[الجزء الخامس] البارت الاول (1)

121 10 0
                                    

عصر اليوم الأول لعيد الأضحى. زارت إيمان» بعد غياب طويل»
بيت الطاروف لتهنئ جدّتي بالمناسبة. لابد أن زوجها لا يعلم بأمر هذه
الزيارة المحرّمة. هي لم تر ماما غنيمة في شهر رمضان أو عيد الفطر.
ما الذي جاء بها في ذلك الوقت تحديدا؟ هي المصائب» لا تأتي فرادى

كما يقاله. ا
طرقت خولة باب غرفتي. وكعادتها لم تتجاوز الباب إلى الداخل.
أخبرتني أن أم جابر هاتفت جدّتي مرة أخرى. وعندما اعتذرت الأخيرة
عن تلبية طلبها سألتها الجارة: "هل حقا ان الفلبيني اسمه عيسى؟".
كادت جدّتي أن تنهار أمام تلميحات أم جابر. لا بد أن راجو كان وراء
ذلك. هززثٌ رأسي دونما اهتمام: "وماذا بعد؟". اغرورقت عينا خولة
بالدموع. أخبرتني أن والدتهاء إيمان» قد تلقت اتصالا مين أم جابر
تسألها عن الفلبيني في بيت أهل زوجها السابق. علمت إيمان بأمري
من دون أن تشعر جارتنا الفضولية بشيء؛ ثم على الفور جاءت تطلب
من ماما غنيمة أن تسمح لها بأن تأخذ خولة لتعيش في بيت جدّتها
لأمهاء فهي لا تريد لابنتها أن تعيش في بيت أنا فيه. تذكرثٌ رسالة
أرسلها أبي لأمي» قال فيها ان زوجته؛ الجديدة آنذاك. لا مشكلة لديها
إن أنا عدت إلى الكويت. ما الذي تغيّر؟ لم تجبني خولة واكتفت بمسح
دموعها. قلت لها حاسما أمري: "سوف أقطع لسان أم جابر.. وسوف
لن أكون سببا في تركك للبيت الذي تحبين”. أومأت مستفهمة. أجبتها:
"قررثٌ الرحيل". لم تتمسك خولة؛ رغم حزنهاء بوجودي» فوجودي في
بيت الطاروف أصبح مرهونا بخروجها منه. اكتفت بسؤالي وشيء من
ملامح الصدمة استوطن وجهها: "إلى الفلبين؟". أجبتها: "إلى الكويت".
جدّتي» لأول مرة منذ وجودي في بيتهاء احتضتتني بقوة حتى كدت
اختنق بين ذراعيها ما إن علمت بقراري. أفلتتني بعد قبلة طبعتها
على وجنتي. التفتت إلى خولة تحدثها وتطلب منها ترجمة ما تقول.
بوجه ملؤه الخجل قالت خولة: "زيادة على المثتين.. سوف تعطيك ماما
غنيمة مثتي دينار ليصبح راتبك الشهري أربعمئة". هززت رأسي شاكرا.
واصلت جدّتي حديثها لأختي. قالت الأخيرة: "وسوف تتنازل لك عن
حصتها من راتب أبي”. الجُمرة تكسو وجهيهما. حُمرة الخجل على
وجه خولة. مرة السعادة على وجه جدّتي. أدرثٌ ظهري لهما عائدا
إلى غرفتي التي لن تكون كذلك.
* #* *

مساء اليوم الثاني لعيد الأضحى. كان إبراهيم سلام ينتظرني في
الخارج بسيارته. هممت أحمل حقيبتي. فتحت خولة باب الغرفة.
ولأول مرة تجاوزته بخطوات مترددة متقدمة للداخل. دخولهاء بهذه
الطريقة» إلى الغرفة» وهي التي لم تفعل قط» أربكني. ترك حقيبتي
على الأرض في حين كنت أراقبها. وقفت أمامي تتفرّس وجهي.
ازدردتٌ ريقي بصعوبة. ملامحها لا تحمل أي تعبير. حاولتٌ عبثا أن
أبتسم ولكنني عجزت أمام حيرتي لتجاوز أختي منطقة الحظر. رفعت
كفيها أسفل ذقنها تعالج شيئا ما. ارتخى حجابها. أمسكت بمقدمته فوق
جبينها. أزاحته عن شعرها. أسقطته على كتفيها. هزّت رأسها مطلقة
شعرها الأسود في الهواء. عيناها في عينيّ مباشرة. الدموع تكاد تطفر
منهما. احاطت جسدي بذراعيها وغاص وجهها بين رأسي ورقبتي.
قالت: "سأفتقدك يا أخي".

ذراعاي ممدودتان إلى الأسفل. لم أتجاوب معها. كان قلبي ينبض
بشدة. طبعت قبلة على وجنتيء ثم أدارت ظهرها عائدة من حيث أنتت
تُعيد تغطية شعرها بحجابها و: "سأفتقدك يا أخي” تتردد كالصدى في
أذنيّ "يا أخي.. يا أخي.."؛ تتكرر حتى بعد خروجها من غرفتي.

أول مرة تناديني خولة بهذه الصفةء وقبل ذلك بيوم؛ احاطتني ماما
غنيمة بذراعيها لأول مرة وقبلتني. لو كنت أعلم بذلك لتركت بيت
الطاروف منذ زمن. حملت حقيبتي. أطفأت أنوار الغرفة. وفي الفناء
الخارجي التفتٌ ناحية المطبخ. بابو ولاكشمي ولوزقيميندا خلف زجاج
النافذة ينظرون إليّ. يلوّحون بأيديهم والحزن على وجوههم. تركتٌ
بيت جدّتي ورائي. وفيما كنت أضع حقيبتي في صندوق سيارة إبراهيم
ظهر راجو من وراء باب المرآب. رمى سيجارته أرضا. سحقها بقدمه.
التفت إليّ يقول: "مع السلامة". أطبق الباب.

تحت المظلة الخاصة بعمتي هند؛ كانت سيارتها. هي في البيت»
ولكنها لم تخرج لوداعي. أتفهم موقفها. بأي وجه ستودعني وهي التي
عجزت عن القيام بدورها كاملا تجاهي.

لست ألومهاء فهي كما كان أبي؛ وكما قالت أمي ذات يوم:
"ليس بيده القرار لأن مجتمعا كاملا يقف وراءة".
* **

ساق البامبوOù les histoires vivent. Découvrez maintenant