[الجزء الثاني] البارت السابع (٧)

211 17 0
                                    

     تقول والدتي انها صعقت فور  فراغها من قراءة الرسالة حين قرأتها أول مرة، ليس بسبب الطلاق، فهو نهاية متوقعة لهذه الهلاقة كما كانت تقول، فالقرار: "لم يكن في يد ابيك، لأن مجتمعا بأكمله يقف وراءه". ولكن سبب خوفها هو ذلك الوعد، لم تكن تتصور ان بإمكانها التخلي عني لوالدي مهما كان السبب. كان هذا في البداية، ولكن حين فكرت في الامر جيدا، بعيدا عن عواطفها، وجدت انه حلم الانسان هناك، ان يعيش في الخارج، في بلد يضمن له الاستقرار والعيش الكريم. ففي حين تتنازل المرأة عن كل شيء مقابل الاقتران برجل غربي، يحملها إلى بلاده لتحصل على فرصة أفضل للعيش وتكوين أسرة، كان الرجل يجد مشقة في تحقيق هذا الحلم، فحلم كل امرأة ورجل في بلاد أمي، هو ان يهاجر ويستقر في أوروبا.. أمريكا أو كندا، منازلا عن كل شيء، ماضيه ووطنه وحتى أهله.

     أدركت أمي ان مستقبلا آمنا، قلّما يتوفر لرجل، ينتظرني هناك، في الكويت التي تقدم لمواطنيها، وأنا أحدهم، ما لا تقدمه أكثر الدول تقدما. تقبلت أمي وعد أبي، وانتظرته، وهيأتني له. ورغم خذلانه إياها وتخليه عنها بالطلاق كانت تقول: "ما أحببت أحدا مثل أبيك"، ولكن، رغم ذلك الحب، تزوجت والدتي بعد حوالي سنتينمن ألبيرتو. كان يكبرها بحوالي عشر سنوات، يسكن في حيّنا، يعمل على ظهر سفينة تجارية تجوب المحيطات ثمانية أشهر، ويقضي معها ما يتبقى من شهور السنة في بيته الصغير القريب من أرض جدّي. نالت والدتي حياة أفضل مع زوجها الجديد، تاركة إياي، أثناء وجوده في الفلبين، في رعاية خالتي آيدا. أوشكت والدتي على العودة للعمل خادمة مرة أخرى في الخليج، لتتمكن، وزوجها الجديد، من تأمين مستقبلها، إلا أنها تراجعت عن الفكرة بعد تدخل والدي.

    يقول في رسالة أرسلها بعد أكثر من سنتين من سفرنا:

     العزيزة جوزافين،،

     كيف أنتِ؟ وكيف هو عيسى؟

     وصلتني رسالتك الأخيرة، وقرأت ما جاء فيها. أرجو ألا يشغلك زواجك عن تربية الصغير، كما أتمنا أن تلغي فكرة السفر للعمل في الخارج مرة أخرى. سأرسل لك ما تحتاجينه من مال يغنيك عن السفر. فقط ابقِ إلى جانب عيسى، لا أريده أن يكبر بعيدا عن أمه، فيكفيه ما جاءه من أبيه.

     بعد أيام قليلة، سأتزوج من فتاة طيبة إيمان، تحبني كثيرا، وهي متابعة وقارئة جيدا لما أكتب، أخبرتها بشأن ابننا، ولم تعارض حين أخبرتها أنه سيعود ليعيش معي ما إن تتزوج أخواتي الثلاث. ستنتقل للعيش معي في منزل والدتي، إلى أن تتحسن الظروف وننتقل للعيش في منزل جديد أكوّن فيه أسرتي الجديدة.

     كونا دائما، أنتِ وعيسى، بخير،،

                                                      راشد

                                            الكويت مايو 1990

     كانت والدتي هي التي تطلب مني قراءة رسائل والدي إليها، لم أصبحت رسائله تثير اهتمامي، وحين طلبت منها اعطائي المزيد:

     - ليس لدي المزيد هوزيه..

          قالت في حين كانت تعيد الأوراق داخل الحقيبة. أتمت:

     - انقطعت رسائل أبيك وحوالاته المالية بعد تلك الرسالة بسبب حرب الخليج الثانية.

                                  ***

ساق البامبوOn viuen les histories. Descobreix ara