[الجزءالرابع] البارت السادس عشر (١٦)

104 13 0
                                    

في الرابع والعشرين من سبتمبر 2006 بدأ شهر رمضان. وأي
معاناة واجهتها في هذه الشهر. الجوع والعطش و.. الناس.

على اعتبار انني مسلم أمام أهلي. كان عليّ أن أصوم. ولأنني
أريد أن أمارس أي طقس يقرّبني من الله وإن كنت أجهل ما هو ديني»
كان عليّ أن أصوم. حسدت المسلمين على هذه القدرة على تحمل
الجوع والعطش. انه أمر يثير الإعجاب. كان الأمر مستحيلا بالنسبة إليّ.
تمكنت من الصيام خمس ساعات في اليوم الأول. ست ساعات في
اليوم الثاني. ثمانية في الثالث ثم صمت الرابع كاملا. طرت فرحا حين
شرعت النداءات تنطلق من مساجد المنطقة وعبر التلفزيون "الله أكبر..
الله أكبر" وقت غروب الشمس.

فوق سريري كنت أغط في نوم يشبه الغيبوبة بعد إفطار أول
يوم صيام. في الداخل لا أحد يتحدث. أختي وعمتي وجدّتي يجلسن
أمام التلفاز بالساعات لا يتزحزحن من أمامه إلا للصلاة. لم ألاحظ
اهتمامهن بالتلفاز سوى في شهر رمضان. الصلاة أيضاء تكثر في هذا
الشهر. حتى وقت متأخر من الليل كنت أشاهد النور ينبعث من نافذة
ماما غنيمة. خولة تقول ان جدّتي تصلي طوال الليل.

غسان له طقوس غريبة في هذا الشهر. هو لا يحب البقاء في شقته
نهارا. يهاتفني بعد خروجه من عمله: "غيّر ملابسك.. أنا في طريقي
إليك". كنا نقضي وقت ما قبل الإفطار» كل يوم» في مكان ما. سوق
المباركية.. سوق السمك.. سوق اللحم والفواكه والخضار.. سوق
الجمعة.. سوق الطيور والحيوانات الأليفة.. سوق السلع الإيرانية.

أراقب الوجوه؛ كعادتي أرصد تعابيرها. في نهار رمضان الوجوه
تختلف. الناس تقود سياراتها متوترة. أبواق السيارات تشرع بالزعيق
لأتفه الأسباب. الأذرع تمتد خارج نوافذ السيارات تلوّح بغضب.
الوجوه مكفهرة. "غسان!" أنبهه يلتفت إليّ. أسأله: "هل الإبتسامة في
نهار رمضان تُبطل الصوم؟".

قبل غروب الشمس بقليل» كنت وغسان في سوق الطيور
والحيوانات الأليفة. هناك شاهدت سلحفاة تشبه عزيزة. دفعت ثمنها
من دون تفكير. حملتها بين يدي ممهدا لصداقة جديدة. غريبة حاجتي
للحيوان في ذلك الوقت. ما أكثر الحيوانات في أرض ميندوزا. الكلب
العجوز وايتي» الديوك؛ القطط» العصافير والضفادع والسحالي؛ ولكنني
لم أشعر بأهمية هذه الكائنات من قبل.

في البيت. كنت مع السلحفاة في غرفتي. "الله أكبر.. الله أكبر".
نسيت جوعي ووقت الإفطار. طرقت خولة الباب: "ألست صائما؟ انه
وقت الإفطار” قالت بعد أن دفعت باب غرفتى. فغرت فمها دهشة
حين شاهدت السلحفاة:

- كيف وصلت عزيزة إلى غرفتك؟!

هززت رأسي نافيا. صححت:

- هذه ليست عزيزة..

كان لابد أن يكون لسلحفاتي إسم. أتممت جملتي موضحا:

- هذه إينانغ تشولينغ.

* *

إذا ما أصابنى الضجر فى بيت جدّتى»؛ وكثيرا ما يفعل» كنت ألتقى
الخدم خلسة؛ في المطبخ تتبادل الحديث بحذر. ِ

إذا ما نظرت إلى حال الخدم في البيت أشفق على أمي كيف
احتملت كل ذلك قبل سنوات. ولكن» مقابل مصير كان ينتظرها في
بلادها لابد أن قسوة العمل في بلاد أبي تعد ترفا. الخدم يعملون منذ
السادسة صباحا وحتى العاشرة ليلا. يقول بابو ان البعض» فى البيوت
المجاورة؛ لا يوجد لديهم وقت محدد للعمل. ساعات العمل مرتبطة
بحاجات أفراد البيت. في أي وقت يحتاج أحدهم شيئا لابد أن يكون
الخادم على أهبة الاستعداد. راجو اللثيم أقلّهم عملا. فهو لا يقوم
بشيء سوى قيادة السيارة لتوصيل ماما غنيمة إذا ما اضطرت للخروج؛
وقليلا ما يحدث؛ يخرج أحيانا لشراء حاجيات من السوق المركزي؛ أما
في الصباح فهو يقوم بغسيل السيارات والفناء الداخلي وريّ الأشجار
في المساحة المقابلة للبيت. لاحظت أن راجو يتمتع بإجازة أسبوعية.
بابو وزوجته لاكشمي يتمتعان بيوم راحة كل شهر. أما لوزفيميندا فلا
تتمتع بشيء من هذا. في أحد لقاءاتي بهم» خلسة؛ في المطبخ؛ سألت
لوزفيميندا عن سبب عملها المتواصل كالآلة من دون يوم راحة تقضيه
بعيدا عن البيت. أجابت: حين طلبت من السيّدة الكبيرة ذلك جاءت
حجتها ب: "من أين لي أن أضمن؛ إذا ما تركتك تخرجين» ألا ينتفخ
بطنك بعد أشهر؟!"» هى لا تعرف أننى لو أردت لفعلت ذلك هنا..
في بيتها". ثم شرعت تنتقد جدّتي. بابو ألم تمجه انتقادات لوزقيمينداء
لاكشمي أيضا. يقول بابو: "ماما غنيمة امرأة كبيرة.. مثل أمي.. لو كانت
بذلك السوء لما بقيت في بيتها قرابة العشرين عاما". وافقته زوجته في
حين اكتفت لوزڤيميندا بالصمت.
***

ساق البامبوWhere stories live. Discover now