[الجزء الثاني] البارت الثامن (٨)

211 15 0
                                    

     بات جدّي يكرهني. لم يعد يتجشم عناء مداراة مشاعره تجاهي بعد انقطاع حوالات أبي المالية. "ستستقرين يوما ما في بيت ألبيرتو، لا أريد لهذا الصبي أن يبقى هنا"، يقول لأمي، ولكن الرد يأتي على لسان آيدا: "سأعتني، أنا، به". يصمت جدّي.

     كان لانقطاع أموال أبي أثر كبير على ميندوزا، و على ذلك كان يحدوه أمل صغير في أن تنتهي الحرب سريعا، ليعاود أبي إرسال المال لنا كل شهر، ولكن أمله هذا لم يكن سوى أمنية يخالطها الشك في أعماقه.
     - أتمنى ألا يُفقد في الحرب..

     يقول.. مخاطبا لا أحد. في حين تنقر والدتي خشب الأريكة¹²، حيث تجلس، بمفاصل أصابعها. يُردف جدّي:

     - أو أن تُفقده الحرب عقله..

     اعتراف ضمني من ميندوزا، صاحب التجربة الحربية، يشي باضطراب عقله هو الآخر.

     - هكذا في الحرب

     يتحدث من دون أن يوجه كلامه لأحد. عيناه ثابتتان على شيء ما، وكأنه يشاهد صورا في أعماقه:

     - ليست الحرب هي القتال في ساحة المعركة، بل تلك التي تشمل في نفوس أطرافها. تنتهي الأولى، والثانية تدوم.
[(¹²) عادة يؤمن بها الكثير في الفلبين إذا ما تلفظ أحدهم بفأل مشؤوم، ينقرون عل ىالخشب كي لا يتحقق من العادات الموروئة أيضا لدى بعض الحاليات العربية الذي خالطتهم في الكويت، عادة تشبهها -امسك الخشب- إذ يُعتقد أنها تُبعد الشر أو الحسد]
عيناه ثابتتان لا تتحركان. تقول والدتي أن لمعانهما يشي باقتراب سقوط الدمعة. يشيح بوجهه ناحية الباب. يهم بالذهاب إلى بيته المجاور. يهز رأسه ويقول بصوت خفيف:

     - لن يعود هذا الرجل.  لن يعود..
     وقبل أن يتجاوز الباب خارجا، تقول أمي: "سمعتُ ثلاث نقرات على الباب الخشبي المفضي إلى الخارج".

   
                                ***

ساق البامبوKde žijí příběhy. Začni objevovat