[ الجزء الرابع] البارت الخامس (٥)

130 11 0
                                    

جميلة هي الكويت؛ هذا ما كنت أراه حين يصطحبني غسان إلى
المجمعات التجارية والمطاعم. الشوارع نظيفة بشكل ملفت. لابد أن
تكون كذلك». فليست السيارات التي تسير فوقها عادية. المباني والبيوت؛
واحدها يختلف عن الآخرء وكل يجذبك فيه شيء الألوان والتصاميم
وال.. سيارات المصفوفة أمامها.. أوه! ما أجملها.

لفت انتباهي بشدة تبادل القبلات هنا بين الرجال حين يحيّون
بعضهم البعض. في الحقيقة هي ليست ثبل تماماء ولكنها توشك أن
تكون. يلامس الرجل بخدّ خدٌ الآخر في حين يصافحان بعضهما
الشاكن» فهملت فين غسان أنها طريقة الحجية التغايدية كما ليرا بن
الرجال وحسب, بل إن النساء أيضا يفعلن فيما بينهن.

يمر أحدهم أمامناء يهمس: "السلام عليكم”؛ ثم يواصل سيره في
حين يرد غسان: "وعليكم السلام". ألتفت إليه مستفسرا: "هل تعرفه؟"
يهز رأسه نافيا. وقبل أن أواصل أسئلتي» يبادر هو بالتحية: "السلام
عليكم”. إلى أحد الرجال عند باب المصعد في المجمع التجاري. أسأله
مجددا: "هل تعرفه؟". يهز رأسه نافيا: "لا". إذن لماذا يتبادلون التحايا
فيما بينهم؟! كنت أسألني.

الوجوه والأشكال والملابس تختلف إلى حد التناقض. يثير انتباهعي
بعض الأشخاص بأشكالهم. أشير إلى أحدهم موجها سؤالي لغسان:
"ماذا يكون؟"» يجيب: "كويتي".

وهذا؟.. كويتي.. لا لا لست أعني هذا بل ذاك.. كلاهما كويتي..
والذي يقف هناك؟.. كويتي.. والفتاة التي ترتدي.. كويتية.. وال.. كويتي
أيضا.
البعض يرتدي ثيابا تحاكي آخر صيحات الموضة» والبعض بالثياب
التقليدية؛ أناس بالشورت والتي-شيرت» وآخرون يرتدون الجينز.. شباب
بشعور طويلة تظهر من تحت غطاء الرأس.. ثياب ضيّقة جدا رغم نحافة
مرتديها.. شباب يسرحون شعورهم بطزيقة مجنونة أعجبتني» وآخرون
يعتمرون قبعات» والبعض بغطاء رأس أبيض.. آخرون بغطاء أحمر..
أجساد رياضية منفوخة.. أخرى نحيلة جدا.. فتيات كثيرات.. تصفيفات
شعر مختلفة.. ملابس جذابة.. تنانير قصيرة.. أخرى طويلة.. ألوان
زاهية.. وأخريات يغطين رؤوسهن بالحجاب.. تختلف أشكاله.. حجاب
منفوخ.. حجاب يظهر غرة صاحبته.. حجاب يغطي الشعر كاملا.. وآخر
لايخفي الشعر وحسب بل يغطي جزءا من الذقن.. ثياب سوداء..
بعضها ضيق يرز تفاصيل الجسد.. بعضها الآخر فضفاض.. فتيات
تشبهن نجمات هوليوود.. أخريات بمساحيق تجميلية تظهرهن كفتيات
الغيشا اليابانيات.. أنوف دقيقة وشفاه مكتنزة بشكل غير طبيعي.. نساء
يغطين وجوههن بقماش أسود لا يُظهر سوى أعينهن.. شعور سوداء..
شقراء.. أناس سُمر.. أناس بيض.. أناس سود..

مع كل هذه الاختلافات» كنت أمنّي نفسي: "سوف أذوب بين هؤلاء".

*؟**

تجاوزت فترة بقائي في استضافة غسان مدة الشهر. استعادت
الكويت» خلال هذه الفترة» فرحها شيئا فشيئا. ففي نهاية يناير تولى
الأمير الجديد مقاليد الحكم. صوره بدأت تنتشر في الصحف والشوارع
والسيارات. وما إن جاء الأسبوع الأخير من فبراير حتى تغيرت الكويت
تماماء لا أبالغ إن قلت انني رأيت الكويت ترقص فرحا في الخامس
والعشرين من فبراير.

أخذني غسان في جولة عبر محبوبته؛ كما يسميهاء سيارته الك لانسر
البيضاء» إلى الشوارع جهة البحر. الهواء بارد رغم ان الطقس كان مشمسا. بدأ الإزدحام يزداد مع اقترابنا من المنطقة الساحلية. الأعلام»
بأحجام مختلفة؛ ترفرف فوق السيارات. صوت الأغنيات الوطنية يتعالى
من النوافذ. أبواق السيارات يحاكى بعضها الآخر. تصفيق وهتافات..
والفرح على الوجوه. مسدس الماء وبخاخ الرغوة؛ في الأعياد الوطنية؛
يحيلان الكويت إلى غسالة كبيرة. هذا ما شعرت به. الناس تغني وترقص
مبللة بالماء. مضمخة بالرغوة» وكأنها تغتسل في حمام جماعي. غسان
يتأكد من ففل جميع أبواب السيارة؛ فالبعض» كما يقول» لا يتورع عن
فتح أبواب السيارات ورش الركاب بالماء والرغوة.

تذكرت المجانين الذين كنت أشاهدهم في بوراكاي» واكتشفت
أنهم ما كانوا سوى عيّنة صغيرة من هؤلاء الذين يرقصون في الشوارع
في العيد الوطني.

أخذت أحدق في الوجوه أتأمل ملامحها. هذا المزيج المنسجم
رغم تناقضاته» لابد وأن يشملني.

قطع تأملاتي صوت غريب. امرأة تضع كنّها بالقرب من فمهاء
تحرك لسانها بسرعة» تصدر صوتا يشبه ذلك الذي يصاحب هتافات
وأهازيج الهنود الحمر.

لفتني تفاعل الناس. الحزن المرير يوم وصولي.. استحال. خلال
زمن قياسي» إلى أفراح غامرة.

- هل كنتم؛ أنت وأبي ووليد. تحتفلون هكذا؟

- إطلاقا!

قال نافيا وكأنني كنت أوجه لهم اتهاما. واصل:

- كنا نحتفل بحبنا للكويت..

وجّه سبّابته إلى صدره. أتم:

- هنا..

***

ساق البامبوWhere stories live. Discover now