[الجزء الرابع] البارت الحادي عشر (١١)

120 7 0
                                    

صباح اليوم التالي. استيقظت باكرا على صوت ينادي: "ميري..
لوزا.. ميري.. لوزا".. لم أستمع لصوت أي من الخادمتين. ذات
الصوت المنادي أخذ ينادي اسما آخر لم أتبين حروفه. صاحبة الصوت
كانت غاضبة. ذهبت إلى الحمام؛ بين غرفتي وغرفة راجو وبابو. من
نافذة المطبخ كان بابو العجوز ينظر إليٍّ. تجاهلت نظراته. وفي الفناء
الداخلي للبيت» كان راجو يحمل في يده خرطوما يرش بواسطته الماء
على الأرض يغسلها. كان ينظر إليّ هو الآخر. الريبة في أعينهما تقول:
"من هذا المتطفل؟". الثقة في نفسي تقول: "أنا أحد أفراد هذه العائلة"
باب الحمام المشترك يقول: "تعال يا متطفل!". أحدهما لم يقترب
للحديث معيء ولا أنا بادرت بذلك. يبدو أن الشرط بعدم مخالطتهم
قد وصل إليهم بشأني أنا أيضا. غسلت وجهي ونظفت أسناني؛ وفي
ذلك الوقت الباكر من الصباح؛ وجدتني غير قادر على الاستحمام مع
درجة الحرارة المنخفضة في الخارج. في غرفتي وجدتني في حيرة من
أمري: "وماذا بعد؟". أخذت أغيّر قنوات التلفاز. لا شيء يثير الاهتمام.
جلست أمام اللابتوب أتصفح الانترنت. نبهني جوعي إلى فراغ معدتي.
كنت جائعا. لم يقدموا لي شيئا على العشاء ليلة البارحة. تراهم جهزوا
لي هذه الغرفة المتكاملة ونسوا حاجتي للطعام؟ فتحت الثلاجة الصغيرة
في زاوية الغرفة. علب حليب. عصير برتقال.. مانجو ومشروبات غازية.
قناني مياه معدنية. فواكه.. تفاح.. برتقال وأناناس! أطبقت باب الثلاجة
ما إن وقع نظري على ثمرة الأناناس» مسترجعا حكاية بينيا وهذيان
ميندوزا.

أمسكت بالهاتف الذي أعطتني إياه عمتي هند. هاتف نوكيا جديد
بكاميرا أمامية وأخرى خلفية. ترددت بالاتصال بخولة أطلب منها
شيئا آكله. هممت أتصل بغسان أسأله ماذا أفعل» إلا أن طرقات على
باب غرفتي أوقفت اتصالي. فتحت الباب. كان بابو واقفا بوجه صارم
الملامح. قال: "تعال”» ثم أدار لي ظهره يمشي باتجاه المطبخ. الكلمة
ليست جديدة على الإطلاق. تا-آل» اسم البركان الشهير في باتانغاس.
وقفت عند باب غرفتي غير مدرك إلام كان يرمي الهندي العجوز
أتراه بالفعل كان يعني بركان باتانغاس؟ عاد إلى مطبخه من دون أن
يلتغت وراءه. بقيت واقفا في مكاني. أنظر إلى المطبخ المتصل بملحق
البيت. أطل بابو من النافذة. أشار لي بيده وهو يصرخ: "تعال!". يبدو
أن البركان يوشك أن يلفظ حممه! ذهبت إلى حيث أشار. سحب كرسيا
أمام طاولة صغيرة» ثم وضع كوب حليب بين أطباق عدة.. بيض مقلي..
مسلوق.. جبن.. زيتون.. شرائح طماطم وخيار. أشار لي بالجلوس؛ ثم
أدار ظهره مواجها موقد الطبخ معاودا عمله. أخذت آكل بصمت. "لو أن
خولة تشاركني الطعام"» قلت في نفسي. دخلت الخادمة الفلبينية» قبل
أن أفرغ من طعامي» تحمل صينية كبيرة مستديرة بأطباق تحتوي على
بقايا طعام» لا يختلف كثيرا عما قُدَم لي. ابسمت لي الخادمة. "كيف
أنت؟”.؛ سألتني بلغتي التي افتقدها. أجبتها: "أنا بخير". التفت بابو إلينا
يخفي ابتسامته؛ وكأنه ليس ذلك الذي دعاني إلى الطعام بوجه عبوس.
أشار نحوي ثم خاطب الخادمة بالعربية. انفجرت ضاحكة. سألتها: "ماذا
قال؟". أجابت: "يقول بابو ان السيّدة الكبيرة كانت تسخر منهم إذا ما
شاهدتهم يتابعون الأفلام الهندية» كيف تصدقون تلك القصص؛ كانت
تقول لهم؛ وها هو اليوم حفيدها يعود بقصة مشابهة للأفلام الهندية!".

باغتتني بقولها: "حفيدها"! هذا كلام يخالف ما أخبرتني به خولة
عن جهل الخدم بحقيقة أمري!

- وكيف عرفتٍ ذلك؟!

سحبت كرسيا لتجلس أمامي عند الطاولة. قالت:

- لا تكن مثلهم أنت أيضا!.. انهم يعاملوننا على اننا لا نشعر ولا
نفهم.

- تعنين أن شعورا بداخلكم هو الذي أوصلكم إلى هذه الحقيقة؟

هزّت رأسها نافية. وقبل أن تواصل حديثها دخلت الخادمة الهندية
العجوز تبتسم. تحمل في يدها مكنسة وسلة بلاستيكية. أشارت الخادمة
الفلبينية نحو الهندي العجوز تقول:

- اتهمت السيّدة الكبيرة بابو» قبل سنوات طويلة؛ بأنه هو
المتسبب بحمل جوزافين.

شلتني الصدمة مسترجعا كل ما حدثتني به أمي. أشارت نحو
الهندية العجوز. قالت تعرفني إليها:

- لاكشمى.. زوجة بابو؛ هى الخادمة البديلة لأمك بعد أن طُردت
مع أبيك. وهي أول من شاهدك محمولا بين يدي والدك عندما جاء
لزيارة السيّدة الكبيرة بعد أشهر قضاها خارج البيت.

كانت الابتسامات على وجوههم. سألتها:

- وهل يعلم أفراد البيت أنكم على علم بذلك؟

- كلا.. نحن لا نشعر ولا نفهم.

حمل بابو الأطباق من على الطاولة. "ميري.. لوزا.."» جاء الصوت
من الخارج. كانت جدّتي تنادي. انصرفت لاكشمي وهمّت الخادمة
الفلبينية تتبعها. قلت لها:

- شكرا لوزا

استدركت. قلت لها:

- بالمناسبة.. اسمك غريب!

عند باب المطبخ توقفت. التفتت إليّ:
- اسمي لوزڤيميندا، لم يعجب السيّدة الكبيرة؛ استبعدت بعض
الحروف وأبقت على بعضها.

"لوزااا.. لوزااا» كررت جدّتي نداءهاء ثم الحقته بكلمة تشبه
الكلمة التي يصيح بها الببغاء كلما نادى على الإسم ذاته.

"حاضر سيّدتي”» أجابت لوزڤيميندا ثم خرجت مسرعة. عدت
بكرسي إلى الوراء أهمّ بالوقوف. أطلت لوزڤيميندا من باب المطبخ؛
في حين كان جسدها في الخارج» تقول:

- ولاكشمي أيضا لم يعجب السيّدة العجوز يمكنك أن تناديها
ميري كما تفعل جدّتك.

ضحكت ثم انصرفت مسرعة. تركتٌ المطبخ بعد أن شكرت
العجوز بابو على إفطاره الشهي. تمددتٌ على سريري في غرفتي
مرددا بيني وبين نفسي: "لوزڤيميندا، لوزڤيميندا لوز..ڤي..ميندا"؛ هذا
الاسم الفلبيني الهرف. لماذا لم تحمل تلك الخادمة أي اسم إسباني
أو انجليزي مثل الكثير من الفلبينيات.. تريزا.. ميرسيدس.. مارلين أو
آنجلين؟

الفلبين» بأقسامها الجغرافية الثلاثة؛ لوزون شمالا فيساياس في
الوسط ومندناو جنوبا. بالعودة إلى الأحرف الأولى من كل قسم يتشكل
الاسم.. لوز- ڤي- ميندا.

قررت أن أناديها، كما اختارت لها جدّتيء لوزاء كي لا تظهر
خارطة الفلبين أمامي كلما ناديتهاء وأنا في أمس الحاجة للتعرف إلى
خارطة جديدة. تذكرت شتاتي مع الأسماء. أنبني ضميري. تراجعت عن
قراري واستبقيت اسم لوزڤيميندا كما هو.

***

ساق البامبوWhere stories live. Discover now