عمرُ روحي

By MayamShahid

30.6K 1K 458

لا تسألني كم عمري ... اسألني كم عمر روحي. لماذا دائمًا ترتبط فرص زواج الفتاة عكسيًا بالعمر؟! ... كلما زاد عمر... More

الشخصيات
الفصل 1 (حديثي مع النجوم)
الفصل 2 (مشاعر هشة)
الفصل 3 (انطفاء الروح)
الفصل 4 (دموع القلب)
الفصل 5 (فرصة أخرى)
الفصل 6 (كابوس مظلم)
الفصل 7 (رماد قلب)
الفصل 8 (هل هي بداية حب؟!)
الفصل 9 (عاصفة سوداء)
الفصل 10 (طريق النهاية)
الفصل 11 (تحت الركام)
الفصل 12 (روح حرة)
الفصل 13 (ملتقى القلوب)
الفصل 14 (روح خلقت لي)
تنويه هام
الفصل 15 (توأم روحي)
الفصل 16 (هل هو الفراق؟!)
الفصل 17 (ليلة وداع)
الفصل 18 (نتيجة اختيار)
الفصل 19 (لقاء الحبيب)
الفصل 20 (فرصة جديدة)
الفصل 21 (على موعد مع الحب)
الفصل 22 (النصيب الجميل)
الفصل 23 (حفل زفاف)
الفصل 24 (مع الشخص المناسب ستزهر)
الفصل 26 (ظلال من الماضي)
الفصل 27 (لآخر نفس)
الفصل 28 (ارتباك خوف ... أم عشق؟!)
الفصل29 (دقات قلب)
الفصل 30 (ما قبل الطوفان)
الفصل 31 (مزيج غريب)
الفصل 32 (أحتاج إليك)
الفصل 33 (خطوات الشيطان)
الفصل 34 (الكلب الأسود)
الفصل 35 (مكيدة شيطانية)
الفصل 36 (الشر بالمرصاد)
الفصل 37 (كشف المستور)
الفصل 38 (تسوقنا الأقدار)
الفصل 39 (على طريق الحب نلتقي)
الفصل 40 (قريب أم غريب؟)
الفصل 41 (قليل من الوقت بعد)
الفصل 42 (كيد الكائدين)
الفصل 43 (طيف نهاية)
الفصل 44 (الهدوء الذي يسبق العاصفة)
الفصل 45 (روح مهشَّمة)
الفصل 46 (ما بين عشق وظن)
الفصل 47 (دموع خذلان)
اقتباس
الفصل 48 (أزمة ثقة)
الفصل 49 (ما بين أمل وألم)
الفصل 50 (فرحة قلب)
الفصل 51 (دعوة قلب)
الفصل 52 (انهيار)
الفصل 53 (محنة)
الفصل 54 (أمل بالله لا يخيب)
الفصل 55 (رغم الألم)
الفصل 56 (فرصة ... اختيار)
الفصل 57 (معًا ... مهما طال الطريق)
الفصل 58 (أمان القلوب)
الفصل 59 (تقارب القلوب)
الفصل 60 (أمل قلب لا ييأس)
الفصل 61 (سندي وقوتي)
الفصل 62 (الوصال)
الفصل 63 (سحر العناق)
الفصل 64 (لنسرق من العمر ليلة)
الفصل 65 (طريق العودة)
الفصل 66 (قلب عاصف)
الفصل 67 (ملاك وشيطان)
الفصل ٦٨ (فخ محكم)
الفصل 69 (ما بين بداية ونهاية)
الفصل 70 (هدوء .. غضب)
الفصل 71 (الحمل والذئب)
الفصل 72 (نسمات باردة)
الفصل 73 (انتقام شيطاني)
الفصل 74 (جريمة زفاف)
الفصل 75 (ليلة عصيبة)
الفصل 76 (دوامة حيرة)
الفصل 77 (نهاية كابوس)
الفصل 78 (تحطم الجليد)
الفصل 79 (تساقط الأوراق)
الفصل 80 (طريق مسدود)
الفصل 81 (دقات على باب القلب)
الفصل 82 (انتظار وقرار)
الفصل 83 (الأمل في الحب لا ينتهي)
الفصل 84 (صاعقة الموت)
الفصل 85 (أرواح حائرة)
الفصل 86 (فرصة أخرى)
الفصل 87 (ظلال الماضي السوداء)
الفصل 88 (السقوط في وادي الظلام)
الفصل 89 (تلاحم القلوب)
حسابي على تيليجرام
الفصل 90 والأخير (وتستمر الحياة ... بحلوها ومُرّها)
الخاتمة ❤

الفصل 25 (للسعادة مذاق آخر)

410 8 10
By MayamShahid

لا تنسوا التصويت ومشاركتي برأيكم في الفصل بتعليق ❤


صوت المنبه الصادر من الهاتف شق الظلام حتى بدأت تتململ أثناء نومها في حين استيقظ هو وسارع لإطفاء المنبه، ثم نظر لها بعد أن غيرت وضعيتها وابتعدت عن أحضانه كأنها كانت تنتظر أن يفك أسرها بعد أن أبقاها حبيسة ذراعيه لساعات.

ابتسم ومسح على شعرها، ثم توجه إلى الحمام كي يتوضأ. تململت من جديد وبدأت تفتح عينيها، واستغرقت لحظات حتى استوعبت أين هي وماذا حدث، فاتسعت عيناها فجأة وهي تنظر لنفسها وما حولها وأدركت بأنه في الحمام، فعضت على شفتها وهتفت بصوت منخفض: كيف نمت في ليلة كهذه دون أن أشعر؟!

شعرت بالحرج خاصة كونها تعلم كم كان يتوق لهذه الليلة. ما أن خرج من الحمام حتى سارعت بالوقوف أمامه بارتباك قائلة: زين! أنا ... صباح الخير.

كان يطالعها بصمت وهي بقميص النوم الأبيض ذاك، فأشاح بنظره عنها وقال بجمود: صباح النور ... جيد بأنكِ استيقظتِ ... دعينا نصلي الفجر معًا ... سأنتظرك في الأعلى.

قال ما لديه وخرج مسرعًا، فظنت بأنه غاضب مما جعلها تشعر بالحزن، ولكنها لم تكن تعلم بأنه لم يكن قادرًا على الوقوف أمامها وهي بهذا الجمال بينما هو يستعد للصلاة. تبعته بعد دقائق وقد ارتدت ملابس الصلاة وهي تتحاشى النظر إليه، فابتسم خلسة كونه أدرك بأنها تشعر بالخجل منه.

عادا إلى الغرفة بعد تأدية الصلاة والصمت يسود الأجواء. خلعت ملابس الصلاة واستلقت على السرير بجانبه، ثم اقتربت منه بهدوء حتى اتكأت فوق صدره ورمقته ببراءة وندم متسائلة: هل أنت مستاء مني لأنني نمت و ...

ضمت شفتيها وأخفضت بصرها بخجل واضح بينما كان هو يحارب ليمنع ظهور ابتسامته مرغمًا نفسه على التظاهر بالبرود والاستياء. وضع يده أسفل رأسه وقال ببرود يحاول إظهاره: لمَ تقولين هذا؟ هل يفترض بي الشعور بالاستياء لأن عروسي نامت في ليلة زفافنا؟!

رمقته بأسف واضح وقد قوست شفتيها قائلة: آسفة ... لم أشعر بنفسي من شدة التعب ... لم يكن الأمر بيدي.

لم يستطع تحمل رؤيتها بهذا الحال، لكنه يريد كسر حاجز الخجل هذا لديها، لذا عليه أن يقاوم رغبته بضمها الآن والقول بأنه يمازحها وحسب. طال صمته، فرفعت حاجبيها وقوست شفتيها وهي تحسب بأنه لا يزال غاضبًا ولا يريد أن يعلق على الأمر، فاقتربت منه أكثر وطبعت قبلة على وجنته وإذا به يهتف ببرود قائلًا: لست ابن أخيك.

شقت ابتسامة صغيرة شفتيها، ثم طبعت قبلة متأنية على شفتيه، فهمهم قائلًا: طريقك طويل ... يجب أن تبذلي جهدًا أكبر لتصالحيني.

تنهدت والابتسامة بدأت تتسع على شفتيها، فاقتربت منه أكثر وخللت شعره بأصابعها بينما كانت يدها الأخرى على صدره، ولم تترك موضع إصبع في وجهه إلا وقبلته وهو يستمتع بذلك رغم تظاهره بالبرود مما جعلها تهبط بقبلاته لعنقه، فباغتها بجذب ساقها حتى باتت مستلقية فوقه تمامًا، ثم طوق خصرها واعتدل بجلسته حتى باتت هي تقابله جالسة على ساقيه وتحيطه بساقيها، فابتسمت وهي ترى الشغف الذي لمع في عينيه. ضمها إليه بقوة محطمًا شفتيها بخاصته، ويديه تجوبان جسدها بجرأة غير معتادة في حين طوقت هي عنقه بذراعيها. بعد وقت لا بأس به فرقا تلك القبلة ليلتقطا أنفاسهما وإذا به يقول:

- حوري! هل حقًا ظننتِ بأنني غاضب أو مستاء منكِ؟

- ألست كذلك؟ (قالتها وهي ترمقه بنظرات قطة بريئة)

- لست كذلك يا حبيبتي ... هل يعقل أن أستاء لأنكِ غفوتِ من شدة التعب والإرهاق ... أعلم جيدًا كم تعبتِ في الأيام الماضية يا حور وأشعر بكِ ... لن أقول بأنني لم أكن أتوقع هذا، بل فعلت، لذا كنت أستمر بالحديث معكِ في السيارة كي لا تنامي ... يا حوري ... كوننا معًا الآن هو شيء لا يقدر بثمن ... سعادتنا الحقيقية ستبدأ بعد أن أصبحنا تحت سقف واحد ... زوجين على سنة الله ورسوله ... العمر أمامنا ولدينا الكثير لنفعله في الحياة ... آمالنا ... أحلامنا ... أهدافنا ... يدًا بيد وجنبًا إلى جنب على السراء والضراء ... أليس كذلك؟

دمعت عيناها تأثرًا بكلامه وهزت رأسها إيجابًا، ثم طوقت عنقه بذراعيها وقالت من بين دموعها: أحبك يا زين.

ابتسم قائلًا: وأنا أحبك يا حور ... أحبك جدًا.

طال العناق والسكون يسود المكان إلا من صوت أنفاسهما بينما كان هو يقاوم رغبته بها خشية أن تكون لا تزال متعبة فهذه اللحظات المميزة لن تتزين بالسعادة إن لم يستمتع بها كلاهما، لذا فرق العناق وقال: عودي إلى النوم يا حور.

رمقته بحنق طفولي وقالت: لا أريد ... لن أتمكن من النوم الآن.

سرته إجابتها، فابتسم بخبث وقرب وجهه من خاصتها متسائلًا: ماذا تريدين إذًا؟

ابتسمت بخجل وطأطأت رأسها حتى أخفت وجهها بصدره، فقبل أعلى رأسها وغير وضعيتهما بهدوء حتى باتت هي أسفله، ليبدأ هو بالعصف بمشاعرها، مزلزلًا كيانها بأكمله، محطمًا حصونها.

..................................................

وقف أمام المرآة ينثر عطره بينما كانت أمه تراقبه وتبتسم خلسة، ثم هتفت قائلة: الفطور جاهز يا زيد.

التفت نحوها قائلًا بابتسامة عذبة: أنا قادم يا أمي.

جلس إلى المائدة وإذا بها تقول بإحباط مصطنع: أشعر بالشفقة على ليان ... ترى هل تناولت فطورها؟! ... عدنا في وقت متأخر ليلة أمس وبالطبع ستكون متعبة ... هذه المسكينة ليس لديها أم ولا أخت لتحضر لها شطيرة أو فنجانًا من الشاي حتى قبل ذهابها للعمل.

أتقنت تعابير الحزن لتثير عاطفته تجاهها بينما بقي هو ملتزمًا الصمت، ورغم هذا شعرت بأن ما تريده قد تم، فإذا بها تردف برجاء قائلة: دعني أدعوها لتناول الفطور معنا ... اليوم فقط.

صمت لبرهة، ثم قال بجمود: افعلي ما تشائين يا أمي ... لست غبيًا كي لا أفهم بأنكِ تريدينني أن أشفق عليها فقط كي تجعلينها تجلس إلى المائدة ... سنذهب معًا على أي حال ... فلدينا اجتماع هام ولا أريدها أن تتأخر بسبب المواصلات.

ابتسمت أمه بمكر وهي تراه يتحدث دون أن يجرؤ على النظر في عينيها، فنهضت وهي تربت على كتفه قائلة: ستكسب فيها ثوابًا يا زيد ... صديقاتي لم يتوقفن عن سؤالي بشأنها، ويقلن من تلك الجميلة ذات الفستان الأسود التي كانت ترقص معي ...

عادت صورتها لتقفز أمام عينيه وهي ترقص، فأغمض عينيه بحنق وهم بالرد عليها، لكنها كانت قد وصلت باب الشقة حيث ذهبت وطرقت باب شقة ليان، ودعتها لتناول الفطور معهما بما أن زيد سيصحبها إلى الشركة. كانت ليان قد باتت مستعدة للخروج وقد تأنقت بطقم أنيق يتكون من سترة رسمية وتنورة طويلة. شعرت بالحرج من قبول الدعوة، لكن مع إصرار أم يزيد التي تستعجلها لم تستطع الرفض.

دخلت وعندما رأته يتناول فطوره تذكرت تلامس يديهما، فانتابها الحرج من جديد وقالت بابتسامة خجولة: صباح الخير سيد زيد.

رفع رأسه ورمقها بنظرة سريعة، لكنها متفحصة ورد قائلًا: صباح الخير.

طلبت منها أم يزيد الجلوس على الكرسي المقابل لزيد لتتناول طعامها. تزامن شروعهم بتناول الفطور مع قدوم الدادة فاطمة التي رحبت بحرارة بليان، وبدأت تمدح جمالها ليلة أمس وقالت بأن عيون الرجال والنساء كانت مسلطة عليها، فاشتد ضغط زيد على الشوكة بيده وبالكاد منع نفسه من التحدث، فقال في نفسه: لن ننتهي من مدح جمال السيدة ليان.

هتف زيد مقاطعًا: ليان! سأرسل لك بريدًا إلكترونيًا بشأن اجتماع اليوم. زينة أعدته في وقت سابق، لذا أريدك أن تقرئيه جيدًا وإن كان لديك استفسار ما فاسأليني.

..................................................

كانت تغفو على صدره بسعادة وسكينة بينما كانت يده تمسح على شعرها، وتداعب خصلاتها الحريرية كطفلة صغيرة تحتاج الحنان والأمان. راسل جواد ليطمئن على ما فعله بشأن تلك الشائعات، ليخبره الآخر بأن الأمر قد تم ولم يعد لتلك الترهات وجود.

صوت الهاتف الناجم عن كتابة زين للرسائل أيقظها، ففتحت عينيها وابتسمت قائلة: المزيد من العمل ورسائل البريد الإلكترونية؟!

ابتسم زين وأجاب قائلًا: لا يا حبيبتي ... هذا جواد.

همهمت حور، ثم قالت بتحفز: بسبب الراقصة؟ ألن تصمت وتهدأ تلك الشمطاء؟!

ضحك زين وقال: لا ... جواد اهتم بأمرها ... لا تقلقي.

اتكأت على ذراعها لترفع نصفها العلوي قليلًا وهي تقول: جيد.

اقتربت منه وقد تغيرت نبرتها لتتساءل بلطف وابتسامة عذبة: أخبرني ... أين سنذهب؟ إلى الفندق أم المنزل؟

وضع يده خلف رأسه والأخرى بدأت تنخفض بهدوء من رأسها باتجاه ظهرها وهو يقول: لا هذا ولا ذاك ... سنسافر إلى البحر الأحمر ... لدينا منزل هناك على الشاطئ ... سيكون مريحًا وأكثر خصوصية عدا عن أن المكان جميل للغاية ... ما رأيك؟

ابتسمت وهتفت قائلة: طالما هناك بحر فأنا موافقة حتى لو كنا سنبقى في خيمة.

ضحك زين وقال باستنكار: خيمة؟ لن ينفع يا حور ... عيب.

قالها بنبرة عابثة ونظرات ماكرة، فابتسمت بحنق مصطنع قائلة: وقح!

جذبت الغطاء عليها أكثر، فأبعد الغطاء الذي تحاول به إخفاء جسدها عن عينيه، ثم ضمها إليه، فابتسمت بخجل قائلة: ضع الغطاء الآن.

رفع الغطاء عليهما ويديه لا تتوقفان عن العبث بمشاعرها وهو يقول:

- متى ذهبتِ آخر مرة إلى البحر يا حور؟

- قبل نحو عامين ... ذهبت مع أمي في رحلة إلى حيفا وعكا ... عكا كانت ساحرة للغاية خاصة عند الغروب ... كنا في السفينة حينها ... كانوا محقين بتسميتها عروس البحر.

- لماذا لم تذهبي لاحقًا؟ خاصة في الفترة الصعبة التي مررتِ بها ... كان هذا ليخفف عنكِ.

- لأن الأوغاد قاموا بتشديد الإجراءات ... كنا نذهب تهريب يا زين ... دون تصاريح.

- تهريب يا حور ... هذا خطير ... ما هذه الجرأة؟!

ضحكت حور وقالت:

- جرأة؟ أنت لم ترَ الأماكن التي نسميها " الفتحات" في جدار الفصل العنصري ... بعض المناطق يكون هناك أسلاك شائكة أو ما شابه، فيقوم الناس بقطعها أو حتى إزالتها تمامًا ويمرون ... هناك من لديه عمل وهناك من لديه عائلة وأقارب يذهب لزيارتهم وهناك من يذهب للاستجمام خاصة في فترات الأعياد والعطلات الرسمية ... وبالطبع الذهاب إلى القدس للصلاة في المسجد الأقصى ... ليس للناس متنفس آخر يا زين.

- ماذا يفعلون إن حدث وصادفوا الناس في هذه الأماكن؟

- هذا يعتمد حسب الأوامر لديهم وحسب التوقيت والظروف ... في الأيام العادية ربما يكتفون بإطلاق مسيل الدموع وتفريق الناس إن كان هناك عدد لا بأس به ... إن كانوا عمالًا مثلًا، فيقومون باعتقالهم واحتجازهم لساعات أو أيام ... في فترات الأعياد يتغاضون عن الأمر لأن العدد كبير وليس بوسعهم منعهم، فيحفظون ماء وجههم ولا يظهرون؛ فهم على أي حال سيعرفون كل من دخل وإلى أين ذهب بسبب كاميرات المراقبة ... إن كان الوضع مشتعل وهناك تخوف لديهم من حدوث شيء ما ضدهم فإنهم يطلقون النار وحدث هذا كثيرًا.

- لماذا تغامرين يا حور؟ كيف ترمين نفسكِ بهذا الخطر؟

- لكل أجل كتاب يا زين ... لن أموت وعمري ناقص.

- حور! ماذا لو أمسكوا بكِ؟!

- لقد فعلوا ... في رمضان ... كنت أنا وأمي نود الذهاب إلى القدس وما أن تحركت الحافلة قليلًا بعد دخولنا من الفتحة ظهروا لنا من بين الأشجار وأمسكوا بنا.

- وماذا فعلوا؟

- قاموا بتصوير الحافلة من الداخل والخارج ونحن جالسين فيها بالطبع، واحتجزونا لساعات طويلة، ووقعنا على تعهد بعدم تكرار الأمر كالطالب المشاغب.

- ماذا؟ وماذا حدث لاحقًا؟

- لا شيء ... عدنا للبيت وذهبنا في الجمعة التالية ونجح الأمر.

- آه يا حور!

ضحكت حور وقالت: ماذا؟ أنا لا أحد يملي عليَّ ما أفعله.

تنهد بتعب، ثم رفع حاجبه وتساءل بمكر: لا أحد؟!

ابتسمت وهي تداعب لحيته وشفتيه بأناملها، ثم قالت بدلال: من أحبهم فقط.

طبع قبلة في راحة يدها وقال: لا أحد سيملي عليكِ ما يجب أن تفعليه ... أثق بأنكِ دائمًا ستختارين الصواب وستفعلين الشيء الصحيح.

ابتسمت حور ورمقته بتأثر فهي ليست محض جملة عابرة وكلاهما يدرك ذلك ... لن يجبرها ... لن يُكرِهها على شيء ... لن يهينها ... لن يؤذيها أو يجرحها ... فهي غالية ... غالية جدًا.

وضعت رأسها على صدره براحة واطمئنان وساد الصمت لبعض الوقت إلى أن قال هو: ألستِ جائعة؟

رفعت رأسها وابتسمت قائلة: بلى، جائعة للغاية.

أمسك بوجنتها وقال بحب: لنغتسل إذًا ونتناول فطورنا، ثم ننطلق في طريقنا مبكرًا، اتفقنا؟

نهض وأخذ ملابسه متوجهًا إلى الحمام بينما نهضت هي الأخرى لترى ماذا سترتدي.

مضى بعض الوقت وباتت هي مستعدة وقد ابتسمت برضا وهي تنظر لنفسها في المرآة. صعدت للأعلى، فوجدته قد أعد طعام الفطور. مد يده نحوها بابتسامة عذبة، فأمسكت بيده وجلست قائلة بسرور واندهاش: قمت بإعداد الفطور.

استشعر من ردة فعلها بأن هذه المرة الأولى التي يعد لها فيها رجل الطعام. ابتسم وهو يجلس بجانبها قائلًا: شيء بسيط نظرًا للإمكانيات المحدودة هنا ... طلبت منهم وضع ما يكفي من الطعام، ولكن معظم ما أحضروه لا تحبينه ... اعذريني.

احتضنت يده بكفيها قائلة: لا تقل هذا ... هذا الطعام أكثر من كافٍ ... سلمت يداك.

لا يريد أن يقارن، ولكن رغمًا عنه يتذكر بعض المواقف سواء مع كارمن أو ندى. لم تكن أي منهما لتقبل بفطور بسيط كهذا، وبإمضاء ليلة زفافهما في اليخت في مكان بسيط كهذا في نهر النيل. لا فندق ولا منتجع ولا أي مكان فاخر، فلا شيء يمكنه إرضاء غرورهن وعجرفتهن بسهولة، لكن هذه الجميلة التي تجلس أمامه ترى كل شيء جميل فقط لأنه معها، وكل ما يفعله من أجلها مهما كان بسيطًا تراه عظيمًا.

وضع اللقمة الأولى في فمها، فازداد تأثرها ورمقته بحب فلم يكن منه إلا أن ابتسم وقبل رأسها وهو يدعو الله بداخله أن يحفظها له من كل سوء.

..............................................................

يجلس على كرسي أمام بقالته وينفث دخان أرجيلته "الشيشة" بشرود عندما رن هاتفه مجددًا باسم ذلك البغيض -أحد جيرانه الذي لم يره منذ وقت طويل- وهو يتساءل ما الذي يريده منه حتى يزعجه باتصالاته المستمرة منذ ليلة أمس. قرر أن يجيب لينتهي من هذا الإزعاج وبعد حديث قصير تساءل الآخر: هل كانت ابنة عمك في القاهرة ليلة أمس؟

تحفزت حواسه وضيق ما بين حاجبيه قائلًا: لمَ تسأل؟

أجاب الآخر: رأيت فتاة تشبهها ليلة أمس في حفل زفاف رجل أعمال هام ... كانت تبدو مختلفة بلباسها وزينتها وشككت بنفسي إلى أن سمعت أحدهم يناديها باسمها.

احتدت ملامح مروان وهتف قائلًا: هل أنت متأكد بأنها هي؟

رد الآخر مؤكدًا: أجل، حتى أنني قمت بتصويرها خلسة ... سأرسل لك الصورة لتتأكد.

أرسل له صورتها وتأكد من أنها هي بالفعل، فعاد ليكمل حديثه معه ليعرف التفاصيل، ويرى إن كان هناك طريقة ليعثر عليها.

.........................................................

انتهى الاجتماع وانفردت ليان بزيد في غرفة الاجتماعات، ووجدت الفرصة سانحة لتسأله عن زينة التي لا ترد على الرسائل ولا الاتصالات حتى الآن.

- سيد زيد! هل زينة بخير؟ إنها لا ترد على اتصالاتي ولا رسائلي؟

- لماذا تتصلين بها؟ هل تحتاجين لشيء منها؟

- كلا، ولكن لأطمئن عليها. ربما تمر بظرف ما وتحتاج إلى المساعدة.

- زينة لا تحتاج لمساعدة أحد سوى نفسها. لا تقلقي بشأنها.

- هل كلامك هذا يعني بأنها تركت الوظيفة أم ماذا؟

- ربما تترك العمل، لا أدري.

تنهدت بإحباط، فإجاباته المقتضبة لم تكن شافية مما جعله ينظر لها ويقول بجدية: اسمعيني جيدًا ... ركزي على عملكِ وحسب ... لا تأبهي بشأن الآخرين ... فتاة أخرى غيرك لوجدتها فرصة سانحة لتثبت لمديرها بأنها الأفضل كي يستغني عن الأخرى.

ردت ليان بعفوية: لكنني لم آتِ إلى هنا لأقطع برزق أحد أو أتسبب بطرد أحد.

رمقها بنظرات لم تفهم معناها، لكن أعجبه ردها وعفويتها والطيبة التي تغلغلت في صوتها مما جعله يتساءل إن كان هناك حقًا في هذا الزمن فتاة بهذه الطيبة. حمحم زيد، ثم قال: الأمر ليس كذلك، حتى لو عادت زينة فأنا سأقوم بنقلها لقسم آخر.

زمت شفتيها وقد بدت على ملامحها الحيرة والفضول، فتنهد زين كونه يعلم بأن أمر زينة سيشغلها وربما لن تركز في عملها كما يجب وهو يحتاج إليها بكامل تركيزها وطاقتها.

- ليان! هل تريدين أن تعرفي السبب؟

- أجل، لأنني قلقة عليها.

ابتسم زيد فكيف تقلق عليها ولم يمضِ على معرفتها بها سوى بضعة أيام. أشار لها على كرسي بقربه طالبًا منها الجلوس، ثم نظر لها قائلًا:

- ما سأقوله لكِ هو سر وإياك أن يخرج حرف مما سأقوله الآن من بين شفتيكِ، هل فهمتِ؟

- أعدك بذلك.

- في الأشهر الأخيرة لاحظنا بأن زينة تحب أخي زين ... زين يعتبرها أخته الصغرى، وجميعنا نعاملها بود فهي فتاة مجتهدة ومخلصة في عملها ... كنا قلقين بشأن خطبة زين فقد قام بعقد قرانه منذ شهر، وأخفينا الأمر إلى حين اقتراب موعد زواجه ... لا بد من أنكِ لاحظتِ أن أمر إجازتها أتى مع إعلان زين لزواجه.

قوست ليان شفتيها بحزن وهمست قائلة:

- مسكينة!

- أجل، مسكينة ونحن حزينون من أجلها، ولكن عليها أن تنسى هذه المشاعر التي لا أمل منها، لم يكن أمامنا حل سوى إبعادها عن زين على أمل أن تنتهي مشاعرها تجاهه مع الوقت في حال بقيت بعيدة عنه.

- هل هذا يعني بأنكم أحضرتموني لأتولى منصبها بسبب هذا الأمر؟

- أجل، في البداية كنا نود تعيين مساعدة شخصية لزين وحده، لكنها ما أن علمت أصرت بأن تكون هي قائلة بأنها ستدرب أخرى لتأخذ منصبها هنا، ومع زواج زين الآن فلم يعد بوسعنا تركها هنا مطلقًا من أجلها هي قبل أن يكون من أجل عملنا.

- فهمت ... لكنني رغم هذا ... أشعر بالسوء من أجلها ... كأنني أتيت لأخذ منصبها.

- لا ... لستِ كذلك ... إن قدمت استقالتها فهذا أمر يخصها وحدها ... وإن عادت سنقوم بنقلها وهذا لن يؤثر على راتبها ... الأمر لا يتعلق بكِ ولم تقومي بإيذائها ... هي من آذت نفسها بالتعلق بشخص والوقوع في الحب من طرف واحد ... هل فهمتِ؟

أومأت ليان برأسها إيجابًا، فعاد زيد ليذكرها بضرورة عدم التحدث بشأن هذا الأمر، فابتسمت قائلة: لست ثرثارة وبالطبع لا يسعني التحدث عن أحد بالسوء أو أقدم على ذنب كالغيبة والنميمة، فاطمئن. سأنهي الملف المتعلق بالاجتماع وأحضره لك.

................................................................

خرجت حور من السيارة بعد أن سارع زين ليفتح لها الباب وأمسك بيدها، فنظرت من حولها باندهاش وقالت: زين! هذه طائرة خاصة.

هز رأسه إيجابًا بخفة، فأردفت قائلة: أهي لكم؟

ابتسم زين وهو يجذبها ليمشيا باتجاه الطائرة قائلًا: لنا يا حور ... لنا.

سارع أحدهم لإحضار الحقائب من السيارة بينما خرج أشخاص من سيارة الحراسة التي كانت تتبعهم عن بعد ليتوزعوا في المكان. أحاطها زين بذراعه وحرص على أن تجلس بجانب النافذة في الطائرة. ما أن بدأ الإقلاع تمسكت بيده بقوة، فابتسم وربت عليها قائلًا: مرة بعد أخرى ستعتادين على الأمر ... لا داعي للخوف حبيبتي ... لا يعقل أن المرأة التي لا تخاف من جيش مدجج بالسلاح ستخشى طائرة كهذه؟

ابتسمت قائلة: والله لم أجرب أن أكون معلقة في الهواء سوى عند سفري إلى تركيا وقدومي إلى هنا.

ضحك زين وضمها إلى صدره مقبلًا جبينها، ثم قال: انظري من النافذة واستمتعي.

ضمت شفتيها ورمقته بنظرات بريئة ومحرجة في الوقت ذاته قائلة: لدي رهاب من المرتفعات ... لا يمكنني النظر للأسفل من مكان مرتفع ... أشعر حينها بأنني سأقع.

وضع يده على وجنتها وقال: ومن لديه رهاب المرتفعات كيف يسعه تجربة الألعاب التي ترتفع وتطير في مدينة الملاهي وما إلى ذلك؟!

رمقته بحيرة قائلة: أكون خائفة، ولكن رغبتي بتجربة الأمر تتغلب على خوفي.

ابتسم وهو يداعب وجنتها قائلًا: لا يبدو لي رهابًا يا حور ... ربما تخشين المرتفعات وهذا طبيعي، لكن ليس لدرجة أن يكون رهابًا ... من لديه رهاب من شيء لا يجرؤ مطلقًا على خوض تجربة تثير خوفه ... عدا عن هذا فهو يصاب بالهلع ويصبح هائجًا وغيرها من الأمور.

ابتسمت حور باستنكار قائلة: الرهاب درجات متفاوتة ... أنا فقط أتماسك بكل قوتي كي لا يسخر مني أحد في مثل هذه المواقف ... هل ترى الشقة التي سنسكن فيها؟! لن أجرؤ على النظر من نوافذها لأنني سأشعر بالدوار.

ابتسم واستمر بمحادثتها كي يشغلها عن أمر الإقلاع قدر المستطاع، ثم بدأ بلفت نظرها لبعض الأماكن وخاصة الأهرامات وبالفعل نسيت أمر خوفها، وبدأت تبادله الحديث بحماس، وتسأله متى سيذهبان لزيارة الأهرامات.

بعد قليل من الوقت توقفت السيارة أمام منزل جميل مكون من طابقين يقع على الشاطئ. بعيد بعض الشيء عن بقية المنازل والأسواق. ابتهجت حور برؤية البحر، واقتربت أكثر وهي تجذب زين من يده والذي كان يحدق بها مبتسمًا، فكم كان سعيدًا برؤيتها سعيدة ومبتهجة هكذا كطفلة صغيرة. رأت أحدهم يتقدم حاملًا حقائبهما متوجهًا نحو المنزل، فهدأت وابتعدت عنه قليلًا وقد شعرت بالحرج، ثم قالت: زين! ما الداعي للحراسة وما إلى ذلك؟ هل هناك شيء يجب أن أعرفه؟

ضمها زين بذراعه وقال: إنه إجراء طبيعي ... كنت أعلم بأنكِ ستنزعجين، لذا كانوا يحافظون على مسافة بيننا ورغم هذا لاحظتِ وجودهم ... حبيبتي الذكية.

ابتسمت حور وعقبت بجدية: زين! لا تخفِ عني شيئًا من فضلك ... لست ضعيفة ولا جبانة ... عدا عن هذا فأنا أثق بك ... لكن جهلي بأمر ما سيكون نقطة ضعفي.

ضم زين شفتيه ونظر للبحر بحيرة، فقالت متسائلة: هل هي المدعوة ندى؟ هل تخشى أن تؤذيني؟

ضمها زين إلى صدره بقلق يحاول إخفاءه وقبل رأسها قائلًا: لا شيء يدعو للخوف يا حور ... إنه مجرد إجراء احتياطي ... لقد حاولت الدخول ليلة أمس وافتعلت ضجة، وقالت الكثير من الترهات.

رفعت حور رأسها لتنظر في عينيه وابتسمت قائلة: دعها تواجهني وسترى ما سأفعله بها ... يجدر بها أن تخاف مني وليس العكس ... منذ قليل كنت تقول بأنني لا أخاف من جيش مدجج بالسلاح، فهل سأخشى امرأة مجنونة مثلها؟!

داعب زين أنفها بأنفه قائلًا: حبيبتي الشرسة ... دعينا ندخل لأريك المنزل ... ونكمل حديثنا في غرفتنا.

قال جملته الأخيرة بمكر، فضحكت حور وقالت باستنكار: والبحر يا زين؟!

باغتها بحمله لها بين ذراعيه قائلًا: سيغدو الجو حارًا أكثر في الظهيرة ... لنرتاح في المنزل ونخرج قبيل الغروب ... أنتِ تحبين البحر عند الغروب.

ضحكت حور قائلة: لقد أقنعتني.

......................................................

وسط انشغاله بالعديد من الأوراق أمامه وردته مكالمة من أمه، فابتسم ورد عليها بمرح رغم صوته المتعب.

- لقد تأخرت يا بني ... ألن تأتي لتناول الغداء؟!

- كلا يا أمي ... هناك الكثير من العمل ... سأتدبر أمري بشيء ما.

- لا ... أرسل السائق كي يأخذ طعام الغداء.

- لا داعي لذلك يا أمي سـ ...

- زيد! أرسل السائق بسرعة.

- حاضر يا أمي.

لا يسعه مجادلتها فقد أصدرت الأمر ويجب عليه التنفيذ كما هو حالهم جميعًا معها. كلم السائق وأملى عليه ما طلبته أمه، ثم عاد ليركز في عمله.

عاد السائق يحمل الطعام وسلمه لليان التي تساءلت ما هذا، فقال بأن السيدة أم يزيد أرسلت الطعام لزيد. هاتف السائق أم يزيد بسرعة قائلًا بأنه سلم الطعام لليان وستدخله لزيد، فقامت الأخرى بدورها بمهاتفة زيد قائلة بأنها وضعت ما يكفي له ولليان كي تشاركه تناول الطعام بحجة أنها تعلم أنه لا يحب تناول الأكل بمفرده.

مسح زيد على وجهه بنفاذ صبر وقد باتت ليان تقف أمامه وهي تحمل الحقيبة التي تحوي الطعام وتنتظر انتهاء المكالمة لتخبره. انتهت المكالمة وهمت ليان بالحديث، فقاطعها قائلًا: أعلم ... كنت أتحدث مع أمي.

وضعت ليان الحقيبة على الطاولة وهمت بالخروج، فهتف زيد: انتظري ... أمي قالت بأنها وضعت لكِ حصتكِ.

انتابها الحرج من جديد وهي تراه يتوجه نحو حقيبة الطعام ليخرج ما فيها، ليتفاجأ بأن أمه لم تضع وجبتين منفصلتين، بل كمية مضاعفة وحسب وهذا يعني بأنهما مضطران للجلوس معًا وتناول الطعام. ضم شفتيه باستياء، ثم التفت لليان قائلًا: اجلسي لنتناول الطعام.

صمتت لبرهة وهي لا تزال تقف مكانها متسائلة إن كان عليها الرفض أو القبول، فرفض دعوته سيكون محرجًا وقبولها لها ليس بأقل حرجًا خاصة وهي ترى ملامح الاستياء مرسومة على وجهه.

نظرة واحدة منه ليرى سبب تجمدها مكانها كانت كافية لتجعلها تمشي وتجلس بقربه. تهلل وجهه عندما رأى بأنها قد طهت له طعامه المفضل، وكان سيستاء حقًا إن لم يأكل منه. بدأ بتناول الطعام في حين همست ليان قائلة: أنا آسفة.

استغرب زيد ما تفوهت به والتفت لها متسائلًا: ماذا؟ بشأن ماذا؟

طأطأت ليان رأسها وهي تمسك بالملعقة وأجابت قائلة: على كل شيء ... أعلم بأن والدتك تضعنا في مواقف محرجة فقط لأنها تشفق علي ... ربما يكون السيد فاروق قد أخبركم بالكثير عني وهذا سبب محاولتها التقرب مني ... أعلم بأنك مستاء من هذا الوضع ... لكن لا يسعني الرفض أمام إصرارها ... أحاول، ولكن ...

ضمت شفتيها وهي تحاول منع نفسها من البكاء؛ فكونها ترى نفسها موضع شفقة بالنسبة للآخرين شاق على نفسها. نهضت ليان وهي تكرر اعتذارها وتوجهت نحو الباب، فهتف زيد: ليان! مهلًا.

وقف وتوجه نحوها حتى وقف أمامها قائلًا: هل تحسبين بأن لطف أمي تجاهكِ محض شفقة؟!

نظرت له ليان بعينين دامعتين في حين أردف هو قائلًا: زينة ليست بأفضل منكِ حالًا فهي أيضًا يتيمة الأب ومسؤولة عن أمها المريضة وأخوتها الصغار. هي لديها مسؤوليات أكثر فأنتِ على الأقل لستِ مسؤولة عن تأمين مستقبل وحياة أحدهم، هل فهمتِ قصدي؟

أومأت ليان برأسها نافية وتلك الدموع التي تداعب عينيها الجميلتين لامست قلبه بطريقة غريبة لم يجربها من قبل، وتعابير القطة البريئة المرسومة على وجهها جعلته يبتسم ويقول: ما أقوله هو بأن أمي أحبتكِ وارتاحت لكِ، وستبالغ باهتمامها بكِ أكثر بعد فلا تنزعجي من ذلك. هل تحسبين بأنها دعتكِ إلى منزلها وتحدثت معكِ فقط من أجل السيد فاروق؟! هي تحب التعرف إلى الجميع ... حتى أن جميع الموظفين هنا يعرفونها؛ ففي رمضان من كل عام تقوم بدعوة جميع الموظفين في أحد المطاعم للإفطار. تناولت الطعام مع زينة عدة مرات خلال زياراتها للشركة. عندما كانت تسافر لم تكن تنسى إحضار هدية لها ولغيرها ممن يعملون هنا. أمي تحب أن تكسب القلوب كونها ترى بأن إحسانها هذا سيعود علينا بالخير. أمي قابلت حور زوجة أخي زين في العمرة، هل تعلمين أول ما فعلته عندما رأتها؟

لا زالت ليان ترمقه بترقب بانتظار ما سيقوله، فابتسم وأردف قائلًا: دعتها لتناول الطعام ... رغمًا عنها كما تفعل بكِ تمامًا ... هذا ما تفعله بدافع الحب وليس شيئًا آخر ... هل فهمتِ الآن؟

ابتسمت ليان وطأطأت رأسها وهي تهزه بالإيجاب في حين هتف هو قائلًا: هيا لنتناول الطعام قبل أن يبرد ... هذا طعامي المفضل ولن أسامحكِ على التأخير.

ابتسمت ليان وتبعته على استحياء حتى شرعا بتناول الطعام بينما كان هو يعيد ما قاله في عقله، ثم قال في نفسه: لا ... لا يعقل ... هل أمي تفكر بها كزوجة لي؟

رفعت ليان رأسها وهي تتناول الطعام، فوجدته يحدق بها بنظرات مبهمة، لكن ما أن التقت نظراتهما أشاح بنظره عنها وارتشف الماء. انتهيا من تناول الطعام وبدأ كلاهما بإعادة علب الطعام للحقيبة، ثم هتف زيد: كونكِ أصبحتِ مقربة من أمي فهذا لا يعني بأنكِ ستحظين بمعاملة خاصة في العمل ... علاقتكِ بها شيء وكونك موظفة هنا شيء آخر ... أبقي هذا في ذهنكِ.

ابتسمت ليان قائلة: أجل، بالطبع سيد زيد. هل أحضر لك بعض القهوة؟

تنهد زيد وقال: شاي ... أريد كوبًا كبيرًا من الشاي ... وليكن ثقيلًا.

اتسعت ابتسامتها وهي ترى تعابير وجهه الجديدة هذه، فعلى ما يبدو بأنه استمتع بطعامه حقًا فقد لاحظت بأنه أكل الكثير.

عادت ليان بعد دقائق وهي تحمل فنجانًا كبيرًا من الشاي، فتهلل وجهه وهو يرمق الشاي بحب كطفل صغير ينتظر مشروبه المفضل. ابتسمت ليان وسألته إن كان يحتاج إلى شيء آخر، فعادت ملامحه المعتادة وطلب منها ملفًا ما. عادت إلى مكتبها وهي تبتسم باستغراب من سرعة تحول ملامح وجهه وقد أدركت بأن هناك وجهًا آخر لم تره منه بعد والذي على ما يبدو لطيفًا للغاية.

...........................................

وصل مروان إلى الشركة ودخل ليسأل إن كانت ليان تعمل لديهم، فرفضوا الإدلاء بأي معلومات. حاول كثيرًا، ولكن مظهره المريب وإلحاحه جعل الموظفة تطلب رجال الأمن له مما جعله في حاله هياج أجبرت رجال الأمن على إخراجه بالقوة.

بقي ينتظر في الخارج بتحفز وشر واضح في عينيه عازمًا على انتظار خروج جميع الموظفين ليرى إن كانت من ضمنهم أم لا بعد أن أكد له جاره بأنها قد غادرت برفقة أم يزيد.

..............................................

تجلس ممددة بين أحضانه وتستند بظهرها إلى صدره وهما يراقبان انعكاس السماء عند الغروب في البحر.

- هل تريدين أن نذهب إلى أحد المنتجعات القريبة؟

- لماذا؟ ما خطب هذا المكان؟

- سيكون هناك إطلالة أفضل ... سنجد خيارات أوسع بشأن الطعام والشراب ولن نضطر لإعداد شيء ... كذلك هناك نشاطات متنوعة يمكننا فعلها فهناك مسابح وأسواق وغيرها من الأمور.

- هل ترغب أنت بذلك؟

- أنا أقترح هذا من أجلك حبيبتي كي لا تشعري بالملل هنا.

- لن أشعر بالملل فأنا أحب الهدوء والخصوصية كما تعلم ... هنا يمكننا إعداد الطعام الذي يعجبنا أو نقوم بطلبه من مكان ما ... المكان هادئ وجميل ولا أحد يراقبنا أو يترصدنا ... يكفي بأن هناك شاطئ لنا وحدنا لنلهو ... الأهم من كل هذا بأننا معًا ... فلا أهمية للمكان طالما أنت بجانبي.

ابتسم وضمها إليه أكثر وقد تذكر غضب كارمن عندما اقترح عليها القدوم إلى هذا المكان في ذكرى زواجهما، ورفضت الأمر رفضًا تمامًا وفضلت الذهاب إلى منتجع فاخر بعد أن كانت تود السفر إلى أوروبا، ولكنه رفض حينها لضيق وقته.

قبل رأس حور وقال: لو بقيت أردد كلمة أحبكِ طوال حياتي فلن يعبر هذا عما في قلبي لكِ يا حور.

رفعت رأسها تنظر إليه وقد ابتسمت بحب قائلة: أتحبني لهذه الدرجة يا زين؟

أجاب وهو ينخفض باتجاه شفتيها قائلًا: وأكثر.

التقط شفتيها بقبلة مليئة بالحب والشغف، ثم عدلت حور جلستها بين ذراعيه وطوقت جذعه واضعة رأسها على صدره بعد أن بعثر دقات قلبها. مسح على رأسها وقال: هل أنتِ سعيدة معي يا حور؟

رفعت رأسها وابتسمت قائلة: أنت تعرف الإجابة جيدًا ... أنا أسعد امرأة على وجه الأرض لوجودي إلى جانبك ... السؤال الحقيقي هو هل ستبقى سعيدًا معي يا زين؟! ... سأكون كاذبة إن قلت لك بأن هذا الأمر لا يخيفني والجميلات من حولك في كل مكان و ...

وضع أصابعه على شفتيها مشيرًا لها بالصمت، ثم قال: لا تكملي ... أنتِ الأجمل يا حور ... الآن وغدًا وإلى الأبد ... أنتِ الأجمل في نظري وإياك أن تشكي بذلك ... لقد غرني جمال الشكل من قبل يا حور وندمت أشد الندم لأن القلوب كانت بشعة للغاية ... والآن ... كيف عساي ألا أكون سعيدًا الآن وقد وجدت الجميلة قلبًا وقالبًا؟!

ابتسمت وقد لمعت الدموع في عينيها بتأثر، ثم طوقت عنقه بذراعيها قائلة: أحبك يا زين.

تمالك زين نفسه كي لا يتأثر بدموعها تلك وفرق عناقهما قائلًا بمرح: نحن لم نتفق على فقرة النكد هذه ... اتفقنا على أمور لطيفة وجميلة.

ضحكت حور وهي تمسح الدموع العالقة في محجريها وتساءلت قائلة: مثل ماذا؟

ابتسم وهمس لها في أذنها، فشهقت وقالت بحنق مصطنع: أنت حقًا قليل الأدب.

ضحك زين وقال: كل الرجال قليلو الأدب عندما يتعلق الأمر بالنساء ... سنصلي المغرب وأعطيكِ بعض النصائح ... تعالي فقط.

نهض وهو يجذبها من يدها لتتبعه وهي لا تكاد تتمالك نفسها من شدة الضحك.

الأيام الجميلة تمضي سريعًا وها هي حور تودع عائلتها في المطار فور عودتهم جميعًا من الغردقة. انضمت عائلتها لهما قبل بضعة أيام ومكثوا في منتجع قريب حيث شعرت حور بسعادة مضاعفة وهي ترى والديها سعيدين في هذا المكان. أمضوا أيامًا جميلة بين التنزه والتسوق، واطمأنوا على سعادة حور مع زين الذي يعاملها كأميرة. حان وقت الوداع الذي لم يكن خاليًا من الدموع والوصايا لابنتهما الوحيدة التي يأملان بأن تدوم سعادتها هذه المرة.

عادت مع زين إلى شقتهما ولا زالت حور تحاول منع دموعها المتواترة على وجنتيها دون جدوى. جلست على طرف السرير في حين كان هو يدخل الحقائب، ثم جلس بجانبها وضمها إلى صدره قائلًا: كفى يا حبيبتي ... تبكين كأنكِ لن تريهم بعد الآن.

نظرت له برجاء وقالت: سنذهب لزيارتهم بين الحين والآخر، أليس كذلك؟

رد زين مؤكدًا: بالطبع يا حبيبتي ... متى شئتِ؟

مسح دموعها بأصابعه، ولكن نظراتها بقيت معلقة به كأنها تتحرى الصدق في عينيه، ثم تساءلت قائلة: حقًا يا زين؟ ألن تمانع سفري من حين لآخر؟ هم لن يتمكنوا من السفر باستمرار، لذا ...

مسح على وجنتها بيده وهو يشتم مصطفى بداخله، أكان يمنعها من زيارة أهلها أيضًا؟ كم وعدًا أخلف به معها كي تصبح متشككة بكل الوعود التي تقطع لها حتى من أقرب الناس لها؟

ضمها إلى صدره وقبل جبينها قائلًا: كيف عساي أمانع زيارتك لأهلكِ يا حور؟! من حقك زيارتهم والاطمئنان عليهم متى شئتِ يا حبيبتي. يمكننا ترتيب أمر السفر كل بضعة أشهر، اتفقنا حبيبتي؟

أومأت برأسها إيجابًا وهي تطوقه بذراعيها بامتنان وتمسك غريب كأنها الآن باتت تشعر بأنها وحدها وليس لها سواه هنا. هل انتابها شعور بأنها باتت غريبة الآن؟! أهذا هو ما كانت تخشاه؟! ضمها بقوة أكبر وهو يتعهد بأن يكون لها الوطن، والدرع الحامي، والحضن الدافئ، والملجأ الآمن، سيكون لها كل شيء قد تحتاجه.

..........................................................

يراقب خروجها ودخولها بشكل يومي، وبات يعرف مكان سكنها، لكن حتى الآن لم يجد فرصة للانفراد بها أو مواجهتها. لقد بات ذهابها وعودتها مع زيد يشكل عائقًا أمامه وفي الوقت ذاته يجعله يستشيط غضبًا وهو ينسج حكايات عنهما لا تمت للواقع بصلة. بعد أن كان ينوي قتلها من شدة غضبه لمعت في ذهنه فكرة شيطانية؛ فقد بات يراقبهما طوال الوقت وحتى في الاجتماعات الخارجية التي يعقدها زيد ليلتقي ببعض العملاء في مطعم ما. التقط لهما العديد من الصور ليهددها بها ويتعهدها بفضيحة لا مثيل لها فهو لا يريد إثبات شيء فإثارة الشكوك وجعل الناس يتكلمون يعد شيئًا كافيًا. كل ما يريده هو أن توقع على ورقة تنازلها عن ملكية بيتها له وما أن يحصل على مراده سيفكر بفعل شيء يرضيه لينتقم منها بعد ما فعلته به آخر مرة.

...........................................

أخذت ليان ملفًا ما إلى زيد وأشار لها بالجلوس ريثما ينتهي منه، ولاحظ الحيرة المرسومة على وجهها، فسألها قائلًا:

- ماذا هناك؟

- زينة! تبدو غريبة للغاية ... كل شيء فيها غريب ... لباسها ... مظهرها ... طريقة كلامها معي ومع الآخرين ... لا أدري.

- لا تأبهي لها ... إنه محض رد فعل على صدمتها لتحاول الظهور بقوة.

- أنا أشفق عليها وفي الوقت ذاته ...

- ماذا؟

- تعاملني بطريقة سيئة ... تحدثني بلهجة آمرة ... لا أدري ماذا عساي أقول.

طأطأت ليان رأسها، فتنهد زيد قائلًا: لقد لاحظت ذلك ... سأبلغها في نهاية اليوم بقرار نقلها فمن الخطأ أن تبقى هنا على أي حال.

في الصباح دخلت زينة الشركة بطقم يتكون من تنورة قصيرة وسترة باللون الأحمر، وقد بالغت بتبرجها وزينتها لدرجة أنها لفتت نظر الجميع، وجعلتهم يتساءلون ما خطبها فهم لم يعتادوا على ذلك منها. لم تكن من الموظفات اللواتي يتعمدن ارتداء الملابس المغرية، وكانت دائمًا تحافظ على نمط معين في ملابسها فقد كانت أنيقة ومحافظة في الوقت ذاته.

تفاجأت ليان وكذلك زيد برؤيتها على مكتبها بوجه متجهم وتحدثهما بنبرة جافة تميل إلى الحدة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد باتت تلقي بالأوامر على ليان معلنة نفسها كمسؤولة عنها، ونبرة الازدراء واضحة في نظراتها ونبرة صوتها الآمرة.

..........................................

أديا صلاة العشاء معًا وإذا بهاتف حور يرن، لتجد بأن أمها تتصل بها. ردت بقلق كعادتها اليوم فقد بقيت على تواصل بها لتطمئن عليهم. طمأنتها أمها بأنهم قد وصلوا منزلهم للتو، فابتسمت حور بارتياح وتبادلت الحديث معها قليلًا بينما كان زين يرمقها بحب وهو سعيد بعودة ابتسامتها من جديد.

قفزت حور وتعلقت بعنق زين عقب انتهاء المكالمة، فابتسم زين وقال ممازحًا: الحمد لله على عودتك يا حور.

ضحكت حور وقالت: كنت قلقة عليهم ... لقد رأيت الإجراءات ... التعب ... والانتظار.

مسح على شعرها بحنان وقال: أعلم يا حبيبتي ... بما أنكِ لم تأكلي جيدًا اليوم ما رأيكِ بالخروج إلى مكان ما؟

اتسعت عيناها بحماس قائلة: موافقة ... سأعوضهم عن الوجه البائس الذي رأوه مني اليوم عند تناول طعام العشاء، لذا دعنا نخرج جميعًا ... ما رأيك؟

راقه الأمر للغاية وتفاجأ بمبادرتها تلك؛ ففي العادة تحب المرأة الانفراد بزوجها خاصة أنهما في الأيام الأولى لزواجهما. ابتسم زين قائلًا: حسنًا، لنبدل ملابسنا ونذهب لنسأل أمي والبقية.

أومأت برأسها إيجابًا وطبعت قبلة خاطفة على وجنته وهمت بالذهاب، فجذبها من يدها إليه مجددًا وقال بحنق مصطنع: لست ابن أخيكِ يا حور.

ضحكت حور وطبعت قبلة متمهلة على شفتيه، فابتسم قائلًا: أجل، هكذا.

ضحكت حور وهزت رأسها باستنكار متوجهة إلى الخزانة.


..................................................................................................

فضلًا لا تنسوا التصويت ولا تنسوني من كلمات التشجيع

انتظروا أحداث مثيرة في الفصول القادمة🔥🔥


Continue Reading

You'll Also Like

1.3M 24.4K 63
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" الذي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...
15.7M 340K 55
باردة حياتها معه ....لا تعلم سبباً واحداً يبرر بروده معها أو عدم اهتمامه بها...فقد تزوجها و لا تدرى لما اختارها هى تحديداً..؟! سارت كالعمياء فى طريقه...
505K 24K 35
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
341K 7.9K 34
لو إلتقينا في عالم آخر لوقعت.. لغرقت وتهت في حبك ولكن ولدنا هنا في عالم انتِ القاتلة وانا السجان واه من حرقة الإنتقام ولهيبها تهنا معًا في هذا الظلام...