[الجزء الثاني] البارت الرابع عشر (١٤)

190 16 0
                                    

ذات صباح، وبعد مرور حوالي عشرة أيام على إقامة برج الإتصالات في أرض میندوزا، سمعت بوق سيارة خالي بيدرو متسللا عبر نافذة غرفتي. فتحت النافذة: "أي مساعدة يا خال؟"، سألته. أشار بيده بطلب مني الخروج.
كانت أمي تجلس في مقعد السيارة إلى جانبه. فتحت الباب. ترجل أخي الصغير: "هوزيه.. خذ أدريان إلى آیدا وعد أنت لتأتي معنا"،
قالت أمي
انطلقنا إلى مقر عمل التاجر الكويتي
"لن يأتي اليوم. يمكنكم المجيء في الغد"، قال أحد العاملين الخالي بيدرو، ولكن والدتي ألحت عليه بضرورة مقابلة الرجل. التفت العامل إلى زميلة له من دون أن يفه بكلمة. حملت زميلته سماعة الهاتف، وبعد مكالمة أجرتها، قالت وهي تدون شيئا على قصاصة
ورق: يمكنكم زيارته في بيته على هذا العنوان... مدت يدها إلى أمي بالورقة. ختمت مشترطة: ". . إن كان الأمر بهذه الضرورة".
أمام بيت بسيط، لا يختلف كثيرا عن الذي نسكنه، أوقف خالي
بیڈرو سيارته. سألته أمي
أأنت متأكد من العنوان؟
أشار خالي بيدرو نحو باب السيارة: "اذهبي وتحققي من ذلك
بنفسك".
من المستحيل أن يكون هذا المنزل الكويتي.. بیدرو! قالت والدتي. لم يجبها خالي. التفتت إلي بعد أن فتحت
باب السيارة
- هيا هوزيه. .
تبعتها، في حين بقي خالي بيدرو داخل السيارة في انتظارنا. طرقت أمي الباب. لم يستغرق انتظارنا طويلا: "أهلا وسهلا.. تفضلا".
قال بالإنكليزية.
رجل في العقد الخامس من عمره. يبدو بسيطا، ربما مقارنة مع
الصورة التي صاحبت تعريف خالي بيدرو له ب "رجل أعمال كويتي". متوسط الطول، نحيل القامة، لم يمس الشيب من راسه سوی فودیه،
هادي الملامح، لا يميزه سوی شاربين مدببين ينحدران إلى جانبي فمه،
وحاجبين أسودين يبدوان أعرض مما ينبغي
في صالونه الصغير المليء بالكتب، طلب منا الجلوس أمام مكتب صغير مليء بالأوراق وأقلام الرصاص المبرية حتى آخرها. قال
قبل أن يجلس أمامنا خلف المكتب
- اسمي إسماعيل (13)
أجابته أمي
Li - جوزافين. . سيدي. .
ثم أشارت نحوي
وهذا عیسی.. اب..
قاطعتها
- هوزیه!
صححت والدتي
هوزيه.. ابني...
( 13 ) الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، استقر في الفلبين بعد تحرير بلاده لحوالي است سنوات، أنجز خلالها روايته السباعية التي تؤرخ لزمن الاحتلال "إحداثيات
زمن العزلة". كان يعكف على مراجعتها أثناء زيارتنا له (المؤلف).
ابتسم الرجل. قال
سررت بلقائكماء
التزم الصمت. ينتظر أن تبدأ والدتي بالحديث سيدي.. أريد أن أسألك عن رجل..
بدا الاهتمام على ملامح الرجل الهادئة. - حسبت أن بحاجة إلى عمل!
قال
- ما أحتاج إليه.. أهم.. سيدي.. هز رأسه حاثا إياها على مواصلة الحديث سيدي.. هل تعرف رجلا كويتيا يدعى راشد؟
ابتسامة هادئة، تشبه ملامحه، ارتسمت على وجهه - آلاف في الكويت يحملون هذا الإسم..
تداركت أمي راشد الطاروف..
سيدي.. ارتفع حاجبا الرجل للأعلى. واصلت أمي
- كاتب.. يسكن في..
قاطعها الرجل متسائلا:
قرطبة؟!
فوجئت والدتي بسؤاله. أجابت:
- نعم.. نعم سيدي!
خيم الصمت على المكان لثوان..
- هل تعرفه سيدي.. أرجوك.. هز الرجل رأسه إيجابا. سألته أمي
معرفة شخصية؟
واصل الرجل هز رأسه، في حين واصلت أمي حديثها
كنت أعمل في بيت والدته في الكويت. . انقطعت أخباره منذ
الحرب إلى يومنا هذا
عادت ملامح الرجل إلى الهدوء. سألته أمي: - هل تعرف مصيره؟.. أين هو الآن سيدي؟
لم يجبها. بدت على ملامحه الحيرة. كان ساهما ينظر إلى رزمة أوراق ضخمة كانت على المكتب أمامه. أشار نحو الأوراق قائلا:
- انه هنا..
فتحت والدتي عينيها على اتساعهما. التفتت نحوي. همست لي
بالفلبينية كيلا يفهم الرجل
تبا ل بیدرو.. يبدو هذا الرجل مجنونا!
بالفلبينية، قال لأمي وهو يبتسم
الست مجنونا..
احمر وجه أمي. واصل الرجل بالإنكليزية: كنت في الكويت أثناء الحرب.. كنا نشكل مجموعة مقاومة..
وراشد كان أحد أفراد هذه المجموعة..
تعلقت عينا أمي بوجه الرجل، في حين كان يواصل حديثه تبدين مندهشة.. ولكن دهشتي أكبر..
وضع الرجل كفه على رزمة الأوراق الضخمة هذه رواية تسجيلية لنشاطنا وأحداث أشهر الاحتلال السبعة.. شرعت في كتابتها منذ ما يربو على الخمسة أعوام.. والغريب في الأمر..
تردد الرجل قبل أن يكمل
ليلة البارحة.. هزت أمي رأسها تحثه على المواصلة
ليلة البارحة فقط.. انتهى دور راشد فيها واقعا في أسر قوات
الاحتلال!
ما عاد
الم تفه أمي بكلمة بعد أن فرغ الرجل من كلماته. صامتة كانت في السيارة، وفي البيت. لا تحمل بعد لقائها بذلك الرجل سوی خبر وقوع أبي في الأسر، ومظروفا من المال كان قد أعطاها إياه قبل تركنا منزله. لم تخبره أمي أنها زوجة راشد.. وانا. ، ولده الوحيد..

ساق البامبوOpowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz