الفصل 67 (ملاك وشيطان)

ابدأ من البداية
                                    

ابتسم جواد معجبًا بكلامها وقال: طالما أنكِ تفكرين بهذه الطريقة ستتعافين قريبًا وستتغلبين على كل شيء ... يكفي أن تعلمي بأنكِ الآن أقوى مما كنتِ بكثير، وبأن كل ما مضى وكل ما حدث هو محض ماضٍ وانتهى ... ليس عليك أن تفكري فيه، بل انظري للأمام وفكري بمستقبلكِ أنت وزين.
ابتسمت حور وأومأت له بالإيجاب. توجهت حور للجلوس بجانب أمها على يمين أم يزيد التي كانت تجلس إلى رأس المائدة وعلى يسارها وتين مما يعني بأن على جواد الجلوس بجانبها مما جعله يجز على أسنانه غيظًا ويتساءل في نفسه إن كان زين قد طلب من أم يزيد شيئًا كهذا.
نظرت له أم يزيد قائلة: اجلس يا بني ... لا يوجد أحد غريب هنا.
بدأت الخادمات بسكب الطعام لهم حيث بقي جواد يركز نظره في طبقه ويعبث به غير مكترث لحوار هؤلاء النسوة حتى همست له بصوتها الرقيق الذي بدا له كمعزوفة موسيقية جميلة وهي تسأله إن لم يكن يعجبه الطعام.
أجاب جواد بسرعة: بلى، إنه لذيذ.
التفتت لهما أم جواد متسائلة: هناك العديد من الأطباق ... إن لم يعجبكِ شيء يا ابنتي سأطلب منهم تحضير ما تريدين.
نفت وتين الأمر بسرعة وقالت بلطف: لا ... على العكس تمامًا ... إنه لذيذ للغاية ... يكفي بأنني أجرب المقلوبة الفلسطينية لأول مرة ... لقد أحببتها.
ابتسمت أم يزيد وقالت بحب: هذه من يد أم حور.
ردت أم حور: بالصحة والعافية ... وأنت يا بني ... هل تحتاج لشيء آخر؟
نفى جواد الأمر بسرعة قائلًا: لا ... الطعام كثير والحمد لله ... أنا فقط لست جائعًا.
رمقته أم يزيد بعتاب، ثم قالت لوتين بخبث: ضعي له يا ابنتي بعض الأرز والدجاج في طبقه ... فهو بعيد عني كما ترين.
هنا تيقن جواد بأن أم يزيد تعرف شيئًا مما جعله يتوعد لزين سرًا.
..................................
لم يعد بوسعه التركيز في عمله فكل شيء يأمره بأن يذهب ليطمئن عليها، ولكنه لا يجد حجة. صورتها طبعت أسفل جفونه وكلما أغمض عينيه يرى ملامحها الجميلة التي لم يسبق وأن رأى لها مثيلًا في حياته. لم يعد بوسعه الاحتمال أكثر، فنهض من مكانه متوجهًا إلى غرفة المصممات الثلاث فلم يجد إلا سلمى وتساءل قائلًا: أنتِ وحدكِ هنا؟
نظرت له سلمى باستفهام وأجابت باقتضاب وهي تعيد نظرها للشاشة: أجل، وتين غادرت لأن لديها موعد ومرام أخذت إجازة مرضية اليوم، لذا لم تأتِ.
هتف أوس متسائلًا بلهفة واضحة: إجازة مرضية؟ لماذا؟ ما بها؟
أغمضت سلمى عينيها بضيق وأجابته بجفاء: يبدو بأن حالتها لم تتحسن عقب ما أصابها أمس ... لا أعرف التفاصيل.
تساءل أوس باستنكار: هل هذا يعني بأنكِ لم تكلميها لتطمئني عليها؟
ضمت سلمى شفتيها بحنق، ثم حاولت التحكم بأعصابها قائلة: لا ... لا وقت لدي للاتصالات وتبادل الأحاديث ... لدي ضغط عمل كما ترى.
رمقها أوس بامتعاض وضيق بسبب أسلوبها في الحديث معه، ثم عاد إلى مكتبه وهو يقول في نفسه: حتى ليان باتت تتحدث معي بهذا الجفاء والبرود ... ما خطبهم؟ ... إنها حياتي الخاصة فما شأنهم بها؟! ... كأنه ليس لديهم أخطاء!
............................................
استأذنت وتين للمغادرة بعد أن أمضت وقتًا ممتعًا مع حور وأمها وكذلك أم يزيد تخللها مشاكسة أم يزيد لجواد الذي يستمر بالتهرب منها متذرعًا بالعمل. أرادت أن تغادر وحدها إلا أن أم يزيد رفضت رفضًا تامًا وقد كان جواد قد استعد بالفعل ليقترب معلنًا بأنه سيوصلها، ولكن سبقه نداء أم يزيد التي طلبت منه إيصال وتين.
انطلق جواد بسيارته وبجانبه وتين التي هتفت بحرج: شكرًا لك على إيصالي فلا بد من أنك مشغول ... يمكنك أن تنزلني في أي مكان قريب وسأكمل طريق العودة وحدي.
لم يجبها سوى بجملة واحدة قالها ببرود شديد وهو يحدق في الطريق قائلًا: لستُ مشغولًا.
ضمت شفتيها وعقبت بحرج: بيتي بعيد بعض الشيء عن هنا.
رد بنفس الهدوء والبرود الذي لم تعد تستغربه منه: أعرف عنوان بيتك.
اتسعت عيناها متسائلة: ماذا؟ كيف تعرف عنوان بيتي؟
أجاب جواد بهدوء: لا أحد يدخل بيت العائلة قبل أن أعرف كل شيء عنه.
همهمت وتين قائلة: آه ... من أجل الدواعي الأمنية.
صمت جواد وهو يفكر كيف يسعه التحدث معها بشكل طبيعي فعلى ما يبدو بأنها ستنهي حديثها هنا وإذا برنين هاتفه يقاطع أفكاره تلك، ليجيب بسرعة قائلًا: نعم ... حسنًا ... سأخبره وآتي في أسرع وقت.
كانت وتين تنظر من النافذة بصمت وهي تشعر بشيء غريب بداخلها تجاه هذا الرجل الذي على ما يبدو لا يكترث لأمرها مطلقًا. تنهدت وهي تشعر بالخوف من القادم؛ فهي لا تريد لقلبها أن يتعلق بشخص آخر، بل لا تريده أن يتعلق بالشخص الخطأ ... مرة أخرى.
أوصلها جواد حتى المبنى الذي تقطن فيه وتأكد من دخولها، ثم انطلق بسيارته وهو يجري اتصالًا بزين طالبًا منه التوجه للمكان الذي سيرسل إليه موقعه على الفور.
وصل زين إلى مكان غير مأهول، ليجد جواد بانتظاره ومعه رجل آخر، ولكنه خمن هويته وتعريف جواد له على أنه ضابط في المخابرات ويحقق في أمر "عادل الزيناتي" ومن معه ممن يعملون لحساب إحدى مجموعات المافيا.

عمرُ روحيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن