البارت الثالث (٣)

635 36 0
                                    

في الوقت الذي كانت فيه والدتي على وشك ان تكون نسخة عن خالتي آيدا بمصيرها البائس، جاء إلى منزلهم أحد جيرانهم يحمل قصاصة من جريدة فيها إعلان من وكيل في مانيلا يعلن عن استعداده لاستقبال

طلبات الراغبات في العمل في الخارج، ليتم توزيعهن على مكاتب العمالة المنزلية في دول الخليج. التقطت والدتي القصاصة من يده وكأنها تحمل صك الإفراج من سجن محتمل قضبانه أجساد الرجال الجائعة. كان جدّي وخالتي آيدا ينظران إلى والدتي والجار بصمت. في ذلك الوقت كانت والدتي تفكر في شراء حقيبة سفر واحتياجات الغربة، شطّت بخيالاتها بعيدا قبل أن يتم قبولها، ولكن لم يترك لها حامل الخبر متسعا من الوقت تبني فيه مزيدا من الآمال حين قال: "لكن...!". التزم الجميع الصمت، ليتم جملته: "يستوجب عليكم دفع مبلغ من المال للوكيل كشرط لقبول الطلب!"، وأخذ يتحدث عن التفاصيل والمبلغ المطلوب. صُعق الجميع حين سمعوا الرقم من الجار، فلم يكن بمقدور العائلة توفير مثل هذا المبلغ. اختفت خالتي آيدا في غرفتها، وبكت والدتي حظها في حين تعالى صوت جدّي: "كفّي عن البكاء واستعدي للعمل كما خططت لكٍ".

     خرج الجار من المنزل، واستلقى جدّي على ضهره فوق الأريكة مهترئة، وجلست والدتي على الأرض تندب حظها.

     بعد مرور وقت، خرجت خالتي آيدا من غرفتها، تسند ميرلا منفرجة الساقين على خاصرتها، وتحمل في يدها مظروفا تقدمت به إلى أختها الصغرى. تقول والدتي:

     "كان والدي قد بدأ بالشخير. تقدمت آيدا نحوي هامسة:

     - هذا المبلغ كنت قد ادخرته ل ميرلا.. يمكنك التصرف به يا جوزافين.

     توقف شخير أبي، تقول والدتي. فتح إحدى عينه رافعا حاجبه لأعلى، ثم انتصب في جلسته كجثة دبّت فيها الحياة قال:

     - حين يعلو شخير الآباء.. تنخفض أصوات الأبناء هامسة بالأسرار!

     تقدم نحو آيدا بسرعة والشرر يتطاير من عينيه، في حين كنت على الأرض لا أزال. لوى ذراعها محاولا أن ينتزع المظروف منها.

     - جوزافين! خذي ميرلا!

     صاحت آيدا في حين كانت ميرلا على وشك السقوط. التقطتها ثم وقفت في زاوية المكان أشاهد آيدا تدفع والدي، تشتمه وهي تتلقى منه اللكمات والركلات. مجنونة آيدا. من كان يجرؤ؟!

     كنت أتوسلهما أن يتوقفا، وكانت ميرلا تصرخ مذعورة في حين كان حوارهما، رغم الدفع واللكمات، مستمرا:

     - ألم تكتفي ببيعي لرجال و..

قاطعها والدي شادّا شعرها صافعا إياها على فمها:

     - اخرسي!

     دفعها نحو الحائط.. ارتطمت به.. شدّ شعرها إلى الوراء في حيم كان صدرها لصق الحائط:

     - ميييرلااااا..

همس باسم حفيدته عند أذن آيدا. تصورتُ أن شفتيه ستكشفان عن نابين يطل من بينهما لسان متشعّب:

     - ابنه العاهرة مجهولة الأب..

     فتحت آيدا عينها على اتساعهما وكأنها تصرخ بواسطتهما بعد أن أخرسها والدي. واصل فحيحه:

     - سوف أقتلها ان استمرت بجلب البلاء الى هذا البيت..

     - البلاء؟

     سألته آيدا، ثم انفرجت مقهقهة. كالمجنونة كانت تبدو مع ثيابها الممزقة وشعرها الأشعث".

     تطرق والدتي..تلتزم الصمت قليلا قبل أن تدير وجهها ناحيتي:

     - هل من الضروري أن تخبرك بكل هذه الأشياء هوزيه؟

     هززت رأسي أحثها على المواصلة: أكملي ماما!

     تواصل:

     "أقسم أن ابي كاد يتبوّل في ثيابه أمام منظر آيدا. أفلت أصابعه من بين شعرها. تقدمتْ نحو الباب المفضي إلى الساحة الخارجية ببطء. تبعها والدي وأنا من خلفه أحمل ميرلا. وبالقرب من السور القصير، المصنوع من سيقان البامبو، والذي يحيط بحظيرة الديوك تحت شجرة الموز الكبيرة، توقفت آيدا، في حين بقيت أنا خلف والدي عند باب المنزل الخارجي. قالت آيدا بصوت بالكاد يُسمع:

     - مراهناتك على الصارعة هذه الديوك هي البلاء الحقيقي!

     لم ينطق والدي بكلمة، في حين واصلت آيدا:

     - كلكم ديوك.

     همس والدي إليّ:

     - يبدو ان أختك قد جُنّت!

     لم اتفوه يكلمة، فهذا ما كانت تبدو عليه حقا.

     - انت ديك..

     أشارت آيدا بسبابتها نحو أبي.. أردفت:

     - كل الرجال الذين قدمت لهم جسدي.. ديوك..

     شيء من الندم، او ربما الخوف، بدا على وجه أبي الذي لم يتزحزح من مكانه:

     - آآ..آ..آيدا!

     كان هذا الفعل الوحيد الذي قام به أبي.. أن نطق باسمها. لم تسمعه آيدا. واصلت:

     - وأنا!.. أنا سئمت من القيام بدور الدجاجة!

     رفعت ثوبها كاشفة عن ركبتيها. تجاوزت بساقيها سور البامبو القصير الذي يحيط الحظيرة. انتصبت في منتصفه، ثم نفخت صدرها ناظرة لأعلى:

     - كوكو كوكووووووو!

     انقضت على الديوك الأربعة تنزع رؤوسها عن أجسادها بيديها وتلقي بها باتجاه أبي الذي كاد يسقط مغشيا عليه. انتصب آيدا واقفة في مواجهتنا. كفّاها ملطختان بالدماء، توجّه سبّباتها إلى أبي:

     - في المرة القادمة.. سوف يكون رأسك!

في صباح اليوم التالي، خرج والدي باكرا حاملا معه مظروف آيدا، ليعود بعد ساعات حاملا قفصا من قش في داخله أربعة ديوك جديدة!"

                                 ***

ساق البامبوWhere stories live. Discover now