[الجزء الثاني] البارت الأول (١)

325 17 0
                                    

ان الذي لا يستطيع النظر وراءه، إلى المكان الذي جاء منه، سوف لن يصل إلى وجهته أبدا
                                                                                                                                                   خوسية ريزال

                         الجزء الثاني

                     عيسى.. بعد الميلاد

من الكويت، سافرنا إلى  الفلبين، لنعيش في أرض جدّي ميندوزا الذي نُسبتُ  إليه اسميا، لأصبح هوزيه ميندوزا. وميندوزا هو الاسم الأخير لجدّي، ولكن الناس اعتادت مناداته بهذا الاسم رغم انه ليس متداولا كثيرا حيث يعيش.

     نشأت في الأرض لا تتجاوز مساحتها ألفيّ متر مربع  في مدينة فالنسويللا، شمال مانيلا، يقوم عليها منزلان صغيران، أحدهما، الكبير مقارنة مع لآخر، يتكون من طابقين، كان سكنا لنا تكدسنا فيه.. والدتي وأنا، وخالتي آيدا وميرلا، خالي بيدرو وزوجته وأبناؤه. أما المنزل الآخر، صغير جدا، يفصل بينه وبين الأول مجرى مائي بعرض متر واحد، كان سكنا لجدّي ميندوزا. لم يكن مجرى الماء، الفاصل بين المنزلين، جدولا صغيرا، أو فرعا من نهر، ولكنه كان مكبّا تصب فيه مياه المجاري حاملة معها مخلفاتنا، ما يجعل رائحة المكان، في الأيام الرطبة، لا تطاق.

     تضم الأرض الصغيرة، بعيدا عن المنزلين، في أحد أركانها المطلة على الزقاق الخارجي، أسفل شجرة مانجو عمالقة، منزلا صغيرا جدا، مصنوعا من سيقان البامبو، شيدّه جدّي قبل سنوات طويلة لامرأة وحيدة تدعى تشولينغ، فقيرة، ولم نكن نعرف من أين جائت. لم تكن تعرف سكنا قبل ذلك سوى الصيف. لا نعرف عنها شيء سوى اسمها.. تشولينغ.. والذي نسبقه ب إينانغ⁶ احترامًا لسنّها.  وكانت إقامتها، بلا مقابل، في أرض ميندوزا الجشع إحدى مفارقات جدّي. كانت عجوزا طاعنة في السن. ترعب أطفال الحيّ بمنظرها. حدباء، لها شاربان أشيبان على طرفيّ   فمها، ولا يغطي الشعر الأبيض في رأسها سوى أجزاء متفرقة،
[( إيانغ لقب يستخدمه البسطاء لمخاطبة كبيرات السن يعني الأم)]

تاركا أجزاء الأخرى للتقرحات والبقع الحمراء. نسج عنها أطفال الحيّ أساطير مرعبة، جعلت من المرور أمام منزلها، خاصة بعد الغروب، أمرا مستحيلا. ف إينانغ تشولينغ، مشعوذة الحيّ، آكلة الأطفال، الساحرة التي لا تموت.

     تغطي ج الخالية، حول البيوت الثلاثة، أشجار كثيرة، كالمانجو والموز والجوافة والبابايا والجاكفروت، تحيطها من كل جانب أشجار البامبو مشكّلة بسيقانها الطويلة سورا لأرض ميندوزا.

     كانت عائلتي، قبل عودة أمي بفترة قصيرة، قد تحسن وضعها المالي قليلا وكان من الممكن أن تعيش بحال أفضل لولا جنون جدّي ميندوزا وإدمانه المراهنات على مصارعة الديّكة، ولأن الإدمان ليس حكرا على المخدرات، فقد كانت المقامرة والمراهنات تجري بدمه. كان جدّي وخالتي آيدا وميرلا، بل وحتى خالي بيدرو وعائلته، يعتمدون بشكل أساسي على  ما تبعثه والدتي من مال نهاية كل شهر عندما كانت تعمل خادمة، وقد تحسّن الوضع كثيرا بعدما أصبحت والدتي تبعث راتبها كاملا بعد سداد مستحقات جماعة البومباي، ما ساعد جدّي، برغبة من آيدا وخشية منها، على شراء ثلاجة، وإن خلت، في معظم الوقت، من الأطعمة.

     تقول والدتي، كما أخبرها بيدرو: "ليتك كنتِ هنا!  كانت مراسم استقبال الثلاجة في البيت مهيبة! وكأننا في ميناء نستقبل سفينة حربية عادت من حربها للتوّ متوجة بالانتصار. اجتمع الجيران، الرجال والنساء وأطفالهم، حول البيت يشاهدون الثلاجة محمولة بين أيدي العمّال،  يسيرون بها من سيّارة الشركة إلى داخل البيت. كان شعور رائع يا جوزافين!".

     بعد أسابيع قليلة من وصول الثلاجة، توفر للعائلة مصدر رزق جديد، ولحسن الحظ أنه لم يكن بصورة نقدية، وإلا سوف يقضي عليها جدّي ميندوز. اتفق الجيران مع خالتي آيدا على تخزين أطعمتهم، في ثلاجتنا، مقابل حصة صغيرة يتقاسمها أفراد العائلة من الطعام. وهكذا دخلت أنواع مختلفة من الأطعمة إلى الثلاجة بعد أن كانت تستخدم في معظم الأوقات لتبريد الماء.

                            ***

ساق البامبوWhere stories live. Discover now