها بكل هذا، لكنني شعرت بالراحة الآن. هي لم تخفي شيئًا عني وأنا كذلك كنت بحاجة ماسة لأبعد هذا الثقل عن كاهلي.

استلقى على السرير ووجدها تخرج بعد لحظات، فهتف قائلًا: بشريني.

ضحكت حور وقالت: اطمئن ... لا شيء بعد.

اتسعت ابتسامته حتى ظهرت غمازتيه وأشار لها بيده وهو يقول بخبث: تعالي إذًا.

.............................................

تتقلب يمينًا ويسارًا وقد جافاها النوم ... لا زال الشك يراودها بشأن من حاول مهاجمتها ... هل هو مروان كما ينبئها حدسها؟! ... أم محض وغد عابر رآها وتعقبها؟! ... لم يعد بوسعها احتمال التساؤلات التي تدور في ذهنها مما جعلها ترسل رسالة إلى السيد فاروق وتسأله إن كان مروان قد أتى إلى الشركة ليسأل عنها أو تواصل مع أحد الموظفين وأخبره بمكان عملها الجديد.

حاولت أن تفكر بشيء جميل وتبعد تلك الوساوس عن رأسها لعل النوم يزور عينيها الجميلتين فلم تجد سوى زيد الذي كان أول من دق باب عقلها، لتتذكر المواقف التي جمعتهما مؤخرًا وتبتسم رغمًا عنها، ثم تداركت نفسها وتساءلت قائلة: ما الذي يحدث لي؟ لماذا أهتم لأمره وأبتسم كالبلهاء على أبسط ما يقوله أو يفعله؟! لا ... لن أفعل مثل زينة وأعلق نفسي بالوهم ... رجل في مكانته ومنصبه لن ينظر لفتاة مثلي.

...............................................................

أتت نهاية الأسبوع وأشرقت شمس يوم الجمعة ولا زالت حور تغط في نوم عميق بين ذراعيه. قبل جبينها وبدأ يعبث بخصلات شعرها، وأنامله تستكشف قسمات وجهها الجميل في محاولة منه لإيقاظها وهو يقول: ما كل هذا النوم يا حوري؟! ألم تقولي بأنكِ لم تعودي تتألمين؟!

ابتسمت حور وفتحت عينيها قائلة: أجل، أنا بخير، لكنني أحب النوم في هذه الأوقات لأرتاح.

زفر زين بتعب وهو يضمها إلى صدره أكثر قائلًا: أنتِ تحبين النوم وأنا أحترق من الشوق ... متى سينتهي هذا البعد يا حوري؟

ضحكت حور بخفوت وقالت: أي بعد هذا وأنا بالكاد أتنفس من تمسكك بي؟!

هتف باسمها مستنكرًا ادعاءها عدم الفهم، فضحكت، ثم أمسكت بلحيته قائلة: ستذهب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، أليس كذلك؟

ابتسم وأومأ برأسه إيجابًا، فابتسمت قائلة: سأذهب لأعد لك الفطور إذًا وما أن تعود سيكون الغداء جاهزًا ... ماذا أطهو؟ ما الذي ترغب بتناوله اليوم؟!

همهم زين وهو يخشى أن يضايقها ما قد يقوله، ثم قال: في الحقيقة ... نحن في العادة نجتمع كل جمعة ونتناول الغداء مع أمي ... هل يزعجكِ ذلك؟

ابتسمت حور قائلة: لمَ قد يزعجني يا حبيبي؟! من اللطيف أن نتناول الطعام سويًا ... ما رأيك بأن أطهو شيئًا وآخذه معي؟! هل سيجدون الأمر لطيفًا أم قلة ذوق؟

ابتسم زين وقبل رأسها قائلًا: افعلي ما يحلو لكِ ... سيكون من اللطيف أن يتذوقوا شيئًا من يديكِ الجميلتين ... ماذا تريدين أن تعدي؟

قلبت عينيها وضمت شفتيها وهي تهمهم بتفكير، ثم هتفت قائلة: مقلوبة ... أنت تذوقتها من قبل في بيتنا وأعجبتك ... هل ستعجبهم برأيك؟

اتسعت ابتسامة زين وقال: ستعجبهم اطمئني ... لكن لا تتذمري عندما يطلبون منكِ إعدادها باستمرار.

ضحكت حور قائلة: لا بأس لدي بذلك ... لن أتذمر.

رمقها زين بحب شديد يمكنها قراءته في نظراته ولم يستطع منع نفسه من تذوق كرزيتيها وهو يشعر بالسعادة والامتنان لوجودها في حياته.

....................................................

خرج زين وأخويه متوجهين إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة وبعد قليل سمعت حور صوت حنان وطفليها يخرجون من شقتهم وهي تحذرهم قائلة: اذهبوا إلى جدتكم ولا تخرجوا إلى الشارع ... سآتي مع حور بعد دقائق.

ارتبكت حور ما أن سمعت صوت جرس الباب، فارتدت ملابس الصلاة بسرعة وفتحت الباب لحنان التي هتفت قائلة: ما هذا؟ ألم تبدلي ملابسكِ بعد يا حور؟! آه ... ألم يخبركِ زين بأننا نجتمع لتناول الغداء مع حماتي كل يوم جمعة؟!

ابتسمت حور قائلة: بلى أخبرني، لكن ...

قاطعتها حنان بنبرة اتهام واندفاع عندما وصل لأنفها رائحة الطعام قائلة: ماذا؟ ألا تريدين الانضمام إلينا؟

ابتسمت حور قائلة: بلى، ولكنني أردت أن أطهو وأحضر الطعام معي ...

أردفت حور بسرعة قبل أن تقاطعها حنان من جديد: إنها أكلة فلسطينية وأردت منكم تذوقها ...أتمنى أن تعجبكم.

لاحظت حور بأن حنان لم يرق لها الأمر فقد ابتسمت ببرود وقالت: حسنًا، كما تشائين. سأذهب وأتبع الولدين كي لا يزعجا جدتهما فهما شقيين للغاية والاعتناء بهما أمر مرهق للغاية.

خرجت حنان رغم أن حور دعتها لشرب شيء معها، لتتساءل حور عقب خروجها ما الذي لم يعجبها بالتحديد؟! هل فهمت قصدها من إحضار الطعام معها بشكل خاطئ؟! هي لم تقصد التقليل من شأن طعامهم أو القول بأنه لم يعجبها؛ فقد أكلت من طعامهم في الأيام الماضية وأرادت منهم تذوق شيء جديد هذه المرة. لم تكن تعلم بأن حنان كان لها تفكير آخر وهو أن حور تحاول كسب ود حماتها بما تفعله سواء بمساعدتها لها في شؤون المنزل أو بدعوتها لها وللبقية بالخروج معها هي وزين كما حدث يوم سفر عائلتها وذهابهم إلى المطعم، والآن ستعد لهم طعامًا على طريقتها في حين أن حنان لا تكلف نفسها عناء فعل شيء سوى الجلوس وتصفح هاتفها، والصراخ على طفليها لأبسط شيء يفعلونه أمامها.

انتهت حور من إعداد الطعام، ثم استحمت بسرعة وبدلت ملابسها، وخرجت من المنزل تحمل الطعام متوجهة إلى شقة أم يزيد. فتح أحد الطفلين الباب لها ورحبت بها أم يزيد وسألتها عما تحمله، لتخبرها بأنها أعدت الطعام ليتناولوه سويًا. دخلت حور إلى المطبخ وبدأت بمساعدة الدادة فاطمة على سكب الطعام ووضعه على المائدة في حين كانت حنان تتصفح هاتفها بحجة أنها ترد على تساؤلات إحدى المريضات وهي تتذمر من كثرة العمل رغم أن أم يزيد لم يسبق لها وأن طلبت منها القيام بأي شيء، لكنها تستمر دومًا بقول الأعذار بطريقة غير مباشرة.

عادوا من الصلاة، فهرع الطفلين نحو أبيهم وزين وزيد الذين اعتادوا على إحضار بعض الأشياء اللذيذة التي يحبانها رغم أن حنان لا تحب تلك العادة، وتحاول أن تجعلهما يتبعان نظامًا غذائيًا صحيًا بشكل صارم. هتفت حنان بالطفلين كي يتركا كل شيء ويتوجها إلى المائدة، وينهيا طعامهما وإلا فهي لن تدعهما يتناولان تلك الحلوى والوجبات الخفيفة، ولن تأخذهما معها إلى بيت جدهما.

لم يأبه أحد لكلامها المعتاد مع الطفلين الذين سرعان ما تزهق فرحتهما بأي شيء بسيط بدعوى النظام والتربية الصحيحة كونها ترى أن الدلال الذي يريانه من الآخرين والذين ليسوا سوى جدتهما وعميهما هو تدخل في تربيتها لهما، وإفساد للنظام الذي تضعه لهما.

اقترب زين من حور التي ابتسمت ما أن رأته، ثم أخرج من جيب سرواله قطعة من الشوكولاتة وأعطاها لها قائلًا: لم أستطع إنقاذ سوى هذه من أيديهم ... هذه لكِ.

ابتسمت حور وأخذتها من يده وهي تشكره برقة. كم يروقها عندما يعاملها كطفلة ويهتم بما تحبه حتى لو كان بسيطًا أو تافهًا. مثل هذه الأمور الصغيرة تلامس قلبها بقوة، وتدخل السعادة إلى قلبها رغمًا عنها.

كانت حنان تراقب كل شيء بصمت، ثم همست لزوجها قائلة: وأنت ألم تحضر لي شيئًا؟

رمقها باستنكار قائلًا: وهل نظامك الصحي بات يقبل هذه الشكولاتة؟! منذ متى تأبهين لأمور كهذه؟ أنتِ تحبين الهدايا الثقيلة وحسب، أم أنني مخطئ؟!

اقتربت منهم أم يزيد وهي تدعوهم للجلوس إلى المائدة، ثم نظرت إلى فاطمة بحيرة وقالت: فاطمة! ماذا لو أخذتِ شيئًا من الطعام إلى ليان؟ لا أدري إن كانت تلك المسكينة تجيد الطبخ أم لا ... هناك الكثير من الطعام بالإضافة إلى ما أعدته حور ولا أريده أن يزيد فلن يأكله أحد.

عقب يزيد وهو يجلس مكانه حول المائدة: قومي بدعوتها وحسب يا أمي ... لا أرى مانعًا لذلك بما أننا بتنا نعرفها.

نظرت الأم لزين بتساؤل، فقال: لا بأس بذلك يا أمي ... إنها فتاة جيدة وسيكون من الجيد أن تتعرف حور إليها.

التفت لحور وأردف قائلًا: أظن بأنكما ستتفقان ... إنها فتاة مهذبة ولطيفة.

ابتسمت حور وأومأت له موافقة؛ فهي بالفعل كانت تود التعرف إليها بعد ما سمعته عنها سواء من أم يزيد أو البقية.

أخذت أم يزيد موافقة ولديها الكبيرين وبقي الشقي الصغير الذي رمقته بنظرات مليئة بالشك والاتهام، فقال ببراءة: ماذا؟ لن أعترض بعد أن أبدى كلاهما موافقتهما على قدومها. نحن نراها طوال اليوم لستة أيام في الأسبوع، ولن يكون هناك فرق إن أضفنا يومًا آخر.

حاول قولها بلامبالاة كأنه لا يهتم بقدومها من عدمه في حين أن أمه كانت ترمقه بخبث، وزين يحاول ألا يبتسم؛ فهو يعلم متى يكذب زيد أو يتوتر أو يحاول حتى إخفاء شيء من نبرة صوته.

ذهبت فاطمة لتنادي ليان التي رفضت الدعوة في البداية، لكن عادت أم يزيد وذهبت لتطرق بابها طالبة منها القدوم، ليقول زيد: طالما أمي ذهبت فلن تعود إلا وقد أحضرتها رهينة.

أتت ليان بعد دقائق ورحب بها الجميع عدا زيد الذي بقي يتجاهلها حتى بنظراته فمؤخرًا شعر بأنها تفعل المثل، وتحاول وضع مسافة بينهما ولا يدري ما السبب بعد أن باتا أكثر راحة بالتعامل معًا. ظنت ليان بأنه منزعج لوجودها، وبعد أن جعلتها أم يزيد تجلس بجانبه إلى المائدة همست له قائلة: آسفة لأنني أشارككم وقتكم العائلي، لكن لم أستطع الرفض بعد أن أتت بنفسها وطلبت مني القدوم.

نظر لها زيد بنظرات مبهمة وظنته غاضبًا منها، فارتبكت وبدا عليها الحرج وهو لا يدري ماذا يقول لها ... لماذا تظنه دائمًا غاضبًا منها ولا يريدها بقربه؟! هل عليها أن تبرر له دائمًا وتعتذر؟! هو لا يكره وجودها مطلقًا، بل بدأ يعتاد عليها.

ازداد حرجها فأشاحت بوجهها ونظرت في طبقها في حين همس هو الآخر بنبرة حانقة: لماذا تعتذرين؟ لست منزعجًا من قدومك ... الجميع هنا يرحب بوجودك بيننا.

التفتت له ولم تقتنع بكلامه فما دام الأمر كذلك لمَ نبرته تبدو غاضبة وحتى تعابير وجهه؟!

ما أن انتهوا من تناول الطعام فتحت فاطمة الباب للخادمة الأخرى التي تأتي كل جمعة وفي المناسبات أيضًا لمساعدتها. بدأت حور وليان بجمع الأطباق وأخذها إلى المطبخ فهتفت أم يزيد ليتوقفا بما أن هناك من سيقوم بالأمر ولا داعي لتتعبا نفسيهما. كانت حنان ترمقهما بتهكم فهي ترى بأن ما تفعلانه ليس سوى محاولة منهما لنيل رضى أم يزيد وحسب.

أثناء شربهم الشاي الذي أعدته حور كانوا يتبادلون الحديث، وبدأت هي بدورها التعرف إلى ليان أكثر وشاركتهم حنان الحديث. كانت أم يزيد سعيدة بتقارب حور وليان السريع وتراقب ذلك برضا.

أول المغادرين كانت حنان التي أخذت طفليها وغادرت عائدة إلى شقتها في حين تبعها يزيد بعد قليل. شعرت ليان بأن عليها هي الأخرى المغادرة خاصة أنها الغريبة الوحيدة هنا. نهضت وتوجهت إلى الدادة فاطمة قائلة بصوت منخفض: أود الذهاب لشراء بعض الاحتياجات من خضار وغيرها، هل يمكنكِ مرافقتي؟

هتفت فاطمة بصوت مرتفع: وحدنا؟! لا ... بعد ما أصابكِ تلك المرة لن تخرجي دون حراسة.

تركتها فاطمة وأسرعت نحو زين وزيد بينما هرعت ليان خلفها محاولة إسكاتها ولكن قد حدث وهتفت فاطمة قائلة: دعوا جواد يرافق ليان فهي تريد الذهاب للتسوق.

أمسكت ليان بذراع فاطمة ورمقتها بعتاب وحرج، ثم قالت: أنا فقط أردت الدادة فاطمة أن ترافقني.

ارتبكت عندما رأت نظرات زيد لها التي بدت لها حانقة؛ فذكر أمر خروجها وحدها من جديد جعله يشعر بالخوف والغضب. لاحظ زين الأمر وقال: لا يمكنك الذهاب وحدكِ ... خاصة أننا لم نمسك بالفاعل بعد ولا نعلم إن كان الأمر محض صدفة أم مخطط له ...

نظر لزيد وأردف قائلًا: بما أنك قلت لا داعي للسيارة ... هل توصلها بنفسك أم أكلم جواد ليرافقها ويساعدها في مشترياتها؟!

ابتلع زيد ريقه وقال بجمود: أنا سأذهب ... كنت أود شراء بعض المستلزمات ... هل هناك من يريد أن أحضر له شيئًا؟

أجاب زين: لا، شكرًا لك. أنا وحور سنخرج في المساء لنشتري مستلزمات البيت.

اتسعت ابتسامة فاطمة في حين أخفت أم يزيد ابتسامتها بسرعة وهتفت قائلة: فاطمة! تفقدي إن كنا بحاجة لشيء من مستلزمات الطبخ.

هرعت فاطمة إلى المطبخ، فأغمض زيد عينيه ونفخ الهواء فقد بات يعرف جيدًا ما يدور في ذهن هاتين المرأتين في حين أن ليان ظنت بأنه مجبر على مرافقتها. بعد أن أملت فاطمة عليه ما تريد خرج برفقة ليان التي طلبت منه انتظارها للحظات ريثما تحضر حقيبتها، فنظر لها قائلًا: أليس هاتفك بحوزتكِ؟

ردت ليان بارتباك: بلى ... معي ... لكن محفظتي ...

ازدادت حدة نظراته واقترب منها قائلًا: من أجل المال؟ هل أنا رجل في نظرك أم كيس جوافة؟!

اتسعت عيناها وانعقد لسانها، فأشار لها برأسه نحو المصعد قائلًا: هيا ... أمامي.

مشت ليان وقد ظهرت تعابير التذمر على وجهها، ثم قالت مبررة: لا يعقل بأن تدفع كل مرة ثمن مشترياتي ... لقد وفرتم لي سكنًا وحتى المواصلات عدا عن راتب جيد ... لست مضطرًا لتدفع أيضًا ثمن ما يلزمني من طعام وشراب.

رد زيد بجمود: لم تأخذي راتبكِ الأول بعد وعدا عن هذا تعلمي احترام الرجل الذي معكِ فشيء كهذا يعد انتقاص من رجولتي وإهانة لي.

انفرجت شفتاها وهتفت قائلة: لم أقصد والله ... أنا فقط اعتدت على أن أكون مسؤولة عن نفسي وعن أمي أيضًا ... لا أحب أن أكون مدينة لأحد ... وأشعر بالسوء كونك مضطر لمرافقتي.

لوى زيد شفتيه وقال: هل كنتِ تفضلين الذهاب مع جواد أم ماذا؟ لا تقلقي سيرافقنا من بعيد على أي حال.

رمقته ليان بحنق وخرجت من المصعد خلفه وهي تهتف قائلة: ومن يكون هذا الجواد؟! أنا لا أعرفه حتى ولا ...

أتاها صوت جواد الرجولي الذي يقول: أنا جواد.

رفعت ليان رأسها لترى وجهه فقد كان طويلًا وذا بنية جسدية ضخمة ولأول مرة تشعر بأنها ضئيلة الحجم لهذه الدرجة. وقفت أمامه ترمقه بتعجب للحظات، فهتف زيد بغيظ: هل تعرفتِ إلى جواد الآن؟ لكنني أشك بأنه سيتعرف إليكِ فأنتِ لستِ على مستوى نظره.

حمحمت ليان، ثم أسرعت خلف زيد الذي بدا غاضبًا من نظراتها لجواد، واحتلت مكانها في السيارة بجواره في حين بقيت تنظر من النافذة لجواد وهي تقول دون أن تدرك: إنه ضخم ومخيف، لكنه وسيم وجذاب.

قالت الكلمتين الأخيرتين بابتسامة وهي تحدق بانعكاس جواد في مرآة السيارة وهو يستقل السيارة التي خلفهما، فنظر لها زيد بنظرات حارقة وقال باستنكار وغيظ: وسيم وجذاب؟! هل أعجبكِ؟

التفتت له ليان وقد استوعبت ما قالته وحاولت تدارك الموقف قائلة: لم أقصد ذلك ... كل ما في الأمر أنني لم أقابل شخصًا بهذه الهيئة من قبل ... رغم أنه ضخم إلا أنه ... وسيم ... في العادة مثل هؤلاء يكونون مخيفين وحسب ... أليس كذلك؟

انطلق زيد بسيارته ولم يتوقف عن التهكم بشأن ما قالته ليان لشدة غيظه وهي لم تتوقف عن محاولة التبرير، فهل تقول عن جواد وسيم وتشعر بالخوف منه هو؟! أهي بلهاء أم ماذا؟!

أخذ زين حور وتوجها إلى باب الشقة ووالدته ترافقهما مودعة، ثم همست لهما قائلة: أريد سماع الأخبار الجميلة في المرة القادمة، اتفقنا؟

احمرت وجنتا حور خجلًا في حين ابتسم زين قائلًا: ربنا كريم يا أمي.

دخلا إلى شقتهما وتوجهت حور إلى الغرفة لتترك زين يرد على هاتفه والذي كان اتصالًا من جواد.

- ماذا هناك يا جواد؟

- هناك سيارة تراقب زيد منذ خروجنا ... وحسب ما أرى هو نفس الرجل الذي هاجم الآنسة ليان في تلك الليلة ... هيئته مشابهة للغاية رغم عدم وضوح صورته في تسجيلات كاميرات المراقبة.

- كن حذرًا ... ابقوا حولهما أثناء التسوق ولا أريد لأحد أن يقترب منهما ... أمسكوا بهذا الرجل مهما كلف الثمن.

- اطمئن ... هما في أمانتي.

- أنا سأكلم زيد وأنبهه.

- لا داعي لتقلقهما يا زين ... دعهما يتسوقان براحتهما ... زيد كان يغلي من الغيظ بالفعل وما فهمته من حديثهما أنهما كانا يتحدثان عني.

ضحك زين وعقب قائلًا: يبدو بأن أخي الصغير بدأ يجرب مذاق الحب، ولكنه لا يفهم ما يشعر به بعد.

انتهت المكالمة وكانت حور قد خرجت بعد أن بدلت ثيابها وابتسمت قائلة: من الذي تقصده بكلامك؟ من الذي بدأ يتذوق الحب؟

تنهد زين قائلًا: آه ... القصة طويلة ... هذا زيد ...

طوق خصرها بذراعه وتوجها نحو الأريكة، ليبدأ برواية ما لاحظه من تغيرات على زيد في الآونة الأخيرة، واهتمامه المبالغ به بأمر ليان والآن أتى شعوره بالغيرة من جواد ورغم كل هذا ما زال لا يدرك حقيقة مشاعره، وبأن كل ما يمر به هو مجرد جزء يسير مما يسمى الحب.

.............................................

انشغل زيد بجر عربة التسوق بصمت وكذلك فعلت ليان التي كانت تشعر بالسوء لتجاهله لها بعد كل ما قالته وهي تحاول توضيح أنها لم تقل تلك الكلمات بالنية التي فهمها هو؛ فهي ليست من الفتيات اللواتي يتغزلن بأحد ولو بكلمة. لا تدري كيف خرجت تلك الكلمات من فمها دون أن تشعر فهي حقًا لم تجرب الوقوف أمام رجل بهذه الضخامة والجاذبية من قبل.

لاحظ زيد وجود جواد ورجاله عن قرب على غير عادتهم وكأنهم في حالة تأهب، فاقترب زيد من جواد متسائلًا: ماذا هناك؟

ابتسم جواد برسمية قائلًا: لا شيء ... تدبير احتياطي فقط.

لم يقتنع زيد بالأمر، ولكن لا وقت للنقاش أو الإلحاح فليان تقف على بعد خطوات منهما بانتظاره ليكملا التسوق. مضى بعض الوقت وانتهيا من التسوق، ووضعا المشتريات في السيارة. احتل زيد مكانه خلف المقود بعد أن فتح لها باب المقعد المحاذي له، ولم يتوقف عن النظر في الأرجاء في حين أنها قد بدأت تشعر بالضيق من صمته وتجاهله لها، وغضبه الدائم منها.

انطلق بسيارته وبراكين الغضب تغلي في جوفها، ولم يعد بوسعها كتم مشاعرها أكثر من ذلك، لتقول بنبرة تميل إلى البكاء وقد امتلأت عيناها بالدموع: لمَ تفعل هذا بي؟ لمَ أنت دائمًا غاضب مني والآن تنتقدني وتسخر مني، وتتحدث معي بغضب كأنني ارتكبت جريمة ... لم أقصد تلك الكلمات بنية سيئة ووضحت لك الأمر ... وحتى لو كنت قاصدة التغزل به فما شأنك، ولماذا أنت غاضب مني؟!

ضغط زيد المكابح ونظر لها بحنق وصرخ قائلًا: أنا دائم الغضب منكِ؟ ما الذي فعلته بكِ لتقولي هذا؟ دائمًا أجدكِ خائفة ومرتبكة أمامي كأنني سبق وآذيتكِ ... دائمًا تعتذرين وتشعرينني بأنني شخص متسلط ومتعجرف وتحاولين امتصاص غضبي بالاعتذار ... حتى بعد أن ظننتكِ بدأت تتعاملين بشكل طبيعي معي عدتِ ووضعتِ مسافة أكبر من ذي قبل ... قولي ما الذي فعلته بكِ لأكون مخيفًا لهذه الدرجة؟ ماذا فعلت؟ أجيبي!

انسابت دموع ليان وقد بدأ جسدها يرتجف بعنف إثر صراخه في وجهها وهي التي لم تعتد أن يصرخ أحد في وجهها حتى والديها فقد تربت على الدلال والحب. لم تستطع الرد فلم يكن منها سوى أن فتحت الباب وخرجت تركض مبتعدة ولا تدري إلى أين.

خرج زيد وهو يمرر خصلاته في شعره بغضب، وركض محاولًا اللحاق بها بعد أن غابت بلمح البصر بين المارة. أسرع جواد نحوه متسائلًا: ماذا حدث؟

ضم زيد شفتيه بحنق: تشاجرنا ... دع الجميع يبحث عنها ... هي لا تعرف شيئًا هنا.

كانت تركض وهي تبكي ولا تعرف إلى أين تأخذها قدميها. أنهكها التعب وبدأت تشعر بالدوار، وخشيت أن يحل الظلام دون أن تعود للمنزل وهي لا تعرف أين تكون حتى. وجدت نفسها في شارع ضيق، فبدأت تنظر من حولها، ثم أمسكت بهاتفها لتطلب سيارة أجرة عبر التطبيق، ولكن تفاجأت بسيارة تتوقف بقربها ويخرج منها مروان الذي هاجمها بسرعة، ولكن هذه المرة وضع منديلًا يحوي مادة مخدرة على وجهها وسرعان ما التهمها الظلام.

.........................................................................

ما توقعاتكم للأحداث وماذا سيكون مصير ليان؟!

لا تنسوا التصويت لتشجيعي على الاستمرار 💌🤍



Continue Reading

You'll Also Like

186K 2.7K 17
الروايه قيد التعديل *هي فتاه هادئه ولطيفه عاشت حياتها بين جدران المنزل لم تخرج للعالم ولم تختلط بأحد من البشر غير والدها هو يبحث عن انتقامه منذ مقتل...
302K 9.6K 96
رومانسيه هل ينشأ الحب بقلبها مره أخري... ولكن بمن تقع في الحب.. ب زعيم عصابات..
163K 3.7K 19
لماذا كل من احب يبتعد عني لماذا انا دائما سيئة الحظ لقد كرهت كرهت الحب انه من فعل بي هذا وانت لماذا اتيت ايضا هل تريد الموت انا لا اريد الاذيه لإحد...
110K 3.1K 14
يا ترى ماذا سيحدث مع سيف الظابط العاقل و وهم المذيعة الشعنونه؟؟؟ الجزء الثاني من مسجونتى بقلم فرح أحمد