[الجزء الثالث] البارت الثاني (٢)

168 13 0
                                    

من نافذة غرفة تشانغ» وأثناء نوم صديقي؛ كنت أراقب معبد سينغ-
غوان في الليل. يبدو مهيباء لونه رمادي داكن» يعلوه القرميد بتصاميم
تشبه البيوت الصينية» نقوش كثيرة بارزة على جدرانه.. هنا تمثال لتنين
صيني.. وهناك تمثال لشيخ أصلع باسم الوجه له لحية طويلة. وفي
أعلى البوابة المقؤسة تبرز لوحة تحمل حروفا صينية؛ وأسفل اللوحة»
على الجزء المقوّس من البوابة كُتب اسم المعبد بالإنكليزية 5608
160016 080ا0. أحببت المكان. ونما بداخلي فضول لما يجري بداخله»
ولكنني» رغم فضوليء لم أفكر في دخول المعبد.

قادني الفضول» بدلا من زيارة المعبد» إلى الأرفف فوق ثلاجة
تشانغ. سحبت كتابا من بين كتبه. ومنذ تلك الليلة. أصبحت أقرآء أثناء
نوم صديقي» على ضوء الشمعة؛ تعاليم بوذا.. حياته.. تلاميذه.. جلوسه
بوضعية اللوتس تحت شجرة التين..وقصة التنوير.

سحرتني شخصيته. تُرى.. لو واصلت جلوسي تحت شجرتي
الأثيرة في أرض ميندوزا.. هل كنت سأصبح.. بوذا؟ تبّا لبرج الإتصالات!

لاحظ تشانغ اهتمامي بكتبه؛ وكثرة استلتي حول ديانته وطقوسها.
أصبح» بعد ذلك» كل ليلة؛ يحكي لي عن بوذاء وفي المقابل» يسألني عن
يسوع المسيح. نقارن بينهماء ونتوقف عند التشابه في ظروف ولادتهماء
وحياتهماء وأتباعهماء والظروف التي مرت بهما.

ما أعظمهما..

هل أخون أحدهما إذا ما اتبعت تعاليم الآخر؟

كلاهما يدعو للمحبة والسلام.. التسامح والخير والمعاملة الحسنة.
***
دعاني تشانغ ذات يوم لمرافقته إلى المعبد. ترددت في البدء»
خوفا من أن يكون الأمر غير مسموح به؛ ولكنه أكد لي ان المعبد يستقبل
البوذي وغير البوذي. "سوف ينتابك شعور بالإطمئنان في الداخل”»
قال لي.

قبل الغروب» فور فراغنا من العمل ذهبت وتشانغ إلى معبد
سينغ-غوان. لم يكن يشبه الكنيسة في شيء؛ ولكن الشعور.. هو ذاته.

"راقبني.. وافعل كما أفعل”» قال تشانغ» وحين شعر بارتباكي
قال: "أو.. يمكنك الجلوس هناك". أشار تشانغ نحو مقاعد أرضية جلدية
حمراء. ستة صفوف يحتوي كل واحد منها على عشرة مقاعد متلاصقة»
ليس لها مساند للظهر أو لليدين. ارتفاعها لا يتجاوز الثلاثين ستتيمترا.
جلست في المنتصف؛ على المقعد الخامس في الصف الرابع. الإضاءة
خافتة. أمامي ثلاث غرف زجاجية كبيرة» بداخلها ثلاثة تماثيل ذهبية
ل بوذا بالحجم الطبيعي. في الغرفة الوسطى ينتصب بوذا واقفا تحيطه
النقوش الذهبية بارزة على خلفية حمراء قانية؛ وفي الغرفتين الزجاجيتين
الآخريين. تمثالين يجلسان القرفصاء. ا

لم يكن سواناء تشانغ وأناء في المعبد. تقدم تشانغ نحو الغرفة
الزجاجية الوسطى ضامًا كفيه أسفل ذقنه. أحنى رأسه؛ وشرع في الصلاة.

حواسي؛ كلهاء متحفزة. كثير من الأشياء يمكن اكتشافها وتجربتها
بالمجان؛ كما قالت ميرلا ذات يوم. كنت مأخوذا بكل شيء. دخان
أعواد البخور الجاثم على صدر المكان كغيمة كثيفة. رائحة أزهار
الياسمين المنتشرة في كل الزوايا. والصمت.. وحده الصمت قادر على
تحفيز أصوات بداخلناء تبدو لأناس آخرين» نطمئن لهم» يرشدوننا إلى
أماكن غير مألوفة؛. نحث إليها الخطى مطمئنين.

فرغ تشانغ من صلاته. تقدم نحو وعاء برونزي كبير. أشعل عود
بخور وغرسه في الرمل الناعم داخل الوعاء.
قبل أن يهم تشانغ بالخروج» تقدمت نحو الغرفة الزجاجية الوسطى
تاركا مقعدي الأحمر. انتصبت أمام التمثال ذي الملامح الساكنة. أحنيت
رأسي. رسمت علامة الصليب أمام وجهي. وعندما رفعت رأسي»
وجدت ملامحه. كما كانت» بالهدوء نفسه.. من دون أن يستنكر فعلي.

نحو الوعاء البرونزي تقدمت. أشعلت عود بخور. غرسته في الرمل
الناعم. ثم انصرفنا.. تشانغ وأنا،

***

في المساء» بعد ان مددنا مرتبتينا على الأرض» قرفص تشانغ
فوق مرتبته. فرك كفّيه ببعضهما كذبابة. قال: "ناولني ال غوزهينغ من

نحو الزاوية خلف الباب تقدمت. كان يسند آلته بشكل عمودي.
حملتها برفق بين يديٍّ وكأنني أحمل طفلا. شكلها ساحر. مصنوعة من
العاج المطعم بصدف السلاحف. أوتارها الواحد والعشرون مشدودة
بانتظام. ناولته إياها. أسندها فوق ساقيه؛ ثم نزع قميصه.

- هل ستقوم بارضاعها؟!

سألته مازحا. ضحك؛ ثم قال:

- اعتدت العزف عاريا.. لولا وجودك..

انفجرت ضاحكا. سارعت بالقول:

- حسنا حسنا.. إلى هنا كل شيء على ما يرام.

قام بتشيت حلقات صغيرة حول أنامله» تبرز منها رؤوس تشبه
المخالب. اكتسته ملامح جدية قبل أن يقول:

- قبل أن تجلس هوزيه.. أطفئ النور وأشعل تلك الشموع فوق
الثلاجة.

أطفات مصباح الغرفة الوحيد. أشعلت الشموع. ثم.كيف لي أن أدوّنء هناء ما صدر من تلك الآلة؟

"عطر زهرة الياسمين"» قال تشانغ في إشارة إلى اسم المقطوعة
قبل أن يشرع في عزفها.

أصابع كفّه اليمنى تتحرك بسرعة فائقة» على ثلاثة أوتار, تكرر نغمة
واحدة» في حين لم تستقر أصابع كفّه الأخرى على وتر. ينتقل بها بين
الأوتار ناثرا سحرها في المكان. انتصبت شعيرات جسدي؛ كل شعرة
تعانق الأخرى تراقصها. أسندت ظهري إلى الحائط وأغمضت عينيّ. أن
تصدر الآلة أنغاما موسيقية.. بديهي.. أما أن تنثٌ الأوتار عطر الامسن]
هذا ما لم أجد له تفسيرا!

ما إن فرغ من مداعبه أوتار ال غوزهينغ حتى ناولني آلته؛ يشير
نحو الزاوية خلف الباب من دون أن يفه بكلمة.

- أي سحر يصدر من هذه الآلة؟!

سألته في حين كنت أعيدها إلى مكانها. ابتسم ولم يجب. دس
ساقيه تحت الغطاء واستلقى على مرتبته. أطفأات الشموع ثم استلقيت
على مرتبتي منتظرا إياه في أن يشرع في الحديث الليلي كالعادة»؛ ولكنه
ظل صامتا. سألته:

- ألن تتحدث هذه الليلة؟

غير من وضعيته؛ أدار ظهره لي يقول:

-< قلت كل ما لدي قبل قليل.. كل ما لدي.

***

ساق البامبوWhere stories live. Discover now