[الجزء الخامس ]البارت التاسع(9)

113 9 1
                                    

في أبريل 2008 استحالت الكويت إلى ساحة إعلانية ضخمة.
اللافتات بأحجامها المختلفة تملا أرصفة الشوارع بأعداد هائلة.
تتضاعف أعداد اللافتات كل يوم حتى بت ألمحها في كل مكان. لا
أكاد أدير وجهي إلى أي ناحية من دون أن تلتقط عيناي إحداها. تتتشر
على حذاء الشارع فوق الأرصفة. تحيط الممرات الدائرية. على الزجاج
الخلفي للسيارات. فوق أسطح البيوت وفي الساحات المقابلة لها.

كنت أقود دراجتي الهوائية إلى شقة إبراهيم. يباغتني شعور بأنني
مرصود من تلك الوجوه التي تطل من اللافتات. صور لوجوه باسمة؛
وجوه متجهمة؛ وجوه بنظرات ذكية حادة» وجوه خالية من التعابير
ووجوه بلهاء. غالبية الرجال في الصور يرتدون الزي الكويتي التقليدي؛
البعض يظهر في الصورة ببدلة وربطة عنق. قليلة جدا الإعلانات التي
تحمل صور نساء. شاهدت واحدة أو إثنتين فقط. بعض اللافتات
الإعلانية من دون صور. عرفت لاحقا ان مهرجان اللافتات الإعلانية
في الشوارع هذا يسبق الانتخابات البرلمانية لديهم.

لديهم؟! لماذا لديهم بدلا من لدينا. هممت أمسح الكلمة أو أقوم
بتعديلها؛ ولكنها ستبدو نشازا إن أنا فعلت. سأتركها كما هي.. لديهم.

وصلتٌ إلى شقة إبراهيم الذي كان» رغم ترحيبه» سيئ المزاج. لم
أعتد على وجهه من دون تلك الإبتسامة الهادئة التي تميّزه أو.. يميّزها.
حضّر لي كوبا من الشاي. سألني عن حالي وعن عملي. تجاوزت سؤاله
قائلا: "تبدو على غير العادة". اعتذر قائلا: "أنت على حق". ناولني
جريدتين. أشار إلى خبرين كان قد أحاط كل منهما بدائرة بقلمه الحبر.
خطوطا كثيرة رسمها أسفل الكلمات وأسهُما تشير إلى ملاحظات كان
قد كتبها في المساحات الصغيرة البيضاء في الجريدة. نقتٌ نظري بين
الخبرين. أحدهما يحمل صورة لفتاة متدلية من مروحة السقف بواسطة
حبل. مددت له يديٍّ بالجريدتين. وفي حيرة قلت: "اللغة عربية!”. ضرب
إبراهيم جبينه بكفه: "يا لي من غبي!.. أنا آسف". توجه إلى زاوية غرفته
حيث الكمبيوتر. عبث بأزراره قبل أن تلفظ الآلة الطابعة ورقتين. ناولني
إياهما موضحا: "ترجمتي لما جاء في الصحف الكويتية هذا الاسبوع.
سأقوم بإرسالها إلكترونيا إلى الصحف في الفلبين". استطرد مغمغما:
"بت أكره هذا العمل".

أمسكت بالورقتين أقراً. الأولى: "خادمة فلبينية تتحر رضيعة انتقاما
من مخدومتها". اكتفيت بالعنوان. انتقلت إلى الورقة الثانية: "خادمة
فلبينية تنتحر شتقا".. اقشعر بدني للخبر.. تفحصته جيدا: في العقد
الثاني.. داخل غرفتها في منزل مخدوميها.. منتحرة شتقا.. متدلية..
حبل.. مروحة السقف..

قرأت الخبر كلمة كلمة منصتا إلى خفقان قلبي في أذنيّ. لم أكن
أحاول في قراءاتي المتكررة سوى البحث عن اسم الفتاة» وكأن أي فتاة
تقدم على الانتحار» في أي مكان في العالم» هي ميرلا.

هممت أنصرف بعد أن انقبض قلبي. "إلى أين؟" سألني إبراهيم.
"تذكرت شيئا مهما"» أجبته في حين كنت متجها إلى الباب.

ساق البامبوWhere stories live. Discover now