[ الجزء الخامس] البارت السادس عشر(١٦)

101 10 0
                                    

لم أخبر جابرًا بما سببه لي من متاعب جراء إخبار والدته بأمري.
كنت حانقا عليه؛ ولكنتي كبحت حنقي ولم أشعره بشيء؛ فلست مجنونا
لأخسر أحد المجانين.

كنت وجابر في الديوانية ذات مساء» في حين كان البقية في
الخارج؛ يحضرون ندوة انتخابية لهند الطاروف.. عمتي. كان المجانين
متحمسين لفوزهاء ما عدا عبدالله الذي يرفض أن تمثله امرأة في
البرلمان: "وهل خلت الكويت من الرجال؟!"» هو لم يقل ذلك أمامي؛
جابر أخبرني بذلك: "عبدالله يرى أن المرأة يمكنها أن تخدم المجتمع
من مواقع أخرى غير البرلمان".

جابرء الذي يعرف عمتي عن كثب. كان يحدثني عنها وعن
برنامجها الانتخابي ورؤيتها المستقبلية للكويت وشهرتها في الانحياز
دائما إلى حقوق الإنسان. "هل تتوقع لها الفوز؟"» سألته. مط شفتيه
قبل أن يقول: "ليس الأمر بهذه السهولة.. فقد نالت المرأة حقوقها
السياسية قبل ثلاث سنوات من اليوم.. لا يزال الأمر جديدا.. ربما تفوز
في السنوات المقبلة”. صدرت نغمة من هاتفه النقال تنبه إلى وصول
رسالة. أمسك بهاتفه يقرأً. قال: "هذا تركي يقول: فاتك المشهد..
حضور طاغ في ندوة الطاروف". أمسك بمفتاح سيارته: "هيا بناء. قُم".
هززت رأسي رافضا. أمسك بذراعي: "لا تكن جبانا! سوف نبقى في
السيارة يا رجل!".

*** .

في قرطبة. في مكان قريب من واجهة المعهد الديني المطلة

على شارع دمشق ليس بعيدا عن برج الاتصالات الذي احتل مكاني

الأثير كان مقر المرشحة هند الطاروف. قاعة كبيرة لا يمكنني مشاهدة
ما بداخلها. سيارات كثيرة في مواقف السيارات الخاصة بالمعهد الديني.
سيارات أخرى تصطف في الشارع محاذاة الرصيف وفوقه. صوت عمتي
هند يصدر من سماعات مثبتة في أماكن مختلفة. تتحدث بذات النبرة
التي كنت أسمعها في لقاءاتها التلفزيونية. عند مدخل القاعة الكبير يقف
كل من تركي ومشعل ومهدي يوزعون أوراقا على الحضور. أبناء عمتي
عواطف ونورية عند باب المدخل أيضا تتدلى من رقابهم بطاقات لم
أتبين منها سوى الرقم 3 بخط كبير. "هذا رقم الدائرة الانتخابية"» يقول
جابر.

بين الزحام في الخارج لمحت خولة؛ تحمل على صدرها البطاقة

إياها. أمسكت بهاتفي أتصل بها: "الو.. ماذا تفعلين في الخارج.. أدخلي .
القاعة". كنت أشاهدها من مكاني» في السيارة؛ تلتفت حولها بين الزحام:
"أين أنت يا مجنون؟!.. عمتي نورية هنا!". أخرجت ذراعي من نافذة
السيارة ألوّح لها: "أنا هنا". لا تزال تبحث حولها. "هنا هنا.. استديري
نحو الشارع.. يمينا.. يمينا..". ساعدني جابر ضاغطا منتصف مقود سيارته
ثلاثا: "بيب بيب.. بييييب". لوّحت خولة بيدها. ركضت باتجاه السيارة
بابتسامتها التي أحب: "السلام عليكم.. شلونك عيسى؟". انحنت بالقرب
من النافذة. نظرت إلى جابر خلف المقود. اتسعت ابتسامتها: "شلونك
جابر؟". دوت الخيمة وراءها بالتصفيق. انتصبت شعيرات جسدي. اخذ
قلبي ينبض بشدة. وبحركة لا إرادية أخذت خولة تصفق هي الأخرى.
سألتها: "كيف تسير الأمور؟". شبكت أصابع كفيها عند صدرها تقول:
"لو أن أبانا كان هنا يا عيسى.. بين الحضور". استطردت: "لطالما نادى
بإشراك المرأة في بناء المجتمع.. ليته يرى شقيقته اليوم". صمتت فجأة.
انحنت أكثر حتى كادت تدخل رأسها في نافذة السيارة. أخذت تنقل
نظراتها بيني وبين جابر بخاجب مرفوع. قالت: "جارنا صديق الطفولة؛

وأخي» في سيارة واحدة!.. كيف للقدر أن..". قاطعتها مادًا كفي بحركة
مشعل ضامًا أصابعي: "الكويت صغيرة".

تعالى التصفيق داخل الخيمة. بدأ الناس في الخروج. انتصبت
خولة في وقفتها: "مع السلامة.. نتحدث لاحقا".

** *

عدت وجابر إلى الديوانية وكان عبدالله بانتظارنا. لم نلبث طويلا
حتى عاد كل من تركي ومشعل ومهدي؛ بعد انتهاء الندوة» بوجوه
مكفهرة. تبادلوا الحديث مع جابر بالعربية؛ لم يلبث الأخير حتى تغيرت
ملامحه. سألتٌ تركي: "ها!.. كيف سارت الأمور؟". لم يُجب. تدخل
مهدي: "بدأت كأحسن ما يكون". سألته: "ثم؟". أجابني مشعل: "انتهت
بشكل سيئ للغاية". عاودوا حديثهم بالعربية؛ كنت أفهم بعض الكلمات
وأجهل بعضها الآخر. وجدتنيء لأول مرة» أقاطعهم: "هل لكم أن
تشركونني الحديث.. أرجوكم!". التفتوا إليّ. هر تركي رأسه موافقا.
قال: "عمتك مجنونة!". قاطعه مهدي: "لقد خسرت الانتخابات". قلت
له بدهشة: "ولكن النتائج لم تظهر بعد.. بل ان اليوم ليس هو يوم
التصويت!". أجاب تركي: "قرأنا نتائج خسارتها على وجوه الناس
المنسحبين من الندوة". ختم مشعل: "ما كل ما يعرف يقال» وإن كان
حقيقة.. عمتك مندفعة!”. عبدالله. الذي كان صامتا طيلة الوقت» قال: بإنكليزية بالكاد فهمت منها: "المرأة تحكمها عواطفها". لم أتبين إن كان
انتقادا أم إشادة ما تفوه به.
* **
بعد أن ألقت عمتي كلمتها بدأت تتلقى الأسئلة من الجمهور. كل
شيء كان على ما يزام. واثقة كانت» سريعة البديهة» تملك لكل سؤال
جوابًا. السؤال الأخير أو الذي أصبح أخيرا جاء من سيّدة كبيرة بدت
متحمسة: "لم نسمع بكِ من قبل سوى فيما يتعلق بما تسمينه حقوق

البدون.. كانت قضيتهم من أولوياتك". أجابت عمتي على الفور: "ولا
تزال". سألتها السيدة: "وهل كل البدون يستحقون الجنسية الكويتية؟".
أجابت عمتيء أو اندفعت كما يقولون بإجابتها: "كلا بالطبع.. شأنهم في
ذلك شأن المواطنين". حملت السيدة حقيبة يدها تاركة كرسيها. هزت
رأسها بأسف قبل أن تترك القاعة: "الله يرحم عيسى الطاروف". دوت
القاعة بالتصفيق ما إن ذكرت السيّدة اسم جدّي. انسحبت. تبعها الكثير
من الحضور لتنتهي الندوة قبل أن توضح عمتي ما رمت إليه.
هاتفتٌ خولة أعزيها. كانت باهتة حزينة. قالت بحسرة: "الناس لا
يريدون أن يسمعوا.. لم يمهلوها". سألتها عن عمتي: "كيف هي الآن؟".
أجابت تطمئنني: "هي بخير.. جدّتي متعبة جدا". غالبت بكاءها: "هي
في غرفتها بين عمتي عواطف وعمتي نورية تهدآنها". رقّ صوتي لحزنها:
"وأنتٍ؟ أنتٍ يا خولة؟". أطلقت زفرة طويلة قبل أن تجيب: "أنا؟.. لا
أدري.. أوشك على تصديق ما تؤمن به ماما غنيمة". تسارعت أنفاسها.
قالت: "كل ما يحدث لنا بسببه.. غسان لعنة".
* **

ساق البامبوWhere stories live. Discover now