عمرُ روحي

By MayamShahid

30.6K 1K 458

لا تسألني كم عمري ... اسألني كم عمر روحي. لماذا دائمًا ترتبط فرص زواج الفتاة عكسيًا بالعمر؟! ... كلما زاد عمر... More

الشخصيات
الفصل 1 (حديثي مع النجوم)
الفصل 2 (مشاعر هشة)
الفصل 3 (انطفاء الروح)
الفصل 4 (دموع القلب)
الفصل 5 (فرصة أخرى)
الفصل 7 (رماد قلب)
الفصل 8 (هل هي بداية حب؟!)
الفصل 9 (عاصفة سوداء)
الفصل 10 (طريق النهاية)
الفصل 11 (تحت الركام)
الفصل 12 (روح حرة)
الفصل 13 (ملتقى القلوب)
الفصل 14 (روح خلقت لي)
تنويه هام
الفصل 15 (توأم روحي)
الفصل 16 (هل هو الفراق؟!)
الفصل 17 (ليلة وداع)
الفصل 18 (نتيجة اختيار)
الفصل 19 (لقاء الحبيب)
الفصل 20 (فرصة جديدة)
الفصل 21 (على موعد مع الحب)
الفصل 22 (النصيب الجميل)
الفصل 23 (حفل زفاف)
الفصل 24 (مع الشخص المناسب ستزهر)
الفصل 25 (للسعادة مذاق آخر)
الفصل 26 (ظلال من الماضي)
الفصل 27 (لآخر نفس)
الفصل 28 (ارتباك خوف ... أم عشق؟!)
الفصل29 (دقات قلب)
الفصل 30 (ما قبل الطوفان)
الفصل 31 (مزيج غريب)
الفصل 32 (أحتاج إليك)
الفصل 33 (خطوات الشيطان)
الفصل 34 (الكلب الأسود)
الفصل 35 (مكيدة شيطانية)
الفصل 36 (الشر بالمرصاد)
الفصل 37 (كشف المستور)
الفصل 38 (تسوقنا الأقدار)
الفصل 39 (على طريق الحب نلتقي)
الفصل 40 (قريب أم غريب؟)
الفصل 41 (قليل من الوقت بعد)
الفصل 42 (كيد الكائدين)
الفصل 43 (طيف نهاية)
الفصل 44 (الهدوء الذي يسبق العاصفة)
الفصل 45 (روح مهشَّمة)
الفصل 46 (ما بين عشق وظن)
الفصل 47 (دموع خذلان)
اقتباس
الفصل 48 (أزمة ثقة)
الفصل 49 (ما بين أمل وألم)
الفصل 50 (فرحة قلب)
الفصل 51 (دعوة قلب)
الفصل 52 (انهيار)
الفصل 53 (محنة)
الفصل 54 (أمل بالله لا يخيب)
الفصل 55 (رغم الألم)
الفصل 56 (فرصة ... اختيار)
الفصل 57 (معًا ... مهما طال الطريق)
الفصل 58 (أمان القلوب)
الفصل 59 (تقارب القلوب)
الفصل 60 (أمل قلب لا ييأس)
الفصل 61 (سندي وقوتي)
الفصل 62 (الوصال)
الفصل 63 (سحر العناق)
الفصل 64 (لنسرق من العمر ليلة)
الفصل 65 (طريق العودة)
الفصل 66 (قلب عاصف)
الفصل 67 (ملاك وشيطان)
الفصل ٦٨ (فخ محكم)
الفصل 69 (ما بين بداية ونهاية)
الفصل 70 (هدوء .. غضب)
الفصل 71 (الحمل والذئب)
الفصل 72 (نسمات باردة)
الفصل 73 (انتقام شيطاني)
الفصل 74 (جريمة زفاف)
الفصل 75 (ليلة عصيبة)
الفصل 76 (دوامة حيرة)
الفصل 77 (نهاية كابوس)
الفصل 78 (تحطم الجليد)
الفصل 79 (تساقط الأوراق)
الفصل 80 (طريق مسدود)
الفصل 81 (دقات على باب القلب)
الفصل 82 (انتظار وقرار)
الفصل 83 (الأمل في الحب لا ينتهي)
الفصل 84 (صاعقة الموت)
الفصل 85 (أرواح حائرة)
الفصل 86 (فرصة أخرى)
الفصل 87 (ظلال الماضي السوداء)
الفصل 88 (السقوط في وادي الظلام)
الفصل 89 (تلاحم القلوب)
حسابي على تيليجرام
الفصل 90 والأخير (وتستمر الحياة ... بحلوها ومُرّها)
الخاتمة ❤

الفصل 6 (كابوس مظلم)

392 17 6
By MayamShahid

كان زين على وشك الخروج من شركته بعد أن أنهى جميع الأعمال التي بوسعه فعلها، ولم يعد يمتلك طاقة للمزيد. ألمه الذي تجدد بعد رؤيته لندى زاد همه، وتسبب بسوء حالته النفسية، وكالعادة يكون العمل هو مهربه الوحيد.

تفاجأ برؤية يزيد يطرق باب مكتبه ويدخل قائلًا: كنت أعلم بأنني سأجدك هنا.

ابتسم زين ونهض ليصافح أخاه وسأله ما الذي أتى به إلى هنا في هذا الوقت، فقال يزيد: أتيت لأرى أخي الذي يعمل حتى في يوم العطلة. ما الذي تفعله بنفسك يا رجل؟!

ابتسم زين بتصنع قائلًا: الشركة جديدة كما تعلم وبحاجة للكثير من الجهد والوقت.

هز يزيد رأسه وقال: عمل أم هروب يا زين؟ يبدو بأن ظهور ندى أمامك جعل الأمور تزداد سوءًا، أليس كذلك؟

أغمض زين عينيه بتعب وقال: ذلك الثرثار!

اتسعت عينا يزيد وقال: ماذا؟ هل ظننت بأنني لن أعلم؟ لقد بدأت أدير الشركة كما تعلم، وعدم علمي بأمر كهذا سيجعلك تقول بأنني أقصر في عملي.

مسح زين وجهه بكفيه، ثم قال: يزيد ... الأمر ليس كذلك ... هي محض ماضٍ وانتهى ... لكن ما أزعجني هو وقاحتها ومحاولتها الحديث معي والإمساك بيدي ... قالت بأنها تريد الحديث معي ... يبدو بأنها تريد الحصول على فرصة جديدة.

رد يزيد بتهكم قائلًا: بالطبع ستحاول فعل ذلك. أنت الآن أعزب وهي كذلك الأمر. ما ورثته عن زوجها ستصرفه في وقت قصير إن بقيت على تبذيرها الذي سمعت عنه. هذا هو سبب استعمالها لعلاقاتها كي تدخل شريكة في هذا المشروع وفوق كل هذا تريد استغلال هذه الشراكة بالعودة إليك. تريد ضرب عصفورين بحجر واحد، يا لها من ماكرة! بدلًا من محاولة الإيقاع برجل جديد سيكون من الأسهل عليها المحاولة مع رجل تعرفه جيدًا.

تنهد زين بتعب وقال: أعلم بأنكما قلقين بشأني وتظنان بأنني قد أسامحها أو أضعف أمامها، ولكن هذا لن يحدث أبدًا. لقد تعلمت درسي مرتين. في كل مرة كان أقسى من سابقتها، ولست مستعدًا لدخول أي علاقة جديدة أو العودة لعلاقة قديمة سامة. لم يعد لدي طاقة ولا حتى مشاعر صدقني.

ابتسم يزيد بإشفاق على حال أخيه، ثم حثه على النهوض قائلًا: هيا تعال معي لنذهب ونتناول العشاء. هناك مباراة كرة قدم أيضًا لنذهب ونشاهدها في المقهى.

حاول زين الرفض فهو بالفعل منهك ولا طاقة لديه إلا أنه استسلم أمام إصرار أخيه. لم يكن زين مهتمًا بأي شيء من حوله. لا شيء يثير حماسه أو رغبته حتى بالتحرك أو الحديث. انتابته حالة من الانطفاء التام، وقبل نهاية المباراة اعتذر من أخيه يزيد قائلًا بأنه يريد المغادرة، ولن ينتظر حتى نهاية المباراة. أراد يزيد أن يعود معه، ولكن زين منعه وطلب منه إكمال المشاهدة. خرج زين يمشي نحو سيارته، فرأى مسجدًا قريبًا. وقف للحظات، ثم قرر أن يدخل ويتوضأ ويصلي العشاء وما استطاع أن يزيد عليه من ركعات، فهذا أفضل من أن يصليه في المنزل على أي حال.

دخل وانتهى من صلاته وفي ركعته الأخيرة أطال السجود، وبدأ يدعو الله أن يخفف عنه همومه ويداوي قلبه. دعا برجاء حتى أنه أجهش بالبكاء لدرجة أن الإمام تأثر عندما رآه بهذا الحال.

عاد زين إلى بيته ليجد والدته بانتظاره وتسأله إن كان قد تناول عشاءه، فابتسم وقبل يدها وأخبرها بأنه تناوله مع يزيد. أرادت أن تتحدث معه في أمر الفتاة التي وجدتها من أجله، ولكنها انتظرت حتى استحم وبدل ملابسه، ثم دخلت إلى غرفته معلنة بأنها تود التحدث معها. خمن على الفور ماهية الموضوع وقال برجاء: أمي ... من فضلك ... لا أريد العودة للحديث عن الزواج.

ردت الأم برجاء: اسمعني فقط يا زين ... حاول أن تراها ... إنها مختلفة ... فتاة لطيفة ومهذبة وملتزمة ومن عائلة محترمة ... ليست مثل ندى الجشعة، وليست مستهترة وأنانية مثل كارمن ... صدقني هذه الفتاة تناسبك تمامًا.

رد زين بتعب وهو يبذل ما بوسعه كي لا يرفع صوته وينفعل؛ فهي لا ذنب لها في نهاية المطاف، ولا تريد سوى رؤيته سعيدًا مع امرأة يحبها وتحبه وتهتم لأمره، ليقول: أمي ... أرجوكِ ... لقد تناقشنا كثيرًا في الأمر من قبل ... لقد صرفت نظري عن الزواج برمته.

احتدت نظرات أمه وردت بحدة قائلة: لمَ كل هذا العناد؟ هل تريد البقاء دون زواج بسبب عقربتين دخلتا حياتك وأفسدتاها؟! لن أسمح لهن بكسرك وتدميرك بهذه الطريقة، هل فهمت؟ لقد دعوت الفتاة وأمها لتناول طعام الغداء هنا في بيتنا غدًا. لن أدعك تخرج من البيت غدًا يا زين، وإياك أن تحاول الهرب. ستقابل الفتاة رغمًا عنك وإن وجدت فيها عيبًا واحدًا أخبرني به.

ابتسم زين بتهكم وقال: تريدين أن أجد عيوبها في محض لقاء؟ لقد عرفت ندى لسنوات وفي النهاية اكتشفت بأنني لم أعرفها قط. تزوجت كارمن لسنوات وكانت تخدعني وتكذب عليَّ وأنا كالمغفل. أي عيوب هذه التي تريدين مني إيجادها في لقاء؟!

دمعت عينا أمه وهي تراه يتحدث بانفعال وألم وانكسار، فاقتربت منه ووضعت يديها على وجنتيه قائلة: هذه آخر مرة ... أعدك بذلك ... إنها فتاة رائعة صدقني يا بني.

عانقها زين قبل أن تفضحه دموعه أمامها التي سرعان ما مسحها قبل أن يفرق هذا العناق، ثم قال: هذه آخر مرة يا أمي ... أرجوكِ.

أومأت له موافقة وتمنت له ليلة سعيدة قبل أن تخرج من غرفته. ألقى بنفسه على سريره بتعب لتعود الدموع وتجتمع في عينيه، وذكرياته تهاجمه من جديد كوحش مفترس يرفض التخلي عن مطاردة فريسته.

..............................................................

كانت الأغاني تصدح في تلك الحديقة وراما أخت ريم تتراقص على أنغام الأغاني مع خاطبها في حين كانت ريم تتألق بفستان أسود اللون، اللون المفضل لدى مصطفى، أبرز مفاتنها بشكل مبالغ به والذي لم تكن لترتديه من قبل بسبب عدم سماح مصطفى لها. ربما يكون قد تهاون معها في أمر الحجاب كون فتيات عائلته بأكملها أخذن الحرية في هذا الأمر، ولكن يبقى للباسهن حدود لا يتجاوزنها وهي اليوم قد تجاوزت الخطوط الحمراء بهذا الفستان. ما أثار غيظه أكثر هو حديث ابن عمه الأكبر المستمر معها والذي يعلم الجميع بأنه يبحث عن عروس منذ فترة بعد وفاة زوجته إثر مرض عضال.

لاحظت حور نظرات مصطفى لريم وقد آلمها ذلك إلا أنها تمالكت نفسها. اقتربت منه ممسكة بسترته وابتسمت بدلال قائلة: مصطفى ... دعنا نلتقط بعض الصور معًا ... ها هي المصورة هناك ... ما رأيك؟

التفت إليها وقال بجمود: حسنًا، اذهبي وأخبريها كي تأتي.

ابتسمت حور وأومأت له موافقة، ثم أسرعت ونادت المصورة وعيناها لا تتوقف عن مراقبته هو وريم. تشعر بالألم، ولكنه أول يوم من المحاولة وبداية الفرصة الجديدة، لذا ستصبر وتحتمل كي لا يلومها أحد لاحقًا.

عادت حور إليه مبتسمة وتتبعها المصورة التي طلبت منهما أخذ وضعيات حميمية من أجل التصوير وكان ذلك حسب توصية حور لها. راق الأمر لمصطفى كي يثير غيظ ريم، وتمادى في الأمر لدرجة أن حور استغربت وشعرت بالخجل من تقربه منها أمام الجميع، لكنها في قرارة نفسها تعلم جيدًا ما يحاول فعله.

كانت ريم قد لاحظت ما يقومان به وشعرت بالغيرة؛ فهي رغم طلاقها من مصطفى وغضبها منه إلا أنها لا تنكر بأنها لا زالت تحبه ورغم هذا لا يمكنها العيش معه واحتماله أكثر. اقتربت ريم منهما وهي تمسك بيدي طفليها طالبة من المصورة أن تلتقط صورًا عائلية للطفلين وحدهما ومع والديهما بالطبع؛ وذلك فقط كي تتنحى حور جانبًا كما حدث في المرة الماضية.

شعرت حور بالحرج عندما طلبت المصورة منها ومن مصطفى التقاط صورة مع الطفلين ظنًا منها بأنها أمهما، وقبل أن تتفوه حور بكلمة سارعت ريم بقول: أنا والدتهما وليست هي.

ابتسمت حور بألم وانكسار وهمت بالابتعاد، فأمسك بها مصطفى وقال: هي أيضًا أمهما ويحق لها التقاط صورة معهما.

نظرت له حور بعدم تصديق ورغم معرفتها بما يحاول فعله إلا أنها كانت سعيدة لأنه حفظ ماء وجهها أمام الجميع. طوق خصرها وقربها منه، والتقطا صورة مع الطفلين في حين رفضت ريم التقاط صورة جماعية معهم، والتقطت صورًا لها مع الطفلين وحسب إلا أن رجاء الطفلة لمصطفى جعله يقبل بالأمر، وقد شجعته حور مشيرة له بألا يرفض طلبها. كان يكفيها ما قاله وما فعله فلا بأس لديها إن كان سيلتقط صورًا مع طفليه وزوجته السابقة طالما أنه لم يتم تهميشها أو إحراجها.

بعد انتهائهم من التقاط الصور جلس كلاهما إلى إحدى الطاولات بينما كان الجميع يتراقص على أنغام الأغاني، فقال لها: ألن ترقصي؟ ظننتك تجيدين الرقص.

ابتسمت حور وهمست له قائلة: أجيد الرقص، ولكن لا أرقص أمام رجال غرباء. حفلاتكم مختلطة ولا يريحني أن أتمايل أمام أحد. بالنسبة لنا نحن النساء فالرقص يعد وسيلة لإثبات النفس، وتفريغ الطاقة السلبية، وفي حفلات كهذه يصبح كمنافسة وليس محض مرح أما بالنسبة للرجال فهو وسيلة إغراء، أليس كذلك؟

ابتسم مصطفى ابتسامة جانبية قائلًا: أجل، وسيلة إغراء فعالة للغاية، ولكن مع هذه الأوزان الثقيلة لا أرى أي إغراء.

طأطأت حور رأسها وقالت: هل أنت واثق من أنه لا يوجد أي واحدة منهن تلفت نظرك؟

رمقها مصطفى بنظرات متفحصة وقد فهم بأنها ترمي لريم، فأمسك بذقنها بين أصابعه ورفع رأسها لتنظر إليه وقال: لا يوجد ... الشيء الوحيد الذي لفت نظري اليوم هو رؤية زوجتي برداء الاستحمام.

أجبرت حور نفسها على الابتسام فهي تعلم بأنه كاذب لأن نظراته لريم كانت واضحة للغاية، والفستان الذي ترتديه يعد مغريًا لأي رجل، فكيف بزوجها السابق الذي يحفظها عن ظهر قلب؟!

كانت ريم تراقب همساتهما ولمساتهما أثناء رقصها، ثم ذهبت لتجلس بجانب ابن عمها، وتعمدت أن تتحدث بدلال وتضحك بصوت مرتفع لتغيظ مصطفى وتثير غيرته؛ فهي تعرف جيدًا أن غيرته تصيبه بالجنون وتلغي عقله تمامًا.

بقي مصطفى وريم يتبادلان نظرات مبهمة ومختلطة ما بين الغيرة والغضب والغيظ، وما أن نهضت ريم متوجهة إلى داخل المنزل سارع مصطفى ليتبعها قائلًا لحور بأنه سيجري مكالمة هامة من أجل العمل بعيدًا عن ضجة الحفل.

كانت ريم تنتظره بالفعل؛ فهي تثق تمامًا بأنه سيتبعها من شدة غيرته وغيظه من لباسها وحديثها مع ابن عمهما بتلك الطريقة. كان مصطفى يبحث عنها بالأرجاء وهو يكاد ينفث النيران من أنفه. وجدها في النهاية تقف بالقرب من باب غرفتها وهي تقاطع يديها، وتنظر له بكل ثقة كأنها تقول بأنها هي من أحضرته إلى هنا رغمًا عنه.

أمسك بذراعها بقوة وصك أسنانه قائلًا: ما الذي تفعلينه؟ هل فقدتِ صوابكِ تمامًا؟

أبعدت ريم يده بقوة وقالت بتحدٍ وتهكم: وما الذي فعلته؟

ابتسم مصطفى باستنكار قائلًا: تتساءلين أيضًا بكل وقاحة؟! فستانك العاري هذا وضحكاتك الخليعة مع ذلك الوغد وتقولين ماذا فعلت؟ ألا تخجلين من نفسك؟

ردت ريم بحنق: لم أفعل شيئًا خاطئًا، ولا يحق لك محاسبتي على شيء. أبي وأخي متواجدين وهما فقط من يحق لهما توجيه ملاحظات لي أما أنت ابن عمي وحسب، ولا يحق لك التدخل في أموري.

ابتسم مصطفى بشراسة قائلًا: أنا والد طفليك ولا يعجبني أن يشوب سمعتهما شائبة أو يتأذيا بكلمة بسبب أفعالك الطائشة.

ضربته ريم بقبضتها على صدره وقالت: أفعالي الطائشة؟! لا يحق لك الحديث عن سمعتي، هل فهمت؟ لم أتحدث مع رجل من الشارع فهو أيضًا ابن عمي.

ابتسم مصطفى بتهكم وقال: ماذا؟ هل تنوين الزواج به فقط لأنني تزوجت؟ إن كانت هذه طريقتك لإغاظتي وتظنين بأنكِ ستثيرين غيرتي فأنتِ مخطئة.

نظرت له ريم بلا مبالاة وبرود ودخلت إلى غرفتها قائلة: أجل، واضح بأنك لا تهتم بدليل لحاقك بي إلى هنا بعد أن بقيت نظراتك تلاحقني طوال الوقت.

كانت تولي ظهرها له وتتقدم نحو المرآة، فسارع بالدخول إلى غرفتها وأغلق الباب خلفه، ثم أمسك بذراعيها ودفعها نحو الحائط قائلًا: لا أهتم لأمرك مقدار ذرة. من تخلت عني وتركتني بحجة أنها لم تعد تحتمل طباعي التي تعرفها حتى قبل زواجنا لا تستحق أن أهتم لأمرها. كل ما يهمني هو أطفالي، ويجب أن أحذركِ لأن خطواتكِ محسوبة، وفي مجتمع كهذا فالعيون تترصدكِ منتظرة أبسط خطأ، هل فهمتِ؟

كان يتحدث ويقترب منها أكثر وأكثر، وقد باتت وتيرة حديثه تتباطأ وكل منهما يحدق في عيني الآخر. رغم ما ينطق به لسان كل منهما إلا أن العيون والقلوب كان لها حديث آخر. الحب والشوق باتا طاغيين على كل الحواس الأخرى، وغيبا عقليهما، ولم يشعر مصطفى بنفسه إلا وهو ينقض على شفتيها محاولًا تعويض شوقه لها طوال الأشهر الماضية.

بعد لحظات دفعته بيديها وقالت لاهثة: لا ... هذا خطأ.

سارعت للخروج من الباب، ولكنه لم يعد يرى أو يسمع شيئًا، فسارع بإغلاق الباب بالمفتاح وأمسك بها جيدًا، واستسلما لمشاعرهما الجياشة وجرفهما الشغف حتى وصلا إلى النهاية بعد أن فقدا الإحساس بالمكان والزمان، بل غاب عنهما كل شيء حتى العقل والمنطق.

انتهى كل شيء وبدأ كل منهما يعود لرشده، وما كان من ريم إلا أن بكت قائلة: ما الذي فعلناه؟ ما هذه المصيبة؟

ازدرد مصطفى ريقه وقال متلعثمًا: اهدئي ... أنتِ زوجتي ... لا بأس.

لطمت ريم على وجهها قائلة: هل جننت؟ أي زواج هذا؟ لقد تطلقنا وانقضت شهور العدة أيها المجنون ... ما فعلناه لم يكن سوى زنا.

أغمض مصطفى عينيه، ثم نهض مسرعًا وشرع بارتداء ثيابه قائلًا: كل هذا بسببك ... أنتِ تعمدتِ أن تفقديني صوابي وها قد نجحتِ.

أحكمت ريم الغطاء حول جسدها ونهضت، وبدأت تضربه بقبضتها وهي تقول من بين أسنانها بشراسة: بسببي أنا؟ هل تحسب نفسك بريئًا؟ من الذي أقفل الباب بالمفتاح ودفعني للداخل أيها الوغد؟ ربما أكون أخطأت بلباسي واستفزازي لك، ولكنك لست بريئًا، هل فهمت؟

أخذ مصطفى نفسًا عميقًا محاولًا تهدئة نفسه فهو يعي تمامًا بأنهما ارتكبا كارثة الآن من كل النواحي، الدينية والأخلاقية والعائلية. نظر لها وهو يغلق أزرار قميصه وقال: كلانا أخطأ، وكلانا سينسى هذا الخطأ. ما حدث الآن لن يعلم به أحد وسيبقى في طي النسيان.

أجهشت ريم بالبكاء قائلة: هل فهمت الآن لماذا لم أعد أحتمل العيش معك؟ أنت لا تحب تحمل مسؤولية أخطاءك ولا تعترف بها حتى. قليل من الغيرة يجعلك تفقد صوابك وعندما تغضب لا تسيطر على تصرفاتك. المصيبة بأنني كنت أعلم كل هذا وقمت باستفزازك، لكنني لم أكن أعلم بأنك ستتمادى لهذه الدرجة.

وضع مصطفى يدًا على فمها والأخرى خلف رأسها ليحكم إسكاتها وقال بغضب: اصمتي ولا تتحدثي بهذا الأمر مجددًا. ما حدث قد حدث وانتهى الأمر. سنخرج من هنا وكأن شيئًا لم يحدث، ومن الآن فصاعدًا إياكِ أن تقومي باستفزازي، هل فهمتِ؟

رمت ريم نفسها على السرير عندما تركها تجهش بالبكاء في حين نظر هو لانعكاسه في المرآة ومسح آثار أحمر شفاهها الذي لطخ وجهه وعنقه، وعدل هندامه، ثم قال: ارتدي ملابسك واخرجي، وإياكِ أن تثيري شك أحد وإلا ستكونين قد فتحتِ أبواب الجحيم علينا.

خرج مصطفى دون أن ينظر إليها وتنفس الصعداء عندما رأى الممر خاليًا ولم يره أحد يخرج من غرفة ريم. عاد وجلس بجانب حور التي سألته لماذا استغرق كل هذا الوقت، فقال بأن هناك مشكلة في العمل واضطر لإجراء عدة اتصالات كي يقوم بحلها.

لاحظت توتره وتعرقه، فأخرجت منديلًا من حقيبتها وأعطته إياه ليمسح عرقه، فقال: الجو حار في الداخل.

كانت قد لاحظت اختفاء ريم أيضًا، ولكن كل ما دار في ذهنها بأنهما ربما قد تشاجرا ولهذا يبدو متوترًا وغاضبًا. لم تكن لتصل بخيالها إلى توقع ما حدث بما أن كل منهما يبدو غاضبًا من الآخر، وبالكاد يتحدثان من أجل الأطفال فقط، ولأنهما في النهاية عائلة واحدة.

مضى بعض الوقت وخرجت ريم بعد أن عدلت زينتها وشعرها، وبدلت فستانها بحجة أنها أوقعت عليه العصير فقد تمزق ولم يعد يصلح للارتداء. لاحظت حور توترها الذي تحاول إخفاءه بابتسامتها، وباتت واثقة من أن هناك مشادة ما وقعت بينهما خاصة بعد أن رأت كلًا منهما يتجنب النظر للآخر تمامًا على عكس السابق.

مضت دقائق أخرى ولم يعد مصطفى يحتمل البقاء في هذا المكان أكثر لشعوره بالاختناق. أخبر حور برغبته بالمغادرة وعندما قالت بأنها ستنادي الطفلين أخبرها بأنه سيتركهما ليناما الليلة مع والدتهما. استغربت الأمر فهو لم يكن يسمح لهما بالمبيت عندها من قبل. اعتقدت بأن هذا كان محور شجارهما وهذا هو القرار الذي توصلا إليه في النهاية.

ودع مصطفى البقية على عجل وهنأ العروسين هو وحور، ثم أمسك بيد حور متوجهًا نحو سيارته. لم يتفوه بحرف طوال الطريق وما أن وصلا المنزل توجه إلى الحمام مباشرة، واستغرق وقتًا طويلًا على غير عادته، فظنت بأنه يريد الاسترخاء ليخفف من غضبه إلا أنه في الواقع كان يريد غسل آثار خطيئته التي لن يغسلها الماء، ولأول مرة يبكي عندما استشعر حجم ذنبه الذي سيبقى كابوسًا يهدد حياته.

حاول تهدئة نفسه وإقناعها بأنه سيتوب، ولن يسمح لغيرته وغضبه بالسيطرة عليه مجددًا، وسيحاول الابتعاد عن ريم قدر استطاعته. أقنع نفسه بأن الأمر سيبقى سرًا؛ فهو وريم لن يتحدثا عن شيء كهذا مهما حدث. هي لا تريد العودة إليه وهو لا يريد خسارة حور وخوض تجربة الطلاق مجددًا، ولا يريد فضيحة كهذه بالطبع.

خرج من الحمام يلف نصفه السفلي بالمنشفة في حين كانت حور قد اغتسلت في الحمام الآخر وبدلت ثيابها. فتح مصطفى خزانته ليخرج ملابسه إلا أنه بقي يحدق داخل الخزانة بشرود تام، فوضعت حور يدها على كتفه قائلة: لقد أخرجت لك ملابسك مصطفى ... ها هي ... اجلس هنا لأجفف لك شعرك.

سمح لها بجذبه حتى جلس على طرف السرير، فجلست خلفه وشرعت تجفف له شعره بالمنشفة وهو لا يزال على شروده. أخرجت علبة زيت عطري ووضعت بضع قطرات على عنقه وكتفيه وشرعت تدلكها بلطف قائلة: هل أنت قلق على الطفلين؟ إنهما مع أمهما مصطفى ... لا داعي لكل هذا القلق والتوتر ... من حقهما أن يبقيا مع أمهما أيضًا كي لا تتأثر نفسيتهما بانفصال والديهما ... يجب أن يقضيا وقتًا مع كليكما.

أغمض مصطفى عينيه بندم فما يدور في ذهنه هو شيء آخر الآن. ذنب لا يعرف كيف يتخلص منه، ووعد ببداية جديدة دمرها بيده من اليوم الأول. لا يدري كيف سينظر لوجه حور وماذا سيقول لها. بدأ يشعر بالذنب تجاهها بالفعل؛ فهي منذ اليوم الأول من هذا الزواج وهي تبذل ما بوسعها، وهو لم يفعل شيئًا سوى مضايقتها، وجرحها، وإجبارها على كل ما تكرهه. تصرف معها بنذالة تامة وأخلف بوعوده لها.

لا زال يذكر كيف منعها بين ليلة وضحاها من الذهاب إلى عملها فقط لأن ريم أغاظته وقالت بأنه تزوج من فتاة متعلمة ومتعجرفة، وستضع مهنتها في مقدمة أولوياتها، وستكون أهم منه ومن بيته وأطفاله في المستقبل. استفزته بأكثر شيء يثير استيائه وهو فقدانه لسيطرته على من حوله، وخاصة أهل بيته الذين من واجبه أن يفرض رأيه عليهم لأنه رجل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

عاد في ذلك اليوم من زيارته لوالدته ولم تكن تعلم بأنه التقى بريم هناك التي أتت لرؤية أطفالها. أخبرها بكل بساطة بأنه لا يريدها أن تعمل بعد اليوم. حاولت معرفة السبب وفتح مجالٍ للنقاش دون جدوى. بكت وتوسلت وطلبت منه أن يعطيها مهلة على الأقل كي تخبر من في الشركة ويستبدلوها، ولكن دون فائدة. قالت لنفسها بأنه غاضب من أمر ما وفي الصباح سيهدأ وستتحدث معه مجددًا.

ما فعله في الصباح تخطى كل الحدود فقد أغلق عليها المنزل بعد أن أخذ مفاتيح الأبواب الخارجية، وحلف عليها يمينًا بالطلاق في حال خرجت لتذهب إلى عملها بأي طريقة أخرى. صرخت وتوسلت وبكت، لكن لا فائدة فقد غادر هو إلى عمله غير مكترث لها ولمهنتها التي سيدمرها بكل بساطة.

اتصلت حور بمديرها ولم تجد ذريعة سوى أن تخبره بأنها مريضة وتريد أن تعمل من المنزل لبضعة أيام، ورغم أنه لا يقبل بهذا الأمر إلا أنه قبل بطلبها لأنه يعلم أمانتها وإخلاصها في عملها، وما يمكنها أن تنجزه دونًا عن بقية الموظفين في الشركة.

حاولت حور في تلك الأيام أن تجعله يعدل عن رأيه، ولكن كل محاولة منها كانت تنتهي بصراخ وشجار عنيف حتى اضطرت للاستسلام لأنها تدرك تمامًا بأن لا أحد سيكون في صفها. اتصلت بمديرها وبلغته باستقالتها، فتفاجأ بشدة وأصر عليها لمعرفة السبب، فبكت بصمت وأخبرته بأن زوجها لا يريدها أن تعمل، وبأن كل محاولاتها لإقناعه باءت بالفشل. تعاطف معها المدير الذي كان يكبرها ببضعة سنوات إلا أنه لم يجد ما يقوله لها سوى أن مكانها محفوظ متى ما رغبت بالعودة.

كان مديرها معجبًا بها وينتظر اللحظة المناسبة ليطلب يدها فهو لم يكن يعلم بوضعها الصحي، لذا كانت تتعمد القول كلما لمح لها بشأن الزواج بأنها لا تفكر بالأمر حاليًا لأنها تريد التركيز على بناء حياتها المهنية.

أمسك مصطفى بيد حور التي تدلك عنقه وقال: هذا يكفي، شكرًا لكِ.

قرب يدها من شفتيه وقبلها لتزداد دهشتها فقد شكرها والآن قبل يدها. هل يفعل كل هذا فقط لأنهما اتفقا على بداية جديدة أما ماذا؟ انتابتها الحيرة ولم تصل إلى جواب، ليفاجئها مجددًا بجذبه لها كي تنام بين ذراعيه وكان تمسكه بها غير عادي. هادئ تمامًا إلا أن عقله يضج بالكثير. لم تعد تدري حور ماذا تقول أو عن ماذا تسأله فهو لن يفصح عما دار بينه وبين ريم، واعتبرت الأمر خاصًا بهما بما أنه يتعلق بطفليهما، لذا لم تشأ التدخل.


.........................................................

رأيكم في الأحداث وتوقعاتكم لردة فعل حور

هل ستسامحه عندما تعلم لتحافظ على زواجها؟ أم ستكون نهاية هذا الزواج؟

لا تنسوا التصويت

Continue Reading

You'll Also Like

62.4K 2K 6
قصة حقيقية مكونة من 6 حلقات فقط صارت في ليبيا بتحديد طرابلس عن وقوع فتاة ليبيه بحب صديق خوها شن يصير وشن رائي القدر والنصيب ف الموضوع
562K 3.5K 5
أحبته، بل عشقته ، كان الرجل الأول والأخير بحياتها،تمنته منذ كانت بضفائر ، دعت ربها حتى استجاب وأصبح زوجها بل وصار عشيقها عندما اكتشفت أنه يبادلها حبه...
356K 28.4K 56
من رحم الطفوله والصراعات خرجت امراءة غامضة هل سيوقفها الماضي الذي جعلها بهذة الشخصيه ام ستختار المستقبل المجهول؟ معا لنرى ماذا ينتضرنا في رواية...
18.1K 1K 17
القصة تتكلم عن إنتقال طاقم قبعة القش إلى عالم موازي لهو نفس الشخصيات لاكن قصة مختلفة سأبدأ بها عما قريب