[الجزء الرابع] البارت الثالث عشر(١٣)

106 15 0
                                    

ذات يوم طرقت خولة باب غرفتي في ملحق البيت. قالت أن راجو
أخبر جدّتي أنني كثير الكلام مع الخدم» لذا فهي غاضبة جدا. "كيف
أتجنبهم وأنا أتناول طعامي في المطبخ؟"» قلت لها. أجابت باسمة: "لا
داعي للاحتكاك بهم.. لهذا السبب قررت جدتي أن تشاركنا الطعام في
الداخل”. ابتسمت. اتسعت ابتسامتي: "حمدا لله على لؤمك يا راجو"

حجن راجو يسأل بقية الخدم عن سبب وجودي في البيت» ولكنهم
كانوا يتظاهرون بعدم المعرفة وبأنهم مثله يجهلون أمري.

في وجبة الغداء الأولى» مع جدّتي وعمتي وأختي» وجدتني غير
قادر على وضع شيء في فمي. كانت خولة تقرّب الأطباق إليّ» تغرف
من المائدة الكبيرة الرز الأصفر وتضعه في طبقي.. قطعة دجاج.. صلصة
طماطم.. سلطة.. رقائق مثلثة الشكل محشوة بالجبن والخضار واللحم..
شيء يشبه الرز المهروس برتقالي اللون وأنواع أخرى من الأطعمة.
جدّتي لا تنظر باتجاهي على الإطلاق» وكأنني لست موجودا. تكوّر
الرز بأطراف أصابعها وتأكل بصمت. سرحت أفكر في ماما آيدا وأمي
وأدريان» الرز الأبيض وصلصة الصويا والموز المشوي وأقدام الدجاج
المقرمشة. طعام الفقراء كان لذيذا لأن ملحه وتوابله في الحميمية التي
تجمعنا حوله. طعام الأغنياء لا طعم له مع الوجوه الصامتة. نبّهتني عمتي
هند: "لماذا لا تأكل؟"» ارتبكت» فقد كنت أسأل نفسي السؤال ذاته» ما
الذي يمنعني من الأكل وأنا أتضور جوعا؟.. "لا أشعر بالجوع عتمتي"
أجبتها. كانت هذه المرة الأولى التي أنطق فيها في حضرة جدتي. من
دون أن تلتفت إليّ؛ فتحت ماما غنيمة عينيها على اتساعهما. رفعت يدها

عن طبق الرز أمامها. حسبتها رأات حشرة في طبقها. وضعت مرفقها
على الطاولة وأسندت جبينها على ظهر كفّها. ارتبكت. نظرت خولة
وعمتي هند إليّ. قلت لهما: "أتمنى ألا أكون قد قلت شيئا أزعجها!".
لم أفرغ من كلماتي حتى وجدثٌ جدّتي تمسك بطرف الشال الملقى
حول رقبتها بإهمال تغطي به وجهها. انخرطت تبكي من دون صوت.
جسدها يهتز بقوة. رجعت عمتي هند بكرسيها إلى الوراء وقفت تضع
كفها على كتف جدّتي تحدثها بلطف والأخيرة تجيب وسط بكائها في
حين كانت تستر وجهها بشالها لا تزال. ابنسمت عمتي هند. قبّلت رأس
جدّتي وربّتت على ظهرها. خولة كانت تبتسم وتمسح دموعها بظهر
كفها. التفتت عمتي هند إليٌّ» أنفها أحمرء وعيناها تلمعان بالدموع.
قالت: "أمي تقول.. لك صوت أبيك".

تعمدت خولة أن تتحدث إليّ لأجيبها وتسمع جدّتي صوت راشد
يخرج من حنجرتي. أمسكت ماما غنيمة بكأس الماء تشرب وهي تستمع
إليّ من دون أن تنظر باتجاهي» ومن دون أن تفهم كلماتي الإنكليزية.
عيناها تنظران إلى لا شيءء أو لعلها كانت تنظر إلى وجه ولدها الوحيد
في مخيلتها. كأس الماء في يدها لا تزال. تهزٌ رأسها بأسف والمرارة
على وجهها. بكفها اليسرى أخذت تمسح دموعها. مسحت كل شيء
عدا شهقاتها المكتومة.

فرغ الجميع من الأكل. انصرفت ماما غنيمة إلى غرفة الجلوس
تسندها عمتي هند. جلست إلى أريكتها في الزاوية بعد أن مدت ساقيها
فوق طاولة صغيرة أمامها. كنت قد شرعت في الأكل» وكان طعمه قد
تغيّر في فمي. كم كان لذيذا. كنت أراقب جدّتي في زاويتها. سألت
خولة: "لماذا تسند ساقيها إلى الطاولة هكذا؟"؛ أجابت بأسف: "مسكينة
ماما غنيمة.. تعاني من خشونة ومشاكل في مفاصل الركبة".

***

بعد الغداء» وبعد عودتي إلى الغرفة. طلبت من لاكشمي أن تحضر
لي منشفتين صغيرتين ووعاء مليثًا بالماء الساخن. اتصلت بخولة بعد
الغداء بحوالي نصف ساعة أسألها أن تخبر جدّتي بأنني أريدها في أمر
ما. استغربت أختي. فتحت لي الباب الزجاجي ثم وجدتني أقف أمامها
حاملا وعاء الماء الساخن والمنشفة. "إن كنت تريد أن تغسل السيارات
فهى تحت المظلات هناك!", مجنونة خولة» سريعة البديهة» ذكية» مرحة.
طلبت منها أن تحضر لي زيتاء "ماذا تريد أن تفعل يا عيسى؟!". قالت
باستغراب. "ستعرفين فيما بعد" أجبتها. كانت تنظر إليٍّ والريبة في
عينيها: "من أين أجيء إليك بالزيت؟"”» صمتت قليلا ثم قالت: "زيت
الطهي ينفع؟” نظرت إليها محبطاء تداركت: "زيت الزيتون؟". وافقتها
على اقتراحها الأخير. نادت خولة على الخادمة: "لوزااا.. لوزااا” ومن
آخر غرفة الجلوس» عند المدخل الرئيسي, جاءنا صوت الببغاء ما
إن سمع اسم الخادمة؛ يصيح بالكلمة التي يلحقها دائما باسم لوزا.
سألت خولة: "جدّتي والببغاء يصيحان بالكلمة ذاتها بعد أن يناديا على
لوزفيمينداء ماذا تعني هذه الكلمة؟". احمرٌ وجهها. وضعت كفها خلف
رأسها عاقدة حاجبيها. قالت والخجل يصبغ وجهها بالأحمر: "حمارة".
كررتثٌ الكلمة كما قالتها بالعربية: "حمارة؟".

"نعم سيّدتي”» كانت لوزفيميندا ورائي تسأل خولة حاجتها. طلبت
منها أن تحضر من المطبخ زجاجة زيت الزيتون.

ل انا

رفضت جدّتي في البدء» ولكن خولة ألحّت عليها. قبلت طلبي
على مضض. كانت تمد ساقيها على الطاولة الصغيرة. جلستٌ فوق
الأرض على ركبتيّ. غطست المنشفتين في الماء الساخن ثم لففت
ساقيها بهما. أخذت أضغط بكلتا يديٍّ فوق المنشفتين. كانت تنظر إليّ
بنظرة عدم ارتياح. طلبت من خولة أن تضع إحدى الوسادات خلف

رأس جدّتي وأن تطلب منها أن تسند ظهرها إلى الوراء وتغمض عينيها.
واصلت الضغط إلى أن سقطت آخر قطرة ماء من المنشفتين. أزحت
الطاولة الصغيرة من أمامها. وضعتٌ إحدى قدميها على ركبتي وأسندتٌ
الأخرى فوق كتفي مثل بازوكا. أمسكت ماما غنيمة بطرف شالها ثم
رفعته تغطي به وجهها. "جدّتي تشعر بالخجل”؛ همست خولة في أذني
وهي تكتم ضحكتها. أخرجتٌ زجاجة الزيت من وعاء الماء الساخن.
سكبت كمية كافية على ساقها المسندة إلى كتفي. شبكتٌ أصابعي
وأحطت ساقها بكفيّ أضغط برفق» بدءا من كاحلهاء مرورا بساقهاء
وصولا إلى ركبتها الخشنة. أحيطها بأطراف أصابعي أدلكها برفق.
أزحت ساقها عن كتفي مسندا إياها إلى ركبتي. أمسكت بقدمها بكفيّ؛
أضغط باطنها بإبهاميّ. تتخلل أصابع كفي أصابع قدمها. أحكم قبضتي.
أواصل الضغط. تشرع جدّتي بشخير ناعم. قرّبتٌ الطاولة أسند ساقها
إليها. توقف شخيرها. قالت شيئا لم أفهمه. نظرثٌ إلى خولة أستوضح
الأمر. أوضحت: "ماما غنيمة تقول.. لا تنس سافها الأخرى". هززت
رأسي بسعادة: "بالطبع بالطبع".

لو كان تدليك ساقيها يقربني إليها لقضيت عمري كله في هذا العمل.

***

ساق البامبوOpowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz