عاشقة في الظلام

By _ibriz_

20.6M 715K 1M

لم يكن بزعيم مافيا و لم يكن الدون أو الزعيم على الإجرام...بل كان شيئا مختلفا...هو كان قاضي المافيا...كان الرج... More

هل أنت قاتل ؟
Part 1 : رُويْ (Roy)
Part 2 : بين الظلال
Part 3 : توقيع بإسم الحب
Part 4 :ألم عاشقة
Part 5 دمعة الحب
Part 6 مشكلة قلب
Part 7 هيوغو آندريس
Part 8 قوة الحب
Part 9 ظهور الروي
Part 10 إشتياق
Part 11 خسارة عظمى
Part 12 سِرٌّ مقابل سِرّْ
Part 13 الملكة والشطرنج
Part 14 مخالب أنثى
Part 15 إرمي أوراقك
Part 16 تسديد دين
Part 17 ابتسامة قاتلة
Part 18 معجزتكَ
Part 19 قانون التسعة
Part 20 شبح الماضي
Part 21 تناقضكِ جذاب
Part 22 ميلادها
Part 23 أسطورة العشق الأولى
Part 24 قاضي العالم السفلي
Part 25 تمردات العشائر
Part 26 قلب الوحش
part 27 جريمة حب
Part 28 أورلوف
Part 29 مَلِكُ الْجَحِيم
Part 30 القفص الذهبي
Part 31 دوق إيطالي
Part 32 خنجر في يد ملك
Part 33 صرخة الموتى
Part 34 جريمة الليل الأولى
Part 35: حب على الصّليب
Part 36: الإرث الأسود
Part 37 :حين يصطاد الملك
Part 38: أميرة وسط الذئاب
Part 39 : الرقص مع الشياطين
Part 4×10 : الرابع من أكتوبر
Part 41: كأس الملك
Part 42 : دم على ثلج
Part 43 : Heikō
Part 44 : فخ منتصف الليل
Part 45 : موعد مع الأميرة
Part 46: الثور في إسبانيا
Part 47 : الأمير و الأميرة
Part 48 : الوريث الحقيقي
الخاتمة
فقرة الأجوبة عن الأسئلة

Part 49 : النهاية

342K 13.4K 47.9K
By _ibriz_


لا أحد يصنع التاريخ وهو محبوب..

................................................................................................................................................

مسح آزاريا على جبينه يزيل بعض الدم الذي يسيل هناك بملامح باردة خاوية بينما بيده الأخرى لا يزال يحمل المضرب المعدني الذي استخدمه في التدريب قبل قليل و كان ملطخا بقطرات من الدم ..

العضو 75 كسر له ضلعا من أضلعه و على الأغلب تسبب بلوي معصمه الأيسر لكنه فاز بنقاط أعلى منه و هذا ما يهم في قوانين الآيفا ..

رمش الشيطان الصغير عدة مرات يقاوم التعب و الألم و الدوخة..لا يعلم إن كانت ناتجة بسبب الحمى التي أصابته صباحا أم بسبب التدريبات المنهكة لكن في كلتا الحالتين الأمر كان يستحق ..لأنه و بينما يسير في الأروقة التي تكاد تعميك لبياضها و بياض إضائتها كان يرى باقي الوحوش الذين يمر عليهم يرمقونه بنظرات باردة لكنه كان يرى حقيقتهم..

الأعضاء الصغار الجدد كانوا يمرون عليه و يبتعدون بخطوة أما الأكبر منه أو في مثل سنه فهم تعودوا عليه و لا يعاملونه سوى ببرود ..لا أحد يهتم أن جبينه ينزف لأن وشم حرف الشيطان في رقبته يمنعهم من الشعور بأي شيء ناحيته سوى الكراهية وهو يستحق هذا..

يعلم أنه يستحق الكراهية لأن لا أحد سيتأثر بنزيف الشخص الذي جعلهم ينزفون..و ديافول هو ذلك الشيطان في قصصهم جميعا هنا..

لذا ظهرت إبتسامة جانبية باردة على ملامحه و مع الدم الذي يسقط من جبينه لوجنته جعله الأمر يبدو طفلا مختلا جدا وهو يمر على كل واحد منهم و ينظر لهم صوب أعينهم ينتظر أن يبعدوا أعينهم عنهم كالعادة..

مر بالعضو الجديد و أحدث إضافة للآيفا ..انضم منذ سنتين و لم يحضروا شخصا بعده للآن...

الرقم 207..فتى أشقر أقل منه بسنوات و كان هزيلا ربما بسبب الأذى النفسي الذي يتعرض له هنا أو بسبب الأذى الجسدي ...ديافول قاتله أربع مرات و هذا أزعجه..ليس لأنه طيب القلب و لا يتحمل إيذاء الأشقر ذاك بل لأنه ينزعج أنهم وضعوه في حلبة مع شخص مبتدئ كما لو أنهم أرادوه أن يقتله ..

لكن ديافول لم يفعل..كان يضربه حد الإغماء ثم ينسحب بعدما يغرق المكان بدمه..بالنسبة له الآيفا جحيم عليهم أن يمروا به جميعا و هذا الفتى لم يبدأ التدريبات الجسدية بعد لكنهم يرمونهم في حلبات مع الوحوش ليكسروا عظامهم كنوع من الترهيب و التجهيز لما هو قادم...

مر ديافول على الوحش 207 إسمه نيكولاي و رآه كيف اقترب من الجدار مبتعدا عنه يبقي مسافة أمنة بينه و بين ديافول دون حتى أن يرفع نظره له ..لكن ديافول نظر له ببرود وهو يعلم أنه سيتعلم يوما ما...سيتعلم أنه لتتغلب على الآيفا عليك أن تصبح أقوى..و تخرج من كل حلبة و أنت تتنفس..

سيأتيه يوم ويتعلم الحياة حقا و كيف أن الآيفا كالغابة..عليك أن تتعلم قتل الوحوش و النوم مع الذئاب و اصطياد الثعالب لتصمد معهم..

لذا مر عليه يتجاهله و يكاد يقسم أنه سمعه يطلق نفسا كما لو يشكر الرب أنه نجى ..على الأغلب المضرب الدموي في يد الشيطان أخافه..

واصل الدوق الصغير السير في الأروقة و لا يرى أحدا سوى الوحوش و المدربين بيتا من حين لآخر..و هنا أنت لا ترى الجماعات بتاتا..كل واحد يسير لوحده..كلكم إخوة و كل أخ هو عدو..كانت المقولة تنطبق حرفيا ...لا أحد يملك صديقا أو حليفا..كلهم حذرين من بعض يكرهون بعض..لا أحد يمنح سره لغيره أو يطلب المساعدة أو يشكو..كل شخص هنا يعيش في عالمه لوحده ..

لهذا لا تسمع همسات و من سابع المستحيلات أن تسمع ضحكات..من النادر أن يتحدث أحد مع أحد و إن فعلوا تجد الجميع يراقبهم كما لو فعلوا شيئا محرما...الجو كان قاتلا و خانقا و ما كان يزيد الوضع سوءا كان انعدام الألوان في المكان ..كل شيء ناصع جدا أو كئيب جدا فتشعر أنك في مصحة نفسية..

هناك رمز الآيفا في الجدران بلون فضي و هناك مربعة سوداء على الأرضية بين كل أمتار و أمتار تدل على الإنتقال من منطقة لأخرى..كالعبور على غرف التدريب و التي كانت جدرانها زجاجية و يمكنك رؤية الأعضاء يتدربون في الداخل مع المدربين على الحلبات ..هناك غرف للاسلحة أيضا و للتصويب...للرياضة و السباحة و ألعاب العقل..و حتى للدراسة..

الكاميرات في كل مكان و الأبواب كلها بأقفال إلكترونية فولاذية ...هناك مكبرات صوت كل خمسة أمتار تنقل التعليمات و الأخبار بصوت آلي...المنشأة التي هم فيها الآن كانت أسفل الأرض ...يعلمون أن المبنى مرتفع كون أحد العقابات يتطلب منهم النوم معلقين أسفل السماء و من هناك يمكنك أن ترى أنهم في منطقة جبلية منعزلة محاطة بالغابات فقط و لا شيء غيرها...لكن أماكن تدريبهم و نومهم كانت أسفل الأرض حتى يمنعوا وجود نوافذ و نور الشمس ...

ربما هو يستحق كل ما يحدث له لأنه بالفعل يملك امتيازات عن الجميع هنا..امتيازات هم لا يعرفون عنها شيئا..كحقيقة أنه ابن فارسيا و انه ابن دوق من عائلة ملكية فور خروجه من هنا هو يذهب لقصر فخم مزين بالورود و يرى الناس يضحكون و يرى الإبتسامات..يستطيع اكل طعام أفضل و النوم في سرير مريح و الحصول على ساعات لوحده في غرفة يتوفر فيها كل شيء أين يمكنه الراحة دون أن يزعجه أحد على الأقل حتى يستدعيه والده ويبدأ عذابه..يمكنه السماع للموسيقى التي تخرس الأصوات داخله و يمكنه قراءة الشعر و رؤية العالم بطريقة مختلفة للحظات قليلة..

ربما لهذا هو يحصل على حياة تشبه الجحيم ..لأنه و بينما الجميع هنا لا يملكون أهلا و لا يعرفون عائلاتهم و لا يملكون احدا و متخوفين من الموت هو كان يعرف كل ذلك و يعلم أن والده لن يسمح بوفاته..على الأقل ليس الآن..

هو حقا يستحق ما يحدث له و لو مات الليلة فهو لن يحزن.لأنه يستحق ذلك..

دخل ديافول لغرفته بعدما ضغط على الرقم السري و فتح الباب و فقط حين سمعه يُغلق خلفه اختفت ملامحه الباردة و أصدر تأوها بينما يمسك أضلعه ناحية صدره الأيمن ..سارع يفلت المضرب أرضا و يجلس على السرير الصلب يرفع قميصه يرى كيف تشكلت كدمة حمراء بنفسجية هناك دليل أنه بالفعل يعاني كسرا ..

وقف مرة أخرى يتجه للفتحة الصغيرة عند الباب التي تشبه فتحة زنزانات السجن أين يتم إدخال الأغراض للسجناء منها..هنا كل غرفة أيضا تملك فتحة صغيرة يتم وضع لهم حبة مسكنات ألم كل يوم لتخفف عنهم العذاب..حبة واحدة..هذا كل ما يحصلون عليه..كل الأدوية الأخرى ممنوعة سواء مرضت أو لا ...ممنوع أن يدخل لجسمك أي دواء إلا في الحالات الخطيرة للنزيف التي تتطلب نقلك للجناح الطبي أو إجراء عملية لك حينها سيشرف عليك طبيب و تتم مراقبة كل ما يدخل لجسدك ...

و هو الآن يعاني من إصابة تتطلب نقله للجناح الطبي لتفقد الكسر لكنه تعلم بالطريقة الصعبة أن لا يذهب كثيرا للأطباء ..والده كان يعاقبه على ضعفه في المنزل بعدها حين يسمع بذلك.. لو ذهب للطبيب من أجل إصابة لا تتضمن شقا في جسده أو فقدان دم حاد فهو سيعتبر أن ديافول أظهر ضعفه لبقية الأعضاء..والده كان مريضا نفسيا لدرجة يريد جعل الناس يروا آزاريا غير بشري..كأنه ليس مثلهم و ليس من صنفهم..كان مهووسا بفكرة ألا يروا مشاعره و لا ضعفه..مهووس بفكرة أن يروه ينزف ثم يعود لهم للحلبة بعد دقيقيتن بنفس الموت في أعينه و بنفس الصلابة كأن لا شيء هزه أو أضعفه..كان يخبره أن ذلك هو ما سيجعله الشيطان حقا..حين يروه و ينبض قلبهم بسرعة خوفا و رهبة لوجوده فقط لأنه لا يعاني مثلهم الضعفاء..

وهو مريض نفسي أكثر لكونه تعود على هذا..على والده و على خوفهم منه..

بالإضافة لأن اليوم على الأغلب هو آخر يوم له هنا و بالتالي لا فائدة من تضييع الوقت بالذهاب للطبيب..

ابتلع آزاريا حبة الدواء و نزع ثيابه بالكامل يدخل للحمام الصغير في الغرفة..مرش و قطعة صابون ومنشفة..تماما كالسجن ..ليس و كأنه جرب السجن العادي للناس العاديين..

استحم سريعا ينظر للدم يختلط مع المياه أرضا و قاوم هو التعب و الإعياء الذي يعاني منه ..ملامحه كانت خاوية لكن عقله لم يكن كذلك..لو أخرجوا عقله الآن و لمسوه لوجدوه حارا محترقا من كثرة ما يحمله داخله...

يقرأ في الكتب و الروايات عن أشخاص أكبر سنا يعانون من الأرق و لا يستطيعون النوم ليلا بسبب تفكيرهم المستمر بمشاكلهم في الحياة ..لكنه في الثالثة عشر و يعاني من ذلك..

الآيفا لم تعلمهم كيف يصبحون أقوياء بل كسرتهم و علمتهم أن يعيشوا رفقة تلك الكسور..

أنهى حمامه السريع ينظف عنه العرق ثم خرج يلف منشفة حوله و ارتدى بذلة أخرى من بذلات الآيفا و التي كانت اليوم باللون الأسود..لون ممتاز لمجرى حياتهم..

مسح على شعره المبلل و ذهب للوح الإلكتروني المعلق في الجدار يسجل ما قام به اليوم ..من تدريبات و انتصارات و قام بوضع علامة على كل مهمة أنجزها ثم أنهى ذلك بتوقيع ببصمة إصبعه..

سابقا كان يعتقد أن الآيفا يضعون كاميرات سرية في غرفهم لمراقبتهم لكن حين عاش مع نايت قبل سنوات أخبره أن المكان الوحيد الذي لا يضعون فيه كاميرات هو غرف النوم...هو لا يعرف كيف أحضر تلك المعلومة لكن نايت رفض التوضيح له أكثر..فقط أخبره بالأمر حين رفض ديافول أن يساعده نايت في تنظيف جرح له..نايت وقتها اعتقده خائفا على نقاطه من أن يخصموها له لو رأوا حالته في الكاميرات لكنه كان خائفا من والده..فور أن أخبره نايت أنه لا توجد كاميرات سمح له بمساعدته و ربما هناك كان يكمن خطأ ديافول الأعظم..أنه كسر أول قاعدة في الجحيم هذا و امتلك أخا..

فتح باب غرفته و خرج منها بنية الذهاب لتناول الطعام و بعدها التوجه للقاعة الكبرى ..

حينها خرج وجها لوجه مع فتاة أكبر منه بسنة ..الوحش 122..إسمها كان فانغ..كانت تملك ملامح آسيوية لكن لقبها لم يكن بسبب أصلها ..قاموا بستميتها ' الناب ' نسبة لأنياب الأفعى التي تعتبر من أهم خصالها...يقولون أن الأفعى تغير جلدها لكنها لا تغير انيابها و سمها..و كذلك كانت فانغ..دربتها الآيفا على أن تكون كالجواسيس..لم تكن الأفضل في القتال و لا الأفضل في التصويب أو حتى الأفضل من حيث المهارات الذهنية لكنها كانت بارعة في التجسس.. و الآيفا يرسلونها لمهمات تجسس 90 بالمئة منها كانت ناجحة كليا..وهو لا يعلم من أين هي و لا علاقة إسمها بأصول بلدها لكنه إن كان تعلم شيئا واحدا في هذا المكان فأن كل واحد منهم يملك على الأقل شيئا من والديه الحقيقيين..مثلما آزاريا يملك من صفات فارسيا لا بد و أن فانغ تملك من صفات والديها حتى نجحت في أن تكون كالأفعى..

" ديافول.."

قالت إسمه ببرود و هي تضع يديها خلف ظهرها تتفحصه كما لو تبحث عن نقاط ضعف له باعتبار أن جدوله ينص أنه يملك قتالا معها غدا..

لكنها طبعا لن تجد..هو كان يملك جرحا في جبينه مخفيا أسفل خصلاته..ضلع مكسور..رسغ ملتوي و حمى في جسده..لكنه وقف و نظر لها كأنه مستعد ليقاتلها الآن و هنا..

و بالتالي بنفس البرود ردد إسمها :

" فانغ.."

كانت ترتدي قلادة من الجلد يقولون أنها حصلت عليها بعدما قتلت أول شخص تجسست عليه..و عادة الآيفا لا يسمحون لهم بارتداء أي قطع عدا ثيابهم خوفا من وضع أجهزة فيها لكن لأن خاصتها كانت من الجلد و الخيط فقط سمحوا لها بذلك ..

مر ديافول من جانبها يتركها هناك واقفة في الرواق بإستقامة و أيديها خلف ظهرها و بينما هو يغادر شعر بنظراتها عليه لذا التفت صوبها يراها تراقبه ببرود و قبل أن يتصرف حيال ذلك رأى أعينها انجرفت لشيء فوقه بل للكاميرات تحديدا ثم رمشت مرة مرتين..قبل أن تقضب جبينها و تنظر له مجددا لثوان ثم أعادت البرود لملامحها والافتت أمامها تغادر الرواق تذهب لغرفتها نهاية الرواق..

حينها فقط رفع نظره هو للكاميرات و رأى أن الكاميرات متوقفة ..و هي عادة تكون متحركة و تضيء بلون أحمر عدة مرات...أما الىن فكانت متوقفة و فانغ نظرت لهم كأنها تشك في شيء ما...

هل هناك عطل ما يحدث ؟ أم هم يعملون عليها و على تطويرها ؟..

على تلك الفكرة غادر ديافول و هو يفكر بينما يتجه لقاعة الطعام ..

يذكر هو قاعة الطعام و يتخيلها المرء قاعة حين تدخلها ستسمع الأحاديث و الضحك أو اصوات الاكل و الملاعق..لكننا في الآيفا ولا شيء من الحياة هنا..

لذا حين دخل للقاعة الرمادية الفاتحة أين هناك طاولات مرتبة طويلة و كراسي كلهم بنفس اللون لم يجد شيئا سوى الأعضاء مكانهم كل واحد في مقعد و كل واحد يتناول طعامه في صمت ..

و بالتالي ذهب يأخذ صينيته باليد التي لا تؤلمه و حين التفت ليذهب و يختار مقعدا له وقعت أعينه على نايت..

كان يجلس لوحده في آخر طاولة و ينظر له بأعينه الزرقاء الميتة كأنه كان يراقبه منذ دخوله للقاعة و لوهلة أراد آزاريا أن يتوقف مكانه لكنه امتنع و واصل سيره بنفس الملامح الباردة...

بينما كان كل عضو هنا من الوحوش يجلس في طاولة مع ستة.. ثلاثة من كل جهة.. و بين كل مقعد و آخر مسافة متر على الأقل إلا أن نايت كان يجلس في طاولة كاملة لوحده و لا أحد تجرأ و جلس في نفس طاولته حتى...

كان ديافول على وشك الإلتفات لليسار و الجلوس على المقعد الفراغ الذي يجلس فيه عادة لكنه تذكر أنها آخر ليلة له هنا لذا قرر أن يغير وجهته و التفت لليمين يتقدم من طاولة نايت...

خطواته كانت هادئة و نظراته ميتة..ثيابه سوداء كخصلات شعره المبلل و في اللحظة التي اقترب من طاولة نايت توقف الجميع عن تناول الطعام والتفتوا له دفعة واحدة...

هم لم يروا ديافول و نايت في طاولة واحدة منذ سنوات و حتما لم يروهم في مكان واحد دون أن يسفكا دم بعض..

لذا سحب الشيطان الصغير كرسيا مقابلا للوحش المفضل للآيفا و جلس يضع صينيته أمامه..

نايت لم يرمش و فقط حدق به بملامح لا تحمل شيئا ..وجهه كان مثالي التقاسيم و شعره الأسود كان أطول قليلا و مربوط في الخلف برباط مطاطي..ثيابه كانت رمادية داكنة بنفس الأسلوب الخاص بالآيفا ..و في رقبته وشم حرف نايت ..

مرت فترة طويلة منذ آخر مرة تحدثا فيها لأنهما كانا يتجنبان بعضهما طوال الوقت و الأحاديث الوحيدة التي يجرونها كانت بالدم و على أرضية الحلبة..

لذا لم يجد ما يتحدث به معه في الوهلة الأولى..هو لا يستطيع إخباره بما سيفعله لأنه سيخاطر بذلك كونه لا يعرف ما يشعر به نايت تجاهه..ليس بعد كل هذه السنوات و بعد كل المنافسة و الكراهية الدامية التي حدثت بينهما...لذا هو ليكفر عن أخطائه و أخطاء والده سيتحتم عليه أن يفعل هذا لوحده...

أول خطوة له ستكون العبث في نظام الآيفا و تغيير مخططات القتال الليلة...لأنه إن كان يريد نايت حيا عليه أن يبقيه حيا للوقت الملائم لإنقاذه...والده وضع مخططات قتال بين ثنائيات غير متكافئة الليلة..وضع قتالا لقوي مع ضعيف لينهي الأمر بسرعة و يصل وقت قتله...كل ما عليه فعله هو تأخير قتاله مع نايت ليكون آخر قتال و على الأاقل بعد ساعة و نصف من وقته المخطط له..

بعدها يصل وقت التشتيت..هو حين يجعل قتاله هو و نايت الأخير سيكون بذلك نجح في جعل كل الوحوش متعبة من قتالهم مما سيزيد من فعالية تشتيتهم بالحريق من تسرب الغاز الذي سيفتعله و سيستغرق وقتا ليلمس كامل المنشأة..

ثم حينها سيتبقى له إخراج نايت من المكان..لقد قضى أياما يحفظ النقاط العمياء و حركة الكاميرات و وضعية الحراس و صنع مخططا للتناسق الذي سيسمح له بالخروج مع نايت دون أن ترصدهم الشاشات في مكتب والده..لقد كان ذلك صعبا لكنه نجح فيه و وجد الوقت و التناسق الملائم وهذا أصلا الذي دفعه ليعبث بالقتالات و يؤخر قتاله مع نايت..

و ليقوم بذلك لقد حصل على الرمز السري لغرفة التحكم من أغراض البيتا الذي أشرف على قتاله قبل نصف ساعة..و الرموز السرية تتغير كل ثلاث ساعات لذا هو عليه أن يغادر بعد العشاء فورا ليغير برنامج القتالات و يعود للمكان دون أن يلمس شيئا آخر..لأنه لو عبث بالكاميرات سيكتشف والده ذلك كونه في مكتبه يراقب كل شيء و سيلاحظ أي تغيير..لكن لو عبث بالجدول لن يلاحظ أحد سوى حين يتأخر الوقت و يعلنوا عن الجدول بالفعل ...

سيظل فقط شيء أخير..نايت وحده من سيستطيع إيجاد المخرج لذا مهمة ديافول بالكامل هو إيصاله للمخرج بأمان وهو سيتكفل بالباقي..

لذا رفع أعينه من طعامه لنايت..أعينه سوداء ضد خاصة الآخر الزرقاء..كلاهما بملامح باردة لكن على عكس نايت الذي يبدو كأنه لا يهتم بديافول بتاتا..كان الدوق الصغير بقلب ينبض بسرعة وهو يدرك أنها قد تكون المرة الأخيرة التي سيراه فيها لو نجحت خطته..المرة الأخيرة التي سيرى وجهه و المرة الأخيرة التي سيملك فيها شخصا يعني له شيئا ما في عالمه..لقد جهز له طريقة للخروج من الدولة مع المال الكافي لذلك لو فقط فهم رسالته التي سيتركها له..عليه فقط أن ينجح في إخراجه من المنشأة و منع البقية من الوصول له..و الباقي يعتمد على ذكاء نايت..

و بالتالي فتح فمه و ببرود أخبره الحقيقة :

" أنا سأقتلك الليلة.."

أحيانا أفضل طريقة للكذب هي قول الحقيقة..لا أحد يتوقعها و بالتالي لا أحد يصدقها..

رد نايت كان فوريا و بنفس البرود :

" أنا أيضا .."

الطريقة التي قالها بها بصدق و جدية جعلت آزاريا يقبض يده أسفل الطاولة رغم حفاظه على ثبات ملامحه لأنه يعلم..يعلم يقينا أنه لو منحت الآيفا الأمر الآن لنايت بقتل ديافول في قتال الليلة فسيفعل دون أن يرمش و دون أن يفكر ...

لذا تمتم له دون أن يلمس طعامه :

" سأسألك ثلاثة أسئلة ..."

" لست مهتما..."

لم يهتم ديافول برفضه لأنه استند على الطاولة بمرفقيه :

" هل تؤمن أن كل أخ هو عدو ؟..."

علم أن السؤال فاجئ نايت لأنه رمش و هو يتحرك من مقعده يقترب من الطاولة كذلك و ببرود أجابه :

" سأمنحك الجواب الليلة.."

يقصد على حلبة القتال ..سيريه الجواب في قتالهم...

نايت و ديافول لا يتقاتلان كثيرا...لأنهما الأفضل فقتالهما باستمرار سيكون خطرا أكبر على حياتهما...لهذا هما يتقاتلان مرة كل أشهر لكنهما يتشاركان حلبة التدريب من حين لآخر...لهذا قتالهما كان حدثا مهما و تتم مشاهدته من قبل كل العملاء و عرضه في كل شاشات الآيفا ليراه الجميع ..

لكن جوابه كان يعني شيئا آخر لديافول وهو أنه لا يستطيع أن يخبره بالخطة..هو لا يثق به و حقيقة أنه لا يرى ديافول سوى عدوا كانت تمنعه من إخباره بالأمر..بهذا سيترك الأمر للدقيقة الأخيرة حين يشتعل الحريق و تبدأ خطته..

" هل تتذكر المحل في روما الذي اختبأنا فيه حين كنا نتعقب ذلك العميل الذي يرتدي ساعتين في رسغيه؟.."

يعلم أن أسألته تبدو أسئلة عشوائية لشخص مختل لكنه لم يهتم..هو هنا لترك رسالة لهذا لم ينتظر منه أن يجيبه بل تابع بنفس النبرة الباردة :

" لقد وضع ألعابا جديدة في الرف السفلي قرب الزهور ..."

قضب نايت جبينه يظهر و لأول مرة من بين بروده ذاك استغرابا..استغرابا من الحماقة التي يتفوه بها ديافول لكن الدوق الصغير منحه إبتسامة جانبية باردة يضيف :

" هل تعلم أن بذلات الآيفا خاصتنا هذه تشع في الظلام ؟ .."

و قبل أن يمنحه فرصة ليتحدث نظر للكاميرات في القاعة و هو يعلم أن والده دون شك يراقب ما يحدث من مكتبه لذا حمل صينية طعامه و وقف فجاة ببرود و بلامبالاة ليس و كأنه أتى توا يجلس مع نايت و يطرح أغرب ثلاثة أسئلة في العالم ..و بنفس البرود التفت ليغادر و هو يتمتم له :

" استمتع بآخر وجبة لك هنا.."

كان يعنيها حرفيا و ليس كتهديد كما بدا عليه الأمر..نايت سمعها و سيعتقد أنه يهدد بإنهاء حياته في القتال لكن الحقيقة أنه سيخرجه من هنا و هذه حقا آخر وجبه له هنا..

قلبه كان ينبض بسرعة و هو يغادر المكان و يشعر بنظرات الجميع عليه لكن ما كان يمنحه الألم هو شعوره بنظرات نايت..أول و آخر أخ له في حياته و هو لن يراه مجددا...

لذا أعاد طعامه لمكانه و غادر دون تناول العشاء يتجه لتنفيذ أول خطوة من الخطة ...

..........

خطته نجحت...لأنه و بعد العشاء حين انضم للقاعة الكبرى رأى الإعلانات بوضوح...

القاعة الكبرى كانت خالية من كل شيء ما عدا ارضية واسعة جدا مفروشة ببساط رمادي يحمل شعار الآيفا و شاشات عملاقة تغطي أعلى الجدران من كل جهة تعرض جدول القتالات و نقاط التقييمات و حتى فيديوهات القتالات و ضربات الفوز للأعضاء..

الشاشات كانت تشير للقطات قتال ديافول اليوم و كيف فاز ..كانت تعرض حركات بالتصوير البطيء للتقنيات التي استخدمها و اللكمات التي تفاداها و التي لم يتفاداها..كل الوحوش كانوا مصطفين صفوفا منظمة في مواقعهم حسب الرقم التسلسلي و يرفعون رؤوسهم للاعلى يشاهدون الفيديوهات الخاصة به كما لو يدرسونها..

بينما هو نظر للشاشة التي على اليمين و تشير لتغيير مواعيد القتالات كما خطط لها و بصعوبة أخفى ابتسامته الجانبية كونه يعلم أن والده غاضب الآن و يحاول معرفة كيف حدث الخطأ التقني هذا..

بعدها انتقلت أعينه للشاشة قربه و التي تشير للنقاط الأسبوعية للوحوش و كيف كان ترتيبه هو الثاني بعد نايت..نايت الذي يتفوق عليه ب97 نقطة و يتفوق على باقي الوحوش بمئات أخرى..

نايت كان رقمه 1 وهو ما يفسر أنه يجلس في الصفوف الأولى على عكس ديافول الذي لم يدخل للآيفا في أول دفعة لها..مما يعني أنه كان في الصف خلفه بمراتب ...لكن هناك شيء خاطئ ...

ترتيب الصفوف غير منظم..أي أن هناك وحوش ليسوا هنا و بسبب فراغ مواضعهم تقدم البقية لتعديلها و هو ما سبب اختلالا في الترتيب..

آزاريا لاحظ هذا لأنه متعود على رؤية نفس الوجوه قبله في الصف وهذه المرة لاحظ اختفاء فانغ مثلا..فانغ التي شعرها كان دوما في ذيل حصان مرتفع جدا و يزعجه في الصف..الآن كانت مكانها فتاة أخرى شقراء أقصر قليلا منها...

ديافول ليس مهتما بفانغ لكنه مهتما بأي تغييرات تحدث في ليلة مهمة كهذه و بالتالي أعاد أعينه لنايت ليتأكد من أنه مكانه و من أنه بخير و انصدم حين وجده ينظر له..كان يقف في الصف الأول متجاهلا القوانين التي تنص على الإنضباط و التفت برأسه يراقب آزاريا..

لقد كانوا على بعد ثواني من أن يبدأ والده التحدث في المكبرات و تقديم الإعلانات الخاصة بالليلة..لكن ديافول لم يرمش عن أعين أخيه و لسبب ما تسارعت ضربات قلبه كما لو أنه يشعر بوجود شيء خاطئ..

لحظتها حدث شيء ما..

فتح نايت قبضته و انسدلت من بين أصابعه قلادة..قلادة جلدية.. بالتحديد قلادة فانغ التي لم يسبق أن نزعتها من رقبتها ..

لحظتها اتسعت أعين آزاريا تفاجئا يفهم تماما ما يعنيه هذه..اختفاء فانغ و تواجد قلادتها في يد نايت..لقد قتلها ...

و مع سرعة إدراكه لهذا كانت سرعة رفعه لأعينه صوب نايت و كانت ثانيتين هي كل ما حصل عليه من رؤية لملامحه قبل أن تنقطع الإضاءة كليا و يحل الظلام المفاجئ...

توقفت أنفاس ديافول و هو يسمع ارتفاع الأصوات حوله من همسات و تفاجئ الجميع من انقطاع الكهرباء المفاجئ..و لأنهم أسفل الأرض فلم يكن هناك نور من النوافذ أو السماء بل حل ظلام كالسواد الذي نراه حين نغلق أعيننا ...

الجميع كانوا يتحركون حوله قليلا يستفسرون عن سبب حدوث هذا لأن الكهرباء لم تنقطع يوما ولو لثانية منذ فتح الآيفا لهذا جميعهم كانوا يشهدون شيئا غريبا...

ما عدا ديافول..كان متجمدا مكانه و هو يغلق أعينه يحاول التركيز و السماع لأصوات أخرى من بين الهمسات لأن قلبه لم يكن مطمئنا ...ثم فتح أعينه و نظر حوله أين لا شيء في الظلام سوى خطوط في مشعة في بذلات الجميع...

بذلات الآيفا كلها كانت تلمع في الظلام بخطين على الجانبين باللون البيض بحيث يمنع على أحد الإختباء أو التسلل في المنشأة و يمكن للكاميرات رصدهم في أي وقت..كل البذلات كانت تظهر وجود الأعضاء حوله لكن الظلام كان قويا و لا يستطيع رؤية الوجوه...

فجأة ارتفع الصراخ توازيا مع صوت إطلاق الرصاص العشوائي و سقوط الأجساد..

دون تفكير و دون تردد سقط آزاريا أرضا و أنفاسه متسارعة من الصدمة يستلقي بكامل جسده أرضا تفاديا للرصاص..

أصوات الصراخ تعالت حوله و الأجساد كانوا يسقطون بسرعة كبيرة لدرجة لم يستطع العد حتى..هناك صوت رشاش في المكان مما يعني أن شخصا في الظلام يستخدم رشاشا ليقتل كل الواقفين في الظلام...

وضع آزاريا أيديه على رأسه حين وقع فوقه جسد فتاة و غطت رائحة الدم المكان ...

الرصاص لم يتوقف و الصراخ كذلك ..و لأن آزاريا كانت متدربا و عقله يعمل أسرع من البقية وجد نفسه يسارع بدفع الجسد من فوقه يشعر بالدم يغطي وجهه وجسده لكنه بدل فعل أي شيء طبيعي ..قام بنزع قميصه..

تفكيره كان استراتيجيا..هناك شخص يقتل الجميع في الظلام مما يعني أن بذلاتهم المشعة كانت دليلا على مكانهم لذا نزع قميصه الأسود يدسه أسفل الجثة التي وقعت عليه ليخفي لمعانه و يبقى بسرواله فقط قبل أن يحاول التنفس و هو مستلقي على أرض من الدم و يشعر بالرعب التام...

لقد كانت تحدث مجرزة حوله و هو في الظلام لا يستطيع أن يرى

مع كل تزايد لصوت الرصاص كان يحدث تناقص في أصوات الصراخ مما يعني أن الجميع تقريبا موتى.. الدم كان قويا و رائحته ملأت الجو في ثوان...

ما الذي يجري ؟..هل نايت بخير ؟.. عند هذه الفكرة امتلأت أعين ديافول بدموع مكبوتة و هو يخشى الحراك كي لا ينتبه له أحد...

هل والده خدعه و غير الخطة ؟ هل والده قرر أن يقتل الجميع و من بينهم نايت فقط لأنه يريد فتح آيفا جديدة ؟..

هذه الفكرة أرعبت الشيطان الصغير و جعلته يرتجف مكانه و الدم يبلل جسده بالكامل كأنه غارق في أرض من الدم و تلك هي الحقيقة ..لقد كان غارقا في الدم يسمع الجثث تسقط و الرصاص كذلك...

مرت دقائق من المجرزة حتى توقف الرصاص و حل صمت مخيف في المكان المظلم أين كل الأجساد واقعة أرضا..

" تمت التصفية ..."

اتسعت أعين ديافول عند سماع هذا ..هل هذا صوت البيتا 1 ؟..هل هو من قتل الجميع ؟ و مع من يتحدث ؟ ..

صوت خطوات تشير أن أيا من كان هنا قد غادر بعد قول هذا ...

بقلب ينبض بعنف ظل ديافول مستلقي أرضا يمثل أنه ميت وسط الجثث دون أن يتحرك ينتظر أن يتأكد من أن القاتل غادر ..و فقط بعد دقيقتين وقف يبعد الجثة عنه وهو ينظر حول المكان للظلام الذي يغطي كل شيء...و لمعان بذلات الآيفا كان وحده ما يشير للجثث المتراكمة فوق بعض ..

وضع ديافول يده على فمه يمنع نفسه من إصدار صوت كالبكاء بحماقة من أن يكون نايت ميتا معهم...

لا..لا..لا..هذا مستحيل..

سار ديافول بين الجثث ينوي الخروج من القاعة بصمت بعدما نزع حذائه بخفوت...كان يرتدي فقط سروالا أسود و جسده بالكامل مغطى بالدم ..كان يرتجف بالكامل..الموت لم يكن شيئا جديدا عليه و كل الموتى حوله لم يهموه..ما كان يجعله يرتجف هو فكرة أن أخاه مات هنا..لذا سار بين الموتى و من حين لآخر كان يتدحرج فوق جثة و يقع على الدم..أحيانا تلمس يده رأس أحد و أحيانا يلمس الدم حولهم..

الأمر كان مقززا لكن شعوره بالغثيان كان ناتجا عن خوفه ..

خرج من القاعة و هو يستند على الجدران يسير معتمدا على ذاكرته في الأروقة..الظلام سيمنع الكاميرات من أن ترصد اي شيء و لأنه لا يرتدي بذلته فيستحيل رصده كذلك...لقد كان مختفيا كليا كأنه غير موجود...

سار في الأروقة معتمدا على عقله ..سار و سار و سار بسرعة و الدم يسيل منه يخلف آثارا خلفه حتى وصل لمكتب في مكان خاوي ...كان يركز كل حواسه حوله خشية أن يسمع صوت شخص ما أو اقتراب شخص منه أو حارس ما..لكن لا شيء حدث..كأن الجميع اختفوا من على وجه الآيفا..لا صوت و لا حركة و فجأة في ظرف دقائق تحول المكان لشيء أشبه بمقبرة خاوية..

ما الذي يجري...

توقف آزاريا أمام باب المكتب و ضغط على الرقم السري..

هذا الباب كان مكتب رئيس الآيفا..والده..و لا أحد على وجه الأرض يملك الرمز السري للدخول له سوى فارسيا و مؤخرا آزاريا ...لقد منحه له والده صباحا مع أخيل حين أخبره أن يقتل نايت و يأتي لمكتبه بعدها فورا ليمنحه ملفات معينة قبل أن يغادر مع عمه..

لم يعلم أنه سيضطر لكتابة الرقم السري بهذه الطريقة...بأصابع مغطاة بالدم و كل وحوش الآيفا موتى أسفلا..

لذا أدخل الرقم و استمع لباب المكتب يفتح فسارع يدخله مغلقا الباب خلفه..

فورا استقبلته رائحة الدم ..و هو ما جعله يتجمد مكانه معتقدا أن هناك قاتل آخر هنا لذا لثوان لم يتحرك من مكانه ملتصقا بظهره عند الباب..لكن لأنه لم يحدث اي شيء تحرك مقتربا من مكتب والده بهدوء بخطوات خافتة و فجأة اشتعلت الأنوار تثير فزعه..

اتسعت أعين آزاريا لما رأى جثة والده في مقعد مكتبه..

لا أحد كان في المكتب غيره هو و والده و الكهرباء عادت في المنشأة بالكامل مما يعني أن الكاميرات ايضا عادت للعمل و مكتب والده كان مليئا بشاشات المراقبة و بجدار زجاجي يُظهر القاعة أسفلا..القاعة التي حدثت المجرزة فيها..

لكن أعينه هو لم تنجرف للجدار الزجاجي يطل على جثث الوحوش بل ظل يحدق بجثة والده..لقد كانت هنا رصاصة في الرأس و إثنان في القلب..

علامة نايت..

نايت حي و قد أطلق الرصاص على والده داخل مكتبه الذي لا يعرف أحد الرقم السري له..

كل الدموع التي كانت في أعين آزاريا خوفا على أخيه جفت و كل القلق و الخوف داخله اختفى و حل محله برود مخيف..لأنه في تلك اللحظة و هو ينظر لوالده الميت في مقعد عرشه لمنظمة الوحوش هذه استوعب شيئا ما..

في حين كان هو يخطط لإنقاذ أخيه..أخيه كان يخطط لقتل الجميع ومن بينهم هو...

آخر أمل كان داخل الشيطان الصغير تحطم توا و كل مشاعر حية داخله احترقت توا..لأن والده العاهر كان محقا...

كلكم إخوة و كل أخ هو عدو..و ديافول تلقى أكبر طعنة في حياته توا..طعنة شعر بها تمتد لأعمق نقطة في روحه و تحرق كل عظامه ..

رمش يتحرك من مكانه بجمود كأنه مجرد جثة..و حتى الدم الذي كان يغطيه بالكامل كأنه غطس في حمام دماء بدا يجف يمنحه أحقية اللقب الذي يحمل رمزه في رقبته..

اقترب من والده و انحنى ينظر لوجهه الخاوي من الحياة..برغم وجود الرصاصات في جسده إلا أنه لاحظ أمورا أخرى..زرقة خافتة في شفاهه و عند أطراف أصابعه..والده كان يعاني من السيانوزيس..وهذه الزرقة التي تميل للون الأرجواني كانت دليل على أن مادة ما ارتبطت بكريات دمه الحمراء تمنع الأوكسجين من الوصول لخلاياه...

دليل على التسمم..

لذا ابتعد ديافول عن والده بملامح باردة و هو يدفع كرسي الجثة بعيدا ليتحرك قليلا يفتح الأدراج في المكتب يبحث عن شيء ما و في ذهنه كان يتذكر اللحظات الأخيرة لوالده حين رآه في السيارة...تلك الثواني و تلك النظرة الضائعة ...

ظل ديافول يبحث و يبحث في مكتب والده حتى وجد مجموعة فلاشات تخزين فأخرجهم كلهم و سارع يدخلهم في الحاسوب لكنهم كانوا مشفرين لذا اضطر لاختراقهم بالمعرفة التي تعلمها من الآيفا نفسها..اخترقهم حتى تم فتح النظام الأمني حولهم و أدخل الرقم السري يرى الشاشة تضيء بالاخضر فبدأ يتفقدهم واحدا تلو الآخر يحاول البحث عن مخططات الآيفا لإيجاد المخرج منها..

فتح الأول و الذي كان محتواه صادما عن فيديوهات أعضاء و موتهم و مسار حياتهم في المنشأة..الثاني كان عن عملاء وعمليات غير قانونية لا يملك الوقت لقرائتها..الثالث كان التطور الذهني و التقارير الطبية و البدنية لكل عضو منذ أول يوم لدخوله المنظمة..الرابع كان صادما أكثر وهو ما جعله يتوقف ليأخذ وقتا لقراءة بعض ما فيه..كانت ملفات عن أصل كل عضو من لقبه الحقيقي لعائلته..

مر على كل الأسماء دون اهتمام لأن كلهم موتى و اختار فقط ملف نايت يفتحه..

الملفات التي رآها تشير أنه يملك عائلة..أصله ليس ميتما بل من عائلة ..

نايت العضو صاحب أعلى ترتيب في اللآيفا إسمه الكامل كان وولف دي إيسكيفال سييرا..هو إسباني و تم تسجيل اختفائه وهو رضيع أشهر في 11 من شهر ديسمبر ..

كانت هناك صورة له عند إحضاره للآيفا رفقة أطفال آخرين في أعمار متقاربة له ..صور له منذ أن كان رضيعا لحد الآن..

هو كان يملك عائلة..عائلة طبيعية..عائلة حية..

قبض ديافول على يده بقوة ينزع الفلاشة قبل أن يغلق الملفات و يجرب إثنين آخرين حتى وصل لما كان يريده...

الوقت كان شيئا لا يملكه لهذا حركة أصابعه على لوحة المفاتيح كانت سريعة جدا يفتح المخططات يمرر أعينه عليها يحاول ترسيخها في ذهنه و إيجاد المخرج..فتح عدة مخططات و قام يمطابقتها مع بعض حتى يعرف مكانه الحالي و يحدده ثم يحدد المسار الذي يجب أن يتبعه ليخرج من هنا...

رفع رأسه لشاشات الكاميرات فجأة حين شعر بحركة فيها فرأى نايت في أحد الأروقة..

تجمد ديافول مكانه وهو منحني على حاسوب والده الميت و رأسه مرفوع صوب الشاشات في الجدار ينظر لأخيه الذي اعتقده مات و حزن عليه للحظات قبل أن يقتل الشيء المثير للشفقة ذلك داخله..لذا أعينه الآن كانت باردة و هو يرى نايت يرتدي الأسود و يسير في الأروقة يحمل عدته من الأسلحة و معه البيتا رقم 1 و فتى آخر وجهه مغطى بالكامل و ايديه مكبلة ومن ثيابه هو دون شك عضو من الوحوش...

نظر لهم ..للثلاثة الذين تعرف على اثنان منهما فقط..الثلاثة الذين لا يزالوا أحياء بعد المجرزة قبل أن يمرر نظراته على باقي الشاشات يرى كيف أن الجميع موتى..الحراس..باقي المدربين..الأطباء..التقنيين..كل العمال..الطباخين عمال النظافة..الجميع دون استثناء..الكاميرات كانت تظهر مقاطعا من كل غرفة و كل زاوية في المكان و كل مرة تتغير المشاهد تظهر جثثا فقط..

نايت و البيتا 1 أحدثا كل هذه المجرزة و قتلا الجميع في فترة نصف ساعة كأنهما يلعبان لعبة فيديو تدربا عليها ألف مرة من قبل..كما لو أن كل هذا كان خطة و كل شيء كان جاهزا منذ فترة طويلة..كل ما كان عليهم فعله هو قطع الكهرباء و تعطيل الكاميرات ليتم قتل الجميع في أماكنهم كألعاب دمى ...

نظر لهم الشيطان الصغير يتفقدان الأروقة كما لو يبحثان عن شخص ما ...هما يبحثان عنه..

نايت رأى الدم في الأرض و الجدران..الدم على جسد آزرايا و الذي كان أشبه بدليل واضح على أرضية بيضاء حين خرج من القاعة يترك خلفه آثار أقدام حمراء...

لذا علم وقتها أنها مسألة وقت فقط حتى يتبعوا الآثار و يصلوا هنا لقتله..

لذا أعاد أعينه للحاسوب يتأكد من المخرج للمرة الأخيرة قبل أن ينزع الفلاش و يحمله رفقة البقية ..بحث في مكتب والده عن حقيبة وحين وجدها..فولاذية عند الزاوية فوق طاولة معينة ذهب لها يأخذها و ووضع فيها كل الفلاشات التي وجدها و أخذ أيضا ملفات مكتب والده بالكامل ..حمل كل ما بدا له مهما و كل ما استطاع حصره في تلك الحقيبة و حين أنهى ضغط عليها بقوة لتغلق و أدار القفل فيها بالرموز ليمنع غيره من فتحها..ثم ذهب لجثة والده و فتشه بسرعة ينزع منه مسدسه و إسوارته..

الإسوارة التي سيجده عمه بها..حملها يلفها حول رسغه الدموي و أمسك الحقيبة بيد و المسدس بالأخرى و حين تحرك بسرعة يريد الهرب من المكتب و من المنشأة قبل أن يصلوا له توقف فجأة أمام الجدار الزجاجي و نظر لجثث الأعضاء أسفلا و للدم يغطي المكان كأنها مذبحة..

نظر لهم أسفلا ثم نظر لوالده الميت و بعدها للكاميرات التي تظهر أخاه قادما لقتله..و تلك هي الثانية التي وقعت كل المشاعر عليه تندفع داخله دفعة واحدة...كحصان غير مقيد شعر بكل شيء مرة واحدة..

والده مات..هو بات وحيد افي العالم...كل الأطفال الذين تربى معهم موتى أمامه..أخاه يحاول قتله و عمه على الأغلب هو من سمم والده...و الآن هو رسميا وحده ضد العالم بأكمله..لذا سقطت دمعة واحدة يتيمة من وجنته تترك مسارا على خده الذي جفت الدماء فيه..مسدس في يده و حقيبة تحمل أسرار الآيفا في الأخرى...

الشيطان لا يولد..الشيطان يُصنع..

لهذا التفت هذا الشيطان يترك عالمه و جحيمه خلفه و فتح باب المكتب يركض لإنقاذ حياته ..ركض عبر الاروقة و المداخل يتبع المخطط..كان جسده و قلبه ميتا وقتها ..عقله فقط من يعمل كأنه رجل آلي يقوده للمخرج..

ركض و ركض و ركض ..ليلتف يمينا و يسارا..يصعد درجا و ينزل درجا حتى وجد نفسه عند قاعة اسلحة تحتوي أسلحة جديدة لم يتم فتح صناديقها بعد..ركض فيها بأقدامه الحافية حتى وصل لباب في نهايتها فدفعه ليجد نفسه اتقل لمرأب فيه الكثير من السيارات السوداء المظللة التي اعتادوا استخدامها لنقل الأعضاء داخلا و خارجا للمهمات..و كانت هناك شاحنات نقل أيضا مليئة بالصناديق دون شك الخاصة بالمؤونة أو الأسلحة..

رؤية هذا جعله يعرف أنه وصل للمخرج لأن الشاحنات و السيارات لتدخل هنا..هذا يعني أنه قرب المخرج للخارج كليا..

أنفاسه كانت سريعة و هو يركض و أصابعه على زناد المسدس كانت جاهزة لأي استخدام..قلبه كان ينبض بسرعة لدرجة يشعر به في حلقه و هو يكاد يصل للمخرج أين سيتحرر و اخيرا من هذا الجحيم ...

كان يشعر باقتراب حريته و باقتراب نجاته..أمتار قليلة تفصله عن ذلك مما جعله يزيد من سرعة ركضه لكن كل ذلك اختفى من أمامه فجأة حين حدث انفجار قوي فجأة لدرجة شعر بجسده يتطاير من قوة الضغط و رأسه يضرب بقوة في الأرض..

و آخر ما تذكره هو الظلام يغلف أعينه كليا..و عقله ينتقل لمرحلة اللاوعي بسبب الإغماء..

....

لا يعرف بالضبط كم مر من وقت منذ حدوث الإنفجار و إغماءه..لكن ديافول حين فتح أعينه ببطئ يرمش وسط الدخان و الألم الذي عصف بجسده و رأسه..فعلها وهو لا يستوعب للوهلة الأولى ما يحدث..

استغرقه الأمر ثوان ليفتح جفنيه كليا و يصدر تأوها حين كان الألم قويا جدا في جسده بالكامل..نظر حوله وهو ملقى أرضا على بطنه..هناك دمار حوله أين انفجرت الآيفا بالكامل..هناك دخان ونيران حوله ..الكثير من الصخور و الأعمدة المتدمرة كليا و الحريق امتد حتى للغابات حول المنطقة..لو لم يكن مرميا خارجا في الهواء الطلق لاختنق من الدخان..

حاول آزاريا الوقوف لكنه أصدر صوت تألم كبير فسارع ينظر أسفله ليجد أن هناك قضيبا معدنيا منغرسا في جنبه الأيسر ..لم يكن قادرا على الشعور بقدمه مما يعني أنها مكسورة و على الأغلب هو يعاني من ارتجاج لأنه يشعر بالدوخة و رأسه ينزف بغزارة و مهما حاول أن يقف لم يستطع لأن حركته تعني المزيد من النزيف و انغراس المعدن داخله أكثر يمزقه..

لذا أصدر صوت تألم آخر كأنه حيوان مجروح وهو يحاول الحراك و التنفس بسرعة يخشى أن ينفذ الأوكسجين منه...هو لم يتصور بتاتا أن أول لحظة له خارج الآيفا ستكون هكذا..وسط حطامها و احتراقها..كأن حتى حقه في رؤية العالم خارج الجحيم كان مقدرا له أن يكون مأساويا هكذا...

حركة بين الدمار جعلته يحرك رأسه صوبها فرأى شيئا أوقف قلبه..لقد كان نايت يقف على بعد أمتار منه يحدق به و بيده قارورة بنزين و مسدس و خلفه بمسافة معتبرة كان البيتا 1 وهو يدخن مستندا على سيارة سوداء مظللة كما لو ينتظر نايت لينهي قتل الشيطان الأخير و يغادروا المكان..

ثبت آزاريا أعينه السوداء على خاصة نايت الزرقاء..العرق و الدم كان يسقط من جبينه لأعينه يحاول منعه من التحديق به لكنه لم يرمش بعيدا عنه..لأنه رأى شيئا هناك..

أعين نايت كانت حمراء و هو ينظر له و يده على المسدس كانت ترتجف..كما لو أنه يقاوم البكاء..

و في تلك اللحظة امتلأت أعين آزاريا أيضا بدموع مكبوتة و بصعوبة و وسط ألمه و نزيفه رفع يده نحو نايت كما لو يطلب منه أن يساعده ..أن يقترب و يساعده ليخرج من بين الحطام ..

حينها رمش نايت يبعد وجهه عنه للحظات و حين أعاده كانت ملامحه باردة رغم الألم الذي رصده في أعينه قبل لحظات ثم التفت للبيتا 1 و الذي ببرود تام نفى برأسه كأنه يمنعه من التراجع..نفى برأسه يمنعه من مساعدة ديافول..كأنه بتلك النظرة الوحيدة بينهما تبادلا حديثا قررا فيه أن وفاة ديافول سيمحي وجود الجحيم بالكامل..سيمحي وجود الآيفا و سيمحي كل ماضيهم..

لذا استدار نايت لديافول مجددا لكن هذه المرة لم ينظر له بل تجنب النظر له وهو يقترب يسكب آخر ما تبقى له من البنزين حول آزاريا قبل أن يرمي العبوة الفارغة بعيدا و يلقي آخر نظرة على الآيفا المدمرة خلفهم و المحترقة بالكامل كقلعة من الجحيم دخانها وصل للسماء..

نظر آزاريا بأعينه لنايت ..أعينه السوداء الدامعة والدم ينزف من كل مكان في جسده يمنعه من إنقاذ نفسه ..

كان يريد أن ينظر لأعينه و يرى أنه لم يتخيل..أنه لم يتخيل رؤية الألم في أعينه كأنه يشعر بالضعف لقتله..

لكن هذه المرة حين نظر له نايت لم ير ذلك..بل وجد البرود فقط..البرود و هو يرفع يده يمسح على موضع وشم الآيفا خاصتهم..مسح عليه وأعينه عليه كما لو يخبره أنك الشيطان..أن سبب عدم إنقاذه أنه ديافول و أن الشيطان مكانه هنا..وسط جحيمه و بين نيران عرشه الأسود..

انكسر شيء داخل آزاريا حين رأى ذلك ..بل انكسر كل شيء داخله..كل ما تبقى انكسر وقتها و شعر بألم تلك الحركة أقوى من ألم عظامه المنكسرة و ألم المعدن المنغرس فيه و ألم رأسه المهشم..تلك الحركة هي ما قتلت الأخ الصغير هناك..

لذا حين رفع نايت مسدسه تجاهه هو لم يطلب منه المساعدة هذه المرة بل منحه إبتسامة جانبية و سقطت دمعة من عينه كانت الأخيرة لهذا اليوم..

تلك الدمعة كانت أشبه بغسل لروحه وقتها..آخر واحدة لآخر لحظة..

أخفض يده و استلقى على ظهره بصعوبة يقابل السماء ينظر لها بملامح خاوية و هو يشعر بدمعته تنجرف على وجنته و النيران تحيطه تنعكس عليه و لم يرمش حين استمع لصوت الرصاصة وقتها لأنه كان يعلم أن نايت لن يقتله برصاصة بل سيتركه ليموت ببطئ محترق في جحيمه..لذا الرصاصات صوبها على الوقود يتركه ليأكل كل المكان حتى يصل لديافول..

وهنا على أرضية الآيفا ظل الشيطان الصغير مستلقي أرضا ..باردا ..متألما و غارقا في دمه ينتظر أن تصل النيران له تقتله بينما هو ينظر للنجوم ..

سمع صوت السيارة تغادر يتركونه هناك على ألسنة النار و في تلك اللحظات الأخيرة تعلم هو معنى جديدا للعالم..

مهما فعلت في حياتك..ستظل دوما الشرير في قصص الأبطال..و الشرير يملك نهاية واحدة..

نهاية كهذه..

End of the flashback 

رمش ديافول يبعد تلك الذكريات حين انعكست أشعة شمس العشية على أعينه تحرقه..الشمس هي ما أحرقت أعينه و جعلته يرمش عدة مرات بفك منقبض..أشعة الشمس فقط..

كان يقف مع عمه في أعلى بناية في إيطاليا و بالضبط في مكان نزول الهيليكوبتر ..المكان كان يضمهما و بعض من رجال أخيل الملثمين و المسلحين قرب الحافة يحيطون السطح الدائري...

الوقت كان قريب من وقت الغروب و المدينة بأكملها كانت أسفلهم .. الشمس من هذا الإرتفاع بدت أقرب مما هي عليه ..ومن بعيد كان بإمكانهم رؤية مبنى الآيفا في الجبل البعيد هناك و الذي كان يراه الناس على أنه قلعة قديمة محترقة مهجورة وسط الغابات البعيدة لكن ما أسفلها كان منشأة جديدة بُنيت مكان القديمة..

آزاريا كان يرتدي قميصا رماديا داكن بأكمام طويلة ضيق.. رغم حرارة الجو إلا أنه كان دوما يخفي بشرته ..قفازاته كانت جلدية سوداء و كذلك سرواله و حذائه..

عمه كان قربه يرتدي قناعه الفضي يخفي وجهه و ينظر من أعلى البناية بلمعة في أعينه..و من حين لآخر يراقب الكاميرات في هاتفه التي تظهر الآيفا أين تواجدت مارينا ليتأكد أنها و ساهارا لم تخرجا بعد من غرفة العمليات..بينما الحقيقة كانت أن ما يظهر في شاشة هاتفه هو تسجيلات معدلة لأن آزاريا لينجح في خداع عمه كان عليه أن يحرص أن تدخل مارينا و ساهارا غرفة العمليات أولا قبل أن يتم إختراق الأمن و تشويش البث..لأنه لو فعلها قبل أن يراهما عمه لتخرب كل شيء..

لذا بوجود مارينا هناك عمه كان سعيدا و هو هنا ينتظر قدوم وولف ليقتله بينما الدوق كان ينتظر شيئا آخر..

مرت حوالي 20 دقيقة منذ قدومهما هنا و الآن فقط شعر آزاريا باهتزاز هاتفه في جيبه فأخرجه خفية يطل على الرسالة التي كان ينتظرها ..حينها فقط ظهرت إبتسامة جانبية على شفاهه سرعان ما أخفاها و هو يُطلق أول نفس حقيقي له منذ سنوات...

نتائج خطته كانت تظهر بالضبط كما أرادها..الأمر أوشك أن ينتهي..

و الآن سينتظر...

دقيقة ..دقيقتان..17 دقيقة..رن هاتف عمه يقطع عليه سعادته المختلة فسارع يجيب و رأى ديافول فورا وضعيته تتغير وهو يبتعد عنه مقتربا من الحافة كأنه يحرص ألا يسمعه الدوق لكن طريقة تحدثه بصوت خافت كانت حادة غاضبة و هو يعدل القناع على وجهه كأن كل جلده يحرقه بسبب ما سمعه..

ظل ابن أخيه يراقبه بملامح خاوية لكن داخله كان يحب ما يراه...لسنوات و هو يخطط لهذا..لأخذ كل شيء من عمه و سلبه كل ما هو من حقه..

لذا رأى كيف أغلق أخيل المكالمة بغضب و هو يسير ذهابا و إيابا على سطح البناية هذا قبل أن يتوقف فجأة مكانه يتجمد كأنه استوعب شيئا ما ..ثم وببطء رفع أعينه لآزاريا يحدق به كأنه يشك لكن لا يتجرأ و ينطق شكوكه..

و لأن الدوق هو شيطان علم بالضبط أن تلك هي لحظته..اللحظة التي سينهي فيها لعبته و تمثيله و يسقط قناعه..لذا نظر لهاتف عمه ثم لأعينه و بعدها منحه إبتسامة جانبية باردة تؤكد له كل شيء..

إبتسامة تخبره ' أجل..أنا الفاعل ..أجل شكوكك صحيحة '..

" إبن العاهر.."

تمتم عمه بهذا بهمس كما لو يحاول أن يستوعب و هو ينظر لديافول بأنه تم خداعه من قبل الفتى الذي قام بتربيته..

" أتفق.."

رد عليه آزاريا كأنه يوافقه في حقيقة أنه إبن عاهر..و لحظتها تحرك أخيل و أخيرا يخرج من شروده لما اقترب منه بسرعة و لف يده عليه ليخنقه ..

ديافول لم يتحرك يتركه يخنقه لثوان قبل أن يرفع يده و يمسك رسغ عمه بقوة يضغط عليه و يسحبه من رقبته يراقب تفاجئ الآخر..تفاجئه من أنه دافع عن نفسه ضده ..تفاجئ من أنه استخدم قوته ضد عمه..لأنه طوال 17 سنة لعيشهما معا لم يحاول آزاريا و لا مرة إيذاء عمه أو لمسه أو الدفاع عن نفسه ضد تعنيفه له..لسبعة عشر سنة كان آزاريا يلعب دور الحمل مع عمه الضبع..

ليس لأنه ضعيفا بل لأنه كان يحاول إقناع عمه أنه قوي..إقناع غرور عمه أنه مسيطر و أنه يملك كل القوة..

في اللحظة التي أنقذه فيها عمه من حريق الآيفا..في اللحظة التي كان مستلقيا في سرير المستشفى بين الصحوة و الإغماء و دمه يلطخ الأغطية البيضاء و الأطباء يصرخون و يركضون لإنقاذه ..في اللحظة التي كان ينظر فيها لسقف المشفى الأبيض يعتقد أنه سيموت و أن جسمه سيتخلى عنه وهو محاط بأشخاص كلهم يودونه ميتا حينها قرر..

قرر أنه لو لم يمت سيتناول إنتقامه باردا جدا..قرر أن يلعب اللعبة الأطول و الأخبث معهم جميعا..

اللعبة أين سيكون الشرير في قصة الجميع و البطل في قصته الخاصة...قرر أن يخضع رأسه و يحنيه بخضوع.. أن يتعلم كيف يقول حاضر سيدي بينما يجهز نفسه ليجعلهم جميعا يقولون له ذلك..

حين استيقظ بعد أيام و هو مغطى بالضمادات بعد عدة عمليات جراحية هدفها كان إعادة الأمير كما كان أكثر منها إنقاذ الشيطان الصغير ..حينها أدرك أن العالم لم يكن سيئا فقط بل هو من يصنع الأشرار و الأخيار..العالم هو من يمنح الأدوار لكل شخص و ينتظر منهم أن يلعبوها..لهذا قرر أن يرتدي رداء الدور الذي يمقته أكثر من كل شيء..

و لا أحد يستطيع إتقان تمثيلية كهذه كما يفعلها ديافول..ل17 سنة رفض الدفاع عن نفسه ضد عمه لأنه إن أردت الفوز على شخص بارع في ألعاب العقل عليك أن تخدعه بلعبة عقل..و لا شيء يخدع البشر كإقناعهم أنهم الأقوى و أنهم الأفضل في حين أنت الأفضل و أنت الأقوى و تمثل خضوعك لهم لتملأ عقلهم غرورا بأنفسهم..لا شيء يقتلهم سوى ذلك..

لذا رفع ديافول حاجبه لعمه يبعد يده عنه بسهولة يراه متفاجئا ليس من قوة قبضة ديافول بل من الحركة...17 سنة من التعود على أن يضربه و يسكت..أن يكسره و يسمح له بذلك..أن يحرقه و يسمح له بذلك..أن يأخذ كل ما هو له و يسمح له بذلك..فأحيانا عليك أن تخسر المعارك الصغرى لتفوز بالحرب الكبرى..

و أخيل عاش طوال سنوات حياته مشوه الوجه لكن قوي الجسد..لا أحد من الرجال في سطح البناية هنا و المسلحين يمكنه هزيمة عمه في قتال يدوي حتى و هو في هذه السن ..الوحش تربى ليكون آلة و يدرب الوحوش ..لكنه نسي أنه درب ديافول ..أنه أفرغ كل غضبه و كل ظلامه في إبن أخيه يحاول كسره بطريقة أو بأخرى على أمل أن يتخلص منه لكن كل مرة كان يقف الدوق الصغير مطالبا بالمزيد..

الجسد الذي يخفيه أسفل هذه الثياب كان يحمل آثار كل ذلك ..وجهه كان وجه الأمير آزاريا لكن جسده كان جسدا معذبا لديافول ابن أخ أخيل..عمه كان مختلا و يحب حقيقة كيف أنه لم يؤذه يوما من وجهه كما لو يستمتع بفكرة أن العالم يروه أميرا قويا و لا يعرفون أن عمه شوه له جسده أسفل تلك البذلات الباهضة و الغرور الملكي في نظرته و تعامله مع الناس..

" حافظ على أنفاسك عمي..تحتاجها.."

مجددا بدا كأن صوت ديافول استفز عمه و أخرجه من تفاجئه لأنه هذه المرة سحب مسدسه و صوبه على جبينه قائلا :

" لما فعلت هذا ؟..."

" أيهما ؟ إنقاذ الوحوش أم خداعك ؟..."

استخدم معه نفس طريقته في الكلام في السيارة قبل ساعات و رأى فورا شرارات الغضب تغطي أعين عمه خلف القناع ...كون الإتصال كان عن خبر سيء.. أن الوحوش الجديدة لم يغادروا من مكانهم أصلا و لم يتم نقلهم للآيفا هنا في إيطاليا ...و الثاني كان أنهم اختفوا قبل ربع ساعة...جميعهم...

" تعتقد أنني لا أستطيع جلب وحوش جديدة أم لن أفتح الآيفا هنا و في بريطانيا فقط بسبب حركة طفولية كهذه منك ؟..قتلك لن يستغرق مني ثوان ..ربما كان يجب أن أتركك لتموت يومها و أتخلص من أفكار تمردك الأحمق هذا..هل تريد ذلك ؟"

استفسر عمه بحدة تظهر من صوته و الشرارة في أعينه أسفل القناع و هو يضغط فوهة المسدس على جبينه أكثر ..

لكن ديافول ابتسم ببرود يجيبه كأن كلامه لم يؤثر به أصلا :

" ألم تسمع الخبر ؟..علي أن أعترف رجالك أبطأ مما توقعت.."

فور قوله لهذا و بمسدس لجبينه أخرج هاتفه من جيبه يريه الفيديو الذي وصله قبل قليل يقوم بتشغيله له ورأى أعين أخيل تشاهده بتفاجئ..

كانت تسجيلات كاميرا لمقاطع دخان و حريق تشير أن الآيفا الثانية في بريطانيا تحترق..

و ليس هذا فقط بل الأشخاص الذين كانوا يخرجون منها بعد حرقها هم جنود ببزات سوداء مطرزة بشعار يعرفانه جيدا..

شعار قاضي الإتحاديات..

شعار جعل عمه يخطف الهاتف من يده يبتعد خطوات عنه فقط حتى يشاهد التسجيل كما لو لا يصدق ما تراه أعينه..كان يقوم بتكبير الشاشة و التدقيق في شعار الجنود الذين يخرجون من بين الدخان و النار في موقعهم السري للآيفا الثانية التي لم يكن مقررا أن يفتحوها هذه السنة بعد أن تعبوا وخسروا مالا في بنائها..

و لعل عمه استوعب و أخيرا أن ما فعله ديافول أكبر من مجرد حركة طفولية كما يسميها أو تمرد غبي..لأن التسجيلات لم تظهر حركة غبية و لا طفولية...لقد ضرب كل نقاط عمه الضعيفة دفعة واحدة في يوم واحد...و نايت ساهم في ذلك معه ..

و تلك الحقيقة الأخيرة جعلت عمه متجمدا مكانه لثوان قبل أن يبدأ بهز قدمه غضبا كأنه يرتجف خلف قناعه و ثيابه الداكنة...بعدها نتيجة لذلك رمى هاتف الدوق بعنف من أعلى البناية قبل أن يطلق عدة رصاصات في السماء وهو يصرخ بغضب..

ثم التفت و تحرك سريعا نحو ابن أخيه يوجه المسدس لرأسه مجددا و بغضب حارق تمتم هذه المرة و هو يسحب زر الأمان في المسدس يستعد لإطلاق الرصاصة بعد أن يسمع الجواب :

" سربت المعلومات لنايت ؟..بعد كل شيء حدث ؟.."

" أجل.."

مع جوابه أطلق عمه رصاصة على جبينه..

رفع ديافول حاجبه ببرود لأنه لم يمت و لم تخرج أي رصاصة..

حاول أخيل الضغط على الزناد مجددا و لم يطلق أي رصاصة انحنى الدوق قليلا لطول عمه وهمس له بنبرة جليدية :

" أخبرتك أنك بدأت تفقد عقلك اللعين عمي..جنون العظمة أكلك من الداخل ؟ "

لأن المسدس دون رصاصات يكون أخف من المسدس برصاصات..حقيقة أنه لم ينتبه لذلك كانت تدل على نجاح خطة ديافول في ألعاب العقل معه..

ظل عمه يحدق به و هو يخفض مسدسه ببطء بتفاجئ و دون أن ينتظر جوابه أضاف ديافول :

" علمتني أن أفعل ذلك و أطبقه على أعدائك لكن لم تتوقع أن أطبقه عليك ؟..."

و فور قوله لهذا أبعد يد عمه التي تحمل المسدس الفارغ من الرصاص باستهزاء مما جعل عمه يغضب أكثر وهو يشير للرجال حول سطح الهيلوكبتر في البناية أن يقتربوا و يمسكوا ديافول يصرخ عليهم بمنحه سلاحا آخر..

لا أحد منهم تحرك من مكانه..

لا أحد..

صرخ عمه عليهم مجددا لكن لا أحد من الرجال الملثمين تحرك بل ظلوا واقفين بأسلحتهم يرتدون الأسود يحيطون السطح بشكل دائري و لا يظهر شيء منهم سوى أعينهم..

حينها نطق ديافول ببرود وهو يعدل قفازاته جيدا على أيديه :

" هؤلاء ليسوا رجالك..مجددا أخبرك..لقد فقدت عقلك مع السن.."

" أنا أعرف رجالي.."

قالها عمه بغضب يدفع آزاريا لينظر للرجال قائلا ببرود :

" أي شيطان تتبعون يا رجال ؟.."

فورا أخفضوا رؤوسهم بإشارة أنه الوحيد الذي يأمرهم و هذه كانت حركة مدمرة لأخيل ..لأنه ظل متجمدا مكانه..كان يستوعب توا أن ديافول لم يكن يمزح و أنه لعب عليه لسنوات يمثل أنه خاضع له و لقوته بينما في الحقيقة هو كان يسلب منه كل شيء دون أن ينتبه لأنه كان واثقا جدا من أن ابن أخيه صار يخاف منه و من عصيانه..ثقته أعمته..

" هل ترى ؟..لقد بدأت تفقد لمستك عمي ؟.."

انقبض فك أخيل و لعله بدأ يفهم ما يحدث يفهم ديناميكية ما يجري حوله و أنه لا يملك السلطة العليا هنا..لذا غضبه و حدته أخفاهم من صوته و بدلا عن ذلك عاد للبرود الكلي الذي تعود عليه ..كأنه يعيد تشكيل قواته و أفكاره في تلك الثوان التي كان يرمق فيها آزاريا ببرود...

وقتها تحدث بعد مدة من الصمت يقول بنبرة خاوية و هو يتحرك يقترب من الدوق و يلتف حوله كصياد حول الفريسة :

" دعني أخمن..أنت هو الشخص الذي سرب دليلا على عودة عملائنا في الآيفا أليس كذلك ؟..لأن فور حدوث ذلك بأشهر وقعت إنفجارات في مواقع عمل نايت و بعدها أعلن أنه سيعيد الاتحاديات ..كيف لم أشك بك ؟ لقد أصبحت بارعا جدا في التمثيل كما كان يتوقع والدك ..."

جواب آزاريا كان نظرة جانبية صامتة رغم أنه كان يقبض على يده بقوة ..

بالتأكيد هو خلف كل ما حدث..هو من سرب لائحة عملاء الآيفا القدماء في شبكة الإنترنت المظلمة ثم سحبها ..وقت كافي ليتعقب نايت ذلك و يعرف أن الآيفا فُتحت من جديد...ثم استفزه أكثر حين فجر له مواقعه السرية خارج إسبانيا كيف يدفعه للإسراع في فتح الإتحاديات و إستعادة لقبه..

السبب خلف ذلك كان واضح وهو أ...

" كنت تريد حمايته أيها العاهر الحساس أليس كذلك؟...لأنك تعلم أنه لو فتح نايت الإتحاديات مجددا لن يستعيد فقط الحماية و إنما سيستطيع التدخل في إيطاليا و بريطانيا و بالتالي ستضرب وغدين بحجر..ستحميه و ستمنحه القوة ضدي...ابن العاهر.."

قالها عمه و ضحك فجأة دون توقع كأنه مريض نفسي..

و أجل..لقد فعل آزاريا كل ذلك في خطته التي لم تكن مسيرة مع عمه..لأشهر اعتقد أخيل أن السبب خلف ما يحدث في مواقع نايت بسبب حكام العالم السفلي كونهم اكتشفوا أنه يخرق نظامهم دون إذن..بل لقد أقنع عمه بذلك .. و نشر إشاعة حيال الأمر في المافيا الإيطالية ..أن وولف سييرا يتعرض لعقاب من الحكام ..إشاعة سرعان ما انطفأت بعد إعلان القضاء الجديد..

" هل حين كذبت عليه بأنك تحب زوجته و تريدها لنفسك كان لتجعله عدوا لك وتمنحه الدافع ليشارك في اللعبة معنا أم لتدفعه في تسريع فتح الإتحاديات ؟.."

تسارعت ضربات قلب آزاريا رغم أنه حافظ على ملامحه باردة..لأن هذا الجزء لم يكن من خطته حقا ..عمه أراد سببا يستفز نايت و ديافول اقترح عليه ذلك دون أن يعلم عمه حقا أنه يعرف مارينا و مشاعره نحوها ليست تمثيلا..

الخطة كانت أن عمه أخبره أن يمثل أنه يحبها و يذهب لإسبانيا و يتلاعب بنايت أقرب له بكثير حتى يُخرجه من مقره مدريد..الخطة كانت أن مشاعر آزاريا مزيفة و كاذبة ..الخطة كانت أن يستغلها من أجل لعبته..هذا ما اتفق عليه مع عمه..لكن الحقيقة كانت أنه فعل ذلك ليدفع وولف ليفتح الاتحاديات..أنه حين ذهب للقاءها فعلها لأنه يحتاج رؤيتها أكثر من حاجته للإنتقام..الحقيقة كانت أنه في تلك المكالمة الهاتفية لو قبل نايت أن يتخلى عن مارينا لأجل ديافول لنفذ وعده له حقا و أخرجه من القصة ينتقم من عمه بنفسه دون أن يلمس أحدا لأنه كان مستعدا بالتخلي عن إنتقامه من نايت من أجلها...

لكنه الآن يلعب لعبة ..لذا ضغط على قبضته بقوة قبل أن يعيد أعينه لعمه يجيبه ببرود شديد و ملامح خاوية :

" أعتقد أنك تعرف الجواب لذلك.."

أنه فعلها من أجل نايت..

وهذا دفع عمه ليضحك و أخيرا ضحكة المختلين تلك و هو يقترب من حافة البناية بينما يضحك بقوة كأنه يريد من العالم حوله أن يسمعوا ضحكة إستهزائه بإبن أخيه الذي لا يزال يملك مشاعرا تجاه نايت..أخيه الذي تركه ليموت..

لكنه هنا كان مخطئا ..لأن آزاريا أخبره فجأة ببرود يقطع عليه ضحكته :

" لكن هل تعرف لما أردت من نايت أن يستعيد كل تلك القوة ؟..."

استدار له عمه و هو يقف عند الحافة و نور الشمس خلفه التي توشك على الغروب انعكست عليه تجعل قناعه الفضي يلمع حين أجاب بسخرية :

" لأنك حساس ؟.."

" بل لأنك غبي.."

صمت أخيل مما سمح لديافول أن يتابع :

" هل تعتقد أنني سأضيع 17 سنة من حياتي أخطط لأنقذ نايت الذي لا يعرف بوجودي أم لأنتقم من الرجل الذي دمر حياتي كلها ؟..."

ظل عمه صامتا لهذا حان وقت أن يقترب ديافول منه هذه المرة خطوة بخطوة و هو يواجهه بالحقيقة :

" قتلتَ أبي .. "

قال هذا أولا يرى كيف قبض أخيل على كفه بقوة و منحه نظرة باردة جدا تكاد تجمد الشمس التي تنعكس خلفه..

لكن آزاريا واصل تقدمه خطوات أخرى أقرب له يتابع :

" هددت آيبار ليسلمك إذن الدخول لأنظمة الآيفا و مداخلها ثم أجبرته ليوقع عن التصويت لاختيارك الرئيس القادم..أليس كذلك ؟ لهذا أنت تملك كل الإذن للتواصل مع العملاء السابقين أليس كذلك ؟.."

أخبره حقيقة أخرى تثبت أن ما فعله أخيل طوال حياته كان لهدف واحد و هو أخذ الآيفا لنفسه و أن يكون حاكمها الوحيد ..لم يكتف بقتل أخيه فقط بل ليضمن أن يستطيع أن يخلفه كان عليه فعل شيئين..الأول الحصول على توقيع تنازل من مؤسس آخر بأن يسلمه كل شيء و الثاني التخلص من الوريث..

" بعدها حاولت قتلي مرتين..حين وضعتني في قتال مع نايت على أمل أن يفوز هو علي ثم في المشفى ..."

مجددا ظل عمه صامتا و ظل هو بملامح خاوية باردة غير مبالية يصب عليه الحقائق كما لو يتحدث عن شيء غير مهم بتاتا ليس و كأنه يتحدث عن محاولة قتل أخرى له وهو في المشفى يتعافى من محاولة قتل..لكن الوضع السياسي في إيطاليا وقتها لم يكن جيدا فأمرت الملكة أن ينقلوا كل الأمراء لمنزل العائلة الحاكمة في فرنسا و وقتها تراجع عمه عن قتله ينقذه مجددا في اللحظة الأخيرة ..

لا يعرف إن كانت نجاته حظا أم قدرا...لكنها منحته سببا ليعيش..

" أنت من قمت بتحريض أبي حتى أقتل أنا نايت لأنك كنت تعلم أنه لو مات على يدك أو يد أبي فالعملاء سينسحبون من إستثماراتهم و ستخسر أنت كل شيء.. كنت تعلم أنهم يريدون نايت أكثر من أي شيء في الآيفا و لتخدع أبي و تدمره جعلته يفعل ذلك حتى لا تلتصق التهمة بك بل به و يروك أنت على أساس الشخص الأنسب للآيفا...."

مع جملته الأخيرة وصل ديافول عند عمه و بحركة واحدة بإمكانه أن يدفعه ليسقط من بناية بارتفاع شاهق كهذه لكنه لم يفعل..ليس موتا سهلا له و ليس هكذا..

بل تمتم له بهمس بارد جدا :

" لهذا جوابي لك عمي هو لا..أنا لم أفعل كل هذا من أجل نايت بل من أجلك.."

" حقا ؟ لتقتلني ؟ فعلت كل هذا لتقتلني ؟ كان بإمكانك فعلها قبل سنوات لكنك لم تفعل..تريدني أن أصدق هذا ؟.."

وهنا لمعت أعين آزاريا كأنه بدأ يستمتع بما يحدث يجيبه :

" من قال أنني أريد قتلك ؟..أنا أردت أن أمنحك كل شيء لأنني أعلم أن لا شيء يقتل الكلب كما يفعل اقتلاع أنيابه ..أصبحت الدوق و منحتك المال..أصبحت الشيطان و منحتك السمعة و الخطط لتعمل في العالم السفلي..أصبحتُ كل شيء تحتاجه و منحتك كل شيء..الأعمال..الصفقات..القوة..الرجال..الخطط..و حتى الطاعة...كل شيء..منحتك كل شيء فقط حتى آخذهم منك .."

توقف الدوق لثوان قبل أن يضيف بإبتسامة باردة :

" و أنا لا أستطيع أن أحصل على كل ما تملكه لو قتلتك..أنا أعرف جيدا الإتفاقية التي عقدتها مع كل العملاء و المشترين .."

أمال عمه رأسه يطقطق رقبته فعلم أنه أغضبه ..ذلك لأنه يقول الحقيقة..

" قبل عشر سنوات وقعت إتفاقية معهم تنص أنه لو قمت أنا بقتلك فلن يعملوا معي بتاتا و لن أحكم الآيفا لأن من يجلس على عرش بدم أخيه لا يستحق العرش أليس كذلك؟.."

" كيف علمت ؟.."

سؤاله كان باردا كأن عرقا باردا يتصبب من جبينه عند سماع هذا ..

" لأنه نفس الشيء الذي فعلته أنت لأبي..من الطبيعي أن تكون خائفا من أن أفعله لك..لهذا أنا لم أخطط أبدا لقتلك..لأنني لو أردت عرشك و كل ما تملكه داخل و خارج الآيفا فسيتحتم على شخص آخر قتلك و تدمير الآيفا دون تدخلي..."

كلها كانت ألعاب عقل..كان يتفوق على عمه في تخطيطه الذهني و مخاوفه الدفينة..

العملاء و المستثمرين و رجال العالم السفلي المتورطين في عمل الآيفا و صنع و بيع الوحوش و حتى الحكومات..كلهم يعرفون عمه و يتعاملون معه فقط..لقد اعتاد هو أن يذهب معه في الصفقات و يعرفون هم أن الدوق أيديه ملطخة بالدم و أنه شريك أخيل ..لكنهم لن يسلموه الأعمال بعد وفاة عمه لو علموا أنه من قتله..أو هو من دمر اسثمارهم في بناء الأيفا من جديد..

لهذا لو أراد أن يكسب ثقتهم و يكسب معارف عمه و كل علاقاته في العالم السفلي عليه أن يدفع شخصا آخر لحرق الآيفا و شخص آخر لقتله بينما يمثل هو أنه مسكين لا علاقة له بالأمر..وعلى ذلك الشخص أن يملك لقبا في العالم السفلي و نفوذا و حماية تمنعهم من مواجهته..والشخص الذي تنطبق عليه هذه المواصفات واحد لا غير..

تماما كما فعل عمه مع أبيه..التاريخ يعيد نفسه..أخيل أخ فارسيا و كل أخ هو عدو ..أخيل قتل أخيه و مثل أن شخصا آخر فعل فقط حتى يمنحوه السلطة و الثقة ليفتحوا المنظمة من جديد..و نفس الشيء فعله ديافول معه..

إن أردت العرش عليك أن تجهز الطريق له و تضع كل البيادق في مواقعهم..و استغرقه الأمر 17 سنة سيئة لينجح في خداع رجل مثل عمه..17 سنة ليجعله يرمش بعيدا عنه و يرخي دفاعاته..17 سنة و هو ينتظر الوقت الملائم ليدخل لحياة وولف ..

كلهم كانوا بيادق في لعبة الشطرنج خاصته و التي بدأها هو قبل سنوات..

استغرق الأمر لحظات من الصمت و عمه يحاول أن يستوعب كل ما يسمعه ..و فقط حين فعل نطق يستفسر لآخر مرة :

" لكن أنا لم أمنحك المعلومات الخاصة بموقع الآيفا الثانية ...."

هو لم يمنحه موقع الآيفا في بريطانيا حتى يضمن ألا تتسرب المعلومة كما تسربت لائحة عملاء الآيفا ...لكن شخص آخر منحها له...

" والدي فعل.."

جواب ديافول كان بنبرة باردة ميتة..

" فارسيا يستحيل أن يخبرك عن أسرار الآيفا هو لم يكن يثق بك..."

عمه محق في هذا...والده العاهر لم يكن يثق به و بالمقابل وثق في أخيه و تلك كانت النتيجة..موته مسموما كأنه جرذ لعين.. لكن ليفوز عليه أن يقنعه أن والده يثق به ..عليه أن يجعل الأفكار تغزو عقله و تتآكله من الشكوك حول كل شيء في ماضيه..

رغم أن ديافول حصل على معلوماته من مكتب والده والأغراض التي أخذها من هناك قبل إنفجار الآيفا إلا أنه سيلعب لعبته بشكل مختلف..

لذا همس له بجوابه كما لو يحرص ألا يسمعه غيره :

" لكنه فعل دون علمك...هو لم يثق بك أما أنا فأعلم أكثر مما تتوقع ..."

" هراء كلي..."

" حقا ؟..ما رأيك أن نتحدث عن والدتك إذن؟.."

فور أن قال جملته تحرك أخيل مجددا يقترب منه يحاول خنقه بغضب أكبر لكن ديافول منعه من لمسه هذه المرة يقوم بلوي ذراعه بقوة و قبل أن يستوعب عمه لكمه في كتفه قام بكسر رسغه له يدفعه ليصرخ ..

و ليزيد من ألمه انحنى و وسط صرخته همس بإسمها في أذنه :

" تاتيانا.."

صرخ عمه بقوة من ألم يده ومن سماع إسمها و لم يشعر ديافول يوما بالسعادة بقدر رؤيته لذلك ...عمه كان مختلا و قويا لا يُهزم أمام العالم لكن الزر الذي يكسر روحه هو إسم والدته وهو سيحرص على الضغط عليه ألف مرة..

لذا و بينما يلوي ذراع عمه نزع له قناعه يدفعه ليغطي وجهه سريعا بيده الأخرى كأنه يحترق لكشف بشاعة وجهه..

" لا بد و أنها كانت سعيدة بشق وجهك بشوكة طعام كل مرة تعصي أوامرها ..لهذا تكره إستخدام الشوكة في الأكل أليس كذلك ؟.."

كان هذا اخمينا منه بعدما عاش معه ل 17 سنة لكنه اتضح أنه تخمين صحيح لما أصدر عمه صوتا متألما آخر لكن ليس من يده هذه المرة بل من ذكريات روحه التي يشعر بها وهو يلمس جراح وجهه..

" أو ربما هي كانت منتشية دوما لدرجة كانت تعتقد وجهك ورقة لف الحشيش خاصتها..أخبرني هل كنت فتى مطيعا لتاتيانا ؟.."

الأصوات التي كان يصدرها عمه كانت لحيوان مجروح مرمي على قارعة الطريق..

فأفلته آزاريا بابتسامة باردة يراه ينحني أرضا على ركبتيه يخفي وجهه بأيديه حتى تلك المكسورة و هو يهمس كأنه يتحدث مع نفسه كالمجنون قبل أن يصرخ فيه ..

" اخرس..اخرس ديافول.."

صراخه الغاضب أصدر صدى في كامل المكان فابتعد عنه آزاريا مبتعدا عن الحافة كذلك و هو يتحدث متجاهلا صراخه ...

" أعتقد أن الحروق في وجهك كانت بسبب أنها كانت تعتبرك مطفأة رماد سجائرها أليس كذلك ؟ أو على الأغلب لم تكن إبنا جيدا عمي و تستحق العقاب ذاك.."

" اخرس...توقف..."

قالها عمه هذه المرة بنبرة همس و هو يتألم كأن هناك من يطعنه لذا انحنى ديافول على ركبته أمامه ليصل لطوله يراه منهارا أرضا بعد كل القوة و السلطة و الجبروت الذي عاش به ..

لأن الحقيقة أن داخل كل وحش نقطة ضعف أشبه بالبالون..لو ملأته بالهواء يتضخم و يبتلعه ..و عمه بالونه هو تاتيانا و الآن هو كان يملأها بالهواء و يراقب انهياره العصبي..

" لما تريدني أن أخرس؟ هذه الحقيقة..لهذا جدي لم يعترف بك..لهذا أمك تكرهك..لهذا أبي كان الأفضل ..لهذا أبي كان الأمير و أنت مجرد مشوه بقناع..."

" لا..."

صرخ بهذه الكلمة و هذه المرة حين صرخ بها بدت كأنها تخرج من أعماق روحه بينما يرفع رأسه و يده ليخنق ديافول مجددا ..وجهه كان مشوها جدا و أعينه حملت اختلالا كأنه غارق في عالم آخر و بعد آخر من الماضي..

" لا..لا...هو لم يكن الأفضل...لم يكن الأفضل..أنا فعلت كل شيء تريده هي..كل شيء...حتى أبي توسلته أن يمنحني لقبه أن يمنحني العائلة و أنني سأكون كل ما يريده...سأكون الأفضل..سأكون الأقوى..سأكون الإبن الأكبر الذي يستحقه...أنا ولدت أولا..أنا من كان يجب أن أكون الأمير..أنا من كان يجب أن آخذ كل شيء..فعلت كل شيء من أجلهما ...لكنهما لم ينظرا لي..لا أحد فعل...لم أستحق ذلك...لم أستحقه..."

صرخ عمه بهذا كالمخبول و هو ينهار كليا أعصابه على الحافة لدرجة أنه حتى قبضته على رقبة ديافول لم تكن قوية كأنه يلف فقط أصابعه هناك دون قوة في جسده...كأنه فتى صغير..

لكن آزاريا لم يتأثر و لم يهتز بل ظل يحدق به ببرود و بوجهه المشوه ذاك الذي زاد بشاعة مع تقدمه في السن..بالنسة لآزاريا هو لا يشفق عليه بتاتا..لأن كل ما فعله بعدها فعلها لدافع أناني..قتل الأط–فال..تدريبهم حتى الموت..قتل أخيه..المتاجرة بالب–شر..بناء الآيفا..تعذيب ديافول...كل شيء فعله لسبب واحد و هو أنه يريد السلطة و القوة...يريد أن يحصل على الشيء الذي حصل عليه والده و ليس لأن والده لم يعترف به..كل شيء فعله كان لنفسه ليرضي ذلك الجزء الضعيف المغرور داخله الذي يخبره أنه هو فقط من يستحق كل ذلك..الجزء داخله الذي يخبره أنه يمكنه أخذ ما ليس له و أنه يمكنه تعذيب أي شخص و تدمير أي شيء من أجل نفسه..

لهذا آزاريا لم يشفق عليه تماما كما لم يشفق على والده فارسيا..

لذا ضرب يده يبعدها عنه ينظر له بتقزز و هو يقف ..و لعل تلك النظرة منه و ضربة اليد جعلت عمه يخرج من عالمه الذي علق فيه ..لأنه رمش ينظر حوله للرجال الذين شهدوا انهياره ثم لابن أخيه كيف يقف شامخا بينما هو منحني أرضا يكاد يتوسله ألا ينطق إسم أمه و أن يصدقه أنه مظلوم..

استوعب أن شخصا قويا منه كان يحصل على نظرات تقزز و إستهزاء لذا سرعان ما تجمدت ملامحه وهو ينظر خلفه للبنايات حولهم و للمدينة أسفلهم ثم لنفسه مجددا ...

بعدها ضغط على يده بقوة قبل أن يستخدم السليمة منها ليقف ..هناك بيد مكسورة و كرامة ممسموحة و وجه مكشوف نظر لآزاريا بنظرة كره كبيرة..

رأى كيف أنه على عكسه آزاريا كان يقف بطوله و ملامح الأمراء خاصته محاط برجال تابعين له بعد أن دمر له كل شيء و أحرق كل ما خطط له لسنوات ليبنيه من جديد..عرشه الذي حلم طوال حياته في الحصول عليه و قتل أخيه من أجله..العرش الذي أعاد بنائه مرة أخرى فقط ليستطيع الجلوس عليه لكنه حرمه منه قبل يوم من أن يحصل عليه..قبل يوم من أن يحصل على حلم حياته..قبل يوم من أن يشعر بالسعادة و يمتلك العالم..

الآن فقط استوعب ما فعله له..لقد جعله يسعى لسنوات يطارد حلما فقط لينزعه منه وذلك أشبه بنزع روحك من جسدك..

" لقد بدأ العد التنازلي لموتك في اللحظة التي رفعت يدك علي لأول مرة..تتذكر ما أخبرتك به ؟..كل من يلمسني يموت.."

قال آزاريا هذا ببساطة و نبرته هادئة كأنه يسرد الحقائق..كأنه يذكره في أول يوم عرف فيه أنه عمه و صفعه..حينها قام بجرح يده له و إخباره بذلك ..حتى فارسيا أذى آزاريا و مات..و الآن لم يتبق سوى الشخص الذي أذاه أكثر من كل شيء في العالم..آخر شخص يحمل دمه في العالم..ليس و كأنه دم شريف يعتز به أصلا..

" من سيقتلني ؟ .."

منحه عمه ابتسامة باردة غير طبيعية و هو يقول ذلك و مع وجهه المشوه إبتسامته بدت مخيفة ..

لكنها سرعان ما سقطت فورا لما سمع صوتا ثالثا يقول :

" أنا .."

التفت الجميع لمصدر الصوت فجأة و فورا اتسعت أعين أخيل حين رأى من أتى..

كان يصعد السلالم التي تقود لموقع الهليكوبتر فوق سطح البناية و يتبعه رجال بالأسود ..الرياح بسبب الإرتفاع حركت خصلاته و دفعته ليرمي السيجارة التي كانت بين أيديه بعيدا ينفث آخر دخان له..

الدم يغطي جسده ..ملامحه ميتة كليا و قلادة فضية حول رقبته..الرجال خلفه كانوا مسلحين و هم يصعدون الدرج الذي قادهم لسطح البناية كأنهم جنود مدربين بأسلحتهم و الوضعيات التي أحاطوا بها المكان فورا يوجهون الفوهات في كل إتجاه ..

تجمد أخيل مكانه يحدق به بينما آزاريا نظر له من مكانه بملامح حافظ عليها باردة كليا و هو يراه يصوب أعينه الزرقاء على عمه المشوه و على القناع الذي يسقط أرضا قربه..

حينها علم شيئا واحدا...

أن أخيل كان محقا قبل سنوات لما أخبر والده في المكتب ليلتها..

' الفرق بينه و أي أحد آخر أنه يطفؤ مشاعره كليا حتى ينظف ساحته من أعدائه '

وهذه كانت الحقيقة ..لقد كان ينظر لملامح نايت الميتة و هو متأكد أنه أطفأ قلبه والآن هو لا يعترف بالمشاعر حتى يعترف بالإنتقام..

المشكلة كانت أنه أتى مبكرا..لقد ترك آزاريا إسوارته في المقهى لوولف حتى يعطله قليلا من الوصول له و يضيع له وقته في التتبع لكنه أتى مبكرا مما يعني أنه استخدم طريقة أخرى في معرفة موقعهم الآن..

قبل مدة  :


مارينا ملامحها كانت خاوية من الخارج و هي تسير على مهلها و صوت حذائها يحدث صدى في الأروقة البيضاء ..كانت ساهارا جانبها بملامح باردة و أربعة حراس بالاسود يرتدون السترة الواقية من الرصاص كأنهم جنود على وشك دخول الحرب...

بينما هي بأعينها العسلية كانت تنظر لكل تفصيل حولها تحاول إيجاد أي دليل ينفي اعتقادها لكن كل شيء كان يشير للآيفا..

الأروقة البيضاء و الغرف التي تحتوي جدارا زجاجيا ليظهر ما في الداخل من عتاد تدريبات أو قتال..رمز الآيفا في الجدران..الكاميرات و مستشعرات الحركة و الحرارة..البرد في الجو كأنهم يتعمدون جعل المكيف يحول المكان لجليد..العلامات السوداء في الأرض التي تفصل بين منطقة و أخرى..

لقد كانت تخزن كل شيء في رأسها ..عدد الكاميرات ..لفات الأروقة التي سارت فيها..عدد الحراس الذين كانت تمر عليهم و نوع أسلحتهم و بنيتهم..النقاط العمياء للكاميرات في الزوايا و الغرف التي أبوابها الإلكترونية مضاءة بالأخضر دليل على أنها مفتوحة بينما الأخرى بالأحمر مغلقة..

من الخارج تبدو وديعة و هي تضع يدها على بطنها و تسير ببطء شديد كأنها مترددة و ترفض الحديث بتاتا..و حقيقة أن ثيابها كانت باللون الوردي جعلت بعض الحراس يتجنبون حتى النظر لها كأنها غير مهمة أو كأنها أكثر شخص غير مؤذي في هذا المكان كونهم كانوا ينظرون لساهارا فقط..كما لو يعرفونها و رأوها وسط الحركة و القتال من قبل..

و مساعدة الدوق كانت تسير جانبها ترفض الحديث طوال الطريق لهنا ..شعرها الأبيض كان نفس اللون حولهم و مع الإضاءة و لون بشرتها بدت كأنها شبح فعلا ..

كانوا يأخذونها لمكان ما..المكان الذي ستُجري فيه الجراحة ..

الفكرة جعلتها تقبض على يدها بقوة و هي تمرر أعينها على الحراس الأربعة حولها مجددا..

وصلوا و أخيرا لباب غرفة لا جدران زجاجية فيها و ضغطت ساهارا على رمز حفظته مارينا فورا..

فُتح الباب و دخلت هي معها يتركون الحراس الأربعة خارجا ليغلقوا الباب عليهما..أول ما استقبل مارينا هو غرفة جراحية متقدمة بأحدث التكنولوجيا ..رائحة التعقيم كانت أول ما اخترقت حواسها رفقة رائحة المعدات و رأت طبيب النساء و الممرض هناك بالمآزر البيضاء و القفازات كيف التفتا لها دفعة واحدة كما لو كانا بانتظارها بينما يجهزان الأجهزة التي يحلمون بقتل ابنها بها..

تقدمت هي وساهارا وحدهما للداخل و سرعان ما وجدت مارينا نفسها تمرر أعينها على كل إنش في غرفة الجراحة هذه تحدد الأدوات التي تعتبر ممكنة للقتل و حين استقرت على واحدة و التي كانت الأقرب لها التفتت لساهارا بهدوء و هي تنزع سترتها الوردية خاصة شانيل كما لو أنها تستعد لارتداء ثياب المرضى و الجلوس على ذلك السرير لكنها تفاجئت بساهارا تمسك سترتها لها بينما تغطي جسدها بالمقابل حين اقتربت منها خطوة تقابلها وجها لوجه و نزعت قفازتها اليمنى ..

قبل أن تفتح مارينا فمها تسألها عما تفعله رفعت ساهارا يدها لها قليلا تريها باطن كفها و حين انجرفت أعينها لذلك تفاجئت كليا مما ترى..

كانت هناك كتابة في يد ساهارا ..كتابة تنص على :

' لا إجهاض..مثلي أنك مطيعة حتى يحين الوقت ..'

أعادت مارينا أعينها لساهارا فور قرائتها لذلك لكن مساعدة الدوق لم تتحدث و حافظت على ملامحها الباردة و هي تعيد ارتداء قفازاتها بسرعة بينما تأخذ سترة مارينا تضعها على طاولة جانبية ..كانت مارينا تراقبها دون حراك من مكانها تحاول استيعاب ما يجري فمنحتها الأخرى دليلا آخر لما أعادت بعض من خصلاتها التي تحيط وجهها وضعتهم خلف أذنها فانتبهت مارينا لسماعات أذن شفافة هناك...

و وقتها استوعبت الأمر و أخيرا..

ساهارا كانت تتلقى تعليمات في أذنها ..تعليمات معينة و أهمها أن تمنعهم من إجهاض مارينا..لهذا طلبت منها أن تنتظر..لكن تنتظر ماذا بالضبط ؟..

تساؤل مارينا لم يطل كثيرا لأن ساهارا نظرت لها لثوان قبل أن تنظر لزوايا الغرفة ثم لها مجددا ..حينها و بتمثيل متقن استدارت مارينا تمثل أنها تنظر للأطباء بينما تنزع خواتمها و مجوهراتها بينما هي نظرت للزوايا..

كانت هناك كاميرا تعمل و تتحرك في كل زاوية..

من العاهر الذي سيود رؤية إمرأة تقوم بعملية جراحية في المنطقة اسفلا ؟..هل هذا ما أخبرتها ساهارا أن تنتظره ؟..هل يعقل أنها تقصد تعطيل الكاميرا ؟..

ما الذي يحدث بحق الرب ؟..ما الذي تفعله ساهارا ؟ هل آزاريا على علم بهذا أم أنها تفعله خلف ظهره ؟..

هذا لم يكن ضمن الخطة ؟ مارينا كانت تريد قتلها و هي تريد مساعدتها ؟ أو ربما هذه لعبة أخرى من ألعاب الدوق ؟ لعبة يريد جرهم لها ؟..

لذا و لأنها يستحيل أن تترك سلامتها و سلامة ابنها في يد شخص آخر قررت ألا تثق بأحد بعد وبالتالي ذهبت لطاولة قريبة تحتوي على بعض المعدات الطبية و رمت مجوهراتها هناك تحت مراقبة الطبيب و الممرض لها لكن بعدها انحنت تمثل أنها تنزع حذائها فأبعدوا أعينهما عنها يتركانها لتغير ثيابها..

كانت تعطي ساهارا بالظهر و شعرها يسقط على حافة الطاولة ..و استغلت هي تلك الثوان لتراقب الكاميرا تعد الأنفاس واحدا بواحد حتى تستدير الكاميرا و فور فعلها لذلك وقفت هي و تلك هي اللحظات القليلة فقط هي كل ما امتلكته لتسرق إبرة من بين الإبر الكثيرة ثم أخفتها بين رسغها و ذراعها و سارت نحو السرير الجراحي حافية الأقدام بتنورة وردية و قميص أبيض ضيق و جلست عليه تدس الإبرة أسفلها ..

نظر لها الطبيب باستغراب من كونها لم تغير ثيابها لخاصة الجراحة لكن قبل أن تجيبه قالت له ساهارا بالإنجليزية :

" قبل أن تغير ثيابها لما لا تتفقد مؤشراتها الحيوية و ضغطها.."

أومأ الطبيب يجيبها برسمية :

" كنا سنفعل ذلك..لكن لا مانع من تقديمه أجل.."

لهجته كانت بريطانية و ليست أمريكية ..و بينما ذهب هو ليجهز معدات قياس ضغط دمها و نبضها نظرت هي بأعينها الخاوية لساهارا لتجدها تحدق بها بطريقة غريبة تتفحصها .. و النظرات التي مرت بينهما وقتها كانت صامتة كأن لا هي و لا الأخرى تتجرأ لقول ما تفكر به أو ما تخطط له..

بدأ الممرض يقيس لها ضغط دمها بينما هي ظلت تحدق بمساعدة الدوق التي باتت تنظر للكاميرا الآن وتضم يديها لصدرها قرب الباب كأنها حارسة لكن مارينا ركزت مع طرقها لأصابعها على ذراعها كأنها تعد الثواني..

سبع طرقات..ثمانية..تسعة..الممرض كان يقيس ضغطها و تحدث مع الطبيب يخبره بالنتيجة بينما هي تركز مع الأخرى..

12 طرقة..13..ثم هناك في الطرقة التالية لاصابعها فرقت ساهارا شفاهها و أومأت برأسها بخفة قبل أن تعيد أعينها لمارينا و تتمتم لها بشفاهها قائلة ' الآن '..

وفور تمتمتها بذلك نظرت مارينا للكاميرا لتجدها توقفت في الزاوية الأخرى للجدار و هي مطفأة فعلمت أنها إشارتها..الطبيب كان يعقم ايديه مجددا هو يرتدي قفازات جديدة في الزاوية لذا دون أن ترمش و دون أي تردد مدت يدها للإبرة أسفلها تسحبها لتملأها بالهواء قبل أن تمد أقدامها للممرض تلفهم حول جذعه تسحبه لها بقوة و قبل أن يصدر صوت تفاجئ كانت هي أسرع منه لما وضعت يدها على فمه لكتم صوته و غرست الإبرة في عنقه..

هناك سبب لأن من يريد حقن شخص بدواء يتأكد من إفراغ الإبرة من الهواء لأن الهواء في الدم و الأوعية يقتل و يوقف عمل الأعضاء و القلب..و حين يكون في مكان قريب من الدماغ و الشريان كالرقبة يصبح قاتلا أكثر..

لذا راقبت كيف شحبت ملامح الممرض و أخذ نفسا كأن روحه تخرج من جسده و استغلت هي لحظة ضعفه تلك لتنحني للخلف و ببرود تأخذ مشرطا من الطاولة التي جهزوها لقتل إبنها و نحرت عنقه دون أن ترمش قبل أن تدفعه ليسقط على السرير وهو ما جذب انتباه الطبيب يلتفت لها..

اتسعت أعينه فور رؤيته للممرض مرمي على السرير و الدم يتطاير من رقبته يلون الأغطية البيضاء لذا قبل أن يستوعب و يصرخ للحراس أو يضغط على الإنذار كانت هي قد نزلت من السرير ببرود تقترب منه بسرعة و بيدها المشرط حينها فقط فتح فمه ليصرخ للحراس لكنها ركلته تتسبب في ارتطامه بالطاولة خلفه فانحنت نحوه و بنفس السرعة و الدقة ايضا نحرت عنقه كأنها ترسم خطا على الورقة..المشرط كان حادا جدا و قطعه للبشرة كان دقيقا..

أفلتت الطبيب من كتفه أيضا ليسقط أرضا و ببرود رأت دمه يسيل يلوث الأرضية و يصل حتى لأقدامها الحافية ..حينها فقط و على ملمس الدم في أصابع قدمها رفعت أعينها تنقلهم لساهارا التي كانت تراقب كل ذلك بملامح باردة و هي تضم يديها لصدرها ..بل تجرأت و نظرت لساعتها كما لو تتأكد من عدد الثواني التي استغرقت مارينا لقلتهما بمشرط و إبرة..

لا زالت ستفاجئها ..

تحركت مارينا تقترب منها بنفس المشرط بين يديها ..قميصها الأبيض حمل بعض قطرات الدم مثل وجنتيها لكن طريقة تقدمها من ساهارا كانت محسوبة دقيقة و تحمل شيئا من الموت..

لذا حين وصلت عندها تقف أمامها كانت ساهارا لا تزال لم تتحرك من وضعيتها و هي تضم يديها لصدرها كأن رؤية مارينا و المشرط لم تخفها بتاتا..كأنها لا تشعر أصلا..لذا لم تمانع من التحدث أولا :

" هل ستقتلين الشخص الذي سيُخرجك من هنا ؟.."

قالتها ببرود لكن شيء في أعينها كان يحمل ثقة بأن مارينا لن تؤذيها كونها الوحيدة التي ستُخرجها من الآيفا..و جواب مارينا كان أنها حملت المشرط لتطعنها به لعنقها لكن هذه المرة ساهارا منعتها تمسكها من رسغها بقوة كما لو توقعت ذلك :

" المرة الماضية فاجئتِني.."

تقصد أن المرة الماضية تمكنت مارينا من طعنها فقط لأنها أخذتها على حين غرة و لكن هذه المرة لن تستطيع طعنها على غفلة..

و من غير الطبيعي فعل ذلك لكن مارينا لما سمعتها تتفوه بهذا منحتها إبتسامة جانبية باردة و حتى و الأخرى تمسك لها رسغها تمنعها من تحريكه همست لها ببرود :

" ما رأيك أن أفاجئك مجددا ؟.."

قبل أن ترمش ساهارا أو تستوعب كانت مارينا قد رمت المشرط من يدها المقيدة للأخرى الفارغة بمهارة ثم و بسرعة كبيرة طعنت ساهارا في يدها التي تجرأت و وضعتها على رسغها ..و ليس فقط طعنة عادية بل شقت لها رسغها ولأنه مكان حساس الدم الذي سال منه كان سريعا و بتدفق قوي..قبل أن تركلها من قدمها تتسبب في انحنائها أمامها..

و لأن ساهارا لم تكن تشعر فإن وقوعها أرضا لم يكن بسبب الألم بل بسبب الدم الذي كان يسيل بسرعة من يدها كونها ضربتها في منطقة حساسة وهو ما يسبب دوخة مفاجئة ..و مجددا رأت مارينا الدم يكتسح الأرضية البيضاء..و ببرود مسحت المشرط في تنورتها الوردية و هي تبتعد عن ساهارا تسير حافية ببطء تتجول في غرفة العمليات الجراحية..

أجل.. تتجول فيها..

في تلك اللحظة رفعت ساهارا رأسها من وقوعها أرضا على ركبتيها و هي تشد على رسغها تحاول إيقاف الدم و إلا ستموت في فترة قصيرة بسبب النزيف الحاد..ملامحها كانت باردة لكن أعينها كانت تراقب مارينا و لأول مرة كانت تستشعر حقا أن هذه المرأة مختلة..لقد كانت تسير في الغرفة الجراحية تتفقد ألاجهزة و تتلمس كل شيء بأصابعها بلطف كأنها في محل تسوق في ميلانو تلمس الفساتين التي ستشتريها ..

كانت مغطاة بالدم و مشرط في يدها الملوثة و حتى أقدامها كانت مع كل خطوة تترك آثارا ..لكن هي ماذا فعلت ؟..وجدت قارورة مياه معدنية ففتحتها تحتسي منها كأنها في مطبخ منزلها..

ساهارا كانت منصدمة لأنه من المستحيل أن تكون هذه نفس الاميرة اللطيفة التي وقع جلالته في حبها..هو لا يعرف حتى أنها قاتلة و لا تستطيع تخيل ردة فعله لو علم ..

" قفي من مكانك..لا أملك الكثير من الوقت ..."

صوت مارينا البارد و هي تقول هذا بينما تغلق قارورة المياه تعيدها لمكانها جعل ساهارا تقف مكانها وهي تضغط على جرحها ..

تبا..هي غير طبيعية..

لذا سارعت تقترب من الأدوات الجراحية تبحث عن ضمادة و سارعت تلفها حول رسغها عدة مرات بقوة تمنع الجرح من النزيف أكثر حين لفت الضمادة بشريط لاصق فضي و ضغطت عليه كليا تحمي نفسها من الموت لكن حتما ليس من الإلتهاب..لكنها لا تشعر لهذا بالنسبة لها هذا لم يكن مهما..

رمشت عدة مرات تقاوم الدوخة و هي تستند على طاولة المعدات بينما تقطع الشريط اللاصق ترميه أرضا و حين أنهت و استدارت انصدمت من وجود مارينا خلفها مباشرة و لسبب ما ارتفعت ضربات قلبها حين رأتها بتلك الملامح الباردة تميل برأسها لها و هي قريبة منها جدا لدرجة كانت قادرة على الشعور بأنفاسها ..

" ما رأيك أن نبقي الأمر بيننا حتى لا نزعج الفتيان خارجا.."

قالتها مارينا بهدوء و همس كأنها الوحش في هذا المكان و لسبب ما همسها كان مريبا أكثر مما لو قالتها بنبرة عادية..و قد فهمت ساهارا ما تقصده..أن تجعلا قتالهما هادئا حتى لا يدخل الحراس لو سمعوا الضجيج ..

لذا بنفس الهمس و البرود ردت عليها ساهارا :

" أنتِ مختلة.."

" أخبريني شيئا لا أعرفه.."

و ما أنهت قول هذا حتى ضربت ساهارا لفكها ثم سحبتها من شعرها و بحركة معينة ضغطت على منطقة في كتفها و خلف ركبتها تدفعها لتجثوا أمامها و قبل أن تتصدى لها ضحكت مارينا بخفة ضحكة تبدو لطيفة لمن يراها من بعيد لكن من يسمعها من قريب سيعرف أنها ضحكة مختلة خالية من الرحمة خصوصا حين تمتمت بنفس الهمس :

" أوه..نسيت أنك لا تشعرين بالألم .."

حين قالت هذا بدا و كأنها تستمتع رغم أن نبرتها بدت خاوية و بعيدة كل البعد عن الإستمتاع..لكن لعل فكرة أن ساهارا لا تشعر بالألم و لا تؤثر عليها الكثير من الحركات القتالية جعلتها تستوعب أن الطريقة الوحيدة لإضعافها هي بجعلها تنزف ...لذا أفلتتها و هي تتنهد بينما ترمي المشرط بعيدا كأنها أميرة مدللة لم يعجبها ما اشترته و ذهبت لتبحث عن غيره و بينما وقفت ساهارا من مكانها تحاول ألا تستخدم يدها المجروحة كي لا تنزف أكثر رأت مارينا تقف أمام أدوات الجراحة و تتمعن بهم كأن أصعب اختيار في حياتها هو هذا..أي أداة ستطعن بها ساهارا..

" هل يعلم أنكِ وحش ؟.."

حين سألت ساهارا هذا وهي تبعد خصلات وجهها من شعرها التي تحررت من المشبك لم تتفاجئ لما نظرت لها مارينا من مكانها ببرود في ملامحها التي تحمل جمال أميرة ..نظرت لها كأنها قادرة على قتلها في ثوان لكنها تماطل..كأن حياة ساهارا متعلقة بمزاجها..

بعدها رأتها مساعدة الدوق كيف حملت أداة حادة جديدة تبدو قادرة على قطع أماكن أكبر من المشرط الصغير السابق ثم أجابتها و هي تقلبه بين أصابعها بمهارة :

" هل يعلم أنكِ على وشك فقد يدِ لك..؟.."

سألتها إن كان وولف يعلم أنها وحش فأجابتها هل يعلم آزارايا أنني سأتسبب في خسارتك ليدك ..

و كرد استقامت ساهارا تستعد لقتال معها ..إمرأة ضد إمرأة..

وذلك ما حدث..مارينا قاتلتها لكن بسبب حملها فحركاتها كانت مقتصرة على أمور أقل من حيث الجهد العضلي و أكثر من حيث الجهد العقلي لأنه كان عليها أن تقاتل بعقلها و تختار مناطق الطعن بدقة..ساهارا كانت تملك إمتياز أنها لا تشعر و بالتالي نصف الضربات لا تؤثر فيها إلا إن كانت موجهة لعضلة ما تتأثر بالتقلص..

لذا قتالهما كان صامتا و سريعا لكن كان هناك فرق مستوى كبير بينهما فمارينا كانت قادرة على إيذاء ساهارا أكثر مما تمكنت ساهارا من لمسها أصلا..ليس لأنها خارقة القوى بل فقط لأنها يوكونيري و هذا شيء لا تعرفه ساهارا..و من يعرف اليوكونيري في العالم السفلي يعرف أنهم ليسوا مقاتلين ستتحداهم و تفوز بسهولة ..

لهذا بعد ثماني دقائق من القتال بينهما و الذي تسبب في أن ساهارا نجحت في دفع مارينا لترتطم بالسرير قامت الأميرة الروسية بسحبها وقتها بإبتسامة باردة و رمتها فوق سرير الجراحة و وضعت ركبتها أسفل ظهرها لتثبيتها قبل أن تسدد لها الطعنة التاسعة لنقطة معينة في ساعدها و هي تمسكها من اسفل فكها تكشف رقبتها كأنها أضحية لكنها لم تقترب من ذلك المكان بتاتا..بل المفاجئ أنها بعد تلك الطعنة الأخيرة أفلتتها كليا ترمي الأداة الحادة أرضا و هي تمسح الدم في أيديها على تنورتها بينما ترمي شعرها للخلف كشخص أنهى التنطيف توا و اتجهت للدرج تحمل حقنة أخرى جديدة هذه المرة و تملأها بمحلول معين ..

وقفت ساهارا مكانها و الدم ينزف من عدة أماكن في جسدها و بالأخص على أيديها لسبب ما بل فقط في أيديها..هي لم تطعنها في أعضائها أو اقدامها أو أي مكان سيقتلها..ملامحها كانت باردة ليس و كأن شعرها مبعثر و ملطخة بالدم و هناك كدمات على فكها و شفاهها..

رأت أن مارينا تعطيها بظهرها و تلك فرصتها لذا نظرت للاداة الحادة أرضا و انحنت لتلتقطها لكنها لم تستطع تحريك يدها..اتسعت أعين ساهارا تفاجئا حين انحنت و لم تستطع تحريك لا يدها و لا اصابعها..

نبض قلبها سريعا عند شعورها بذلك و لما شعرت بمارينا تتحرك تقترب منها سارعت تقف تقابلها تحاول إخفاء حقيقة أنها لا تستطيع تحريك يدها و تعترف بنقطة ضعف لها..

لكن مارينا قالت ببرود و هي تقترب منها بينما تخرج الهواء من الإبرة و تضربها بإصبعها عدة مرات تتأكد من خلوها من الهواء :

" تسع طعنات في الأوتار من جانبي كفك لساعدك..الأوتار الرقمية الإستقامية..الأوتار السطحية للعضلة الإنثنائية..الأوتار الطويلة للإبهام..الأوتار لسبابة الإستقامية....طعنات لطيفة طبيعية كالمعتاد في جعل شخص يفقد وظيفة يده.."

قالتها بنبرة خالية من المشاعر كأنها طبيبة تملي عليها الأوتار و المصطلحات العلمية للأماكن التي طعنتها فيهم طوال القتال لتتسبب لها في هذا الضرر بحيث تعجز عن تحريك أيديها..

و لأن مارينا كانت تقترب منها ملطخة بالدم و تحمل إبرة في يدها بدت كطبيبة مجنونة على وشك القيام باختبارات خطيرة على إنسان بريء..و لأول مرة في حياة ساهارا تشعر بالخوف من إمرأة..نظرة أعينها كانت ميتة كأن مشاعرها مطفئة و ما يعمل هو فقط عقلها ..عقلها الذي لا يملك شيئا إسمه الشفقة أو اللطف..

طوال قتالها معها كانت تتساءل لما كانت تقاتلها بتلك الطريقة الغريبة ..لم تكن تلكم أو تركل كالملاكمين أو كأي قتال طبيعي تعرفه ..لا تضرب سوى أماكن محددا و بهدوء كأنها لا تبدل أي جهد..حتى أنها لم تكن تحرك جسدها كثيرا..هي لم تتعلم القتال بل درسته ..هي لا تبدو متعبة أصلا كأن هذا لعب أطفال عندها بينما ساهارا لا تشعر بأيديها و هي متأكدة أنها لو كانت تستطيع الشعور بالألم لكانت تصرخ أرضا الآن نظرا للطعنات في جسدها و الضربات التي تلقتها في وجهها و عضلاتها و قفصها الصدري..

عادت مساعدة الدوق خطوات للخلف لأنها غير قادرة على إستخدام يد بينما الأخرى كانت تنزف من طعنة الرسغ الأولى و بالتالي حاولت رفعها و استخدامها في حمل أقرب صينية لها و رميها على مارينا..

تفادتها مارينا بطريقة تكاد تشبه الملل كما لو تود إنهاء هذا سريعا ...

لذا حين حاولت ساهارا الفرار أبعدت الاميرة الروسية الإبرة تضعها خلف ظهرها كي لا تكسرها ثم بيد واحدة لفت يدها على عنق ساهارا تسحبها منها حتى التصقت بها و لم تمنحها فرصة التفاعل لأنها غرست الإبرة في ذراعها و لكن ساهارا لكونها لا تشعر حاولت الإفلات من قبضتها و هي تسألها ببرود :

" ما الذي دخل دمي الآن؟.."

بنفس البرود همست لها مارينا :

" مخدر ..و لأنك لا تشعرين فعلى الأغلب مفعوله لن يدوم طويلا لكنه وقت يكفيني.."

فور إنهائها لحديثها سحبت الإبرة الفارغة ترميها أرضا و تدفع ساهارا على السرير بينما تلتف حولها على السرير قائلة بنفس النبرة الميتة :

" لا تقلقي..المرة القادمة لن أفاجئك هكذا.."

قالتها ببرود تسخر من حجة ساهارا السابقة..

" لماذا ؟.."

" لأنه لن تكون هناك مرة قادمة..."

رمشت ساهارا عدة مرات بسبب الدوخة التي تصيبها من فقدان الدم و من المخدر في جسمها لكنها استطاعت أن تنطق بتثاقل :

" أنتِ لا تعرفين الحقيقة حتى .."

توقفت مارينا عما تفعله والذي كان محاولة ربط ساهارا في السرير بالأربطة التي كانوا سيستخدمونها عليها أثناء الجراحة..

" حقا ؟ لما تعتقدين أنني أتركك حية إذن؟.."

مارينا لم تنكر و جوابها فاجئ ساهارا قليلا..كانت تقصد أن سبب عدم قتلها لها فورا كان أنها ليست متأكدة من الحقيقة بعد ..لهذا هي تتركها حية ..حتى تذهب و تكتشف الحقيقة..

حاولت ساهارا أن تشرح لها أن الدوق بريء و أن الخطة كانت إخراجها من هنا لكن حين فتحت فمها لم تستطع بسبب المخدر و أعينها التي بدأت تنغلق رغما عنها..

" جلالته..هو..جلالت....لم..هو طلب مني أن أظل معك حتى...حتى...هو.."

لم تكمل ساهارا همسها الخافت جدا لأن أعينها أغمضت كليا و قبل أن يقع جسدها أمسكتها مارينا من رأسها تعدل جسدها على السرير لتستلقي كليا..

المخدر منعها من الحديث لكن مارينا سمعت همسها الأخير و رغم أنه سبب لا يشفع له عندها و لا يكفي لتغفر لآزاريا ما فعله و لا قتله لألكانتارا إلا أن حقيقة أنه أرسل ساهارا لتخرجها من هنا كانت تدل على شيئين..أنه لا يريد إدخالها في حربه مع وولف كما وعدها منذ البداية..و الثاني كان أن شخصا آخر فعل..أي أن آزاريا يلعب مع طرف ثالث في القصة..و إلا لم يكن ليرسلها للآيفا إن كان ينوي جعل ساهارا تقوم بتهريبها ..

هناك حلقة ناقصة..حلقة لم تكتشفها بعد..

لذا نظرت لساهارا المغمى عليها ثم للباب المغلق أين ينتظرها الكثير من الحراس لقتلهم وحينها فقط أسقطت قناع البرود و وضعت يدها على بطنها تنكمش ملامحها بألم قليلا..وأخذت انفاسا بطيئة لتستطيع التخفيف من شعورها بالألم..لا تعرف ما تشعر به بالضبط هل سببه التعب .. القلق .. التوتر والإجهاد الذي تقوم به أم فقط كل شيء مع بعض ..

لذا انحنت تستند بمرفقيها على أقرب طاولة لها تنظر لأيديها التي لم تكن ملطخة فقط بالدم بل مجروحة حتى أنها شعرت بألم في كتفها و جرح في فكها سرعان ما مدت يدها لتمسح الدم منه..

ساهارا لم تكن سيئة في القتال لكنها ليست الأفضل و لا أحد يتوقعها أن تكون..

أصدرت مارينا صوتا آخر خافتا يدل على تألمها و الإنقباض الذي تشعر به في بطنها..حملها لم يكن ظاهرا كثيرا لكنها دون سترة الآن و هذا يظهر بطنها..لهذا توجهت لسترتها الوردية خاصة شانيل ترتديها و تغلقها لتخفي الأمر حتى لا تجذب الإنتباه لها و يتم استغلالها ضدها..

لقد كانت متعبة و هي لا تصدق حتى أنها تقول هذا...قبل حملها كانت تستطيع القتال لفترة طويلة لكنها الآن قاتلت لدقائق و تشعر أن جسدها مدمر..

لكنها لا تملك الوقت ..لا تملك الوقت للتألم و لا لاستيعاب مشاعرها من ألم أو خوف أو حزن..لذا ابتلعت ريقها تأخذ آخر نفس بطيء قبل أن تستقيم و تعيد ارتداء قناع الروي..

الدم على جسدها و ثيابها و وجهها و أيديها كان يساعد مظهرها في أنها تبدو كإمرأة لن تتردد في شقك نصفين ...

مع ساهارا هي كانت حذرة..لأن هذه الفتاة كانت لا تشعر و بالتالي لا شيء يضعفها بسهولة بالإضافة لأنها لم ترد قتلها..أما الآن فستجد حراسا خارجا مدربين أفضل بكثير و مسلحين و أطول منها و أضخم منها بنية..لأنها حامل فهي لا تستطيع المخاطرة بابنها و القيام بالكثير من الحركات و بالتالي على عملها أن يكون سريعا و عليها أن تستخدم السلاح و ليس أيديها فقط..

لذا فتشت ساهارا تبحث عن أي شيء تحمله معها و لم تجد سوى سكينا عند حذائها ..لم تحمل معها اي أوراق أو أي أدلة ..كل جيوبها خاوية سوى من السماعات التي ترتديها..لذا فعلت المتوقع منها و نزعت السماعات و الجهاز الذي تدسه داخلها و ارتدته..ثبتت الجهاز داخل صدريتها أسفل قميصها الأبيض و أدخلت السماعات الشفافة في الأذن اليسرى كونها كانت ترتدي سماعاتها في اليمنى ..

أمسكت السكين في يدها تغلق كفها عليه بقوة و اقتربت من الباب تمر فوق جثة الطبيب و الممرض و تدعس على الدم الذي جعل أقدامها تترك آثارا حمراء..سماعتها كانت مطفئة و لم تشعلها بعد حتى لا ينتبه أحد لها و حتى لا تحدث تشوشات موجات صوتية لو مرت بأجهزة ما في الآيفا..لهذا أطفأتها في السيارة حتى لا يعرفوا بوجودها و يقوموا بنزعها..

لكن خاصة ساهارا في الأذن الأخرى كانت شغالة لكن من جهة واحدة..يعني أنها تستطيع سماعهم لكنهم لا يستطيعون سماعها..وما كان يصل لأذنها هو مجرد تحديثات عن الكاميرات..كان هناك صوت رجل يخبرها بصوت هادئ أن الكاميرات كلها مخترقة الآن و أن ما سيرونه سيعرض عليهم الأروقة كما كانت حين دخلت هي و المريضة لغرفة الجراحة ..

المريضة يقصد مارينا..اللطف في اللغة..

ركزت مارينا ايضا مع تحديثات الحراسة و هو يخبرها أن هناك 52 رجلا في هذا الطابق و هو ما جعل مارينا تتنهد كأنها لا تملك وقتا لهذا ..

واصل الصوت في السماعة يمنحها تحديثات حول تموضع أولئك الرجال و للأسف هي لا تستطيع التحدث و طرح أسئلة عليه لأنه سيعرف أنها ليست ساهارا لذا اكتفت بالسماع فقط و محاولة فهم ما يقصده بالوضعيات تلك لأنه من طريقة حديثه يبدو كأنه هو و ساهارا يعرفان كل مداخل و مخارج الآيفا و اسماء أروقتها..

وقفت أمام القفل الإلكتروني تضع أصابعها عليه و أدخلت الرقم السري الذي حفظته سابقا و رفعت رأسها تعدل وقفتها تستعد كليا لما هو قادم ..

انفتح الباب و أول حارس عند الباب التفت لها يمرر أعينه عليها و في اللحظة التي وجد الدم عليها و الجثث في الغرفة خلفها تحرك يرفع سلاحه لكنها طعنته في رقبته و لكونه يرتدي سترة و الخوذة فهي لكمت الخنجر لتتأكد من أنه انغرس و فقط حينها وبسرعة أخذت سلاحه منه تلقمه تجب انتباه البقية و قبل أن يرفعوا أسلحتهم بدأت تطلق هي الرصاص ..

.....

بعد مدة كانت مارينا تمسك خزان رصاص بين أسنانها فقط لأن أيديها كانت مشغولة بنزع الآخر من السلاح بسرعة قبل أن تركب الجديد و هي تختبأ خلف الجدار تسمع الرصاص يطلق ناحيتها يرتطم بالجدران عند رأسها يسبب طنينا في أذنها..

ملامحها كانت باردة ميتة..كان هناك عرق يتصبب من جبينها بسبب النشاط و الإرهاق و خصلاتها تلتصق بوجنتها ..أنفاسها سريعة و قد أغمضت أعينها لثوان تحاول التنفس ببطء و تثبيت يدها ..

أصابعها كانت تنزلق بسبب الدم في يديها على الزناد لذا مسحتها مجددا في ثيابها قبل أن تمسك السلاح الرشاش بالطريقة الصائبة تغير اليد التي تستخدمها لتريح الأخرى قبل أن تعد الرصاص الذي كان يتم إطلاقه صوبها..

خزان الرشاش كان فيه عدد معين من الرصاص و هم يطلقون عليها دون توقف لذا هي تعد الثوان التي سينفذ منهم الرصاص و في تلك اللحظات التي سيقومون فيها بتغيير الخزان ستهجم..

لذا أسندت رأسها على الجدار و بأعينها العسلية الميتة حدقت بالجدار الأبيض مقابلها بشرود تعد داخلها..

ثانية ثانيتين..خمسة حتى حل صمت لحظات صغيرة فقط و تلك كانت إشارتها لتخرج فورا من خلف الجدار بأقدامها الحافية كأنها معتادة على الحروب في الأماكن المحاصرة و بحركات سريعة اقتربت من مكان اختبائهما..

في الثانية الرابعة أطل الرجلين للتصويب لكنها سبقتهما ترفع السلاح ببرود و أطلقت عليهما أولا ترى سقوطهما الفوري..

حينها فقط نزعت الرشاش خاصتها ترميه أرضا و تحمل خاصتهما الجديد..واحد ارتدته كأنها ترتدي حقيبة برادا بعناية و على مهل و الآخر قلبته بين أيديها تتفحصه و هي هناك تقف وسط الأروقة البيضاء التي كانت ملطخة بالدم كل مرة تدخل هي منطقة..

أثناء تفقدها للرشاش اشتعل صوت الإنذار فجأة و تغيرت الإضاءة في المكان من الأبيض الناصع الذي يعمي الأعين للأحمر المنخفض كأنها في منطقة خطر ..

تنهدت هي بخفة تسير ببطء في الأروقة برشاشين و تمتمت بينما تنظر للإضاءة الحمراء :

" لوني المفضل.."

و للأسف هي كانت تعرف أن هذا سيحدث..أحد الرجال الذين قتلتهم دون شك تواصل مع باقي الرجال في الطابق ..ما كان يثير ريبتها هو السماعات التي سرقتها من ساهارا..لقد توقفت عن سماع أي شيء منها منذ دقائق مما يعني أنه أيا كان من يراقب بالكاميرات و يمنح التعليمات لساهارا لتخرج رأى كل ما جرى..

لذا وضعت يدها على السماعة تلك و تحدثت لأول مرة ببرود توجه كلامها للرجل الغريب :

" آمل أنك كنت تحسب عددهم.."

عدد من قتلتهم..هذا ما قصدته..و لعلها فاجئته لأنه أخذ لحظات قبل أن يجيبها بنبرة خافتة :

"32.."

" أحسنت.."

قالتها ببرود و هي تختبأ خلف جدار آخر لما سمعت صوت ركض أقدام قادم ناحيتها ..

" من أنتِ.."

همس الرجل في أذنها و جوابها أتى فورا بخفوت و هي تضع يدها على الزناد تستعد للإطلاق :

" تشعر بالفضول ؟.."

" أين هي ساهارا ؟.."

فور سؤاله هذا شعرت بأن الأصوات صارت قريبة منها جدا تكاد تصل لمكانها لذا قررت مفاجئتهم لما انخفضت على ركبتها و خرجت لهم من خلف الجدار تطلق الرصاص بشكل سريع تصيب الخمسة جميعا ..كانوا يرتدون سترات واقية لذا الرصاص كان يؤلمهم و يعرقلهم مما يمنحها الفرصة لتصوب على أدمغتهم أو أعناقهم..

و فقط حين تأكدت من موتهم وقفت تبعد خصلاتها عن وجهها تجيبه و أخيرا :

" حية..."

فتح فمه ليقول شيئا ما لكنها سرعان ما قاطعته ببرود :

" أعتذر على مقاطعتك لكن سأودعك..أنا مشغولة قليلا.."

هكذا ببرود قالتها و بكلمات محترمة ثم فورا أطفأت السماعات تنزعها و ترمي الجهاز أرضا وحين أرادت أن تطلق عليه رصاصتين تحطمه توقفت تتركه لعلهم يحتاجونه في تعقب الرجل الذي تحدثت معه الآن لتتخلص منه بسبب ما رآها تفعله..وحينها فقط قررت التواصل مع نيكولاي و أخيرا..

لا بد و أنه هنا بالفعل..تعلم أنه سيخترق أنظمة الآيفا و الكاميرات و ينظف كل ما حدث عليه لهذا عليه أن يكون قرب المكان ..

لذا سارت في الأروقة المنارة بضوء أحمر قاتم جعلها تبدو كالوحش بملامحها الخاوية و الأسلحة عليها و الدم مع أقدامها الحافية التي جف الدم فيها ..أي كان من سيراها سيؤمن حقا بأن الجميلة قد تكون هي الوحش..

وقفت مارينا أمام باب إلكتروني و ضغطت على نفس الرمز الذي رأت ساهارا تدخله قبلا في غرفة الجراحة ففُتح لها ينير بالأخضر و دفعته لتجده مصعد يقود للأسفل و هذا الطابق فقط.. لكنها رفضت أن تدخل لأنها لا تعرف ما يوجد أسفلا و من ستجد لذا أعادت غلقه تنظر حولها تحاول اختيار اتجاه تسير فيه ..كانت هناك ثلاثة أروقة تقابلها و هي قررت أن تتخذ الأيسر ..

لا زال لها 15 رجلا لتتخلص منهم و لا بد و أنهم مع الإنذار جميعهم متجهين هنا ..لذ قررت جلبهم لها و إنهاء الأمر بنفسها ..

و بالتالي مرت بسرعة في الأروقة و هي على عجلة من أمرها لتجد غرفة أسلحة و تدريب كونها مرت بالكثير ..وكلهم مزودين بجدران زجاجية يمكنك النظر منهم ..

استغرقها الأمر أقل من دقيقة لترى غرفة تدريب و أسلحة هناك و ركضت لها تفتحها بنفس الرمز ..دقائق أخرى و هي تبحث بين الأسلحة عما تحتاجه و حين فرغت توجهت لقاعة كبرى أخرى فدخلتها..

بدت القاعة كبيرة جدا و جدرانها مزودة بشاشات في كل مكان و مكبرات صوت كأن هذا المكان هو الوحيد الذي يكون كبيرا بهذا الحجم ليحمل كل الأعضاء دفعة واحدة ..ربما هذه قاعة الإعلانات أو بهو التجمع..

لا تعلم ما الذي يمكن أن يكون قد حدث في هذه القاعة قبل سنوات لأنها خاوية و صامتة بشكل مرعب كأنها مهجورة ..لو لم تكن نظيفة تلمع لاقتنعت بذلك حقا..

لذا أبعدت أعينها عن تحديقها بالمكان و انتبهت أن الباب على وشك أن يغلق فأطلقت رصاصا على قفله الإلكتروني لتعطله و يظل مفتوحا ثم أخذت قنبلة يدوية تنزع قفلها المسماري بأسنانها و رمتها بعيدا في الرواق و بقوة حتى تبعدها عنها ثم عادت تدخل القاعة الشاسعة بحجم ملعبين للتنس مفروشة كليا ببساط مرن..لكنها لم تهتم بتفحص الغرفة بقدر تركيزها على مهمتها لأنها شعرت باهتزاز قوي في المكان فور انفجار القنبلة مما تسبب في حدوث طنين في سماعاتها جعلها تمسك أذنها و هي تركض تصعد السلالم التي تقود لمنطقة مرتفعة في الأعلى خمنت أنها تخص المدربين أين يراقبون إنجازات الأعضاء ...

صعدت السلالم تتمركز هناك كقناصة و سحب قنبلة أخرى لكن هذه المرة قنبلة دخانية مسيلة للدموع أمسكتها و ظلت تنتظر اللحظة الملائمة لرميها ..تنتظر سماع اقتراب الرجال من المكان..القنبلة التي رمتها كانت إعلانا عن موقعها و طريقتها في إستدعائهم لها..تريد جمعهم جميعا هنا و التخلص منهم دفعة واحدة..

لذا نزعت الرشاش الملتف حولها تضعه أرضا بينما تنحني على ركبتها تضع كل ما تحمله من عتاد بالترتيب أمامها..رشاشين..قنبلتين يدويتين..واحدة مسيلة للدموع و ثلاث خزانات رصاص ..

وضعتهم تفرشهم أمامهم كمن يبسط فُرش رسمه يستعد لرسم لوحة..

و فقط حينها ضغطت على سماعاتها تقوم بتشغيلهم تتحدث فورا ببرود :

" نيكولاي ..هل أنت في موقعك ؟.."

سألته السؤال و مدت يدها لتحمل الرشاش الذي لم تستخدمه قبلا كونه لم يتلطخ بعد بالدم في أيديها لكن قبل أن تلمسه سمعت صوتا في أذنها جعلها تتجمد :

" مارينا.."

توقف قلبها لثوان قبل أن يتسارع نبضه ..و دون تردد مدت أصابعها تلمس سماعاتها كما لو تحاول لمسه ..

لقد كان صوت وولف..

ما الذي يفعله في أذنها ؟ ..

" وولف ؟.."

همست بإسمه كأنها ليست متأكدة إن كانت تسمعه حقا وملامحها كانت لا تزال خاوية لكن بعدها وصلها صوت نيكولاي لما تحدث في السماعات بجدية :

" أنا في مكاني..تم تنظيف الكاميرات ..كان هناك شخص يشوش البث لقد تكفلت بأمره وسيطرت على كل الأنظمة .. لن يعرف أحد بذلك بعد حتى يفوت الأوان...الشخص الذي عبث بالتسجيلات لقد حددت موقعه و سيتدبر الرجال أمره...بالمناسبة ثوان و أطفأ الإنذار .."

كان يتحدث بسرعة و بتركيز كالمعتاد منه في مهمة و لا يدري شيئا عن بعثرتها..

أغمضت مارينا أعينها تتنهد كأنها ملت من عقلها الذي يهلوس في أسوأ اللحظات و رجحت أن ذلك راجع لتعبها لكنها في نفس الوقت انزعجت من الأمر كأن هذا شتتها لذا أخذت نفسا قبل أن تثبت ملامحها ..

" حسنا...الآن أعلمني عن أماكن باقي الرجال .."

" في هذا الطابق تبقى 15 رجلا..ما زال هناك 112 في كامل المنشأة.."

" أملك الوقت .."

قالتها ببرود و هي تحمل القنبلة المسيلة للدموع فور سماعها لخطوات ركض خارج القاعة أسفلا ..و قبل أن يجيبها أضافت بنفس البرود :

" هل تعقبت الإسوارة ؟.."

" أجل.."

" ماذا عن الظرف ؟.."

" وصل ليده.."

" جيد.."

"أعتقد أنه يجدر بنا العمل على الخروج من المكان نظفي هذا الطابق و اخرجي..قتلهم جميعا ليست أولويتنا...تملكين أقل من ثلاثة دقائق ليصعد البقية لهذا الطابق رغم أنني أحاول تعطيل أجهزة الإستشعار لإخفاء أثر القنبلة.."

" اعتقدت أنك لا تعرف مخرج الآيفا.."

" لا أحد يفعل..حتى الأنظمة أمامي و كل الكاميرات لا تملك طريق الخروج كأنه مخفي عن النظام و المخططات.."

"رائع .."

" لكنني تكفلت بالأمر.."

" هممم.."

همهمت بنبرة باردة خاوية تركز على عملها و هي تفتح القنبلة ترميها أسفلا في نفس اللحظة التي دخل فيها رجال للقاعة و رأت الدخان ينتشر في المكان و لحظات حتى سمعت صوت صراخ بسبب احتراق أعينهم ..

استغلت هي تلك الفرصة و حملت الرشاش تبدأ بإطلاق النار كأنها تسقط الدمى..استغلت الدخان الذي يغطي المكان أسفلا و المادة التي تحرق اعينهم لتغتالهم دون أن يعرفوا حتى من أين أتى الرصاص..

لكن لم يقع جميعهم في الفخ..سقط تسعة و ظل ستة اختبئوا خلف الباب ينتظرون تلاشي الدخان فسارعت هي تحمل أسلحتها و تغير موضعها تركض تنزل السلالم حتى صارت في الطابق الأرضي لتختبأ خلف عمود على يمينها يسمح لها بإطلاق جيد من مكانها..

أنفاسها كانت متسارعة و هي ترتدي رشاشا حول جذعها و تمسك الآخر تلقمه من جديد بتركيز حتى تجمدت حركتها فجأة لما سمعت الصوت مجددا..

" قتلتِ 46 و أنتِ ترتدين تنورة ؟ حتى أنا لا أستطيع فعل ذلك.."

لقد كان صوت وولف..

و هذه لم تكن كلمة بل عبارة كاملة منه لهذا يدها تجمدت على الرشاش و رمشت عدة مرات..نبرته كانت باردة لكن كلماته لم تكن كذلك كأنه يقولها فقط من أجلها و لا يشعر حقا في تلك اللحظة..

وصلها صوت نيكولاي الخافت وهو يشرح لها كأنه قادر على رؤيتها من الكاميرات و رؤية ردة فعلها :

" هو يستطيع سماعك و رؤيتك..كلانا نفعل.."

نيكولاي و وولف كلاهما متصلان في سماعاتها و متصلان بكاميرات المنشأة لمراقبتها ؟..وهي كانت تغلق سماعاتها طوال الوقت..

أعادت رأسها للخلف تغلق أعينها تطلق نفسا متثاقلا كأنها الآن فقط تستطيع التنفس لمعرفة أنه لا يزال حيا..و حين فتحت أعينها كانت ملامحها هادئة هذه المرة بأعين دامعة كأن المرأة التي كان تتقتل قبل قليل ببرود اختفت و عادت الأميرة للحظات..

نبرتها كانت ثابتة و هي توجه حديثها لزوجها بهمس :

" يمكنني الفوز عليك برهان و تغيير ذلك.."

تقصد أنها يمكنها أن تفوز برهان مقابله أن يرتدي تنورة و هو يقاتل ..قالتها بإشارة لمزاحهما السابق و رهانهما عن الصدرية البنية..

و فورا وصلها صوته يجيبها :

" لم يسبق أن خسرت رهانا ..."

هو محق..لم يسبق أن فازت عليه في رهان... ابتلعت ريقها بسبب نبرته مجددا..كان هنا...كان حيا..كانت تستمع لصوته و أنفاسه لكن نبرته كانت ميتة كليا..كأنه لا يتحدث معها بالمشاعر خاصته بل بعقله فقط ..كأنه يقوم بواجبه وهي تعلم السبب..المشاعر كانت تضعفه و هو يريد الإنتقام لألكانتارا..

لقد كان هنا لكنه ليس معها حقا لأنه منفصل من قلبه لعقله..

لذا رمشت ترمش الدموع بعيدا عن أعينه و تمتمت قائلة :

" ما رأيك برهان جديد ؟.."

" تخرجين حية فلا أموت.."

قالها فورا و دون تردد ..

رقت ملامحها و نظرة أعينها الدامعة لأنه قال هذا ببرود لكن الصدق فيها كان مخيفا..الجدية فيها كانت مرعبة ..أنها لو لم تخرج حية سيموت..ببساطة و ببرود و بنبرة ميتة قال لها الرهان و لم تحتج أن تنظر لأعينه أو ترى المشاعر في ملامحه لتعرف أنه يتألم ..

و هي لم ترد أن تكون إضافة سيئة عليه لذا أجابته بينما تعيد خزان الرصاص لمكانه :

" موافقة.."

و مع قولها لذلك عدلت وضعيتها خلف العمود و أطلقت عدة رصاصات تصيب رجلين قبل أن تعود لإخفاء نفسها لكن هذه المرة لأنها أطلقت عليهم دون دخان ليعميهم عرفوا موقعها فأطلقوا عشرات الرصاص على العمود الذي تقف خلفه..فمسحت الدم في ثيابها تجفف أيديها تمسك سلاحها جيدا تنتظر اللحظة الآمنة لتطلق مجددا ..

" أديلينا و ارتورو.."

تمتمت بإسمهما و هي تطلق المزيد من الرصاص تستفسر عن وضعهم و عن إن كانا بأمان..و جوابه أتى بنفس النبرة ..

" عند جيسيكا..."

عند جدتهما والدة آنجل..لعل حقيقة أنه تم قتل ألكانتارا في مكان آمن كإسبرطة جعلته يرسلهما لمكان لن يتوقعه أحد وهو منزل جدتهما في أمريكا...فهي قد تملك مشاكل مع وولف و مارينا لكنها تحب أحفادها لدرجة أنها ستخفيهما حتى يعود وولف لهما..

لكن مجددا نبرة صوته كانت منفصلة و مشتتة كأنه ليس بوعيه لذا قررت أن تقطع الحديث حتى تخرج من هنا و تراه..

لذا أخذت نفسا عميقا تبعد خصلاتها عن وجهها و تحركت من مكانها تطلق الرصاص تغير موقعها..استغرقها الأمر دقائق لتتخلص من الستة المتبقيين و حينها صارت تسير في الأروقة تتخذ نفس الطريق الذي أتت منه بصمت دون أن تتحدث لا هي و لا وولف و نيكولاي في سماعاتها..توقفت فجأة حين استمعت لصوت المصعد و الضوء الأحمر فوقه الذي يشير أن أحدا ما استقله في الأسفل و سيصعد هنا..

لذا لقمت سلاحها تستعد للإطلاق على أول من يخرج منه لكن صوت وولف في أذنها وجهها..

" التفتي على اليسار مرتين.."

فورا تحركت بخطوات سريعة تأخد أول رواق على اليسار ثم الرواق على اليسار بعده مباشرة..لأنه إن كان هناك شخص يعرف المخرج من الآيفا فهو وولف..و ربما هذا السبب في أنه صوته يبدو غريبا..لقد كان ينظر لنفس المكان الذي عاش فيه عذاب حياته ...

تسارعت ضربات قلب مارينا وهي تمشي عبر أروقة المنشأة اليت عادت لأنواره االبيضاء بعدما أطفأ نيكولاي الإنذار الأحمر.. صدى خطواتها يرتد حول الجدران الباردة وصوت تنفسها يتسارع مع مضي اللحظة.. من حين لآخر كانت تنظر خلفها بحكم عادتها في تفقد النطاق حولها دوما..

خطواتها كانت سريعة جدا و مع تسارعها تسارعت تعليمات وولف في السماعات وهو يخبرها أي إتجاه يجب أن تتخذه لتخرج من المتاهة هذه..

هي تعلم أنها لا يمكن أن تبطئ... الرجال المسلحين في كامل المنشأة كان عددهم أكثر من مئة و هي إن أرادت تفاديهم فعليها أن تخرج من المكان قبل أن يتفقدوا الوضع هنا ..

وصلت مارينا إلى مفترق طرق وتوقفت بانفاس متقطعة ترتاح قليلا تتحدث في السماعات..

" نيكولاي ..."

" الطريق لا يزال آمن..لا أحد تنبه للإختراق بعد..واصلي.."

التأكيد الذي أخذته منه جعلها تتحرك مجددا حتى سمعت صوت وولف يقول :

" هناك رجال عند المخرج ..لذا سأوجهك لطريق بديل يقودك للغابة مباشرة..هل تمانعين ؟.."

" لا..."

" حسنا التفتي لليسار و سيري على طول الرواق أمامك حتى تجدين غرفة بابها فولاذي دون زجاج ..أومأت هي دون كلام تتبع ذلك..

التفتت إلى اليسار وأسرعت باتجاه الممر الضيق..

لاحظت علامة مختلفة في الأرض باللون الأسود لكن طولها مختلف عن العلامة في كامل الأروقة اليت مرت بها كأنها إشارة خفية على طريق ما مختلف..لكن وولف قال أنه وجد مخرجا مختلفا سيمنعها من القتال مجددا مع أي أحد..لذا اتبعت تعليماته فقط..

" سأتجه للمخرج الذي تتوجهين له مارينا..سأنتظرك هناك..معك أربعة دقائق قبل أن تبدأ الجولة التفقدية و يصعد ثمانية رجال للطابق الذي أنت فيه..الجثث ستشير لهم بوجود هجوم حتى مع إختراقي للكاميرات.."

صوت نيكولاي و هو يقول هذا سريعا تثبت أن وولف أرسل له الطريق الذي سيقود للمخرج الذي ستفر منه هي بدلا عن المدخل و المخرج الوحيد الخاص بالآيفا..

هي لا تعرف بعد كيف لوولف أن يعرف مدخلين للآيفا في حين المخططات بأكملها لا تظهر مخرجا واحدا حتى..

وصلت للغرفة التي أشار لها سابقا لتجدها بقفل إلكتروني لكن حين أدخلت الرمز هذه المرة لم يشر باللون الاخضر لكنها فورا سمعت صوت وولف و نيكولاي يقولان مع بعض :

" 119584 .."

بهدوء رفعت مارينا حاجبها و هي تدخل الرقم السري و تتساءل إن كان زوجها و ذراعها الأيمن غاضبان من بعض لأنهما لم يتحدثا مع بعض بتاتا بل كل واحد منهما يبدو سباقا لمساعدتها..هل تشاجرا ؟..

لم ترد التفكير بذلك الآن..لذا ما أن فُتح الباب دخلت للقاعة التي كانت مظلمة دون أن نور فيها لا طبيعيا و لا إصطناعيا..

" سيري ثلاث خطوات على يمين جدار الغرفة باب آخر.."

قال نيكولاي هذا وفورا أكمل وولف على كلامه مضيفا :

" ستجدين حماما ..أشعلي الإنارة و قفي تحت المرش..لا يزال لديك قنبلة أليس كذلك ؟.."

" أجل..لكن لماذا ؟.."

" الغرفة هذه غرفة نوم أحد الأعضاء..أسفلها غرفتين واحدة للتخزين و الأخرى للأسلحة..و للفصل بينهما بأمان تركوا مسافة متر و نصف خاوية تفصل بينهما ..ذلك المعبر الضيق يتواجد أسفل المرش بالضبط..."

لم يحتج أن يكمل كلامه لأنها فهمت ما يريده منها بالضبط ..أن تفتح قنبلة تضعها عند المرش و لأن المنطقة خاوية أسفله فهذا يعني أن أرضية المرش هشة ستتحطم فورا تكشف عن معبر خاوي غير تابع لأي غرفة أسفله..كأنهم أرادوا ألا يلمس جدار غرفة الاسلحة جدار غرفة تخزين الطعام فتركوا مسافة خاوية بينهما ..معبر لا يقود لأي مكان و دخوله لا يأخذك لأي مكان..مما عين أنه ثغرة في النظام..

اتركوا الأمر لوولف ليجد الثغرات في الأنظمة و التصميمات..

لذا فعلت ما طلبوه منها ..

أطلقت الرصاص على قفل الباب حتى يتعطل لا يُغلق عليها يحصرها مع قنبلة ثم دخلت للحمام تضرب بقدمها على أرضية الحمام تسمع صوت صدى كمن يضرب على طبل كأن بالفعل هناك فراغ أسفله و ليس بناء صلب..

لذا نظرت حولها للحمام ثم خلفها للغرفة و الآن فقط استوعبت أنها تقف في غرفة مماثلة للغرف التي نام فيها وولف و نيكولاي و هما صغار..ظلت تحدق بالمكان حولها..للجدران و السرير الصخري و الشاشات الإلكترونية عند الباب و كيف لا توجد نافذة و لا اي نور طبيعي و لا حتى مرآة..

الغرفة كانت خانقة كأنها زنزانة فقط مزودة بتكنولوجيا متفوقة..حرفيا كأنها زنزانة..و حتى الحمام الذي تقف فيه كان فيه مرش و قطعة صابون جديدة غير مستخدمة..

" مارينا.."

صوت نيكولاي الخافت جعلها تخرج من شرودها و هو ينبهها لتعود للعمل ففعلت تهز رأسها ..ثم سارعت تنزع قفل القنبلة دون أن ترفع يدها عنها كي لا تفجر بعد..وبعدها حين رمتها أسفل المرش سارعت تخرج من الغرفة بالكامل للرواق تشعر بانفجار و اهتزاز جعلها تتشبث بالجدار حين شعرت بالإهتزاز و الصدى القوي الذي أحدثه في المكان ..

الآن هي تملك أقل من دقائق قبل أن يلحقها أحد أو ينتبهوا لوجودها..

فورا أن خفت تأثير الإنفجار دخلت الغرفة بسرعة تسير فوق الحطام الذي جرح أقدامها لكنها لم تنتبه بل سارعت تدخل للحمام أين هناك بالفعل ظهرت فتحة كبيرة في الأرض تظهر طريقا مظلما أسفل كأنه بئر..الفرق فقط أنه ليس مرتفع..

لذا اقتربت من حافة الحفرة التي أحدثتها القنبلة تطل على الممر الضيق أسفلا ..

" هل تستطيعين النزول ؟.."

صوت وولف و هو يسألها هذا جعلها تصمت لثوان تتفقد الوضع أولا..هي حامل ولا تستطيع القفز من إرتفاع لذا حملت صخرة من الحطام قربها و رمتها اسفلا و فورا سمعت صوت إرتطام مما يعني أن المكان ليس مرتفعا و هذا جعلها تطلق نفسا لم تعرف أنها تحبسه..

" أجل..سأفعل..."

وفورا رمت أسلحتها أسفلا أولا قبل أن تنزل هي بحرص و بروية لكن مهارتها و فعلها لهذا آلاف المرات من قبلها جعل الأمر أسهل مما توقعت..

القفزة التي قفزتها كانت قفزة تشبه القفز من كرسي بسبب طول جسدها ..لكن أقدامها جرحت مرة أخرى بسبب الحطام الذي كانت تضغط عليه..وأطرافها تؤلمها من الجهد. ولكنها لا تستطيع أن تسمح لنفسها بالتعب الآن... عليها أن تواصل الطريق و أن تتفادى الرجال الذين يلاحقونها..

نفضت الغبار من يديها قبل أن تنني تبحث عن اسلحتها وسط الظلام الكلي و حين وجدتهم حملتهم و تحدثت بهمس خافت :

" الآن أين؟.."

" المكان الذي أنت به لا يحتوي على كاميرات..على أنت على يمين المرش أم يساره ؟.."

صوت وولف مجددا هو ما وصلها لدا رفعتها رأسها للحمام الذي قفززت منه لتجد أن المرش خلفها مما يعني هي على يساره ..

" اليسار.."

" إذن سيري للأمام دون توقف..خلفك جدار مغلق لكن أمامك باب مغلق..سيري حوالي 12 مترا ستجدينه .."

دون تردد أو تأخير بدأت تسير أمامها في الظلام الكلي و لا تسمع شيئا سوى صوت أنفاسها و خطواتها في هذا الممر الضيق الذي كان الأوكسجين فيه قليلا يضايق تنفسها..

كانت تركز في الأصوات لتتأكد من أن لا أحد لحقها بعد و فقط في اللحظة الأخيرة انتبهت أنها أوشكت أن ترتطم بالباب أمامها..

بسبب الظلام و لأنها ل اترى مررت أيديها عليه تحالو إيجاد القفل لكن حينها شعرت بالباب يُفتح فجأة كأن أحدا فتحه من الخارج و هو ما جعلها تلتصق بالجدار خلف الباب ترفع سلاحها فورا لتطلق على أيا كان من فتحه ..

تسلل ضوء النهار من الخارج يسلط الضوء على الممر الضيق الذي سارت فيه و رأت ظلا يقترب فرفعت فوهة سلاحها لتفجر دماغه لكنها تراجعت في الثانية الأاخيرة حين رأت شعرا أشقر و مسدسا يوجه لها..

أطلقت مارينا نفسا فور أن رأته نيكولاي الذي سارع يخفض مسدسه و يتنهد براحة قبل أن يقترب منها فورا يعانقها فبادلته العناق تخفض سلاحها..

فورا قادها هو للغابة يخرجها من الممر الضيق يغلق الباب خلفهما بالقفل الإلكتروني و رمشت هي بأعينها فور أن استقبلها نور الشمس الطبيعي..

" علينا أن ندخل الغابة ..الرجال و السيارات في الطريق الجانبي على بعد ميل من هنا..لم نستطع المخاطرة بإقترابهم و الكشف عن الخطة وعن مكانك.."

قال نيكولاي هذا وهو يلف ذراعه حول كتفيها و يسير معها بينما ينظر للجهاز اللوحي بين أيديه..كان يرتدي كمامات سوداء تخفي نصف وجهه و ثيابه سوداء بالكامل و مسلحة كما تكون عليه عادة في حال أخذته معه لمهمة..

سلمته مارينا سلاحا من أسلحتها ليحملها بينما أخذت منه اللوح الإلكتروني لتتفقد الكاميرات و ما يحدث في الآيفا ..قبل أن تغير الصور لرجالها و مواضعهم ثم للطريق الذي سيتخدونه في الغابة..

" تبدين كمن تدحرج في الدم...حالة يرثى لها.."

تمتم نيكولاي بهذا وهو ينظر لها من الأعلى للأسفل..لثيابها الملطخة بالدم و أيديها و شعرها و حتى أقدامها و الغبار الذي يلتصق بها من الحطام..

لذا رفعت حاجبها له تمنحه نظرة هادئة قبل أن ترد و هي تمرر أصابعها على الشاشة تغير بين التسجيلات تتفقد الوضع :

" كل إمرأة تحلم بأن تسمع هذا الكلام الجميل منك نيكولاي .."

جعله ذلك يبتسم بخفة و هو يمنحها عناقا جانبيا آخر قبل أن بريت على ظهرها يحثها ليتحركا أسرع..

تقدم نيكولاي ومارينا سويا يسيرا عبر الغابة الكثيفة.. أنفاسها هي تأتي ثقيلة بعد كل مجهود قامت به... صدى صوت أقدامهما على أرضية الغابة تردد في المكان والأوراق تحشرجت تحت أقدامهما..بينما نيكولاي فهو ينظر كل مرة خلفه و حوله ليتأكد من أن لا أحد سيظهر لهما من حيث لا يتوقع لأن لا كاميرات في الغابة ليخترقها و يحميها..

ولقد انتبهت مارينا لملامحه و أن هناك قلق في أعينه و علمت أنه لا يركض فقط من أجلها بل من أجل نفسه..و أنه يهرب لأول مرة من المكان الذي شكل كابوسا له في حياته..كانت أول مرة يهرب من الآيفا حقا و لعله خائف من أن يجد نفسه عالقا يعود لنفس الذكريات و نفس الجحيم...

لذا ضغطت على يده تمسكها بطريقة مطمئنة تدفعه ليمنحها إبتسامة خافتة لا تظهر سوى من أعينه فوق الكمامة بينما استمروا في الهرب مع بعض..قبل سنوات هرب مع وولف و الآن معها...كأن القدر بطريقة أو بأخرى كان مصرا على جعلها تصبح جزءا من حياة أهم شخصين في حياتها و تعيش ما عاشوه أو ترى فقط جزءا من ماضيهما بأعينها بعدما اعتادت سماع القصص عنه فقط..

بدا أن الغابة لا نهاية لها رغم أن طريقهما قصير..مع كل خطوة أصبحت الأشجار أكثر كثافة والشمس اختفت عن ناظرهم تترك ظلال الغابة فقط لتسيطر على الجو..

أخيرًا.. وصلوا إلى ممر خالي من الأشجار و فور أن عبروه كانوا في الطريق أين وجدت عدة سيارات مركونة هناك و رجالها المسلحين هناك مقنعين و ينتظرون..فور رؤيتهما لها و لنيكولاي ركضوا صوبهم لمساعدتهم..بعضهم حملوا الأسلحة و آخرون ساعدوها لتقترب من السيارة..

لكنها لم تركب السيارة..بل أخذت قارورة الماء من أحدهم تحتسي منها قبل أن تمررها لنيكولاي و تتجه خلف السيارة تفتح الصندوق الخلفي تنحني لترفع الغطاء السفلي خاصته و تخرج منه قطع ثياب نظيفة..

حينها فورا مدت يدها تنزع مجوهراتها ترميهم و تستعد لنزع قميصها الدموي تتحدث مع نيكولاي أثناء ذلك :

" هل أرسلت الموقع لوولف ؟.."

أومأ نيكولاي و هو يشير للرجال لينظروا بعيدا عنها لتغير ثيابها في طريق خالي وسط الغابة كهذا..

" أرني تسجيلات كاميرا لمن اتفقنا عليه.."

لم تنطق الاسم لكنه منحها نظرة ليتأكد من ملامحها إن كان تتقصد ما يعتقدها تقصده..

صاحب الظرف الثاني..

وفور تأكده من ذلك أومأ يحمل جهازه اللوحي يضغط عليه بسرعة بينما هي نزعتها قميصها الدموي ترميه في صندوق السيارة لتبقى بصدريتها قبل أن ترتدي قميصا أسود ...ثم و قبل أن تنزع تنورتها سمعت صوت سيارات تقترب ..مسرعة جدا..

نظرت للطريق خلفها و تحرك رجالها مقتربين منها و كذلك نيكولاي لكنها لحظات حتى سمعت همس نيكولاي قربها :

" أوه...تبا.."

قبل أن تستفسر عما يقصده توقفت أول سيارة تركن بطريقة مائلة في الطريق و فورا فتح الباب ينزل منه وولف دون أن يغلق الباب خلفه يقترب منها ..

تسارعت ضربات قلب مارينا حين رأته..ليس فقط لأنه هنا بل لمظهره...

كان ملطخا بالدم و ملامحه خاوية كليا..هل هذا دم من قتلهم اليوم ؟ هل تركه على جسده لساعات ؟..

بحق الرب لقد كانت تشك من صوته أنه ليس بخير..لكن الآن و بينما هي تنظر له كانت تتأكد من ذلك لأنه بدا غير طبيعي ..عقله لم يكن مكانه ...ثم هل كان يتحدث معها و يراقب الكاميرات من سيارته ؟..لا يد و أنه كان يفقد صوابه في طريقه لهنا..

خطواته نحوها كانت سريعة و قبل حتى أن تكمل تفقدها له و محاولة معرفة كيف ستصلح له خراب روحه وجدته أمامها و هو ينظر لها من الأعلى للأسفل ليتأكد من أنها بخير و نظرت هي لوجهه و كيف أن ملامحه كانت ميتة كليا دون أي مشاعر..

نظر لها يبحث عن إن كانت مصابة و رأت جسده يتجم حين رأى دما على أقدامها و بين فخذيها..

رمشت هي عدة مرات تستوعب أنه يعتقد أن شيئا ما حدث لابنهما لكنها سارعت تنفي برأسها قائلة :

" نحن بخير .."

حينها فقط رفع أعينه لها و كما توقعت لم تحمل زرقاويته المشاعر التي اعتادت قرائتها منه هناك..لكنها لم تلمسه و لم تحاول لمسه..ستفعلها لاحقا..الآن في عقله لا يوجد سوى الغضب و الإنتقام و ليس وقت المشاعر..

تعرفه وتعرف كيف يعمل..هو لا يحتاج الآن شخصا ليربت على ظهره أو يتحكم في غضبه..بل يحتاج شخصا يفسح له الطريق لينتقم...وقد فعلت هي ذلك بخروجها حية من المكان حتى لا ينشغل باله عندها و هو ذاهب ليتم عمله..

لهذا لم تتحدث..بل فقط نظرت له و نظر لها قبل أن تراه يحمل يده و بإصبع واحد ..بإصبع واحد أعاد خصلة ملتصقة بوجنتها للخلف دون أن يلمسها بتاتا..و كانت تلك اللحظة الوحيدة التي أظهر فيها تفاعلا ما ..

لأن بعدها و فور أن أنزل يده أبعد أعينه عنها وعن وجهها ينظر لنيكولاي قائلا :

" خذها للمكان الذي أرسلته لك.."

نظر نيكولاي للوح في يده يتفقد ما وصله من وولف قبل أن يومأ و حينها التفت وولف يعطيهما بظهره ليغادر لكنه توقف قبل أن يسير خطوتين ثم عاد و فاجئهما حين لكم نيكولاي من حيث لا يتوقع يدفعه ليرتطم بالسيارة..

" ولائك لها ينتهي حين تصبح حياتها في خطر..."

قال وولف هذا ببرود بنبرته المنفصلة المتباعدة تلك يوضح له أن ولائه لها في جهة و وضعها في خطر بسبب أنها أمرته بذلك في جهة أخرى...

و قبل أن تتحدث مارينا أو نيكولاي التفت يعود لسيارته يغادر و معه سيارتين فقط يترك البقية هنا كما لو أمره بمرافقتها و حراستها و راقبت هي بأعينها العسلية سيارته تغادر من الطريق بسرعة تعلم أنه سيقوم بشيء جنوني آخر..

لذا وضعت يدها على قلبها تمسح عليه حين شعرت بإنقباضة هناك..

حدسها لا يشعر بشيء إيجابي بتاتا ..حدسها يخبرها بأن شيئا ما سيحدث لدرجة أنها تريد الإستفراغ فقط بسبب الشعور السيء ذاك..

" أستحق ذلك.."

تمتم نيكولاي بهذا وهو يمسح على فكه يعيد انتباهها له قبل أن يتابع..

" لقد أخبرتك أنه يجدر بنا إخباره منذ البداية..يوما ما سيقتلني بسبب أنني أخفي موقعك عليه.."

" لن يفعل.."

" مارينا هو زوجك أنت و ليس زوجي..لستُ مهما عنده لتلك الدرجة.."

" أنت تبالغ.."

" حسنا..قليلا.."

تنهدت مارينا قبل أن تمسح على خصلات شعرها تعيدها للخلف و سألته :

" أنت متأكد أنه لا يوجد أي أطفال في الداخل ؟..."

" أجل..لا أعلم لما..ربما الأمر كان كذبة أو شخص ما أخرجهم أو أخفوهم في مكان آخر تجنبا لما قد يحدث اليوم .."

" ابحث خلف الأمر ..."

" حسنا.."

.........

عودة للحاضر 


اقترب وولف من الدوق و المقنع بخطوات بطيئة ..ملامحه خاوية و لحظات فقط حتى اقتربت خلفه في السماء طائرة هيليكوبتر بابها مفتوح و يظهر منها المزيد من رجاله المسلحين..

أعينه كانت تحمل البرود و الموت كما يحمل جسده الدم الذي يبدو أنه دم سال من ساعات و جف عليه ..

نظر أخيل لديافول بنظرة كما لو أنه كرهه أكثر بسبب هذا..بسبب أن نايت دمر له ما يريده..حطم حلمه بالكامل و قد أعانه هو..و حقيقة أنه يشعر بالغدر و الخيانة من ديافول جعلت الأخير يرفع حاجبه لعمه كما لو يخبره ' هل أنت جاد ؟..تتحدث عن الثقة و الخيانة ؟.'..

سارع أخيل ينحني يحمل قناعه مجددا يرتديه كما لو أن إخفاء وجهه سيخفي كل ما حدث قبل قليل من إنهيار عصبي و سيعيد له قوته الداخلية..و ذلك ما حدث ..فور ارتدائه للقناع كليا استقام في وقفته يضع أيديه خلفه ..

" آمل أنني لم اقاطع أي لحظات عاطفية مهمة.."

صوت وولف و هو يقول هذا ببرود دون أن يزيل أعينه عن أخيل جعلت آزاريا يراقب بصمت و تركيز كل حركة له كأنه يستشعر خطبا ما بالفعل..كأنه يراه فاقدا لأعصابه من الداخل...شيء في طريقة تحركه لم تكن عادية كما لو أن عقله ليس في مكانه الصحيح..

" بتاتا..أتيت في الوقت المناسب نايت..لطالما أردت لقاءك وجها لوجه.."

" لا أراك تملك وجها لتقابل له ..."

رد وولف كان فورا و ببرود وهو يقترب أكثر من أخيل حتى صار ما بينهما متر فقط ..

القناع يخفي وجه أخيل لكن فكه انقبض و كذلك قبضته عند سماع رده..

" هل أخبرك ما سيجري الآن ؟..."

تابع وولف بنفس البرود فرفع المقنع يده يشير له بأن يتابع الحديث و كرد على ذلك نزع وولف سترته السوداء يرميها بعيدا ليبقى بقميصه أسفلها تظهر وشومه الملطخة بالدم و حمالة مسدساته الملتفة حوله..

" أنا منزعج منك قليلا..و أريد قتلك بيدي..هل تسمح ؟.."

حين قال وولف هذا ببرود كأنه يتحدث عن شيء عادي ضحك أخيل..

ضحك بقوة لدرجة صوت ضحكته أحدثت صدى في المكان بسبب الإرتفاع ..سطح ناطحة السحاب الشاهقة التي تبدو كأنها تلامس السماء..ألقت شمس الغروب أشعتها عليهم كما لو تري العالم الساحة التي سيحدث شيء فيها كان منتظرا منذ زمن طويل.. من جهة واحدة وقف أخيل بقناعه الفضي الذي يلمع و ضحكته التي طالت باختلال معتاد منه.. سيد فنون القتال في خمسينياته..ثيابه سوداء تخفي جسده لكن شيء في طريقة حمله لجسده تشير لأن دمه مشع بخبرة في القتل و القتال ..

مقابله و قريب منه وقف وولف ينظر له يضحك ببرود دون أن يرمش .. الدم في جسده دليل أن القتل عنده ليس بشيء يفكر في نتائجه قبل ارتكابه..بل حقيقة أنه سافر من إسبانيا لإيطاليا بدم يغطيه بالكامل إن كانت تثبت شيئا فهو أنه غير طبيعي و في وضع غير متزن الآن..

" أنا صنعت عشرات الأشخاص مثلك نايت و سأصنع المئات مستقبلا..تعتقد أنك قادر على مجاراتي .."

قال أخيل هذا و هو يقترب من وولف أكثر بلمعة غير طبيعية في أعينه كأنه متحمس لشيء خطير و حتى لغة جسده و كيف يتحرك بغير صبر تبدو لشخص ينتظر شيئا غير متوقع..كما لو يعلم شيئا لا يعلمونه..

آزاريا كان قريب من الحافة خلفه رجاله الذين يوجهون الأسلحة لجنود شيرني الملثمين كذلك ..

ساد هدوء في سطح البناية ما عدا همس الرياح وهدير المدينة في الأسفل رفقة صوت مروحية الهيليكوبتر .. كان الترقب واضحًا من الجميع كما لو كانت الليلة بنفسها تحتفظ بأنفاسها في انتظار الاشتباك الذي كان على وشك أن يحدث هنا ..

ظل وولف صامتا لفترة يراقب أخيل و كيف يلتف ذهابا و إيابا كأنه تناول منشطات تجعل أعصابه على الحافة من الحماس..بدا غير طبيعي و وولف لا أحد استطاع قراءة تعابير وجهه ..آزاريا كان يراقب الأمر دون أن ينطق بكلمة أو يتنفس بصوت مسموع..بل كان يضع أيديه داخل جيوبه و يرفض أن يرمش بعيدا عن القاضي..

لكنه تفاجئ لما التفت له وولف فجأة يمنحه نظرة خاوية قبل أن يسأله أمام الجميع :

" هل تعرف ما هو رقمي المفضل ؟.."

ثبات آزاريا من وقفته لملامحه لم يهتز..لكنه قبض على كفه داخل جيبه و لم يجب للوهلة الأولى..ليس لأنه لا يعرف الجواب بل هو يعرفه ..ولو قاله سيبدو كأنه لا يزال متشبثا بالماضي...

مع ذلك و بينما حدق ديافول و نايت ببعض لم يستطع الأول ألا ينطق ببرود و أعينه السوداء خاوية تماما :

" 11.."

أومأ وولف فورا و أعاد أعينه لأخيل بينما يرفع يده لساعته الذكية قائلا و هو يضغط على شاشتها عدة مرات :

" لهذا..سأمنحك 11 دقيقة أخيرة في الحياة .."

لا أحد علم بالضبط لمن وجه كلامه هذا حتى رفع أعينه الزرقاء لأخيل يشير لأنه وضع توقيتا في ساعته و ستصدر طنينا في موته..

التهديد كان للمقنع..

و ردا على ذلك ضحك أخيل مجددا لكن وولف لم يعره انتباها كونه نزع مسدساته و دون أن يلتف للخلف رماهم خلف ظهره لرجاله فأمسكوهم فورا ..

و بعدها تحرك يقترب من المقنع حتى صارت إنشات فقط تفصل بينهما ..و لأن وولف كان أطول من أخيل أحنى رأسه له قليلا و تمتم له ببرود :

" أمي وحدها من تستطيع صنع وولف سييرا آخر..أما أنت فمن الواضح أن خاصتك نكحت لك وجهك.."

اتسعت أعين آزاريا عند سماع ذلك كأنه تفاجئ من وولف لما قال هذا ..ليس لجرأة كلماته فقط بل لأنه يعرف الحقيقة..هل سمع ما يجري هنا في السطح و ما قاله لعمه عن تاتيانا أم أنه بحث بنفسه ؟..

لكن لا أحد تفاجئ أكثر من اخيل كونه رفع يده التي ترتجف غضبا كما لو يحاول صفع وولف لكنه امتنع عن ذلك و بدلا عنه تمتم بحدة دون ضحك جنوني :

" أنت..أنت..سأدمرك.."

" مجددا ؟..الأمر صار مملا.."

" سأقت.."

لم يكمل كلامه حتى لكمه وولف بقوة جعلته يرتد مترا و نصف للخلف..

حينها صرخ أخيل بغضب كأنه اهتاج و تلك كانت الصرخة التي تسير لبدأ القتال بينهما..

بدون أي كلمة أخرى باشرا في معركتهما الالتي يت بدا كأن كلاهما انتظراها لسنوات و ليس لحظات..أخيل كان يضرب و يتحرك كأنه يقوم بتفريغ حقد 50 سنة بينما وولف قاتله كأنه مر قرن من الغضب المدفون داخله لوفاة والده و ليس ساعات..ما بينهما جعل كل الرجال من الهيليكوبتر الذين يراقبون بنظارا تقناصاتهم و الرجال حول السطح يراقبون دون حراك..

أصبح السطح ملعبًا للعنف بين شخصان خطيران..أخيل كان غاضبا جدا و بارعا لدرجة غير متوقعة..كأن عضلاته محقونة بالفولاذ و كلها كان يستخدمها و يوجهها لوولف..كان عنيفا و سريعا و كل إنش منه يصرخ الخبرة..الخبرة..الخبرة..كأنه قضى حياته يدرس و يتعلم القتال و حتى بعد خمسين سنة جسده لا يزال يتذكر الدروس تلك..

كل لكمة و ركلة و حركة تجنبها وولف بطريقة سلسة .. كان يشعر بعظام أيديه تصدر صوتا تحطم لكنه كان غاضبا و دمه يفور يشغله عن ذلك لأن كل ما يراه أمامه هو قاتل والده ..لذا أطلق غضبه عليه..كل الغضب الذي كبته طوال اليوم خلف قناع من البرود حرره الآن و أصدر أصواتا وهو يقاتل كأنه مجروح..كأنه لن يتنفس حتى يقتل المقنع..كان يتصدى له ثم يقدم ضربات محسوبة بدقة تبرهن على أنه لا يزال نايت من الآيفا...

راقب الجميع ذلك بدهشة..الحركات كانت أسرع من ان يرصدوا تفاصيلها لكن الامر بدا كإطلاق ذئب ضد رجل فولاذي..أخيل كان صلبا و وولف كان متوحشا يريد تمزيقه ..لأن كل مرة تقع يده على جسد أخيل كان يغرس أصابعه هناك كما لو يود رؤية دمه يخرج بعنف و بوحشية..

آزاريا لم يتنفس وهو يشاهد ذلك..

الشمس أوشكت على الغروب و أشعتها البرتقالية انعكست على القتال جعلت الأمر يبدو كأنه من قلب الغابة و بشرة الدوق السمراء كانت تلمع مع الغروب وهو يتحرك خطوات كما لو يحاول أن يحيط المكان ليرى القتال بشكل أفضل...

شيء داخله كان يستيقظ حيا..شيء كان نائما داخله كان ينهض الآن..ليس فقط تعطشا لرؤية نايت يمزق عمه بل تعطشا ليقاتل و يقتل كذلك..كأن قناع الدوق و ثياب الأمير التي عاش داخلها لسبعة عشر سنة كانت تنصهر الآن و تظهر ديافول داخله الذي يشاهد القتال بلمعة تعطش و لمعة فوز..

لعبته كانت كلها تتحقق أمامه و نصره كان يشعر به قريبا...

مع استمرار القتال و مرور دقائق على العنف بينهما .. زاد أخيل عدوانيته... لم يتوقف عن التقدم بعنف لكسر وولف... كانت قبضته وقدميه لا تتوقفان..لا أحد منهما توقف للحظة ..وولف نزف من فمه و أخيل قناعه وقع أرضا و جبينه يسيل دما بسبب لكمة فتحت له رأسه..أخيل كان عنيفا و وولف كان أعنف ..اليوم كان لعنة على الجميع و هو يحرر نايت..وولف ليس هنا..نايت من كان يقاتل..

و لعل هذا فاجئ أخيل لأنه صرخ بغضب أكبر كما لو يتوقع ما يتعرض له..

أصبح السطح تحت أقدامهما ملعبًا للقتال و للماضي الذي يلعب معهما.. الهواء كان أقوى كما لو يواكب ما يجري بينهما... انتقلا حول بعضهما..ضربا بعضهما أوقعا بعضهما.. كما لو كانا اثنين من سادة القتال..

حاول أخيليس أن يحاصر وولف وهو يلف ذراعيه حوله ليكسر له أضلعه لكن وولف انحنى أسفل أقدامه و قام بقله كليا أرسله يتعثر إلى الوراء بقوة... كل من يشاهد الأمر كان عاجزا على تحديد ما يجري و من يملك السلطة العليا..كلاهما يتنفسان بسرعة من الإجهاد..قتال سبعة دقائق فعل بجسدهما ما لن يفعله ركض سبعة أميال..

واصلا القتال و رأى الجميع الدم يسقط لكن لا أحد استسلم..السرعة و المهارة كانت فقط ما يحدث بينهما حتى وصلا للحافة ..

و لأن الحافة في البناية كانت الخطر الأكبر في السطح ..كانت أيضا المكان الأخطر في القتال..و بينما كان يستعد أخيل لضرب نايت مجددا فاجئه القاضي و فاجئ الجميع لما ركله في مفاصل معينة في الركبة و سمعوا جميعهم صرخة أخيل و هو يكاد يقع لكن قبل أن يحدث ذلك قفز وولف و ضربه بكوعه لوجهه ..

تلك الضربة كانت ما جعل جسد أخيل يسقط مغمى عليه ..

لم يتحرك أحد و لم ينطق أحد..

لأن سقوط أخيل عن البناية كان وشيكا لكن وولف منعه لما سحبه في اللحظة الأخيرة مما جعله يقف على الحافة نصف جسده يتدلى و الآخر على أرضية السطح..

حينها فقط نظر له وولف مغمى عليه أرضا ينزف من وجهه في كل مكان..لم يهتم القاضي بمن يرى و بمن شاهد الأمر ..لكنه بصق الدم من فمه على أخيل قبل أن ينحني على جسده أرضا و دون تردد سحب سكينا من حذائه و لأنه لا يملك الوقت لإغماء أخيل قام بطعنه في ذراعه دون شفقة يدفعه ليستيقظ و هو يصرخ..

سارع وولف يثبته يخنقه بيده يمنعه من الوقوف..وجهه كان مشوها و ينزف ..قدمه كانت مهشمة و لا تزال هناك أربعة دقائق في حياته..

" *****..****** .....******* "

أطلق أخيل عدة شتائم حتى و نايت يخنقه..حتى ووجهه يحمر بسبب انقطاع الأوكسجين عنه حتى وه وينزف على حافة مميتة و رجل كالقاضي ينحني فوقه يخنقه بملامح ميتة و الدم يغطيه..

ظل القليل فقط و يموت..واصل وولف خنقه بقوة و هو يثبت جسده يمنعه من التحرك ..لحظات فقط و يتخلص من قاتل والده..لحظات و يتخلص من جحيم ماضيه..لحظات و ينهي فيها أكبر شيء جاثم على روحه و مستقبله..دمه كان يغلي غضبا ..جسده يرتجف جنونا..عقله كان يحترق ..لكنه لم يرمش و هو ينظر للروح تكاد تخرج من جسد عدو حياته الذي لم يعرف بوجوده سوى اليوم..

الرجل الذي كان يدمر حياته كان أسفله و سيموت على يده..لكن وقتها حدث شيء لم يتوقعه أحد و فاجئهم جميعا..

تم إطلاق عدة رصاصات في السماء من مكان آخر..مكان ليس هذه البناية لكن قريب جدا..

رفع وولف أعينه لمصدر الرصاص فورا و كذلك نظر الجميع لمصدر الرصاص..

هناك في البناية المقابلة لهم تماما و على سطحها تواجد رجل معين محاط بأكثر من ثلاثين رجلا مسلحين و خمس قناصين جميعهم يوجهون سلاحهم لوولف و كانت هناك خمس نقاط حمراء على جسده تشير لأن القناصين يصوبون عليه..

ارتخت قبضة وولف على عنق أخيل و هو ينظر بأعينه الميتة للرجل الذي يتوسطهم في البناية المقابلة..

كان كروس كافالي..الكابو الإيطالي..كان يرتدي الأسود و هو يدخن ببرود بينما ينظر لوولف و رجاله ينتظرون الإشارة منه لقتل قاضي العالم السفلي..

كان أخيل يسعل يحاول إستعادة أنفاسه بعدما أرخى وولف قبضته..آزاريا حدق بكروس كافالي بتفاجئ قبل أن ينقبض فكه..الخطة كانت أن لا يأتي كروس الآن و حتما ليس هنا..أخيل اتفق على أن يلتقيا في المرفأ بعد ساعة و نصف و ليس الآن..

إلا إن كان عمه خدعه و كذب عليه يغير الخطة في اللحظة الأخيرة..

ابن العاهرة..هو لم يثق بديافول كليا لهذا لم يخبره عن هذا التغيير في الخطة..

تبا..

انتقل رجال وولف من تصويب أسلحتهم على رجال آزاريا لتصويبها على رجال كروس كافالي..و صار الوضع فوضى..لأن جنود شيرني تحركوا بسرعة و باشروا يصدرون التعليمات في سماعاتهم بالإسبانية كأنهم لم يتوقعوا ظهور الكابو الإيطالي هكذا ..و حتما لم يتوقعوا خمس قناصين على بعد ثواني من قتل القاضي للهدف الذي أتوا من اجله.. لأن لا شيء سيستطيع حمايته من رصاص كهذا موجه له بهذه الطريقة..لا شيء..

طائرة الهيليكوبتر التي كانت تحلق فوقهم بثلاث قناصين تحركت تقترب أكثر من بناية الكابو لكن رجال كروس كافالي كانوا أكثر عددا و قناصيه أكثر كذلك لذا كانت معركة خاسرة..

وولف كان لا يزال مكانه بملامح باردة و لا أحد علم ما يفكر به ولا ما سيفعله..حتى رجاله الذين صرخوا به ليتحرك و يغادروا السطح لم يستجب لهم..بل ظل متجمدا مكانه ينحني فوق جسد أخيل الذي أفلت من قبضة وولف على عنقه لكنه ظل مستلقي هناك أسفله أرضا..

لا شيء أخرجه من شروده سوى ضحكة أخيل المختلة من جديد..العاهر كان ينزف و يتألم لكنه يجد الزقت ليضحك بوجهه المشوه ذاك..لهذا نظر له وولف بفك منقبض يسمعه يقول :

" هل حان دوري لأخبرك بما سيحدث ؟.."

قالها بسخرية و استمتاع جنوني يستخدم نفس كلمات وولف ضده و حين رفع القاضي يده ليضربه تحكرت النقاط الحمراء من صدره لعنقه و جبينه كنوع من التهديد كي لا يلمس أخيل..

مما جعل العاهر المشوه يضحك مجددا وهو يمسح الدم الذي يسيل من فمه و أنفه قائلا بهمس كما لو يلعب لعبة ممتعة :

" ريكا في روتسي.."

فور أن قال ذلك لكم وولف الأرض بيده و هو يصرخ بغضب..

قانون الريكا في روتسي..قانون اليد باليد و الخدمة مقابل الخدمة...لا أحد يكسر هذا القانون و حتما ليس العشائر العريقة كالكافالي..

إن دل هذا على شيء فهو يدل أن أخيل يدين لعشيرة الكافالي بخدمة و كروس هنا ليقوم بتسديد دين عشيرته بحمايته..

تبا..

لكم وولف الأرض مجددا قبل أن يقف من مكانه يترك أخيل يضحك أرضا باستمتاع و هو ينظر للسماء بلمعة سعادة جنونية..

نظر وولف لكروس كأنه يخبره لو كنت أمامي سأهشم وجهك..و ردا على ذلك نفث كروس كافالي دخان سيجارته جانبا ببرود قبل أن ينقل أعينه للدوق خلفه ثم له من جديد..

لهذا وولف واجه مشاكل مع كروس في التوقيع..كان رجلا مختلا و غير متوقع و يفعل ما يريده..حقيقة أنه يقف في البناية هناك دون أي سلاح وبثياب عادية كأنه يشاهد فيلما تثبت أنه غير طبيعي و لا يهتم بالعواقب...هو لا يخشى من وولف و لا من الحكام..كان هناك مستعدا لقتل القاضي فقط ليرد الدين و يسدد قانون ريكا في روتسي الذي تعتبره العشائر النبيلة شيئا غير قابل للكسر..وحتى الحكام لن يستطيعوا معاقبته على هذا لأن القانون وضعه أندريه أصلا..

تبا..

إن كان سيموت فسيموت مع أخيل ..

لذا نظر لكروس للمرة الأخيرة قبل أن يرفع يده يشير لأحد رجاله أن يقترب..فركض أحد جنود شيرني صوبه و قدم له مسدسا فسقطت إبتسامة أخيل و هو يتحدث بسرعة ..

" أنت لن تستطيع قتلي..القانون يمنعك من قتلي في أرض الكافالي و إلا ستموت..هذا قانون العالم السفلي.."

حينه اسحب وولف زر الأمان يضع يده على الزناد يصوب السلاح لرأس أخيل قبل أن يقول له ببرود :

" أكبر خطأ لك هو أنك تعتقدني أخاف من الموت..أنا عشت الجحيم لأكثر من ثلاثين سنة ولا أمانع زيارته مجددا يا ابن الزنا.."

فور قوله لهذا منح أخيل إبتسامة جانبية باردة مخيفة جعلت أعين أخيل تتسع كأنه الآن فقط رأى موته على يد رجل لا يخشى من الموت و من أن هناك أكثر من أربعين فوهة مصوبة نحوه لقتله ..

آزاريا راقب ذلك بصدمة و في اللحظة التي ضغط فيها وولف على الزناد يفجر رأس أخيل تحرك آزاريا ليقترب منه لكن الرصاص الذي تطاير وقتها منعه و جمده مكانه..

عشرات الرصاصات تطايرت صوب البناية تدفعه ليغمض اعينه و قلبه ينبض سريعا....

وولف قتل أخيل و كروس قتل وولف..

أغمض الدوق أعينه يشعر بالرصاصات تتطاير حوله و الصراخ حوله يتعالى في المكان يجعل جسده يرتجف غضبا قبل أن يصرخ و هو يفتح أعينه و يسحب مسدسه من خلف ظهره يستعد للقتل كذلك..

كانت هناك فوضى في سطح البناية و هو يرى جسد أخيل يتدرحرج يسقط من أعلى البناية ..رأى عمه الذي دمر حياته يسقط من أعلى بناية في المدينة بدماغ مفجر و لوهلة تسارعت ضربات قلبه وهو يرى جحيمه يسقط من الهاوية..يرى عذابه ينتهي و مع سقوط جثة عمه سقط الحمل الثقيل من على كتفيه..لم يهتم بصوت الصراخ و لا الرصاص الذي يسمع صوته حوله بل فقط ظل شاردا في الحافة التي وقع منها..

جسد عمه الآن سيسقط من ارتفاع شاهق و يتهشم أرضا أسفلا و هو يكاد لا يصدق ذلك ..

فقط حين حل صمت في المكان ..صمت مخيف رمش الدوق يخرج من شروده و أطلق نفسا كما لو أنه كان غارقا أسفل الماء لقرون و الآن فقط أخرج رأسه للسطح..

تنفس يضع يده على صدره يسعر به يرتفع و ينخفض قبل أن يستوعب ما يجري حوله فنظر لما يحيطه..

كانت هناك الجثث في كل زاوية و حوله كان الجميع موتى..رجاله و رجال وولف..كلهم موتى و حتى القناصين في الهيليكوبتر التي تحلق فوقه..الدم غطى الأرض و الجثث كانت فوق بعضها بمنظر فوضوي وحشي..

وقتها فقط رفع الدوق أعينه للحافة و رأى وولف..

كان حيا..

رآه يقف ينظر للبناية الأخرى دون أن يرمش أو تهتز شعرة منه..الرياح تحرك خصلات شعره السوداء و الشمس التي كانت في دقائق غروبها الاخيرة تنعكس عليه كما لو تلمس الرجل الذي لم يمت...

صوت طنين خافت جعله يتحرك من مكانه يقترب من وولف يستوعب أن الصوت من ساعته و أن وقت عمه انتهى بالضبط مع وفاته حقا..

وولف كان حيا..و ليس هذا فقط بل لم تلمسه أي رصاصة وهذا دفع آزاريا ليقترب من الحافة يقف جنبا لجنب مع القاضي ينظر لما حدث ..

كروس كافالي كان لا يزال يدخن في البناية الأخرى..بعض من رجاله فقط موتى أما البقية فكانوا على قيد الحياة..أسلحتهم كانت أسلحة مخصصة للتصويب من مسافة بعيدة و قناص واحد فقط كان ميتا خلف مخبأه..

لا كروس تحرك و لا وولف..كلاهما واقفان يقابلان بعضهما على بعد بناية كأنهما رجال من جبال و لا شيء يلمسهما..

نظر آزاريا لوولف يراه بملامح باردة و لم يتحرك حتى ليس و كأنه كان يقف ضد قتل وشيك كهذا..

حينها حدثت حركة أخرى..

كروس كافالي نزع سيجارته من فمه يرميها أرضا ينفث آخر ما تبقى من الدخان ثم مد يده لجيبه يخرج شيئا ما..

أخرج ظرفا بختم أحمر..

ظرف يعرفه الجميع في العالم السفلي..ظرف حين يصل لعتبة بابك فاعرف أنك في خطر..

ظرف الروي..

رفعه كروس كافالي يريه لوولف بصمت دون أن يتحدث أحد و تلك كانت إشارة واضحة جدا..هو لم يقتل وولف بسبب حماية الروي له..وصله ظرف من الروي يمنعه من إيذاء وولف ..هو لم ينفذ عهد الريكا في روتسي خوفا من الروي..أخيل مات لأن كروس لم يحمه و لأن الروي استخدم نفوذه و منع أن يتم قتل وولف سييرا..كانت كلمة الروي ضد عشيرة الكافالي..

و لأن الروي مجهول لا أحد يعرفه فلا أحد يستطيع القيام بحرب معه ..حين يصلك ظرف منه أنت تنفذه دون تفكير ...

لهذا إذن أتى كروس كافالي..ليس ليقتل وولف حقا و إنما ليقتل كل الشهود المحتملين على أنه خان عهد الريكا في روتسي..قتل رجال آزاريا و رجال وولف حتى لا يشهد أحد ضده بأنه كسر القانون..و بالتالي لا أحد سيعرف أصلا بوجود أخيل و بأنه عقد عهدا كهذا مع أخيه الراحل..

ظل الدوق يحدق بذلك الظرف من بعيد كأنه لا يصدق أن رسالة بسيطة كهذه غيرت قدرهم جميعا..

ذلك الظرف أنقذ وولف و آزاريا بطريقة أو بأخرى..

لكن يظل السؤال المطروح هو ..كيف يعرف الروي بكل شيء يحدث دوما ؟ من هو ؟ لما يحمي أعضائه بهذه الطريقة ؟ لما يحمي وولف بهذه الطريقة ؟ ...

هل وولف يعرف الروي ؟..

ومع هذه الأسئلة يظل الجواب مجهولا كجهلهم لحقيقة الروي..و ما نجهله يخيفنا..لهذا يشكل ظرف الروي رعبا للجميع..حقيقة انه يعرف بكل شيء كانت تخيف رجالا حتى مثل كروس كافالي و تدفعه ليكسر قانون عالمهم النبيل..

أعاد الكابو الإيطالي الظرف لجيبه يشير لرجاله بأن يجمعوا الأسلحة و ينسحبوا لكن قبل أن يغادر كروس نظر للدوق و منحه إيماءة خافتة برأسه..

رد عليه آزاريا الحركة بتحية صامتة بينهما..لعل كروس كافالي فهم ما يجري و لا شك لديه أنه سيتواصل معه قريبا ليطلب توضيحا أكثر عن الأمر و عن عملهم مع أخيه الراحل..و آزاريا سيفعل..فهو إن أراد العيش في إيطاليا سيكون عليه أن يصنع علاقة جديدة مع الكابو..إن كان عمه قد أسس علاقة مع زعيم الكافالي السابق فهو عليه أن يأسس علاقة مع الكابو تسمح له بالعمل معه و إلا ستصبح إيطاليا منطقة غير آمنة له..ما حدث اليوم لن يمر مرور الكرام..

غادر كروس و رجاله من البناية و ظل وولف و آزاريا في البناية محاطان بجثث رجالهما و طائرة مروحية تحلق فوقهما كانت تمثل الصوت الوحيد الذي يقطع السكون من هذا الإرتفاع..

حينها فقط تحرك وولف ينحني على ركبته و يطل من حافة البناية ينظر للأسفل ببرود يتفقد جثة أخيل و التي من ماكنه هذا بدت صغيرة جدا ..كان يرى الناس من هذه المسافة بحجم صغير و يراهم يركضون كأن رؤية جثة محطمة لأشلاء على قارعة الطريق كانت كابوسا جديدا لهم..

لم يهتم هو بمن رأى ما حدث و لا بنتائجه..لم يخبر لا أندريه و لا أي من العشائر الإيطالية بما سيفعله..ما فعله و دخوله لإيطاليا بهذه الطريقة سيسبب له مشكلة كبيرة لكن لم يجد أي شعور بالندم داخله بل العكس تماما النار التي كانت تغلي داخله و صورة دم ألكانتارا المهدور أرضا بدأت تتلاشى من رأسه و نوع من التعب بدأ يبتلع روحه من الداخل كما لو الآن فقط بدأت تحل عليه عواقب كامل يومه..كأن الآن فقط خرج الوحش الذي تلبسه ..هنا و هو يرى الرجل الذي قتل والده و دمر حياته ميتا أسفل..

الملفات التي أرسلها ديافول له عن الآيفا و مواقعها و مداخلها و مخارجها و المعلومات التي منحها له روخيليو عن أخيل ..كلها أوصلته لما هو عليه هنا و ما فعله..لساعات تآكلت الأفكار المظلمة عقله و جعلت الظلام يبتلعه كليا وهو يحاول فهم اللعبة التي تم لعبها عليه و الدقة و البراعة و التفاصيل التي تم استخدامها ليحدث كل ما حدث..

لهذا وجد نفسه ينطق ببرود و أعينه لا تزال شاردة بالجثة أسفل البناية :

" هل تعلم لما سأقتلك الآن ؟.."

آزاريا كان يقف يمسك مسدسا بيد و ينظر بشرود كذلك و ملامح باردة للأسفل و الرياح تحرك خصلات شعره السوداء ..و سؤال وولف لم يحرك شيئا داخله بعد لهذا لم يمانع الإجابة بنفس النبرة..

" لماذا .."

الطريقة التي قال بها هذا كما لو أنه غير مهتم لو قتله حقا أو لما سيقتله لأنه حصل على كل ما يريده في النهاية..

" أنت لم تقتله بيدك لكنك السبب في موته.."

الحقيقة التي لا يستطيع أحد إنكارها..قد يكون المقنع هو من منح الأمر و هو من قتل والده لكن السبب في ذلك هو ديافول..الخطة كان ديافول من وضعها ..هو من لعب مع عمه و أشرك وولف و عائلته في إنتقامه..كان بإمكانه أن يقتل عمه أو يعذبه بألف طريقة في إيطاليا لكنه فضل أن يبقي أيديه نظيفة و يستخدم أيدي وولف لتنظيف فوضاه..فضل ألعاب العقل على ألعاب المسدس..تماما كوالده..

لهذا نظر القاضي لأيديه المغطاة بالدم كليا بعضه جديد و الآخر قديم جف مرت عليه ساعات..

كل شيء بسبب ديافول..لو قتل عمه لما حدث هذا..لو دمر الآيفا بنفسه لما حدث هذا..لو أبقى نفسه مخفيا لما حدث هذا..لو لم يظهر نفسه مجددا في حياة وولف لما حدث هذا..كل شيء خطط له هو منذ سنوات و جعلهم جميعا بيادق في لعبته المريضة مثله..جعل وولف بيدقا في لعبته و حركه كالدمية ليفعل كل شيء بينما هو جالس يراقب..

لذا وقف من مكانه ينظر له و أخيرا..

سطح ممتد أمامهما.. رائحة الدم ثقيلة في الهواء والأرض ترتعش حرارة تحت وطأة الدمار الوشيك... الشمس كانت تغرب تمنح السماء ألوانا جميلة و تلقي ظلالًا عليهما جعلتهما يبدوان كأنهما على حدود الشمس بالفعل ..

نايت و ديافول وحشان من نفس المنظمة و مرتبطان بماضي مشترك لا أحد قادر على منافسته ..انتقلا من الإخوة للعداوة.. في يوم كانا لا يفترقان والآن واقفان على جانبي صراع قد شق طريقه عبر شقهما ... ولا أحد منهما كان قادرا حقا على معرفة ما تحمله أعين الآخر..هل هما نادمان على ماحدث بينهما؟..هل هما غاضبان ؟ هل يودان قتل بعضهما ؟ هل يودان معانقة بعض ؟..الحقيقة لا أحد يعلمها..لكن الشيء الأكيد أن الحجر حين نرميه لا نستطيع سحبه و كذلك علاقتهما..ما تدمر من الصعب أن يبنى من جديد..

نايت الأخ الأكبر ..العضو الأفضل..

ديافول الأخ الأصغر..الشيطان الأسوأ..

وهما هنا يقابلان بعضهما دون أي كلام حقا تحدثا أكثر مما فعلا لأشهر..

التوتر في الجو كان ثقيلا حيث كانت ذكريات ماضيهما المشترك تطوف كأشباح حولهما .. كانا قد تدربا سوياً..ناما سويا..تقاتلا سويا..عملا سويا.. إبتسما سوياً..وحلما سوياً.. لكن الآن ما كان ماضيهما المشترك أصبح الغصن الذي أشعل نار الصراع الذي سيهز أسس مستقبلهما...

" بالنظر للأمر..لا زلنا ندين لبعض بقتال أخير.."

قالها آزاريا ببرود و هو يرمي مسدسه جانبا دون أن يبعد أعينه عن نايت..كان يذكره بليلتهما الأخيرة في الآيفا..كان من المفترض أن يقاتلا بعضهما تلك الليلة..القتال الذي انتظره الجميع و أرادوا رؤيته بشدة..القتال الذي مات كلاهما بطريقة أو بأخرى قبل أن يحدث..

و القدر كان له رأي آخر حيث سيحقق ذلك القتال لكن دون أن يراه أحد..القتال الذي انتظره المئات لن يراه أحد في نهاية المطاف..

" لا زلنا ندين لبعض بموت أخير.."

كان هذا رد وولف البارد وهو يؤكد له نفس ما قاله له يومها أنه سيقتله في القتال..بطريقة أو بأخرى..

و لأول مرة منذ تاريخ الآيفا كان ديافول هو أول من يضرب لأنه بيده المغطاة يقفازات جلدية لكم وولف بقوة جعلت الآخر يعود خطوة للخلف يكاد يسقط من الحافة..

و تلك كانت البداية الأخيرة بينهما..

بدأ القتال بينهما و الذي كان وقف التنفيذ لسبعة عشر سنة..و على عكس قتال وولف و أخيل..كان قتاله مع ديافول مختلفا لأنه لو رأى أحد ما يحدث الىن لما علم من بالضبط منهما هو الأفضل..

كلاهما تم صقل مهاراتهما في الآيفا لكن ما بعدها كان مختلفا لهما..ما عاشه وولف و آزاريا بعدها كان مختلفا و ظهر هذا في أساليب قتالهما..وولف كان قاسيا و عنيفا كأنه يريد التحطيم ..يريد تهشيم كل عظم في جسد ديافول ..بينما ديافول كان يتحرك كالظل..كأنه يريد أن يخنق وولف انعكاسا لما يشعر به هو داخله..

اصطدمت لكماتهما وركلاتهما..مع كل ثانية كان يصبح الأمر أعنف و أصواتهما أكثر غضبا كأن كلاهما مجروحان م نبعض بألف طريقة ..كان واضحًا أن هذه المعركة لن تشبه أي معركة أخرى..

لف آزاريا يده حول ذراع وولف كأنه سيكسرها له لكنه لم يفعل بل خنفه من الخلف يهمس له بغضب عند أذنه :

" أنت خنتني أولا.."

و مع قوله لهذا حمله بقوة و قلبه يضرب جسده أرضا يدفع القاضي ليصرخ بغضب قبل أن يقف يسحبه من قميصه ليلكمه عدة مرات لوجهه بغضب يجيبه مع كل لكمة..

" أنت طعنتني أعمق.."

ومع هذا سدد له لكمة أخيرة قبل أن يفلته و هو يصرخ مجددا كأنه مجروح و لا يعرف كي يوقف الألم وعند سماع ذلك بصق ديافول الدم من فمه يمسح الدم على جبينه بقميصه ليخفي لمعة الإنكسار الذي ظهرت في عينه لما سمع ذلك و نظر لوولف يعطيه بظهره يتنفس بسرعة ..

لقد كان يشير لحقيقة أنه إبن فارسيا و أنه إبن الرجل الذي دمر له حياته..

الراحة دامت ثوان فقط قبل أن يعود وولف له بغضب أكبر كأن تذكره لفارسيا جعلته يتذكر كل عذاب مر به و هو صغير فضرب الدوق كأنه يضرب فارسيا..و ضربه الدوق بعنف أيضا و دون رحمة كأنه يريد جعله ينسى أنه إبن فارسيا من خلال تهشيم رأسه..

كانت حركاتهما سريعة ..سريعة جدا و قد أذيا بعضهما في ظرف دقائق لدرجة كانا ينزفان من وجههما بقوة لدرجة بدا كأن أحدا ما رمى الدم على وجههما ...كل واحد منهما يضرب بدقة فائقة.. أسلوب فنون القتال لديهما كانت بارعة و سلسة و متناسقة انعكاساً لما عاشاه سويا..

كان أسلوب القتال لأزاريا مختلفا قليلا عن تدريبات الآيفا وعن المهارات التي تعود عليها القاضي منه..كان ينتقل كالظل..ضرباته كانت غير متوقعة و لأماكن مدروسة ..و يتجنب ضربات وولف كأنه يحفظها كليا..

مع مزيد من الدقائق من القتال العنيف بينهما و غروب الشمس تودع آخر اللحظات بينهما اندفعت العواطف بينهما و التي كانت مدفونة لسنوات ..الغضب..الألم..الإنكسار..الغدر..الحزن..الندم..أخرجا كل تلك المشاعر و أصواتهما أثناء فعلهما لذلك كانت مشبعة بألم الخيانة وغضب العلاقة المكسورة.. كانوا يتبادلون الكلمات بجانب الضربات.. وأصواتهما مليئة بالمرارة والأسى..

" كنت إبن العاهر..ابنه .."

" لم أكن إبنه..كنت أخاك.."

الطريقة التي قال بها ديافول ذلك وهو يوجه له ركلة لأضلعه يؤلمه بها كانت مؤلمة له أكثر لأنه قالها من أعماق روحه..قال الجملة التي لطالما أراد أن يخبره بها..أنه لم يفترض به أن يراه على أساس أنه إبن فارسيا و إنما على أساس أنه أخاه الأصغر الذي كان يفترض به أن يحميه..

"كان من المفترض أن نحمي بعض دوما.."

صاح أزاريا وهو يمنع إحدى الركلات القوية التي شنها وولف عليه ...

" وعدتني أن تكون العالم الذي يحميني لكنك تركتني لأموت..."

ضربه وولف حينها لصدره يبعده للخلف كأنه يبعد الألم الذي شعر به يطعنه كخنجر بعد سماع ذلك..

انعكس ذلك على ملامح وجهه فورا..سقط قناع برودهما كلاهما و باتت مشاعرهما تظهر خاما نقية على وجههما..

لم يعرفا ما يجدر به فعله ببعض لذا ضربا بعضهما أكثر قبل يسقط كلاهما كل واحد في جهة وهما يتنفسان بقوة و ينزفان من كل مكان و يتألمان من روحهما أكثر منه من جسدهما..

لكنهما يعرفان أنه لا يمكن أن يتراجعا..ليس الآن..ليس بعد كل شيء..

لذا و بينما هما منحنيان أرضا كل واحد منهما يحاول إستعادة أنفاسه و قوته ليقف مجددا نظر ديافول للمسدس الملقى جانبه و نظر وولف للمسدس قربه كذلك ثم نظرا لبعضهما..و توصلا للقرار..

قتالهما لن ينتهي لأنهما ببساطة لن يتفوقا على بعض..كانا إنعكاسا لنفس البشاعة و لنفس المصير..لو واصلا القتال لن ينتهيا بتاتا..لذا تشاركا نظرة واحدة قبل أن يحمل كل واحد منهما المسدس و يقفا يواجهان بعضهما..

بالطاقة المتبقية لهما وجها مسدساتهما لبعض ..أجسادهما مضروبة ومجروحة.. أرواحهما محطمة.. السطح حولهما كان شهادة على ما جرى اليوم من دمار ..و الشمس غربت تترك ضوءا داكنا مزيج بين البنفسجي و البرتقالي تستعد لتسدل غطاء الليل عليهما ..

سلاحا لسلاح..وحش ضد وحش..أخ ضد أخ..القاضي ضذ الدوق..

ذكرياتهما عادت إلى السطح.. ذكريات المهام المشتركة في طفولتهما و أحاديثهما سويا قبل النوم .. والأحلام التي نسجوها معًا.. تلك الذكريات..التي كانت يوما مصدرًا للسعادة أصبحت الآن مصدرًا للألم..

مسح وولف الدم الذي يسقط من جبينه و وصل لعينه قبل أن يسحب زر الأمان في مسدسه يستعد للإطلاق..

ملامحه لم تكن باردة بل يكاد يقسم آزاريا أنه و وسط ملامح الهادية المغطاة بالدم لمح بللا في أعينه و هو يقول له :

" أخبرني شيئا.."

كان يسأله أن يتحدث معه عن شيء للمرة الأخيرة قبل أن يقتله..شيئا عدا ما بينهما من عداوة كأنه يريد سماع صوته للمرة الأخيرة دون شيء مرير بينهما..

و عند ذلك امتلأت أعين ديافول بدموع مكبوتة كذلك لكنه مل يسمح لها بأن تنزل بل منح القاضي إبتسامة جانبية غير صادقة يجيب :

" شيئا رومانسيا ؟.."

" أتراجع..أفضل قتلك بصمت.."

ضحك ديافول لكن ضحكته لم تكن سعيدة بل تحمل من الإنكسار ما جعل وولف يبتلع ريقه كأنه قادر على الشعور بنفس ذلك الألم..أعينهما كانت مغطاة بطبقة من الدموع و طبقات من الألم ..لأن كلاهما يعلمان أنهما سيموتان الآن سويا و لا مفر من هذا المصير ..ديافول لن يسامح وولف على ما فعله به و وولف لن ينسى له ما فعله..

عيشهما سيجعلهما يتعذبان أكثر و يقضيا حياتهما دون راحة خشية أن يعود أحدهما لحياة الآخر و يدمرها ..خشية أن يعود ماضيهما..

الحل الوحيد هو موتهما كلاهما..

الآيفا ستكون فخورة برؤية ما فعلته بهما..والده فارسيا سعيد الآن في جحيمه وهو يرى هذا..

لذا حدقا ببعض قبل أن يفتح ديافول فمه يقول بنبرة خافتة كأنه يخشى من رفع صوته و يتضح من نبرته أنه يتألم أو أنه على وشك أن ينزل دموعه..

" حين كنتُ في التاسعة سألتني مرة عما كنت سأفعله لو خرجنا من الآيفا و عشنا حياة طبيعية فأخبرتك أنني أريد الذهاب لحديقة الملاهي ..."

توقف آزاريا لثوان قبل أن يتابع بنفس النبرة المتألمة و الإبتسامة الشاحبة :

" لحد الآن لم أفعل ذلك.."

عمره أكثر من ثلاثين سنة و مع ذلك لم يستطع أن يخطو بقدمه لحديقة الملاهي ليس لأنه دوق و لا لأنه كبير على الأمر..بل لأنه لو فعلها سيتذكر كل حلم وضعه و لن يستطيع تحقيقه..لو ذهب سيتذكر كل شيء سيء و سيضعف و يتراجع عن إنتقامه..لم يفعلها ببساطة لأنه ديافول..و الضحك في هذه الحياة لم يكن من حقه..

" ماذا عنك ؟.."

" وجهي لا يساعدني على دخول حديقة الملاهي..سيسبب لي مشاكل.."

رد وولف كان بنبرة هادئة اعتيادية لكن لمعة مميزة في أعينه الدامعة هي ما جعلت ملامح آزاريا ترق كأنه فهم قصده من جوابه..

لم يفعلها لأنه وعده أن يفعلاها سويا..و دون ديافول لم يفعلها نايت..

وهذا كان جوابا كافيا للدوق كي يسحب زر الأمان في مسدسه يستعد ليطلق الرصاص كذلك..

تشاركا لحظة و نظرة و بدأ الليل يحل يجعل السماء داكنة أكثر مما كانت عليه قبل لحظات ..الدم و العرق و ربما دمع أيضا غطى ملامحهما ولم يرمش أحدهما بعيدا عن الآخر..

أغلق الدوق قبضته الحرة عدة مرات كأنه يشعر بتيبس في عضلاته يمنعه من الإطلاق و تفاجأ لما رأى يد وولف على المسدس ترتجف..

تماما كتلك الليلة الأخيرة بينهما..يده كانت ترتجف كجسده و هو على وشك قتله..

الآن أيضا ارتجف جسد القاضي كأنه يتمرد عليعه ويرفض قتل أخاه للمرة الثانية و ذلك جعل ديافول يطلق نفسا ثقيلا حارا و هو يعيد زر الأمان لمكانه..وقتها نزلت دمعة من عين وولف و هو يهز رأسه يتمتم له..

" لا..لا...لا تتراجع ديافول.."

كان يتراجع عن قتله ولم يستمع له لأن حركته تعني أنه يرفض قتل وولف و في اللحظة التي كان يخفض فيها مسدسه و يفتح فمه ليتحدث تم إطلاق ثلاث رصاصات تخترق الجو..

اتسعت أعين وولف و آزاريا كلاهما على حد سواء..

لأن الرصاصات لم تخرج من مسدس وولف بل من مكان خلف آزاريا..

ومن يقف خلف آزاريا كان أوناي..

أعينه محمرة ملامحه شاحبة و الدخان يخرج من فوهة مسدسه..

أوناي أطلق ثلاث رصاصات على آزاريا انتقاما لوالده و لا شيء أوقف قلب وولف سييرا كرؤية الدم يتدفق من جسد ديافول من ثلاث فتحات و هو يستدير بدوخة و تمايل يوجه مسدسه لأوناي ينوي قتله فركض صوبه..

في اللحظة التي رأى فيها الدوق أن أوناي من أطلق عليه سقطت كل دفاعاته و سقطت معها دموعه و دمه لأنه يعلم يقينا..يعلم أنه قتل أب وولف و لن يكون قادرا على قتل آخر أخ له..لذا أفلت مسدسه أرضا و تراخى جسده ..

لكن قبل أن يرتطم جسده أرضا شعر بشخص يمسكه يمنعه من ذلك..

شهق ديافول بقوة من الألم الذي عصف بجسده و حاول أن يتنفس لكن الهواء كان ضيقا في رئتيه ...

" لا أصدق أنك فعلت بي هذا مجددا.."

همس ديافول بهذا بإبتسامة شاحبة و استفرغ الدم بينما يحاول ضرب يد وولف التي تمسك وجهه كأن لمسته تحرقه..الطريقة التي قال بها ذلك كانت تحمل إنكسارا كأنه لا يصدق أنه وقع في نفس فخ وولف مجددا..في نفس فخ الأخوة اللعينة اليت دمرت حياته..فعلها وهو يقع على ظهره في الأرض ينظر للسماء و بدا كأنه يصارع الموت حقا..

نفس الوضعية حدثت له قبل 17 سنة..و على يد نفس الشخص..أخيه..

انحنى وولف على ركبتيه أمامه و جف الدم من وجهه كأن روحه تخرج مع آزاريا وهو يمرر أعينه على الدم الذي يسيل منه  بسرعة و من كل مكان..رآه يفتح و يغمض أعينه بدوخة و أنفاسه كانت متثاقلة يمد يده له مجددا يمسح له الدم من فمه كأنه يمسحه لآزاريا الصغير الذي كان ينام قربه في الآيفا..مسح له الدم من فمه كأنه يمسحه لأخيه الاصغر بينما أعينه امتلأت بالدموع التي كانت الدليل الوحيد أنه حي..

بعدها اعتدل وهو  يلف ذراعيه حله يحاول حمله لكن فشلا أصابه في جسده و رجفة مرت عليه جعلته غير قادر على ذلك...جسده خانه يمنعه م نحمل أخيه و إنقاذه..جسده تخلى عنه كأنه يعاقبه على ما فعله ..يعاقبه وهو يرى موت أخيه للمرة الثانية في حياته..

آزاريا كان يعتقد أن وولف من قام بتوصية أوناي لقتله و حتى مع هذا لم يستطع فتح فمه ليتحدث أو ينكر..كان متجمدا و في حالة إنكار كأنه في كابوس و فقط حين سعل ديافول يشهق مجددا ليتنفس عانقه وولف يمسك رأسه يقربه لصدره و هو يتمتم كأنه روح ميتة..

" ليس مجددا..أرجوك ليس مجددا.."

حاول ديافول أن يبعد وولف عنه يدفعه بعيدا عنه يحاول بذلك حرمانه من لمسه للمرة الأخيرة لكن جسده كان ضعيفا و ينزف ..

وولف لم يتركه كان يتمتم لنفسه كأنه هو من يواجه الموت و هو من يخسر روحه..

ليس مجددا..ليس مجددا..

عانق وولف آزاريا بقوة لدرجة خانقة و سقطت دمعة من عينه ثم هناك و في تلك اللحظة دعا الرجل الذي لا يؤمن بالدعاء للمرة الثانية في حياته...دعا الرب أن يوقظه من الكابوس هذا..

و وسط كل ذلك استمع لهمس خافت جدا ..

"لم يجدر بهم وضعنا ضد بعض أخي.."

أغمض وولف أعينه تسقط المزيد من الدموع على وجنتيه تمتزج مع الدم بينما يشعر بصدره يهتز برجفة كما لو أنها رجفة روحه وليس جسده ...

صوت المروحية في الهواء و صوت إقتراب خطوات سريعة منه و شخص يصرخ به ليفلت آزاريا..لكنه لم يستمع لكل ذلك..كان هناك طنين في أذنه و ضربات قوية لقلبه في صدره تمنى لو أنها توقفت..رجل ملحد كان يدعو الرب الآن من أجل عدوه..

لا يعتبرالفوز فوزا حين تشعر بعالمك يضيق و أنفاسك تتباطئ بينما تمسك عدوك بين يديك تدعو الرب ألا تختفي ضربات قلبه..لا يعتبر الفوز فوزا حين يكون الدم على أيديك دم أخيك..لا يعتبر الفوز فوزا حين يكون الرصاص في جسد عدوك و الموت في جسدك..لا يعتبر الفوز فوزا حين تكون الحرب حرب إخوة..

كلكم إخوة و كل أخ هو عدو..

أكبر كذبة في التاريخ..

🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬


سنتحدث في الخاتمة لا تحزنوا بعد هيهيهي..

هل هذه هي النهاية؟..

ربما..

لا تحرقوا النهاية..ممنوع بتاتا..يمكنك التعبير عن مشاعرك تجاهها لكن لا تحرقوا الأحداث و التفاصيل اتركوا تجربة القراءة ممتعة ..للقراء الجدد

Continue Reading

You'll Also Like

3.8M 57.6K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...
612K 20.5K 35
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
128K 13.7K 123
{كتاب تعليمي للمبتدئين}. تقرأ الكثير من الروايات وتتمنى أن تصل الى هذا المستوى لكن البداية صعبة. تحتاج لمن يشذبك لتسير في الطريق. هذا الكتاب سيساعدك...
58.1K 3.6K 45
بقلم noor💚 (مكتملة) كان علي العيش كفتى وذلك بناءاً على طلب والدي لكن ملامحي الأنثوية تمكنت مني ، فلم يكن لدى والدي حل غير التوجه نحو أخي الذي يكره و...