الفصل 22 (النصيب الجميل)

Start from the beginning
                                    

عادت الأنوار إلى المكان وهرع الحارس إلى نحو زيد وقبل أن يتفوه بحرف قال زيد بحزم: لماذا لم تصلح الإضاءة حتى الآن؟! انظر ماذا حدث.

بدأ الحارس يكرر كلمات الاعتذار والتبريرات، فأشار له زيد بيده ليصمت طالبًا منه الذهاب، ثم نظر لذلك الطفل الذي يقف كالمذنبين بانتظار دوره في التوبيخ الذي يعلم بأنه لم ينتهِ بعد، ليقول زيد: هيا اعتذر منها.

بدأت ليان تجمع حاجياتها عن الأرض، ليردد الطفل كلمات الاعتذار على عجل حتى ينتهي هذا الموقف، ثم فر مسرعًا إلى شقته، فتنهد زيد وهز رأسه باستنكار وعاد بنظره إلى ليان التي لم يرَ وجهها جيدًا حتى الآن، وشرع بمساعدتها في التقاط مشترياتها ووضعها في الأكياس. توقفت ليان عندما رأت علبة المثلجات التي اشترتها وقد انسكبت محتوياتها على الأرض، ورمقتها بحزن طفولي. لم تستطع منع دموعها من النزول ليس من أجل علبة المثلجات فقط، بل لعلها كانت النقطة الأخيرة التي جعلت الكأس يفيض.

التفت زيد نحوها ووجدها تحدق بعلبة المثلجات المسكوبة، فحاول أن ينخفض ليرى وجهها ويعرف لماذا تحدق بها مطولًا وتفاجأ برؤية دموعها تتساقط، فاستغرب الأمر وحاول تهدئتها قائلًا: سأحضر لك واحدة غيرها.

ردت عليه ببكاء وهي لا تزال تخفض رأسها: كانت الأخيرة بنكهة الفراولة في ذلك المتجر.

ضم زيد شفتيه محاولًا منع طهور ابتسامته؛ فهو يرى الآن طفلة كبيرة تبكي مثلجاتها التي وقعت منها، ليحاول مجاراتها قائلًا: هناك العديد من المتاجر الأخرى وسنجد واحدة بالتأكيد.

التقطت ليان الأكياس من ضمنها ما في يده ونهضت بسرعة متوجهة نحو المصعد دون أن تنظر إلى وجهه في حين بقي هو ليتحدث مع حارس البناية وهو يقول في نفسه: ليت أمي تراها وهي التي تحسبني لا أزال طفلًا ... ها هي الطفلة الحقيقية هنا.

ابتسم وهز رأسه باستنكار، ثم سرعان ما غير تعابير وجهه مناديًا الحارس.

دخلت ليان إلى شقتها ووضعت الكياس في المطبخ، ثم جلست على الأرض وضمت ركبتيها إلى صدرها وأجهشت بالبكاء قائلة بحرقة: ألا يحق لي حتى أن أسعد نفسي؟! حتى بعلبة مثلجات؟ أهذا كثير عليَّ أيضًا؟! هربت لعلي أجد بعض السلام، فواجهت موقفًا سخيفًا كهذا سيجعلني أضحوكة أمام الجميع حتى ذلك الطفل سيسخر مني كلما رآني.

بقيت تبكي لبضع دقائق، ثم فطنت لنفسها ومسحت دموعها قائلة: لماذا أبكي كالأطفال؟ ذلك الطفل الشقي هو المخطئ ... أي شخص آخر في مكاني سيخاف مثلي وربما أكثر.

صمتت للحظات، ثم عادت لتقول ببكاء وتذمر: كان هذا محرجًا للغاية ... أرجو ألا أقابله مجددًا.

.....................................

كانت كارمن تتناول العشاء برفقة زوجها في بيتهما عندما سألها عما قاله لها طبيبها اليوم، فازدردت ريقها وقالت: أخبرني بأن هناك تحسن، ولكن عليَّ الاستمرار بأخذ الأدوية لفترة أخرى.

عمرُ روحيWhere stories live. Discover now