[الجزء الثاني] البارت السابع عشر (١٧)

181 14 0
                                    

هوزيه.. هوزيه.. هوزيه.."
يتردد هذا الاسم عشرات المرات في اليوم الواحد، على لسان
جدي، وهو ما جعلني أنا الذي أتوق لاسم حقيقي- أتمنى أن أكون
بلا إسم، مع جدي فقط، كيلا يتمكن من مناداتي طوال الوقت، لا
تقف خلف نداءاته تلك رغبة في الحديث معي، لأن تردید اسمي على
لسان میندوزا لا بد وأن يعقبه أمر ما: "املأ وعاء الديوك بالماء.. نظف
الحظيرة من ال.. احمل بقايا الطعام إلى وايتي.. تسلق شجرة المانجو
واقطف.. أو.. قم بتسخين الزيت واتبعني...
لم يكن هناك من يرضخ لمیندوزا سواي، خصوصا بعد انتقال
والدتي إلى بيت زوجها، بعد أن أنجبت أدريان، أخي الصغير، واصرارها
على البقاء إلى جانبه بعيدا عن بيت أبيها، في بيئة أفضل، وإن كان هذا
البعد، المتمثل في بينها الجديد، لا يتجاوز منزلا صغيرا في نهاية الطريق
الرملي الذي تطل عليه أرض جذي
أي بيئة أرادت أمي لأدريان أن ينشا بها، وهو، المحظوظ، الذي
لا يدرك شيئا مما يجري حوله؟
نالت أمي، في الزواج، حريتها، بعد أن نالت ماما آیدا، قبل ذلك
بسنوات، حريتها بالتمرد، أما میرلا، فإن حريتها وخلاصها يكمنان، إلى
جانب شخصيتها، في انتمائها ل ماما آیدا، ما يحجب رؤية جدي میندوزا
لكل هؤلاء، ليبصر من ثقب صغير وجودي فقط، أنا الذي لم أتل حريتي
بعد.
کم کرهت اسمي حين يخرج من بين شفتيه الداكنتين، حاملا معه
رائحة التبغ، متسللا من الفراغات بين اسنانه البنية. يخيل لي انه سيسقط
ميتا ما إن يفرغ من صرخته المعتادة: "هوزيييييييه" بصوته الحاد المزعج
كصرير الطباشير على سبورة الفصل.
قصير القامة كان، داكن البشرة، خطوط غائرة نملا جبينه ووجنتيه.
عيناه غائرتان، تكادان تختفيان أسفل حاجبيه الكثين. يسعل باستمرار
وكأنه يوشك أن يستفرغ رتبه. منذ كنت صغيرا وأنا على يقين بأن
میندوزا يحتضر، ولكن احتضاره امتد لسنوات طويلة! يمكنني تصور
هيأته بعد موته، لأنها لن تختلف كثيرا بعد الموت عما قبله، فقد كان
هيكلا عظميا يكسوه جلد مجمد.
في بيته الصغير، يستلقي على سريره الخشبي كل يوم. يغوص
وجهه في وسادته النتنة. جزؤه العلوي عار. أما أنا، رغم صغر ستي
آنذاك، فقد كنت بخبرة نؤهلني للعمل كمعالج تدليك محترف، نظرا
القيامي بهذا الدور بشكل يومي. أجلس فوق مؤخرة ميندوزا الخشبية
کسريره. خيط رفيع من زيت رخيص دافي بنساب على ظهره من العلبة
البلاستيكية في يدي. أضغط بكفي أسفل ظهره، مازا على فقرات عموده
الفقري الناتئة، وصولا إلى رقبته. "11" يئن جذي: "واصل الضغط"
يأمرني، في حين يملؤني الرعب من أن يتفتق جلده كاشفا عن عموده
الفقري. وكعصفور ينتظر بزوغ الفجر ليحلق بعيدا بين الأشجار، كنت
أنتظر إشارة الخلاص التي تعنقني من هذه المهمة الشاقة، ما إن ينتظم
أخفف الضغط على ظهره تدريجيا، منتقلا من باطن كفي
إلى أطراف أصابعي، حتى تبدا وصلة الشخير، لأنطلق بعدها إلى مپرلا.

ساق البامبوWhere stories live. Discover now