[الجزء الثالث] البارت السادس (٦)

138 12 0
                                    

كويتيون.. شباب.. خمسة يجلسون أمام الشاطئ في نصف
حلقة. أوسطهم يمسك بآلة تشبه الغيتار. يعزف ويغني في حين الأربعة
الآخرون يستمعون في صمت. يعلو صوته فيأتيه رجل الحراسة:

- سيّدي! سوف تزعج النزلاء!

ينظرون إليه من دون أن يتفوه أحدهم بكلمة.

- يمكنكم الجلوس هناك..

يشير نحو منتجع مظلم» تحت الصيانة والترميم.

- المنتجع خال من النزلاء كما ترون..

قام الذي في المتصف يحمل آلته؛ ثم تبعه البقية كل يحمل في
يده شيئثا.

كنت أجلس على مقربة منهم. بينهم وبين مياه البحر. مقابل ويليز-
روك. أراقبهم بسمعي. وعندما ابتعدوا وشرعوا في الغناء أمام النتجع
المغلق» أسفل شجرة جوز هند شاهقة الارتفاع» وجدتني غير قادر على
منع نفسي من الذهاب إليهم:

- سلام عليكم..

ألقيت تحيتي كما علمتني أمي. نظروا إليّ؛ بعد أن نظر واحدهم
إلى الآخر. بصوت واحد أجابوا:

- وعليكم السلام!

خشيت أن يكونوا سكارى. ولكنهم؛ باستثناء واحد منهم؛ لم
يكونوا كذلك. ابتنست:

- أنتم من الكويت.. أليس كذلك؟

تبادلوا كلمات لم أفهمها. قال من كان يحمل بيده كأسا بإنكليزية
متقلة:

- تفضل اجلس.

- هل يمكنني ذلك بالفعل.. سيّدي؟

أجاب الخمسة وهم يشيرون نحو الأرض:

- نعم.. نعم.. بكل تأكيد.

جلست بينهم. مذّ لي أحدهم يده بعلبة السجائر. أخرجت علبتي
من جيب الشورت:

- شكرا سيّدي.. أنا أحمل واحدة.

تناولها من يدي وأخذ يتفحصها. أعادها إليّ وأصرّ أن أدخن من
سجائره ال 1871005:

تخد واحدة من هذه.. نظف صدرك.

ضحك أصدقاؤه. تناول صاحب الكأس قنينة زجاجية بنية اللون
يحيطها ملصق أحمر:

- هل تشرب؟

سألني؛ في حين كانت يده ممدودة لي بالكأس.

- قانونيا.. لا يسمح لي بالشرب.. ما زلت في السابعة عشرة..
رغم انني جربت من قبل..

همّ يعيد الكأس إلى مكانها. أردفت:

- ولكن يسعدني أن أقبل دعوتك.

تناولت الكأس من يده.

- معروف أن جعة ريد-هورس قوية التأثير.. هل هذا صحيح؟

سألته. عبَّ ما تبقى من كأسه. تجمّعت أجزاء وجهه حول أنفه
وكأنه يقضم ليمونة. قال:

- جربها بنفسك.

شربت محتوى الكأس في رشفة واحدة. ضحك الجميع. سكب
لي صاحب الكأس المزيد. سألت أوسطهم:

- ألن تعزف يا سيّدي على..

ترددت قبل أن أقول:

: - بالمناسية.. ما اسم هذه الآلة؟

- العود.

أجاب الشاب. ذكرني الاسم بما كانت تحدثني به أمي عن غسان
الذي يعزف على الآلة ذاتها.

شرع الشاب بتحريك الأوتار بواسطة شريحة بلاستيكية صغيرة
سوداء. سألته:

- ما اسم المقطوعة التي ستعزفها.. سيّدي؟

وهو يواصل العزف على الأوتار» أجاب:

- هذه أغنية لمطربي المفضل في الكويت..

توقف عن العزف» ثم وضع الشريحة البلاستيكية السوداء» التي
كان يعزف بواسطتهاء بين أنفه وشفته كشارب. قال:

- السمَة يبب

لا أتذكر الاسم الذي قاله لي. ولكنني أتذكر ان أصدقاءه انفجروا

ضاحكين. ضحك هو الآخرء ثم شرع في العزف من جديد قائلا:
- شاربه الكث يميّزه عن غيره من المطربين» كما صوته.
ثم شرع في الغناء. يحرك رأسه. ينظر إلى السماء تارة؛ ويسند

رأسه إلى آلته تارة أخرى. وددت لو أفهم ما يقول.

كأس تلو الأخرى.. رأسي بدا يثقل.. العزف مستمر.. والغناء
كأجمل ما يكون.
انتصبت واقفا والأرض تدور من حولي. "stop..stop"؛ قلت
لهم. توقف أوسطهم عن الغناء. نظر خمستهم إليّ. قلت:
- انظروا يا شباب.. سأكشف لكم سرًا!
لم يفه أحدهم بكلمة. واصلت:
- أنا كويتي..
رفعت رأسي بصعوبة أشاهد وجوههم. الدهشة تعلوها.
-اسمي عيسى

تبادلوا النظرات في ما بينهم.
- ان كتتم لا تصدقون.. سأئبت لكم ذلك..
أسند أوسطهم آلته مقلوبة إلى ساقيه. ينظر إليّ باهتمام.
-_ هل لكم ان تصفقوا.. من فضلكم؟

شرعوا في التصفيق والدهشة على وجوههم لا تزال. أوقفتهم:

- لا.. لا.. ليس هكذا.

توقفوا عن التصفيق ينظرون إليّ. ضرب صاحب الكأس قدميه
بيعضهما:

- هكذا؟

سألني ساخرا. أجيته:

- كلا سيّدي.. صفّقوا بالطريقة التي يصفق بها الكويتيون.

الدمشة استحالت ابتسامات. تبادلوا كلمات لا أفهمها. شرعوا

بالتصفيق بتلك الطريقة المجنونة. هززت كتفي وجسدي يتمايل. دهشتهم
مع ابتساماتهم الواسعة بالإضافة إلى ما يلعب بداخل رأسي حلوني على
الاستمرار. ملت بكتفيّ إلى الأمام. وضعت كفي فوق رأسي أثبت قبعة
لا وجود لها. انتصب صاحب الكأس واقفا. تقدم نحوي. أخذ يتمايل
بكتفيه هو الآخر. الاهتمام بدا على وجوه البقية. أحنيت ساقي ثم قفزت
في الهواء. وقف الشاب إلى جانبي. كتفه تلاصق كتفي: "كلا.. ليس
هكذا.. افعل كما أفعل”. ثبت قدميه في التراب. بالمثل فعلت. واصلنا
هزّ كتفينا ببطء. أخذت أسحب ذلك الحبل الخفي بين يديٍ وأنا منفرج الساقين.

انفجروا ضاحكين.. يقهقهون.. يستلقون على ظهورهم..
- نعم.. أنت على حق.. كويتي.. ولكن Made in Philippines

واصلوا ضحكهم بأعلى ما يكون.
جاء رجل الحراسة.راكضا: أرجوكم!.. أرجوكم!..
انفضّت الجلسة.

***

ساق البامبوWhere stories live. Discover now