عاشقة في الظلام

By _ibriz_

20.5M 715K 1M

لم يكن بزعيم مافيا و لم يكن الدون أو الزعيم على الإجرام...بل كان شيئا مختلفا...هو كان قاضي المافيا...كان الرج... More

هل أنت قاتل ؟
Part 1 : رُويْ (Roy)
Part 2 : بين الظلال
Part 3 : توقيع بإسم الحب
Part 4 :ألم عاشقة
Part 5 دمعة الحب
Part 6 مشكلة قلب
Part 7 هيوغو آندريس
Part 8 قوة الحب
Part 9 ظهور الروي
Part 10 إشتياق
Part 11 خسارة عظمى
Part 12 سِرٌّ مقابل سِرّْ
Part 13 الملكة والشطرنج
Part 14 مخالب أنثى
Part 15 إرمي أوراقك
Part 16 تسديد دين
Part 17 ابتسامة قاتلة
Part 18 معجزتكَ
Part 19 قانون التسعة
Part 20 شبح الماضي
Part 21 تناقضكِ جذاب
Part 22 ميلادها
Part 23 أسطورة العشق الأولى
Part 24 قاضي العالم السفلي
Part 25 تمردات العشائر
Part 26 قلب الوحش
part 27 جريمة حب
Part 28 أورلوف
Part 29 مَلِكُ الْجَحِيم
Part 30 القفص الذهبي
Part 31 دوق إيطالي
Part 32 خنجر في يد ملك
Part 33 صرخة الموتى
Part 34 جريمة الليل الأولى
Part 35: حب على الصّليب
Part 36: الإرث الأسود
Part 37 :حين يصطاد الملك
Part 38: أميرة وسط الذئاب
Part 39 : الرقص مع الشياطين
Part 4×10 : الرابع من أكتوبر
Part 41: كأس الملك
Part 42 : دم على ثلج
Part 43 : Heikō
Part 44 : فخ منتصف الليل
Part 46: الثور في إسبانيا
Part 47 : الأمير و الأميرة
Part 48 : الوريث الحقيقي
Part 49 : النهاية
الخاتمة
فقرة الأجوبة عن الأسئلة

Part 45 : موعد مع الأميرة

286K 11K 22.6K
By _ibriz_

و لو أن إبليس رآكِ يوما

لَقَبّل أعينكِ ثم اهتدى

.................................................................................................................................................

 وولف و مارينا كانا يقفان جنب بعض في الحديقة قبيل غروب الشمس يراقبان مايكل يسير مع أديلينا و ارتورو في الحديقة يتحدث معهما و يريهما بأيديه يشرح خططه الجديدة لزراعة نوع جديد من الأشجار و بعدها التف بهما ناحية المسبح أو المسبحين إن صح القول و أديلينا فورا شهقت تركض ناحيتهما...

ابتسمت مارينا على ذلك ترى أرتورو يتبعها بتردد...والدها كان أفضل مهندس حقا و هو حين صمم المكان و قام ببنائه وفق ما تخيله جعله شيئا خارجا من القصص الخيالية...و حديقتهم الخلفية و المسبحين فيها يبدوان كمشهد من قصص جنيات و حوريات...و الربيع أفضل وقت يمكنك الجلوس فيهما بسبب نوع محدد من الزهور التي تطلق رائحتها في هذا الوقت من السنة..

حين التفتت لوولف تنوي معرفة ما يفعله اختل نبضها لما وجدته يحدق بها بالفعل...و ضوء الشمس قبل لحظات من الغروب انعكس عليه يرسم كل تفصيل في وجهه و هو ما جعل نظرة اعينها ترق كأن الشمس غربت في السماء و أشرقت في قلبها..

" هل لا تمانعين بقائهم هنا معك ؟.."

سألها بهدوء بعد لحظات و هو يلف ذراعه حولها بعناق جانبي يشير للصغار الذين يحدقون بالمسبح بانبهار و كيف أن المياه تنبعث صوبه من كل جهة و كيف أنه مزين من الداخل...

" بالتأكيد لا أمانع...لقد درسا بشكل جيد جدا و يستحقانها..."

العطلة كانت هديتهما لأنهما لم يتعباها في الدراسة و فعلا ما أرادته بالضبط...و هي بذلك تعني أديلينا التي لا تهتم بالدراسة عادة بقدر اهتمامها بالرسم و التلوين فتحصلت على علامات جيدة...أما أرتورو فكان حالة خاصة...

و لعل وولف فكر بذات الشيء لأنها سمعته يتنهد بخفة فأعادت أعينها له تنظر لوجهه من الجانب و كيف رمش يخبرها :

" لقد أرسلوا لي رسالة أخرى من المدرسة...ينتظرون توقيعي لأنقله صفوفا أعلى العام المقبل..."

رغم أنه قالها بهدوء لكن هناك لمحة مختلفة في نبرته...كأنه لا يصدق أن شخصا مثله ولد فتى عبقريا...لأن الحقيقة كانت أن قاضي العالم السفلي لم يكن غبيا لكنه لم يكن مثل ابنه بنسبة ذكاء أعلى من الطبيعي...لم يكن مثله ينظر للارقام و يرى حلولا أو يقرأ الصفحة مرة لتترسخ في ذهنه للأبد...كان عبقريا و هذه الصفة بقدر ما كانت مبهرة بقدر ما كانت ثقيلة و مخيفة...فبالنسبة له الأمر يعني أن أرتورو لم يتبق له سوى سنتين أو ثلاثة ليستوعب حقا عمل والده و يفهم ما يجري حوله..لم يتبق له الكثير ليبدأ بالبحث عن الإجابات و ربما سيبدأ برؤية اختلافه شيئا سيئا و يختار لنفسه طريقا آخر...

هذه أمور كانت تجعله يقلق لأن الذكي ينضج أسرع من الطفل العادي...

" هل تودني أن أتحدث معه بشأن هذا ؟ علينا ان نعرف إن كان مستعدا أم لا سواء لتغيير مستواه الدراسي أو لترك أخته...فهما توأم و تعودا على بعض و لن يكون من السهل فصلهما في القسم..."

نظر لها وولف بتفحص لثوان قبل أن يقول :

" من جهة أوده أن يقرر بنفسه و من جهة لا أود منحه الخيار أصلا حتى لا أدمر طفولته..."

لقد نصحته مارينا قبلا بهذا بالفعل...لأنها مرت بنفس الشيء و تجاوزت سنوات دراسية ثم ندمت..لهذا هو الآن متردد من ان يعيد نفس ما حدث لها لابنه...

لذا ربتت على ذراعه التي يلفها حولها و أجابته :

" دع العطلة تنتهي و سأفاتحه بالموضوع تدريجيا ..لن أخبره بالخيار و لن أمنحه له...لكن سأعرف رأيه حيال إن كان يواجه مشكلة في الدراسة في مستوى أقل من قدراته..."

ربما هذا أفضل ..أن يعرفوا رأيه بطريقة غير مباشرة دون أن يمنحوه حرية الإختيار بين الأمرين حتى لا يضع الأمر في رأسه و يقرر في سن صغير كهذا...أو ربما يستمع لنصيحتها الأولى و يتركه يدرس بشكل عادي لسنة أو سنتين و يروا الأمور معه أولا..

و كرد عليها اكتفى بمنحها إيماءة و هو يقربها منه اكثر حتى يضع قبلة أعلى رأسها تجعل قلبها ينبض أسرع و أقوى و هما يشاهدان سويا غروب الشمس و كيف أن الألوان تباينت في السماء تستعد لتسدل وشاح الليل...

مجرد دقيقتين حتى دخلت سيارة للمنزل و فتح الحراس البوابة...وولف و مارينا التفتا كلاهما يراقبان من أتى و ما أن توقفت السيارة حتى فُتح الباب الأمامي أولا و نزل منه نيكولاي الذي أضاء وجهه بابتسامة و هو يراها لذا بخطوات سريعة اقترب منها يتجاهل الباب الخلفي الذي فتح و نزل منه اشخاص آخرين...

كان يرتدي قميصا أسود فضفاض أزراره الأولى مفتوحة و سروال منزلي رمادي و حذاء رياضي بينما القبعة الرياضية في رأسه كان يرتديها بشكل مقلوب كأنه مراهق في السابعة عشر و ليس رجل في التاسعة و العشرين تقريبا..حتى إبتسامته كانت سعيدة و ما أن وصل لها حتى عانقها بقوة يحملها لدرجة لم تلمس أقدامها الأرض فضحكت هي تبادله العناق...

" اشتقت لرؤيتك هنا.."

قالها بالروسية كأنه أخ يرحب بعودة أخته للمنزل...و رغم أنهما كانا سويا في إسبانيا لكنهما التقيا مرتين فقط و حتى لو فعلا فهما يفعلانها كالروي و مساعده..أما هنا في روسيا و داخل هذا المنزل فهما عائلة فقط و لا وجود للعمل..

لذا حين أفلتها يضعها أرضا و هو يمسك وجنتيها بيد يديه بلطف يتفقد ملامح وجهها بلمعة في أعينه ابتسمت هي له تقلب قبعته تعدلها له كالعادة و وضعت قبلة على وجنته ..

" اشتقت لك ايضا.."

" لدرحة تحضري لي كابوستا ؟.."

رفعت له مارينا حاجبها فضحك و هو يضيف :

" سأكرر طلبي بعد أيام إذن..."

و حين قال ذلك فقط نقل أعينه لوولف ...الرجل الذي كان مرتبطا به ماضيا و حاضرا...فقط ثلاثتهم من يعرفون ما فعله وولف سييرا في حياته حقا و أنه حي هنا اليوم بسبب...لذا إبتسامته لم تختف بتاتا و هو ينظر له...بل فقط أفلت وجنتي مارينا ليعانقها عناقا جانبيا بذراع بينما بالأخرى مد يده ليصافح القاضي :

" وولف...آمل أن تترك روسيا ذكرى جيدة لك كما فعلت إسبانيا معنا.."

لم يستخدم معه الرسمية هذه المرة لأنه خارج هذا المنزل يكون نيكولاي الرجل الذي يعمل عنده و عند زوجته لكن داخل أسوار المكان هنا هو مجرد أخ لها تربى معها و سار معها في كل خطوة من حياتها المظلمة حين لم يكن هناك أحد ليمسك يدها...

و القاضي فهم ذلك..لهذا منحه إيماءة بملامحه الجميلة الهادئة و صافحه يجيبه :

" هي كذلك بالفعل.."

اتسعت إبتسامة نيكولاي على ذلك و ألقى نظرة سريعة على مارينا التي دون شك كانت الذكرى الروسية الجيدة التي قصدها وولف..و قبل أن يعلق على ذلك وصلهما صوت جدال فالتفت ثلاثتهما لمصدره...

كان هناك في السيارة التي أتى منها نيكولاي ...روميو و سيلي...لقد أتيا معه لكنهما كانا مندمجين في جدالهما لدرجة لم ينتبها لا لينيكولاي الذي نزل ركضا و لا لمارينا و وولف في الحديقة..

روميو كان يرتدي بذلته يدس أيديه في جيبوب سرواله .. شعره الأشقر يكاد يكون أبيضا بينما ملامحه كانت هادئة ثابتة رغم أن هناك انقباضة في فكه و هو ينظر لسيليستي بطريقة مختلفة عما ينظر به للجميع يستمع لها تقول شيئا ما بينما تضم يديها لصدره و هي على عكس مظهره المرتب المثالي...كانت ترتدي فستانا قصيرا بنفسجيا و شعرها الطويل كثيف و مموج كأنها خرجت توا من حفلة صاخبة في هوليوود و حتى كعبها كان مرتفعا جدا و هي تطرق به مع كل كلمة تقولها..

" روميو غاضب منها لأنهم اتصلوا به ليمنعهم من أخذها للشرطة بعدما تشاجرت في الحفلة..."

همس نيكولاي بهذا و بنفس الهمس أيضا ردت عليه مارينا :

" لما اتصلوا بروميو بالذات ؟.."

" هي تضع إسمه و رقمه في لائحة الطوارئ خاصتها هل تصدقين...تضع روميو...لا مايكل و لا أنا أو أنت"

وولف كان يستمع لهمسهما و كيف أنهما يعانقان بعض من الجانب و يحدقا بسيلي و روميو كأنهما إخوة يتهامسان على غرباء ...بينما هو كل ما فكر به هو...

من يسمي ابنه روميو ؟..

لكنه طبعا سرعان ما استوعب أن إسمه وولف وهو ليس شيئا يؤهله لينتقد اسماء غيره لذا اكتفى بالوقوف معها و مراقبة الثنائي باهتمام...

سيليستي سيفاشي..كانت أخت رفاييل سيفاشي..الرجل الذي كان حرفيا المستقبل الجديد للإجرام الصربي بما يفعله الآن من تغييرات بعد خروجه من القفص..لكنها هنا تبدو كفتاة عادية تتشاجر مع حبيبها الذي منعها من الإحتفال...حتى شكلا كانت مختلفة جدا عن أخيها..

وولف لطالما آمن أن من يدخل القفص الذهبي لن يخرج منه كما هو بتاتا...و لقد تأكد حين قابل رفاييل...لأن رفاييل قبل قفص المافيا ليس نفسه رفاييل بعد القفص...و لعل ذلك أحد الأسباب التي جعلت أخته تبتعد عن صربيا...فالأخ الوحيد الذي كان مختلفا عن عشيرتها لم يعد نفسه..

هو لا يتدخل في الأمور العائلية و لم يسبق أن وضع السيفاشي نصب أعينه لكن أندريه كان يُولي اهتماما كبيرا لرفاييل كأنه متأكد من أن رفاييل هو الرجل الذي سيقوم بشيء ما منتظر في المافيا..لهذا هو حاليا يراقب أخيها عن كثب..و الآن ها هي هنا تتجادل مع رجل يبدو كأنها عبثت له بأوتار ساعته و هو سيختنق بسبب ذلك...

قال لها روميو شيئا بهدوء جعلها تفتح فمها بتفاجئ يخرسها كليا و قبل أن ترد عليه غادر يتركها هناك متوجها نحوهم لكن دون أن ينتبه لهم اصلا و ما أن فعل و وقعت أعينه عليهم حتى توقف مكانه فجأة يرمش عدة مرات ينقل أعينه الزجاجية بين مارينا ..وولف و نيكولاي..

" يا إلهي..."

شهقة سيلي المتفاجئة لما انتبهت لهم أيضا لم تكن صادمة بقدر صرختها الحماسية و هي تركض نحوهم كأنها فتاة صغيرة في الرابعة و لكن لأن كعبها لم يسمح لها فقد نزعته فورا ترميه بإهمال كل فرد في جهة و ركضت حافية نحوهم و هي تصرخ بحماس و لم تتوقف حتى ارتطمت بمارينا تعانقها بقوة ...

روميو نظر لكعب سيلي الذي رمته ببعثرة قبل أن يمسح على ساعته عدة مرات ثم عدل ربطة عنقه كأنه يختنق لمجرد رؤية فوضويتها لذا بقدمه عدل كعبها يجر الفرد للأخرى يضعهم قرب بعض بترتيب قرب العشب و حينها فقط تنفس الصعداء و بدأ يتقدم منهم..

" ******...أيتها ******...لا أصدق أنك هنا دون أن يخبرني أحد *****بهذا لأنني ذهبت لأحتفل بحق الرب و ***** نيكولاي كان معنا..."

لغتها كانت ملونة ومزركشة بالكلام الجميل الذي جعل مارينا تضحك و هي تعانقها :

" أنا أيضا اشتقت لك كثيرا ..شكرا لك..."

ابتعدت سيلي عنها بضحكة من لباقتها تتفقد وجهها ثم جسمها قبل أن تمسكها و تديرها عدة مرات تتأكد من شكلها كأنها أم تتفقد ابنتها التي عادت بعد سفر طويل رغم أن الفرق بينهما سنوات فقط ..

" هل أنت تبدين أجمل أم أنا أتخيل؟...هل تغير مقاسك؟...ما الذي تتناولونه في إسبانيا ؟ ..."

أبعد نيكولاي سليلي عنها لتتوقف عن تفحصها كأنها تتفحص دمية لكنها أبعدته و عانقتها مجددا و هي تتنهد بسعادة و هي تميل بها من اليمين لليسار كأنها تعانق وسادتها قبل النوم و قد ضحكت مارينا مجددا لكنها لم تمنعها..

" Printsessa "

صوت روميو الهادئ الرزين هو فقط ما جعل سيلي تبتعد عنها سريعا و تلتفت له بتقضيبة ترمقه بانزعاج ..لكنه لم ينظر لها بل نظر لمارينا يمد يده ليصافحها بابتسامة جميلة جعلت كلا من نيكولاي وسيلي يرمشان لأن رؤية روميو يبتسم شيء نادر جدا..فهو روسي جدا جدا أكثر منهم جميعا...

و لأن مارينا تعرف أنه لا يحب العناق و لا يعانق فقد اكتفت بمصافحته بابتسامة تظهر سعادتها برؤيته :

" روميو.."

و هكذا فقط كانت الأميرة الروسية و فتى روسيا الاشقر الجميل يقومان بتحية بعضهما..و لم يحتاجا الكثير لأنهما تحدثا في مكالمة فيديو قبل يوم فقط...

و لكن روميو حين سحب يده منها فقد انتقل لوولف و صافحه كذلك لا يعرف بعد إن كان يتقن الروسية أم لا لذا اكتفة بتحية صامتة معه قبل أن ينسحب من جمعتهم و يستأذنهم ليغادر نحو الداخل...و للصدفة راقبه أربعتهم..

روميو كان مساعد والدها في كل شيء حرفيا ...يعمل معه من شروق الشمس لمغربها ...و حين تكون هي غير متواجدة يقضي بعض الأيام معه ليعتني به رغم أن ذلك ليس ضمن عمله اصلا لكنه و بعد سنوات من العمل معهم بات يضحي بالمزيد من وقته ليتكفل بمايكل...

مع ذلك و مهما حاولوا معه لكنه يرفض التعامل معهم بشيء غير الرسمية...لا ينادي مارينا بإسمها دون القاب و لا مايكل باسمه..حتى سيلي لا يناديها سوى بإسمها الكامل رغم أنها مجرد ضيفة....لا يجلس معهم في التجمعات العائلية لأنه لا يحب التطفل على أمور لا تخصه و لو تحدثت أمامه في الهاتف عن أي شيء سيء أو جيد فهو سيموت و لا يقول شيئا عن ذلك لأن الحديث الذي لا يوجه له بالنسبة له لم يسمعه أو يره...

دوما ينسحب حين يجتمعون أو يكون هناك لقاء عائلي دافئ..هو لم يسبق أن تجاوز حدوده معهم لهذا لم يتجاوزها معه...و لهذا والدها يتذمر و ينزعج منه و يعامله كأنه المصيبة في حياته و المصيدة بالجبن للفأر..فقط حتى لا يضطر أن يعامله كرب عمل ..كان روميو شخصا جيدا جدا لكنه منفصل عن البقية بشكل كبير جدا أيضا...

بعد دخوله هو سحب نيكولاي مارينا من كتفها كذلك للداخل و هو يتحدث معها فلحقته بهدوء متوقعة أن وولف و سيلي سيلحقان بهما...لكن في اللحظة التي ابتعدا فيها بمسافة معتبرة حتى وقعت إبتسامة سيليستي العابثة و صارت ملامحها ثابتة هادئة و هي ترمق القاضي بنظرة جدية..

مع ذلك هي لم تتحدث كما بدا عليها قبل قليل كإمرأة حيوية نشيطة...بل نظرت له كأنها تنتظر منه أن يبدأ الكلام أولا ...لأنها قد تكون مع مارينا بشكل لكنها مع وولف لن تكون بذات الشكل كونها تعرف من يكون وهو يعرف من تكون جيدا..هي منذ أن سمعت بأن صديقتها تزوجت من رجل ثري إسباني اعتقدت أنه واو لا بد و أن الحياة مثيرة هناك...لكن حين سمعت إسمه عرفت اي نوع إثارة جلبته ..إثارة المافيا...و ذلك لم تكن لتتوقعه يوما في حياتها..و هي تملك الكثير من التساؤلات لدرجة لم تعرف من أين تبدأ و إن كان يجدر بها أن تبدأ أصلا..

رفع وولف حاجبه لها كمن ينتظر منها إما التحدث أو السماح له بالمغادرة كونها تقف في طريقه مباشرة...و تلك كانت إشارتها لتقول فورا :

" هل أخبرتها عني ؟.."

أول شيء تود معرفته هو إن كانت صديقتها قد علمت بحقيقة لقبها المزيف و خلفيتها الإجرامية و هو شيء دفعها لتقلق طوال أشهر و منذ معرفتها بزواجهما...هي كانت فقط تنتظر لحظة لقائها بهما لترى الوضع ..

" هل أبدو كشخص يدردش في أمور النساء ؟..."

صوته كان هادئا و لا شيء في نبرته كان يحمل العدائية و هي لم تتوقع ذلك لأنها رأته عدة مرات طوال حياتها بسبب رتبته في القضاء و لم تره يبتسم حتى فتوقعت جانبا مختلفا منه...مع ذلك رده دفعها لتزم شفتيها ثوان قبل ان تتحدث :

" لكنها تعيش معك و لا بد أنها تعرف من أنت أو أخبرتها من تكون في المافيا ..."

" مجددا..لست شخصا يدردش عن حياته الزوجية..."

لقد كان يتفادى أسئلتها ..يرفض منحها جوابا صريحا و تعلم أنها غريبة عنه و ليست شخصا قد يفكر بمنحه اسراره لكنها تحتاج معرفة لأي مدى تعرف مارينا عنها و عن عمل زوجها و لعله قرأ تساؤلها ذاك في أعينها لذا هذه المرة سبقها في الحديث يقول بينما يضع أيديه داخل جيوب سرواله :

" لما لا تسأليها بنفسك مباشرة؟..."

" ماذا لو لم تكن تعرف ؟.."

" هل أظهرت لكِ أنها تعرف ؟..."

" لا..."

" جيد...أفضل إبقاء الأمور على تلك الحال..."

قضبت سيلي جبينها تسمعه يخبرها بطريقة غير مباشرة أنه لن يخبر مارينا عنها إن لم تخبره عنها...و هو نوعا ما جعلها تعتقد أن صديقتها بالفعل لا تعرف شيئا عنهما دام لمح لهذا..كما و لا تعتقد أن مارينا كانت ستتحدث معها بشكل عادي و تنظر لها بنفس الطريقة لو علمت أنها تزور هويتها و أنها من عائلة إجرامية...اقل شيء كانت ستتصل بها فورا و تطرح عليها أسئلة أو توبخها بنبرتها الهادئة تلك..

لذا منحته إيماءة بينما هي داخلها تنفست الصعداء لأنها ولا مرة في حياتها و في صداقتها مع أميرة روسيا تخفي عنها لقبها و عائلتها توقعت أن ينتهي بها الأمر متزوجة بمجرم تعرفه هي ..الأشبه أن تكذب كذبة و أنت متأكد كليا أنه لا توجد اي فرصة لاكتشافها ثم يأتيك رجل من النصف الآخر للقارة و يقول لك مرحبا أنا أعرف سرك..

لكن بنظرها لوولف الآن و ما يرتديه و كيف يتحدث ويتعامل لعل ذلك السبب في أنه نجح و لفترة طويلة في إخفاء هويته عن زوجته..لا يرتيد ثياب القضاء و لا قلادته...لا وجود لأي أسلحة مخفية في حلته..لا تعتقد انه ذلك النوع من الرجل الذي يعود للمنزل ملطخا بالدم أو يحمل مسدساته أمام الأسرة كما يفعل أبناء النبلاء..

لذا حين تحرك وولف يمنحها إيماءة أخيرة ليغادر يمر جانبها تبعته بأنظارها حتى فاجئها لما توقف و استدار لها فجأة ينظر لها قبل أن يتمتم بهدوء :

" الهروب ليس حلا...أنتِ من السيفاشي و عليكِ أن تتولي مسؤولية اللقب كما فعل رفاييل.."

لاحظ كيف فورا تغيرت وضعيتها كانه أخذها على حين غرة أو طرق على المكان في عقلها الذي تنكر وجوده..المنطق الذي يعرف بالفعل أنها مخطئة بتركها لأخوتها و عشيرتها و هم في أمس الحاجة لها...لذا أعينها الزرقاء الزجاجية كانت تحمل عواصف أفكارها رغم ثبات ملامحها..

" صربيا عند غلق الإتحاديات ليست صربيا نفسا الآن..."

دون تردد رد عليها :

" أعلم...صربيا ستصبح اقوى..قفي جنب رفاييل لأن لقبكم ستتغير رتبته عما قريب ..."

لم تتوقع سماع هذا بتاتا و لا أن يغادر بعد رميه لمعلومة كهذه فجأة يتركها تقف في الحديقة ..

صربيا ستصبح اقوى ؟..هل ستتغير عشيرتهم و تصعد مكانة في الحكم ؟...تبا...لما أغلقت كل أرقامها بحق الرب ؟ و الآن كيف ستعرف ما الذي يفعله رفاييل حتى يغير من مصير عشيرتهم و مكانة صربيا...

هي ولدت في البلد..و تعرف أن صربيا ليست البلد المفضل للكثيرين...كانت البلد المظلم..ليست كإسبانيا و إيطاليا تدخلها و تنفتح أنفاسك للعيش فيها...صربيا كانت قاسية و عنيفة و تاريخها في المافيا جعل النزاع عليها قويا حتى بين العشائر داخلها..كانت من دول البلقان التي عدد سكانها ليس كبيرا لكن الإجرام فيها أكبر..و حتى الحكام واجهوا صعوبة في الدولة ..مقدونيا و رومانيا حولها كانتا منطقتين كجبهتي القتال في الحرب العالمية..

في المافيا هناك مقولة منتشرة بين النبلاء..

' إذا أردت ملكا فاختره إسبانياً و إذا أردت شاعرا فاختره إيطالياً و إذا أردت محاربا فاختره صربياً..'

بلد أول مصاص دماء كانت تمتص من المرء دمه حقا...مع ذلك لا يكره المرء بلده بتاتا..سيليستي كانت تبدو أوروبية المظهر أمريكية الحياة لكنها تربت في حروب صربيا و تعرف كيف أن خيط القوة هناك لا يدخل الإبرة بل يدخل قلبك..

......

بعد حوالي ساعة كان الجميع دون روميو يجلسون في قاعة الإستقبال و التي كانت عملا آخر من اعمال مايكل الممتازة....هندستها...جدرانها..أرضيتها..الزرابي فيها والألواح المعلقة و التماثيل في الزوايا...كأنهم في قصص خيالية...و لأن هندستها كانت مختلفة من الجدران للأسقف فإن التهوية فيها و من النوافذ العلوية المفتوحة أوتوماتيكيا جعلتها تحمل رائحة كالحديقة و هواء كنسيم البحر..

مايكل كان يبدو سعيدا جدا بالتجمع لدرجة أنه لم يتوقف عن الإبتسام كأن قرونا مرت منذ أن استمع لصوت شخص غيره في هذا المكان..

مارينا و أرتورو في الأعلى لفعل شيء ما..مايكل و نيكولاي و وولف يتحدثان قرب التلفاز ..أحيانا يسمعون الأخبار و أحيان أخرى يتحدثون عن شيء ما...بينما سيليستي و أديلينا فكانتا في نفس العمر لأنه من الغير المنطقي كيف أن سيلي كانت تضع حقيبة ثيابها في الأرض تبعثرها كليا فقط لأن أديلينا اخبرتها أن ثيابها جميلة و الآن هي تحدثها عن كل قطعة و من اين اشترتها تعلمها كيف تفرق بين القطع الأصلية و القماش المزيف...و رغم أن أديلينا لم تفهم شيئا لكنها بدت مهتمة جدا بكل ما تراه...اللغة بينهما غير متوافقة و مارينا ليست هنا لتترجم لكن سيليستي و الصغيرة توافقتا جدا دون ان يفهما بعض...لغتهما كانت الثياب..

في الأعلى مارينا كانت تنحني على الحوض بعدما استفرغت و لوهلة شعرت بوهن خفيف لأن الغثيان لا يصيبها سوى صباحا عادة...لكنها قضت وقتا في المطبخ و الروائح لم تساعدها...لذا لم تخرج من الحمام حتى غسلت أسنانها و استعادت نشاطها ...و حين فعلت تفتح الباب تفاجئت بوجود أرتورو في غرفتها...

لقد كان يجلس على حافة سريرها بحجمه الصغير و أقدامه تتدلى بينما يبدو كمن كان ينتظرها ...لكن طريقة عبثه بسترته و عضه لوجنته تؤشر لأنه متوتر من شيء ما...

لذا اقتربت منه تمنحه إبتسامة خافتة قبل أن تقترب منه و تنحني على قدمها أمامه لتصل لطوله تستفسر منه :

" هل هناك شيء يجول في ذهنك؟.."

فورا نفى برأسه يدفعها لتبتسم بينما ترفع حاجبها له كأنها تعرف أن ذلك ليس صادقا مما جعل وجنتيه تحمر و هو يتهرب من أعينها قبل أن يأخذ نفسا عميقا...بعدها و لسبب ما أفلت قميصه و باصابعه الصغيرة بدأ يعبث بشعرها يراقب كيف كانت تمرر اصابعها على اقدامه بلطف كمحاولة لدفعه للإسترخاء..

وصلها صوته خافتا مترددا بعدها بثوان :

" هل...هل أنتِ مريضة ؟..."

رمشت هي بتفاجئ كأنها لم تتوقع هذا السؤال بتاتا ...

" لماذا ؟ هل أبدو مريضة؟.."

كانت تحاول تحسس سبب طرحه السؤال لأنه بدا متوترا بالنسبة لسؤال عادي كهذا..لكن طريقته في تجنب النظر لها مجددا بعد سؤالها جعلتها صامتة فقط تكتفي بمراقبته و المسح على بشرته بلطف حتى يهدأ و يتحدث بنفسه..

" أنت تستفرغين منذ أيام..أعني..أنا..أنا سمعتك أكثر من مرة..هل أخبر أبي و نذهب للطبيب؟.."

سؤاله في الأخير همسه بينما يرفع أعينه الزرقاء لها بنظرة أمل في أن توافق على الذهاب للطبيب لتتعالج...و تلك هي اللحظة التي ارتخت فيها ملامحها ترق نظراتها باستيعاب و أخيرا...

كان يعتقدها مريضة مريضة...لا يفهم أنها أعراض حمل و هو يعتقد أنها مريضة مما أخافه..

لقد كان الفتى الصغير العبقري الذي جرب ألم الفقد من قبل و حقيقة أنه خائف الآن عليها معتقدا أنها مريضة بشيء ما جعلها تقف من مكانها لتجلس قربه على السرير قبل أن تحمله تضعه في حضنها تلف ذراعيها حوله تقربه منها في عناق جعله يدفن رأسه في صدرها و يضع وجنته ناحية قلبها...

كان صغير الحجم كبير العقل و القلب..و حقيقة أنه أخد نفسا عميقا حين عانقته كمن كان ينتظر هذا طوال اليوم جعلتها تضع قبلة على رأسه و تجيبه بنفس الصوت الخاقت :

" لا لست مريضة...هذه أمور طبيعية أرتورو..."

رفع رموشه للأعلى يحدق بها و وجنته لا تزال على قلبها ثم سألها بهمس :

" حقا ؟.."

لو كان طفل عادي آخر لقالت له أجل لتكتفي بهذا كجواب و ليكف عن طرح الأسئلة..لكن هو ذكي جدا و لو أخبرته أن الإستفراع أمر طبيعي سيحوله ذهنه لمعضلة بألف سؤال و يبحث عن جوابها و اسبابها..لهذا لم تستطع أن تكذب رغم أن الحقيقة هي أن إستفراغ الحامل ليس شيئا غريبا جدا...

لذا مررت يدها على ظهره تربت عليه تبحث عن كلمات تصيغ بها جوابها..

" ليس طبيعي حقا للجميع...لكن في بعض الحالات هو كذلك..."

" لقد اعتقدت ذلك أيضا..لكن...لكن أنتِ هكذا منذ مدة و و..."

برر أرتورو مجددا يجعلها حقا تحاول تذكر كيف و متى انتبه لإستفراغها عدة مرات ؟...لقد كان حذقا أكثر من الطبيعي و ربما كان يجب ان تكون أكثر حذرا حوله...

توقفه عن الحديث مع ذلك جذب انتباهها لأنه متوتر مجددا و عاد ليعبث بشعرها...

" أنا بخير حقا...لا داعي لتقلق..."

تمتمت له بهذا و هي تضع قبلة أخرى على رأسه لكنه لم يتوقف عن العبث بشعرها و هو يعض على وجنته مما جعلها تناظره دون توقف محاولة فهم ما يفكر به...

" أنا....أ أنا...هل....إنه فقط..."

أمسكت مارينا يده الملتفة حول خصلاتها بلطف توقفه عن ذلك و تدفعه لينظر لها و وجهه قريب منها ..حركتها تلك كانت تحثه أن يتحدث و هو ينظر لها كما علمته طوال الأشهر الماضية و قد فعل...

أخذ عدة أنفاس منتظمة قبل أن يرفع رموشه و يضع أعينه الواسعة الرزقاء الجميلة صوبها و يتمتم لها :

" أخاف أن أخسرك..."

كانت هذه الكلمات التي جعلت قلبها ينصهر كليا ليس فقط حبا بالفتى الصغير الذي كان السبب في أنها تمتلك جانبا لينا قبل أن تصبح أما أصلا..بل الفتى الذي كان يحبها بذات القدر الذي تحبه به و كان يظهر ذلك في خوفه من فقدانه..و لقد تخوف من هذا قبلا حين أراد أن يعرف إن كانت ستظل معهم طويلا أم ترحل...

و قبل أن تتحدث حتى سمعته يضيف بسرعة و كلماته تبعثرت بسبب مشاعره :

" لأنني أحبك..و أبي..ابي يملك المال..لذا أعتقد...يعني أعتقد أنه لو كنت تحتاجين الدواء يمكننا شرائه...حتى أنني أستطيع البحث عن الأمر مكانك...يمكنني أن...ما أريد قوله هو لا يجب أن تبقي مريضة...يمكننا أن ...أن نجد الحل...."

هذه هي اللحظة التي قررت فيها مارينا إيقافه حين مسحته على وجنته بأصابعها بخفة قبل أن تميل أقرب له تهمس :

" هل أخبرك بسر شرط ألا يعرف به أحد سواي أنا و أنت ؟..."

ظهرت تقضيبة بين حاجبي أرتورو قبل أن تحمر وجنتيه و هو يومأ سريعا يهمس لها :

" بيني و بينك فقط ؟ كمهمة يجب أن أحافظ عليها ؟..."

لمعت أعين مارينا و هي ترد :

" أجل كالمهمة...سأخبرك به و يجب أن تحتفظ به داخلك حتى يحين الوقت لنتحدث بشأنه..."

فورا هز رأسه بموافقة سريعة و لوهلة بدا متحمسا لفكرة أنه سيحتفظ بسر بينه و بينها فقط كشيء يخصهما لوحدهما..لذا لم تستطع ألا تضع قبلة على وجنته ثم شفاهه تراه يخجل سريعا قبل أن يبدأ يعبث بشعرها بظرافة...

حينها قررت إستخدام كلمات بسيطة لتخبره بالامر الذي لا يعلم به أحد سواها بعد :

" أنا لست مريضة..أنا أستفرغ لأن هناك شيء في بطني لا يحب الروائح و الأكل حولي..."

نظر لها الصغير باستغراب كأن عقله بدأ يضع احتمالات للأمور في البطن التي تفعل هذا...لكنها لم تمنحه المزيد من الوقت حين اضافت :

" هناك جنين في بطني أرتورو..."

لاحظت كيف اتسعت أعينه فورا يفرق شفاهه كأنه لم يتوقع هذا بتاتا ...بل بغير تصديق همس لها :

" جنين ؟ يعني بيبي صغير كحبة الفول؟.."

أومأت مارينا و هي تهمس له تلعب معه لعبة المهمة و الجندي الصغير :

" أجل...هو لا يزال صغيرا لكنه سيكبر ليصبح أخا أو أختا لك..."

اتسعت أعين أرتورو أكثر كأنها صارت بحجم كوكب و همس :

" أخ و أخت أصغر مني ؟..."

أجل..."

" بيبي صغير ؟..."

" أجل..."

" هو ينام هنا في بطنك؟..."

" أجل..."

" يكره الروائح ؟..."

" بعضها أجل..."

رمش أرتورو عدة مرات و أبعد أعينه عنها يحدق بالأرض بشرود و بفراغ كأنه رجل كبير و يفكر بحل لإنقاذ العالم من هجوم الفضائيين...بدا كأنه علق في بعد آخر أو علق في أفكار عقله العبقري ذاك...لقد كان يشاهد وثائقيات الحيوانات ..لكن هذا لا يعني أنه يعرف كيف يحدث الحمل و لا كيف يحدث الإلقاح و لا ما الشيء الذي يفعله الذكر و الأنثى ليحدث...لكنه كان يعرف عن الإنتاج و نظام السلسلة الحيوانية و أنه باقتران الذكر والأنثى هناك دوما كائنات صغيرة تنتج..

لهذا فاجئها حين نظر لها فجأة يعض على وجنته و سأل بتردد :

" هل يكره رائحتي ايضا ؟..."

فورا أجابته :

" لا..رائحتك يحبها كثيرا.."

و كتأكيد لذلك عانقته تضع عدة قبلات في وجهه و بشرته تراه يحمر مرة أخرى..قبل أن يمنحها إبتسامة واسعة و أخيرا و هو يبادلها العناق الذي لم يدم طويلا لأنه استوعب شيئا ما فعاد للخلف قليلا و تمتم ..

" هل هذا يعني أنه سيكون لنا فرد جديد في العائلة ؟..."

رقت نظراتها لرؤية الأمل في أعينه كأنه ينتظر بفارغ الصبر أن تقول له ليفرح فرحا كبيرا..

" أجل..."

و مباشرة رأت ملامحه تتحول لتصبح سعيدة و هو يعض على وجنته كما لو بدا يفكر بكيف ستصبح حياته عندما يحضر شخص جديد للعائلة..و هي كانت تعلم...أرتورو هو الوحيد الذي لم تكن قلقة من ردة فعله لأنه كان يحب كل الكتب الذي حصل فيها الفتى على اخ و أخت أصغر منه...كان دوما يحب المقاطع التي ترويها له في الروايات أين الفتى الذي كان الأصغر بات الأكبر لحصوله على من هو اصغر منه...

فكرة أن يملك شخصا أقل منه ليعتني به كانت تجعله سعيدا و متحمسا لدرجة عانقها مجددا بقوة يدفعها لتضحك بخفة و هي تعدل وضعيته لتعانقه بشكل أفضل...

" سأعود بعد لحظات..."

تمتم أرتورو بهذا بابتسامة سعيدة و هو يبتعد ينزل من حضنها و يركض نحو الباب حتى أوقفته هي تقول بهدوء :

" تذكر السر بيننا..."

" أعلم...لن أخبر أحدا...أنا فقط سأحضر شيئا من الغرفة..."

و بهذا منحها ابتسامة خجولة و هو يخرج ركضا متوجه للمكان الذي سيبنام فيه هو و أديلينا في نفس الرواق هذا قرب غرفتها..

لقد كان الفتى الذي يحب أخته و يعتني بها دوما يمنحها أغراضه و ينفذ لها طلباتها لذا لم يكن لديها أدنى شك بأنه سيكره حملها أو يخاف منه و من ما سيغيره في حياتهما لأن الحقيقة كانت أن الصغيران لا يستوعبان بعد تأثير الزواج و ماهيته...كانا يعرفان أن مارينا زوجة وولف لكنهما لا يعرفان شيئا عن أنها الزوجة الثانية و أنها ربما لو دخلت لحياتهما و هما أكبر كانا سيكرهانها و ينظران لها على أنها أتت بديلة لأمهما و جنينها بديل لهما...

لكنهما اصغر سنا من رؤية ذلك...بالنسبة لهما سيكون الأمر طبيعيا جدا ة لا شيء غريب في حصولهما على أخ أو أخت لأن والدهما واحد..

عاد أرتورو بعض لحظات يركض و اقترب منها يحمل شيئا خلف ظهره و لمعة في أعينه تحمل من الأمل و الحماس ما تحمله من تردد كذلك..

قبل أن تسأله رأته يسحب موسوعة من الخلف يمدها لها بكلتا يديه و هو يقف بحجمه الصغير بظرافة أمامها يقول :

" هذه هديتي له...لحبة الفول... الصور فيها جميلة جدا سيحبها..."

لو لم تنصهر مشاعرها قبلا لانصهرت الآن و تحول قلبها هلاما في هذه الثانية بالذات...

لقد كان يقدم موسوعته المفضلة للجنين كهدية..الموسوعة التي كان يحضنها دوما و يأخذها معه لأي مكان..الموسوعة التي قرأها مليون مرة حبا بها..كان يمنحها يتخلى عنها في نفس اللحظة التي علم بها بأنه سيحصل على أخ أو أخت أصغر..

لم تستطع ألا تنزل من السرير تنحني على ركبتيها أمامه قبل أن تعانقه بقوة هو و موسوعته الجميلة...عانقته بقوة لدرجة شهق بتفاجئ قبل أن يلف يدا حولها يبادلها العناق كذلك...

" تعرف أنك أفضل فتى في العالم ؟ "

بخجل تمتم لها بصوت مكتوم عند شعرها :

" أنتِ تخبرينني بهذا دوما ' ما ' ..."

" لأنها الحقيقة..و ستكون أفضل أخ في العالم ايضا لأنك فقط مثالي.."

همست له بهذا تكرر له العبارات التي تقولها له دوما لأنها تود ان يقتنع بها...أنه لا ينقصه شيئ و لا يعيبه شيء و ليس أقل من أي أبناء آخرين ...

" أحبك ' ما '..."

همس لها هذا مجددا بنبرة خافتة جعلتها تضع قبلة على وجنته و دون تردد أخبرته :

" أنا أيضا أيها الصغير.."

كانت تحبه حقا و لا تعتقد أن حبها للتوأم حب عفوي كحب الام لأبنائها...فالأم التي تلدهم تحبهم طبيعيا لأنهم منها قطعة و دم..لكن مارينا أحبتهم اختيارا..أحبتهم لأنها قررت ذلك و اختارتهم دون الجميع...

.......

' يا إلهي ' ..

كانت هذا ما تمتمت به سيلي تحرك شفاهها لمارينا بينما أعينها متسعة و هي تنظر لوولف يتناول طعامه بهدوء جانبها..

هزت مارينا رأسها بقلة حيلة تشرب من الماء لتخفي إبتسامتها و هي تحاول نقل رسالة بأعينها لصديقتها لتتوقف عن التحديق به كأنها لم تر رجلا في حياتها بينما يدها متجمدة على الملعقة دون أن تتناول شيئا..

لكن سيلي نفت برأسها تحرك لها شفاهها مجددا بعبارة ' لا أستطيع ألا أنظر ' و بعدها تابعت تحديقها بوولف دون أن ترمش و مارينا متيقنة كليا أن زوجها جانبها يعلم كليا ما يجري و لو أُتيحت له فرصة الإختفاء من المكان لأخذها فورا ..تكاد تقسم أنه يمنع نفسه بصعوبة من دفن وجهه في رقبتها ليخفي ملامحه عن الأنظار..

من يراه لن يصدق أنه وولف سييرا..لقد كان يبدو محترما جدا و صامتا طوال العشاء ..و رغم معرفته لهوية سيلي حقا لكنه لم يبد اي ردة فعل تظهر ذلك حين عرفتهما على بعض لما جلسوا في الصالة..

أرتورو كان يجلس في حضن والدها و الذي رغم تورد وجنتيه خجلا إلا أنه كان مستمتعا بالسماع لأبيها يتحدث بينما يطعمه الأكلات التي ساعد بنفسه العمال في تحضيرها..

أرتورو فتى من الصعب مقاومته ببساطة..كان يجذب الأشخاص لحمله و تقبيله كثيرا حتى تحمر وجنتيه بسبب ظرافته و خجله و مايكل مر بذلك كونه لم يستطع ألا يتعلق به و يضعه في حضنه منذ قدومهم..و كل مرة تقع أعين أرتورو عليها كانت ترسل له غمزة عن السر بينه و بينها فكان يبتسم بطريقة لطيفة ...

تنهيدة أديلينا جانبها جعلتها تنقل أعينها لها تراها و هي تضع يدها أسفل ذقنها و تحدق بروميو بحالمية و حب واضح في اعينها..بينما هو قضب جبينه يركز مع صحنه يرفض النظر لأديلينا كونه يتعرض لهكذا موقف و لأول مرة في حياته ..أن تُعجب به فتاة صغيرة و ترمقه بهكذا نظرات..

متوقع جدا من أديلينا صراحة خصوصا و أن أول ما سألت عنه حين وصلوا هو عدد الأمراء الوسيمين في روسيا.. و ما أن رأت روميو ينزل ليقوم بتحيتهم حتى بدأت تحلم و القلوب تتطاير من أعينها..

روميو كان روسيا قلبا و قالبا..بشرته بيضاء ..شعر أشقر باهت جدا ..ملامح متناسقة كعارضي الأزياء ..رائحته منعشة و أطراف أصابعه باردة دوما كأنها وُلدت في كنف الثلوج..ولا خصلة من شعره في غير مكانها الصحيح و حتى ثيابه كانت مضبوطة الألوان و جلسته مرتبة.. في الظاهر يبدو مجرد شخص منظم مثالي لكنها تعرفه و تعرف أنه يعاني من إضطراب الوسواس القهري..

وسواسه ليس خطيرا و إنما بدافع التفقد المستمر للكمال و التمام..دوما يشعر بالحاجة للتأكد من أن كل شيء في وقته و في مكانه و أنه لم يخرب شيئا أو يكسر نظاما ما..حالته ليست خطيرة و لن ينهار لو فشل في ذلك لكن تصيبه حالات توتر جدية و يمتنع عن الراحة حتى يصلح كل شيء.. ليس طبيعيا كشخص منظما و ليس مريضا كشخص يحتاج أدوية..ربما هو يحتاج علاجا نفسيا فقط.

مما يفسر كيف أنه يحرص دوما على مسح زجاج ساعته عدة مرات حين يبدأ فقد سيطرته على وضع ما و كيف يتفقد الوقت كل خمس دقائق بالضبط..كيف يرتب المكونات في صحنه قطع اللحم في جهة و الخضر في جهة و الهليون في جهة ثم يأكل كل واحدة بالترتيب بأعداد زوجية..قضمتي لحم..قطعتي خضر ..رشفتان ماء..روميو لم يملك عبثية الفوضى و المشاعر التي حملها روميو من كتابات شكسبير..بل كان النقيض تماما و على الأغلب سيلي صديقتها كانت تعلم ذلك لهذا كانت من حين لآخر تسرق قطعة خضر من صحنه تجعله يرمقها بنظرة إنزعاج وهو يمسح على ساعته عدة مرات كل مرة تخرب لو توازن الأعداد في طبقه..

هي بدت مستمتعة و هو بدا حريصا على ألا يقترب منها بتاتا لدرجة لم يلمسها حتى لمنعها من لعبها معه..

شيء ما يحدث بينهما...هي تشتم ذلك منذ مدة لأن هناك توتر في الطاقة بينهما و التي رغم جلوسهما قرب بعض إلا أن سيلي بدت مصرة على تغيير مزاجه أو جعله ينسى شيئا فعلته..تلك عادتها..هي تزعج الأشخاص حين تود طلب المسامحة منهم ...

" وُوف وُوف مرر لي السلطة من فضلك..."

و هكذا تجمد الجميع مكانهم..

قال مايكل هذا فجأة باعتيادية و هو يقضم طعامه لم ينتبه لكيف تصلبت أصابع وولف على الشوكة و لا كيف تصلب جسده..

هل ناداه ووف ووف كأنه يقلد صوت الرياح ؟..

عضت مارينا على لسانها تمنع نفسها من الضحك بينما سيلي فقد سعلت كأنها اختنقت بسبب رغبتها في الضحك على عكس نيكولاي و روميو الذان كانا ينقلان أعينهما بين مايكل و وولف يتوقعان شيئا ما ليحدث...

مايكل الذي بدا كأنهم لم ينتبه أصلا لما قاله بل و لا يهتم اصلا لأنه شيء عادي بالنسبة له منح الناس ألقابا غريبة...على عكس وولف الذي نظر له كأنه يملك ألف رد في عقله لكنه يمنع نفسه من التحدث..

و بنفس الإستمتاع راقبت هي كيف وضع وولف الشوكة جانبا و مرر لوالدها صحن السلطة يراها تتحدث مع أرتورو دون أن يعرف بما فعله معه و كيف أن إسمه ومكانته لم يكونا في موضع جيد..

" هل قال ما أعتقد انه قاله ؟.."

همس لها وولف بهذا و هو يلتفت ناحيتها بملامح جدية فأومأت بابتسامة و هي تربت على فخده اسفل الطاولة :

" أجل...تخطى الأمر قريبا لأنه ليس الأخير حتما..."

" لا أعتقد أن هناك إسم أسوأ من ووف ووف صدقيني..."

فور قوله لهذا تحدث والدها فجأة :

" لفلف هل أرتورو يقول الحقيقة ؟ أنت لا تحب الأكلات البحرية ؟..."

و هنا لم تستطع أن تتمالك مارينا نفسها و ضحكت على تعابير وولف عند سماعه لهذا...لقد بدى كأنه مرض فجأة و هو يرى إسمه يتعرض للتشريح بسبب لسان والدها و أفكاره الغريبة...القاضي شحب وجهه و هو يسمع شخصا يناديه لفلف و ووف ووف..

هل كانت تتوقع قدوم يوم كهذا ؟ لا..

هل أحبته ؟ أجل ..

.............

" سأعود أنا لأحرص على إنهاء الأمر.."

قال نيكولاي هذا بهدوء و هو يفتح الباب لمارينا لتنزل في الظلام داخل المرأب و رآها تغلق المعطف الطويل الذي ترتديه لتخفي قطرات الدم من ثيابها ..

" حسنا ..احرص على أن يتولى روكسيلي مهمة الإتصال برفاقنا في الكريملن لا أود للخبر أن ينتشر في الصحافة توازيا مع قدومي..عليهم دفن الجريمة تماما ثم دعنا نغادر في الصباح الباكر نيكولاي..أريدك جاهزا على السادسة..سنجد الحل لتولا أوبلاست ..أعتقد أن الوقت قد حان لأرسل ظرفا لعائلة يازيكي بعد قطعهم لممرات ش..."

قاطع نيكولاي كلامها حين ضحك بخفة يضع أيديه على كتفها ليوقفها و هو يتمتم :

"تمهلي تمهلي.. أعلم..لقد جهزنا كل شيء و راجعنا الخطة أكثر من مرة..أنت في عطلة هنا لذا لا تتحمسي...فقط ارتاحي و سنلتقي صباحا ..."

على الأغلب لقد تحمست بالفعل...لقد غادرت منذ خمس ساعات و لم تدرك أن الوقت مر بتاتا كون العودة لروسيا تجلب معها كل أنواع الأعمال و هي نسيت كم أن الأمر يثير الأدرينالين لدرجة نسيت تعبها تماما..

لهذا أومأت و هي تعض على شفتها بتفكير تسمح لنيكولاي بالمغادرة تراه يركب السيارة السوداء المظللة و يغادر بينما يرتدي القبعة ليخفي خصلاته الشقراء..

هو لا يعلم أنها حامل ..لو علم لما سمح لها يفعل ما فعلته قبل قليل...لقد تتبعوا جماعة ما في الأزرقة ليتأكدوا من السرقات التي تجري..و عادة أمور التعقب تنتهي باتجاه واحد..فستانها الوردي الذي ارتدته صباحا و هي قادمة لروسيا و الذي خرجت به نظيفا من المنزل عادت به توا ببعض الدم ...قليلا فقط...ليس شيئا مرعبا.. لم يكن من المفترض أن تفعل ما فعلته لكن بعض الأمور تطورت و خرجت عن يدها للحقيقة..

أخفت مارينا أيديها خلف ظهرها و التي رغم أنها مسحتها بالمناديل المبللة من الدم إلا أنها لا تزال متسخة..كانت ترتدي معطفا و رغم أنهم كانوا في الربيع صباحا لكن في روسيا حتى الصيف لا يكون حارا بل دافئ مع رطوبة...لهذا الليل في الربيه يكون باردا لكن حقيقة أنها تردي المعطف ليست سوى لتخفي ثيابها و بقع الدم على رقبتها...

بينما كانت تدخل من باب المراب للمنزل و تصعد الدرج الذي يستخدمه الخدم لتتجه للطابق الأعلى حرصا أن تكون خطواتها صامتة توافق الظلام الذي يغلف المكان ...لقد تجاوز الوقت العاشرة ليلا..لقد نسيت تماما الإتصال بوولف و تذكر ذلك جعلها تعض على لسانها مدركة أنها وعدته حين خرجت أن تعود سريعا و ترسل له رسائل لتطمئنه..

الجميع نيام داخل غرفهم في هذا الوقت لهذا ستسجل دخولا سريعا جدا و تستحم لأنها لا تعتقد أنها ستنام..لقد كانت تشعر بنشاط في دمها و رغبة في أن تعمل حتى تتعب و ..

" عدتِ.."

وضعت مارينا أيديها خلف ظهرها ما ان تسارعت ضربات قلبها لدى سماع صوت وولف...ليس الكثيرون يفاجئونها لكنه فعل...لقد ظهر من الظلام من منتصف الرواق و لم تنتبه له رغم أنه يبدو كمن كان ينتظر هنا لمدة..

توقفت مكانها تنظر له يقترب منها مرتديا سروالا منزليا أسود و قميصا أبيض دون أكمام بينما يضم يديه لصدره و يحدق بها مع كل خطوة يتجهها نحوها..

لقد كان يعلم ما الذي فعلته..تكاد تقسم أنه قادر على شم الدم من بعيد كالذئاب..

" اعتقدتك نائما ..."

تصريح كاذب لأنها العاشرة فقط و وولف ليس أرتورو لينام مبكرا لكنها تحاول تشتيته على أية حال..

قالتها و هي تضع يديها خلف ظهرها تنتظره ان يصل لها بينما تحاول و بفشل إخفاء مظهرها عنه...رغم أن الإضاءة الوحيدة في المكان قادمة من نور الحديقة الذي ينعكس على النافذة خلف وولف إلا أنها واثقة أنه يراها بوضوح كما تفعل معه..

" أنام و زوجتي خارجا في الليل؟..."

كعادته كل مرة يقول زوحتي تتسارع ضرباتها قلبها و ترق نظراتها..هذه المرة أيضا فعلت تراه يتوقف أمامها يسدل رموشه بينما يمرر أعينه على كل إنش من وجهها قبل أن ينظر لها من الأعلى للاسفل يتأكد من أنها ليست مصابة أو مجروحة..

رأته يرفع يده لرباط معطفها ينوي فتحه و هناك مدت يدها تمنعه بصمت و بتلك الحركة فقط كما لو ترفض أن يراها بالدم فهو أمر مقرف..لكنه رفع اعينه يمنحها نظرة واحدة هادئة تتحداها أن تمنعه ثم و بأصابعه فتح معطفها بالكامل يكشف عن الفستان الوردي الناعم الذي جعلها تبدو كالفراشة صباحا و كان الآن مغطى بالدم كأن الجسد الذي يلفه ليس جسد الأميرة بتاتا...

راقبت مارينا ملامحه عن قرب تتحسس ردة فعله و توقعت أن يقول لها الكثير و أي شيء لكنه بهدوء نظر لها يتمتم عبارته :

" لو أردتِ رأيي صراحة..أحمر الدم يليق بك أكثر من الوردي.."

عبارة مختلة لشخص مختل و هي مختلة لأنها أحبتها..لأنها تتذكر يوم فتح الإتحاديات حين عاد بالدم و قالت له أن لون الدم يليق بأعينه...وولف كان يُريها نفس فعل التقبل الذي أرته له..عيوبها هي عيوبه و عيوبه هي عيوبها..

ما بينهما كان يبدو يوما عن يوم أكبر من مجرد حب..

لهذا الإبتسامة التي منحتها له حينها كانت جميلة لدرجة جعلته يسحبها من معطفها حتى ارتطم صدرها بصدره و وضع قبلة على شفاهها سريعة تكفي ليتمتم لها هناك :

" هل هناك جروح تؤلمك ؟.."

سألها و هو يمسح على فكها بخفة فنفنت برأسها مبتسمة :

" ليس كثيرا..حاولت ألا ألكم بيدي حتى لا تظهر كدمات و نيكولاي تولى البقية.."

بررت هذا بنبرة هادئة لطيفة كأنها أميرة ورديو ناعمة كالفراشات لكنها كانت تتحدث عن القتل في الحقيقة و وولف سييرا كان رجلا مجنونا لأن أعينه لمعت عند ذلك يجيبها..

" متأكدة ؟.."

" أجل ..لماذا ؟.."

" كنت سأقبل الأماكن التي تؤلمك.."

فلتت ضحكة خافتة منها و هي تدفعه من صدره بمزاح لكن أعينها حملت العبث الذي كان يود وضعه في ملامحها و حين هزت راسها باستمتاع تنوي تجاوزه لتذهب للغرفة و تستحم أوقفها حين أخذها على حين غرة و حملها قبل حتى أن ترمش تجد نفسها بين يديه و سارعت تتمسك به تلف يديها حول عنقه يحملها كالعروس..

"دعيني أعتني بك.."

تمتم لها هذا بخفة و هدوء و سار يتحرك بها كأنها لا تزن شيئا و شيء في أنه يحملها هي و إبنهما جعلت نظرتها ترق و هي تستند برأسها على كتفه تسمح له ليأخذها للغرفة..

" شكرا.."

همست له بهذا كأنها تهمس بسر له فقط و كإجابة لها وضع قبلة على رأسها يأخذها للغرفة ...أين جهز لها الحمام و حوض مياه دافئة لترخي عظامها بعد سفرتين متتاليتين..

.....

بعد حوالي ساعة كان وولف يجلس على السرير في غرفتها مرتديا ثيابه و سألها بهدوء :

" إلى أين سنذهب بالضبط ؟..."

خرحت مارينا من غرفة ثيابها و هي تضع قبعة على خصلات شعرها تجيبه بينما تتجه للدرج ترتدي خواتمها :

" سأريك موسكو سيد سييرا..ليست موسكو التي تعرفها حتما..."

وولف استمع لهذا لكنه لم يركز معه جيدا لأنه كان يركز معها و ما ارتدته ..سروال جينز ضيق و فستان أبيض ضيق كذلك مع حذار رياضي و قبعة بيسبول سوداء تترك شعرها منسدلا و هذا كان أكثر مظهر طبيعي لأميرة روسيا...عادة في المنزل ترتدي ملابس عادية لكن لا تخرج بها...و الآن هي تود أن تأخذه في موعد لكن كمارينا فقط...

الصدفة كانت أنه يرتدي سروال جينز كذلك و قميص أبيض...الفرق فقط أنه يرتدي سترة قصيرة ليخفي مسدساته خلف ظهره و هي لا ترتدي سترة...و لم يستطع أن يبعد عيونه عنها لأنه لم يسبق أن رآها ارتدت شيئا و لم يجعلها كالفراشة..

التفتت له حين لاحظت صمته و ما أن وقعت أعينها العسلية عليه حتى تسارعت ضربات قلبه تضربه في صدره بالضبط..و لثوان لم يتحدث أحدهما فقط ينظران لبعض...و لشخصان غيرهما قد يبدو غريبا لكن لهما كان هذا طبيعيا جدا...أن يختفي الكلام حين تلتقي النظرات...

تحركت مارينا نحوه بعدما حملت شيئا معها لم ينتبه له حتى وقفت أمامه ..ابتسمت له تبعثر كيانه ثم وضعت قبعة على رأسه شبيهة لخاصتها و بهمس تمتمت له :

" كأول يوم التقيتك به..."

حين كان مراهقا يخفي وجهه أسفل القبعات و يحني رأسه خوفا من أن يراه أحد من ماضيه و كانت هي الصغيرة التي تبعته لظلمات مدريد دون أن ترى منه شيئا غير ظهره...

لهذا حين وضعت القبعة له تعدلها شعرت به يميل برأسه بينما ينظر لها و لم تستطع ألا تمرر أناملها على وجنته كأنها تمررهم على ذاكرتها و قلبها أين يعيش هو..

وضع وولف قبلة على اصابعها التي تلمسه قبل أن يقف يتجاوزها طولا قليلا ثم أمسك يدها ليغادرا رغم أنه لا يتحمس لرؤية موسكو حقا بقدر رغبته برؤيتها بأعينها هي ...و قبل حتى أن يغادرا المنزل علم أنها لن تأخذه لأي أماكن اعتيادية لأنها لطالما امتلكت نظرة مختلفة غير اعتيادية للاشياء و ستفعل كذلك للمدينة التي تربت فيها...

وولف دي إيسكيفال كان محقا لأنهما بعد أربعة و ثلاثين من القيادة وجد نفسه يستلقي على كرسي عاري الصدر يشعر بحرقة في جانبه موضع قفصه الصدري..

كانت تضع له وشما جديدا...هما الآن في المحل الذي وضعت فيه وشومها مع نيكولاي و هو مكان يملكه رجل إسمه غروستوف ما أن رآها منحها إبتسامة يغادر تاركا المكان الفارغ لهما لأنه لا أحد غيرهما سيود وضع وشوم في هذا الوقت...

" تعرفين أنني أثق بك أليس كذلك؟..."

سألها و هو يحدق بالسقف و يشعر بأنفاسها تضرب بشرته لأنها كانت منحنية تركز مع الوشم كليا...

" أجل ..."

" تذكري ذلك و أنت تضعين الوشم لطفا...أخشى أن تكتبي شتيمة سرية هناك بلغة لا أعرفها فقط لأنني أزعجك دوما.."

رآها ترفع أعنيها العسلية له تمنحه إبتسامة جانبية قبل أن تعيد التركيز في ما تفعله تجيبه بنفس الطريقة :

" كنت أفكر برسم قض** لكن شكرا على الإقتراح.."

اهتز صدر وولف بضحكة خافتة مما جعلها تصفعه من ذراعه تتمتم :

" توقف عن الحراك..."

" حسنا سيدتي..."

همس بابتسامة لمحتها في صوته و هو يستند بذراعه أسفل رأسه ..و دون أن ينظر لها بتاتا..تأكيد في أنه جدي جدا بثقته فيها و أنه يمنحها كامل الحرية في إختيار وشم جديد له عدا ذلك خلف عنقه الذي وضعته له حين التقيا بألكانتارا و أوناي لأول مرة..الآن أيضا أرادت منحه وشما عند أول زيارة له لموسكو مرتبطا بها قبل أن يكملا سهرتهما..

و هو ما كانت تفعله منذ دقائق..هناك مصباح مسلطة فوقهما كأنها تقوم بعملية جراحية...شعرها كانت تجمعها ذيل حصان منخفض بينما تحمل مسدس الوخز بيد و القطن في الأاخرى مرتدية القفازات كليا...حتى تمسح قطرات الدم التي تسيل من حين لآخر بسبب حساسية هذه المنطقة عن غيرها...

" أنت متأكدة أنك لا تضعين وشم شتيمة قذرة ؟..."

" هل تحاول حثي على وشم شتيمة في جسدك؟.."

" ربما "

اعترف فورا دون خجل فهزت رأسها تمسح بقوة على جرحه تجعل إبتسامته تتسع فقط دون أن يتألم بينما يخبرها :

" أنا فقط أحاول سماعك تشتمين أشعر أنك تودين فعلها دوما..."

" أنا أشتم الناس كثيرا في ذهني..."

" بالضبط ما قصدته...اُشتمي بصوتك..."

" لا.. لما سأقول كلمات بذيئة...ثم توقف عن الحراك..."

" لا تغيري الموضوع...اُشتمي..."

" لا..."

" صدقيني لن تموتي و لن يموت أحد..."

" اخرس وولف..."

" هذه ليست شتيمة..."

" لا أصدقك ...تودني حقا أن أسبك ؟.."

كانا يتجادلان ..هو مستلق على نفس وضعيته باستمتاع و هي تركز مع الوشم و تخفي إبتسامة جانبية..

" حسنا علميني شتيمة روسية قذرة من الشوارع..."

" أنت تعرف أنني لست أديلينا وولف أليس كذلك؟.."

جعله هذا يضحك بخفة مجددا لأنه بالفعل يستخدم هذه الطريقة مع ابنته..كل مرة ترفض فعل شيء يخبره أن تريها كيف تفعله ليفعله هو وينتهي بها الأمر تفعله في نهاية المطاف أثناء تعليمه...خدعة لا تنجح مع زوجته الذكية دون شك لأنها قالتها بهدوء شديد كأنها توقعت حركة كهذه منه...

مع ذلك رآها تعض على وجنتها تهفي إبتسامة بينما تعتدل في جلستها قليلا لتحضر قطعة قطن معقمة جديدة قبل أن تتمتم له بالروسية :

" блядь (blyad) "

" أوووه..."

" хуй (khuy) "

" هذا يبدو مثيرا.."

اتسعت إبتسامة مارينا على استمتاعه فأضافت و هي تنظر له كأنها توجه الشتائم له هو :

" на хуй (na khuy)"

" تعترفين بحبك لي ؟.."

" ебать (yebat') "

" هذا بدا عاطفيا.."

" пидор (pidor) "

" كلها تبدو كلمات سأحب استخدامها مع أندريه.."

هذا نجح في جعل مارينا تضحك بخفة و أعينها العسلية تملع بينما تنظر لها...كلما تقول له شتيمة كان يعلق عليها كأنها يسمع شيئا ممتازا رغم أنها تستخدم شتائم قذرة جدا من الأزقة الروسية...شتائم حتى و هو يتقن اللغة لن يعرف سوى معناها الحرفي و لا استخداماتها العديدة سواء في الغضب أو في الجنس..فكل شتيمة لها أكثر من ست أو ثماني معاني هنا في البلد و كلهم غير محترمين بدرجة سيئة جدا...

لكنه كان مستمتعا بهذا..هناك شبح ابتسامة على شفاهها و هو يميل برأسه قليلا مستندا على ذراعه ليراقبها حين ضحكت...

و بعدها أخبرها بنفس النظرة الجميلة التي كانت تجعل اتزانها المعتاد يتداعى :

" أحترمك لدرجة أود القيام بالكثير من الأمور غير المحترمة معك..."

حبست مارينا أنفاسها تستمع لذلك و يدها توقفت عن وضع الوشم لكنه لم يمنحها فرصة التحدث حتى أضاف وابتسامته تتسع قليلا :

" البداية من الشتائم سننتقل للأمر التالي سيدة سييرا ..."

و هنا رفعت هي حاجبها له ..

" الأمر التالي؟...هناك خطوات يجب أن أتبعها للفسق؟..."

" بالتأكيد..هل تخبرينني مثلا أنك تعرفين كيف تقنعين بائعة هوى بخفض سعر ليلتها ؟..."

اتسعت أعين مارينا لوهلة كأنه الم تتوقع هذا فلمعت أعينه الزرقاء باستمتاع خفي ..

" لما سأود تعلم هذا أصلا ؟..."

" تجارب حياة..."

" ماذا سأستفيد من هذا ؟..."

" في العمل...نصف رجال الأعمال بائعات هوى سرا ..أقسم لك..."

عضت مارينا وجنتها كأنها منشطرة بين رغبتها بالضحك على سخافته أو فقط صفعه من ذراعه مجددا و للأسف فعلت الإثنين حين ضحكت بخفة تمسح على وجنتها أين دغدغتها خصلة من شعرها قبل ان تصفعه من يده قائلة :

" لما تعرف أنت هذا ؟...пидор (pidor) "

لقد شتمته قائلة أنه ابن عا**** و هو ما جعله يعيد راسه للخلف يضحك بخفة كأنه نجح و أخيرا في جعلها تشتمه في عبارة..

و هي أرادت شتمه مجددا للحقيقة لأنه ببساطة يخرج الجوانب القذرة منها لكنها لم تستطع ألا تنظر لضحكته...هي هي تعد كم مرة يضحك وولف ؟...أجل هي تفعل...مع كل يوم و كل لحظة لهما معا كانت يرتخي أكثر...يصبح مزاجه أخف..ملامحه اسعد..إبتسامته أوسع و ضحكته أصدق...لم يكن الرجل الذي قابلته في غرفة مكتب باردة ليوقعا عقد زواج مبني على صفقة لا غير...بل كان الرحل المستلقي على طاولة في محل وشوم يمنحها الإذن و الثقة لتخط على جسده م ايريد و يعلمها أن تتحرر معه بينما يضحك كأنه رجل عادي جدا..

رجل عادي سعيد...

أعينها رقت و هي تراقب ذلك و كيف يمرر لسانه على شفته السفلى حين يكون على وشك الإنتهاء من ضحكه..كيف تتحرك تفاحة آدم خاصته و كيف تسقط خصلاته على جبينه..

الحب في الحقيقة لم يكن أن تعجب بشكل و قلب و روح شخص ما و لا مجرد تعلق بين شخصيتين كقطعة الأحجية لبعض...بل هو رجل و إمرأة يقودان بعضهما للعلاقة الصحية السليمة...يرممان جدران بعض و يبنيا حصون علاقتهما سويا...

لقد فعلت معه ذلك لسنوات و هو يفعله معها الآن كأنه يقترب من الوصول للحب الذي وصلت له هي لأنه يفهمه..فوولف لم يكن المجرم الذي لم يجرب الحب في حياته...بل كان الرجل الذي جرب فقدان الحب و ألمه ..عائليا..عاطفيا..شخصيا و ذاتيا..لهذا معها هي كان يسير في الحب بخطى واثقة يتجنب كل الحفر التي وقع فيها قبلا و يتفادى كل الأفخاخ ..

كان يريها أنه لا يكبرها فقط سنا بل مسارا في الحب...لهذا كان يمنعها من التحفظ معه و من الإكتفاء بالإحترام أمامه..الشتم ليس حقا هدفه بل فك قيدها في الكلام...يودها حين تتحدث معه أن تفعلها كمارينا ..كزوجته أو كمجرمة تعرف كل مدخل و مخرج قذر للأزقة الروسية..

أن لا تمتنع عن البني لأنه يكرهه بل ان ترتديه كونه يليق بها ..و أن تحلق في الحب معه مستقلة حرة بأجنحتها...خارج عشه و نحو مملكتها..

واصلت بعدها وضع وشم له و هما يتحدثان بنفس الطريقة عن عدة مواضيع أحيانا يضحك هو و أحيانا هي..أخبرها أثناء ذلك عن كيف أن أول عمل له في حياته كان مع ألكانتارا في جمع أموال القتالات و الرهانات صباحا و حراسات بيوت الدعارة ليلا يمنع بائعات الهوى من التعرض للتعنيف من قبل السكارى و رجال البنس الواحد ..

هناك تعلم كل شيء عن تجارة الجنس و تعلم كل شيء عن حياة بائعات الهوى..كل واحدة تملك قصة و تاريخا و ألما و جرحا...هو كان الفتى المراهق الذي يملك وجها جميلا يخفيه دوما و لا يتحدث معهن لكن لو سمع صراخ إحداهن كان يستخدم العنف..

في عالمهم كل الإجرام يقومون به..وولف لا يعمل في تجارة الرق و لا تجارة الجنس لكنه يعرف أن الكثيرون يفعلون و حين تكون أيديك قذرة انت لا تنتقد أيدي الآخرين..لهذا هذا لم يمنعه من تعلم كل شيء متوفر أمامه..العمليات..الكلمات ...العبارات التي تقال و النظرات التي تُمنح...هو لم يولد فجأة و يجد نفسه شخصا يحكم إجراما قويا...لقد بدأ من الصفر.من الآيفا لليوم..وكل شيء تعلمه ..

لهذا هي كانت تستمع لكل شيء...كل قصة مرفقة بحادثة مضحكة..كل قصة مرفقة بدرس تعلمه...كل قصة مرفقة بجرح خلفته ..هي كانت ترسم على جسده شيئا و أعينها كانت تقول شيئا آخر..

حين أنهت وضع الوشم وقفت من مكانها تفكك مسدس الإبرة تضعه مكانه قبل أن تحمل ضمادات و غلاف بلاستيكي شفاف و عادت له تنظف بقع الدم من الوخز...لكنها قبل أن تقوم بتضميده له رفعت يده تنزل المرآة المعلقة في الأعلى قرب المصباح كأنها طبيبة و قربتها للأسفل ناحية الوشم حتى يستطيع رؤيته و قد فعل..وقف قليلا يستند بمرفقيه على الطاولة الجلدية أسفله حتى يرى ما كتبته لكنه لم يفهمه...بسبب إنعكاس الحروف واللغة الغريبة...

كانت هناك عبارة مكتوبة بخط جميل و ملتفة حول وشمومه هناك كأنها أغصان شجرة تتسلل بين اضلعه..بحروف جعلته يخمن أنها فارسية..عربية أو أردية و أسفلها هناك رسمة صغيرة لمخلب ذئب..

لذا رفع أعينه لها ينتظر منها شرح ذلك فتمتمت له عبارة بالروسية تمنحه ابتسامة هادئة :

" Среди волков надо быть волком "

كانت العبارة روسية تعني ..وسط الذئاب عليك ان تكون ذئبا...

" لقد وشمتها بالعربية لأنك لا تملك أي وشم عربي .."

أوما لها بشبح ابتسامة يتساءل بهدوء و هو يعتدل في جلسته كليا :

" لما العبارة هذه بالذات؟..."

انحنت مارينا تقترب منه..هي واقفة و هو جالس أنفاسها تضرب بشرته العارية و بينما هي تقوم بتضميد الجرح أجابته :

" في روسيا يستخدمونها ليصفوا الشخص الذي بنى نفسه بنفسه...الرجل الذي تم رميه بين الذئاب فصار ذئبا بدوره..أعتقد سيد سييرا انه لا بد و ان تحمل تعريفا لنفسك على جسدك..من إسمك لروحك..أنت لا تحتاج قطيعا لهذا وضعت مخلبا واحدا للذئب الواحد..."

أمال وولف رأسه قليلا يراقب كيف خرجت الكلمات منها بانسيابية كأنها تسيل من ثغر حورية يشعر بأناملها دافئة على بشرته و دقات قلبه صاخبة في صدره..حين أنهت ابتعدت عنه تنزع قفازاتها ترميهم في السلة و هي تنوع الوشاح الحريري الذي كانت تربط به شعرها بينما هو وقف و ارتدي قميصه فورا يتوجه للمكان الذي تقف فيه قرب طاولة المعدات تعيدهم لمكانهم قبل أن يمد يده و ياخد قفازات جديدة يرتديها يراها تحدق به فجأة باستغراب...

لحظتها قال لها و هو يرفع حاجبه :

" أنتِ بالطبع لا تتوقعين أنني الوحيد الذي سيضع وشما جديدا الليلة أليس كذلك ؟..."

لمعت أعين مارينا تتذكر ليلة فتح الإتحاديات حين أخبرها أنه يود وضع وشم عليها بنفسه لهذا منحته إبتسامة و تلم كانت موافقتها على الأمر..حتى سمعته يقول و هو يجهز عدته :

" تعري..."

صفعته مارينا من يده فصحح فورا :

" قصدت انزعي قميصك من فضلك..."

" لا يمكن إصلاحك حقا..."

تمتمت بهذا و هي تتوجه لتجلس على مكانه سابقا تراقب ظهره يتحرك مع تحركه بينما يجهز ما يحتاجه و هي متيقنة انه يعرف كليا ما يفعله بعد نشأته مع ألكانتارا لذا بابتسامة هزت راسها و هي تنزع قميصها تضعه جانبا حتى أنهى هو ما يفعله..

حين التفت لها...يرتدي قفازات طبية بيضاء و مسدس الحبر في يد منحها نظرة جعلتها تتنهد...نظرة ذئب حصل على فريسته في المكان الذي يريده...

..........

ساعة اخرى حتى كانت هي و هو أعلى سطح بناية ينظران لأزقة في الاسفل يراقبان في الظلام و الأنوار الصادرة من برج أوستانكينو كانت تمر عليهم كأضواء المنارة في البحر...

موسكو كانت شهيرة بالبرج الذي يعد الأطول في الدولة هو برج إذاعة لكن في الليل كان يُدر أضواء متناوبة كالمنارة يمنح المناطق حوله شعور النجومية في هوليوود و مداخل صالات السينما في الثمانينات ...

لكنه الآن كان مصدر الضوء الوحيد للسيد والسيدة سييرا أين يمنحهما نورا لثوان من حين لآخر يكفي ليراقبا ما يجري...

و هناك بينما ينظران لبعض النشاطات من الرجال الملثمين في الظلام أسفلا نطقت مارينا بخفة :

" في روسيا قبل أن يحكم ملوك الجريمة الأربعة قبل أكثر من عشرين سنة...كان هناك صراع بين الباخان زينوفي و الباخان ياروسلاف..كلاهما كانا منافسان لبعض في التجارة الموازية...لكن رتب الباخان و العمل الذي نتج عن تبعات الاتحاد السوفياتي سرعان ما تغير كليا و اندثر بحلول العهد الجديد في الجريمة المنظمة و دخول روسيا لأسواق الجريمة الجديدة..من تراهم هناك في الأسفل هم آخر من تبقى من تلك الفترة...نحن نطلق عليهم بوتومكي..ذرية الباخان...ليس أبناء دم زينوفي و ياروسلاف لكنهم جماعة احتفظت بنفس أسلوب العمل القديم في الثمانينات...ليس الكثيرون يعرفون بوجودهم حقا..."

استمع وولف لذلك باهتمام قبل أن يزيل المنظار من أعينه و يراقب التحركات أسفلا ...أين لا أحد سيرصدهم لكن هم يرصدونهم بسبب الأنوار من البرج...

لقد سمع القليل عن هذا...الإجرام الروسي...روسيا في الحقيقة لم تكن منطقة يمكن القول أنا تابعة كليا لطاولة الحكم لأنها ليست كذلك...بعض الفاديتا يملكون تجارات هنا و كذلك بعض الكابوني..عوائل إجرامية يملكون ممتلكات هنا و بعض النبلاء في المافيا متزوجين من عوائل روسية تابعة للروي...

لكن قبلا...قبل الروي و قبل حكام الجريمة الأربعة..حين كانت ورسيا تابعة للإتحاد السوفياتي حينها الجريمة لم تكن مثل الآن...و هذا بلد بقدر شساعته بقدر أحداثه..و في الجريمة كان يملك صفحات في التاريخ بدوره...لأنه لم تكن هناك مافيا منظمة بل كان هناك حكم شوارع و عصابات..تطور تدريجيا من الثمانينات حتى ظهرت رتبة تُعرف بالباخان..و هي لفظة روسية تعني الرجل المرموق في الجريمة...مثلما في المافيا يملكون لفظ الزعيم أو الحاكم أو الكابو...في روسيا كانوا يملكون الباخان و لقد تواجد اثنان منهم فقط .. لم ينجو أحدهم من حروب العصابات و لا من بطش القانون مما جعل حكمهم قصيرا دام لحوالي 12 سنة فقط قبل أن تصبح روسيا هي روسيا و ملوك الجريمة أربعة...

لا عجب أنهم في الثمانيات كانوا يتاجرون بالتجارة الموازية..لأن اوضاع البلد كانت تجعلها الأكثر ربحا و الاقل ضررا...فهي قائمة بأكملها على بيع و شراء في السوق السوداء لكل القطع المحظورة دون أي ضرائب أو رسوم جمركية..

و الحقيقة أن تاريخ الدول في الإجرام كان مختلفا...و روسيا لم يتفاجئ كثيرا بمعرفة أمور كهذه عنها...فبقدر اختلاف و تنوع ألوان الأبنية بقدر تنوع اسرارها..

" اعتدت أن آتي هنا و أراقبهم يحملون البضائع...ثم اتبعهم لمعرفة الطرق التي يسلكونها ..مرة بعد مرة استطعت رسم و تتبع المسار الذي كان يستخدمه كل باخان سابقا لتمرير الشحنات... كان ذلك ممتعا حين لا أجد شيئا لفعله .."

اضافت مارينا المعلومة بنبرة خافتة لكن هذه المرة فعلتها بابتسامة و هي تفلت منظارها كذلك تنظر له بأعينها أسفل القبعة المنخفضة تخفي وجهها...و لولهة رمش كأنه في تلك الثانية بالذات استطاع و بشكل واضح جدا ربط مارينا الواقفة أمامه الآن بمارينا الصغيرة التي تتبعته فضولا كذلك قبل سنوات...و الصورة في دهنه جعلت قلبه ينبض و هو واقف بصمت أمامها..

هناك لمعة في أعينها الآن..لمعة إمرأة تتحدث عن أمور لن تخبرها لأحد لسواه كأنها تريه الطريق لما لن يلمسه أحد غيره داخلها..الجزء منها الذي لا يعرفه من يعرفون الأميرة التي تكونها..أين لن يخمن أحد أنها الآن في وقت متأخر من الليل تقف على سطح بناية تراقب آخر جماعة متبقية من عصابة إجرامية في الثمانينات و تريه أحد أهم أسرار الدولة التي لا يعرفها أحد...

هو كان مثل أولئك الأشخاص...نظر لها أول مرة و خمن أنها لطيفة..مملة و ربما مزعجة...لكنها كانت مبهرة..ملهمة..و متميزة...المرأة التي لا تلعب باللؤلؤ في وقت فراغها بل تتبع مسار إجرام تاريخي و تفعلها بابتسامة ..بفضول و بحماس..كأنها تُخلق سوى للعب على حبلين واحد صورة على غلاف مجلة و الثاني صوت على طاولة إجرام...هو متأكد أنه لو كان له قلبين لقفزت على الحدين منهما..

حين رمشت تميل راسها قليلا تراقب صوته علم أنه ظل يحدق بها غير قادر عن التحرك كأنها صفعته بوجهها...بوجودها و بحديثها..فتدارك الوضع حين اقترب منها وهو يرفع قبعته قليلا يتمتم لها :

" كم كان عمركِ وقتها ؟..."

" 16سنة..."

اي حين كان هو في الرابعة و العشرين تقريبا..كانت هي هنا تتبع المجرمين تتعقبهم...

لذا لم يستطع أن يكبت الابتسامة الجانبية التي ظهرت على شفاهه حين تمتم لها :

" إستخدمتِ ذلك في بناء عملك كروي؟..."

أومأت مارينا و هي تلقي نظرة أخرى على البوتومكي الذين ينقلون البضائع خاصتهم قبل أن تخبره :

" لا يمكنك أن تخيف الروسيين إن لم تكن تعرف كل مداخلهم و مخارجهم..لهذا كان علي أن أعرف تاريخ الإجرام هنا جيدا قبل أن أحاول تطويره..."

" كم استغرقك الأمر؟..."

" أول سنتين كانتا الأصعب ..البلد شاسع جدا و كل مرة أعتقد أنني نجحت في منطقة تنهار منطقة أخرى قبلها..كأن كل شجرة تزرعها تعود لتذبل ما أن تزرع ثانية معها...لذا استخدمت منطقا بسيطا لتغيير ذلك.."

وولف كان جد فضولي لسماع نشاة الروي و كيف عملت على تطوير كل ما تملكه الآن و هي ابتسمت حين رأت ملامحه المنتظرة لسماع أجوبتها فلم تبخل عليه حين لفت ذراعها داخل ذراعه ليغادرا السطح لمكان آخر تجيبه في الطريق..

" السبب في سقوط أحجار الدومينو وولف هو أنها تقف متقاربة من بعض...لهذا إذا أردت أن تحافظ على صف لا يهتز من قطع الدومينو عليك أن تحرص على تباعدها بحيث لو سقط حجر ينجو البقية..."

رفع وولف حاجبه و هو ينزل درج البناية معها و لمعة مميزة في اعينه يراقب شفاهها تتحرك بينما تضيف :

" في روسيا اعتبروا الروي المحتل لدولتهم كالنازية في أوروربا...لذا اضطررت أن أعمل بمبدأ المحتل أولا حتى اضمن بقائي ثم أغير معاملتي لهم...لذا قمت بإبعاد العشائر عن بعض و أجبرتهم على الترحيل من أراضيهم...إستخدمت طرقا عنيفة نوعا ما و قمت بسد الطرقات عليهم في التجارة..كلانا كنا نخسر المال لكن على عكسهم أنا لم أحتج المال لدا مخاطرتي كانت تستحق...جعلتهم يعتقدون انني سادمرهم كليا بسبب رفضهم لوجودي...هذه باختصار كانت أول سنتين...بعدها بدأت باستعادة كل عشيرة حبة بحبة و المجرمين هنا صدقني تعودوا على المال لذا حين تحرمهم منه ثم تمنحهم الكثير منه دفعة واحدة سيتبعونك للجحيم..."

" لكن لتفعلي هذا في سنتين الخسائر تكلفك أكثر بكثير من الأرباح.."

سألها بتقضيبة و هما يخرجان من المبنى للشارع كأنهما ثنائي عادي يتجولان ليلا بينما أسلحته خلف ظهرها و الإجرام الذي تتفوه به هي كان أكبر من اعتباره عاديا..

" استخدمت طريقة في الحقيقة...كنا نتاجر بالرمل في البحر الأسود و المال الذي نحصل عليه منه نستثمره باسم وهمي هنا في شركات النفط الكبرى ليستخدموه في التنقيب و الإنتاج..و لأضمن أن تكون أرباحي أكبر كنا نتسبب في إرتفاع اسعار النفط مما يخدم روسيا بشكل كبير...كنا نمد الاسلحة للدول في حروب و صراعات...المشاكل الجيوسياسية دوما ترفع أسعار الذهب الاسود مما يدر علينا بالمال...من جهة أبيع الأسلحة في الحروب الاهلية للدول الكبرى للنفط و من جهة أكسب المال من التجارة ثم أستخدمها في احتلال روسيا..."

كانت أعمال إرها*بية...الإرها*ب الذي يصوره الإعلام في التلفاز حقا كان مزحة لأن الإرهاب الحقيقي كان ما يجري في المافيا..الأيادي الخفية التي تتسبب في الحروب و تسيطر على دول النفط كالعراق و إيران...فقط لتتسفيد الدول الأخرى منها كروسيا و أمريكا و التي تسمح للإستثمارات الخارجية في شركاتهم مما يعني مجددا ايادي إجرامية تتحكم في النفط و مصير الدول...المال كان سيد العالم الحقيقي و أتباعه كانوا كالشياطين يتبعون لوسيفر و أي مصدر يضخ لهم النقد..

هو كان يعلم بهذا لأنه مثله مثل كل مجرم في العالم فعل ما هو أسوأ من الإر*هاب...لأن المافيا كانت هي من تمد الأموال و السلاح للحرب و من يدعمهم كانوا السياسيين و رؤوس البلدان..لم يكونوا هم بدأوا الحرب دوما لكنهم حتموا سهلوها لأصحاب السلطة...كأن تبيع المخ*درات القاتلة و تخبر الناس أنهم أحرار في تعاطيها أم لا..هو قبل فترة فقط هدد ملك دولته و تهديد الملك هو عمل إرها*بي...وضع قن*بلة في ملعب هو عمل إرها*بي..هو لم يكن مختلفا جدا عنها و عن اي قاتل آخر في عالمهم..

بالنسبة له هذا كان ذكاء..و بالنسبة للجميع كان أسلوب حياة..من وُلد أرنبا سيرى الأسد هو شرير القصة بينما الأسد يرى الأرنب مجرد أكلة..

" هل تحدثت كثيرا ؟..."

سألته مارينا هذا بنبرة ظريفة و هي تميل برأسها قليلا تعض على شفتها كأنها مترددة و تعتقد أنها تحدثت أكثر من المعتاد لكنه ضحك بخفة على نظرة أعينها اللامعة قبل أن يفاجئها بحملها و هما في الشارع يدفعها لتضحك بدورها بينما تتمسك في عنقه و هو يحركها كأنها صغيرة الحجم بين يديه أو كأنها صغيرة...

و تلك كانت إشارته لأنه لن ينزعج بتاتا بل يحب أحاديثها لذا قضت طوال ليلة تجولهم تحكي له شيئا ما عن تاريخ الروي هنا..لأن الوشم الذي وضعه لها كان مخلبا و قد تسارعت ضربات قلبها حين أراه لها و هو يتمتم..

' الآن هناك فرد آخر في قطيعي...'

أخبرته أنه ذئب وحيد لا يحتاج قطيعا فقام بوضع وشم مشابه لخاصته لها يضمها معه و قد أحبت الأمر كثيرا كأنها هي و هو يملكان سرا بينهما و يجمعهما...قطيع خاص بهما مكون منه و منها...

و هو حين كان يضع الوشم لها و أراد وضعه في نفس المكان رفضت فورا و أقنعته أن يضعها في أيديها إما على أصابعها بحجم صغير أو على رسغها لأنها لا تريد لأي جرح وشم أن يقترب من رحمها في حال حدوث إلتهاب قد يؤذي الجنين...لذا اختارت لوشومها أماكن بها عظم أكثر..كمفاصل الأصابع اين وضع لها عبارتان صغيرتان في جانبي الإصبع الذي يحمل خاتم زواجهما...

لهذا الآن كانت تحمل أربعة وشوم جديدة صغيرة جدا ...المخلب الاسود في رسغها و الذي كان بحجم حبة لؤلؤ..ثم عبارتان في الإصبع و عبارة أخرى مستقيمة خلف عنقها..

' Mi Latido '

كان يحب نبضها و دوما يقبله لدرجة باتت تعتقد أنه لو كانت لهما إبنة قد تسميها نبض لأنه الشيء الذي يحبانه في بعضهما..كانت تعلم أنه يود وضع المزيد لها..هي طوال حياتها لم تضع الكثير من الحبر و دوما يكون في أماكن غير ظاهرة كثيرا للعيان لأنها لا تزال تلعب دور الاميرة التي لا تفقد شيئا سوى الموضة و الاعمال..

لكنها تتفهمه فهي مثله..من يجرب الوشم مرة سيفهم لما من يبدأ به سيحول الكثير من جسده للوحة منه...الوشوم كانت كالإدمان لأن ألم الوخز ذاك يصبح كالمخدر ...لكن وشم شخص تحبه يمنحك إحساسا بالتملك قد لا يكون عنيفا و إنما رغبة في رؤية أثرك لك على جسده..

هي أيضا حين رتى جسده تود وضع أثرها من الحبر في كل مكان فارغ تضع لنفسها تاريخا على جسده الذي كان مليئا بتاريخ غيرها ممن مروا بحياته...لذا لا تملك أدنى شك في أنه مستقبلا سيحاول دفعها ليضع المزيد لها....

بعد رحلة لمحل الوشوم و لسطح المراقبة الخاص بها لفت الشوارع به تروي له قصة كل و كل حدث مرت ف=به في مكان ما لأنه فعل معها هذا قبلا في بلده و أرادت أن تفعل له المثل...و كل مرة تخبره شيئا كان غما يضحك بخفة أو يمنحها نظرة جميلة بتلك اللمعة في أعينه الزرقاء كأنه يحب ما يصل لمسامعه كليا..

بعدها أخذته لمسرح البولشوي..مسرح تاريخي مشهور بعروض الباليه والأوبرا ...أرته الممرات السرية في المكان خلف الكواليس و التي كانت تستخدمها مغنيات الأوبرا قديما ليلتقوا سرا بعشاقهم و أسفل الدرج الذي يقود لرافعة الثريا أين كان يضع المجرمين المال و السم لتأخذه راقصات الباليه و يقتلوا به اصحاب المال بعد إغوائهم...

و هو احب ذلك جدا لدرحة ضحك و تردد صدى ذلك في المسرح الخاوي و بين المقاعد المخملية الحمراء...و هي لم تحب ما تفعله بقدر حبها لنتائجه عليه...كأنه ليس القاضي الذي سيغادر روسيا بعد ايام ليتابع عمله في فتح القضاء..لكنها فخورة برؤيته ينسى مشاكله و عمله هنا لا يرغب بشيء سوى قضاء الوقت معها و لا التركيز مع شيء عداها...

حين أنهت خرجت معه للمكان قرب المسرح اين كانت هناك نافورة تبدو كأنها خرجت من رواية لشكسبير بالاضواء فيها و الشاعرية حولها...هناك انتبه بعض الأشخاص لوجهه لكنه لم يرهم لأن كل مرة تلتفت لتر إن كان متضايقا تجده يحدق بها كما لو انه يستغل فرصة نظرها لمكان آخر لينظر لها..

و بنفس نظرات الحب راقبها بابتسامة حين أوقفتها فتاة شابة لتلتقط صورة معها قرب النافورة و وافقت هي على ذلك..كانت المرة الاولى التي يسألها عن شهرتها هنا و لم تخجل من إخباره أن من يعرفونها في مواقع التواصل الإجتماعي يعرفون النسخة المزيفة المدللة منها.. بسبب ثرائها و صورتها المؤثرة في الموضة...أنهم يتحدثون كثيرا عن نوع الثياب التي ترتديها و المجوهرات التي تملكها أكثر من الغنجازات التي تملكها..عن الأشخاص الذين تلتقي بهم و السهرات التي تحضرها..

بالنسبة لها ذلك كان ضروريا لأنها تستطيع حماية نفسها كليا من الصحافة بحيث لن تصل صورها للصحافة و لا تنتشر للإنترنت لكنها أوضحت له السبب...

" لو كنت أملك الكثير من الحماية و لا يستطيع احد الوصول لي كأي شخص مشهور هنا فيسجلب ذلك الشكوك نحوي ...لذا من حين لآخر أضطر لمنحهم شيئا ليتحدثوا به لأيام كانني مثل غيري غير محصنة من كلام الإعلام..."

" حياة الشهرة متعبة.."

قالها فورا بطريقة شخص سعيد جدا أن لا أحد يطلب التقاط الصور معه او وضع أخباره و أخبار ما يرتديه في الصحف..كأنه اقشعر من الفكرة و بالنسبة لرجل لا كاميرا في إسبانيا ترصده فذلك جعلها تضحك بخفة..

الليل كان جميلا و كذلك الجو حين جلست هي على حافة النافورة و هو واقف يدخن بعيدا عنها قليلا بينما يتحدثان سويا كأنهما مجرد عشاق في موعد..ثيابهما عادية و أحاديثهما عفوية جدا لا يفهمهما سواهما...كان يخبرها عن أفكاره و خططه المستقبلية و تستمع هي له باهتمام...ثم يسألها عن خاصتها وتخبره كذلك...

سألته عما ينوي فعله بعد فتح الاتحاديات بشكل رسمي فأجابها النوم لثلاثة أيام..

سألها عن الفترة التي تريد بقائها هنا فاخبرته شهر فقط حتى تري التوأم كل شيء هنا...

أرتورو سيحب المراكز العلمية و هندسة المكتبات هنا و سينبهر حتما بمعارض الفلك و أحواض السمك الضخمة..أما أديلينا فستحب المسرح حتما و مقاهي الأطفال التي يملكونها في موسكو أين يمكنك وضع أطفالك ليقوموا بتلبيسهم كالأميرات من فساتين و مجوهرات في غرف تشبه غرف الأميرات في أفلام الخيال... كعالم باربي...

لاحقا أخذته لكاتدرائية المسيح المخلص..كاتدرائية من الخارج كانت بيضاء و ذهبية تكاد تبدو أحيانا شبيهة لتاج محل في الهند...الفرق فقط أن الكاتدرائية كانت للرب و تاج محل كان للحب..قصر بناه إمبراطور مغولي في 22 سنة حبا و رثاء بزوجته...القصر الذي يقولون أنه يحمل لعنة التاج الأسود..

كانت الكاتدرائية الآن خالية لذا حين دخلتها هي و وولف كل ما قابلهما هو تمثال المسيح و الشموع المضاءة في كل مكان...لم تكن هناك إنارة كهربائية فقط الشموع كالعصور القديمة..فنزعت هي و هو قبعاتهما و تقدما صوتهما كانا الوحيد رفقة شاب في الأمام ينحني ليشعل شمعة و يتمتم بشيء للمسيح في هذا الوقت كأنه في أمس الحاجة لتتحقق دعوته..

" أنتِ أرثودوكسية؟ ..."

أومأت فورا تمنحه إبتسامة..لأنه بالنظر للكاتدرائية فإن هيكلتها و التسابيح الذي يتمتم بها ذلك الشاب تختلف...فالأرثودوكس يعلون قطعا غنية شرقية و قداسهم يكون تسابيح بالقبطية و الروسية أو السلافية..على عكس الكاثوليك..

لذا وضعت يدها داخل كفه تشعر به يشد قبضته عليها و يسمح لها أن تقوده أقرب للأمام و تتحدث بنبرة خافتة في هذا المكان تشرح له :

" أبي أرثودوكسي لذا أنا أتبعه..إسمي المسيحي هو يكَاتيرينا آفانغارد.."

" ماذا ؟.."

" أجل...أنا لا أستخدمه بتاتا لكنه موجود.."

كانت هناك لمعة إستمتاع في أعينها و هي تراه متفاجئ من شيء بسيط كهذا لكنها ثوان حتى أعاد أنظاره للأمام و تمتم بإسمها بالروسية كما هو ..

' Marina Yekaterina Avangard Sierra '

نطقه بلسانه اللاتيني كأنه يحفظه داخل روحه و بعدها ظهر شبح إبتسامة جانبية على شفاهه كأنه أحبه و راقبت هي ذلك من الجانب بقلب ينبض ..

ظلت هي و هو يقفان في الامام يراقبان الفتى ذلك و الذي بدا يافعا جدا و يائسا يطلب شيئا من الرب و حين أنهى إشعال كل الشموع وقف يقوم بإشارة الصليب ثم يلتفت يغادر ركضا من المكان مارا بهما دون أن يحدق بهما اصلا كأنه مسرع جدا للحاق بشيء ما..

حينها أفلتها وولف و اقترب من الشموع التي كانت على الأرض و في كل مكان بعضها ذائبة و تكاد تنطفئ بينما الكثير منطفأة ربما بسبب الرياح من الأبواب المفتوحة...لذا انحنى و أخرج ولاعة سجائره ليشعلها فأوقفته بصوت خافت :

" ربما يجدر بك استخدام أعواد الكبريت الخاصة بالكاتدرائية..."

هناك و بينما هو منحني على ركبة واحدة التفت لها وولف يرفع حاجبه و خصلات من شعره تسقط على جبينه يخبرها :

" تعرفين رأيي حول البركة أليس كذلك؟.."

ضمت مارينا يديها لصدرها تهز رأسها بابتسامة جعلته يمنحها شبح إبتسامة كذلك و يشعل الولاعة يستخدمها لبث اللهب في الشموع..و راقبته هي هناك دون أن ترمش...كيف أنه غير مؤمن حقا و لا متدين لكنه حين علم بانتمائها للأرثودوكس أشعل الشموع كما لو لا يرغب لجهله في الدين أن يمنعها من الدعاء بأي ما كانت ترغب به الليلة هنا...

كان يشعل الشموع حتى تدعو هي مكانه لأنه لا يصلي...

أشعل كل الشموع في الأرض التي أوشكت على الذوبان ثم بدأ ينتقل لبقية الصفوف تدريجيا يرفض أن يترك شيئا مطفئا من أجلها و بعدها وقف ليشعل حتى الموجودة في إناءات ذهبية مرتفعة تتلى من السقف...كان يمد ذراعيه للأعلى يشعلها بالولاعة التي يدخن بها و بحرق بها و يرتكب بها الجرائم..

فكرت كثيرا كيف ستخبره و باي طريقة و في أي محطة بالضبط في هذه الليلة...لكنها الآن شعرت أن أفضل مكان هو مكان الرب لذا ألقت نظرة على تمثال المسيح قبل أن تضع يدها على قلبها الذي كان سيخرح من صدرها بسبب عنف ضرباته...ثم دون تردد و دون مزيد من التأخير رأته يعطيها بظهره يتجه لشموع في الزاوية حين نطقت العبارة ..

" أنا حامل..."

🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬


احيييييييييه🙂🙂🙂🙂🙂 نذالة مني أليس كذلك ؟ تحبونني رغم ذلك اليس كذلك ؟

هل فهمتم قصدي حين قلت أنه يجب على الفصلين أن يكونا في نفس اليوم ؟ هل فهمتم 😂😂

المهم الفصل القادم و ربي قنبلة من كل النواحي...سينزل الليلة بعد أن تنهوا قراءة هذا الفصل😂😂😂

أخاف أسرب العنوان أفضح حدث مهم و أنتم ماشاء الله تحليلاتكم بدات تتطور 😭😭😭

نيكولاي له ظهور قوي الفصل القادم 🥵🥵

أخبرتكم من قبل أن أرتورو يملك مشهدا مفضلا عندي...مشهذ هذا الفصل 😭😭 كيف وقف أمامها و منح هدية لحبة الفول 

+حقيقة أن أرتورو هو أول من علم في الرواية توضح الكثير🥺🥺❤

ألقاب مايكل لوولف ؟ 😂😂هيبته خرجت من المجرة و ربي كبير

سيلي و روميو 🥺🥺

رفاييل المز الذي سيغير الإجرام في آسيا 😭😭😩😩 

موعدهم في موسكو🥺😭

وولف كان يري مارينا إسبانيا و الآن حان دورها هي و كان عليكم أن تروا بعض تاريخ الجريمة الروسية و لمحة عن كيف فعلت ما فعلته 🥺🙊

و أخيرا القفلة الشريرة...الحمد لله الفصل بعدها الليلة😭😭

استعدوا🤸‍♀️🤸‍♀️ الفصل 46 ليس للقلوب الضعيفة

أحبكم يا رفاق جميعا واحدا بواحد 🙊❤

Continue Reading

You'll Also Like

202 62 5
« زهرة العنكبوت الحمراء » او كما تلقب في عمق اليابان ب_ زهرة الموت_ تعني _الهجر والفراق أو عدم اللقاء مجدداً _ ذات معاني عديدة، بقدر جمال شكلها وبها...
33.5M 1.9M 47
اثناء دوراني حول نفسي بالغرفة بحيرة انفتحت عليه الباب، اللتفتت اشوف منو واذا اللگه زلم ثنين طوال لابسين اسود من فوك ليجوه وينظرولي بأبتسامة ماكرة خبي...
157K 13.4K 17
انا شَخص اخر بـجانبكِ.
17.6K 2.1K 30
" أريد أن أكون امرأة سيئة ، أودك أن تكون صديقي و كل شيء لا يمكن لأي شخص آخر أن يكونه " " سنقوم بأشياء لا ينبغي للأصدقاء القيام بها " " نحن في بداية ا...